إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (79) - النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه

عرض كتاب الإتقان (79) - النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليهللشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التفسير لغة: مأخوذ من فسر، بمعنى بين، وفي الاصطلاح: بيان معاني ألفاظ القرآن الكريم، وما زاد على ذلك فهو من علوم القرآن. وتشتد حاجتنا إلى علم التفسير؛ لنعرف ماذا أراد ربنا منا، وعلم التفسير من أشرف العلوم؛ لأنه يتعلق بتوضيح أشرف الكلام وهو كلام الله.

    1.   

    بيان مفهوم التفسير والتأويل

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    النوع السابع والسبعون من كتاب الإتقان في علوم القرآن للإمام السيوطي في معرفة تفسيره وتأويله، وبيان شرفه والحاجة إليه.

    وفي هذا النوع كان كلامه رحمه الله تعالى قليلاً، أقل من المتوقع، فقد كان المتوقع أن يكون الحديث أطول من ذلك، وقد ذكر فيه ما يتعلق بالتفسير والتأويل، وبيان شرفه والحاجة إلى التفسير.

    معنى التفسير والتأويل

    أما ما يتعلق بالمصطلحات، فقد ذكر معنى التفسير في اللغة، وكذلك معنى التأويل، ورد كل معنًى إلى أصله اللغوي، والصحيح أن التفسير أصله من مادة (فسر)، بمعنى: بين وكشف ووضح، و(التأويل) أصله من الأَوْلِ وهو الرجوع، هذا هو الأصل اللغوي، أما الأقوال الأخرى التي ذكرها -خصوصًا في التفسير- أنه مقلوب من: (سفر) فهذا كلام غير دقيق، فما دام أن للكلمة معنًى ظاهراً في اشتقاقها، فلا يصح أن تجعل من مادة أخرى، وإن تقارب المعنيان، فإن معنى السفر والتفسير متقارب، وتقارب هاتين المادتين في المعنى لا يلزم منه أن تكون إحداهما أصلًا للأخرى.

    وأما القول الثاني الذي ذكره في معنى التأويل، وأنه بمعنى: الإيالة وهي السياسة، فهذا أيضًا فيه تكلف في جعل هذا هو أصل المادة، ولهذا قال: (كأن المؤول ساس الكلام ووضع المعنى فيه موضعه)، وهذا فيه نوع من التكلف الذي لا نحتاج إليه، ما دام المعنى الأول واضحًا، في أن المراد به الرجوع.

    أقوال العلماء في الفرق بين التفسير والتأويل

    وأما ما يتعلق بالفرق بين التفسير والتأويل فقد ذكر طائفة من أقوال أهل العلم، إلا أنه لم يعتنِ في هذا الباب بذكر أقوال السلف رحمهم الله، ولا بذكر معنى التأويل في لغة القرآن ولا في السنة؛ ولهذا لم يعرج على المعنى الثاني فأهمله، والمعنى الثاني هو ما تؤول إليه حقائق الأشياء، فإن كانت أمرًا فتأويلها فعلها، وإن كانت نهيًا فتأويلها تركها، وإن كانت خبرًا فتأويلها وقوعها، وهذا النوع من التأويل هو المصطلح الغالب في لفظ التأويل في القرآن، ومثله قوله سبحانه وتعالى: يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ [يوسف:100]، فمعنى قوله: تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ )) أي: ما آلت إليه الرؤيا، أو قل: هو تحققها على أرض الواقع، فهذا يسمى تأويلًا، وهذا المعنى هو الغالب على لفظ التأويل في القرآن، ولم يرد التأويل بمعنى التفسير وهو المعنى الأول، وهو الذي أشار إليه من قول أبي عبيد القاسم بن سلام وطائفة، أنه بمعنى هذا القول، أي قول أئمة اللغة، وهو أيضًا قول جماعة من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين في قوله سبحانه وتعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ [آل عمران:7]، فجعلوا التأويل بمعنى: التفسير؛ ولهذا يقال: إن تعريف التأويل في اللغة لا يخرج عن أحد هذين المعنيين، إما أن يكون المراد به التفسير، وإما أن يكون المراد به ما تؤول إليه حقائق الأشياء، فهذا هو معنى التأويل، وما عدا ذلك من تعريفات التأويل، فهي تخصيصات وتحكمات، وغالب ما قيل في هذه التفريقات بين التفسير والتأويل يرجع إلى أحد هذين المعنيين، وهذا الموضوع طال فيه الكلام وكثر؛ بسبب عدم معرفة هذا الأصل، وهو معنى التفسير في اللغة وفي القرآن وفي السنة، فوقعت هذه التفريقات الاصطلاحية التي تخصص، أو تتحكم في مدلول هذين اللفظين.

    ثم ذكر عن ابن حبيب النيسابوري أنه بالغ في الرد على من قال بأن التأويل بمعنى التفسير، حين قال: قد نبغ في زماننا مفسرون، لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه، ولكنه لم يذكر أنه أنكره بعينه، لكنه ساقه بمساق الإنكار، فإن كان ابن حبيب ينكر أن يكون التأويل بمعنى التفسير، فهو محجوج باللغة وبأقوال أئمة السلف في هذا.

    وأما ما ذكره عن الراغب الأصفهاني من أن التفسير أعم من التأويل، وأن أكثر استعماله في ألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، فهذا أيضًا تفريق اصطلاحي، وليس بتفريق دقيق، بمعنى أننا نقول: إن التأويل في تأويل المفردات.

    وهو الذي استخدمه ابن جرير الطبري في قوله: (القول في تأويل قوله تعالى)، فإذا قلنا: ما تأويل قوله تعالى كذا، فهو كقولنا: ما تفسير قوله تعالى كذا؟ والذي ذكره الراغب الأصفهاني هو نوع من التحكم في المصطلحات، ولو كان مصطلحًا خاصًا فلا إشكال في ذلك، بشرط ألا يؤثر على المعاني؛ لأن المصطلحات إذا أثرت على المعاني أو غيرت الحقائق، فإنها لا تقبل، ويعترض عليها، أما إذا كانت مجرد مصطلحات والفارق فيها فني فليس فيه إشكال.

    مثال آخر على هذا، قال بعضهم: التفسير: بيان لفظ لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا.

    والتأويل: توجيه لفظ متوجه إلى معانٍ مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة، فلو تأملنا هذا وأردنا أن نطبق عليه معنى التفسير، فإذا كان عندنا الآن لفظ لا يحتمل إلا معنًى واحداً، وسميناه تفسيراً، وكان عندنا لفظ يحتمل أكثر من معنى، ووجهناه إلى أحد المعاني، وسميناه تأويلاً، فإنه في حقيقته لم يختلف عن معنى التفسير، ففي النهاية هو تفسير.

    إذاً قولهم: هذا تأويل، وهذا تفسير، مجرد اصطلاح، فلو قال قائل: هذا هو الفرق لا غير، لقلنا: هذا تحكم، بل هو نوع من التخصيص وهو اصطلاح، لكن ليس هذا هو الفرق الصحيح.

    أيضًا: ما ذكره عن الماتريدي أنه قال: التفسير: القطع على أن المراد من اللفظ معنى معيناً، والشهادة على الله أنه عنى باللفظ معنى معيناً، قال: فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فتفسير بالرأي وهو المنهي عنه، والتأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله، وهو نفس التفريق الماضي، وإن كان فيه نوع من الإطالة في التعبير، ومعنى كلامه أن التفسير جزم، والتأويل احتمال، لكن نحن ننظر في النهاية إلى من فسر سواء جزم أو احتمل.

    فإذاً هذا أيضًا نوع من التخصيص للمصطلح، ولو كان الماتريدي رحمه الله تعالى يرى أن هذا هو الفرق لا غير، فإنه يدخل في باب التحكم، والماتريدي رحمه الله تعالى بنى كتابه تأويلات أهل السنة، على هذا التفريق بين التفسير والتأويل، ولهذا أورد من التأويلات الأشياء الكثيرة جدًا؛ لأنها عنده من باب ترجيح أحد المحتملات التي يرى أنها من باب التفسير بالرأي، فيرجح أحد المحتملات عنده، وأحيانًا قد يذكرها بلا ترجيح، فكان لهذا التفريق أثر في كتاب الإمام الماتريدي تأويلات أهل السنة، والكتاب مطبوع، وكله مليء بالتأويلات، من أول الكتاب إلى آخره، وتأويلاته مبنية على هذا التعريف الذي ذكره، وعلى التفريق بين التفسير والتأويل، وكما قلت فهي لا تخرج عن أحد المعنيين المشهورين: إما أن تكون بمعنى التفسير، وإما ما تؤول إليه حقيقة الشيء.

    المصطلح الحادث للتأويل وأثره

    وقد ظهر في التأويل المصطلح المتأخر وهو: تقديم القول المرجوح على القول الراجح؛ لقرينة أو لدليل يقترن به، وهذا أيضًا فيه نوع من التخصيص، ومن جزم به أنه من مرادات الله فقد أخطأ في تفسير قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ [آل عمران:7]، ومن جزم أيضاً بأنه هو الفرق بين التأويل والتفسير فهو أيضًا نوع من التحكم، ولكن لو قال: إن هذا تفريق اصطلاحي خاص عندي، فهذا إذا كان لا يغير الحقائق العلمية فلا إشكال فيه، ولكن الملاحظ أن هذا التعريف غير بعض الحقائق العلمية، فتعريف التأويل هو: صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى معنًى مرجوح لقرينة أو لدليل يقترن به، فهذا الصرف وقع فيه تأويل بعض الأسماء، وتأويل كثير من الصفات، ثم زاد الأمر فوقع عند بعض المنتسبين للإسلام تأويل لبعض أمور المعاد، ثم زاد الأمر فجاء قوم من الفلاسفة وجعلوا أغلب أحوال المعاد إن لم يكن كلها هي من باب التأويل أيضاً، فدخلوا من باب التأويل فأولوا هذه الحقائق التي وردت في كتاب الله سبحانه وتعالى، فيما يتعلق بالأخبار الغيبية من أمور المعاد.

    فإذاً نقول: إن هذا التعريف أثر تأثيرًا علميًا؛ ولهذا يعترض عليه، لكن لو قام الدليل في موطن ما على أننا صرفنا اللفظ عن معناه الراجح في نظرنا إلى معنًى مرجوح لقرينة أو لدليل، فإن النتيجة في النهاية تكون تفسيراً.

    فالخلاصة: أن كل من قال بقول فإنه الغالب لا يخرج عن أن يكون راجعاً إلى معنى التفسير، أو معنى ما تؤول إليه حقيقة الشيء، وإن ادعى المفرق أن بينهما فرقاً.

    ما يلاحظ على تعريف البغوي للتفسير

    وأما التعريفات التي ذكرها عن البغوي والكواشي في التأويل: أنه قال: صرف الآية إلى معنًى موافق لما قبلها وبعدها، تحتمله الآية، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط، وهذا التعريف لو نزلنا عليه معنى التفسير لكان نوعاً من التفسير؛ لكن البغوي وتبعه الكواشي في هذا أراد أن ينبه على نوع من التفسير، سماه بالتأويل، وجعل ضابط ذلك هو ما تحتمله الآية من خلال السياق، يعني: الموافق للسياق تحتمله الآية، ما قبلها وما بعدها، وأنه لا يكون مخالفًا للكتاب والسنة، لكن في النتيجة والمآل هو تفسير.

    وأما ما ذكره الإمام السيوطي رحمه الله تعالى من التعريفات في تعريف التفسير، فإنها انطلقت من مادة كتب التفسير، لا من ماهية التفسير، وهناك فرق في التعريفات التي انطلق إليها من مادة كتب التفسير، وبين التي انطلق إليها من ماهية التفسير، فكتب التفسير تشتمل على عدة علوم، بل هي المجال الأوسع والأرحب لتطبيقات علوم القرآن؛ ولهذا أول تعريف ذكره، أنه قال: (علم نزول الآية وشئونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها)، فاشتمل التعريف على جملة من علوم القرآن.

    وأما التعريف المشهور عن أبي حيان الأندلسي، أنه قال: (التفسير: علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، وتتمات لذلك)، ثم بدأ يشرح التعريف، ونلاحظ على سبيل المثال قوله: وقولنا: يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، قال: هو علم القراءة، وعلم القراءة لا علاقة له بعلم التفسير، علم القراءة مرتبط بالقراءات، فلا يقال للمفسر: كيف ننطق هذه اللفظة أو كيف نقرؤها، لكن نقول له: ما معنى: هذه اللفظة، فـأبو حيان رحمه الله تعالى انطلق من مادة كتب التفسير، مع أنه لا يعرف في التفسير كتب كثيرة حاولت أو اجتهدت في جمع ما يتعلق بالقراءت برمتها مع التفسير، نعم هناك عناية لبعض العلماء مثل المهدوي في التحصيل، أو مكي في كتابه في التفسير، لكن هذه العناية أو الزيادة أو المبالغة لم تجعل كتبهم مكانًا لمعرفة جميع أحوال القراءة؛ لأن ما قاله الإمام إنما يؤخذ من أفواه القراء ولا يؤخذ من المفسرين؛ لأنه ليس من مهمة المفسر أن يعلمك كيفية القراءة، إنما من مهمة المفسر أن يعلمك: ما معنى الآية كذا؛ ولهذا إذا انطلقنا من الماهية فإنه كما ذكر هو في أول الكلام: أن التفسير في الحقيقة كشف وإيضاح وبيان، والمفسر هنا: هو كلام الله سبحانه وتعالى، والمراد بتفسيره هو كشف معاني هذا الكلام.

    فيكون التفسير في حقيقته بيان معاني القرآن، فإذا تبينت معاني القرآن فإنما هي في التفسير انتهت بكشف معناها، لكن لا يعني هذا أننا لا نبحث في غيرها، فإذا جئنا إلى آية من الآيات، وعلمنا معناها فقد انتهى دور التفسير، فمثلًا لما نأتي إلى قوله: قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، لو قلت ما معنى: قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ؟ فتقول مثلًا: قد استجاب، إذا جعلت السمع بمعنى الاستجابة، قد استجاب الله سبحانه وتعالى للتي كانت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها.

    فليس من مهمتك أن تقول لي: (قد سمع) فيها قراءتان، القراءة الأولى: قَد سّمعَ )) والثانية قَدْ سَمعَ ))؛ لأن هذه القراءة لا أثر لها في المعاني فلا يبحث فيها المفسر، لكن إذا اختلفت المعاني بسبب القراءة، فهي من مهمات المفسر مثل: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ [المؤمنون:67]، و تُهْجِرُونَ )) يختلف المعنى فتكون من مهمات المفسر.

    فإذاً لا تكون القراءة من مهمات المفسر إلا إذا ارتطبت بالمعاني، وهذا الذي يرتبط بالمعاني من جهة القراءة أقل من الذي لا يرتبط بالمعاني، ولكي نتبين كيف يمكن أن نخرج بتعريف، فإذاً نخرج بتعريف ماهية التفسير من خلال المعنى اللغوي، ومن خلال ما هو المراد من المفسر في هذا الإطار، بعد أن ينتهي بيان المعنى، ولا يعني ذلك أن نتوقف أو أن نقول للمفسر توقف، لا، بل له أن يجتهد في غيره من العلوم، ولكن نحن نتكلم عن حدود ومصطلحات ما يتعلق بماهية التفسير، أو ما المراد بالتفسير.

    1.   

    الحاجة إلى علم التفسير

    وجه الحاجة إلى التفسير.

    ذكر ثلاثة أمور في وجه الحاجة إلى التفسير، ونقلها عن بعضهم وهو الزركشي في البرهان، قال: يقول: وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة، أي شرح أي كلام، وذكر الأمور الثلاثة، وما يهمنا هو وجه حاجتنا إلى التفسير؛ لأنه توضيح كلام الله سبحانه وتعالى، ونحن بحاجة إلى أن نتبين معاني كلام الله سبحانه وتعالى، وبحاجة إلى أن نعرف ماذا يريد منا ربنا.

    فلا يمكن أن نعرف ماذا يريد منا ربنا، ولا يمكن أن نستنبط من كلام الله إلا بعد فهم المعاني، ففهم المعاني وهو التفسير، هي القنطرة الأولى والمرحلة الأولى لكثير من العلوم، ولنأخذ مثالاً على ترتيب بعض الاستنباطات الخاطئة للجهل بالمعاني، وبعضهم قد يفسر خطأً ثم يرتب فوائد خاطئة عليها، فيفهم خطأً ثم يرتب فائدة خاطئة، أو يفهم خطأً ويرتب قضية بلاغية خطأ وهكذا، والسبب هو عدم فهم المعنى كما هو، ومن لطائف ما سمعته أن أحدهم اتصل عليّ يسألني عن أحد أصحابه يقول: إن السباحة في النهار أفضل من السباحة في الليل، ودليله على ذلك قوله تعالى: إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا [المزمل:7].

    فالذي فسر بهذه الصورة فهم خطأً وبنى على فهمه فائدة خاطئة.

    والمقصود من هذا أنه لا شك أننا بحاجة إلى فهم معاني كلام الله؛ لأنها هي القنطرة الأولى إلى ما بعدها، فالفهم الصحيح في الأصل يورث الاستنباط الصحيح، ويورث أيضًا فهم البلاغة الصحيح، أما إذا وقع خطأ في فهم المعنى، فقطعًا سيلحق ذلك خطأ فيما بعده.

    1.   

    بيان شرف علم التفسير

    وأما الفصل الذي بعده ففيما يتعلق بشرف علم التفسير، ومما قال فيه: وأما شرفه فلا يخفى، وذكر قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]، فجعل من الحكمة كما هو وارد عن ابن عباس وغيره: أن المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، يعني: العلم بالقرآن، والعلم بالقرآن جزء منه علم التفسير، فإذا كان المراد بقوله: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:269]، عن ابن عباس في علم هذه الأمور التي ذكرها، فالتفسير هو جزء من هذه الأمور التي ذكرها.

    وكذلك أورد عن ابن عباس من طريق الضحاك في قول: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ ))، قال: القرآن، وهذا روي مرفوعًا، قال ابن عباس : يعني: تفسيره، فإنه قد قرأه البر والفاجر، يعني: يؤتي القرآن، والقرآن قرأه البر والفاجر، لكن من يعرف معانيه، ويفهم عن الله سبحانه وتعالى مراده فهو ينبه على من يستطيع تفسيره.

    فإذا كان هذا هو مقامه، فلا شك في شرف هذا العلم، ومن أفضل من تكلم عن شرف علم التفسير: الراغب الأصفهاني في مقدمة تفسيره، وبين وجوه الشرف المتعددة للقرآن، والمشهور عندنا القول بأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم هنا كلام الله، فشرف التفسير مرتبط بكتاب الله، لكن أيضًا التجويد مرتبط أيضًا بكتاب الله، فأيهما أشرف التفسير أو التجويد؟ قطعاً سيكون التفسير؛ لأنه معرفة المعاني، وهو أشرف من معرفة كيفية الأداء.

    فإذاً يتميز كما قال الراغب الأصفهاني : (الصناعة إما أن تتميز بشرف موضوعها)، كالصياغة مثلاً فإنها أشرف من الدباغة، ثم قال: (وإما بشرف غرضها، وإما بشدة الحاجة إليها)، فشرف الغرض مثل الطب والكناسة، فالطبيب له إفادة في الصحة، والكناسة أيضًا تنظيف للمستراح، وفيها فائدة للصحة، لكن مهنة الطب أفضل من مهنة الكناسة، ولا يصح أن يقول طبيب أو نحوه حين يقارن بمن هو أدنى منه:

    ألم ترَ أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

    فهذا البيت محجوج بأشياء كثيرة، فالله سبحانه وتعالى قد ضرب بنوره المشكاة.

    فـالراغب ذكر مجموعة من وجوه الشرف لعلم التفسير، ولم أجد تحريرًا لغيره في وجوه شرف التفسير، أو غيره من العلوم.

    وهذه الوجوه التي ذكرها هي: شرف الموضوع والغرض والحاجة.

    وقد أتى ذكرها في مقدمته، ثم ثنى بذكر شرف التفسير من الجهات الثلاث، وهذا تقريبًا ما ذكره الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في الفرق بين التفسير والتأويل.

    ومن الملاحظ أن هذا الموضوع مبني على المصطلحات، في موضوع بحت ليس له علاقة بالألفاظ مباشرة، وإنما هو مقدمة لهذه الألفاظ، ومثل هذا الموضوع لو قدم مثلًا في باب المصطلحات، أي: أنه لو ذكر بعض المصطلحات لكان أيضًا حسنًا، لكن السيوطي بعد ما انتهى من جملة ما يتعلق بعلوم القرآن المرتبطة بالنص القرآني قصد أن يكون الحديث عن ما يتعلق بتفسير القرآن.

    ولو نظرنا إلى النوع الثامن والسبعين: معرفة شروط المفسر وآدابه، والنوع الذي بعده غرائب التفسير، ثم طبقات المفسرين، وبه ختم كتابه، فنجد أن آخر كتابه جعله في علم التفسير.

    توجيه حمل السيوطي معنى الإعراب على التفسير

    كما أن السيوطي حمل حديث الإعراب على التفسير، وأوردها في شرح التفسير، وإذا رجعنا إلى العلماء الذين خرجوا هذه الآثار، فهم لا يجعلونها في التفسير، بل يجعلونها في القراءات، كما أنها لا تحتمل معنى التفسير إطلاقًا، أو معنى البيان.

    ولا تأتي مادة (عروب) أو (أعرب) في اللغة بمعنى التفسير، ولا توجد في المعاجم بهذا المعنى، ولكن هل يقال: أعربوا القرآن بمعنى: فسروه عربيًا، هذا هو الإشكال هنا.

    وأما من جهة اللفظة أنها تأتي بمعنى التفسير فلم أجدها تأتي بمعنى التفسير، وأما العلماء الذين خرجوها، فهم لا يبوبون على أنها في التفسير، بل كل تراجمهم تدل على أنهم يتكلمون على القراءة، يريدونها مثلًا في مقابلة اللحن إلا عند السيوطي، فقال: معاني هذه الآثار عندي إرادة البيان والتفسير.

    وأما كيفية إدخال العلماء لهذه الآثار في علم القراءات، فلأن علم القراءات لا يختص بكيفية النطق فحسب، بل هو علم واسع.

    1.   

    معنى الصور عند قتادة وكيفية التعامل مع تفسيره للصور

    ورد عن قتادة أنه كان يقرأ: (الصور) بفتح الواو فمن الممكن أن يحمل على أنه كان يفسر قراءته وإن كانت شاذة، ولا يفسر (الصور)، على القراءة المتواترة، وهذا الأمر سبق أن تكلمنا فيه سابقًا، وقلنا: إن السلف أحيانًا قد يفسرون على قراءتهم، وإن كانت شاذة، ويكون المعنى غير معنى القراءة المتواترة، فيأتي بعض المتأخرين فيحمل تفسيرهم لقراءتهم على أنه تفسير للقراءة المتواترة، فيقع الإشكال، ولكن نحتاج إلى مزيد بحث وتحرير، هل بالفعل ثبت أن قتادة كان يقرأ الصور ويفسرها بالصور؟

    فإن أراد بالصور صور الخلق، فلا يكون عندنا إشكال حينها، لكن لو كان المراد بـ: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ [الأنعام:73]: أن قتادة كان يحمل الصُّوْرَ على الصوَرِ، فهنا يقع عندنا الإشكال.

    ذكر الطبري في أكثر من موطن أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالصور (القرن الذي ينفخ فيه) وقال آخرون: الصور في هذا الموضع: جمع صورة ينفخ فيها روحًا فتحيا، كقولهم لسور المدينة وهو جمع سورة، كما قال جرير : (سور المدينة والجبال الخشع)، ثم قال: (والعرب تقول: نُفخ في الصور ..) إلى آخر كلامه، والمقصد من ذلك أنه ذكر أن هناك معنًى آخر لأحد أئمة اللغة في أن الصور جمع صورة، وإذا ثبت عند العرب أن الصور جمع صورة فأيضًا يحتمل أن يكون قتادة قد فسر القراءتين معًا على وجه واحد، فتكون بعض القراءات عنده فسرت بعض، فجعل قراءتها: الصوَر، والصوْر أيضًا، ورد عنه هذا وهذا، وله على ذلك شاهد، وإن كان هذا الشاهد فيه كلام، لكن المقصود أن له شاهداً عربياً، ومن الممكن أن قتادة يحتج به في هذا المقام، أي أنه لو ثبت أن قتادة يفسر الصور أنها جمع صورة فيصح أن يحتج به في مثل هذا المقام.

    وبعد أن ذكر الطبري الآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين، في أن المراد بالصور البوق، أشار إلى قول قتادة مرة أخرى، قال: الخلق، وكذلك لو رجعنا إلى تهذيب اللغة في مادة (صير) فقد ذكر الأزهري عن أبي الهيثم وهو من أئمة اللغة وهو من العلماء النوادر الذين نقل عنهم العلم، ولكن لا تعرف لهم ترجمة، مثل صاحب المفردات الراغب الأصفهاني رغم كثرة كتبه إلا أن ترجمته شحيحة جدًا، فسبحان الله بعض العلماء نقلت لهم أقاويل ولكن لا تراجم لهم، فهذا مثلًا: أبو الهيثم لا يكاد يعرف له ترجمة.

    يقول أبو الهيثم عن قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الكهف:99]: (اعترض قوم فأنكروا أن يكون الصور قرنًا، كما أنكروا العرش والميزان والصراط، وادعوا أن الصُّورَ جمع الصورة، كما أن الصوف جمع الصوفة، والثوم جمع الثومة، ورووا ذلك عن أبي عبيدة ) وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى وقد ذهب إلى أن الصُّورَ جمع الصورة، وأبو عبيدة معمر بن المثنى عالم في المجاز.

    قال أبو الهيثم : (وهذا خطأ فاحش، وتحريف لكَلِم الله عن مواضعها؛ لأن الله جل وعز قال: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر:64]، بفتح الواو، ولا نعلم أحدًا من القراء قرأها فأحسن (صوْرَكم)، وكذلك قال الله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الكهف:99]، فمن قرأها (وَنُفِخَ في الصُّوَر) أو قرأ (فأحسن صُوْرَكم) فقد افترى الكذب، وبدل كتاب الله، وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغريب، ولم يكن له معرفة في النحو). انتهى كلام أبي الهيثم الذي نقله الأزهري .

    وقال الفراء : (كل جمع على لفظ الواحد الذكر سبق وجمعه واحدته، فواحدة بزيادة الهاء فيه، وذلك مثل الصوف والوبر والشعر، والقطن، والعشب، وكل واحد من هذه الأسماء اسم لجميع جنسه، فإذا أفردت واحدته، زيدت فيها هاء؛ لأنها جميع هذا الباب سبق واحدته، ولو أن الصوفة كانت سابقة للصوف لقالوا: صوفة وصوف، وبسرة وبسر، كما قالوا: غرفة وغرف، وزلفة وزُلَف، وأما الصُّورُ: القرن، فهو واحد لا يجوز أن يقال: واحدته صورة، وإنما تجمع صورة الإنسان صورًا؛ لأنه واحدته سبقت جمعه).

    أي كأن الفراء يرد على مذهب أن الصُّورَ ليس جمعًا، وإنما هو لفظة مفردة، لا تكون مثل السُّور والسُّورَة.

    قال: (فالمصور من صفات الله تعالى لتصييره صور الخلق. ورجل مصور إذا كان معتدل الصورة، ورجل صيِّر حسن الصورة والهيئة)، ثم ذكر بسنده عن سفيان عن مطرف حديث: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن) وهذا الكلام كله للأزهري ، وبعد ذلك قال الأزهري: (قلت: قد احتج أبو الهيثم فأحسن الاحتجاج، ولا يجوز عندي غير ما ذهب إليه، وهو قول أهل السنة والجماعة، والدليل على صحة ما قالوا: أن الله عز وجل ذكر تصويره الخلق في الأرحام قبل نفخ الروح، وكانوا قبل أن صورهم نطفًا ثم علقًا ثم مضغًا، ثم صورهم تصويرًا، فأما البعث فإن الله عز وجل ينشؤهم كيف يشاء، ومن ادعى أنه يصورهم ثم ينفخ فيهم فعليه البيان ونعوذ بالله من الخذلان). انتهى.

    وكتاب تهذيب اللغة للأزهري من أهم الكتب التي ناقشت هذه القضية ونقل عن أبي الهيثم كلامه.

    وأما ما ذهب إليه الفراء من أن الصور هو القرن، واحد ليس له جمع، بخلاف التي ذكرها أن لها سبقاً، كما قال: (كل جمع على لفظ الواحد الذكر سبق جمعه واحدته، فواحدته بزيادة هاء فيه، وذلك مثل: الصوف والوبر)، أي: صوف: صوفة.

    ومما سبق ذكره بقي أن نعرف كيف نتعامل مع قول قتادة ؟ فنقول: لو أثبتنا كلام قتادة بما فسره جعلناه حجة لغوية، إلا أنه ليس القول المشهور، فيكون عندنا قول شاذ أو قليل أو انفراد وقول مشهور، فيقدم القول المشهور.

    ولكن قتادة هل تأول الصور الذي هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل من خلال هذا التفسير عنده، أنه لا يرى أن المراد به القرن الذي ينفخ فيه.

    ولا يقول قائل: إن قتادة صرف اللفظ عن ظاهره حتى يثبت أن قتادة كان يرى أن الصور هو البوق، ثم صرفه إلى جمع الصورة.

    إذاً كيف نتعامل مع هذا القول؛ لأن مثل هذا القول فيه غرابة، وقد يقول قائل: إن هذا تأول فيستفيد منه المخالف الذي يرى إنكار الصور، صحيح أنه قد يستفيد من كلام قتادة ، لكن استفادته من كلام قتادة لا يعني: أن قتادة أوّل على التأويل المعروف، وأنه ترك الصور المراد به القرن، ثم تأوله؛ لأن هذا المخالف يقول: أنا لا اثبت قرنًا، فهو يؤول قوله تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ )) إلى أن الصور هنا جمع صورة، لكن هل يقال: إن قتادة ينكر الصور من جهة الحديث ومن جهة القرآن؟

    الأصل في مثل قتادة أنه يثبت ما ورد في السنة وفي القرآن، فإن كان يرى أن الصور في القرآن المراد به الخلق، الذي يؤول إلى جمع صورة، فإنه لا يلزم منه أن يكون منكرًا للقرن؛ لأن القرن واضح في حديث النبي صلى الله عليه وسلم صريح واضح، حتى إنه جاء بلفظ القرن، والذي نريد أن نصل إليه، وننتبه له: أنه لو قال أحدنا بقول قتادة ، مثلًا شخص رجح قول قتادة في هذا الموطن، وهو من أهل السنة، وقال: أنا أثبت القرن، ولا ريب عندي في ذلك لثبوته في الحديث النبوي، لكن يظهر لي هنا أن كلام قتادة له وجاهة وأنا أميل إليه، فهذا يسمى متأولاً، وليس مؤولًا لأنه لم ينف أن يكون الصور من الحقائق.

    ومثل هذا ناقشناه سابقًا في قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42]، هل هي من آيات الصفات أو ليست من آيات الصفات؟ فلفظة الساق مثل لفظة الصور في الخلاف الوارد فيها من جهة اللغة، ومن جهة التفسير.

    قضايا ينبغي بحثها في كيفية التعامل مع تفسير قتادة للصور

    ومن المواطن التي يحسن بحثها ليتبين كيفية التعامل مع المنهج عندنا في لفظ الصور ثلاث قضايا:

    القضية الأولى: قضية القراءة المتواترة والشاذة، التي وردت عن قتادة أنه قرأها: (يوم ينفخ في الصُّوَر).

    القضية الثانية: فيما لو ثبت أن قتادة يفسر الصُّور ولا يفسر الصُّوَرَ؛ فإذاً كان يفسر الصوَر انتهى الخلاف، لكنه إذا كان يفسر الصُّور، فإن الخلاف يقع في المقصود بالصور هل المراد به القرن، أم أن الصور جمع صورَة.

    القضية الثالثة: إذا ثبت هذا القول عن قتادة ، فمن جهة اللغة كيف نتعامل معه هل نثبته أو لا نثبته؟ وأما من جهة التفسير فواضح وهو: أن ما يعتمد في تفسيره على الحديث النبوي في هذا الموطن فلا شك أنه أولى.

    فإذا أدركنا الصورة فإنه يتضح لنا كيف نتعامل مع مثل هذا القول، وهو لفظ الصور، فإذاً نقول: لعل قتادة إن كان يفسر الصور، فمن المحتمل أنه كان يرى أن هذا ليس له علاقة بالنفخ في القرن، فيجعل النفخ في القرن من آثاره الصور، فهو بذلك يثبت النفخة في القرن، ونتيجة هذه النفخة أن تحيا الأجساد التي ينفخ فيها، وبهذا يلتئم ما قاله قتادة ، ولا يقال في هذا الأمر ونحوه عن قتادة أو غيره أنه تأول أو خالف إلا إذا كان بالفعل أثبت هذا المعنى، ثم استدرك فقال: ليس هذا هو المراد وإنما المراد كذا، لكن لما يقول: الصور جمع صورة، فإنه لا يدخل في هذا الباب.

    وننبه على أن كل ما أورده الطبري في الصور عن قتادة فإن كله بهذا المعنى، وذكر الطبري أن قتادة يرى هذا المعنى، في كل لفظ صور في القرآن قبله نفخ وسند الرواية: بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة ، ويبدو أنها رواية واحدة عنده في هذا الأمر.

    وأما ابن أبي حاتم رحمه الله فلم يفرق بين القراءتين في المعنى، فكأنه فهم أنها وجهًا واحدًا.

    وهذا الأمر يحتاج إلى مزيد بحث في بعض الأمور، فإن كان وجد أكثر من قارئ قرأ بـ(الصوَر) فهو يشير إلى أن قتادة فسر قراءته، وإن لم تكن عندنا متواترة؛ وكذلك فإن بعض هذه القراءات كانت قبل قضية تواتر القراءات، وهذا قد يفك لنا جزءاً من المشكلة في تفسير الصور بفتح الواو لا بسكونها.

    انتفاء القرن بتفسير الصوْر بالصوَر

    ومما ينبغي معرفته أنه حتى لو فسر الصور بمعنى الصوَر، فلا يلزم منه إنكار القرن، وكذلك فإن هذا وجه ضعيف في اللغة.

    وأما أبو عبيدة أحد أئمة اللغة، فورد عنه أنه فسر الصور بمعنى الصوَر، ولكن لا يلزم من ذلك أنه فسرها على وجه اعتزالي، لكنه فسره على وجه ضعيف في اللغة.

    وأما قول الأزهري: (وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغريب، ولم يكن له معرفة بالنحو)، فمقصوده بالنحو: النحو التصريفي، وبالغريب: معاني غريب الألفاظ، أي المفردات، ولا يصح لمن يتمسك بقول أبي عبيدة أن يحتج على ذلك بأن أبا عبيدة إمام في معاني غريب الألفاظ.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756557975