إسلام ويب

عمدة الأحكام - كتاب البيوع [4]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أباح الشارع الكريم للمتعاقدين أن يضع كل منهما شروطاً في العقد، ولكن هذه الشروط قد تكون صحيحة وقد تكون فاسدة، وضابط الشرط الصحيح ألا يخالف كتاب الله، والربا محرم، وهو أنواع، وعلة الربا في المطعومات هو الطعم مع الكيل أو الوزن. وفي الذهب والفضة الثمنية.

    1.   

    شرح حديث: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا بما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.

    وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    قال المصنف رحمه الله: [ باب الشروط في البيع:

    عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: ( جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق, في كل عام أوقية، فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم, وولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها, فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا، إلا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق ، ففعلت عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس, فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق ) ].

    الشروط في البيع وأقسامها

    يقول المؤلف: (باب الشروط في البيع)، ذكرنا أن الشروط في البيع: هي الشروط التي يجعلها المتعاقدان أو أحدهما، وأنه يجوز عقد البيع مع فقدانها، واعلم أن الشروط في البيع تنقسم إلى قسمين: شروط صحيحة، وشروط فاسدة.

    أما الشروط الصحيحة فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: شروط هي من مقتضى العقد، مثاله: أن أشتري السيارة من زيد فأقول: على أن تسلمني السلعة، فهذا الشرط لا يفيد فائدة جديدة؛ لأنه من مقتضى العقد، فصار هذا الشرط تأكيداً لا تأسيساً؛ لأن العقد من مقتضاه أن تسلمني الثمن وأسلمك المثمن، هذا القسم الأول.

    القسم الثاني: شروط هي من مصلحة العقد، فإن من مصلحة العقد وجود الرهن، أو الضمان، أو الكفالة، أو الأجل، فإذا اشترطت أن أسلمك الثمن بعد سنة، فهذا شرط من مصلحة العقد لا من مقتضاه؛ لأنه ليس من مقتضى العقد التأجيل، بل من مقتضى العقد تنجيز الثمن، فصار هذا من مصلحة العقد، فلو ابتعت من أحد فقلت: بشرط أن تأتيني بكفيل، فهذا من مصلحة العقد ولا حرج فيه.

    القسم الثالث: كل شرط فيه منفعة للمتعاقدين أو أحدهما في المعقود عليه، فلو أني اشتريت منك حطباً بشرط أن تنقله، فنقله منفعة لي، وهذه المنفعة في المعقود عليه، ولو اشترطت أن أشتري منك سيارة نوعها جيب بشرط أن يكون لونه أسود، فإذا كان من منفعة المعقود عليه جاز، وهذا هو مذهب الحنابلة، واختيار ابن تيمية ، إلا أن الحنابلة في المشهور عندهم قالوا: لا يجوز زيادة شرطين في هذه الصورة، والراجح أنه يجوز، فلو قلت: بشرط أن تكسره، وأن تنقله، وأن أعطيك الأجل مقسطاً جاز، والله تبارك وتعالى أعلم. هذه ثلاثة أقسام للعقد الصحيح.

    وأما الشروط الفاسدة فهي تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: شروط فاسدة مفسدة للعقد، عند الجمهور مثل: أن أبيعك السيارة، على ألا تبيعها لأحد، فهذا الشرط يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد أن المشتري يتصرف بها كيفما شاء، فإذا قلت: بشرط ألا تبيعها لأحد، صار هذا تحجيراً على مقتضى العقد، فكل شرط يعود على أصل العقد ومقتضاه ومقصوده بالإبطال، فهو شرط فاسد مفسد للعقد، وكذلك الشروط الربوية فاسدة مفسدة للعقد.

    القسم الثاني: شروط فاسدة يصح معها العقد، وهي كل شرط لا يعود على أصل العقد ومقصوده بالإبطال، مثاله: حديث عائشة في قصة عتق بريرة حيث كانت أمة فقالت لأهلها: أريد أن أعتق نفسي، أعطيكم تسع أواق، في كل سنة أوقية، يعني: تعتق بعد تسع سنين، فذهبت إلى عائشة فقالت: إن أهلي كاتبوني على تسع أواق، في كل سنة أوقية، فإن شئت أن تعينيني فأعينيني، قالت عائشة من باب الكرم رضي الله عنها: إن شاء أهلك أن أعد لهم عدة واحدة فعلت، يعني: أنا أعطيهم تسع أواق دفعة واحدة، ويكون الولاء لي، هذا شرط من مقتضى العقد؛ لأن الولاء لمن أعتق، فذهبت إلى أهلها فقالوا: لا، إلا أن يكون الولاء لنا، فهذا الشرط لا يخالف مقصود العقد؛ لأن الأصل أن العتق حاصل، ومسألة الولاء لا دخل لها في مسألة وجود العتق على بريرة ، فلأجل هذا ذهب الحنابلة رحمهم الله إلى أن هذه شروط فاسدة لكنها لا تفسد العقد؛ لأنها لا تعود على أصله بالإبطال.

    وعلى هذا: فما يوجد في الإجارة المنتهية بالتمليك، بأن يضع صاحب الشركة شرطاً يقول: كل حادث في السيارة ولو لم يكن بسبب المستأجر فإنه يدفع ألف ريال -مثلاً-، فهذا شرط فاسد، لكنه ليس مفسداً للعقد؛ لأنه ليس داخلاً في أصل العقد، فنحن لا نخالف أصل الإجارة، وإذا قال المستأجر: كل ما لا تضمنه شركة التأمين فإنه يتحمله المستأجر، صار شرطاً فاسدة، لكنه ليس مفسداً للعقد؛ لأن الإجارة حقه ثابتة، وإن كان بعضهم يعد هذا شرطاً فاسداً مفسداً العقد، والله تبارك وتعالى أعلم.

    شرح ألفاظ حديث: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)

    وأما شرح الحديث: تقول: (إن أهلي كاتبوني) الكتابة: معناها أن يكون ثمة عقد بين السيد ومولاه أو مولاته، بحيث يصير حراً مقابل مال يتفقان عليه كل سنة، فتعمل هذه الأمة أو هذا الخادم فمتى حصل على شيء من المال أعطاه سيده، وهذا عقد لازم، لا يجوز للسيد أن يبطله، لكن إذا عجز المكاتب عن التسديد فإنه يبقى رقيقاً، والله تبارك وتعالى أعلم.

    تقول: (كاتبت أهلي على تسع أواق)، الأوقية: اثنا عشر درهماً ونشاً، والنش تقريباً كله: خمسمائة درهم، والدرهم الآن يقدر تقريباً بريال ونصف، فصارت خمسمائة.

    قولها: (فأعينيني)، يعني: ساعديني، (قالت عائشة : إن أحب أهلك أن أعدها لهم)، وفي رواية: (أن نعد لهم عدة واحدة)، يعني: في مدة تسع سنين يحصلون على التسع الأواقي، لكنني سوف أعطيهم تسع أوقيات مباشرة بلا أجل، هذه منفعة لهم، وكرم من عائشة، وقد استدل به العلماء على أن للأجل وقعاً في الثمن، فإذا قلت: هذه السيارة أبيعها حالة بمائة ألف، أو أبيعها مؤجلة بمائة وخمسين ألفاً، فإذا تفرقنا على أحد السعرين فهو جائز، وهذا قول الأئمة الأربعة خلافاً للشيخ الألباني رحمه الله، وبعض العلماء المعاصرين، وهو الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، حيث منعا من ذلك، وهذا مخالف لإجماع العلماء، كما قرر ذلك أبو العباس بن تيمية والإمام الصنعاني ، وغير واحد من أهل العلم، وذكروا أن الأجل له وقع في الثمن، ولكن المحرم في الأجل هو ألا يكون له عوض، مثل: مائة بمائة وخمسين، فهذا محرم؛ لأنه مال بمال، والله تبارك وتعالى أعلم.

    فقالت: (إن أحب أهلك أن أعد لهم، ويكون ولاؤك لي فعلت)، الأصل أن الولاء لمن أعتق، والذي أعتق بريرة هي عائشة؛ لأن أهل بريرة لم يكن منهم شيء، إنما أذنوا لـبريرة أن تعمل لتعتق نفسها، (فذهبت بريرة إلى أهلها، فأبوا) وقالوا: لا، إلا أن يكون الولاء لنا، لا يجوز لأهل بريرة أن يلغوا عقد المكاتبة باتفاق العلماء، وهل لهم أن يلغوا فعل عائشة ؟ لم يستطيعوا أن يلغوا فعل عائشة عند بعض العلماء، قالوا: لأن بريرة هي التي أعتقت نفسها، فهم لا يستطيعون أن ينفكوا من العتق، فلما أبوا أن ينفكوا من العتق قالوا: ويكون الولاء لنا، وهذا شرط مخالف لمصلحة العقد، أو لمنفعة في المعقود عليه، والمعقود عليه هي بريرة ، وكل شرط فاسد في المعقود عليه فإنه لا يفسد العقد، والله أعلم.

    فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال: ( خذيها -يعني: افعلي الشراء- واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق ).

    قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( واشترطي لهم الولاء ) اختلف العلماء في تفسيرها: فبعضهم قال: إن هذا شرط من مقتضى العقد، وبعضهم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك من باب التوبيخ عليهم، يعني: اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطي فإن الولاء لمن أعتق، وهذا هو تفسير ابن تيمية رحمه الله.

    فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قام وخطب الناس، وبين لهم أن الشروط الفاسدة لا تجوز، ثم قال: ( ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق ).

    اختلف العلماء في تفسير معنى: ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )، هل المقصود أن ينص الشارع في الكتاب والسنة على وجود هذا الشرط، وحينئذ فكل شرط ليس موجوداً فهو باطل، وهذا هو اختيار ابن حزم رحمه الله، فإنه قال: كل شرط ليس موجوداً في القرآن ولا في السنة فهو شرط باطل، فلو قلت لك: أبيعك هذه السيارة بشرط أن لي الخيار أسبوعاً، أو ثلاثة أيام، فهذا عند الأئمة الأربعة جائز، ولكنه ممنوع عند ابن حزم ؛ لأنه يقول: هذا شرط ليس موجوداً في كتاب الله، والذي وجد في سنة رسول الله أن تقول: ( لا خلابة ) كما في حديث حبان بن منقذ ، وهذا قول باطل بلا شك، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم كـأبي العباس بن تيمية و ابن القيم .

    والصحيح أن معنى قوله: ( كل شرط ليس في كتاب الله ) أي: كل شرط مخالف لكتاب الله، وعلى هذا: فالقسمة في القول الراجح: كل شروط مخالفة لشروط الشارع فهي باطلة، وكل شروط موافقة لشروط الشارع فهي صحيحة، وكل شروط لا تخالف مقصود الشارع فهي أيضاً جائزة، هذا هو المقصود في الحديث. والله أعلم.

    إذاً: الرسول ذكر الشروط التي تخالف شروط الشارع، وأما الشروط المسكوت عنها فالأصل فيها الجواز، والله أعلم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( ليس في كتاب الله -يعني: مخالفاً لكتاب الله- وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق )، يعني: أن العتيق إذا أعتق فإن ولاءه لمعتقه، بمعنى: لو كان عنده مال، ثم مات وليس عنده ورثة، فإن ماله لمعتقه؛ لأن الولاء لمن أعتق. ثم ذكر المؤلف حديث جابر بن عبد الله ليبين الشروط الصحيحة.

    1.   

    شرح حديث بيع جابر جمله للنبي صلى الله عليه وسلم

    قال المصنف رحمه الله: [ وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: ( أنه كان يسير على جمل فأعيا, فأراد أن يسيبه، فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي, وضربه، فسار سيراً لم يسر مثله قال: بعنيه بأوقية، قلت: لا، ثم قال: بعنيه. فبعته بأوقية، واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما بلغت: أتيته بالجمل فنقدني ثمنه، ثم رجعت فأرسل في أثري فقال: أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك ) ].

    رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه

    هذا الحديث يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرعى أصحابه ويهتم بهم عليه الصلاة والسلام، وكان صاحب جود وكرم، وكان عليه الصلاة والسلام يمزح مع أصحابه، كل هذا موجود في حديث جابر ، ذلك أن جابر بن عبد الله كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات، فلما قفلوا من الغزوة راجعين إلى المدينة، فإذا جابر على جمل كبير السن، فيه عي، لا يمشي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحد أفراد القافلة قد تأخر يأتي إليه ويواسيه، وإن كان محتاجاً إلى ظهر أعاره ظهره، وغير ذلك، فلما كانت القافلة تسير، كان جمل جابر ليس بذاك، فقال له كما في بعض الروايات: ( ما بال بعيرك يا جابر ؟ قال: يا رسول الله! أعيا ولا يكاد يسير، قال: فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم من الخلف فنغزه، فسار كأشد ما ترى من الإبل، قال: كيف ترى بعيرك؟ قال: كأحسن ما ترى من البعير يا رسول الله! قال: أتبيعنيه؟ قال: بعنيه بأوقية. قال: لا يا رسول الله! ) فبعضهم يقول: إن جابراً إنما رفض لأجل أسرته، وقد كان أبو جابر قد مات، فكان خال جابر يرعاهم، فخشي من خاله أن يغضب عليه، فقال: ( بعنيه يا جابر ! فقلت: لا، قال: بعنيه )، قال: فاستحييت منه، فبعته إياه، على أن لي فقار ظهره، وفي رواية: ( واستثنيت حملانه على فقار ظهره )، يعني: لي أن أركبه إلى المدينة، والأصل أنه إذا باعه يأخذه المشتري فقال: ( فاستثنيت حملانه إلى المدينة، قال: فلما وصلت المدينة لقيني خالي، فأراد أن يأخذ الجمل، فقلت: إني بعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلامني خالي أشد اللوم، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد لأعطيه بعيره، فقال: أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك )، قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بعنيه بأوقية، بعنيه ) هذا يسمى مماكسة، فأتى جابر رضي الله عنه إلى خاله مسروراً، معه الجمل والثمن، وهذا من كرمه عليه الصلاة والسلام.

    ضابط الشرط الصحيح في البيع

    وقد استدل الحنابلة بهذا الحديث على أن كل شرط في العقد إذا كان ليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته فهو صحيح؛ لأن جابراً اشترط حملانه، وهذا شرط لمنفعة أحد المتعاقدين في المعقود عليه، وأما الشافعية والحنفية فلم يأخذوا بهذا الحديث؛ قالوا: لأن هذا ليس بيعاً حقيقياً، بل هو بيع صوري، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد البيع، ولهذا قال: ( أتراني ماكستك لآخذ جملك، خذ جملك ودراهمك )، فلم يكن البيع حقيقياً، وهذا تأويل من الشافعية والحنفية، والراجح هو مذهب الحنابلة، وهو أن هذا بيع حقيقي، ولو كان الشرط غير جائز لبينه عليه الصلاة والسلام؛ فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبين بطلان هذا الشرط، فنقول للشافعية والحنفية: هب أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقصد البيع الحقيقي ألم يقصده جابر ؟ فـجابر قصده، فإن قلتم: علم جابر بأن البيع بعد ذلك ليس صحيحاً، قلنا: جابر علم أن البيع ليس صحيحاً، لكنه لم يعلم أن وجود هذا الشرط في هذا العقد ليس صحيحاً، وهذا يدل على أن كل شرط لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم بطلانه فالأصل فيه أنه صحيح؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقوله: ( أتراني ماكستك؟ ) يعني: أتراني أخذت أساومك على هذا الجمل، والله أعلم.

    1.   

    شرح حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ...)

    قال المصنف رحمه الله: [ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها ) ].

    هذا الحديث مر أكثره: ( لا يبيع حاضر لباد ) مر في الصحيحين من حديث ابن عباس عندما قال طاوس : ( ما قول: حاضر لباد؟ قال: يكون له سمساراً )، وذكرنا شروط بيع الحاضر للباد، وأنها ثلاثة، وأوصلها أبو يعلى من الحنابلة إلى أربعة.

    وأما النجش: ( لا تناجشوا ) فإنه الزيادة أو التقليل في السلعة تغريراً لأحد المتعاقدين.

    وذكرنا أيضاً ألا يبيع الرجل على بيع أخيه، وأن له صورتين: صورة في خيار المجلس، وصورة في خيار الشرط.

    خطبة الرجل على خطبة أخيه

    وكذلك: ( لا يخطب على خطبة أخيه )، معناه: أن الرجل إذا خطب امرأة ورضوه، أو تقدم لامرأة ولم يفصحوا قبولاً أو رفضاً، فإنه لا يجوز في هاتين الحالتين أن يتقدم شخص إلى خطبتها إذا كان يعلم بالخطبة، وأما إذا لم يكن يعلم بالخطبة فإنه لا بأس بذلك، فإن علم بعد ذلك فإنه ينزع، ودليل عدم العلم أنه يجوز: ما ثبت في الصحيحين أن فاطمة بنت قيس خطبها معاوية بن أبي سفيان و أبو الجهم و أسامة بن زيد ، وهذا يدل على أن هؤلاء لم يعلموا بخطبة كل واحد من الآخر، فلما أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بخطبة هؤلاء لها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما معاوية فرجل صعلوك -يعني: لا مال له- وأما أبو الجهم فإنه لا يضع العصا عن عاتقه -يعني: أنه كثير السفر، وقيل: إنه كان يضرب النساء- وأما أسامة فعليك بـأسامة )، فجعلت تقول بيدها: أسامة ، أسامة ، قال: ( طاعة الله وطاعة رسوله هي أنفع لك ) قالت: فتزوجت أسامة فاغتبطت بعد ذلك، وكانت من بني فهر، و أسامة بن زيد بن حارثة الذي كان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    اشتراط المرأة طلاق الأولى لمن أراد الزواج بها

    قوله: ( ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها )، هذا يسميه العلماء شرطاً فاسداً؛ لأن هذا مخالف لمقصود الشارع، و ابن تيمية رحمه الله قرر قاعدة في الشروط؛ لأجل أن نعرف هل هذا الشرط شرط فاسد مفسد للعقد، أم فاسد غير مفسد للعقد، قال: إذا كان الشرط يخالف مقصود الشارع ولا يخالف مقصود العقد، صار العقد صحيحاً والشرط فاسداً، وكل شرط خالف مقصود العقد فالشرط والعقد فاسدان، وعلى هذا فالشروط الفاسدة المفسدة للعقد أقل عند ابن تيمية مما هي عند الفقهاء، وأما الشروط التي تخالف مقصود الشارع فإنها فاسدة لكن العقد صحيح، مثل: اشتراط الولاء لمن لم يعتق، فإن هذا شرط مخالف لمقصود الشارع.

    وفي باب النكاح عند الجمهور الشروط الفاسدة تخالف العقد، فيقولون: كل شرط فاسد في النكاح لا يفسد معه العقد إلا في نكاح المتعة ونكاح الشغار، ونكاح التحليل. وأما في العقد فعند الجمهور من الشافعية والمالكية والحنفية: كل شرط فاسد مفسد للعقد، ولكن الراجح خلاف ذلك، إلا في النكاح عندهم، فإن كل شرط فاسد لا يفسد العقد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها )، وفي رواية: ( ما في صحفتها )، يعني: إذا جاء رجل يتزوج امرأة قالت: بشرط أن تطلق زوجتك، فتزوج الرجل هذه المرأة على أن يطلق زوجته ولم يطلقها، فإن عقد الزواج صحيح والشرط فاسد، والله أعلم.

    والقاعدة: أن الإنسان إذا اشترط شرطاً فاسداً لا يعلم حكمه، فإن الشرط يكون باطلاً وله الخيار بعد ذلك، فلو اشترى شخص سيارة واشترط ألا يبيعها لأحد، فهذا شرط فاسد، ولكنا نقول له: هل تعلم بأن الشرط فاسد؟ قال: لا والله ما أعلم، ولو أعلم ما اشترطته، ولو أعلم ما بعته إياه، فنقول: لك الخيار؛ لأنك لم تعلم كما هو مذهب الحنابلة، واختيار ابن تيمية رحمه الله.

    وعلى هذا: فالمرأة إذا تزوجت على أن يطلق الزوج زوجته الأولى، فإن الشرط فاسد والعقد صحيح، وللمرأة الخيار، أي: تملك طلاق نفسها، والله أعلم.

    1.   

    شرح أحاديث الربا والصرف

    قال المصنف رحمه الله: [ باب الربا والصرف:

    عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الذهب بالورق رباً, إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً, إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً, إلا هاء وهاء ).

    عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز )، وفي لفظ: ( إلا يداً بيد )، وفي لفظ: ( إلا وزناً بوزن, مثلاً بمثل، سواء بسواء ).

    وعنه أنه قال: ( جاء بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أين لك هذا؟ قال بلال : كان عندنا تمر رديء, فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أوه, أوه، عين الربا, عين الربا, لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به ).

    وعن أبي المنهال أنه قال: ( سألت البراء بن عازب و زيد بن أرقم عن الصرف؟ فكل واحد يقول: هذا خير مني، وكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق ديناً ).

    وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة, والذهب بالذهب, إلا سواء بسواء, وأمرنا: أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل فقال: يداً بيد؟ فقال : هكذا سمعت ) ].

    الأصل في المعاملات الحل

    هذا الباب: باب الربا والصرف، واعلم -رعاك ربي- أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة، ما اجتنبتها ثلاث قواعد:

    القاعدة الأولى: قاعدة الغرر بأنواعه، والغرر: هو المجهول العاقبة، فمتى وجد الغرر في الصيغة، أو في العاقدين، أو في المعقود عليه، فإن العقد حينئذ يكون باطلاً إذا كان كبيراً، على تفصيل عند الفقهاء، وأفضل من كتب في هذه القاعدة هو محمد الصديق الضرير في كتابه: الغرر وأثره في العقود، وينبغي لطالب العلم أن يقتنيه.

    القاعدة الثانية: قاعدة الربا بأنواعه، وهي من أصعب المسائل، فإن الربا يدخل في بيوع الدين، ويدخل في الصرف، ويدخل في أبواب كثيرة، وأفضل من كتب في هذا هم الشافعية، وكذلك كتاب: الربا في المعاملات المصرفية للشيخ الدكتور عمر المترك رحمه الله، وكذلك كتاب: الجامع في أصول الربا للدكتور رفيق المصري ، وكذلك كتاب: الربا في المعاملات المصرفية للدكتور عبد الله السعيدي .

    القاعدة الثالثة: قاعدة الغش والتغرير والخداع والظلم، وهذه كتبها كثيرة، وفيها كتب في الغش وأثره في العقود والتدليس، وخيار التدريس، وغير ذلك، هذه القواعد إذا ضبطها طالب العلم سهل عليه باب المعاملات، وأنى له ذلك إلا بالكد والفهم: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35].

    علة الربا

    باب الربا والصرف: أما الربا فهو الزيادة في أحد العوضين من غير عوض، أو بيع ربوي بجنسه مؤجلاً.

    واعلم أن أصل باب الربا هو حديث عبادة بن الصامت ، وحديث عمر ، وحديث أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب ربا إلا ها وها، والفضة بالفضة رباً إلا ها وها، والتمر بالتمر رباً إلا ها وها، والشعير بالشعير رباً إلا ها وها )، وكذلك حديث عمر : ( الذهب بالذهب ربا إلا ها وها، والفضة بالفضة ربا إلا ها وها، والبر بالبر ربا إلا ها وها، والشعير بالشعير ربا إلا ها وها ).

    اختلف العلماء في تفسير هذا الحديث: هل الربا مخصوص بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأشياء التي عدها، وما عداها فلا بأس به، وهذا هو مذهب ابن حزم رحمه الله و ابن عقيل ؛ لأن ابن حزم لا يرى القياس، فعلى هذا: فالريالات الموجودة عندنا الآن ليس فيها ربا عند ابن حزم ، والأرز كذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكرها، وهذا بلا شك تأباه الشريعة الإسلامية التي لا تفرق بين متماثلين، فهل يعقل أن رجلاً يبحث عن القطر مظاناً عنده أربعين غنمة، أو عنده أربعين ديناراً، يحرم عليه الربا لأجل الظلم، ورجل يملك الملايين المملينة في أرصدة البنوك فيقال له: اعمل الربا ما شئت، فهذا بعيد كل البعد، ولأجل هذا ذهب الأئمة الأربعة إلى أن الربا في هذه الأشياء وما يماثلها في العلة، واتفقوا على أن علة الربا والفضة واحدة، وعلة هذه الأشياء المطعومة، أعني القمح والشعير والتمر والزبيب والملح واحدة، واختلفوا في علة كل واحد منهما.

    والراجح: أن علة الذهب والفضة هي مطلق الثمنية، فكل ما كان ثمناً، وعده الناس مالاً وثمناً، فإنه يجري الربا فيه، فإن اتحد فيه الجنس، وجب التساوي والتقابض، وإن اختلف الجنس وجب التقابض وجاز التفاضل، وعلى هذا: فالذهب جنس، والفضة جنس، والدولار الأمريكي جنس، والدولار الكندي جنس، والدولار اليوزلندي جنس، والريال السعودي جنس، والريال اليمني جنس، والريال البرازيلي جنس، والجنيه الإسترليني جنس، والليرة اللبنانية جنس، والليرة التركية جنس، فكل اسم لبلد يكون جنساً لها، ولا أثر للتسمية، فإذا اتحدت العلة، والجنس، وجب التقابض والتساوي، وإذا اتحدت العلة واختلف الجنس، وجب التقابض وجاز التفاضل.

    وأما علة المطعومات فالراجح والله أعلم وهو مذهب الشافعي ، و سعيد بن المسيب ، و أبي العباس بن تيمية هو الطعم مع الكيل أو الوزن، وعلى هذا: فالتمر الإخلاص بالتمر البرني، أو التمر السكري، هل جنسهما واحد؟ نعم، وهل نوعهما واحد؟ لا، فلا أثر في باب الربا في النوع، ولو كان الثمن يختلف، فنحن نعلم أن الصاع السكري بمائتين وصاع الشقر أو الإخلاص بمائة وخمسين، فلا يجوز أن أبيع صاعين من الإخلاص بصاع واحد من التمر؛ لأن الثمن واحد، نقول: لا عبرة بالنوع، إنما العبرة بالكيل والجنس، وعلى هذا: إذا ضبط طالب العلم هذه القاعدة سهل عليه ذلك. وهل يجوز أن أشتري من الخباز مائة خبزة بكيس طحين، هل يجوز ذلك؟

    الجمهور قالوا: لا يجوز؛ لأن الطحين الموجود في الخبز غير معلوم، والطحين الموجود في الكيس معلوم، والقاعدة: أنه ما جهل فيه التساوي حرم؛ فإن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما كان فيه صنعة فلا بأس ببيع جنسه قبل صنعته؛ لأنه بالصنعة خرج عن أن يكون من الأموال الربوية، والأحوط ترك ذلك، والله أعلم.

    مسألة مهمة متعلقة بالصرف

    حديث أبي سعيد قال: ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض )، معنى لا تشفوا: أي لا تنقصوا، والشف هو النقص، يعني: لا يجوز أن تبيع مائة دينار بخمسة وتسعين ديناراً، وعلى هذا: فإذا كان عندك عشرة ريالات ورقة واحدة، فذهبت إلى البقالة وقلت: اصرف لي ريالات، فقال: هذه ستة ريالات وارجع آخر اليوم أعطيك الأربعة الباقية، هل يجوز؟ هذه صورة معروفة منتشرة، وهي لا تجوز.

    فإن قال قائل: ما الحل؟

    نقول: الحل أن يقول له: خذ ستة ريالات، وأبق عندي العشرة الريالات رهناً حتى تأتيني بستة ريالات أخرى، الآن قلبناها إلى رهن، أو يقول كما ذكر عبد الرحمن بن قدامة في الشرح الكبير حيث يقول: هذه عشرة ريالات، اجعل أربعة ريالات أمانة عندك، يكون قد أخذ ستة ريالات، وبقي أربعة يقول: اجعلها أمانة عندك، فهذا يجوز، أما إذا سكت من غير أن يقلبها إلى أمانة أو رهن فإنه لا يجوز، وهذه يخطئ فيها كثير من طلاب العلم، فيظنون أنها إذا كانت بهذه الطريقة لا يجوز، والصحيح جوازها كما ذكر ذلك الحنابلة رحمهم الله في كشاف القناع، وكذلك في شرح الكبير.

    وهناك صورة ليست من الصرف، وإن عدها بعض الإخوة الفضلاء منه، مثلاً: ذهبت إلى أحد الأسواق التجارية، فاشتريت بثمانين ريالاً لبناً وجبناً وبعض الأغراض، فأعطيت صاحب البقالة مائة، ثم قال: والله ليس عندي عشرين ريالاً حتى أرد إليك بقية مالك، بعد غد تعال إلي لأعطيك، هذه الصورة جائزة، وحلال ليس فيها بأس، وليست من الصرف، كما سوف يأتي توضيح ذلك.

    الصرف هو: بيع نقد بجنسه، أو نقد بنقد، يعني ذهب بذهب، أو ذهب بفضة، هذا هو الصرف، أما في الصورة السابقة فتم البيع على الأغراض بقيمة ثمانين، وأما العشرين الباقية فليس فيها عقد ألبتة، وليست بيعاً، فالعقد كان على الثمانين، إذاً: العشرين المتبقية ليست داخلة في مسألة مد وعجوة، وهو أن يبيع ربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه، مثلاً: أبيعك هذا الكأس وفيه خمسة ريالات، بستة ريالات، فهذا لا يجوز؛ لأن الخمسة بالخمسة، والريال بالكأس، لكن الكأس أقل أو أكثر، الحرمة هنا لأن كل الثمن دخله المعاوضة، أما هنا فصورة العشرين لم يدخلها المعاوضة، والله تبارك وتعالى أعلم.

    ولهذا يشترط فيها التقابض يداً بيد.

    ضابط التقابض

    ثم اعلم -رحمك ربي- أن ما تعارف عليه الناس قبضاً فهو قبض، والنقود قبضها باليد أو بالقيد المصرفي، فإذا كان في البنك أتيت إليه وقلت: هذه خمسة آلاف ريال، أريدك أن تحولها بعملة دولار، وترسلها إلى أخي في أمريكا، فهو يجري عملية الصرافة فيقول: هذا الخمسة الآلاف تساوي ألفين وثمانمائة دولار، ويعطيك ورقة تفيد القيد المصرفي، فبمجرد القيد المصرفي من البنك يعتبر بمثابة القبض، بل هو أشد من القبض؛ لأن القيود المصرفية للنقود ليست مزورة إذ ربما يعطيك شخص خمسمائة ريال -مثلاً- وإذا هي مزورة، فعلى هذا فالقيد المصرفي يعتبر في حكم القبض، ولا يلزم أن تستلم الدولارات، فبمجرد أنها قيدت بحسابي فهي جائزة، وهذا هو قرار هيئة كبار العلماء، وقرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، والله أعلم.

    الحديث الآخر حديث أبي سعيد الخدري : ( جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني )، يعني نوع من أنواع التمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أين هذا؟ قال بلال : كان عندي تمر رديء، فبعت منه صاعين بصاع من هذا التمر البرني )، الجنس واحد، وإن كان النوع مختلفاً، فقال النبي: ( أوه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر الرديء بنقد، ثم اشتر بهذا النقد تمراً جيداً )، والله أعلم.

    وأما حديث أبي المنهال قال: (سألت البراء بن عازب و زيد بن أرقم رضي الله عنهما عن الصرف، وكل واحد منهما يقول: هذا خير مني)، وهذا من تواضعهما رضي الله عنهما، وهذا الحديث لفظ البخاري ، وقد رواه مسلم بلفظ أطول وهو: عن أبي المنهال رضي الله عنه أنه قال: (ذهبت إلى السوق فاشتريت الدينار بالدراهم إلى أجل، فلقيت البراء بن عازب فقال: هذا لا يصلح، قال أبو المنهال : يا براء ! قد بعته في السوق ولم ينكر علي ذلك أحد، قال: اذهب إلى زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة مني، وهو خير مني، فذهبت إلى زيد بن أرقم فقال: هو خير مني)، ولكن هذا لا يجوز، فكان البراء بن عازب و زيد بن أرقم يريان أن البيع إذا حصل فيه الأجل من غير قبض فهو ربا، والعجب أنه في وقت الصحابة حصل الصرف ولم ينكر أحد من أهل السوق، فإذا كان مثل هذه المعاملة المحرمة لم ينكر فيها أحد في وقت يكثر فيه العلم، فما بالك في زمان مثل زماننا! الذي أحياناً لو أنكرته قال: يا أخي! أول مرة نسمعها، وكأنه قرأ كتاب المغني كاملاً حتى يقول: أول مرة نسمعها، فكم هي المعاملات التي يقع الناس فيها في المحرم وهم لا يشعرون! والله المستعان.

    جواز التفاضل عند اختلاف الأصناف

    الحديث الآخر: حديث أبي بكرة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا)، هذا دليل لإثبات جواز التفاضل، وأن نشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، يعني: متى ما حصل الرضا جاز ولو كانت الزيادة كثيرة، فمثلاً الدولار يساوي ثلاثة ريالات وخمسة وسبعين هللة، لو جاءني شخص يريد أن يسافر، وأنا معي دولارات، فقال: أريدك أن تعطيني دولارات لأني أصرف في الخارج، قلت: أعطيك دولاراً بأربعة ريالات، نقول: يجوز بشرط التقابض في مجلس العقد، هذا هو الراجح، والله أعلم.

    نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756356349