إسلام ويب

اللؤلؤة كيف تحفظ نفسها؟للشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن السعادة كل السعادة في طاعة الله ورضوانه، والشقاوة والضياع في مخالفة أمره وعصيانه، وذلك لما لهذه الذنوب والمعاصي من أضرار في الدنيا والآخرة، وقد ذكر الشيخ حفظه الله بعضها ثم تحدث إلى المرأة، وذكر بعض الأمور التي تحفظ بها نفسها من الذنوب والمعاصي، كخوف الله تعالى ومراقبته، ومحاسبة النفس، ومجالسة الصالحات ... وغيرها.

    1.   

    أضرار الذنوب والمعاصي

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعــد:

    كيف تحفظ المؤمنة نفسها من الذنوب والمعاصي؟

    من منا لا يذنب؟! ومن منا لا يعصي الله جل وعلا؟! بل لقد قال عليه الصلاة والسلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)؛ بل قال عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) بل حتى التقية الورعة؛ بل أتقى النساء لا بد أن تقع في الذنوب والمعاصي، والله جل وعلا لما وصف المؤمنين الأتقياء الورعين، ذكر أن من صفاتهم أنهم يقعون في الفواحش، أو ظلم النفس، وأقل الأمر أنهم يقعون في الظلم وهي الصغائر.

    يا أمة الله! اسمعي إلى المتقين لله جل وعلا إذا وقعوا في الذنوب والمعاصي ماذا يفعلون؟

    قال الله جل وعلا في وصفهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135] لكن هناك علامة للمتقين أنهم إذا وقعوا في الذنب: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] بل إن الفرق -بين المؤمنة التي تذنب والفاجرة التي تذنب- كبير، يقول ابن مسعود: [المؤمن يرى ذنبه كأصل جبل يوشك أن يقع عليه، والمنافق الفاجر يرى ذنبه كذبابٍ وقع على أنفه، فقال به هكذا] أرأيت إلى الفرق بين هذه وتلك؟! كلاهما تعصي الله جل وعلا، لكن الأولى إذا عصت خافت، وندمت، ووجل القلب، واستغفرت، وعملت الصالحات؛ لتكفر ما عملت من ذنوب، أما تلك فإنها ترتكب المعاصي والذنوب، والفواحش والظلم، ولكنها تبتهج وتفرح وتسر بتلك المعاصي.

    أختي الكريمة: اعلمي أن لهذه الذنوب والمعاصي أضراراً وسواداً في الوجه وظلمة في القلب.

    لقد وصف الله عز وجل أولئك الذين ابتعدوا عن شرعه، وانتهكوا محارمه، ووقعوا في الذنوب وأسرفوا فيها، يصف الله عز وجل حياتهم، ومعيشتهم في هذه الدنيا، فيقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] تجدينها من الصباح إلى المساء وهي تسمع الأغاني.. إذا ركبت السيارة لا تسمع إلا الأغاني، وكلما رأت الرجال تلتفت وتنظر إليهم يمنة ويسرة، لا تحب أن تخرج من بيتها إلا متعطرة.. متبرجة.. كاشفة عن شعرها وذراعيها؛ لتقول للناس: انظروا إليّ .. إذا خرجت من بيتها ورجعت لا تعرف ذكراً، ولا تتذكر صلاةً، ولا ترعى لله عز وجل حرمه .. كيف تعيش أم كيف تحيا؟

    إذا جاءت إلى البيت نامت ولم تستيقظ إلا في الليل، لا تعرف صلاة العصر ولا صلاة المغرب، ثم إذا استيقظت من نومها جلست أمام التلفاز إلى منتصف الليل، أو كلمت فلانة، أو تجولت في السيارة، تسألينها: لمَ كل هذا يا أمة الله؟!

    تقول: عندي ملل، وضيقٌ في الصدر، ولا أحس بلذة في الحياة، أتعلمين ما هو السبب؟ قال سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].

    وهذا رجل كافر بحث عن السعادة في الدنيا، وبحث عن أسبابها، فألف كتاباً أسماه: دع القلق وابدأ الحياة ، هذا الرجل الكافر ألف هذا الكتاب ليبين فيه أسباب السعادة في الدنيا، فيقول: دع القلق،!اترك الهم.. اترك الغم، وإذا به بعد أن ألف الكتاب يربط حبلاً في غرفته فيشنق نفسه .. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] يعيش كما يعيش الناس.. تأكل وتشرب وتلبس أحسن الملابس، وتسكن أحسن القصور، وتركب أفخر السيارات، إذا مشت لا تتكلم إلا في الدنيا ومتاعها.. تضحك ملء فمها ولكن القلب حزين، والصدر قد ضاق بالمعاصي، وضاقت عليها الدنيا بما رحبت .. فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124].

    أمة الله: سلي أصحاب المعاصي والذنوب: هل أنتن في سعادة؟ ائتِ إليها واجلسي معها، وقولي لها: تسافرين إلى أي مكان تشائين، وتنظرين إلى أي فيلمٍ تحبين، وتستمعين إلى أي أغنية.. لا صلاة ولا زكاة، ولا قرآن ولا التزام بشرع الله، فهل أنت الآن في سعادة؟ تخبرك وتقول لك: لا والله! قد ضاقت علي الدنيا بما رحبت، بحثت عنها فلم أجدها، لا أدري أين هذه السعادة .. واجلسي مع أمة الله الصالحة.. اجلسي مع تلك المحجبة، التي إن قامت فإنها تقوم لصلاة الفجر، وإن ذكرت في نومها فإنما تذكر الله جل وعلا، تنام على ذكر الله، وتستيقظ على ذكر الله، تغض بصرها عن الحرام، سليها: هل أنتِ في راحة وسعادة؟ لا أراك تضحكين، ولا تلهين في الدنيا كما تلهو غيرك، هل أنت في سعادة؟ تقول لك: إي والله! لو كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه والله إنهم لفي عيش طيب!! الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

    أمة الله: هذه بعض أضرار المعاصي والذنوب، ناهيك عن الأضرار التي تأتي يوم القيامة، وفي القبر والمحشر، وسوف نعرج عليها إن شاء الله.

    1.   

    كيف تحفظ المؤمنة نفسها

    أمة الله: كيف تحفظ المؤمنة نفسها من الذنوب والمعاصي؟ كيف تبتعد عن الذنوب والمعاصي؟ كيف تحصن نفسها إذا أقبلت الذنوب والمعاصي إليها؟

    لقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنه (سوف يأتي على الناس زمان، القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر) تصبح الواحدة لا تتحمل أن تتمسك بدينها، وكأنها تقبض على الجمر، بل قال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال الصالحة! فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً) في الصباح تجدينها مصلية.. ذاكرة.. ساجدة.. راكعة.. تعرف دينها وربها، ثم إذا أقبل الليل وغربت الشمس، فإذا بها تجحد أوامر الله، وتستهزئ بدين الله، هذه الفاجرة الكافرة الفاسقة التي ترد أوامر الله جل وعلا، وتستحل محارمه .. ما الذي جرى؟ ما الذي حدث؟ قال: (يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا).

    من أسباب حفظ المرأة نفسها: غض البصر

    كم وكم من النساء كن صالحات، وإذا بفتنة وشهوة ومعصية ترديهن على أعقابهن.

    اسمعي إلى هذا الرجل الذي كان صالحاً طوال حياته، بل كان مؤذناً يؤذن للناس ويدعوهم إلى الصلاة، فيقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح! وفي يومٍ من الأيام وهو يؤذن نظر إلى فتاة وأدمن النظر إليها، ولم يغض بصره وأسرف في المعصية، فإذا بقلبه يتعلق بها، فنزل بعد الأذان -واسمعن يا إماء الله إلى هذه القصة الغريبة، وبعدها لا أظن أن واحدة منكن سوف تأمن على نفسها، وتثق أنها سوف تظل على الدين إلى أن تموت إلا بتوفيق الله جل وعلا -فطرق الباب على ذلك البيت، فخرجت تلك النصرانية، فعانقها، فقالت له: سبحان الله -وهي كافرة- مؤتمنٌ ويخون! أي: أنت أمينٌ للناس تؤذن لهم وتخون الأمانة! فقال: إني أريدك. قالت له: إذاً فتزوجني، قال: نعم، قالت: بشرطٍ واحد. قال: وما هو الشرط؟ قالت: أن تتنصر، أن تكفر بالله العظيم، أن تبدل دينك .. إنها الشهوة ومرض القلب .. فإذا به يقول: إذاً أتنصر. سبحان الله! لا إله إلا الله! إذا دخلت الذنوب والمعاصي القلوب، كيف تبدلها وتقلبها؟ ثم دخلت البيت وقالت له: اشرب من هذا الكأس، فإذا به يشرب من الخمر، ويأكل من لحم الخنزير، ثم قالت له: اصعد وارق على سطح المنزل، فإذا جاء والدي سوف أخبره بالخبر، فإذا به يصعد على سطح المنزل، ثم يتجول في السطح وهو سكران، ثم سقط من على المنزل، فإذا به يفارق الدنيا على نصرانيته!! يقول الله جل وعلا: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]. إذاً: الأمر خطير يا أمة الله! كيف تحفظ المسلمة نفسها من الذنوب والمعاصي؟ ألا تذكرين فلانة؟ كانت مصلية راكعة ساجدة، بل كانت يوماً من الأيام تحفظ كتاب الله، بل كانت تدعو إلى الله جل وعلا، كانت تتصل على فلانة فتدعوها إلى ذلك المجلس، وكانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. أين هي الآن؟ هي الآن في مواطن الشهوات والشبهات، هي تحتاج إلى من يدعوها إلى الله جل وعلا.. ما الذي جرى؟ (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).

    من أسباب حفظ المرأة نفسها: المحاسبة والمراقبة

    يا أمة الله! من الأمور التي تحفظين بها نفسك من الذنوب والمعاصي: المحاسبة والمراقبة.

    أن تراقبي الله جل وعلا في كل مكان، فإذا كنتِ في الليل في غرفتك لوحدك، وفتحت التلفاز، اعلمي أن هناك من يراكِ ويطلع عليك ويراقبك.. أتعلمين من هو؟ إنه الواحد الأحد.. إنه الفرد الصمد.. إنه الذي خلقك فسواك.

    فيا من تتجولين في السيارة، وتستمعين إلى الأغاني، وتقولين: الحمد لله! لا أحد يراني، ولا أحد يستمع إليَّ، فإذا بك تضعين ذلك الشريط، وتقلبين الإذاعة، فتسمعين تلك الأغنية.. أتظنين أنه لا أحد يسمعك؟! اسمعي من الذي ينظر إليك ويحسب عليك كل نفس وكل خاطرة وكل نظرة، وكل أغنية، وكل كلمة .. يقول الله جل وعلا: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:9].

    من هو؟ إنه الله جل وعلا، عالم الغيب.. عالم السر.. عالم كل شيء عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [الرعد:9-10] سواءً في علم الله التي تتكلم بالسر، وترفع سماعة الهاتف، وتكلم فلاناً، ويكلمها فلان، وتأتي إلى الغرفة وتغلق الباب على نفسها، وتخفض صوتها وتتكلم.

    سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [الرعد:10] أي: الذي يستخفي في الليل، ويخفي نفسه في الظلام، وتخفي نفسها وتغلق الباب على نفسها، إن الله يراها .. يقول الله جل وعلا: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].

    فهذا الإمام أحمد، الذي كان من ورعه وتقواه وزهده أنه كان يترك المباح خشية أن يقع في الحرام .. هذا الرجل أتاه أحد التلاميذ، فقال له: يا إمام! أسمعت إلى ذلك الشعر؟ قال: ما هو؟ فإذا به يردد بيتاً وشعراً، فما كان من الإمام أحمد إلا أن تأثر، ثم خرج من مكانه في مجلسه ووضع الكتاب، ودخل إلى غرفةٍ، وأغلق على نفسه الباب، ويردد هذه الأبيات وهو يبكي:

    إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل      خلوت ولكن قل علي رقيبُ

    ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ

    ألم تر أن اليوم أسرع ذاهبٍ      وأن غداً للناظرين قريبُ

    لهونا لعمر الله حتى تتابعت     ذنوبٌ على آثارهن ذنوبُ

    فيا ليت أن الله يغفر ما مضى      ويأذن في توباتنا فنتوبُ

    لا تقل: لا أحد في الغرفة، ولا تقل وأنت في السوق: الحمد لله! لا أحد يراني في هذا المكان: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].

    يا أمة الله! إذا أتيت إلى الله جل وعلا يوم القيامة، فإن الله سوف يعرض عليك كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها .. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30] بل سوف تجدين كل كلمة، وابتسامة، ونظرة، وكل أغنية، وفيلم، ومسلسل، سوف تجدينه مسجلاً عند الله جل وعلا يوم القيامة، فلا تظنين أن الله ينسى، ولا تظنين أن الله جل وعلا تخفى عليه خافية.

    أمة الله: إن الله -جل وعلا- لا ينظر إليك فقط، بل يعلم ما تتحدثين به في نفسك، وما توسوس به النفوس، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235].

    ولا تقولي: لا أحداً في الغرفة يسمعنيويراني.

    أمة الله: هذه المرأة هجرها زوجها إلى الجهاد في سبيل الله، وظلت أشهراً على هذه الحال، والشهوة تصارعها، والفتنة تراودها، وهي تستطيع أن ترتكب المعاصي كلها؛ لأنها بمفردها في البيت، فإذا بـعمر بن الخطاب يستمع إليها من وراء الجدار، وهي تردد هذه الأبيات وتقول:

    تطاول هذا الليل واسود جانبه      وأرقني ألا خليل ألاعبه

    فوالله لولا الله رباً أراقبه      لحرك من هذا السرير جوانبه

    لولا أن الله ينظر إليَّ، ويراقبني، وأن الله تبارك وتعالى يسمع كل شيء، بل يعلم ما توسوس به نفسي، لحرك من هذا السرير جوانبه.

    من أسباب حفظ المرأة نفسها: الخوف من الله عز وجل

    وهذا أمر آخر، به تحفظين نفسك من الذنوب والمعاصي: إنه الخوف من الله جل وعلا.

    أمة الله! لا تظني أنها معصية ثم تذهب، أو نظرة ثم تضيع، أو كلمة ثم تذهب إن شاء الله، ولا تظني أنه الفيلم الأخير ثم التوبة بعده إن شاء الله.

    أمة الله: إن الله جل وعلا يحذر الناس من نفسه، فيقول جل وعلا: وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

    ألا تخافين من الله وأنت تتجرئين على معصيته جل وعلا؟

    ألا تخافين وأنت ترتكبين المعصية أن يأخذك الله جل وعلا ويقبض روحك؟

    اسمعي إلى السابقين الصالحين كيف كانوا يخافون من ربهم جل وعلا؟ فهذا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، يروى عنه: أنه كان يسمع لصدره إذا قام إلى الصلاة أزيز من عظم الخوفٌ من الله جل وعلا .. إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].

    وهذا داود -عليه السلام- كان الناس يعودونه ويظنون أنه مريض، وما كان به شيء إلا شدة الخوف من الله جل وعلا.

    هل كانوا عصاة؟ هل كانوا فجرة؟ هل كانوا زناة؟ هل شربوا الخمور؟ هل استمعوا للأغاني؟ هل تركوا الصلاة؟ لا والله. لقد كانوا أعبد الناس، وأصلح الناس، ولكنهم يخافون من الله جل وعلا، بل إن الصالحين يصلون ويصومون ويتصدقون، ويخافون ألاَّ يتقبل الله منهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60].. من هم؟ إنهم الراكعون الساجدون، إنها التي تقوم الليل وتصوم النهار، وتقرأ القرآن، وتذكر ربها جل وعلا، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .. وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] لمَ يا رب؟ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] تخاف ألاَّ يتقبل الله عز وجل منها .. فكيف بالفاجرة التي لا تصلي؟ كيف بالتي لا تركع لله ركعة؟ كيف بالتي هجرت القرآن، وهجرت ذكر الله جل وعلا؟ كيف بالتي تتجرأ على المعاصي صباح مساء؟!

    اسمعي يا أمة الله: إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو أعبد وأصلح الناس، كيف كان يخاف من الله، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه، وتقول: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت الكراهة في وجهك. فقال: يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟!) قد عذب قومٌ بالريح، وقد رآها قومٌ، فقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24] ما الذي جرى؟ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأحقاف:24] كان عليه الصلاة والسلام يخاف إذا رأى ريحاً أو غيماً، أما الآن -وللأسف- فإن الواحدة ترتكب المعاصي، وتنتهك الحرمات، وهي تضحك ولا تبالي، وتقلب رأسها على الفراش في معصية الله جل وعلا، وتتفكر في المعاصي والذنوب ولا تبالي، وتفوم فرحةً مبتهجةً وهي لم تصل الفجر حتى تطلع الشمس.

    أمة الله: لماذا قست قلوبنا؟! إن الواحدة ترتكب الذنوب والمعاصي ولا تبالي! اسمعي إلى أبي بكر الصديق، وهو أصلح هذه الأمة رضي الله عنه بعد نبيها، يُروى عنه أنه كان يقول: [يا ليتني كنت شجرة تعضد ثم تُؤكل] وهو مبشرٌ بالجنة، ويتمنى أنه شجرة تقطع، ثم تُؤكل، فيفنى ويذهب، أي: لا حساب ولا عقاب عند الله جل وعلا.

    أما عمر وما أدراك ما عمر رضي الله عنه، كان إذا سمع آية فيها بعض العذاب مرض، فيجلس في البيت أياماً يعوده الناس، يظنونه مريضاً وليس به مرض، وأخذ يوماً سدنة من الأرض -أي: حشيشاً- أخذه وقال: يا ليتني كنت هذه السدنة، يا ليتني لم أك شيئاً مذكوراً، يا ليت أمي لم تلدنِ .. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16] كانوا أصلح الناس، وأتقى الناس، بل كان عمر رضي الله عنه في وجهه خطان أسودان من البكاء، ومع هذا يقول: يا ليتـني كنـت نسياً منسياً! يا ليتني لم أك شيئاً مذكوراً!

    أمة الله: قبل أن تتجرئي على المعصية، وقبل أن تقدمي عليها، وقبل أن تنظري لتلك الصور، وقبل أن تضعي ذلك الفيلم، وقبل أن تستمعي لتلك الأغنية، فكري هل تتحملين عذاب الله جل وعلا وعقابه؟

    يروى أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: [وددت أني كنت كبشاً فذبحني أهلي، فأكلوا لحمي، وحسوا مرقي].

    وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: [يا ليتني كنت نسياً منسياً].

    والله تعالى يقول: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44] اخشي الله جل وعلا قبل أن تتجرئي على معصيته.

    أمة الله: أما تخافين من سوء الخاتمة وأنت تقعين في المعصية، وأنت تكلمين فلاناً وتخاطبينه في الهاتف، أو وتنظرين إلى ذلك الفيلم، أو تنامين عن الصلاة.. أما تخافين من سوء الخاتمة؟!

    اسمعي إلى أولئك الأربعة الذين سافروا إلى الخارج للزنا والخنا والمعاصي، فدخلوا إلى مرقصٍ من المراقص، فإذا بهم يتمتعون بشرب الخمور في تلك الليلة، وفي ذلك المرقص، والرب جل وعلا قد نزل إلى السماء الدنيا يقول: (هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟) نزل إلى السماء الدنيا وينظر إلى عباده أين ذهبوا؟ ذهبوا إلى ذلك المرقص، وماذا شربوا؟ شربوا الخمور، ومع من؟ كل واحدٍ معه راقصة داعرة، يرافقها في ذلك الليل .. وفي أثناء الرقص إذا بأحد الأربعة يسقط على الأرض مغشياً عليه، فتدافع الثلاثة إليه، وفزعوا، وقالوا: يا فلان! ما الذي جرى لك؟ يا فلان! ما الذي حدث؟ فإذا به يحتضر، ويلفظ أنفاسه الأخيرة، فقال له أحدهم: يا فلان! قل: لا إله إلا الله. فنظر إليه وقال: زدني كأساً وتعالي يا فلانة، زدني كأساً وتعالي يا فلانة، زدني كأساً وتعالي يا فلانة. وهم يقولون له: قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله، وهو يردد: زدني كأساً وتعالي يا فلانة! ثم خرجت روحه وهو على هذه الحال، وسوف يبعث عند الله جل وعلا وهو على هذه الحال .. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

    أما تخافين -يا أمة الله- أن تكون تلك الليلة مع ذلك الفيلم، وتلك السهرة أن تكون هي الأخيرة؟! أما تخافين وأنتِ في السيارة تستمعين إلى الأغاني أن يختم الله عز وجل لك بحادث سوء؟! أما تخافين وأنت تنامين وقد وضعت الساعة للدوام والعمل وأنت قد نسيت صلاة الفجر، ثم يقبض الله تلك الروح، ويأخذ الأمانة وأنت نائمة على الفراش؟! ألا تخشين ذلك يا أمة الله؟! أما تخافين من سوء الخاتمة؟!

    هذا رجل ذهب إلى بلاد الكفر والزنا، والمسكين يظن أن الدنيا لعب ولهو، ويظن أن الدنيا متاع وشهوات يتمتع منها بما يشاء، ثم يتوب قبل الموت، ثم يرجع في اللحظات الأخيرة! كما هي تلك المرأة المسكينة التي تفعل كل المعاصي والذنوب، وتقول في نفسها: إذا حانت ساعة الوفاة سوف أتوب وأرجع إلى الله جل وعلا!

    هذا الرجل ذهب إلى تلك الدول ليرتكب المعاصي والذنوب، فإذا به يتصل على معشوقته وحبيبته، فقال لها: تعالي إلي في هذه الغرفة في مكان كذا، فقالت له: سوف آتي الآن، فانتظرها وتجمل لها، وترقبها على أحر من الجمر، ثم بعد لحظات يرن الهاتف فيرفع السماعة، فإذا بها تعتذر إليه وتتأسف له! فيقول لها: إنني منتظرٌ، وهو في أشد الحسرة والضيق والانتظار والشوق واللهف لها، فتقول له: لا أستطيع أن آتي إليك في هذه الليلة وتغلق السماعة، وهو متألم متحسرٌ لفراقها ولبعدها عنه، وفي لحظات الألم والحسرة يطرق الباب، فيفتح فإذا بها فلانة عشيقته وحبيبته، فإذا به من شدة الفرح ومن شدة الشوق يخر على الأرض ساجداً لها، وإذا بها السجدة الأخيرة، واللحظة الأخيرة، والنفس الأخير، ولم يستطع أن يرفع رأسه بعد تلك السجدة، وسوف يلقى الله جل وعلا على هذه السجدة، وسوف يلقى الله جل وعلا ويكلمه وهو على هذه الحال.

    أما تخافين يا أمة الله؟ أما تخشين الله جل وعلا؟! يقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن مسعود: (فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

    يقال عن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- أنه كان إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلة فبكى أهل الدار، فلما تنحت عنهم العبرة قالت فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين لم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ثم صرخ وغشي عليه.

    من أسباب حفظ المرأة نفسها: تذكر الموت

    أمة الله: وأنت في زهرة الدنيا وملذاتها، وفي غمرة شهواتها، ألا تتذكرين يوماً سوف تحملين فيه على الأعناق؟! سبحان الله! تقلبين على تلك المغسلة، ثم تغسلين ولا حراك، ولا تستطيعين أن تنجي نفسك بنفسك.. فأين ذلك الوجه الحسن؟ وأين تلك الملابس؟ وأين تلك العطور؟ وأين تلك القصور؟ وأين تلك الشهوات؟ سوف تغسلين ثم تلفين بخرقة، ثم تحملين على الأعناق، فيا ويلك إن كنت فاجرة! ويا ويلك إن كنت بعيدة عن ذكر الله، وإن كنت قد هجرت القرآن ومجالس الصالحات!

    سوف تحملين على الأعناق، وسوف يحملك الأب الحنون، والأخ الحميم، والزوج الحبيب، بل لعله الابن، يسرع في حملك إلى تلك المقبرة، وإلى تلك الحفرة، وحيدة غريبة، في حفرة موحشة، وأنت تقولين للأحباب والأصحاب: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يا ويلها أين تذهبون بها؟ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة:26-29] أي: لفت الساق بالساق في الكفن، ولا تستطيعين الحراك .. إلى أين؟ أين تذهبون بها؟ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:30-32] ثم توضعين في حفرة، وأرجو منك -يا أمة الله- في هذه اللحظة أن تتخيلي وتتفكري في تلك الحفرة، هل هناك ضوء؟ هل هناك نور؟ لا والله! إنها ظلمة موحشة، إنه ظلامٌ دامس، ظلامٌ في ظلام، لا تستطيعين الحركة في تلك الحفرة الضيقة، لا يمنة ولا يسرة، وأحب الناس وأعز الناس وأقرب الناس من يُسرع في دفنك، ومن يحثو على وجهك التراب، ثم ماذا؟ ثم تفتحين العينين، وتسمعين قرع النعال.. نعال الأحباب والأصحاب، قد فارقوك وهجروك، وتركوك في تلك الحفرة.

    ثم يأتيك منكرٌ ونكير يسألانك: من ربك؟ على ماذا كنت تعيشين؟ تنامين على ذكر من؟ وتستيقظين على ذكر من؟ وتتلهفين على ذكر من؟ من كان أحب من لديك في الدنيا؟ هل هو الله جل وعلا حقاً أم فلان؟ هل هو ذكر الله جل وعلا حقاً، أم هي ذكر الأغاني؟ فإذا كنت لاهية غافلة فإنك سوف تقولينها: هاه هاه لا أدري! وسوف يضيق عليك القبر حتى تختلف الأضلاع، ثم تضربين على رأسك بمطرقة لو ضرب بها جبلٌ لصار تراباً.

    أمة الله: ألا تخافين من ذلك المصير؟! مالي أراك تتجرئين على الذنوب والمعاصي وكأن الأمر لا يعنيكِ؟

    ثم بعد لحظات يأتيك صاحب في القبر فتقولين: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر. فيقول: أنا عملك الخبيث .. أنا الأغاني، أنا الأفلام والمسلسلات، أنا النظر للرجال بشهوة، أنا سماعة الهاتف التي كانت في آخر الليل، أنا التجول في الأسواق لمعصية الله جل وعلا، أنا النوم عن الصلاة، أنا معصية الله جل وعلا، أنا عملك الخبيث، فوالله ما علمتك إلا سريعة في معصية الله بطيئة في طاعته، للصلاة بطيئة متثاقلة كسلانة، أما للشهوات والمعاصي فأنت السريعة المستجيبة.

    يا أمة الله! ألا تخافين من ذلك المصير؟! ألا تخافين من ذلك اليوم؟! ألا تخافين إذا وقفت بين يديه جل وعلا وأنتِ عارية حافية، لعل الشعر قد شاب من شدة الخوف؟! أما تخافين أن يسألك الله جل وعلا، فيقول لك: ألم أسقك من الماء البارد؟ ألم أنعم عليك بكذا وكذا؟

    أما تخشين إذا سألك الله جل وعلا فقال لك: ما الذي جرأك علي؟ وما الذي حملك على المعاصي؟ قال سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12].

    من أسباب حفظ المرأة نفسها: رجاء ما عند الله

    أمة الله! إن مما يحفظك من الذنوب والمعاصي رجاء الله -جل وعلا- فترجين رحمته جل وعلا، إنك إذا نظرت للمعصية ثم صددت عنها فإن الله جل وعلا سوف يعقبك حلاوة الإيمان في الصدر، ثم هي صحيفة بيضاء تلقين الله جل وعلا بها يوم القيامة، وإذا بها ذنوب تعرضت لك لكنك صددت عنها، إنها معاصي كانت سهلة بين يديك لكنك تركتيها خوفاً من الله.

    أمة الله! إذا تركتي المعاصي فإن الله سوف يعقبك لذة في الدنيا، وسروراً في القلب، وحلاوة في الصدر، ثم إذا لقيتي الله جل وعلا فقال لك: ألا تذكرين ذنب كذا؟ ألا تذكرين تلك المعصية؟ ألا تذكرين تلك الزلة؟ ثم يقول الله جل وعلا لك يوم القيامة: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، أما ترجين ذلك الموقف؟ ألا تتمنين أنك تلقين الله جل وعلا في ذلك المكان فيقول الله جل وعلا: خذي كتابك بيمينك، ثم تساقين إلى الجنة .. وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [الزمر:73].. نعم! إنها ستون أو سبعون سنة تقضينها في طاعة الله جل وعلا، وإن عصيت الله جل وعلا بغير إصرار فإنك تتوبين، وترجعين، هذه هي حياتك في الدنيا.. مع القرآن والذكر والصلاة، ومع الصالحات، ومع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لقيت الله جل وعلا إذا بك تساقين إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ريحها على بعد أربعين سنة .. هذه ريحها فكيف ستكون هي؟!

    فإذا كنت مؤمنة فإنك سوف تساقين إلى الجنة مع الصالحات المؤمنات، ولك أن تتخيلي ما صفة الجنة؟ أما صفة أرضها فإنها بيضاء عفراء كقرصة نقي.. أرض بيضاء من زعفران، ومن لؤلؤ، ومن ياقوت، للمؤمن فيها خيمة طولها ستون ميلاً، من لؤلؤة مجوفة.

    أمة الله: إن لك في الجنة ما تشائين من الثمار، وما تتخيرين من اللحوم، تجلسين على نهر من لبن، وتشربين من نهر من عسل، وتجلسين على نهر من خمر، قال الله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [محمد:15] تخيلي يا أمة الله! نهر من لبن، أغلقي عينيك الآن وتصوري كيف يكون نهر من لبن؟ لا يتغير طعمه أبداً، لا سنة ولا سنتين، ولا ألف سنة ولا مليون سنة، أو تخيلي نهراً من عسل! أو تصوري نهراً من خمر!

    يقول الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [الزخرف:71] في تلك الجنان ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يقول عليه الصلاة والسلام: (موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها)؛ بل قال: (لو أن مما يُقَلُّ بظفر في الجنة فرج) أي: لو أن في الجنة شيئاً نحمله بأظفارنا فرج من الدنيا، أتعرفين ما الذي سوف يحصل؟ (لتزخرفت ما بين خوافق السماوات والأرض) بل لو أن امرأة واحدة من الحور العين اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها .. هذه الحور العين، أما الصالحة في الدنيا إذا دخلت الجنة فإنها سوف تكون سيدةً من سيدات الحور العين؛ بل أفضل وأجمل منهن، بل هي سيدة لهن في الجنة.

    أمة الله: ألا تتمنين ذلك المصير؟! إنه بصبرٍ قليلٍ عن تلك المعصية، سنوات قليلة نصبر فيها عن المعصية.. نصبر فيها عن النظر إلى الرجال.. نصبر فيها عن الاستماع للأغاني.. نصبر فيها عن الأفلام، والمسلسلات، والشهوات، والملذات، فيكون الجزاء وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان:12].

    أمة الله: ألا تتمنين ذلك المصير؟! ما الطريق؟! ما السبيل؟! إنه صبرٌ قليلٌ عن المعاصي، وسوف يعقبك الله جل وعلا سعادة في الدنيا .. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا [هود:108] الله أكبر! إن الجزاء من جنس العمل.

    سل الصالحات -كما ذكرنا قبل قليل- ما هي أسعد أيامكن؟ ما هي أسعد لحظاتكن؟ تقول لك: إنها لحظات قيام الليل في رمضان. بل تقول: إنها ساعة الإفطار، أو رطبات في حرم الله جل وعلا، أو إنها تلك المجالس.. مجالس الذكر، ومجالس الطاعة، أو تقول لك: وأنا أقوم في آخر الليل وقد دمعت عيناي.. إنها أسعد اللحظات في هذه الدنيا، سعادة تغمر القلوب، ثم خروج روحٍ كما تخرج القطرة من فيِّ السقا، ثم قبرٌ يفرش لها من الجنة مد بصرها، ثم تؤمن من الفزع الأكبر، وتمكث كما بين الظهر والعصر تحت ظل عرش الرحمن، ثم تسافر إلى جنة الرحمن جل وعلا.

    ألا تريدين ذلك المصير يا أمة الله؟!

    من أسباب حفظ المرأة نفسها: مجالسة الصالحات

    ومما يحفظك عن الذنوب والمعاصي -يا أمة الله- مجالسة الصالحات، اهجري تلك اللواتي عرفنك على الذنوب، وأعطينك تلك الصور، وتلك الأفلام والأشرطة، انصحيهن ثم اهجريهن لله جل وعلا: (إنك في أرض سوء فاتركها إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم).

    أمة الله: ما الذي تعلمتيه من تلك المجالس.. مجالس السوء؟ لم تتعلمي إلا الغيبة والكذب، وقد رجعت إلى البيت وأمرك زوجك بطاعة الله فإذا بك تتجرئين عليه، وتقولين له: لا طاعة لك علي، ومن الذي سلطك عليَّ؟ أنا وأنت سواء .. سبحان الله! علَّمنك على الفجور والعصيان، ثم تدمرت تلك البيوت وفسدت، ثم لما رجعت إليهن فإذا بهن يتركونك وأنت في أحوج اللحظات إليهن.

    أمة الله: ضعي يدك في يد أولئك الصالحات، واجلسي معهن وقولي لهن: إني قد تبت إلى الله، إني أريد أن أجلس معكن، وأذهب معكن، وأسافر معكن، فإنهن لا يسافرن إلا إلى العمرات، وإلى حرم الله جل وعلا، وإذا جلسن لا يجلسن إلا على طاعة الله، وذكره جل وعلا، ولا يقرأن إلا القرآن .. إنهن يجلسن في المباح، ويضحكن، ويلعبن ويرمين، ولكنهن يلعبن ويلهين في المباح، أما في حدود الله فلا .. وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28].

    ولا تقولي: هذه معقدة، أو متزمتة، أو هذه ما أظنها تضحك .. اجلسي معهن وجربي ولو يوماً من الأيام، جربي مجالسهن، فوالله إنها أسعد المجالس، وأفضل الجلسات، وأحلى الكلمات تخرج من أفواههن.

    يا أمة الله! ضعي يدك في أيديهن، فوالله إنك لو صافحتيهن وجلستي معهن، فإن هذا هو الطريق إلى جنات الله جل وعلا، وإن حلقات مجالسهن رياض الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حلق الذكر).

    أمة الله! راقبي الله جل وعلا، واعلمي أنك إذا تجرأت على المعاصي فإن لك رباً يراقبك، ويحسب عليك النفس، والكلمات والخواطر، واعلمي أنك لن تقوي على عقوبة الله جل وعلا، ولن تتحملي عذابه، وأنه إذا أخذتك الملائكة -زبانية العذاب- فإنك لن تستطيعي لهم رداً.

    ثم إذا تركت الذنوب والمعاصي، فارجي رحمة الله جل وعلا: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران:133] فيها الأنهار تجري من غير أخاديد، وفيها الخيام من لؤلؤة مجوفة، وفيها الظلال ممتدة، يسير الراكب الجواد المضمر مائة عامٍ لا يقطعها.

    ثم تمسكي بالصالحات، واجلسي معهن، واعلمي في النهاية أن: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).

    يا نفس توبي فإن الموت قد حانا     واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا

    أما ترين المنايا كيف تلقطنا      لقطاً فتلحق أخرانا بأولانا

    في كل يومٍ لنا ميتٌ نشيعه      نرى بمصرعه آثار موتانا

    يا نفس مالي وللأموال أتركها      خلفي وأخرج من دنياي عريانا

    أبعد خمسين قد قضّيتها لعباً      قد آن أن تقصري قد آن قد آنا

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756324042