وقد تعرض الشيخ لذكر بعض الجرائم التي عمت وطمت، ومنها: جريمة الزنا، وتحدث عن جريمة اللواط وحد مرتكب هذه الجريمة، وكلام شيخ الإسلام في ذلك، ودعا الأمة للوقوف أمام المفسدين في الأرض.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واشكروه على نعمة هذا الدين القويم الجامع بين الرحمة والحكمة، رحمة في إصلاح الخلق، وحكمة في اتباع الطريق الموصل إلى هذا الهدف الأسمى.
أمة الإسلام: إن من طبيعة البشر أن يكون لهم نزعات متباينة، فمنها نزعات إلى الخير والحق، ومنها نزعات إلى الباطل والشَّر كما قال تعالى: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل:4] ولما كانت النفوس الشريرة والنزعات الطائشة والأعمال السيئة لابد لها من رادع يكبح جماحها، ويخفف من حدتها، شرع رب العباد وهو الحكيم العليم الرءوف الرحيم، شرع حدوداً وعقوباتٍ متنوعة، وكل ذلك بحسب الجرائم، وما ذلك إلا لردع المعتدين وأطرهم على الحق أطراً، وإصلاح المفسدين، وتقويم المعوجين.
كذلك شارب الخمر إذا عُوقِب وأُقِيم عليه الحد، ارتدع عن تناول الخمر التي سمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم الخبائث ومفتاح كل شر.
أمة الإسلام: إذا كان الزنا بالفرج موجباً لهذه العقوبة، فإن هناك زناً آخر دون ذلك يوجب الإثم والعقوبة الأخروية، وربما كان سبباً للزنا الأكبر؛ ألا وهو زنا الجوارح الأخرى، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واللسان يزني وزناه الكلام، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه}.
ولقد قصّ رب العالمين علينا ما حصل لقوم لوط حيث أنزل عليهم رجزاً من السماء، -أي: عذاباً من فوقهم- أمطر عليهم حجارةً من سجيل، فجعل قريتهم عاليها سافلها، وهي الآن بحيرة منتنة، وهي تسمى بـالبحر الميت قرب الأردن ، وبعد أن قصَّ الله علينا قصتهم وما نزل بهم قال جلَّ وعلا: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].
أمة الإسلام: إنه متى فشت هذه الفاحشة في المجتمع ولم يعاقب الله بدمار الديار، فإنه سيحِلُّ بها ما هو أعظم من ذلك، سيحِلُّ بها انتكاس القلوب، وانطماس البصائر، وانقلاب العقول حتى يسكت عن الباطل، أو يزين له سوء عمله فيراه حسناً، وأما إذا يسَّر الله له ولاةً أقوياء، ولاةً عُدلاء، ولاةً أمناء، يقولون الحق من غير مبالاة، وينفذون الحدود من غير محاباة، فإن هذا علامة التوفيق والصلاح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل من عَمل عمل قوم لوط، سواءً كان فاعلاً، أو مفعولاً به إذا كان راضياً"، ولكن اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم: يرجم بالحجارة. وقال بعضهم: يلقى من أعلى مكان في البلد حتى يموت. وقال بعضهم: يحرق بالنار. فالفاعل والمفعول به إذا كان راضياً كلاهما عقوبته الإعدام بكل حال, سواء كانا محصنين أو غير محصنين، يقتلون لعظم الجريمة، فإن بقاءهما قتل معنوي للمجتمع، وإعدام للخلق والفضيلة، ولا شك أن إعدام من يعمل عمل قوم لوط خير من إعدام الخلق والفضيلة.
هكذا جاء الإسلام، هكذا جاء النور، هكذا جاء البرهان؛ ليهذّب البشرية ويدلها على ما فيه الأمن والسلامة والطمأنينة والخير والاستقرار، فمن أخذ بهذا الدين وطبقه ونفذ أحكامه؛ فليبشر بالتمكين والسعادة، ومن أعرض عن هذا الدين ونبذ أحكامه؛ فسوف يعيش معيشةً ضنكاً، في خوف وقلق وزعازع وانحطاط وانتكاس.. وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].
عباد الله: يقول سبحانه وتعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] ويقول جل وعلا: إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً [المزمل:12-14].
أقول قولي هذا، وأسأل الله بمنِّه وكرمه وإحسانه أن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله:
أمة الإسلام! يا من رضي بالله رباً, وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً: كيف يحارب الله بالمعاصي؟ كيف يتجرأ على حدود الله ولا يخاف يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً [المزمل:17-18]؟ وكيف يخالف القرآن ويتبع الشيطان وكان الشيطان للإنسان خذولاً؟ لقد استفز الخبيث بعض الناس بصوته وأجلب عليهم بخليه ورجله، وزين لهم الإثم والعدوان وحب الفساد وأهله.. دعاهم إلى الزنا واللواط، ودعاهم إلى شرب الخمور، ودعاهم إلى التعامل بالربا وأكله، وحسّن لهم القيل والقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال في غير محله، فلما أغواهم وأوقعهم في تلك المآزق تبرأ منهم، وقال كما أخبر الله في محكم البيان: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر:16-17] وهكذا يوقع الإنسان بسياسته الشريرة، فإنه يعدهم ويمنيهم، ثم يكون بعد ذلك معه في نار جهنم وبئس المصير.
أمة الإسلام: علينا جميعاً أن نأخذ حذرنا من هذا العدو اللدود المتقدم في العداوة، ونحذر من المزالق التي تهوي بنا في الهواية، علينا جميعاً -كمجتمع إسلامي قوامه الدين والأخلاق ولله الحمد- أن نجتهد بقدر ما نستطيع على التمسك بسياج ديننا الحنيف والتخلق بالأخلاق الفاضلة، وأن يسعى كل منا -من الولاة فما دونهم- لمنع الفساد والمفسدين, ويقطعون دابر الذين يدخلون إلى هذه البلاد الآمنة ويجرون معهم جراثيم الغرب، ويجرون معهم سيئات الغرب وانحطاطهم، ويبثونها في أماكن يسمونها أماكن التطور والترفه، وهي في الحقيقة أماكن الفساد والانحطاط، ومع الأسف أن المسلمين لا يعالجون الجرح إلا إذا استفحَل وفَشَى بين المجتمع، ثم يكون صعباً تلافيه صعباً إلا بعد العناء والجهد الشديد.
إن علينا جميعاً أن نتخذ الحيطة، ونتتبع مواقع المفسدين لتطهيرها، وعلى كل واحد منا أن يراقب حال أولاده وأهله الذكور والإناث، فيمنع النساء من الخروج وهن متبرجات متطيبات فاتنات مفتونات، وعليه كذلك أن يتفقد الأولاد أين ذهبوا..؟ وأين غابوا..؟ ومن أصحابهم..؟ ومن جلساؤهم..؟ وكذلك يمنعهم من مخالطة السفهاء والمفسدين الأشرار، فإذا أصلح الرجل أهله، وأصلح أهل الحارة جيرانهم، وحرص الولاة على إصلاح بلدهم؛ حصل بذلك من الخير ما يكفل السعادة للمجتمع.
أمة الإسلام: إن أصدق الحديث كلام رب العالمين، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.. عليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذ في النار.
وصلوا على رسول الله استجابةً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إلى الإسلام، اللهم حبّب إلينا الإسلام، اللهم خُذ بأيدينا إلى تعاليمه، اللهم املأ قلوبنا من حبه إنك على كل شيء قدير.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها، اللهم ولِّ عليهم من يقوم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين الذين يفسدون في الأرض ويصدون عن سبيلك، اللهم دمّرهم تدميراً، واجعل كيدهم في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم يا سميع الدعاء.. اللهم أعم بصائرهم وقطّع أوصالهم، واكف المسلمين شرّهم في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم وفقنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر