أما بعــد:
نسأل من الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضاه، وأن يجنبنا وإياكم ما يبغضه ويأباه، إنه على كل شيء قدير.
إخواني في الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، ونحن والله في هذه الأزمنة المظلمة، أزمنة الفتن والشرور المترادفة، التي نسأل الله جلت قدرته أن يصرفها عنا وعن جميع المحسنين إنه على كل شيء قدير، والله إننا بحاجة إلى تقوى الله سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يجيرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شيء قدير.
إخواني في الله: من التزم تقوى الله سبحانه وتعالى فهنيئاً له في الدنيا وفي الآخرة، هنيئاً له السعادة والفلاح والنجاح والنجاة في الدنيا وفي الآخرة، يقول الله جل جلاله: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:61] لماذا؟
لأنهم اتقوا الله عز وجل، جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية، بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
ثم أيها الإخوة في الله: إن الموضوع هو كما علمتم (لحظة الفراق) نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأي فراقٍ هو؟
هو الفراق من دار الدنيا إلى دار البرزخ، من عالم الدور إلى عالم القبور، لا إله إلا الله! فيأخي في الله تذكر ما الذي سوف تأخذه من دار الغرور، من دار الدنيا، من دار المتاع إلى عالم القبور، ثم بعد ذلك تحاسب عليه يوم البعث والنشور، تذكر ما الذي تأخذه من هذه الدنيا، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن الميت يتبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله؛ فيرجع الأهل والمال ويبقى العمل) نسأل الله جل وعلا أن يجعل أعمالنا وأقوالنا كلها صالحة، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه على كل شيء قدير.
أيها الإخوة في الله! إنها لحظة الفراق، فراقٌ من الأهل والأقارب والأصدقاء؛ إلى الانفراد بحفرة وحيداً فريداً ليس عندك إلا العمل، الله أكبر! لا إله إلا الله!
لحظة الفراق فراق الفراش اللين، والوسادة، إلى افتراش التراب، في القبر وحيداً فريداً، يقول بعضهم رحمه الله: اغتنموا أوقات الفضائل قبل فواتها، بماذا تفوت؟
تفوت بالموت كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله -ينقطع عمل الإنسان بالموت نسأل الله حسن الختام- إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له).
فتأهبوا يا عباد الله! لما أمامكم، وما أنتم قادمون عليه لا محالة ألا وهو الموت كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185] هل تذكرت لحظة الفراق؟
عباد الله! لقد كتب الله لحظة الفراق على جميع مخلوقاته، قال الله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
فيا عباد الله: استعدوا للحظة الفراق فإنه الموت، تبدلٌ من حال إلى حال، وانتقال من دار إلى دار، فالموت هو المصيبة العظمى، والرزية الكبرى، وأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وقلة التفكر فيه، وترك العمل.
عباد الله: ما هذه الغفلات والاغترار؟!
وما هذا الإكباب على الدنيا وقد رأيتم تصرم الأعمار؟! وما هذا التفريط وأنتم على الآثار، وقد أيقنتم أن دار الفناء ليست لكم دار قرار؟! اللهم أيقظنا من رقداتنا يا رب العالمين!
ودنا الفراق ولات حين تهرّبٍ أين المفر من القضاء الدانِ |
والتف صحبُك يرقبون بحسرة ماذا تكون عواقب الحدثانِ |
واستل روحك والقلوب تقطعت حزناً وألقت دمعها العينانِ |
فاجتاح أهل الدار حزنٌ بالغٌ واجتاح من حضروا من الجيرانِ |
فالبنت عذرا للفراق كئيبة والدمع يملأ ساحة الأجفانِ |
والزوج ثكلى والصغار تجمعوا يتطلعون تطلع الحيران |
والابن يدأب في جهازك كاتماً شيئاً من الأحزان والأشجانِ |
وترى الحديث وقد تساءل بعضهم أو ما سمعتم عن وفاة فلانِ |
قالوا سمعنا والوفاة سبيلنا غير المهيمن كل شيء فانِ |
وأتى الحديث لوارثيك فأسرعوا من كل صوبٍ للحطام الفاني |
وأتى المغسل والمكفن قد أتى ليجللوك بحلة الأكفانِ |
ويجردوك من الثياب وينزعوا عنك الثياب وحلة الكتانِ |
وتعود فرداً لست حامل حاجة من هذه الدنيا سوى الأكفانِ |
وأتى الحديث لوارثيك فأسرعوا فأتوا بنعش واهن العيدانِ |
صلوا عليك وأركبوك بمركبٍ فوق الظهور يحف بالأحزانِ |
حتى إلى القبر الذي لك جهزوا وضعوك عند شفيره بحنانِ |
ودنا الأقارب يرفعونك بينهم للحد كي تمسي مع الديدانِ |
أخي في الله! مثل نفسك وقد أخذت من فراشك ثم نقلت إلى بيت الوحشة والوحدة، بيت الضيق والظلمة، بيت الدود والأهوال المطمة، بيتٌ على قرب المكان، وحيدٌ مع كثرة الجيران، مقيمٌ بين أقوامٍ كانوا فبانوا.
أخي في الله! اسمع إلى هذا الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: {خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقا فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال صلى الله عليه وسلم: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه به في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ويستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة. فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما بال الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوا له من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، فيأتيه حسن الثياب، طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب! أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي
أيها الإخوة والأخوات! نحن الآن في زمن الإمكان، لم نزل ولله الحمد في مهلة والفرصة مهيئة، لم تدن منا لحظة الفراق، فما هو الواجب علينا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟
أيها الإخوة والأخوات! علينا أن نغتنم هذا العمر بطاعة الله عز وجل، ونحذر من هذه الفتن والمغريات، ومن هذه الملذات المحرمة التي انتشرت، نسأل الله عز وجل أن يكفينا شرها إنه على كل شيء قدير.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي عائشة رضي الله عنها ويقول لها قولي: {اللهم رب محمد النبي صلى الله عليه وسلم اغفر لي ذنبي، وأذهب غيض قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن} ونحن نسأل الله جل جلاله، أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يذهب غيض قلوبنا، وأن يجيرنا من مضلات الفتن؛ فسارعوا إخواني في الله، سارعوا ما دمتم في زمن الإمكان بالأعمال الصالحة التي ترضي الله عز وجل، واحذروا أن تكونوا من الصنف الآخر الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقول: هاه هاه.. لا أدري.
فيقولان له: ما دينك؟
فيقول: هاه هاه.. لا أدري.
فيقولان له: ما بال الرجل الذي بعث فيكم؟
فيقول: هاه هاه.. لا أدري.
فينادي منادٍ من السماء: أن كذب فأفرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب! لا تقم الساعة، رب! لا تقم الساعة
} نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة.اسمع أيضاً إلى هذا الحديث المتفق على صحته يخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: {إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم -الله أكبر لا إله إلا الله صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: يأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً. قال صلى الله عليه وسلم: وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقوله الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت! ويضرب بمطرقة من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ما الذي يحصل لهم في القبور والبرزخ، كما أخبر الله جل جلاله: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100] الله أكبر! يقول هذا عند لحظة الفراق، فهل يجاب على هذا يا إخواني في الله إذا طلب الرجعة ليتزود من الأعمال الصالحة؟
لا يجاب على هذا؛ لأن العمر محدود، والأنفاس معدودة، فليسمع الرد كَلَّا [المؤمنون:100] كلمة ردع وزجر: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:100] يوم أن قال: رب ارجعون كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] نسأل الله حسن الخاتمة!
قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجلٍ مستلقٍ لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوبٍ من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثلما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه، فيفعل مثلما فعل في المرة الأولى.
قال صلى الله عليه وسلم: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال: فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا.
قلت: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على نهرٍ حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وإذا على شط النهر رجلٌ قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً.
قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق... وفي نهاية الحديث أخبراه صلى الله عليه وسلم -اسمع أخي في الله- أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر؛ فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة -هذا جزاؤه في البرزخ نسأل الله العفو والعافية وفي رواية
فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن الصلاة
) قف قليلاً يا عبد الله! وذكّر أولئك الذين تثاقلت رءوسهم عن صلاة الفجر لا يعرفونها في المساجد إلا في رمضان إنا لله وإنا إليه راجعون! قف قليلاً واذكر أولئك الذين ينامون عن صلاة الفجر لا يوقظهم إلا ساعة العمل أو الدوام، نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة! فهل لهم صبرٌ على هذا؟ لا والله لا صبر على هذا.أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! قفوا مع أولئك الذين أضاعوا أعمارهم وليلهم مع الملاهي، مع الأفلام والمسلسلات، مع الأغاني الماجنات، مع البلوت، مع الشيشة والدخان، طول الليل، ثم إذا جاء وقت الفضائل وإذا هم جيفٌ في فرشهم.
اللهم اهد ضال المسلمين، إننا في زمن مظلم كثرت شروره، كيف لا وقد وجد هذا الدش الذي افتتن فيه كثيرٌ من الناس، هذا الدش الذي ينشر الشر والفساد، والعار والدمار، للعقيدة والأخلاق والآداب إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، كم من إنسانٍ كان يصلي الفجر؟!
وكم من إنسانٍ قد عرف بالاجتهاد في طاعة الله؟
وكم من طالب عرف بالاجتهاد في الدراسة؟
وكم من امرأة كانت متحشمة عفيفة تستحي؟
ولما عاشوا مع هذا الجهاز، جهاز الغش الذي غشنا به أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، لما عاشوا مع الأفلام والمسلسلات التي تأتي بها الأقمار الصناعية، كيف أحوالهم الآن؟
كم من رجلٍ الآن لا يرى في المسجد؟ وكم من طالب بعد أن كان جيداً مجتهداً صار من المنحطين، وكم من امرأة أضاعت الحياء والعفة لما صارت تشاهد ذلك الجهاز، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
فيا أيها الرجل الذي عشت مع هذا الجهاز تذكر أنك سوف تقف بين يدي الله عز وجل؟! أيها الرجل! سوف تسأل عن الزوجة، وعن الابن والبنت إذا وقفت بين يدي الله فأعد للسؤال جواباً.
احذروا من الكذب يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! فبعض الناس الآن تجده يكذب ويقول: هذه نكتة، هذه كذبة بيضاء، فنقول له: تحرز فإن الملك يكتبها وإن كانت نكتة أو كذبة بيضاء كما عم، والله سبحانه وتعالى هو الذي سوف يحاسبك: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
الزناة والزواني الذين يرتكبون جريمة الزنا، العار والدمار، الآن لما فتح الدش، وصار الكثير يشاهد الدش فلا تسأل عن الأحوال يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: {وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني يأتيهم لهب من أسفلهم } لهب من نار جهنم، نعوذ بالله من نار جهنم! هذا عذابهم في البرزخ فكيف يوم القيامة! نسأل الله جلت قدرته أن يستر عوراتنا، وأن يؤمن روعاتنا إنه على كل شيء قدير.
إنه المحارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ويقول العلماء رحمهم الله: إن آكل الربا تحل عليه خمس عقوبات إن لم يتدارك نفسه ويتب إلى الله عز وجل، وإن استمر هذا الوضع على أكل الربا فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه وجابر بن عبد الله: {لعن رسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء} هذا في رواية الترمذي، وفي رواية مسلم: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله}.
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! هل للحياة طعم لمن حلت عليه اللعنة، يمشي على وجه الأرض وهو ملعون نسأل الله العفو والعافية، هذه أول عقوبة عليه: أنها تحل عليه اللعنة.
الثانية: قال القرطبي رحمه الله: آكل الربا يموت على سوء الخاتمة.
الثالثة: وهو ما مر معنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في صحيح البخاري أنه رأى رجلاً -في البرزخ- يسبح في نهرٍ مثل الدم وآخر يلقمه الحجارة، قال بعض العلماء: هذه الحجارة التي يلقم إياها هي الأموال التي جمعها من الربا.
الرابعة: أنه يقوم من قبره كالذي يتخبطه الشيطان من المس، نعوذ بالله!
الخامسة: أنه يسحب إلى النار يوم القيامة ومن تاب تاب الله عليه.
فبادر أخي في الله قبل أن تحل بك لحظة الفراق، تب إلى الله عز وجل إن كنت ممن يأكل الربا، تب إلى الله واسأل الله كما سأله رسوله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: {اللهم إني أسألك الهدى، والتقى والعفاف والغنى} {اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك}.
اقنع باليسير وإن كان حلالاً طيباً، ولا تنهمك في هذا الجرم العظيم وهو أكل الربا بمحاربة الله ومحاربة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فيا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! احذروا من النميمة، ويا أيتها المرأة! اتقي الله واحذري من النميمة، احذري من نقل الكلام إلى فلانة وفلانة، احذري من ذلك فقد سمعتي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: {ليلة أسري بي مررت بأقوامٍ لهم أظفارٌ من نحاس، يخمشون بها وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم} أهل الغيبة الذين يأكلون لحوم الناس، وقد سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ذكرك أخاك بما يكره فقال الرجل: أفرأيت يا رسول الله! إن كان في أخي ما يقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته} فلنحذر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن البعض من الناس يقول: الحمد لله! أنا والله لا أعرف الزنا، ولا أعرف اللواط، ولا أعرف المخدرات، ولا المسكرات، وأصلي وأصوم. وهو يأكل لحوم الناس! تجده في المجالس يأكل لحوم الناس، إنا لله وإنا إليه راجعون، بل بعضهم ما يصبر على الغيبة حتى في المسجد، اللهم إنا نسألك العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
فاحذر يا أخي في الله! نعم أنت تصلي وتصوم ولكن يخشى عليك أن توزع هذه الحسنات على الآخرين، يُخشى عليك أن تأتي يوم القيامة مفلساً فقيراً من الحسنات؛ لأنك وزعتها على الآخرين.
وأيضاً بعض الناس لا يبالي بالنميمة نسأل الله العافية! فهذان -النميمة والغيبة- مرضان خطيران، النميمة والغيبة يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم الطف بنا بلطفك يا لطيف!
اللهم ارحم ضعفنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
مهما عاش الإنسان فلا بد له من الفراق، لا بد له من الانتقال من هذه الدنيا، ولذلك يقول الله جل وعلا: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ [النساء:77] ثم قال جل وعلا: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء:77] ولو تحصنا عن الموت، ولو رفعنا القصور، وشيدنا الفلل، نعم لا بد من الموت، قال الله تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] ولو هربنا ما هربنا لن ننجو من الموت؟ قال: ما في نجاة من الموت، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8].
إذاً أخي في الله! استعد لهاذم اللذات، فقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يروى عنه فقال: (أكثروا ذكر هاذم اللذات) وربنا جل وعلا يقول: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
ثم قال بعضهم رحمه الله وهو يحثك على التأهب للحظة الفراق حتى لا يأتيك بغتة: تأهبوا للموت الذي ما طلب أحداً فأعجزه، ولا تحصن منه متحصنٌ إلا أخرجه وأبرزه، فأي عيشٍ صفا وما كدره، وأي قدمٍ سعى وما عسره، وأي غصن علا وما كسره، وأي بناءٍ أشيد وما دمره، وأي غافلٍ لاهٍ وما بعثره، وأي ملك آمرٍ ناهٍ عال وما حدره، وأي متعبثٍ جائرٍ وما نكسه وأصغره، وأي غنيٍ ما سلب ماله وأفقره!!
فيا عباد الله خذوا العفة والاستعداد فإنه الموت يأتي على غرة وبدون إنذار، أما أخذ الآباء والأجداد، أما أخذ الشباب والأولاد، أما ملأ القبور والألحاد، أما أرمل النساء وأيتم الأطفال!!
فيا عباد الله! خذوا الأهبة لهاذم اللذات.
يقول الله جل وعلا: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] وقبل أن تعرف حال من يموت، أول تذكر حال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن نزل به الموت، ما هي أحواله صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأحب الخلق إلى الله، سيد الأولين والآخرين؟
لما نزل به الموت صلى الله عليه وسلم جعل يمسح وجهه بالماء ويقول: (لا إله إلا الله إن للموت لسكرات) فسكرات الموت ذاقها الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو بذلك يذكرك وكأنه يقول: تذكر يوم يجلسون حولك وأنت تعاني من سكرات الموت، يبكون وينادون بصوتٍ يقطع نياط القلوب، الولد يقول: هل تعرفني يا أبتاه!
والأقارب حوله يقولون: هل تعرفنا يا فلان!
وهو ينظر إليهم وعيناه قد اغرورقت بالدموع، ولكن لا يستطيع الرد عليهم، قد تعذر عليه الكلام يرونه منطرحٌ بين أيديهم، يعالج سكرات الموت، وهم لا يشعرون، ثم لم يلبثوا إلا قليلاً، وإذا بملك الموت قد قبض الروح، ومال الأنف، وانفتح الفم، وشخص البصر قال الله تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] فيا لها من ساعة يتكدر فيها الصفا، ويتنغص فيها العيش إذا نزل هاذم اللذات!
ثم قال رحمه الله:
تنبه قبيل الموت إن كنت تعقل فعما قليلٌ للمقابر تنقلُ |
وتمسي رهيناً في القبور وتنثني لدى جدثٍ تحت الثرى تتجندلُ |
نسأل الله حسن الختام.
لا يرجع إلا إذا قامت القيامة وقام الناس لرب العالمين، ولذلك يقول زين العابدين رحمه الله:
ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفنِ |
إي والله! هو الغريب يا إخوان، غريب اللحد والكفنِ نسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ثم يقول رحمه الله: وناهيك بذلك الرجل الزاهد العابد
تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حزنِ |
سفري بعيدٌ وزادي لا يبلغني وقسمتي لم تزل والموت يطلبني |
ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني |
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني |
يا زلة كتبت يا غفلة ذهبت يا حسرة بقيت في القلب تقتلني |
تعجلت لي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني |
دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن |
دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرة منها تخلصني |
ما أجمل التوبة خصوصاً إذا صحبها البكاء والدموع.. لا إله إلا الله! اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، ما أجمل التوبة إذا صحبها البكاء! إذا تذكر الإنسان أحواله ثم تاب وقال: كيف حالي لو أن لحظة الفراق حلت بي وأنا مقرٌ على الذنوب والخطايا؟!
كيف يكون حالي؟! بماذا أواجه ربي؟! بأي شيءٍ أنتقل من هذه الدنيا؟!
ثم تدمع العين وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله -وفي رواية- عينٌ غضت عن محارم الله) ثم إذا حصل البكاء وأنت في مكانٍ خالٍ لا يراك إلا الله؛ فإن الله يظلك في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وتكن من السبعة، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم منهم إنه على كل شيء قدير.
تصور أخي لحظة الفراق ما الذي يحصل عند لحظة الفراق؟ يقول رحمه الله:
كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني |
وقد أتوا بطبيبٍ كي يعالجني ولم أر من طبيب اليوم ينفعني |
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هونِ |
واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني |
وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا الكفني |
وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني |
بدل ما كانوا يقولون: فلان بن فلان، الآن يريدون يتخلصون من هذا الميت، اعطونا المغسل، غسلوه، وكفنوه ثم يسرعون به إلى المقبرة وكأنه عدوٌ لهم، ثم يأخذون المساحي يحثون عليه التراب.. لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ما الذي يأخذ معه؟
يأخذ معه عمله اللهم اجعل أعمالنا صالحة يا حي يا قيوم.. يا ذا الجلال والإكرام!
قال رحمه الله:
وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني |
وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطنِ |
فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني |
إخواني وأخواتي! كلنا والله سوف تمر علينا هذه اللحظات، كلنا سوف نجرد من الثياب ونوضع على لوح المغسل ليغسلنا. لا إله إلا الله!
فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني |
وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني |
وألبسوني ثياباً لا كموم لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني |
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني |
صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني |
وبعد الفلة والقصر، أو بعد العشة والصندقة إلى أين؟!
وأنزلوني في قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني |
اللهم أعنا على ذلك المنزل يا رب العالمين!
اللهم اجعله روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.. يا حي يا قيوم!
وأنزلوني في قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني |
فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني |
وقال هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المننِ |
في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني |
وقد سمعنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أن المؤمن يكون عليه القبر روضة من رياض الجنة، يفتح له باب إلى الجنة، ويفرش له فراشٌ من الجنة، ويوسع له في قبره مد بصره، وأما الكافر والمنافق والفاجر -نسأل الله العفو والعافية- فإنه يفتح له بابٌ إلى النار، ويفرش من النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، قال رحمه الله تعالى في نهاية هذه الأبيات:
فامنن علي بعفوٍ منك يا أملي فإنني موثقٌ بالذنب مرتهني |
تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني |
جمع الأموال مما هب ودب وصارت للورثة، وانتقل هو للأوزار، الأموال إذا جمعت من الربا والغش والخداع، والكذب، والرشوة، والدخان، والمسكرات، والمجلات، وغيرها من الطرق المحرمة؛ فإنها تكون وزراً على صاحبها، يقتسم بها الورثة وتكون وزراً على من جمعها، نسأل الله العفو والعافية، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.
ثم يقول رحمه الله:
ولا تغرنك الدنيا وزينتها وانظر إلى فعلها في الأهل والوطنِ |
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الحنط والكفنِ |
خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك منها إلا راحة البدنِ |
يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني |
نسأل الله جل وعلا أن يرحمنا جميعاً في واسع رحمته.
ونسأل الله أن يتقبلها، وأن يجعلها في موازين حسناتنا إنه على كل شيء قدير.
قبل أن نتفرق نتواصى بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين كما قال سبحانه وبحمده: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] وقال جل وعلا: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197].
فالله الله بتقوى الله! الله الله بتقوى الله! ثم يا إخواني قفوا قليلاً مع هذه الآيات العظيمة المعبرة لتروا ماذا تكون النتيجة يوم القيامة، يقول تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:1-8] فالله الله يا إخواني في الله!
ثم قفوا قليلاً مع السورة الأخرى لتعلموا كيف الأحوال يوم القيامة: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:1-4] تصور الأحوال يوم نزلت ساعة لحظة الفراق، وفارقت الدنيا إلى عالم القبور، ثم تذكر يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وأنت معهم على أرض القيامة كالجراد المنتشر، ماذا تنتظر يا عبد الله؟
تنتظر نتيجة الأعمال التي عملتها في الدنيا: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة:5] النتيجة: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [القارعة:6-7] يا رب نسألك من فضلك وبماذا تثقل الموازين يا إخوان؟ تثقل بالحسنات التي هي ثمار الأعمال الصالحة التي عملتموها في الدنيا نسأل الله أن يثقل موازيننا، وألا يجعلنا من الصنف الآخر وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:8-11].
اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار يا رب العالمين!
اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم آمنا يوم الفزع والنشور، اللهم ثقل موازيننا، ويمن كتابنا، ويسر حسابنا، وبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
اللهم اجعلنا على حوض نبينا من الواردين، اللهم اسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين!
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر