أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للعقيدة الإسلامية، والآداب والأخلاق الإسلامية، والعبادات والأحكام الشرعية، وها نحن مع قسم العبادات، وقد درسنا الصلاة والزكاة، والليلة إن شاء الله مع الصيام، وهي القاعدة الثالثة من قواعد الإسلام الخمس.
قال المؤلف: [ الفصل الحادي عشر: في الصيام، وفيه عشر مواد ] لأن الكتاب كأنه دستور إسلامي بالمواد.
[ المادة الأولى: في تعريف الصوم وتاريخ فرضيته ] أي: متى فرض علينا الصوم.
وهنا لطيفة: فكلمة الصائمون معناها: الكثيرون الصيام، الذين يصومون الإثنين والخميس، ويصومون الأيام البيض، ويصومون نصف شهر شعبان، ويصومون العشر من ذي الحجة، ويصومون العاشر من محرم، فهم كثيرو الصيام، بل هم الصائمون.
ثانياً: [ ويعلم ضبط النفس ويساعد عليه ] فالصائم يتعلم كيف يضبط نفسه، وكيف يساعده على ذلك، إذ يكون عطشان ويمر بالماء والماء يسيل أمامه ولا يشرب، أو يكون جائعاً والتمر بين يديه ولا يأكل؛ لأنه صابر [ ويوجد في النفس ملكة التقوى ويربيها ] فالصيام يوجد في نفس الصائمين ملكة التقوى، فيصبحون أهلاً لتقوى الله عز وجل، ويربيها فيهم [ وبخاصة التقوى التي هي العلة البارزة من الصوم، في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
[البقرة:183] ] أي: ليوجد لكم هذه الملكة ملكة التقوى، وتصبح عبداً تقياً، ومن فاز بتقوى الله فاز بولاية الله، ألا وإنه والله لولي الله؛ إذ ولاية الله متوقفة على الإيمان وتقوى الله، فهو مؤمن ولذا فهو يصوم، ويكتسب التقوى، فيصبح ولياً لله.
والناس صنفان: أولياء لله وأولياء للشيطان لا محالة، إما وإما، فأولياء الله الذين آمنوا به واتقوه، فلم يعصوه، ولم يخرجوا عن طاعته وطاعة رسوله، لا بترك واجبات ولا فعل محرمات، وولي الشيطان هو ذلك الذي زين له الباطل، وحسن له القبائح والمناكير، ففعل ذلك طاعة لهذا العدو الأليم، الشيطان عليه لعائن الرحمن.
أولاً: ما يستحب من الصيام: يستحب صيام الأيام التالية: ]
اللهم ارزقنا الصبر والصلاة والصيام.
الجواب: هذا فيلسوف. الله يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
[البقرة:184] يقول: إذا كنتم مرضى أو مسافرين فلا تصوموا، ارحموا أنفسكم، وصوموا بعد ذلك، لما تقيموا في دياركم وتصحوا من مرضكم، والرسول يقول: ( صوموا تصحوا ). فما دمت صحيحاً غير مريض فصم تصح، وتثبت صحتك وتبقى لك، فهو يقول لك: صم أبداً، فإذا كنت مريضاً فأفطر، ولكن إذا كنت غير مريض فصم تصح قوتك وقدرتك، ولا يوجد نزاع أو خلاف بين الآية والحديث. فالصحيح صيامه يزيد في صحته، والمريض صيامه يزيد في مرضه، فلا يصوم المريض، ويصوم الصحيح. نعم.
الجواب: الأمر لله، إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وأنت عليك بالتوبة، عليك بالضراعة والبكاء بين يديه والاستغفار، والله لا يخيبك.
الجواب: هو قال: ( أفضل الصيام صيام داود ). ولم يقل: أنا، قال: داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فرغب صلى الله عليه وسلم في صيام يوم وإفطار يوم، وليس كل مؤمن يستطيع هذا، فهذا من باب الترغيب، وقد بينا أن الرسول كان يصوم الإثنين والخميس.
الجواب: هذا يفعله الناس، والذي هو الحق أن تقول بعدما تقرأ القرآن: اللهم اغفر لفلان أو ارحمه، متوسلاً إلى الله تعالى ليغفر لفلان ويرحمه بتلاوة كتابه، أما أن تجعل نفسك كأنك تملك هذا الثواب وتقول: اجعل هذا الأجر لفلان فليس لك هذا، وأنت لم تعرف أنك تثاب، فمن الخير أنك إذا تصدقت قل: اللهم اغفر لفلان وارحمه، وإذا صمت قل: اللهم اغفر لفلان وارحمه، وإذا قرأت القرآن قل: اللهم اغفر له وارحمه، وليس عندنا إلا أن يغفر ذنبنا ويرحمنا بالجنة. وأما هذا التحويل اجعل ثواب كذا لكذا فإننا لا نملك هذا ولا نقوله تأدباً مع الله. فافهموا هذه القضية.
والشائع بين الناس اللهم اجعل ثواب هذا لفلان، كأنه ملكه حتى يعطيه، فهذا فيه نوع من سوء الأدب مع الله، فنقول: اللهم اغفر لفلان وارحمه، اللهم أعل درجته، اللهم ارفع مقامه، متوسلاً إلى الله بتلك القراءة، أو بتلك الصدقة، أو ذلك الصيام، هذا هو الطريق السليم الصحيح.
الجواب: في المسافة خلاف بين الفقهاء، والراجح الذي نقول به وهو ما كان عليه علماء الأندلس ومنه أخذت أوروبا هذا النظام، الكيلو ألف متر، فنقول: ثمانية وأربعون كيلو متراً هي مسافة القصر، وهي أربعة برد، والبريد فيه ثلاثة أميال، وهي كذلك بالعادة، فالمسافة التي تمشيها أنت على رجليك أو على دابتك هي ثمانية وأربعين كيلو، ولا تقطع أكثر منها في يومك، ولا سيما إذا نزلت في الظهيرة تستريح. وهذا ما عليه المذهب المالكي، ومنه أخذ الأروبيون وجعلوا الألف متراً، يسمى كيلو، فألف متر بمعنى ألفي ذراع، فالمتر فيه ذراعان، والأصل هو هذا، وقد أخذه الأروبيون من الإسلام والمسلمين.
الجواب: لا بأس، لكن الأفضل أن تخرجها في المكان الذي أنت فيه، وهذا أفضل لك من أن يخرجونها هم، إلا إذا كنت لا تملك وأخرجوا عنك فلا بأس.
الجواب: الأفضل ألا يؤم الناس صاحب السلس، لكن إذا لم يوجد غيره من أهل العلم فلا بأس، لكن الأولى ألا يكون هو، فإذا لم يوجد من هو عالم بكتاب الله وبالفقه وقدم فلا حرج، وتصح إمامته.
الجواب: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ) معنى هذا: أن الإيمان يغطى، ينسيه الشيطان ويغطيه في قلبه، ومن ثم يقدم على الجريمة، هذا والله الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم. فلا تجد مؤمناً واعياً في إيمانه ويقدم على الزنا أو على السرقة، بل يسلب الإيمان، ويغطي العدو قلبه، وهو إبليس عليه لعائن الله.
الجواب: الذي قلته والله أسأل أن أكون في ذلك مصيباً غير مخطئ:
أولاً: لا بد أن تكون المسافرة مع محرم لها، فإن لم تجد محرماً والمسافة التي تسافر فيها ساعات محدودة، وعندها من يركبها في الطائرة، وينتظر حتى تركب، ولها من يستقبلها في المطار الثاني وهي تنزل مع السلم، فبهذه الشروط يجوز، والطائرة لا تنزل في مطارين، وإنما مثلاً الرياض والمدينة، أو جدة وأبها، مطار واحد، وكانت المسافة كما قلنا ساعتين أو ثلاثاً أو أربع ساعات، ونرجو أن نكون ما أخطأنا في هذا، لأن الرسول نهى وحرم على المرأة أن تسافر يوماً وليلة مع غير ذي محرم لها، فالساعتان والثلاث ليست يوماً وليلة، ثم الطائرة فيها مئات الناس فليس فيها خلوة، فهي لم تختل بأحد؛ إذ فيها عشرات الركاب، وأيضاً فوليها معها في المطار فينتظرها حتى تركب وتدخل الطائرة، ويتصل بوليها في البلاد الأخرى ليستقبلها، فينزل المطار وينتظر متى تنزل الطائرة، وهو ينظر إليها وهي تخرج من الطائرة، ويستقبلها ويمشي معها، بهذا قلنا، وإن شاء الله لا إثم ولا حرج.
الجواب: الأفضل لا تؤكل؛ لأنها عدة المجاهدين، وقد أكلت على عهد الرسول مرة واحدة، فقد كانت عدتهم كالطائرات عندنا اليوم، فلا يوجد اليوم من يحول طائرة إلى سيارة لجمع القمامة، فهذا لا يعقل.
ولو أكل المؤمن من لحم الخيل فقد اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أكل أصحابه وهو يراهم ويسمع بهم، فلا حرج.
و مالك رحمه الله يرى أنه لا يجوز ذلك، أخذاً بقول الله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا
[النحل:8]. لا لتأكلوها.
لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً
[النحل:8]. الحمير والبغال بالإجماع لا تؤكل، والخلاف في الخيول فقط وفي الفرس، وقد ثبت في السنة الأكل منه، فلهذا من تركه فهو خير له.
الجواب: لا حرج.
الجواب: ورد ( من صلى في مسجدي هذا أربعين صلاة كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة ). وهذا الحديث في سنده ضعف، والحديث الصحيح: ( من صلى في جماعة أربعين يوماً ). وهذا في أي مسجد، وفي أي جماعة، وأما حديث المسجد النبوي: ( من صلى في مسجدي هذا أربعين صلاة كنت له شاهداً أو شافعاً يوم القيامة )، فهذا الحديث في سنده ضعف، وقد عمل به كثير من الناس ولا حرج، فمن استطاع أن يصلي بالمسجد النبوي فليصل ألف صلاة لا أربعين صلاة، ولا حرج.
الجواب: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
[المائدة:35]، أي: خافوه وارهبوه، وأدوا ما أوجب عليكم، واجتنبوا ما حرم عليكم،
وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ
[المائدة:35]، أي: وتوسلوا إليه، واعبدوه بأداء الواجبات وبترك المحرمات، وتملقوا وتوسلوا إليه بالنوافل، نوافل الصيام والرباط والجهاد والطعام، وكل النوافل، فاطلبوا الوسيلة إلى الله بالعمل الصالح، واتقوا الله بأداء الواجبات وبترك المحرمات، وتوسلوا إلى الله بالنوافل والمستحبات، وترك أيضاً ما ليس بحرام، بل مما هو مكروه.
الجواب: بالروح والبدن معاً، وإن بقي من بدنك قطعة لحم تتعذب، فإذا انتهى العذاب وعرجت الروح إلى الملكوت الأعلى أو نزلت للأسفل انتهى البدن، لكن لما يدخل القبر يعذب ببدنه وبروحه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً.