وبعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد:
في الدرس الماضي عرفنا الإرجاء، ومتى ظهر الإرجاء في الأمة.
وهذا باب جديد في سياق ما روي مرفوعاً وموقوفاً في تضليل المرجئة وهجرانهم، وترك السلام عليهم والصلاة خلفهم والاجتماع معهم.
والمرجئة من المبتدعة، والمبتدع قسمان:
فإما أن يكون داعية ضلالة، كأن يكون مؤصلاً لها أو كاتباً داعياً إليها، وإما أن يكون من رعاع أهل البدع يتبع كل ناعق، ولا يدري حقيقة ما هو عليه، وربما يقرأ القارئ كلمات أو نصوصاً في تكفير أهل البدع، ونصوصاً أخرى في عدم تكفيرهم، وقد قال أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية : إن نصوص التكفير إنما تقع على رءوس أهل البدع والدعاة إلى البدعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما روي في تضليل المرجئة وهجرانهم]، وهجر أهل البدع دائماً هو وصية السلف للخلف.
قال: [وترك السلام عليهم والصلاة خلفهم]، أي: لا نصلي خلف مبتدع داع إلى بدعته، خاصة إذا كانت بدعته مكفرة.
قال: [والاجتماع معهم] ولا نجتمع معهم مخافة أن تتغير وتتبدل قلوبنا.
قال: [عن ابن عمر قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: القدرية، والمرجئة)]، وكل الأحاديث المرفوعة التي رويت في ذم الإرجاء لم يصح منها شيء، والأمر لا يحتاج إلى التعلق بشيء ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك بعد أن أجمعت الأمة على أن الإرجاء ضلالة محدثة في الدين، وأن المرجئة فرقة من فرق الضلالة في الإسلام.
قال: [وفي حديث حذيفة قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أمتي كلاهما في النار)] فهنا حكم عليهما بدخول النار، ولا يعني ذلك أنهم كفار، كما لا يعني أنهم مخلدون فيها أبداً. وقد تكلمنا عن هذا أثناء كلامنا على حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (كلها في النار إلا واحدة... هي ما أنا عليه وأصحابي) في معرض كلامه عن فرق الضلالة.
الأولى: قوله عليه الصلاة والسلام: (كلها في النار) لا يستلزم أنها كافرة؛ لأن عصاة الموحدين كذلك يدخلون النار ولا يخلدون فيها، وإنما أمرهم إلى الله عز وجل إن شاء عذبهم ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، وإن شاء عفا عنهم بمنه وكرمه سبحانه وتعالى.
الثانية: قوله: (كلها في النار إلا واحدة)، أي: إلا فرقة واحدة، وهم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية، وليسوا هم من علم معنى الأسماء والصفات فقط، أو من لهم موقف سليم سديد من جهة ذات الإله تبارك وتعالى وأسمائه وصفاته، وليسوا بالضرورة أنهم الذين أطلقوا لحاهم ولبسوا الثياب البيض وغير ذلك، بل هم من تمسك بما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من جهة العقيدة والأخلاق والسلوك والمعاملات والعلم والعمل، فإذا كنت كذلك فأنت من أهل السنة حقاً، ولا يلزم من تزييك بزي أهل الصلاح أن تكون صالحاً، حتى يعلم أبناء الصحوة أنهم مطالبون بأخذ الدين مظهراً وجوهراً، وأنهم لن يكونوا من أهل السنة على الحقيقة إلا إذا كانوا كذلك، وأما إذا اكتفوا من الإسلام بالظاهر فليسوا من السنة في شيء.
فقال في الحديث: (قوم يقولون: إن الإيمان كلام)، أي: نطق أو إقرار أو شهادة فقط.
قال: [(وإن زنا وإن سرق، وآخرون يقولون: إن أولينا كانوا ضلالاً يقولون: خمس صلوات في اليوم والليلة، وإنما هما صلاتان)]، يعني: حكموا على الأوائل بأنهم أهل ضلالة؛ لأنهم أجمعوا على أن الصلوات خمس في اليوم والليلة، وهؤلاء أي: ضلال القدرية يزعمون أن الصلاة إنما هي صلاتان فحسب، صلاة في أول النهار، وصلاة في أول الليل، وكل صلاة منهما ركعتان، ولا ندري من أين أتوا بهذا الكلام، فإنه من أعجب الكلام.
وهذا الكلام من جهة الرفع غير ثابت، وإن ثبت أن بعض الفرق الضالة قالت به فعلاً، وقد ذكرت لكم منذ عدة أشهر أن إيهاب بن حسن الأثري أبو عبد الرحمن صنف كتاباً يذم فيه أهل العلم مثل الشيخ الألباني مثلاً والشيخ ابن باز وغيرهما من أهل العلم، وهو الآن ينكر الصلوات الخمس ويقول: ما هما إلا صلاتان في أول النهار وفي آخره، يعني: أن هذا ما زال موجوداً إلى يومنا هذا.
فلا يزال ميراث الفرق الضالة التي ظهرت ونشأت منذ عدة قرون تتوارثه الأجيال إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة؛ لأن الناس في نقصان دائماً، وأعظم النقصان أن يكون في الدين وفي الإيمان.
قال: [وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: لقد لعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم]. وهذا كلام يحتاج إلى نظر.
فقوله: يبدءون فيكم مرجئة، يعني: يبدءون أول بدعتهم بالإرجاء، وهو تأخير العمل عن مسمى الإيمان وترك العمل بالكلية استناداً واتكالاً على رحمة الله عز وجل، وأنها وسعت كل شيء.
ثم يكونون قدرية، يعني: ينتقل من الإرجاء إلى القدر، ثم ينتقل من القدرية إلى المجوسية؛ لأن بين القدرية والمجوسية شبه عظيم جداً مثل الشبه بين النصرانية والإرجاء.
قال: [فدارى عليه المغيرة وقال: لعله تاب من ذلك، مع أني قد سمعته يدعو إلى ذلك، وقال إبراهيم: لأنا لفتنة المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة].
والأزارقة هم أتباع نافع بن الأزرق، وهو من رءوس الخوارج، فاختلف مع بقية الرءوس في هذه الفرقة، فتنحى وصنع لنفسه فرقة هي أضل فرق الخوارج وأسماها باسمه، وهم الأزارقة نسبة إلى أبيه.
وكلام إبراهيم النخعي حقيقة، وصحيح أن كل فتنة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وأن الإرجاء والخارجية مصيبتان حلتا بالأمة، ولكن الإرجاء وجهه حسن لأول وهلة، والخوارج وجههم قبيح لأول وهلة، ولذلك فتنة الخوارج لا يشربها أحد إلا بعد مناظرات ومجادلات وربما تأثر بها فدخل فيها، وأما الإرجاء فشكله جميل؛ لأنه دعوة إلى رحمة الله وإلى فضله ومغفرته وتوبته، وأن الله يتجاوز ويعفو عن المسيء، وهو يعطي الرجاء والأمل للعاصي أن الله لا يعذبه، وهذا أمر يتعلق به كل عاص. وتصور لو أنك وقعت في ذنب أتحب من يتوعدك ويتهددك أو من يؤملك خيراً ويطمئنك على موقفك بين يدي الله عز وجل؟ لا شك أنك تحب الثاني. فالمرجئة خرجت على الأمة بهذا الرجاء في الله عز وجل، ولكنه زاد وفاق عن الحد حتى أثر في اعتقاد القوم من جهة إتيان العمل المستلزم للإيمان أو الذي هو ثمرة الإيمان الذي وقر في القلب، فتركوا العمل اتكالاً على رحمة الله عز وجل.
قال: [وقال إبراهيم النخعي: تركت المرجئة الدين أرق من ثوب سابري]. وأنا لا أدري من هو سابري هذا، وربما يكون في النص تحريف، فإني لم أطلع عليه إلا في هذا الكتاب وفي هذا النص، ولم أجد من تعرض لتعريفه، وربما يكون رجلاً رقيقاً أو ناعم الملبس أو غير ذلك، فأراد إبراهيم النخعي في الكوفة أن يبين أن فتنة المرجئة إذا دخلت في قلب إنسان فإنما تأخذ دينه عروة عروة وشيئاً فشيئاً حتى تدعه بلا دين، أو لا تدع فيه من الدين إلا الشيء اليسير واليسير جداً، ربما يكون المعنى هكذا. والله أعلم.
قال: [وعن سعيد بن جبير -وهو سيد من سادات التابعين ومن تلاميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما- قال: المرجئة يهود أهل القبلة]، يعني: يهود أهل الإسلام.
قال: [وعن أيوب -وهو ابن أبي تميمية السختياني البصري - قال: رآني سعيد بن جبير وأنا جالس إلى طلق بن حبيب -وكان طلق من أهل البدع- قال أيوب : وما أدركت في البصرة أعبد منه]، أي: من طلق بن حبيب ، فجلس أيوب معه لأجل عبادته.
قال: [فلما رآه سعيد أنكر عليه ذلك، وقال: لا تجلس معه؛ لأنه يرى رأي المرجئة].
وفي خطبة الجمعة الماضية في مسجد العزيز تكلمت عن الشيعة وانتشارهم في هذه البلاد، وأن أحدهم يقرر أن الشيعة بلغوا ستة ملايين شخص في مصر، وبصرف النظر عن صحة هذا الكلام أو عدم صحته أقول: إن العبرة بصحة ما أنت عليه من عمل، وليس بكثرة الأتباع، ولكن العبرة بموافقة ذلك للحق والإخلاص لله عز وجل.
وأقول بهذه المناسبة: إن طلق بن حبيب كان من أعبد الناس بالبصرة وأبر الناس بوالديه، ولكن هذا لا يعني أنه على الحق، ولا شك أن العبادة وبر الوالدين أمران ممدوحان، ولكن توفرهما في شخص لا يلزم منه أن يكون بالضرورة صالحاً من جميع الوجوه.
فتكلمت عن الشيعة وسوء معتقدهم، وقد تناولنا منذ عدة سنوات معتقد الشيعة في هذا المسجد بتفصيل لم نتناوله في غيره من بيوت الله عز وجل، فقام أحد الأشخاص لا أدري أهو جاهل أو مغرض أو غير ذلك فقال: أنت تسب الشيعة وتقول: عليهم من الله ما يستحقون، ويكفي أن الإمام الخميني هو الذي وقف من حكام المسلمين بجوار العراق، ويكفي أنه الذي رصد مليون دولار لمن يقتل سلمان رشدي ، وله مواقف محمودة جداً. وأقول: نعم هذه مواقف محمودة، والله تعالى يقول: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]. فالعمل الصالح صالح وإن أتى من الكافر، ولو أن يهودياً اتصف بإكرام الضيف لحمد له هذا، ومن الظلم البين عدم احترامه واعتباره في هذا الباب؛ لأن هذا من مكارم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، بل وجعلها شعبة من شعب الإيمان، لكن لا يقبل هذا عند الله إلا بعد الإيمان إذا صدر من الكافر، فكون خميني إيران رصد مبلغاً من المال لفلان أو أنه وقف بجانب فلان ليس له ثمرة، ونحن نعتقد أن الذي حدث من خالد الإسلامبولي ليس موافقاً للشريعة، وإذا كان موافقاً فليس له ثمرة جنتها الصحوة الإسلامية، بل تأخرت مائة عام، والذي سبق خير من الحادث، وإن اشتركا في كثير من الباطل، وأظن أن الذي عاصر ذلك الوقت يقول اليوم: يا ليت يوماً واحداً من أيام السابق يعود، فقد كان الواحد منا يرتع بالليل والنار، ويجوب محافظات مصر بحرية، فإذا سمع بمحاضرة للشيخ الفلاني في البحر الأحمر ذهب إليها دون أن يستوقفه أحد، واليوم لا تستطيع أن تزور أبويك في الفيوم مثلاً إلا واستوقفك غير واحد على الطريق ويحاكمك، فأيهما خير هذه الأيام أم الأيام السابقة؟ وما حدث هذا إلا بسبب الخروج.
قال: [قال سعيد بن جبير : ألم أرك جالساً إليه؟ -أي: أيوب- لا تجالسه، قال أيوب : وكان والله ناصحاً وما استشرته]، أي: سعيد بن جبير كان ناصحاً لـأيوب وأبدى إليه نصيحة من غير أن يستشيره فيه.
قال: [وعن أبي البختري قال: شكا ذر سعيد بن جبير إلى أبي البختري الطائي قال: مررت به فسلمت عليه فلم يرد علي، وقال أبو البختري لـسعيد ، فقال سعيد بن جبير : إن هذا كل يوم يجدد ديناً، لا والله لا أكلمه]، أي: حتى يثبت على السنة.
قال: [وعن عطاء بن السائب قال: ذكر سعيد المرجئة قال: فضرب لهم مثلاً، فقال: مثلهم مثل الصابئين -يعني: الروحانيين، وإذا أطلق الصابئون في كتب الاعتقاد فإنما يقصد بهم الروحانيون من الفلاسفة- أتوا اليهود فقالوا: ما دينكم؟ قالوا: اليهودية، قالوا: فمن نبيكم؟ قالوا: موسى، قالوا: فماذا لمن تبعكم؟ قالوا: الجنة، فتركوهم وأتوا النصارى، فقالوا: ما دينكم؟ قالوا: النصرانية، قالوا: فما كتابكم؟ قالوا: الإنجيل، قالوا: فمن نبيكم؟ قالوا: عيسى، قالوا: فماذا لمن تبعكم؟ قالوا: الجنة، قالوا: فنحن بين دينين، فلم يثبتوا على دينهم ولم يتهودوا ولم يتنصروا، فهم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء]، وهكذا شأن من أراد أن ينتقل ويتحول من دين إلى دين أو من ملة إلى ملة، أو من فرقة إلى فرقة.
قال: [
قال منصور بن المعتمر : أعداء الله المرجئة والرافضة]. والرافضة هم الذين رفضوا زيد بن علي بن الحسين لما قالوا لـزيد : أنت إمامنا لكن بشرط أن تلعن أبا بكر وعمر ، قال: كيف ألعنهما وهما وزيرا جدي؟ ولما خرج الخوارج على أمير المؤمنين والخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز كفروه، فقال: وما وجه تكفيري؟ قالوا: إنك لا تلعن بني أمية، وهو من بني أمية، يقصدون معاوية وولده يزيد ، قالوا: فإما أن تلعنهم وإما تبرأنا منك، قال: أسألكم بالله أتلعنون فرعون؟ أي: وقد جاء صريحاً في النصوص وجوب اللعنة عليه، ووجوب التبري منه ومن دينه، قالوا: لا، قال: فكيف بكم تركتم من استحق اللعنة في الكتاب والسنة وتلزموني أن ألعن رجلاً آمن بالله ورسوله؟ فهذا خلط وتخبيط.
فلما رفض زيد أن يلعن أبا بكر وعمر رفضوه وخرجوا عليه، ومن هنا سموا الرافضة، وهم فرقة من أضل فرق الشيعة، وفرق الشيعة بلغت حوالي خمسة عشر فرقة أو زيادة.
قال: [وعن جعفر الأحمر قال: قال منصور بن المعتمر في شيء: لا أقول كما قالت المرجئة الضالة المبتدعة.
وعن أبي عاصم قال: جاء عكرمة بن عمار إلى ابن أبي رواد فدق عليه الباب وقال: أين هذا الضال؟] لأن ابن أبي رواد كان مرجئاً.
وقوله: يا أهل العراق! أنتم تزعمون أن الحجاج مؤمن؟ أي: مع كل ما أتاه من ظلم وفجور؟ والحجاج اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من كفره، ومنهم من توقف عن تكفيره، ومنهم من أثبت له الإسلام وقال: الذي أتاه الحجاج كان معاص، فقد كان الحجاج معروفاً مشهوراً بسفك وإراقة الدماء، وكان معروفاً بشدته وقسوته على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وكان له موقف مع أنس بن مالك خادم النبي عليه الصلاة والسلام، فقد اتخذ الحجاج خاتماً وكان يحميه في النار حتى يحمر ويختم به أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بين أكتافهم في ظهورهم، فلما جاء الدور إلى أنس بكى، فقال: ما يبكيك يا خادم رسول الله! يعني: أن الحجاج يعلم أن هذا خادم النبي عليه الصلاة والسلام، قال: والله لا أبكي جزعاً، وإنما أبكي أن النصارى لا يفعلون هذا بأساقفتهم ولا رهبانهم، وأنت تفعل هذا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يبكي لأن الأمة أنجبت مثل هذا.
ويقول عمر بن عبد العزيز كما قال الحسن البصري : لو جاءت كل أمة بأخبث من فيها وجئنا بـالحجاج لغلبناهم. وقد كان الحجاج محباً للقرآن الكريم، ومعظماً جداً للقراء، وأنس من أهل القرآن، ولكنه لم يكن مشهوراً به كشهرة أبي بن كعب مثلاً، كما كان الصحابة يعرفون الفرائض ولكن ليس كمعرفة زيد بن ثابت بها، فـالحجاج كان يعظم رءوس القراء الذين لهم اجتهاد وحذق في كتاب الله عز وجل، وكان يغدق عليهم ويكرمهم، وهذه بلا شك منقبة، وكانت له عبادة طويلة في ليله ونهاره كالصيام والقيام، وكانت له من البلاغة ومحبة الفصاحة ونصرة اللغة العربية على غيرها الشيء والباع الطويل.
والشاهد: أنه كانت له مناقب ومثالب، وهذا الذي حدا ببعض أهل العلم أن يتوقف فيه، وهم كثرة، وكان الحسن يقول فيه قولاً شديداً، فلما مات الحجاج ، قيل: إن الحسن رآه في نومه فسأله: ما فعل الله بك يا حجاج ؟! قال: قتلني بكل نفس قتلتها قتلة، أي: قتلني قتلة في مقابل كل نفس قتلتها، ثم غفر لي، قال الحسن : فوالله لا أقول فيه شيئاً بعد اليوم، أي: لا أكفره بعد اليوم، إلى غير ذلك من النصوص التي وردت عن السلف، فمن قادح ومن مادح ومن متوقف ومن مكفر في أمر الحجاج ، ويكفيه عاراً أن الأمة اختلفت في إيمانه وإسلامه وفي كفره، ولأجل هذا قال طاوس لأهل العراق: أنتم تزعمون أن الحجاج مؤمن؟
قال: [وقال منصور عن إبراهيم : كفى به عمى الذي يعمى عليه أمر الحجاج]، يعني: الذي يعمى أن الحجاج كافر مثلاً فهذا عمى وعقوبة من الله عز وجل، وقد طمس على بصيرته.
قال: [وقال إبراهيم لما ذكر الحجاج : ألا لعنة الله على الظالمين]. ومن المعلوم أن اللعنة لا توجه إلا إلى كافر.
قال: [وعن طاوس قال: عجبت لإخواننا من أهل العراق يقولون: الحجاج مؤمن!
وعن أبي رزين قال: إن كان الحجاج على هدى إني إذاً لفي ضلال]، يعني: إذا كان الحجاج مع كل هذا البلاء مؤمن وعلى هدى فمن يحمل عليه فهو على ضلال، وهذا الكلام مفاده أنه لا يستوي أهل المعاصي مع أهل الإيمان والطاعات، يعني: يريد أن يقول: نحن نعلم يقيناً أننا على الهدى، وأن الحجاج على المعاصي، ويكفي أنه سفاك للدماء، فإذا كان الحجاج يستوي مع أهل الطاعة فهذا يعني أن أهل العراق وخاصة الكوفة يقولون: إن أصحاب المعاصي يستوون في الإيمان مع أصحاب الطاعات، وهذا هو الإرجاء، فالمرجئة يقولون: أفسق الناس كأعبد الناس فيما يتعلق بالإيمان، حتى قال قائلهم: إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل. وهذا بلا شك كلام يخالف أصل الاعتقاد.
[وقال الأجلح : قلت للشعبي : إن الناس يزعمون أن الحجاج مؤمن؟ قال: صدقوا، مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله]. والإيمان أشكال وأنواع.
قال: [وقال الحجاج -وهو الحجاج بن محمد -: سمعت شريكاً وذكر عنده المرجئة فقال: هم أخبث قوم، وحسبك الرافضة خبثاً، ولكن المرجئة يكذبون الله.
وقال رجل سألت سفيان الثوري : أصلي خلف من يقول: الإيمان قول بلا عمل؟ قال: لا، ولا كرامة]، الإيمان قول بلا عمل قول المرجئة، أي: لا علاقة للعمل بمسمى الإيمان، وسواء عندهم عمل أو لم يعمل، فمادام صدق ونطق وأقر صار مؤمناً كامل الإيمان، إن الإيمان لا يكمل إلا بالعمل؟
فالكمال الواجب متعلق بالواجبات والفروض في الإسلام، ولها تأثير قوي جداً في زيادة الإيمان ونقصانه، والكمال المستحب هو الذي يبلغ بصاحبه ذروة الإيمان وكماله وتمامه.
هذا معتقدنا في كون العمل شرطاً في صحة الإيمان أو شرط كمال، نقول: إذا كان الكلام منصرفاً إلى عمل القلب فإن عمل القلب من الذل والخضوع والانقياد شرط صحة في الإيمان، وأما عمل الجوارح فمنها ما هو متعلق بالكمال الواجب، وهذا يتعلق كذلك بأعمال الجوارح فعله المفروضة الواجبة، وأما الأعمال المستحبة فإنها تدخل في الكمال المستحب.
ونعتقد أن الإيمان يزيد وينقص؛ لأن الشيء إذا كان قابلاً للزيادة فلابد أن يقبل النقصان، وهذه القاعدة مسلم بها حتى عند المنطقيين والفلاسفة، وكذلك عند المرجئة، فالمرجئة يقولون: إذا كان الإيمان يزيد فلابد أن ينقص، ولما كان الإيمان عندهم هو التصديق فقد قالوا بعدم الزيادة في الإيمان، قالوا: لأن تصور الزيادة يستلزم تصور النقصان، والتصديق عندهم لا يقبل النقصان؛ لأنه لو قبل النقصان ونقص لنقص إلى الكفر والخروج عن الملة.
فقد قال: وأجمع أهل السنة أن تارك الخمس كافر، أي: تارك الخمسة الأركان، ووقع النزاع في تارك الواحدة منهن، يعني: من ترك الصلاة الواحدة هل يكفر أو لا يكفر نزاع بين أهل العلم، والنزاع هذا معتبر، وتارك الزكاة كذلك وقع فيه النزاع، وأما تارك الصيام فلم يقع فيه كبير نزاع، وأعظم النزاع شهرة هو ما وقع في ترك الصلاة.
فمانعو الزكاة الذين حاربهم أبو بكر الصديق كانوا صنفين، منهم قوم ظنوا واجتهدوا اجتهاداً خاطئاً أن الزكاة إنما تخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون من يأتي بعده، لقول الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام: خُذْ ، أي: يا محمد! مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وفهموا أن هذا الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام خاصة، وليس لأحد من الخلفاء ممن يأتي من بعده.
فهؤلاء تأولوا، ولكنهم أخطئوا، والمتأول المخطئ لا يحارب، وإنما يفهم ويبين له الأمر، ولكن هؤلاء تميزوا وتحيزوا مع المرتدين الذين ارتدوا عن دين الإسلام، فصاروا في صعيد واحد، فأخذ هذا الأمر حكم ما يسمى في الإسلام بقتال أهل الثغر.
والثغر يجوز فيه قتل المؤمنين الموحدين إذا بقوا في وسط الكفار إذا قامت الحرب بينهم وبين الإمام، وهذا أمر معلوم، كما قال الله تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا [الفتح:25]، ولكنهم لم يتزيلوا، ومعنى تزيلوا: أي: تحيزوا وتميزوا، فهؤلاء لم يتميزوا ولم يتحيزوا، وصاروا ثلة قليلة من مانعي الزكاة المتأولين في وسط قوم عظام كثرة ارتدوا عن دين الإسلام صراحة، وكان يلزم أبا بكر الصديق أن يقاتل ويحارب هؤلاء المرتدين حتى يردهم إلى الإسلام أو يقتلهم، وإذا قتلهم فلابد أن يقتل معهم المتأولين في منع الزكاة، وإما أن يتركهم بلا قتال، وبالتالي يعظم خطرهم جداً على المدينة وعلى أهل المدينة من المؤمنين، خاصة مع موت النبي عليه الصلاة والسلام وجرح جميع القلوب في المدينة، بل وفي كل بقعة دخلت في الإسلام، فكانت المصلحة تستدعي قتالهم، وقد أنكر عمر بن الخطاب على أبي بكر قتالهم في أول الأمر، ثم أقره في آخر الأمر وشاركه في مقاتلتهم وقال: فما خاصمت أبا بكر فيها بعد، فسرعان ما انشرح لذلك، وعلمت أنه الحق، أي: علمت أن ما عليه أبو بكر الصديق هو الحق، وعلمت أن الله شرح صدره لذلك، فعلم عمر بذلك أن أبا بكر رضي الله عنه على الحق.
وماهية الشيء: أصله وذاته، فيبطل الشيء بترك ركنه عمداً أو سهواً أو جهلاً، ودائماً الذي تربى على مذهب واحد في قضية ما يصعب عليه أن يتعايش مع القضايا الأخرى، وإذا كان الخلاف بين أهل العلم معتبراً فأرجو أن يكون عندك معتبراً، والذي يترجح لدي في تارك الصلاة أنه كافر، وهذا هو الذي تخدمه الأدلة، ولكني لا أكفر إلا من ترك الصلاة بالكلية، وأما الذي يأتيها أحياناً ويدعها أحياناً فإنه وإن كان على خطر عظيم لكني لا أجرؤ على تكفيره، هذا إذا كنت تريد أن تسمع رأيي في القضية، وأما إذا كان الأمر لا يعنيك فهو كذلك لا يعنيني إن شاء الله.
فمجمل العمل ركن في الإيمان، بمعنى: أن المرء لو ترك العمل كله لكفر، وهذا هو كلام الحميدي الذي نقلته، قال الحميدي : أجمع العلماء على أن من ترك الخمس كفر. وأنا أيدت الحميدي ، وهذا هو كلام ابن تيمية ، فالرجل الذي يصلي الصلوات الخمس مؤمن، وكلما صلى كلما ازداد إيمانه، فإن كان لا يصلي السنن الراتبة ولا النوافل وغيره يصلي الخمس مثله ويحافظ على السنن الراتبة والنوافل فالذي يصلي الرواتب والنوافل أعظم أيماناً منه، فزيادة الإيمان هنا ترتبت على العمل، لكن العمل منه ما هو فرض ومنه ما هو مستحب، والكمال الواجب في الإيمان هو الذي لا يسع المؤمن تركه، ويمكن أن نقول عنه: إنه المفروض، أو أصل الإيمان.
ولو أن شخصاً الآن يصوم رمضان دائماً، وآخر يصوم رمضان ويصوم الإثنين والخميس والثلاثة الأيام البيض من كل شهر وغير ذلك من الأيام، وثالث يصوم يوماً ويفطر يوماً -وهذا خير الصيام وهو صيام داود عليه السلام- فإن الثالث أعظم إيماناً، وهذا بلا خلاف بيني وبينك، والثاني أعظم إيماناً من الأول، وقد أتت زيادة الإيمان من النوافل، وزيادة الإيمان هنا متعلقة بالإيمان المستحب، ونحن لا نختلف في هذا.
وتسمية ابن تيمية للإيمان بالإيمان الواجب والإيمان المستحب هذا محل اجتهاد، فلك أن تسمي الكمال الواجب بأصل الإيمان أو فرض الإيمان، خاصة إذا كان هذا فيما يتعلق بمجمل العمل وعمل الفرائض، وأما عمل المستحبات فلا خلاف بيني وبينك -كما لا خلاف بيننا وبين ابن تيمية - أنه متعلق بالكمال المستحب.
وقد سئل مرة عالم من علماء الحرم: هل الشيعة كفار أو مسلمون؟ وهذا السؤال وجيه جداً، وأوجه من ذلك أن يوجه لكل فرقة من فرق الضلالة، هل هي كافرة أو مسلمة؟
فأجاب الشيخ إجابة عظيمة جداً، فقال: تقصد الشيعة الذين ينظرون ويدعون ويكتبون ويؤلفون، أم تقصد الشيعة الذين يسيرون في الشوارع والطرقات؟
ولو قرأت في ترجمة علي بن أبي طالب أو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما لوجدت أن شيخ الإسلام الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء يقول بعد أن تكلم في الفتنة بكلام لطيف جداً: وما ذنب من نشأ في الشام يحب يزيد؟ أو قال: ما ذنب من نشأ في الشام على رضاع حب يزيد وحب معاوية ولا يعرف الرأي الآخر، وهو ليس من أهل العلم والنظر؟ كما أنه كذلك ما ذنب من نشأ بالعراق على حب علي رضي الله عنه، ولا حظ له من العلم والبحث والنظر فدرس القضية من أولها إلى آخرها، وإنا لنحمد الله تعالى أنه لم يجعلنا من هؤلاء ولا من هؤلاء، فإننا نحب علياً ومعاوية ونواليهما ونترضى عنهما.
وهذا كلام جميل جداً، فهو يحمد الله أنه لم يكن من أهل هذا الفريق ولا من ذاك، ولكنه يلتمس العذر لمن نشأ من عامة الشعب الشامي أو من عامة الشعب العراقي، فهذا نشأ في حب معاوية وذاك نشأ في حب علي ، وهما لا علم عندهما ولا فقه، ولو أخذت الآن طفلاً عمره سنتان ووضعته في بيئة نصرانية فبلا شك أنه سيكون نصرانياً، وربما تعصب للنصرانية؛ لأنه لم ير غيرها، ولو أتيت بطفل نصراني إلى بيئة المسلمين فنشأ بينهم فسيكون مسلماً، ولو نشأ بين إخوة داعين للسنة ومحبين لها فسينشأ معهم في مسجدهم محباً للسنة مدافعاً عنها، يغضب إذا انتهكت حرمة من حرماتها؛ لأنه نشأ على هذا.
وقد التقيت في أمريكا برجل كان من رءوس الشيعة في العراق، وكان قد أخذ على عاتقه دعوة الشيعة في مدينة دترويت، وهي أعظم مدينة في أمريكا تشيعاً، والذي يدخل في الإسلام من الأمريكان يدخل على مذهب الشيعة؛ لأن أحداً هناك لا يجرؤ أن يدعو إلى السنة مخافة بطش الشيعة في هذه البقعة من الأرض، فهم لهم شوكة ونجدة قوية جداً في هذا البلد، حتى إن الإخوة السلفيين يخافون أن يتكلموا، وبالمناسبة -والحر تكفيه الإشارة- الشيعة لا يسمحون لأحد بالكلام إلا لجماعة التبليغ، وهذا له مدلوله عندي.
فالشيعة يدعون في هذا المكان، والذي يدخل في الإسلام يدخله على مذهبهم، وهذا الأخ العراقي كان مشاركاً في الحرب الإيرانية العراقية والعراقية الكويتية، فأسر في بلاد الحجاز ومكث في بلاد الحجاز عامين، ثم خيروه بعد ذلك بين أن يرجع إلى بلاده أو يهاجر إلى أي بلد من بلاد المهجر؛ لأن السعودية أبت أن تبقي الأسرى بين أحضانها أكثر من ذلك، فاختار هذا الأخ السفر إلى بلد أوروبي آمن، فاختارت السعودية أن تذهب بهؤلاء إلى لندن وفرنسا وأمريكا، فكانت قرعة هذا في أمريكا، وفي أمريكا اختلط رغماً عنه بإخوة سلفيين، وظل يسمع منهم تقريباً على مدار عام وهو على تشيعه، وكانت له زوجة بالعراق وسبعة من الأبناء، فلما هداه الله عز وجل للسنة أنفق كل ماله على الهاتف مع امرأته وأولاده يدعوهم إلى السنة وإلى ترك التشيع، وحتى عهد قريب جداً لم يدخلوا، بل إنهم من أشد الناس حرباً على أبيهم، وحاربته المرأة مع أهلها وحاربه أهله؛ لأنه صبأ وخرج عن التشيع الذي هم فيه. وقد أخبرني هذا الأخ أن بلاد العراق يكاد البيت لا يخلو من أصنام أهل البيت، فهم يصورون التماثيل لـعلي بن أبي طالب أو لـمحمد الباقر أو لـموسى أو لـجعفر الصادق أو غيرهم من أئمة الشيعة، حتى أبو الحسن العسكري مهديهم المنتظر، فيصورون هذه التماثيل ويتقربون إلى الله بعبادتها، كل في بيته. ويقول: لا يخلو شارع ولا حارة ولا مسجد ربما من قبر من قبور أهل البيت. وقال: يصعب جداً على رجل يعيش في العراق أن ينخلع من شيعيته. ولا بد أن نعلم أن أصل العراق كان على السنة، والذي أدخل التشيع في العراق هي إيران، كما أنها تحاول جاهدة الآن إدخال التشيع في بلاد مصر.
و أبو حنيفة عند الإطلاق هو الإمام العلم المشهور النعمان بن ثابت الكوفي ، وهو معاصر لـسفيان الثوري وعباد بن كثير ، وكلهم من بلد واحد، وكان بينهم من الإحن ما بينهم، فقد كان أبو حنيفة إمام الرأي، وكان سفيان الثوري وعباد بن كثير رأسان في السنة، وأنتم تعلمون أنهم بشر، والقاعدة عند أهل العلم: كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى، ولو أصغينا لكلام كل قرين في قرينه لم يسلم لنا أحد لا من السلف ولا من خلف.
وأما قول عباد : استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين، فهذا فيه نظر من جهة السند ومن جهة النظر، ولو صح هذا الأمر في حق أبي حنيفة لكان مشهوراً جداً شهرة النار على العلم، أو شهرة الشمس في رابعة النهار، ولا يتصور أن أمراً خطيراً كهذا يروى بإسناد واحد ومن طريق واحد، وأي عمل أوقع أبا حنيفة في الكفر؟ وأنا ما كنت أحب دراسة هذا الباب، لكني خشيت أن يفهم فهماً مغلوطاً معكوساً فأحببت التعريج والتعليق عليه.
فأما التعليق فأحيل إلى الكتاب الجليل العظيم لشيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وذكر منهم أبا حنيفة رضي الله عنه ورحمه.
فـأبو حنيفة وقع حقيقة في شيء من الإرجاء، ولكنه لم يكن داعية إليه، وليس هو الذي ابتدع الإرجاء، وإنما قال بقول المرجئة أحياناً، ولم يتبن مذهب الإرجاء في كل قضية من قضايا الإيمان، وإنما زلت قدمه في بعض القضايا فوافق فيها المرجئة، فهذه المسائل تعاب عليه وترد، ولا ننفي أن الأصل فيه الاستقامة والصلاح من جهة العلم والعمل، وكان داعية إلى السنة وإن خفيت عليه في بعض الأحيان، وأما كونه استتيب من الكفر مرتين، يعني: أنه حبس في بيت ثلاثة أيام في كل مرة، ويقال له: إما أن ترجع عن هذا الكفر الذي تقوله أو نقتلك، فما وجد بداً إلا أن يرجع مخافة القتل، فهذا كلام بعيد جداً أن يصدر من إمام من أئمة الهدى كـأبي حنيفة رحمه الله تعالى، ولا يتصور أن أبا حنيفة يقول: أشهد أن لله بيتاً، لكني لا أدري أهو الذي بمكة أو بيت آخر بخراسان، لا من جهة النظر ولا من جهة العقل، وقد ثبت أن أبا حنيفة حج مراراً، فلم يحج إلى خراسان ولا مرة يبحث عن البيت هناك، بل كان حجه مع المسلمين إلى بيت الله الحرام.
قال: [ولو أن رجلاً قال: أشهد أن محمداً رسول الله إلا أني لا أدري أهو الذي بالمدينة أو رجل كان بخراسان، كان عندي مؤمناً]. وهذا لا يتصور عنه كذلك كما لا يتصور الأول.
قال: [وقال حمزة بن الحارث عن أبيه: سمعت رجلاً سأل أبا حنيفة في المسجد الحرام عن رجل قال: أشهد أن الكعبة حق، ولكني لا أدري هي هذه أم لا، فقال: مؤمن حقاً.
وسأله رجل فقال: أشهد أن محمد بن عبد الله نبي، لكن لا أدري هو الذي قبره بالمدينة أم لا، قال: مؤمن حقاً.
قال حنبل: قال الحميدي : من قال هذا فقد كفر، وسمعت أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر]. وهذا صحيح عن أحمد. ولكنهم لم يكفروا أبا حنيفة، وإنما قالوا: من قال هذا. وفي ثبوت هذا عن أبي حنيفة أكبر النظر من جهة الإسناد ومن جهة النظر كذلك في حال أبي حنيفة وفي عمله. فمن قال: إن لله كعبة لكني لا أدري أهي التي في مكة أم في غيرها، ومن قال: إن الله أرسل محمداً نبياً، ولكني لا أدري أهو الذي قبره بالمدينة أم غير ذلك، ومن قال: إن الله افترض خمس صلوات في اليوم والليلة، ولكني لا أدري أهي الصلاة التي يصليها الناس أو غيرها، ومن قال: إن الله افترض زكاة في أموال الأغنياء ترد إلى فقرائهم، ولكني لا أدري ما كنه هذه الزكاة وما مقدارها وعددها، وغير ذلك على سبيل التنكر فإنه لا يكون مؤمناً، ولم يكن أبو حنيفة من هذا الصنف.
قال: [قال أبو إسحاق الفزاري : قال أبو حنيفة : إيمان أبي بكر وإيمان إبليس واحد]. وهذا لا يمكن أن يقوله أحد من أجهل جهلة المسلمين، بل لو سئل كافر يهودي عن هذا الكلام لأنكره، وقال: لا يعقل هذا، مع أن اليهود يكرهون جبريل؛ لأنه صاحب الوحي، وعداؤهم لجبريل لا ينتهي، وقد بين الله تعالى عداءهم له عليه السلام في سورة البقرة وفي غيرها من السور، حتى هم نفسهم قالوا لـعمر على أطراف المدينة وهو ذاهب يزرع أرضه: يا عمر ! إنا لا نقطع فيك الرجاء، يعني: نحن مؤملون أنك ترجع إلينا مرة أخرى، وتصبو عن دين محمد، فقال: والله لا أفعل، ثم دعاهم إلى الإيمان، فقالوا: من الذي ينزل على صاحبك؟ قال: جبريل، قالوا: لو كان ينزل عليه غيره من الملائكة لاتبعناه. وهذه حيلة يهودية، وإلا فوالله لو نزل جميع الملائكة بالوحي على النبي عليه الصلاة والسلام لبقي اليهود على موقفهم إلا من رحم الله.
قال: [قال أبو بكر : يا رب، وقال إبليس: يا رب!
وقال وكيع بن الجراح : اجتمع ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن والحسن بن صالح وسفيان الثوري وشريك بن عبد الله ، فأرسلوا إلى أبي حنيفة فجاءهم، فقالوا: ما تقول فيمن نكح أمه وقتل أباه وشرب في قحفه الخمر؟ -والقحف هو الإناء العظيم- فقال أبو حنيفة : مؤمن. قال ابن أبي ليلى : لا أقبل لك شهادة أبداً، وقال الحسن : وجهي من وجهك حرام أن أنظر إليك أبداً، وقال شريك : لو كان لي من الأمر شيء لضربت عنقك، وقال الثوري: كلامك علي حرام أبداً]. وكل هذه النصوص في صحتها نظر عندي.
وقال عبد الرحمن بن مهدي : من قال: إنه مؤمن فهو مرجئ.
وقال الأوزاعي : من آمن وعصى إيمانه كإيمان إبليس أشبه منه بإيمان جبريل؛ لأن جبريل آمن وأطاع، وإبليس آمن وعصى.
وقال وكيع : أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل، والمرجئة تقول: الإيمان قول بلا عمل، والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة.
ومر أبو حنيفة بسكران -أي: برجل سكران- فقال له: يا أبا حنيفة ! يا مرجئ! -أي: السكران هو الذي يقول لـأبي حنيفة : يا مرجئ!- فقال له أبو حنيفة : صدقت، الذنب مني، جئت سميتك مؤمناً مستكمل الإيمان]، يعني: أنا المخطئ إذ سميتك مؤمناً؛ لأنه مرتكب كبيرة، وعند المرجئة أن من ارتكب جميع الكبائر إيمانه كإيمان أبي بكر . فتصور أن أبا حنيفة كان مخطئاً في مذهبه وجاءه شخص سكران فأفاق أبو حنيفة مما هو فيه من الباطل عندما قال له السكران: يا مرجئ! فقال أبو حنيفة : أنا مخطئ إذ جعلت لهؤلاء الناس أشياء لا يستحقونها.
وقال ابن كثير في ترجمته: فقيه العراق وأحد أئمة الإسلام والسادة الأعلام، وأحد أركان العلماء.
وأورد ثناء الأئمة عليه، منهم يحيى بن سعيد وابن المبارك والشافعي وأبو نعيم ومكي بن إبراهيم وهؤلاء العلماء كانوا قريبي عهد به، فلو كان ما نسب إليه من مستشنعات صحيحاً عنه لكانوا أول من يعلم به، ولكنهم أثنوا عليه مع اطلاعهم على هذه المستشنعات ولم يلتفتوا إليها، فرحم الله علماء الأمة الإسلامية، وكتب لهم أجر جهودهم ونشرهم لدينه سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد.
الجواب: ليس الشيعة هم الذين تحدوا الظلم وتصدوا للجبابرة، بل الدارس لتاريخ الشيعة يعلم جيداً أن الشيعة وضعوا أيديهم في أيدي المجوس تارة والنصارى واليهود تارات أخرى في محاربة أهل السنة والجماعة، وهذا أمر يطول، وقد تناولت طرفاً عظيماً منه في أثناء التعليق على معتقدات الشيعة، والمقام لا يسمح بسرد شيء منه، ولو رجعت مثلاً إلى البداية والنهاية لـابن كثير ، أو إلى كتاب تاريخ السنن والملوك أو العواصم من القواصم للإمام ابن العربي أو غيرها من الكتب لعلمت أن هؤلاء فرقوا المسلمين، وهم يعملون بالليل والنهار على محاربة السنة.
ومصر كانت في زمن الدولة الفاطمية بلداً شيعياً، فقد حمل البلد على التشيع رغم أنفه، والذي يتتبع تاريخ الفاطميين يعلم أنهم لما فتحوا مصر بنوا الأزهر لنشر مذهب الباطنية والإسماعيلية والرافضة وغير ذلك، بل هذه المذاهب هي التي كانت تدرس فحسب في الأزهر الشريف، لما لم يكن شريفاً في ذلك الوقت، وما كان الأزهر شريفاً إلا في فترة صلاح الدين الأيوبي عليه رحمة الله.
ولما كان للشيعة في مصر الغلبة والنجدة والصولة كانوا يفتشون بيوت أهل السنة بيتاً بيتاً في كل ليلة، فإذا وجدوا عند أحدهم مصحفاً أو كتاباً من كتب السنة كـالبخاري أو مسلم أو موطأ مالك أو مسند أحمد شنقوا صاحب هذا الكتاب في الميادين العامة حتى يكون عبرة لغيره. وهذا الكلام مذكور في كتب التاريخ ككتاب البداية والنهاية.
الجواب: هو مشروع وإن كان خلاف الأولى، والنبي عليه الصلاة والسلام قضى بأن من دخل المسجد بعد الأذان فلا يخرج منه حتى يصلي الفرض الذي أذن له، وهذا الأمر محمول على الاستحباب، ومن خالف ذلك فقد وقع في الكراهة التنزيهية، والحكم يختلف بحسب السبب الداعي للخروج، فلو أنك دخلت مسجداً فوجدت فيه قبراً فيجب عليك أن تخرج منه، ومن كانت له حاجة أو عنده مصلحة تقضي أن يصلي في مسجد آخر فلا بأس أن يخرج من هذا المسجد إذا أيقن أنه يدرك الجماعة في المسجد الآخر، حتى وإن كان هذا الخروج بعد الأذان.
الجواب: هو نهي عام في الصلاة وغيرها.
الجواب: لا يجوز، سواء ذبحته لهذه المناسبة أو اشترته من الجزار لأجل هذه المناسبة، فلا يجوز الأكل منه، وهو أشبه بلحم ذبح على النصب.
الجواب: يجب على المرأة أن تلبس ثوباً طويلاً للصلاة، يغطي ذراعيها إلى الرسغين على الأقل ويغطي ظهر القدم.
الجواب: العقيقة محل نزاع بين أهل العلم بين سنيتها ووجوبها، والذي يترجح من مذاهب جميع العلماء: أن العقيقة سنة مؤكدة، والنبي عليه الصلاة والسلام عق عن نفسه بعد البعثة، وهذا يدل على تأكيدها، وقال: (كل غلام مرتهن بعقيقته). وهذا تهديد ربما تناسب مع قول القائلين بأن العقيقة واجبة.
وأما ميقاتها ففي اليوم السابع، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يعق عنه يوم سابعه ويماط عنه الأذى)، يعني: يحلق رأسه ويماط عنه الأذى في يوم سابعه، وأما حديث الأربعة عشر أو الواحد والعشرين فحديث ضعيف، وذهب ابن حزم إلى أن من لم يعق عن ولده في اليوم السابع لم يقبل ذلك بعد السابع، ولكن جمهور أهل العلم -ورأيهم هو الرأي الصواب- أن من لم يتيسر له العق عن ولده في اليوم السابع فهي في ذمته متى تيسر له ذلك، واستحب أحمد أن يستدين ليعق عن ولده في اليوم السابع إذا غلب على ظنه أن يأتيه مال بعد السابع.
ويستحب للإنسان أن يعق عن نفسه إذا لم يعق عنه والده، وليس على سبيل الوجوب؛ لأنه إن كان فيها إثم فإنما يقع على الأب إذا تيسر له ذلك فلم يفعل.
وأما من لم يتمكن من العق مطلقاً في حياته لعدم الميسرة فإن الله لا يكلف نفساً إلا ما آتاها، ولا شيء عليه.
الجواب: الإمامية، قالوا: القرآن الذي بين يدي الناصبة -الذين هم نحن، يعني: أهل السنة، فهم يسموننا ناصبة أو نواصب؛ لأننا نناصبهم أو نناصب أهل البيت العداء، وليس الأمر كذلك، بل إننا نحب أهل البيت حباً جماً، ونعطي لهم حقهم، رضي الله عنهم- إنما هو ثلث القرآن الحقيقي، ومنهم من يقول: ليس هو القرآن الذي بين يدي الناصبة -أي: أهل السنة- وأن هذا القرآن لم ينزل منه حرف واحد من السماء، وأن القرآن الذي نزل من السماء خص النبي عليه الصلاة والسلام به علياً ، وخص علي به فاطمة ، وخصت به فاطمة أبناءها الحسن والحسين وغير ذلك، حتى اختفى هذا القرآن مع المهدي المنتظر أبو الحسن العسكري في سرداب سامراء في العراق، وسيظهر آخر الزمان، وهو المهدي المنتظر عندهم، بخلاف المهدي المنتظر عندنا.
الجواب: إن شاء الله لا يكون في ذلك ضرر، وتوكل على الله وسافر، وقد سافر معنا أناس على نحو ما ذكرت، وإن شاء الله بالخروج بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل تنجو من فتنة القوم.
الجواب: يجوز الاثنان، فإذا كانت اللعنة جائزة على أصحاب المعاصي أحياناً، فكيف برأس المعاصي كلها والسبب في وجودها.
الجواب: دائماً ينظر الواحد للقضية على أنها قضية الغير وليست قضيته، فلماذا لا تضع نفسك أنت في هذا الموقف، فإنك إذا أخذت وعزلت ستقول ذلك، وأنت مجبر؛ لأنك قد عذبت غاية العذاب، وعندما نرى أن ما نزل بك من بلاء أقوى من قدرتك على تحمله فسنعذرك. نسأل الله السلامة لنا ولكم.
الجواب: الكلام في هذه القضية كلام طويل جداً، وقد سمعت في الأسبوع الماضي شريطاً مدته ساعة ونصف تقريباً للشيخ الألباني رحمه الله يتعلق بهذه القضية فقط، وعنوان الشريط عورة المرأة المسلمة أمام المحارم، وخلاصته: أن عورة المرأة المسلمة أمام محارمها -يعني: أمام ولدها وعمها وأبيها وخالها وابنها من الرضاعة- هي مواضع الوضوء، يعني: لا بأس أن تظهر المرأة شيئاً من قدمها وشيئاً من ذراعها مثلاً، ورقبتها ووجهها وكفيها إذا كانت من أهل النقاب، وأما الشعر فقد وقع فيه نزاع، وكره أحمد بن حنبل رحمه الله أن يطلع -أي: المحارم- على شعر المرأة، وهذا طبعاً داعية إلى تمام الصيانة والعفة.
الجواب: نعم إذا كانت البدعة غير مكفرة، والذي يطوف حول القبر ويستغيث بالمقبور بدعته مكفرة، لأنه صرف ما يجب لله عز وجل لغير الله، وهذا النوع شرك، فإذا دخلت المسجد ووجدت حلقة ذكر مثلاً وأصحابها يترنحون يمنة ويسرة ويذكرون الله على الحقيقة، وفي أثناء ذكرهم يتلون أشعاراً أو يذكرون الله تعالى ذكراً ليس فيه نوع شرك، فهذه الطريقة طريقة مبتدعة، ولو صلى أحد الصوفية وليس له من البدعة إلا هذا النوع من الذكر فهذه البدعة غير مكفرة، وهي لا تمنع من الصلاة خلفه، فإذا كانت البدعة غير مكفرة فلا بأس أبداً بالصلاة خلفه، مع اعتقاد أن الأمة سلفاً وخلفاً لا تزال تحرص على أداء الصلاة، وعلى صحبة أفضل الناس وأخيرهم وألزمهم للسنة، ولست بذلك أعني أنه لابد أن تصلي خلفه، بل لو كان هناك من الأئمة من هو أحسن منه حالاً فلا شك أن الصلاة خلفه أولى من الصلاة خلف هذا، ولكن لو اضطررت إلى أن تصلي خلف مبتدع بدعة غير مكفرة فإنه لا بأس بهذه الصلاة وهي صحيحة.
الجواب: أين قرأت هذا الكلام للشيخ؟ وهل قال هذا الشيخ الألباني ؟ فالمشهور والمعروف عن الشيخ الألباني أنه يرفض رأي أبي حنيفة في هذا تماماً، وهو معروف بتشدده جداً في هذه القضية، وقد سئل مراراً وسمعناه مشافهة وفي المسجلات يرفض تماماً أن تخرج زكاة الفطر مالاً، ويقول بوجوب إخراج زكاة الفطر حبوباً وما شابهها، بل إنه سئل -وأنا جالس أسمع- عمن أخرج زكاة فطره مالاً فقال: يعيد إخراجها طعاماً إذا كان في رمضان، يعني: إذا كان ما زال في رمضان يعيد مرة أخرى ويخرجها طعاماً، فنسبة الوهم إلى الناقل لهذا الكلام أولى من نسبة هذا القول إلى الشيخ مع ما اشتهر عنه من القول بالرأي الآخر.
الجواب: أصل هذا السؤال عند أهل العلم الجواز، فربما يكون مبتدعاً في باب الاعتقاد مجتهداً في غيره من الأبواب، وتاريخ الأمة يقضي بأن الواحد إذا كان عنده خلل أو تقصير أو ضعف في جانب فلا يمنع أن يبلغ ضابط الاجتهاد في جوانب أخرى، والأمة تستفيد منه في هذه الجوانب التي تفوق فيها، ولكن الخطر كل الخطر على من يأخذ على يد هذا المبتدع، فإذا كان متيقظاً وحذراً جداً من بدعته وفتنته في الاعتقاد أو في المسلك فلا بأس بالأخذ على يديه. وكثير من أبناء هذا المسجد -حتى لا نبعد بعيداً- ذهبوا إلى شيخ من شيوخ البدعة في الأزهر مشهور ومعلوم عنه البروز في الفقه وأصوله خاصة فقه الشافعية، ولكنه في الاعتقاد أشعري، حتى أصبح الواحد منهم يرسل الرسائل ويقول: أنا مستعد للخصومة والمحاججة في أن مذهب الأشاعرة هو الحق، وأن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، والذي أرسل إلي بهذه الرسالة كان قد أرسل إلي بمثل هذا السؤال سواء بسواء، وقال: أنا آمن على نفسي الفتنة منه، وإذا به في حقيقة الأمر لم يأمن، بل وقع في براثن الانحراف من أول وهلة؛ لأن هؤلاء يملكون الحجج والبينات والبيان والفصاحة واللسان الطلق الذي لا يمكن لأحد أن يقف أمامهم إلا أحد على مثل ما هم عليه من فصاحة وبيان وإلمام بالأدلة ومعرفة بما عليه الخصم ورد أهل السنة على مفترياتهم وغير ذلك، وما أظن أن أحداً تأهل لذلك.
فالأصل في هذا عند السلف الجواز، وواقع الناس يخوف من الأخذ بما قاله السلف تماماً.
الجواب: جائز.
الجواب: هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، وقد ذكر ابن عبد البر في مطلع كتابه الاستذكار فروض الكفايات وفروض الأعيان وحقوق الإسلام، فذكر كما هو راجح في مذهب المالكية أن هذا من فروض الأعيان، كتشييع الجنازة مثلاً أو الصلاة عليها أو رد السلام أو عيادة المريض، فترجح لديه أن هذا فرض عين على كل من سمع السلام مثلاً أو ألقي عليه السلام، فلو دخل شخص الآن المسجد وقال: السلام عليكم فعلينا كلنا الرد عليه، والجمهور على أن هذه الواجبات من فروض الكفايات، وإذا رد البعض سقط الإثم عن الباقين.
وأما المالكية فترجح لديهم أن هذه الواجبات هي واجبات على الأعيان، والراجح هو مذهب الجمهور.
الجواب: قد أجبنا على هذا السؤال مراراً بأنه لا يجوز ذلك.
الجواب: الذي عليك أن تواظب على حضور مجالس العلم.
الجواب: النية شرط في العبادة بلا خلاف بين أهل العلم، والنية هي التي تفرق العادة من العبادة، كما أنها تفرق العبادات بعضها عن بعض، فهذا فرض وهذا نفل، فالنية هي التي دفعتك إلى الدخول في العبادة، فمثلاً: أنت عندما تسمع أذان العشاء وتتوضأ وتخرج من البيت وتقف في الصف خلف الإمام، فهذا الخروج من البيت والوقوف مع الإمام وأداء الصلاة معه من النية، فهي لا تنعقد نطقاً وإنما تنعقد بالقلب؛ لأن محلها القلب، فلا يلزم أن تقول مثلاً: نويت أن أصلي العشاء في المسجد الفلاني في الساعة الفلانية خلف الإمام الفلاني، وغير ذلك من الكلام الطويل الذي يقوله الناس.
الجواب: الأخ عبد المنعم إبراهيم صنف كتاباً لطيفاً في هذه الحقوق اسمه الإتحاف، وأعطاني نسخة منه يوم الجمعة الماضية، وهو كتاب لطيف إن شاء الله، فيه من الفوائد والأحكام الشيء الكثير، ويلزم كل عاقد على أن يعرف ما له وما عليه.
وأما هل يجوز له أن يضم ويقبل؟ فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فإنه يخشى مما هو أبعد من ذلك، فينبغي لكل عاقل أن يحترم نفسه، وأن يصبر على حرقة الشوق مدة العقد حتى يدخل بشيء من الحب والشوق إلى امرأته بعد البناء؛ لأن الذي يقبل ويحضن وغير ذلك خاصة إذا طالت مدة العقد فإنه يفتر شيئاً فشيئاً حتى إذا أتى موعد البناء لم يكن له حاجة فيها في الغالب، ثم إن هذا قد يؤدي إلى جماعها، وغالباً الإنسان إذا كان شاباً ولم يسبق له الزواج لا يأمن على نفسه، وعائشة رضي الله عنها في غير ما حديث تقول: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم ويخرج إلى الصلاة فيصلي ولا يتوضأ)، يعني: بوضوئه الأول، (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أملككم لإربه، وأيكم -تخاطب الصحابة- أيكم أملك لإربه؟) أي: حاجته وشهوته، فإن أحداً لا يستطيع ذلك، فإذا كان هذا الخطاب للصحابة فهو من باب أولى أن يكون لشباب اليوم الذي يتحرق ناراً وشوقاً إلى معاشرة النساء.
فإذا علم أن المعقود عليها حلال له الاستمتاع بها ظاهراً فربما أدى به إلى الإيقاع بها باطناً، وأحد الإخوة لما علم أن ذلك له مباح فعل، فلما فعل استنكف جداً أن تكون هذه امرأته، وقال: هذه المرأة ليست شريفة، ولو كانت شريفة لدفعتني ومنعتني، فلما فعلت ذلك هذا يدل على أنها مكنت من نفسها غيري، فلا مانع أن تمكن الغير منها بعد البناء، ولعب الفأر بعبايته أو برأسه واستقر أمره على أن يطلقها. ووقعت أكثر من عشر حالات على هذا النحو ثم وقع بينهم الطلاق، ولابد من النظر إلى العرف، فكيف ينظر أهل الحي لهذه المرأة؟ وهل ينظرون إليها على أنها زانية أم أنها شريفة وأن زوجها هو الذي أتاها؟ فينظر المجتمع الجاهل على أن هذا المرأة زانية، وظاهر نصوص القرآن والسنة توجد فيها فروق كثيرة بين المعقود عليها وبين المدخول بها من جهة الحقوق، من الميراث والعدة، وغير ذلك من سائر الحقوق التي بين الزوجين.
أسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر