وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه أجمعين.
وبعد.
لا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، ومع باب المواقيت من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى.
وباب المواقيت باب هام؛ لأنه يترتب على عدم الإحرام من الميقات أن يعود الحاج أو المعتمر إلى الميقات مرة ثانية إن استطاع، أو يلزمه فدية لعدم إحرامه من الميقات، ويترتب على ذلك مشاكل كثيرة في النسك؛ لأن عدم العلم بهذا الواجب يدل على عدم معرفة بفقه أحكام الحج والعمرة عند الكثير، فتجد الرجل يحرم بعد الميقات أو يحرم من مكة، أو يحرم من بيته.. وكل هذه الأمور التي فيها مخالفات ينبغي أن نقف عندها.
الحج والعمرة لهما ميقات زماني وميقات مكاني.
أما الميقات الزماني للحج فيقول ربنا فيه: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] أي: أن الحج لا يقع إلا في هذه الأشهر: شوال، وذي القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وجزء الشهر سمي هنا شهراً، قال تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فمن أراد الحج فلابد أن يحرم بالحج في هذه الأشهر، فمن أحرم بالحج في رمضان فحجه باطل؛ لأن رمضان ليس من أشهر الحج، وعلى هذا أيضاً من اعتمر في رمضان ثم ظل هناك إلى أن أحرم بالحج لا يسمى متمتعاً؛ لأن التمتع أن تقع منه العمرة في أشهر الحج، فإذا اعتمر في شوال ثم ظل في مكة إلى أيام الحج وأحرم بالحج بعد أن أدى العمرة في شوال فهو الآن متمتع؛ لأنه أوقع العمرة في أشهر الحج، وهذا معنى قول الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].
أما الميقات الزماني للعمرة فكل السنة تصلح لأداء العمرة، وهناك في السعودية تنظم أوقات للعمرة فقط، لكن العمرة ميقاتها الزماني في كل أيام السنة.
أما الميقات المكاني للحج والعمرة فقد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى كلمة (الميقات): أنه لا يجوز للحاج أو للمعتمر أن يمر على الميقات دون أن يحرم، ومعنى يحرم: يلبس ملابس الإحرام وينوي ويلبي، وله أن يلبسه من بيته، ولو أن رجلاً من مصر لبس الإحرام في المطار فلا نسميه محرماً إلا إذا عقد النية ولبى في الميقات، فليس معنى لبس الإحرام هو الإحرام، إنما معنى الإحرام عقد النية والتلبية، هذا هو الإحرام.
ولذلك فهذه المواقيت المكانية ينبغي أن نكون على علم بها، وهي من معجزات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وقّت لأهل العراق ذات عرق، وكانت العراق لم تفتح بعد، وإنما فُتحت بعد موته عليه الصلاة والسلام، وهكذا الشام، فكونه يوقّت لبلاد لم تفتح في عهده وفتحت من بعده فهذا من أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وميقات أهل المدينة ذو الحليفة ] وهي المشهورة عند الناس الآن بأبيار علي، لكن نلتزم التسمية الشرعية.
[ والشام ومصر والمغرب الجحفة ] يعني: أن أهل الشام وأهل مصر وأهل المغرب يحرمون من الجحفة.
والجحفة عُدّل اسمها الآن إلى رابغ، فميقات أهل مصر هو رابغ، ويبعد عن مكة بما يقرب من 250 كيلو متر تقريباً، وهو ميقات أهل مصر، وميقات أهل الشام، وميقات أهل المغرب.
والشام يشمل الأردن، وسوريا، وفلسطين، ولبنان.. هذه كلها تسمى أرض الشام، وهي أرض مباركة، قال الله في حقها: إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأنبياء:71]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (هي أرض المحشر والمنشر) فيُحشر الناس إليها، ويبعث الناس عليها، والأعين الآن تتجه إليها، فانتبه يا عبد الله! فهناك مخطط أثيم قديم للأعداء لكننا لا نقرأ، فقد لاموا بيغن يوماً على أنه أدلى بتصريحات خطيرة في مذكراته وفي أجوبته على الصحفيين، فقال: اطمئنوا؛ فإن العرب لا يقرءون، وإذا قرءوا لا يحسنون الفهم، وإذا فهموا لا يحسنون العمل! فالرجل على دراية ودراسة بنا، وهذا الكلام الذي يحدث اليوم في أرض الواقع مسجّل منذ قديم، وهو مخطط أثيم، ينفذ بخطة محكمة، والله من ورائهم محيط، فلا تحزن ولا تيأس فإن دين الله ظاهر بنا أو بغيرنا، قال عز وجل: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ [محمد:38] لأن الله هو الذي يحفظ الدين، وانظر إلى حال الصحابة في يوم الأحزاب وفي يوم بدر، قال عز وجل: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26] فالإسلام هو دين رب العالمين سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واليمن يلملم، ولنجد قرن].
يعني: ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وهن لأهلن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن.
فإن كنت من أهل مصر، لكنك نزلت على المدينة أولاً، ومررت على ميقات أهل المدينة ذي الحليفة، فأنت الآن ميقاتك ذي الحليفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) أي: أنه لا يجوز لمن يأتي على ميقات أن يمر عليه دون إحرام، وهذا السؤال يأتي دائماً فكثير ما تجد سائلاً يسأل ويقول: أنا من أهل مصر وأتوجه من مصر إلى المدينة، ثم من المدينة إلى مكة، فهل هذا يستحب؟ أقول: لا يستحب؛ لأنك من أهل مصر، وستمر على الميقات دون إحرام، فإحرامك صحيح من ذي الحليفة؛ لأنك أتيت على ميقات أهل المدينة، صحيح، لكن ميقات أهل مصر رابغ وأنت من أهل مصر، إلا إذا كانت شركة السياحة نظّمت الرحلة إلى المدينة أولاً فأنت مجبر على هذا، لكن يستحب لأهل مصر أن يحرموا من ميقاتهم الذي بينه النبي عليه الصلاة والسلام.
قال صلى الله عليه وسلم: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله)، فأهل جدة ميقاتهم جدة؛ لأنها دون الميقات، فجدة ميقات لأهلها، فإذا نزل مصري إلى جدة وبات بها ليلة، ثم ذهب إلى مكة لأداء عمرة فيحرم من رابغ؛ لأن جدة ليست ميقاتاً إلا لأهلها، فلا يصلح أن ينزل بها أحد ثم يحرم منها بحجة أنه من أهلها، إلا إذا خرج إلى عمل أو وظيفة وسافر إلى جدة لا يريد العمرة، ثم ذهب إلى جدة وتسلّم الوظيفة، وبعد أيام بدا له أن يعتمر أو يحج، فهنا نقول: يجوز أن يحرم من جدة؛ لأنه خرج من مصر لا يريد العمرة وإنما يريد العمل، فأصبح الآن هو في حكم أهلها، وجدة لا تصلح ميقاتاً إلا لأهلها.
فمن كان دون الميقات فيحرم من مكانه.
وأهل مكة من أين يحرمون في الحج؟ ومن أين يحرمون في العمرة؟
أهل مكة إذا أرادوا أن يحجوا فإحرامهم من مكة بلا خلاف، وإذا أراد أن يعتمر المكي يحرم من أدنى الحل، وأدنى الحل هو التنعيم، ومكة كلها حرم، فإذا أراد أن يحرم بالعمرة عليه أن يخرج من الحرم إلى الحل، فيحرم من أقرب حل، وأقرب حل هو التنعيم.
لكن لماذا يحرم من أقرب حل؟ وما العلة في ذلك؟
ليجمع بين حل وحرم، فالحاج يحرم من مكة، فهو في حرم، وسيخرج بعد أيام إلى عرفة وهي حل، فجمع بين الحل والحرم، وكذلك المعتمر يخرج إلى التنعيم أدنى الحل ويعود إلى مكة فيجمع بين الحل والحرم.
قال في الشرح: [ وأما ميقات أهل المشرق فمن ذات عرق؛ لما روت عائشة : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل اليمن يلملم) رواه أبو داود مختصراً قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق)، وأجمع أهل العلم على أن إحرام العراقي من ذات عرق إحرام من الميقات ].
وهناك بيتان من الشعر في مسألة المواقيت ينبغي حفظها؛ لأنها تيسر علينا حفظ المواقيت، والحفظ عن طريق المنظومة أو عن طريق الأبيات الشعرية يسهّل المسألة كثيراً عند البعض.
يقول القائل:
عرق العراق يلملم اليمن وبذي الحليفة يحرم المدني
للشام جحفة إن مررت بها ولأهل نجد قرن فاستبن
هكذا جمعها البعض في أبيات شعرية؛ ليخفف على طالب العلم حفظ المواقيت.
قال في الشرح: [ وأهل مكة يهلون منها؛ لحديث ابن عباس ، ويهلون بالعمرة من أدنى الحل، لا نعلم في هذا خلافاً، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمر عائشة من التنعيم وكانت بمكة يومئذ، وإنما لزم ذلك ليجمع في النسك بين الحل والحرم، بخلاف الحج فإنه يفتقر إلى الخروج من الحرم إلى عرفة للوقوف فيجتمع له الحل والحرم، فلذلك جاز أن يحرم به من الحرم ].
الحديث في البخاري وفيه: أن أمنا عائشة رضي الله عنها حينما جاءت من المدينة في حجة الوداع، ونزلت ذي الحليفة، وعند نزولها للإحرام من الميقات ميقات أهل المدينة جاءها الحيض، فأخذت تبكي؛ حزناً على فوات بعض النسك، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وقال: (ما لك يا
وهنا سؤال مهم طرحه شيخ الإسلام : هل عبد الرحمن أحرم معها أم لم يحرم؟ الجواب: لم يحرم، إذاً: عمرة التنعيم هي لأهل الأعذار كالحيّض، وأما اليوم فجعلوها عمرة للجميع.
فلم يحرم عبد الرحمن مع عائشة ، ولو كان يجوز له أن يحرم لأحرم، ولن يتكلف، فهو سيذهب مع أخته، ويحرم معها، لكن لم يحرم لأنه يعلم مسبقاً أن الإحرام من التنعيم هو لأهل الأعذار، وهذا هو الراجح من كلام العلماء إن شاء الله تعالى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه ].
أي: من لم يكن له ميقات فيحرم من محاذاة أقرب ميقات.
قال الشارح: [ وذلك أن من سلك طريقاً بين ميقاتين فإنه يجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات الذي هو إلى طريقه أقرب؛ لما روينا أن أهل العراق قالوا لـعمر : إن قرناً جاوز عن طريقنا؟ قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فوقت لهم ذات عرق، ولأن هذا مما يدخله الاجتهاد والتقدير، فإذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة ].
من كان من روسيا أو من أمريكا أو من السنغال، أو من نيجيريا.. وهكذا كل قادم إلى مكة يمر على أقرب ميقات ويحرم أو يحرم إذا حاذاه.
أي: من أراد أن يدخل مكة ففي مذهب الحنابلة أن من أراد دخول مكة لابد أن يكون محرماً إلا لأسباب، ومكة ليست ككل البلاد، فمن خصائصها: أن من أراد دخولها لابد أن يدخلها وهو محرم.
وفي هذا اختلاف بين المذاهب، وفي الحقيقة أن المذهب الحنبلي يرى -ومعه الأدلة- أن من أراد دخول مكة لابد أن يكون محرماً.
قال الشارح: [ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الميقات، وقد قال: (خذوا عني مناسككم) فكان واجباً بالأمر، ولا يجوز ترك الواجب إلا لقتال مباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر ].
يعني: طاقية الحرب أو خوذة أو ما يستعد به للقتال، فدخل مكة وعلى رأسه المغفر، فالمحرم لا يضع شيئاً على رأسه؛ لأن ذلك من محظورات الإحرام، فحين رأوه وهو داخل إلى مكة وهو يغطي رأسه فمعنى ذلك أنه ليس محرماً، إنما دخلها لقتال مباح.
قال: [ أو لحاجة تتكرر كالحطاب ].
وهو الذي يجمع الحطب، وهكذا الذي يعمل ساقياً لأهل مكة، أو الذي يعمل على سيارة أجرة من جدة إلى مكة، أو من الطائف إلى مكة، فليس من المعقول أنه كلما دخل يحرم، فالحطاب أو ساقي الماء أو الذي يركب الطائرات.. ونحو ذلك هذا له أن يدخلها غير محرم.
قال: [ لأنا لو ألزمناه الإحرام لأفضى إلى أنه لا يزال محرماً فيشق ذلك عليه ].
يعني: لو قلنا له: لابد أن تحرم فسيظل على إحرامه لا يخلعه أبداً؛ لأنه في عمل؛ إما أنه ذاهب إلى مكة أو قادم من مكة، فلا يلزمه الإحرام هو ومن كان على شاكلته.
قال المصنف: [ ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه ].
أي: أن الحطّاب والساقي يحرم من موضعه.
قال الشارح: [ لأن هذا لم يكن الإحرام من الميقات عليه واجباً، فكان ميقاته من حيث نوى العبادة؛ بدليل أن المكي يُحرم من مكة في الحج؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس : (وكذلك أهل مكة يهلون منها) متفق عليه].
قال المصنف: [ وإن جاوزه غير محرم رجع فأحرم من الميقات ] وهذه نقطة مهمة يسأل عنها العلماء في المناسك دائماً.
فكثيراً ما يجاوز الإنسان الميقات وهو لم يحرم، وهذا كثير في الباخرة، وفي الطائرة، وفي البر.. وبعض الناس يجهلون ذلك، فيدخلون مكة دون إحرام، ولا سيما كثير من النساء لا يخبرهن أحد أن هذا ميقات، أو يحدث أن الحاج أو المعتمر ينسى ملابس الإحرام في الحقيبة، والحقيبة في مخازن الطائرة، والطائرة لن تنزل إلا في جدة، ويقول: أنا نسيت ملابس الإحرام، فماذا أفعل؟
ومعنى ذلك أنه سيمر على الميقات دون إحرام، فما الحكم إذا مر على الميقات دون إحرام؟
سئل أحد الإخوة عن هذا السؤال فقال للسائل: عليه أن يعود إلى الميقات، وكنت جالساً فقلت: يا شيخ! كيف يعود إلى الميقات؟ فإذا كان الرجل من أهل مصر وجاء بطائرة ومع فوج ولن يستطيع أن يعود إلى رابغ مطلقاً، فأفته بما في قدرته، فكونه يعود إلى الميقات قد يعسر عليه.
وهذا كلام نظري صحيح: أن من جاوز الميقات عليه أن يعود إلى الميقات فيحرم منه ولا شيء عليه، لكن إن عجز عن الإحرام من الميقات يحرم من مكانه ويلزمه فدية؛ لأنه ترك واجباً وهو الإحرام.
فالإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، وفرق بين الركن والواجب، وترك الواجب يُجبر بدم، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، هذا في ترك الواجبات أما فعل المحظورات فله فدية أخرى، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو فدية، فانتبه إلى مثل هذه الأمور.
إذاً: من ترك الواجب في الحج أو العمرة يجبره دم، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وهذه قاعدة مهمة.
فمن ترك المبيت بمزدلفة فعليه دم، لأنه ترك واجباً، وكذلك إن ترك طواف الوداع، وسأذكر الواجبات والأركان، وكذلك إن ترك رمي الجمرات، أو أحرم بعد الميقات، فهذا يستلزم منك أن تعرف الواجب والركن، فمن ترك واجباً في الحج والعمرة فيلزمه فدية، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
قال المصنف: [ وإن جاوزه غير محرم رجع فأحرم من الميقات ولا دم عليه؛ لأنه أحرم من الميقات، فإن أحرم من دونه فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع ].
أي: أنه إذا لبس الإحرام ولبى بعد الميقات ثم رجع إلى الميقات يلزمه دم؛ لأنه أحرم بعد الميقات.
وإذا نسي الرجل إحرامه في حقيبته وهو في الطائرة فيمكن أن يجعل قميصه رداء وقميصاً آخر يجعله إزاراً، ويكون هذا هو الإزار والرداء إلى أن ينزل في جدة فيأخذ الحقيبة ويغيّر الإحرام، ولا بأس عليه أن يأخذ قميص رجل آخر، وقد يقول قائل: إن القميص فيه خيط، فيجاب بأن المخيط هو ما فُصّل على هيئة الجسد، يعني: يأخذ شكل الجسد، أما لو خلعت القميص ثم جعلته إزاراً فلا يصبح مخيطاً، فيجوز أن يلبس القميص على هيئة إزار أو رداء.
قال الشارح: [ لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك نسكاً فعليه دم) روي موقوفاً عليه ومرفوعاً؛ ولأنه أحرم دون الميقات فوجب عليه الدم وجوباً مستقراً كما لو رجع بعد أن طاف ].
وهذه الفدية تذبح وتوزع في الحرم، وهذا أحد الفروق الجوهرية بين الفدية والهدي، فهناك دم يسمى دم الهدي، ودم يسمى دم الفدية، والفرق بينهما:
أولاً: دم الهدي قال الله تعالى فيه: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] فسماه هدياً، ولابد أن يذبحه في أيام التشريق أو يوم النحر وليس له غير ذلك، أما الفدية فتذبح متى استطاع.
ثانياً: الفدية لا يأكل منها، أما الهدي فيأكل منه.
أي: لو أن رجلاً من مصر لبس الإحرام في المطار وقال: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، فهنا نوى ولبس الإحرام ولبى، فهذا أحرم قبل الميقات، وإذا أحرم قبل الميقات فهو يريد أن يضيّق على نفسه ويخالف السنة، ولكن إحرامه صحيح، والإحرام من الميقات واجب، فلو أنه أحرم قبل الميقات فسيمر على الميقات وهو محرم، وهذا ليس فيه شيء، إنما خالف السنة.
جاء رجل إلى الإمام مالك وقال: يا إمام! إني أريد أن أحرم وأنا من أهل المدينة؟ قال: إحرامك من ذي الحليفة، قال: إني أريد أن أُحرم من الروضة، يعني: لما فيها من الفضل، ففي الحديث (ما بين بيتي -وفي رواية: قبري- ومنبري روضة من رياض الجنة) والبخاري بوّب على هذا الحديث فقال: باب فضل ما بين القبر والمنبر؛ لأن القبر في البيت، فهو إخبار على ما كان، والحديث الصحيح: (بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا في حياته، ولم يكن يعلم أين سيكون القبر، فكونه يقول: (بين قبري) ولم يكن له قبر هذا معناه أنه يعلم الغيب، والله عز وجل يقول: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34] كذلك قوله للصحابة: (ما بين قبري ومنبري..) في هذا يقول ابن حجر : يحدثهم بما لا يعرفونه؟! فالصحابة لم يكونوا يعرفون أين سيكون القبر، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحدثهم بما لا يعرفونه، ويستحيل هذا، هذا كلام العلامة ابن حجر ، فرواية القبر بدون أدنى شك رواية غير صحيحة؛ لأنها تخالف الأسس والقواعد وأمر العقيدة عندنا.
قال الإمام مالك للرجل الذي أراد أن يحرم من الروضة: لا تفعل؛ فإني أخاف عليك الفتنة، قال: وأي فتنة يا إمام؟! ما هي إلا أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك أكمل هدياً من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تلا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
فانظر إلى اتباع الإمام مالك رضي الله عنه لهدي النبي عليه الصلاة والسلام.
وطبعاً نحن واقعون في هذه الأيام في المحدثات والبدع، فتجد في بعض الكتب دعاء الشوط الأول ودعاء الشوط الثاني، وكل شوط له دعاء، ودعاء عند الركن.. فكل هذه الأدعية ليست صحيحة، وكثير من الناس ينتدبون من يدعو لهم ويعطونه بعضاً من المال، وهذا لا يجوز، ففيه ضوضاء وصخب وشوشرة على الناس، قال عز وجل: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الأعراف:205] فكل واحد يدعو الله، وكل إنسان يدعو الله بما يحتاج إليه، والبعض لديه بعض الكتب التي يلتزم الدعاء منها! وهذا من البدع المحدثة؛ لأن فقه الحج فقه غائب عندنا، والجهل منتشر، فقد رأيت في الحج امرأة مصرية كبيرة في السن، وعند صلاة الفجر في جماعة في الحرم كانت تملأ الماء من بعض صنابير المياه في زمزم التي خارج الحرم، وظلت تملأ الماء، وبعد أن انتهت كان الشيخ في حالة قراءته للتشهد ليسلم فأسرعت لتجلس للتشهد ثم سلّمت معه! فأصبحت بهذا قد انتهت من صلاة الفجر! فأصبحت صلاتها هي إدراك التشهد، أرأيت جهلاً كهذا الجهل؟!
وآخر جاء معنا في رحلة الحج وأول ما نزل من الباخرة ذهب إلى الحلاق مباشرة؛ لأنه يظن أن العمرة هي الحلق.
وآخر يسأل عن الكعبة ويقول: ما هو هذا الصندوق الأسود؟
وأمثال هؤلاء كثير جداً ممن هم واقعون في الجهل الذي ينتشر في الأمة، وذلك بسبب تقصيرنا في المسئولية، فنحن نقصر في المسئولية، فإن مما ينبغي أنه قبل أن يذهب الحجاج نجمعهم في مسجد ونقوم بتنفيذ المناسك عملياً، ويكون فيهم مشرف ديني عالم؛ فإن هذه مسئولية كبيرة.
وبالنسبة لدخول مكة الشافعي يرى أن من أراد دخول مكة لا يلزمه الإحرام إلا إذا كان ينوي العمرة، أما من دخل لعمل فلا يلزمه.
وفي الحقيقة أن رأي الشافعي راجح في هذه المسألة، وهذا اختيار كثير من العلماء، وهذا كلام الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله وشفاه الله، فقد سمعته يقول لطلبة العلم في الحرم المدني: إن طالب العلم لابد أن يبدأ بدراسة مذهب واحد يتخصص فيه في الأصول وفي الفقه، ويتوسع في الدراسة، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الفقه المقارن بالمذاهب الأخرى، وهذا مهم جداً في بداية الدراسة، فنحن نلزم طالب العلم أن يدرس مذهباً لا أن يتمذهب، وفرق بين دراسة المذهب والتمذهب، فالتمذهب هو أن يعتنق المذهب ويدور معه حيث دار سواء كان راجحاً أو مرجوحاً، وهذا غير صحيح، لكن لابد أن يدرس مذهباً، وأنا أقول: هل تعلمون عالماً من السلف ليس له مذهب؟ فـابن رجب حنبلي، وابن عبد البر مالكي، والنووي شافعي، وابن قدامة حنبلي.. فكانت كلمة حنبلي.. شافعي.. مالكي تلصق بهم، وليس معنى ذلك أنهم تمذهبوا وتعصّبوا لمذهب، إنما تخصصوا في دراسة المذهب، وأنت تقرأ هذا عن الكتب، فمثلاً: عبد الغني النابلسي الحنبلي ، وفلان المالكي، وفلان الشافعي أليس معنى هذا أنه لا يتعصب لمذهبه وإنما درس المذهب وعرف المذهب بدراسة متأنية؟ فالشيخ ابن عثيمين حنبلي المذهب، ولكنه في غالب كتبه أو في أكثر المواضع يقول: وقد حاد المذهب عن الصواب، والراجح هنا ما ذهب إليه الشافعي .. أو فلان أو فلان، فهذه هي الدراسة العلمية، فليس معنى التمذهب -كما يفهم البعض- أن يتعصب كل واحد لمذهبه بحيث إن الحنفي لا يصلي خلف الشافعي، والشافعي لا يزوج الحنبلي، وأصبحت الأمة في شتات، ليس هذا هو المقصود أبداً.
قال الشارح: [ ولا خلاف أن من أحرم قبل الميقات أنه يصير محرماً تثبت في حقه أحكام المحرمين، لكن الأفضل الإحرام من الميقات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من الميقات وتبعهم أهل العلم على ذلك، ولا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل ].
وفي الحقيقة أن هذه الكلمة تحتاج إلى ضبط منا، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل، إذاً: فكيف كان حج النبي صلى الله عليه وسلم؟
حج قارناً، وأمر بالتمتع، فأيهما أفضل: التمتع أم القران؟
الجواب: التمتع هو الأفضل؛ لأن التمتع هنا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقوله: (ولا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل) محتاج إلى تحقيق؛ لأنه ربما يفعل الأيسر بالأمة عليه الصلاة والسلام، وهو تمنى أن لو حج متمتعاً فقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) وأمر الصحابة بالتحلل، ولا يأمرهم إلا بالأفضل، ولكنه حج قارناً لأنه ساق الهدي.
قال الشارح: [ وروى الأثرم أن عمران بن حصين أحرم من البصرة فبلغ ذلك عمر فغضب وقال: لا يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من البصرة، وأنكر عثمان على رجل أحرم من خراسان أو كرمان؛ ولأنه تغرير بالإحرام وتعرض لفعل المحظورات، وفيه مشقة على النفس، فكره كالمواصلة في الصيام.
وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، قاله ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير ، ولا خلاف بينهم أن أول أشهر الحج شوال ].
أي: أنهم أجمعوا على أن أول شهر للحج هو شهر شوال.
اللهم اغفر ذنوبنا، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً.
الجواب: قال الشيخ ابن عثيمين لا بأس أن تقولها؛ لأن الله قال: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122] وأنت تصدّق، لكن ليست راتبة، أي: أنك لا تحافظ عليها بحيث إنك كلما قرأت القرآن تقولها، فتقولها أحياناً وتتركها أحياناً، هذا كلام الشيخ ابن عثيمين ، وهو كلام معتبر لا شك.
الجواب: الجماعة الثانية فيها خلاف، والراجح جواز الجماعة الثانية بضوابط، منها: إن كان للمسجد إمام راتب فعلى من يصلي جماعة أن يستأذن الإمام الراتب، وإن لم يكن له إمام راتب كمسجد الطريق فيجوز أن تنشأ فيه جماعة ثانية.
الجواب: لا يجوز البيع في المسجد، وأما الإعلان عن أمر شرعي فيجوز، والبخاري بوب فقال: باب تقاضي الدين في المسجد، وقال: باب تحريم تجارة الخمر في المسجد.
ولا يجوز الإعلان عن محرمات داخل المسجد، كالإعلان عن البنوك الربوية.. ونحو ذلك.
الجواب: لا شيء عليه، ولكنه عاصٍ آثم؛ لأنه فعل المحرم في حال الإحرام، فكثيراً ما تجد من يحرم والسيجارة في فمه، فهذا إحرامه صحيح، وعليه هذا الإثم العظيم؛ لحرمة المكان وحرمة الزمان.
الجواب: يحرم بشعره ثم يحلق بعد أن ينتهي من الإحرام.
الجواب: لا؛ لأن الكفارة هنا على الترتيب، وليست على التخيير.
الجواب: لا، فالزوجة المرضعة عليها أن تقضي متى استطاعت ولو بعد عامين أو ثلاثة.
الجواب: ليس من الابتداع؛ لأن هذه أيام فيها أمر، وكونه صام هذه الأيام في هذا الشهر الكريم لا شيء عليه.
الجواب: لم يثبت في فضل صيامه ولا قيامه حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما فيه موضوع أو ضعيف.
الجواب: المقصود بها اليهود.
الجواب: يمكنكِ أن تأخذي حبوباً تؤخر الحيض إن استطعت، أما إن لم تستطيعي أن تؤخري الحيض فاغتسلي عند الميقات وأحرمي ثم انتظري حتى تطهري لتؤدي العمرة بعد ذلك.
الجواب: اعمل ولا حرج، وليس عليك إثم إن شاء الله تعالى، وفي الحقيقة أنه يجب على الأغنياء في رمضان أن ينظروا إلى الفقراء ويساعدوهم.
الجواب: سب الدين في الصيام يبطله؛ لأنه ردة.
الجواب: بل عليك أن تبدأ من الغد.
نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على الحق، وتقبل الله منا ومنكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر