إسلام ويب

شرح عمدة الأحكام [22]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإسلام دين اليسر والسهولة، ومن ذلك أن الله رخص للمسافر في الجمع بين الصلاتين وقصر الرباعية، إلا أن كثيراً من الناس قد يسيئون استخدام هذه الرخص فيعملون بها في غير محلها، فلذلك كان من الواجب عليهم أن يتعلموا أحكام الجمع والقصر لكثرة الحاجة إليها.

    1.   

    الجمع بين الصلاتين في السفر

    قال المؤلف رحمه الله: [باب الجمع بين الصلاتين في السفر:

    عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء).

    باب قصر الصلاة في السفر:

    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك)].

    هذا يتعلق برخص السفر: الجمع في السفر، والقصر في السفر.

    تعريف السفر وذكر رخصه والحكمة منها

    السفر هو: قطع المسافة التي بين البلاد والبلاد، ولَمَّا كان السفر مظنة المشقة وردت فيه الرخص، ورخص السفر أربع:

    - الفطر لأجل المشقة.

    - والقصر.

    - والجمع.

    - وزيادة توقيت المسح على الخفين.

    فهذه رخص السفر الأربع.

    وسبب ذلك: أن السفر مشقة وصعوبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم لذته وراحته، أو طعامه وشرابه، فإذا قضى نهمته فليتبع الفيئة) يعني: الرجوع.

    فلما كان قطعة من العذاب جاءت السنة بالترخيص فيه، فرخَّص الله تعالى في الإفطار فيه كما سيأتي في الصيام، وجعل سببه اليسر، كما في قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].

    أي: رخَّص لكم ذلك لأجل اليسر والسهولة وصرف العسر والمشقة والصعوبات التي على العباد.

    1.   

    حكم الجمع للنازل

    وقد ترخَّص كثير من الناس وصاروا يجمعون وهم نازلون، وهذا لم يُنقل إلا في حديث لا يثبت، وإلا خاصاً لسبب من الأسباب، وروي حديثٌ لا بأس به (أنه صلى الله عليه وسلم جمع مرة وهو في تبوك، بين الظهرَين وبين العشاءين) أي: وهو نازل في تبوك؛ ولكن تلك المرة يمكن أن يكون له عذر، إما مرض وإما شغل أو نحو ذلك مما له سبب، أما بقية أيامه فإنه كان يقصر ويوقت، وأقام في تبوك عشرين يوماً، يصلي كل فرض في وقته؛ ولكنه كان يقصر.

    وأقام أيضاً في حجة الوداع في الأبطح قبل أن يذهب إلى منى أربعة أيام، يصلي كل صلاة في وقتها، وكذلك أقام في منى أربعة أيام، يصلي كل فرض في وقته، ولم يكن يجمع، إنما كان يقصر الرباعية ركعتين.

    وكذلك في غزوة الفتح أقام في مكة في الأبطح ستة عشر يوماً أو نحوها يقصر الصلاة؛ ولكنه لم يجمع، إنما يصلي كل صلاة في وقتها.

    فنقول: إذا كنتَ نازلاً في بلد، وأنت ممن يُباح له القصر فصلِّ كل وقت في وقته مع القصر، وأما الجمع فإنه -على الصحيح- يختص بمن هو جادٌّ به السير، لا يجمع إلا إذا كان بين البلدين، إذا سار -مثلاً- من الرياض إلى المدينة أو إلى تبوك أو إلى البلاد الخارجية كالشام أو مصر أو ما أشبه ذلك عن طريق البر، فإنه بحاجة إلى أن يجمع ما دام في الطريق.

    إذا عرف -مثلاً- أن الوقوف يتكرر ويقطع عليه وقتاً، فإذا زالت الشمس وقف وصلى الظهر والعصر، ثم واصل سيره إلى أن تغرب الشمس، فينزل فيصلي المغرب والعشاء، ثم يواصل سيره إلى أن يأتي الوقت الذي ينام فيه أو يقف فيه، وهكذا.

    أو إذا زالت الشمس واصل السير إلى أن ينزل لصلاة العصر في الساعة الرابعة أو الثانية والنصف أو ما أشبه ذلك، ثم يصلي هناك الظهر والعصر، أو إذا غربت الشمس وهو سائر واصل السير حتى ينزل في الساعة التاسعة أو العاشرة، ثم إذا نزل صلى المغرب والعشاء في ذلك الوقت نزولاً واحداً وصلى جمعاً واحداً.

    أما إذا كان نازلاً فإنه يوقت، إذا كان مسافراً -مثلاً- إلى بلدة في داخل المملكة أو في خارجها ووصل -مثلاً- إلى تبوك أو إلى نجران أو إلى جيزان -مثلاً- وهو مسافر؛ ولكنه سيقيم يومين أو ثلاثة أيام أو مدة، فله أن يقصر الرباعية ويصليها ركعتين، وليس له أن يجمع بين صلاتين لكونه ليس على ظهر سير.

    الجمع لعذر المطر والمرض ونحوه

    ويجوز الجمع أيضاً لبعض الأعذار، كالجمع للمطر والمرض ونحو ذلك.

    وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بن الظهرَين للمطر، وجمع بين العشاءين للمطر، وسبب ذلك المشقة، وذلك أن المدينة كانت ضيقةً أسواقُها ودحضاً ومزلَّةً وتمتلئ إذا جاء السيل بالوحل وبالطين ونحو ذلك، فيصعب عليهم أن يصلوا إلى المسجد إلا بمشقة، وربما سقط أحدهم بذلك الحمأ المسنون وتلوثت ثيابه، وصعُب عليه أن يخرج منه، فرُخِّص له فجمع الظهرَين مرةً وجمع العشاءين مراراً لسبب المطر.

    وأما حديث ابن عباس : (أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير سفر ولا مطر)، فقيل لـابن عباس : ماذا أراد بذلك؟ فقال: أراد ألَّا يحرج أمته.

    فإن هذا دليل على أن هناك عذراً وحرجاً أراد أن يمحوه.

    فقيل: إنه كان هناك شغل لكثير من صحابته، وقيل: إن هناك مرضاً له أو لغيره، والمرض من الأسباب التي يباح للمريض بها أن يجمع، والمريض يجوز له أن يجمع بين الصلاتين إذا كان يشق عليه أن يذهب إلى دورات المياه لأجل الوضوء كل وقت، وأحب أن يتوضأ للظهرَين وضوءاً واحداً ويصليهما، وللعشاءين وضوءاً واحداً، حتى لا يشق عليه.

    وكذلك إذا كان يشق عليه الجلوس، فإذا أُجْلِس للظهر صلى معها العصر، وإذا أُجلس للمغرب صلى معها العشاء، حتى لا يشق عليه كثرة الجلوس وكثرة الحركة.

    فمثل هذا عذر من الأعذار وهو المرض؛ فيجوز له الجمع.

    وورد أيضاً: الجمع بالنسبة للمرأة التي هي مستحاضة؛ ولكن قال بعضهم: إنه جمع صوري، فالمستحاضة وهي المرأة التي يجري معها الدم ولا ينقطع، أمرت بأن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلاً واحداً تجمع بينهما، وتصلي الظهر في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها؛ ولكن جمع صوري -كما يقولون- وليس معه قصر، إنما هو جمعٌ مع الإتمام.

    فهذه هي الأسباب التي لأجلها يُجمع بين الصلوات.

    أما القصر في السفر فهو أيضاً من الرخص التي ذكر العلماء أنه يترخص بها إذا وُجد سببها.

    وبكل حال فهو من الأسباب التي يشرع للإنسان القصر فيها، فيعرف أن الإسلام دين السهولة واليُسر، وأنه جاء بما فيه السهولة ونهى عن الصعوبات ونحوها.

    ومفاد هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر قَصَر الرباعية ركعتين؛ لأن الله تعالى رخص له في ذلك بقوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101]، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنها رخصة من الله تعالى وصدقة لقوله: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756475337