إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [38]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قد لا يستطيع الإنسان قضاء حوائجه كلها بنفسه، فأجازت له الشريعة أن يوكل غيره في البيع أو الشراء أو الخصام، أو في قبض ديونه ونحو ذلك، فيقوم الوكيل مقام موكله فيما وكله فيه، وللوكالة أحكام بينها الفقهاء.

    1.   

    الوكالة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وتصح الوكالة بكل قول يدل على إذن، وقبولها بكل قول أو فعل دالٍ عليه، وشرط كونهما جائزي التصرف، ومن له تصرف في شيء فله توكل وتوكيل فيه، وتصح في كل حق آدمي، لا ظهار ولعان وأيمان، وفي كل حق لله تدخله النيابة، وهي وشركة ومضاربة ومساقاة ومزارعة ووديعة وجعالة، عقود جائزة لكل فسخها، ولا يصح بلا إذن بيع وكيل لنفسه، ولا شراؤه منها لموكله، وولده ووالده ومكاتبه كنفسه، وإن باع بدون ثمن مثلٍ أو اشترى بأكثر منه صح، وضمن زيادة أو نقصاً، ووكيل مبيع يسلمه ولا يقبض ثمنه إلا بقرينة، ويسلم وكيل الشراء الثمن، ووكيل خصومة لا يقبض، وقبض يخاصم، والوكيل أمينٌ لا يضمن إلا بتعدٍ أو تفريط، ويقبل قوله في نفيهما وهلاك بيمينه كدعوى متبرع رد العين أو ثمنها لموكل، لا لورثته إلا ببينة.

    فصل: والشركة خمسة أضرب:

    شركة عنان: وهي أن يحضر كل واحد من عدد جائز التصرف من ماله نقداً معلوماً؛ ليعمل فيه كلٌ على أن له من الربح جزءاً مشاعاً معلوماً.

    الثاني: المضاربة: وهي دفع مال معين معلوم لمن يتجر فيه بجزء معلوم مشاعٍ من ربحه، وإن ضارب لآخر فأضر الأول حرم، ورد حصته في الشركة، وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد تصرف أو خسر جبر من ربح قبل قسمة].

    الفصل الأول: يتعلق بالوكالة.

    والفصل الثاني: يتعلق بالشركة.

    تعريف الوكالة وحكمة مشروعيتها

    الوكالة: مشتقة من وكلت الشيء إلى فلانٍ يعني: فوضته إليه، ويعرفونها اصطلاحاً: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.

    فقولهم: (استنابة) يعني: إقامة آخر مقامه، وصريحها أن يقول: وكلتك، أو أنبتك، أو فوضت إليك، أو قم مقامي في كذا.

    وسبب شرعيتها أن الإنسان قد لا يقدر على قضاء حوائجه كلها بنفسه، فجاز له أن يوكل غيره، فيوكله ليبيع سلعته، ويوكله ليشتري له سلعةً، ويوكله ليخاصم في دين له أو حق، ويوكل لقبض ديونه أو جمعها، فيقوم الوكيل مقامه فيما وكله فيه.

    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوكل بعض أصحابه لقبض الزكوات وهم العمال، وكذلك ورد أنه قال: (ائت وكيلي بخيبر ليعطيك وسقاً من التمر، فإن طلب منك آية فضع يدك على ترقوته)، فلم يكن هناك وثائق ولا أختام، فكأنه قال: من جاءك يطلب من التمر زاعماً أني أرسلته، فلا تعطه حتى يضع يده على ترقوتك، وهو العظم الذي بين النحر والكتف، فهذا دليل على أنه كان يوكل أصحابه لجمع الزكوات، ويفرقونها بإذنه.

    وكذلك روي (أنه وكل عروة البارقي أن يشتري له شاةً بدينار ، فاشترى له شاتين بدينار، وباع إحداهما بدينار، وجاءه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة، فكان لو اشترى التراب لربح فيه)، وفي حديث زيد بن خالد وأبي هريرة في قصة العسيف أنه قال: (اغد -يا أنيس - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، فوكله في إثبات هذا الحد، ووكله في إقامته، وهذا يدل على أن هذا كله جائز.

    ومن المعلوم أن هذه المملكة تحت ولاية الملك، وهو لا يستطيع أن يباشر كل الأعمال بيده، فوكلاؤه يعتبرون نوابه، فالوزراء وكلاء، وقد وكلوا في كل دائرة من يقوم بها، فهذا موكل في هذا النوع من المعاملات، وهذا موكل بالصرف لكذا وكذا، وهذا موكل بالقبض من كذا وكذا، وهؤلاء القضاة موكلون في إثبات الخصومات، وكذلك المنفذون موكَلون بتنفيذ الحدود، وبتنفيذ الأحكام القضائية وأشباه ذلك، هذا من حيث العموم.

    أما من حيث الخصوص، فإن كلاً منا قد يكون محتاجاً إلى الوكالة، فأنت مثلاً تحتاج إلى شراء وأنت منشغل، فتوكل من يشتري لك ثوباً أو كيساً أو نحو ذلك، أو توكل من يبيع شاتك أو يبيع دارك، أو ما أشبه ذلك، ويقوم هذا الوكيل مقام الموكل، ولا شك أن هذا ونحوه دليل مشروعية الوكالة، وأن الناس بحاجة إليها، لا يستغنون عن أن يوكل أحدهم صاحبه في قضاء حاجته.

    وقد عرفنا أن الوكالة: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.

    ما تنعقد به الوكالة من الألفاظ

    شروط الوكالة:

    أولاً: هل يشترط لها صيغة؟

    يقول: (تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن) فإذا قال: وكلتك، فوضت إليك، أنبتك، أنت نائب عني، أنت تقوم مقامي، اذهب فبع هذه السلعة، اذهب فاشتر لنا كيساً؛ هذه كلها صيغ تدل على الإذن.

    وهل يشترط للقبول عبارة؟

    لا يشترط، فلو قال: إن شاء الله، أو سأفعل، أو حباً وكرامة، أو أهلاً وسهلاً، أو قبلت منك هذا التوكيل، جاز ذلك كله، فلا حاجة إلى أن يحدد كلمة خاصة يقول فيها: قبلت، أو ما أشبه ذلك، فيصح قبولها بكل قول أو فعل يدل على القبول، لو قلت له: بع هذا الكيس، فسكت، ولكنه حمله على سيارته ودخل به السوق وباعه؛ صح.

    وإذا قلت له: اذهب فاقبض ديني من زيد، فسكت، وذهب وقال لزيد: أنا وكيل في قبض الدين الذي عندك، صح ذلك، ويكون هذا دالاً على القبول.

    قوله: (شرط كونهما جائزي التصرف).

    الذي لا يجوز تصرفه مثل المملوك، فليس له التصرف في نفسه ولا في غيره، لكن يجوز لسيده أن يوكله، وكذلك السفيه لا يستحق تصرفه في ماله كما تقدم، فلا يصح توكيله، ولا يصلح توكله، وكذلك الصغير، وكذلك المجنون، فكونهما جائزي التصرف يخرج هؤلاء الأربعة: المملوك، والصغير، والمجنون، والسفيه، فإن هؤلاء لا يصح لأحدهم أن يوكل، ولا يصلح أن يكون وكيلاً، فلا يتوكل ولا يوكل؛ لأنهم لا تصرف لهم في أموالهم، فكذا في غير أموالهم.

    واصطلح الفقهاء على أن المالك يسمى موكلاً، وأما النائب فيسمى وكيلاً، ولا يقال (موكَّل)؛ لأنها قد تشتبه في الكتابة (موكَّل وموكِّل)، فإذا رأيت كلمة (م وك ل) فاقرأها موكِّل ولا تقرأها موكَّل؛ لأن الموكَّل عبروا عنه بالوكيل، وهو الذي ورد في القرآن: وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [النساء:81]، فالوكيل: هو النائب عن غيره.

    ما يصح التوكيل فيه

    يصح التوكيل في كل شيء يصح التصرف فيه، يقول المؤلف: ( من له التصرف في شيء فله توكُّل وتوكيلٌ فيه)، كل شيء يصح تصرفه فيه فإنه يصح أن يكون وكيلاً أو يكون موكِّلاً، فمعلوم أن الإنسان يتصرف في ماله: فيبيع منه، ويهب، ويشتري، ويتصدق، ويسدد، وإذا كان كذلك فله أن يوكِّل، فيقول: وكلتك يا زيد! أن تكتب وثيقة بيتي الفلاني عند القاضي، وكلتك أن تبيع هذه الأرض التي هي ملكي، أو هذه السلعة، وكلتك أن تتصدق من مالي بألف ريال، وكلتك أن تعطي فلاناً أو تهدي إلى فلان شاة، فأنت تتصرف في مالك فلك أن توكل فيه.

    ويدخل في ذلك العقود، فيصح للزوج أن يوكل، وكذلك الولي، فإذا كان الزوج بعيداً أرسل لك وكالة وقال: أنت وكيلي في تزوج بنت فلان، فتحضر أنت، فيقول ولي البنت: زوجت موكِّلك فلاناً ابنتي، فتقول: قبلتها لموكلي فلان، يصح ذلك، وهكذا أيضاً الولي يوكلك مثلاً فتقول للزوج: زوجتك بنت موكلي فلانة بنت فلان، فيقول: قبلتها.

    وقد يوكلان معاً، يوكل الزوج ويوكل الولي، فيقول وكيل الزوج لوكيل الولي: زوجت موكلك فلاناً فلانة بنت موكلي فلان، فيقول وكيل الزوج: قبلت زواج فلانة لموكلي فلان.

    ويصح أيضاً في الطلاق، فيوكلك في طلاق امرأته فتقول: اشهد يا فلان ويا فلان أني طلقت فلانة بوكالة زوجها لي، حيث وكلني على طلاقها، وهكذا المخاصمات، والناس الآن يوكلون من يسمى المحامي، فهذا المحامي وكيل عن فلان، فيأخذ ما عند موكله من الحجج ثم يحتج عند القاضي ويقول: حجتي التي أحتج بها لموكلي كذا وكذا، وموكلي عنده من البينات كذا وكذا ، فهذا وكيلٌ أيضاً في الخصومة.

    فالحاصل أن الوكالة تصح في كل شيء يملك التصرف فيه، وتصح في كل حقوق الآدميين من الأموال والعقود والفسوخ، فيوكل في البيع، ويوكل في الشراء، ويوكل في القبض، ويوكل في الخصومات، وما أشبه ذلك.

    ما لا يصح التوكيل فيه

    استثنوا ما لا يصح التوكيل فيه فقال المؤلف: (لا ظهار ولعان وأيمان)، فهذه لا يصح التوكيل فيها، فلا يصح أن يقول: وكلت من يظاهر من امرأتي، تقول: يا فلانة! أنتِ على فلان كظهر أمه، وذلك لأن الظهار حرام قال الله تعالى الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً [المجادلة:2] وما كان منكراً وزوراً فلا تتوكل فيه، وإذا وكلك وقال: اذهب إلى امرأتي وقل: إن فلاناً يقول: أنتِ علي كظهر أمي، تقول: لا أقول هذا، ولا أفعله؛ لأن الله سماه منكراً وزوراً، فلا أتوكل في منكر، ولا أتوكل في زور.

    وكذلك اللعان، لا يصح التوكيل فيه، لأنه يقترن به شهادات وأيمان ودعاء، واللعان ذكره الله تعالى في القرآن، ونسبه إلى الزوجين فقال: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ [النور:6-7] فلا يصح التوكيل فيه، لا يقول: يا فلان! اذهب فاشهد عني، والعن نفسك عني؛ لأن الزوج يقول: أشهد بالله أن امرأتي هذه زانية، وإني لمن الصادقين، أربع مرات، وكذلك المرأة تقول: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، ثم تقول: غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فلا يجوز أن يكون موكلاً في اللعن ولا في الغضب؛ لأن هذا دعاء على النفس، ولا يقول مثلاً: لعنة الله على فلان إن كان من الكاذبين، فهذا شيء يتعلق بما في الضمير، فلا يجوز التوكل فيه.

    وكذلك الأيمان لا يجوز التوكل فيها، فلا يقول إذا توجهت إليه يمين في خصومة: يا فلان! وكلتك أن تحلف عني؛ لأن الحلف فيه استحضار عظمة المحلوف به، فالذي يحلف بالله أو بصفة من صفات الله يستحضر عظمة الله، فيحمله هذا الاستحضار على أن يعترف بالحق، وألا يتجرأ على الحلف كاذباً، ويستحضر أنه إذا حلف كاذباً فإن عليه عقوبة شديدة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين صبر هو فيها كاذبٌ لقي الله وهو عليه غضبان).

    حكم التوكيل في العبادات

    فالحاصل أن اليمين لا تدخلها النيابة، ولا يحلف أحد عن أحد.

    يقول: (وفي كل حق لله تدخله النيابة) أي: من العبادات ما تدخله النيابة، فيجوز التوكيل فيه، فتوكله أن يفرق كفارة النذر أو كفارة اليمين، وتقول: يا فلان! عليّ كفارة يمين إطعام عشرة مساكين، فخذ هذه الدراهم لتشتري طعاماً وتطعمهم، فيجوز هذا، وكذلك مثلاً تعطيه زكاة مالك ليفرقها، فتقول: وكلتك أن تفرق هذه الزكاة على المساكين الذين تعرفهم، وتعرف استحقاقهم، فهذه من العبادات المالية التي يصح التوكيل فيها.

    ومن العبادات التي يصح التوكيل فيها الحج والعمرة خاصة، فقد وردت الإنابة فيهما، فيجوز أن يوكل العاجز ويقول: يا فلان خذ هذه النفقة وحج عني أو حج عن أبي الميت، أو وكلتك أن تحج عني أو عن أبي، أو تعتمر وتجعل عمرتك عن أبي أو عن أخي، وتعطيه نفقته.

    فهذه العبادات يصح التوكيل فيها، وأما بقية العبادات فلا يصح أن يوكل فيها.

    ذكر لي بعض الإخوان الغيورين أنه مر على بعض الشباب المتهاونين فقال لهم: اذهبوا إلى المسجد وأدوا الصلاة مع الجماعة، فقالوا: أنت بالنيابة، يعني: كأنهم يقولون: صل عنا، وهذا من الاستهزاء، ولا شك أن الصلاة عبادة بدنية لا يصح التوكيل فيها، ولا يصح أن يصلي أحد عن أحد؛ لأنها عبادة تتعلق بالبدن، ولا تسقط عن الإنسان إلا إذا أداها بنفسه.

    وكذلك الصيام عبادة بدنية، وقد رأيت إنساناً كبيراً لعله مسافر، شرب من الماء والناس ينظرون، فأنكر عليه بعضهم وقال: هذا ما صام! فقال: أنت تصوم عني، ويظهر أنه أراد بذلك الاعتذار، ولو قال: إنني مسافر كان أقرب إلى عذره، مع أن المسافر إذا كان في البلد لا يحل له أن يُظهر الأكل أمام الناس، فعليه أن يمسك ولا يأكل ولا يشرب إلا في خفية؛ لأن الناس يستنكرون أكله أو شربه في رمضان علناً، وعلى كل حال فالعبادات البدنية لا يجوز التوكل فيها.

    الوكالة عقد جائز ومثلها الشركة والمساقاة والمزارعة

    وحكم الوكالة أنها عقد جائز، فيجوز للوكيل أن يخلع وكالته، ويقول: وكلني فلان على بيع سلعته، واشهدوا أني لا أريد هذه الوكالة، وكلني على قبض دينه مثلاً أو على قبض مكافأة، واشهدوا أني لا أقبضها، فليوكل غيري، فيجوز للوكيل أن يعزل نفسه متى أراد، وكذلك الموكل يجوز أن يعزل وكيله.

    وقد تكون الوكالة محددة، ففي بعض الأعمال قد يقول الموكل: يا فلان! أنت وكيلٌ على سقي هذه الأغنام أو سقي هذه الأشجار حتى يأتي زيد من سفره، فإذا جاء بطل توكيلك، أو أنت وكيلٌ على أولادي تنفق عليهم من أموالهم إلى أن يبلغ الكبير منهم الحلم ويكون رشيداً فتنفسخ وكالتك، فهذه تكون وكالةٌ مؤقتة، فإذا قدم زيد انفسخت وصار هو الوكيل، أو إذا بلغ فلان ورشد فهو الوكيل وتنفسخ وكالته، وقد يوكل الموصي أخاه ويقول: حتى يبلغ ابني ويرشد.

    فالوكالة عقد جائز، فيصح للوكيل أن يخلع نفسه، ويصح أن يخلعه الموكل، ثم لو تصرف قبل أن يبلغه الخلع فإن تصرفه نافذ، فلو وكله ليطلق امرأته، ولما وكله ذهب الوكيل إلى المحكمة وقال: هذه وكالة لي من فلان بطلاق امرأته. ولكن ندم الموكل فقال: اشهدوا أني خلعته عن هذه الوكالة، ولم يعلم الوكيل بالخلع حتى ذهب إلى القاضي، وأصدر القاضي صكاً بالطلاق قبل أن يبلغه الخبر بأنه مخلوع، ففي هذه الحال لا شك أنه ينفذ الطلاق؛ لأنه ما بلغه خبر العزل إلا بعدما كتب الطلاق.

    وهكذا يقال في البيع، لو قال مثلاً: وكلتك في بيع بيتي مثلاً بخمسمائة. ثم ندم وقال: من لقي فلاناً فليخبره أني قد عزلته، ولم يلقه أحد ألا بعد البيع وقبض الثمن وكتابة الوثيقة، فإنه ينفذ البيع؛ لأنه تصرف وهو مفوض وموكل.

    وشركة العنان وشركة المضاربة كلاهما عقد جائز، يعني: يتمكن أحد الشريكين أن يحل الشركة وأن يطلب القسمة، وكذلك المساقاة والمزارعة، والمساقاة هي أن يقول: اسق هذا النخل سنة بنصف الثمر أو بربعه. فيصح أن يبطل العقد قبل أن يثمر النخل، ويعطيه أجرة مثله.

    والمزارعة أن يقول: ازرع هذه الأرض ولك نصف الزرع، فيصح أن يخلعه ثم يعطيه أجرة ما أنفقه، وكذلك الوديعة؛ إذا أودع عندك إنسان مثلاً ألف ريال فإنه يصح أن يأخذها بعد ساعة أو بعد يوم.

    وكذلك الجعالة، فإذا قال: من بنى هذا الجدار فله مائةٌ، فله أن يقول: رجعت عن ذلك؛ وذلك لأنه لم يتفق مع واحد، وهذه كلها عقود جائزة، ولكل واحد فسخها.

    لا يصح للوكيل أن يبيع على نفسه أو أقاربه أو يشتري لهم

    قال المصنف رحمه الله: (ولا يصح بلا إذن بيع وكيل لنفسه، ولا شراؤه منها لموكله، وولده ووالده ومكاتبه كنفسه)

    صورة ذلك إذا قال: وكلتك أن تبيع هذه الدار أو هذه السيارة أو هذا الكيس أو هذه الشاة. ومعنى ذلك: أنك تدخل بها السوق، وتنظر من يشتري هذه الشاة أو هذا البعير أو هذا الكيس، فهل تقول: أنا أولى به وسأشتريه لنفسي؟ لا يجوز؛ لأنك متهم بالتساهل، فقد يقال: اشتراه لنفسه برخص، ولو أنه دخل به السوق أو صبر عليه لباعه بأكثر.

    وهكذا إذا بعته على ولدك أو على والدك أو على مكاتبك؛ لأن المكاتب الذي اشترى نفسه من سيده بثمن مؤجل، لا يزال عبداً ما بقي عليه درهم، فلا يصح للوكيل أن يشتري الشاة لنفسه، بل يبيعها لغيره، وإذا وكلك أن تبيع هذه السيارة فلا تبعها على نفسك أو ما أشبه ذلك مخافة التهمة.

    وهكذا الشراء لا يجوز أيضاً، فإذا قال: وكلتك أن تشتري لي كيس بر أو أرز فلا تقل: عندي أكياس وسأشتري له من نفسي إلا إذا كان هناك دلالة تدل على الإذن أو قرينة بأن قال مثلاً: بعني من نفسك أو بصفتك تاجراً فبعني كيساً أو ثوباً أو شاة من غنمك. فمثل هذا يعتبر قرينة، فأما إذا سكت وقال: اشتر لي كيس تمر أو سيارة صفتها كذا وكذا، أو اشتر لي ثوباً أو شاةً، فلا تشتر ذلك من نفسك ولا من أبيك ولا من أبنك ولا من مكاتبك؛ لأنك قد تزيد في الثمن، فقد يكون الكيس مثلاً بمائة، فتحسبه عليه بمائة وخمسة، أو نحو ذلك، فيدخله الشك.

    فالحاصل أن الوكيل لا يشتري من نفسه، ولا يبيع على نفسه، وولده مثله، وأبوه مثله، ومكاتبه مثله.

    يقول هنا: (وإن باع بدون ثمن مثلٍ أو اشترى بأكثر منه صح وضمن زيادةً أو نقصاً) صورة ذلك: إذا قال مثلاً: بع هذه الشاة في السوق، فتساهلت وبعتها مثلاً بمائتين، ومثلها يساوي مائتين وخمسين لو صبرت، لكنك بعتها في أدنى السوق، أو بعتها لأول من سامها، فالبيع صحيح، ولكن تضمن النقص؛ لأنها تساوي مائتين وخمسين وأنت بعتها بمائتين.

    وكذلك إذا وكلك أن تشتري له شاة، والغنم التي تماثلها تساوي مائتين، ولكنك اشتريت من أدناهم وبدون مراجعة بمائتين وخمسين، فهذا دليل على أنك تريد الحظ لذلك البائع، أو أنك متساهل، فعليك أن تدفع هذه الزيادة، فيقول لك: الناس يشترون بمائتين، فأنا لا أدفع إلا مائتين، والخمسون الزائدة تكون عليك؛ لأنك تساهلت.

    وهذا يفيد أن الوكيل عليه أن يجتهد في النصح لموكله سواءً كان بأجرة أو بدون أجرة، ومعلوم أنه إذا قال لك: بع الشاة ولك اثنين في المائة من ثمنها، فإنك سوف تحرص على أن تزيد في الثمن حتى تبيعها بأربعمائة مثلاً، فتكون أجرتك ثمانية مثلاً، وإذا بعتها بثلاثمائة مثلاً فلا يحصل لك إلا ستة.

    وهكذا إذا قال: وكلتك أن تشتري لي شاة، ولك أجرةٌ عشرة ريال أو نحو ذلك، فإنك مأمور أن تنصح له، وأن تجتهد في شراء الرخيص، وألا تشتري بثمن مرتفع حتى لا تضره؛ لأنك وكيل وأمين.

    فالحاصل أن الوكيل إذا تساهل واشترى غالياً صح الشراء وضمن الزيادة، وإن تساهل وباع رخيصاً صح البيع وضمن النقص.

    حكم القبض للثمن من الوكيل

    قال المصنف رحمه الله: (وكيل بيع يسلمه، ولا يقبض ثمن إلا بقرينة) إذا قال مثلاً: وكلتك أن تبيع هذه الدار، أو هذه الأرض فأنت وكيل على البيع، تسلم وثائق الأرض، ومفاتيح الدار، وأما الثمن فقد لا يأمنك عليه، فلا تقبض الثمن إلا إذا كانت هناك قرينة، إذا قال مثلاً: بع هذه الغنم في هذا السوق. فإنه يأتيك أعرابي ويأتيك حضريٌ ويأتيك جاهلٌ ويأتيك عارف، وتبيع على هذا شاةً وعلى هذا شاتين، فليس لك أن تترك الثمن في هذا الحال، بل تقبض الثمن؛ لأنك لو لم تقبضه لذهب عليه؛ لأنه لا يعرف هؤلاء الذين يشترون، فهذه قرينة تدل على أن الوكيل يقبض الثمن.

    فالحاصل أن الوكيل يكون على تسليم المبيع لا على قبض الثمن، وبالأخص إذا كان المشتري معروفاً، إذا قال: وكلتك أن تبيع هذه الشاة على زيد أو تبيع هذا البعير على عمرو أو تبيع هذا البيت على خالد فلا تقبض الثمن، وإنما تسلم المبيع، وأما إذا قال: بعه في السوق فإنك تقبض الثمن.

    أما الوكيل في الشراء فإنه يسلم الثمن؛ وذلك لأنه لا يوكلك أحد لتشتري له إلا بثمن، إلا إذا كان الشراء من إنسان يعرفه، فتذهب إلى التاجر وتقول: إن فلاناً وكلني أن أشتري له منك خمسة أكياس أو خمسة أثواب، ولم يعطني الثمن. فيقول: أهلاً وسهلاً، فلان معروف عندي، فلا حاجة إلى تسليم الثمن مقدماً، فيعطيك السلع كالثياب ونحوها، ولك أن تقول: الثمن يدفعه إليك موكلي.

    أما إذا أعطاك الثمن وقال: خذ هذه المائة لتشتري لي بها كيساً أو ثياباً، فإنك تسلم الثمن، وتقبض السلع التي اشتريت.

    وكيل الخصومة لا يقبض

    قال المصنف رحمه الله: (ووكيل الخصومة لا يقبض، وقبض يخاصِم):

    الوكيل في الخصومة مثل أن تقول للمحامي: وكلتك أن تخلص ديني الذي هو عشرة آلاف، فهذا توكيل على الخصومة، فيخاصم إلى أن يثبت الحق، فأما قبض الدين فلا يقبضه إلا إذا وكل على ذلك، كما إذا قال له: بعد أن تخاصم ويثبت الحق فأنت وكيل على القبض. والمحامي يأتي بالبينات وبالوثائق وبالقرائن إلى القاضي، فإذا ثبت الحق واعترف به الخصم ولم يكن له عذر، فلا يقبض المحامي منه شيئاً، بل صاحبه هو الذي يقبضه؛ لأنه قد لا يأمن عليه أحداً، فوكيل الخصومة يخاصم ولا يقبض.

    وأما وكيل القبض فله أن يخاصم، إذا قال مثلاً: وكلتك أن تقبض ديني من زيد، فجئت إلى زيد وقلت: أنا وكيل من فلان. فامتنع أن يسلم لك، فإنك تخاصمه، وترفع أمره إلى القاضي، وتطلب منه أن يحكم عليه، وتقول: إن فلاناً أعطاني وكالةً أن أقبض دينه من هذا الرجل، وهذا الرجل امتنع أن يعطيني، فاحكم عليه، ففي هذا الحال يخاصم ويقبض.

    الوكيل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط

    قال المصنف رحمه الله: يقول: (والوكيل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط):

    الوكيل مأمون على المال الذي دفع إليه، فلو أعطيته مائةً يشتري لك بها، ثم سرقت منه أو تلفت فلا يضمن؛ لأنه أمين، وكذلك لو وكلته أن يبيع شاة، فقبض الثمن ثم سرق منه، فإنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، والتعدي مثل أن يلبس الثوب فيتخرق فإنه يضمن، والتفريط مثل أن يهمل الشاة التي وكل أن يبيعها أو يحفظها فسرقت فإنه يضمن، هذا التعدي والتفريط.

    قوله: (ويقبل قوله في نفيهما وهلاك مع يمينه) فيحلف أنه ما فرط أو ما تعدى، ويقبل قوله مع يمينه في الهلاك، إذا قال مثلاً: احترق الثوب.. ماتت الشاة.. هلك البعير، خربت السيارة.

    قال المصنف رحمه الله: (كدعوى متبرع رد العين أو ثمنها لموكل لا لورثته إلا ببينة):

    المتبرع هو الذي تبرع بحفظ هذه الشاة، فادعى أنه ردها إلى صاحبها فإنه أو رد ثمنها إلى صاحبها، يقبل قوله بيمينه، أما إذا ادعى أنه ردها إلى الورثة فلا يقبل إلا ببينة، فإذا قال: أعطيتك ثمن الشاة الذي وكلتني فيه. فأنكر صاحب الشاة، حلف الوكيل أنه أعطاه وسلم، وأما إذا قال: أعطيتكم يا ورثة! ثمن الشاة التي وكلني بها أبوكم. فلا يقبل إلا ببينة.

    1.   

    الشركة

    الشركة مشتقة من الاشتراك الذي هو الاجتماع، ويعرفونها بأنها: اجتماع في استحقاق أو تصرف، هذا تعريف الشركة من حيث العموم، وذكر أنها خمسة أضرب.

    شركة العنان

    سميت شركة العنان لتساويهما من حيث التصرف ومن حيث رأس المال، مثل المتسابقين على فرسين، فعادة المتسابقين على الخيل أن يمسك كل واحد منهما بعنان فرسه، فإذا تساويا تساوت أعنتهما، فسميت شركة العنان لذلك، وهي أن يحضر كل واحد جائز التصرف من ماله نقداً معلوماً يعمل فيه كل واحد منهم على أن له من الربح جزءاً مشاعاً معلوماً، فهذه شركة العنان.

    وهي تصح بين اثنين وبين ثلاثة وبين أربعة إلى عشرة إلى مائة أو أكثر أو أقل، وإذا كانوا كلهم يشتغلون في الشركة فيكون الربح بينهم على قدر النسبة التي يعملونها، وإذا كان العامل واحداً أو العامل غيرهما فالربح على ما يشترط، فلو دفع هذا مائة ألف، وهذا خمسين ألفاً، ولكن صاحب الخمسين يعمل في هذه التجارة عشر ساعات، وصاحب المائة يعمل خمس ساعات، واتفقوا على أن الربح بينهما نصفان، مع أن رأس مال أحدهما أكثر؛ جاز ذلك، ويكون الربح بينهما نصفين، وهذه الشركة كما هو مشاهد: شركة في تجارة، فيجمعون رأس المال ثم يشترون السلع الصغيرة أو الكبيرة ثم يبيعون ويربحون، وهذه السلع قد تكون صغيرة مثل الكئوس والخردوات والإبر والسكاكين والملاعق وما أشبهها، أو كبيرة مثل السيارات أو الماكينات أو الثلاجات أو ما أشبه ذلك، يبيعون مثل هذا، ويشتركون في الربح على ما شرطاه، فهذه الشركة صحيحة.

    كذلك شركة المزارعة: إذا دفع هذا مائة ألف وهذا مائة، وهذا مائة، وأحيوا أرضاً أو اشتروها واشتروا ماكنات، واشتروا مضخات ورشاشات وحصادات وأدوات، ففي هذه الحال إذا زرعوا فإن الزرع يكون بينهم على قدر ما يشترطونه.

    كذلك أيضاً الشركة المعمارية، إذا اشتركوا على أن يشتروا أدوات العمارة، ثم يكون الربح على ما يتفقون عليه.

    فالحاصل أن شركة العنان فيما إذا أحضر كل واحد منهم رأس ماله، هذا مائة ألف، وهذا خمسين، وهذا عشرين، واتفقوا على أن يتجروا فيها، هذا يعمل أكثر، وهذا يعمل أقل، فلا بد أن يكون كل واحد منهم جائز التصرف، فهذه شركة صحيحة، ولا يدخل فيها من كان سفيهاً أو مجنوناً أو صغيراً أو محجوراً عليه، ويكون رأس المال من النقود المعلومة، هذا يحضر مثلاً مائة ألف ريال سعودي، وهذا مثله، ويجوز أن تكون نقوداً غير سعودية، هذا يحضر خمسين ألف دولار وهذا عشرين ألف دولار، وما أشبه ذلك، فيعمل به كل منهما على أن يكون الربح بينهما، ولكن لكل واحد منهما جزء مشاع معلوم، فيقول: لي نصف الربح، ولك نصفه، أو لي ثلثه ولك ثلثاه؛ بصفتك أكثر مالاً، أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز أن يشترط لأحدهما شيء معين فلا يقول لك في كل شهر مائة؛ لأنهما قد لا يربحان إلا هذه المائة، أو يقول لك ربح هذا الشهر ولي ربح الذي بعده، لا يجوز ذلك.

    شركة المضاربة

    الضرب الثاني من الشركة: شركة المضاربة: وهي مشتقة من الضرب في الأرض، وهو السفر قال تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ [النساء:101] يعني: سافرتم، وقال تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20] وسميت بذلك؛ لأن الغالب في التجار أن يسافر أحدهم لأجل التجارة، فيستجلب سلعاً رخيصةً ثم يحملها فيبيعها في البلد الثاني بثمن أرفع، فيربح في ذلك، فيكون له جزء من الربح، ولصاحب المال جزء من الربح.

    وتعريفها: دفع مال معين معلوم لمن يتجر فيه بجزء معلوم مشاع من ربحه، وفي هذه الشركة يكون رأس المال من واحد والتصرف من واحد؛ وذلك لأنك قد تكون محسناً للتجارة قادراً على أن تشتري وعلى أن تبيع، وتعرف كيف يكون الربح، ولكن ليس عندك رأس مال، فتأتي إلى أحد التجار الذين عندهم أموال كثيرة زائدة عن تصرفهم، فتتفق معه على أن يعطيك مائة ألف مثلاً، على أن تتجر فيها، فيكون منك الاتجار والبيع والشراء، ومنه رأس المال، والربح بينكما، يكون نصفين أو أثلاثاً أو أرباعاً، على حسب ما تتفقان عليه.

    وهذا مما يحصل به التنمية للأموال، فإن كثيراً من الناس عندهم أموال مرصودة ولا يحتاجون إليها للتصرف، وآخرون لا يجدون مالاً يتصرفون فيه، فيكون من هذا الاتجار، ومن هذا رأس المال، فيحصل لهذا ربح ولهذا ربح، ولا شك أن هذا جائز، ويسمى قراضاً، فكأنهم أقرضوه يعني: أعطوه من المال، وقد عمل بهذا كثير من السلف، وكان حكيم بن حزام إذا أعطى ماله قراضاً لإنسان يشترط عليه فيقول: لا تجعل مالي في كبدٍ رطبة -يعني: لا تشتر به بهائم فإنها قد تموت- ولا تنزل به وادياً -لأنه قد يأتي السيل فيذهب به- ولا تركب به بحراً -مخافة أن يغرق-، فكأنه يشترط عليه شروطاً.

    ويذكر أن عبد الله بن عمر وعبيد الله جاءا مرةً من العراق، وكان أمير العراق قد جمع مالاً كثيراً لبيت المال من الجزية ومن الخراج، فأعطاه عبد الله وعبيد الله وقال: هذا مال لبيت المال، ادفعاه لأبيكما، واشتريا به حنطة. فاشتريا وحملاها على رواحلهما وربحا ربحاً كثيراً، فقال أبوهما عمر رضي الله عنه: أعطياني رأس المال والربح، فإنه ما أعطي كل واحد من الجيش مثلكما، فقال عبيد الله : لو خسرنا لدفعناه كله، ولو تلف لدفعناه، وعبد الله سكت، ثم اتفق بعض الصحابة على أن يجعلوه قراضاً، فأخذ منهم نصف الربح وجعله قراضاً.

    ولابد أن يكون رأس المال معلوماً، حتى إذا انتهت الشركة رد رأس المال إلى صاحبه ويقتسمان الربح، ولابد أن يكون الربح بينهما جزءاً معلوماً مشاعاً، فلا يقول مثلاً: لي ربح السفر إلى الشام، ولك ربح السفر إلى اليمن، بل يقول: في كل سفرةٍ لي نصف الربح ولك نصفه أو لي ثلثه ولك ثلثاه.

    قوله: (وإن ضارب لآخر فأضر بالأول حرم، ورد حصته في الشركة) فمثلاً: لو أعطيته مائة ألف، وهذه المائة تكفيه ليتصرف، ولكن أخذ مائة ألف من تاجر آخر، واتجر بها، فلاشك أن هذه المائة الثانية تقلل من إنتاجه، وتشغله، فيضر بالأول، ففي هذه الحال يرد حصته من المضاربة الثانية في ربح المضارب الأول، ويقسمها مع المضارب الأول؛ لأنك ما أعطيته أولاً إلا وأنت تريد أن يعمل بجهده، وبكل ما يستطيعه، والآن قد صرف بعض جهده للآخر، أما إذا لم يضر فلا حرج؛ لأنه مثلاً قد يقول: أنت أعطيتني عشرة آلاف واشتريت بها ثياباً، والدكان واسع فأخذت من الثاني عشرة آلاف واشتريت بها أحذية، ولا يشغلني بيع الأحذية عن بيع الثياب، فلا حرج عليه والحال هذه.

    قوله: (وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد تصرف أو خسر جبر من الربح قبل القسمة)، فلو أنه عزل رأس المال، وعزل الربح قبل القسمة وقال: سأجعل الربح في ثياب وأجعل رأس المال في أكياس، ثم خسر رأس المال الذي في الأكياس، فإنه يجبر رأس المال من الربح الذي في الثياب.

    1.   

    الأسئلة

    آيات الصفات محكمة من وجه ومتشابهة من وجه آخر

    السؤال: نقرأ في بعض الكتب أن صفات الله جل وعلا من المحكم في القرآن، فهل هذا صحيح أو فيه تفصيل؟

    الجواب: في هذا تفصيل، والتفصيل أن نقول: إن آيات الصفات من المحكم؛ لأن الله تعالى ذكرها بالألفاظ الفصيحة المعلومة التي يفهمها العرب، ويفسرونها ويعرفون مدلولها وما تدل عليه، فتفسر وتترجم وتفهم، فمعانيها الظاهرة المتبادرة ليست من المتشابه، أما كنه الصفة وماهية الصفة وكيفيتها وأي شيء هي، فهذا من المتشابه.

    فمثلاً: الله تعالى ذكر العرش وهو مخلوق، ولكن لا ندري ماهية العرش: هل هو من حديد؟ هل هو من خشب؟ هل هو من بخار؟ هل هو من تراب؟ هل هو من طين؟ ما أخبرنا الله تعالى بشيء من ذلك، فلا يجوز لنا أن نخوض في ذلك.

    والعرش لا شك أنه سرير عظيم خلقه الله تعالى واستوى عليه، وهذا مخلوق لا نقدر أن نعرف ماهيته، ومن أي شيء هو، فمن باب أولى ما يتعلق بالصفات، وقد اشتهر أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أخبرنا عن ربك -يا محمد!- أهو من ذهب أم من فضة أم من جوهر؟ وهذا تكلف، فنقول: نثبت لله تعالى ذاتاً، ولكن كيفية الذات وماهيتها نتوقف في ذلك، ويكون هذا من المتشابه، هذا هو القول في صفات الله تعالى.

    لا مجاز في اللغة ولا في القرآن

    السؤال: ونقرأ في بعض الكتب أن في القرآن مجازاً، فهل في المسألة خلاف؟ وما هو الراجح؟ وهل في ذلك خطر على العقيدة؟

    الجواب: اشتهر عند الأصوليين والمتكلمين أن كلام العرب ينقسم إلى حقيقة ومجاز، ولا تخلو كتب الأصول من تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، ثم توسعوا في المجاز فحملوا آيات الصفات على المجاز، فقالوا: يد الله مجاز عن قدرته، واستواؤه مجاز عن ملكه، وعرشه مجاز عن الملك، وما أشبه ذلك، فتوصلوا بإثبات المجاز إلى نفي حقائق الصفات، وخالف في ذلك كثير من المحققين، وتكلم عن ذلك ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة، وكذلك قبله شيخه شيخ الإسلام ، وقالا: إن كلام العرب كله حقيقة، وإن القرآن كله حقيقة، وليس فيه مجاز؛ لأن المجاز هو الذي يصح نفيه؛ فلذلك نختار ما اختاره ابن القيم ، أنه ليس في القرآن مجاز، وأنه ليس في اللغة مجاز، هذا هو الذي يختار حتى لا يتوصل بإثبات المجاز إلى نفي الصفات، وإبطال دلالاتها، وإبطال معانيها.

    حرمة المحاماة عن المجرمين

    السؤال: يقول: هل يجوز ما يفعله بعض المحامين من الدفاع عن بعض الناس، ولو كان هؤلاء الناس مجرمين، والمحامون يعرفون ذلك، ولكن يدافعون عنهم من أجل المال؟

    الجواب: هذا حرام عليهم، فإذا علمت أن هذا مخطئ فحرام عليك أن تتوكل له وتحامي عنه لأجل مصلحة يعطيكها، فإذا علمت أن الدعوى عليه، وأنه ظالم في قضية، وليس له حق، فعليك أن تنصحه وتقول: لا أتوكل لك، فإني أعرف أنك مخطئ أو أنك ظالم.

    جواز شرط عدم فسخ الشركة إلا بعد زمن

    السؤال: إذا اشترط أحد الشركاء عدم فسخ الشركة إلا بعد زمن، فهل يصح هذا؟

    الجواب: لا شك أن ذلك جائز، فإذا خاف أن يفصلها شريكة فيتضرر، فله ذلك، وقد ذكروا أن الشركة عقد جائز ولكل واحد فسخه، لكن المسلمون على شروطهم.

    شراء صاحب الحراج السلعة لنفسه عند المزايدة

    السؤال: هل يجوز للذين يقومون بالتحريج على السيارات أن يشتروا لأنفسهم؟

    الجواب: الصحيح أنه يجوز لهم ذلك إذا سامح الحاضرون كلهم، ولم يزد السعر، وإنما وصل السعر إلى هذا المقدار، وزاد المحرج عليهم، ولم يزد أحد عليه، فلا بأس، فيقول: أنا آخذها بعشرين ألفاً، هل أحد يزيد، فلم يزد أحد فلا بأس، ويكون هو من جملة الزائدين، بخلاف ما إذا وكله ليبيعها فباعها على نفسه.

    تزويج الولي موليته في نفس الوقت الذي زوجها فيه وكيله

    السؤال: إذا وكل شخص شخصاً بتزويج ابنته، ثم قام الموكل بتزويج ابنته لرجل، وقام الوكيل بتزويج نفس البنت لرجل آخر، فأيهما يمضي؟

    الجواب: ذكروا هذا في النكاح، وأولاً نقول: لا بد إذا وكلت على التزويج أن تعين الزوج فتقول: وكلتك أن تزوج فلانة فلاناً، وإذا كنت بعيداً قلت: أنت وكيل على ابنتي أو على ابنة أخي، فإذا جاءك كفء فإنك تزوجه، لكن إذا زوج وليان كأخوين فيقولون: الحق للأسبق، فينظر أيهما أسبق، إما إذا وقعا معاً فإنهما يبطلان، ثم تختار أحدهما.

    توكيل الوكيل لغيره

    السؤال: هل يصح للوكيل أن يوكل غيره؟

    الجواب: ليس للوكيل أن يوكل غيره؛ لأن الموكل ما رضي إلا بك، فليس لك أن توكل غيرك، لكن إذا وكلك وقال: لك أن تفعل هذا بنفسك أو تنيب غيرك فلا حرج في ذلك.

    اجتماع التوكل في طرف واحد لطرفين

    السؤال: هل لأحد أن يكون وكيلاً عن المدعي والمدعى عليه في نفس القضية؟

    الجواب: لا يتصور هذا؛ لأنه إذا وكله هذا ووكله هذا فلا بد أنه سيحكم بنفسه، وفي هذه الحال لا تتصور الدعوى، وأما في غير ذلك فإنه يصح، فيصح مثلاً أن يوكلك إنسان على تزويج ابنته، ويوكلك آخر على تزويجها له، فتقول: اشهدوا أني زوجت فلانة لفلان، وأني قبلتها عنه، ويسمى هذا تولي طرفي العقد كالوكيل في الشراء، يوكلك آخر لتشتري له شاة، ويوكلك آخر لتبيعها، فتقول: اشهدوا بأني اشتريت هذه الشاة التي وكلني صاحبها، وبعتها على فلان الذي وكلني للشراء، فتكون وكيلاً للبائع ووكيلاً للمشتري.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756522676