إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [3]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • دين الإسلام دين السهولة واليسر، ولهذا رفع المشقة والحرج عن المكلف، ومن ذلك أن شرع التيمم عند فقد الماء أو تعذر استعماله، وأينما أدركت الإنسان الصلاة فعنده مسجده وطهوره، بل يجوز لمن فقد التراب أن يصلي على حاله، وكل هذا من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة.

    1.   

    أحكام التيمم

    قرأنا في الدرس الماضي فروض الوضوء: ومنها مسح جميع الرأس، وذكرنا الأدلة على ذلك، وأدلة من اكتفى بمسح بعضه، وبينا أنها لا تصلح دليلاً، وذكرنا كذلك التسمية، ودليل من جعلها واجبة، والأحاديث التي فيها وإن لم تبلغ درجة الصحة بمفردها فإنهم يحتجون بمجموعها.

    وقرأنا أيضاً المسح على الخفين، وفيه الخلاف في ابتداء المدة: هل مدة المسح تبدأ من أول حدث أو من أول مسح؟ على قولين، والمختار: أنه من أول حدث؛ وذلك لأنه حينئذٍ يكون أهلاً للمسح، ومن اختار أنه من أول مسح فلهم اختيارهم.

    ومر بنا أيضاً: أن العاصي بسفره كالمقيم في مدته، وهذا اختيار كثير من الفقهاء.

    والقول الثاني: أنه كالمسافر يمسح ثلاثة أيام ولو كان عاصياً بسفره.

    وذكرنا الخلاف فيما إذا تمت مدة المسح وهو على طهارة: هل ينتقض وضوءه أم يبقى؟

    والمختار أنه ينتقض إذا تمت المدة التي هي يوم وليلة وهو على طهارة، ورجّح البعض أنه يبقى على طهارته حتى ينتقض الوضوء، والذي اختاره أكثر الفقهاء أنه ينتقض وضوءه، ويصير كأنه لم يغسل قدميه؛ لأن المسح عليهما قد بطل مفعوله.

    ومرّ بنا أيضاً: أن من النواقض الخارج النجس من البدن إذا كان كثيراً غير بول أو غائط كالدم والقيء والصديد، وانعقد الاتفاق على أنها نجسة، فالصحيح أن خروجها ناقض، مع خلاف موجود في ذلك.

    وكذلك مر بنا الخلاف في لحم الإبل، هل ينقض أو لا؟

    والمختار أنه ينقض خلافاً للشافعية ونحوهم، وقد ورد فيه حديثان: حديث عن البراء وحديث عن جابر بن سمرة ، ولا عذر في ترك العمل بهما.

    وكذلك ذكرنا الخلاف في مس الفرج، في مس الرجل ذكره أو الأنثى قبلها، وفيه ثلاثة أقوال:

    قول: أنه ناقضٌ مطلقاً إذا كان بدون حائل.

    وقول: أنه لا ينقض مطلقاً.

    وقول: أنه ينقض إذا أثار الشهوة.

    والاحتياط: أنه يتوضأ، ويعفى عنه إذا كان من غير قصد كما في الاغتسال، أو كان اللمس برءوس الأصابع أو بظهرها أو نحو ذلك.

    ومرّ بنا في موجبات الغسل الخلاف في تغييب الحشفة في الفرج هل ينقض أو لا؟

    فالجمهور على أنه يوجب الغسل.

    وقد قع فيه خلاف بين الصحابة:

    فذهب بعضهم: إلى أنه لا ينقض إلا بالإنزال، لحديث: (إنما الماء من الماء) ، والآخرون رجحوا أن هذا منسوخ، ذكر ذلك المحققون كما في شرح الزركشي وغيره.

    ومر معنا الخلاف في إسلام الكافر: هل يوجب الغسل أو لا؟

    والصحيح: أنه يلزمه الغسل؛ وذلك لأنه قبل إسلامه نجس معنوياً.

    ومر بنا ذكر الأغسال المستحبة، وهي كثيرة كما ذكرنا.

    وكذلك نقض المرأة شعرها للغسل من الحيض أو النفاس، وفيه أيضاً خلاف، والمختار: أنها تنقض؛ وذلك لأنه حدث كبير، ولأنه يحتاج إلى تنظيف زائد، ولا يحصل هذا بمجرد الاغتسال.

    ومر بنا ذكر مقدار الغسل، وأنه يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والمد من البر: ملء كفين متوسطتين مجموعتين، وقدر ذلك من الماء؛ لأن الماء لا يكون له علاوة، بخلاف البر فإنه يكون له علاوة فوق اليدين، وكره الإسراف، يعني: الإكثار من صب الماء؛ لعموم الأدلة في النهي عن الإسراف مطلقاً.

    هذه أهم المسائل الخلافية التي مرت في الدرس الماضي.

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [فصل:

    يصح التيمم بتراب طهور مباح له غبار إذا عدم الماء لحبس أو غيره، أو خيف باستعماله ضررٌ ببدنٍ أو مال أو غيرهما، ويفعل عن كل ما يفعل بالماء سوى نجاسة على غير بدنٍ إذا دخل وقت فرض وأبيح غيره، وإن وجد ماءً لا يكفي طهارته استعمله ثم تيمم، ويتيمم للجرح عند غسله إن لم يمكن مسحه بالماء، ويغسل الصحيح، وطلب الماء شرط، فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد.

    وفروضه: مسح وجهه، ويديه إلى كوعيه، وفي أصغر ترتيب وموالاة أيضاً.

    ونية الاستباحة شرط لما يتيمم له، ولا يصلي به فرضاً إن نوى نفلاً أو أطلق.

    ويبطل بخروج الوقت، ومبطلات الوضوء، وبوجود ماء تيمم لفقده.

    وسن لراجيه تأخير لآخر وقت مختار، ومن عدم الماء والتراب أو لم يمكنه استعمالهما صلى الفرض فقط على حسب حاله ولا إعادة، ويقتصر على مجزئ، ولا يقرأ في غير صلاة إن كان جنباً.

    فصل:

    تطهر أرض ونحوها بإزالة عين النجاسة وأثرها بالماء، وبول غلام إن لم يأكل طعاماً بشهوة، وقيئه بغمره به، وغيرهما بسبع غسلات، أحدها بتراب ونحوه في نجاسة كلب وخنزير فقط مع زوالها، ولا يضر بقاء لون أو ريح أو هما عجزاً، وتطهر خمرة انقلبت بنفسها خلاً، وكذا دنها، لا دهن ومتشرب نجاسة.

    وعفي في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس ونحوه، من حيوان طاهر لا دم سبيل إلا من حيض، وما لا نفس له سائله، وقمل وبراغيث وبعوض ونحوها طاهرة مطلقاً، ومائع مسكر، وما لا يؤكل من طير وبهائم مما فوق الهر خلقة، ولبن ومني من غير آدمي. وبول وروث ونحوها من غير مأكول اللحم نجسة، ومنه طاهرة، كمما لا دم له سائل. ويعفى عن يسير طين شارع عرفاً إن علمت نجاسته، وإلا فطاهر.

    فصل في الحيض:

    لا حيض مع حمل، ولا بعد خمسين سنة، ولا قبل تمام تسع سنين، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر، وغالبه ست أو سبع، وأقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر، ولا حد لأكثره، وحرم عليها فعل صلاة وصوم، ويلزمها قضاؤه، ويجب بوطئها في الفرج دينار أو نصفه كفارة، وتباح المباشرة فيما دونه.

    والمبتدأة تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي، فإن لم يجاوز دمها أكثره اغتسلت أيضاً إذا انقطع، فإن تكرر ثلاثاً فهو حيض تقضي ما وجب فيه، وإن أيست قبله أولم يعد فلا، وإن جاوزه فمستحاضة، تجلس المتميزة إن كان وصلح في الشهر الثاني، وإلا أقل الحيض حتى تتكرر استحاضتها، ثم غالبه، ومستحاضة معتادة تقدم عادتها، ويلزمها ونحوها غسل المحل وعصبه، والوضوء لكل صلاة إن خرج شيء، ونية الاستباحة، وحرم وطؤها إلا مع خوف زنا.

    وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً، والنقاء زمنه طهر، يكره الوطء فيه، وهو كحيض في أحكامه، غير عدة وبلوغ].

    هذا شيء من تتمة أحكام الطهارة، والطهارة بالماء هي الأصل، ولكن قد يشق تحصيل الماء أو استعماله، فأبيح أن يتيمم بدل الطهارة بالماء.

    تعريف التيمم

    التيمم في اللغة: القصد، تقول: تيممت الشيء إذا قصدته، وسمي بذلك أخذاً من قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا [النساء:43] أي: اقصدوا الصعيد الطيب فامسحوا، والأصل أن الماء هو الطهور الذي يرفع الأحداث ويزيل الأخباث؛ لقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال:11]، وقوله: وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً [الفرقان:48]، ولكن قد يحتاج إلى الماء لقلته مثلاً، وقد يشق استعماله؛ فشرع التيمم.

    سبب مشروعية التيمم

    ذكر في سبب شرعية التيمم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه مسافرين في غزوة، وكانوا يسيرون ليلة مظلمة، فسقط عقد لـعائشة ، فلما سقط قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنيخوا ها هنا حتى الصباح) ولم يكن معهم ماء يتوضئون به، ولم يكونوا على ماء، فقال الناس لـأبي بكر : ألا ترى إلى عائشة حبست النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟! وفي آخر الليل نزل الأمر بشرعية التيمم، نزلت فيه آيتان: آية في سورة النساء وهي قول الله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43].

    والثانية في سورة المائدة وهي قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، وفيها زيادة (منه).

    التيمم من خصائص هذه الأمة

    والتيمم يعتبر رخصة وتوسعة على هذه الأمة، وقد دلت السنة على أنه من الخصائص التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) أي: متى كان سائراً أو مسافراً فأدركته الصلاة وليس معه ماء، فإن عنده مسجده، أي: وجه الأرض يصلي في أي بقعة، وطهوره يعني: تراب الأرض يتطهر منه بالتيمم.

    فهذا دليل على أنه من خصائص هذه الأمة.

    شروط التيمم

    ذكر العلماء شروطاً للتيمم:

    فأولاً: هل يشترط أن يكون التيمم بتراب أو يجوز بغير التراب؟

    الجمهور من الفقهاء على أنه لابد أن يكون بتراب، ومعنى هذا أنه لا يتيمم على صخرة، ولا على بلاط، ولا على فراش، ولا على بطحاء خشنة كالحصباء ونحوها.

    والصحيح: أنه يجوز أن يتيمم من الجميع عند الحاجة، وذلك لقوله عليه السلام: (أيما رجل أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره)فقوله: (عنده) أي: ولو كانت الأرض رملية أو حصباء أو صخرية، فإن تيسر التراب طلبه، فإن شق عليه لم يلزمه أن يحمله.

    وشدد بعض العلماء فقالوا: إذا كان أمامه أرضاً رملية فعليه أن يحمل معه تراباً ليتيمم منه، ذكر ذلك الشافعية في كتبهم، ولكن الصحيح أن عنده مسجده وطهوره، فيتيمم في أي مكان، فإن وجد التراب فهو أفضل، وإلا تيمم من الرمل أو من البطحاء أو غيرهما.

    الشرط الثاني: أن يكون طهوراً، يعني: طاهراً، والله جعل هذا التراب طهوراً يقوم مقام الماء، فإذا كانت الأرض فيها نجاسة من أبوال أو رماد نجس أو أي شيء نجس فلا يجوز التيمم بها؛ لأن الله شرط الطيب في قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43].

    والأرض الوسخة لا تسمى صعيداًً طيباً، فالرمادية أو المزبلة أو التي يلقى فيها القمامات والفضلات أو المجزرة التي فيها الدماء والفرث والدم ونحو ذلك ليست أرضاً طيبة، ولا تدخل في قوله: ( صعيداً طيباً).

    الشرط الثالث: أن يكون مباحاً، فعند بعض الفقهاء أنه لو تيمم في أرضٍ مغصوبة فلا يُرفع حدثه؛ لأنها ليست مباحة، وكذا لو دخل أرضاً بغير إذن أهلها، يعني: قد أحاطوها ومنعوها فدخل وتسلق حائطاً، يقولون: لا يباح أن يتيمم بها؛ وذلك لأنها غير مباحة.

    والأقرب: أنه يرتفع حدثه، ويأثم بدخوله في أرض غيره، ولكن إذا تيمم فيها وصلى فيها، يرتفع حدثه، وتجزئة صلاته، ولا يؤمر بالإعادة، وإنما يقال: أنت آثم بدخول أرض غيرك قهراً، ولكن عبادتك لا نأمرك بإعادتها.

    الشرط الرابع: قولهم: (له غبار)، هذا شرط عند كثير من الفقهاء؛ لأن الله يقول: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، وقوله: (منه) للتبعيض، أي: من بعضه، فالأرض التي فيها غبار إذا ضربها بكفيه علق الغبار، ثم مسح به وجهه، ومسح بالغبار كفيه، والتي لا غبار فيها إذا ضربها لا يعلق بيديه شيء، فبأي شيء يمسح؟! هذا قول.

    والقول الثاني: أنه لا يشترط الغبار، وأن قوله: (منه) أي: بعد أن تضربه ولو لم يعلق فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] يعني بما ضربتم فيه، فالعادة أن اليد إذا ضربت في الأرض قد يلتصق بها بعض حبات التراب كالرمل والبطحاء ونحو ذلك، وكذلك الغبار ولو كان يسيراً، فيصدق عليه أنه مسح منه.

    والأرض الرملية ليس لها غبار كما هو مشاهد، ولو ضربتها ما تطاير غبار.

    وقد يكون هناك غبار على غير الأرض، مثلاً: إذا كان هناك فراش في مجلس، وبقي على عدم تنقيته عشرة أيام أو شهراً فضربته بيدك فإنه يتطاير منه غبار، بل قد يجتمع الغبار على غيره ولو كان مرتفعاً، فعلى هذا فله أن يضرب وجه الأرض سواء كان فيه غبار أم لا.

    الشرط الخامس: عدم الماء، دليله قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) وكيف يعدم الماء؟

    إذا حبس -مثلاً- ولم يستطع الوصول إلى الماء، فإنه يصلي بالتيمم، أو إذا سافر ومر بأرض صحراء ليس فيها ماء، فيجوز له أن يتيمم، ولو كان معه ماء يحبسه لشربه أو لطبخ طعامه يتيمم؛ لأن الوضوء له بدل، والشراب ليس له بدل.

    وكثير من الناس بعد وجود السيارات يتساهلون، فإذا خرجوا -مثلاً- مسيرة عشرين كيلو متراً أو أربعين كيلو متراً تيمموا ومعهم مياه كثيرة، تكفيهم لو توضئوا، وكذلك توجد حولهم مزارع أو قرى، وقد يكون البلد قريباً، ومع هذا يتيممون، ففي مثل هذا لا يجب التساهل إذا كان معهم ماء، ولا يقولون: إننا لسنا على آبار أو مساكن أو نحوها، فإن الماء الذي معهم كثير، ومعلوم أنه لو قل الماء الذي معهم لأرسلوا وارداً يأتيهم بالماء، بل لو فقدوا حاجة كملح الطعام لأرسلوا من يأتيهم به، مما يدل على أن عندهم القدرة على تحصيل الماء، فلا يجوز التيمم والحال هذه، والتيمم مع وجود الماء أو مع القدرة على إحضاره يعتبر تساهلاً؛ لأن الله قال: (فلم تجدوا ماء)، وقد تشدد الحنابلة في طلب الماء، فقالوا: إذا دخل الوقت لزمه أن يطلب الماء، ويبحث عنه فيما حوله، فإذا بحث لعله يجد مستنقعاً أو يجد غديراً أو يجد بئراً أو نحو ذلك، فيبحث ولا يتيمم إلا إذا تحقق وتيقن أنه ليس عنده ماء.

    جواز التيمم مع وجود الماء إذا تعذر استعماله

    يباح التيمم إذا خيف باستعمال الماء أو طلبه الضرر، فإذا خاف أنه إذا استعمله تضرر بعطش له أو لرفقته أو لدوابهم فيتيمم، وكذا إذا استعمله وفيه جرح إذا غسله تضرر أو إذا ذهب يطلبه خاف ضرراً، كأن يكون هناك عدوٌ يخافه ويترصد له، فالضرر يكون بالبدن أو بالمال أو بغيرهما، والضرر بالبدن كالجرح، فإذا كان إذا غسله تضرر فله أن يعدل إلى التيمم، والضرر بالمال مثلاً إذا توضأ عطشت دابته أو نحو ذلك، والضرر في غيرهما كالرفقة، فإذا كان معه رفقة وإذا توضأ بالماء تضرروا فإنه يتيمم.

    يباح بالتيمم كل ما يباح بالطهارة بالماء

    إذا تيمم فعل كل ما يفعل بالماء، سوى نجاسة على غير بدن، يعني: إذا تيمم جاز له أن يصلي، وجاز له أن يقرأ في المصحف، وإذا كانت المرأة حائضاً مثلاً وطهرت وتيممت جاز لزوجها وطؤها، وكذلك إذا تيمم جاز له أن يصلي على جنازة، أو نحو ذلك، فيفعل كل ما يفعله إذا توضأ بالماء.

    إلا نجاسة على غير بدن، النجاسة التي على غير البدن -يقولون: لا يرفعها التيمم.

    واختلف في النجاسة التي على الثوب: إذا لم يجد إلا هذا الثوب، ولم يجد سترة يستر بها بدنه، أو كان يصلي فأصابته نجاسة كبول أو غائط أو دم أو غير ذلك، فهل يتيمم لها؟

    الأقرب: أنه يتيمم لها إذا لم يجد ثوباً غير هذا.

    وأما النجاسة التي على القدح -مثلاً- أو على الفراش فلا يرفعها التيمم؛ لأن تطهيرها ليس ضرورياً للصلاة.

    وأما النجاسة التي على البدن إذا تنجس ولم يجد ماء يغسله فيرفعها التيمم؛ لأنه إذا تيمم رفع الحدث، ورفع النجاسة التي على بدنه.

    وقت التيمم

    متى يجوز التيمم؟

    يجوز بعد دخول الوقت، فلا يتيمم قبله، فلا يتيمم لصلاة الفجر قبل طلوع الفجر، ولا يتيمم لصلاة الظهر قبل الزوال، ولا للمغرب قبل الغروب، ولا للعشاء قبل غروب الشفق، بل لابد أن يكون التيمم بعد دخول الوقت؛ وذلك لأنها استباحة عبادة؛ لهذا فلا يتيمم إلا بعد ما يدخل الوقت، وإذا كان يصلي غير الفرض فلا يتيمم إلا بعد ما يباح الفرض، مثلاً: إذا طلعت الشمس انتقض تيممه لصلاة الفجر، فإذا أراد أن يصلي صلاة الإشراق فيتيمم إذا أبيحت النافلة، وهي تباح إذا خرج وقت النهي بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، ويقدر ذلك بربع ساعة أو بنحو عشر دقائق بعد طلوع الشمس، فإذا أبيحت النافلة تيمم لها.

    الذي لا يجد ماءً كافياً لغسل جميع أعضائه يتيمم للباقي

    من وجد ماء لا يكفي لطهارته كلها استعمله وتيمم للباقي، وجد ماء قليلاً ملء الكأس، فغسل به وجهه، وغسل به ذراعيه، وانتهى الماء، فيتيمم عن الباقي، أي: عن مسح الرأس وغسل الرجلين؛ وذلك لأنه وجد ماء فاستعمله فانتهى ذلك الماء قبل تكميل الطهارة فيتيمم للباقي.

    وهل يتيمم قبل أن تنشف أعضاؤه؟

    الصحيح: أنه يتيمم بعد ما تنشف أعضاؤه؛ لأنه سيتلوث بالتراب إذا تيمم ويده رطبة.

    تحديد وقت التيمم للجرح

    إذا كان فيه جرح فمتى يتيمم للجرح؟

    قيل: عند غسله إن لم يمكن مسحه بالماء، وهذا قد يكون فيه مشقة، وصورة كلامهم: أنه إذا كان الجرح مثلاً في يده اليسرى في الذراع، وعليه لصوق أو نحوه، فيبدأ فيغسل وجهه مع المضمضة والاستنشاق، ثم يغسل يده اليمنى، ثم يغسل الكف اليسرى، ويغسل ما يقدر عليه من ذراعه اليسرى كالمرفق ونحو ذلك، ويبقى هذا الجرح الذي لا يقدر على مسحه، وإذا مسحه قد يتضرر، فيتيمم له في هذه الحال قبل مسح الرأس، فإذا تيمم له كمّل الوضوء، فمسح على رأسه وغسل رجليه، هذا معنى تيممه للجرح عند غسله؛ لأن هذا من الترتيب.

    لكن قد يشق عليه أن يتيمم وقت وضوئه، وقد يكون التراب الذي حوله غير صالح، وقد يتوضأ في داخل الحمام، والحمام مبلط أو نحوه، فالأقرب أنه إذا انتهى من وضوئه كله تيمم لهذا الجرح، أما إذا قدر على مسحه فإنه يمسحه، فيبل يده ثم يمسح الجرح إذا كان بارداً، فإن كان عليه شاشة أو جبيرة مسح عليها وكفى، وتقدم أنها إذا كانت زائدة عن قدر حاجته فيتيمم عن الزائد، وإذا كان فيه جرح فيغسل أعضاءه الصحيحة، فإذا كان الجرح -مثلاً- في وسط الذراع غسل الكف، وغسل أول الساعد وغسل المرفق، ويبقى الوسط الذي فيه هذا الجرح أو فيه هذه الجبيرة، فهذا هو الذي يتيمم له.

    اشتراط طلب الماء قبل التيمم

    قوله: (طلب الماء شرط) يعني: لازم أن يطلبه، والصحيح: أنه إذا علم أنه ليس حوله الماء، فإنه لا يلزمه الطلب، وهم يقولون: إذا دخل الوقت فإنه يمد نظره من هنا ومن هنا، ويمشي قليلاً ويسأل، فإذا رأى -مثلاً- خضرة تدل على إمكان أن يكون هناك ماء أو ما أشبه ذلك ذهب إليها، هذا طلب الماء.

    ولعل الأولى أنه إذا كان متحققاً أن الأرض قاحلة ليس فيها ماء تيمم، وإن لم يطلبه، فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد، مثلاً إنسان تيمم في صحراء وهو يعلم أن فيها ماء، وأن هناك عيناً أو بئراً أو (ماكنة) قريبة منه، فتيمم لأنه فقد علم مكانها، ونسي القدرة على الماء، فإنه يعيد؛ لأنه فرط.

    فروض التيمم

    فروض التيمم اثنان: مسح الوجه، ومسح الكفين، أما فروض الوضوء التي تغسل فأربعة، ومسح اليدين يكون إلى الكوع عند الحنابلة، والكوع هو: المفصل الذي بين الكف والذراع، فمفصل الكف من الذراع يُسمى كوعاً، ومفصل الذراع من العضد يُسمى مرفقاً، والمسح إلى المرفقين مختلف فيه، والشافعية قالوا: يمسح إلى المرفق؛ لأن المسح بدل الغسل، واستدل الحنابلة بحديث عمار بن ياسر : أنه يكفي مسح الكفين فقط، ولكن لابد من مسح بطونها وظهورها وتخليل الأصابع؛ لأن الله قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء:43]ولم يذكر حداً، ولم يقل: إلى المرافق، ولا إلى الآباط، فاليد عند الإطلاق تطلق على الكف؛ وذلك لأنها هي التي تعمل، كما في قوله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران:182]، والذراع لا يعمل غالباً، فتكون اليد هي الكف، ولقوله: تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ [المائدة:33]، والسارق تقطع يده من الكوع، والدليل الذي يستدل به الشافعية على أن المسح إلى المرفق ضعيف لا يصح، وهو مروي في سنن الدارقطني : (التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين) ولكنه ضعيف.

    وإذا كان التيمم بدلاً عن الوضوء فلابد فيه من الترتيب والموالاة، ويقولون: يجب الترتيب والموالاة إذا كان التيمم عن حدث أصغر، فإذا كان التيمم لرفع حدث أصغر -مثلاً- لأجل خروج الريح، أو لأجل بول أو لأجل أكل لحم إبل، أو نحو ذلك؛ فيكون أركانه وفروضه أربعة: مسح الوجه، ومسح الكفين، والترتيب، والموالاة، أما إذا كان عن حدث أكبر فلا يشترط ترتيب ولا موالاة؛ لأنهما لا يشترطان في أصله، فالغسل لا يشترط فيه الترتيب، ولا يشترط فيه الموالاة، فلو غسل أعلى جسده إلى بطنه في أول الليل، وغسل بقيته من بطنه فما تحت في آخر الليل أجزأ، يعني: لا تشترط فيه الموالاة، وكذلك لو بدأ بالاغتسال برجليه ثم بساقيه ثم بفخذيه ثم بحقويه ثم ببطنه وصدره ثم برأسه أجزأ؛ لأنه لا يشترط فيه ترتيب، فيقولون: إذا كان التيمم بدل الحدث الأصغر فلابد من ترتيب وموالاة، وإذا كان بدل الحدث الأكبر فلا حاجة إلى موالاة ولا ترتيب.

    ولعل الأقرب: أنه يلزم الترتيب والموالاة في الأمرين؛ وذلك لأنه ليس فيه كلفة، فهما في مقام واحد، فيضرب الأرض ثم يمسح الوجه ثم يمسح اليدين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ابدءوا بما بدأ الله به)، فالله بدأ بالوجه فقال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]، فهو قدم الوجه فنقدمه كما في الوضوء.

    وكون الإنسان يضرب بيديه الأرض ثم يمسح وجهه، ثم بعد ساعة أو نصف ساعة يضرب ويمسح يديه هذا خلاف المعتاد، فالتيمم عبادة واحدة فلا يفرقها، لا في أكبر ولا في أصغر.

    اشتراط النية في التيمم

    النية شرط للغسل لكل حدث، ونية الاستباحة شرط لما يتيمم له، ومعنى ذلك: أنه يجب أن ينوي بتيممه هذا صلاة الظهر مثلاً، وإذا كان في الضحى نوى بالتيمم صلاة الضحى، فينوي الصلاة التي يتيمم لها، ويدخل في هذا التيمم بقية العبادات، وإذا تيمم للظهر جاز له أن يصلي ركعتين قبلها، وركعتين بعدها مثلاً، وأن يمس المصحف، يعني: أن حدثه ارتفع بالتيمم.

    ويقولون: إذا تيمم لنفل لم يصل به فرضاً، وصورة ذلك: إذا أصبح إنسان وتيمم لأجل أن يصلي صلاة الضحى، وتذكر بعد ذلك أنه لم يصل الفجر أو العشاء، فهل يصليها بهذا التيمم الذي تيممه لنية الضحى، ولنية التطوع أو يتيمم له تيمماً جديداً؟

    عند الفقهاء أنه يتيمم له تيمماً جديداً؛ لأنه تيمم لنافلة فلا يصلي بها الفريضة، وهذا على القول بأن التيمم مبيح، ولعل الأقرب: أنه رافع، فالتيمم قيل: إنه يرفع الحدث رفعاً مؤقتاً، وقيل: إنه لا يرفع الحدث، والحدث باق، ولكنه يبيح العبادة، وإذا قيل: إنه مبيح فمن تيمم لنافلة لم يصل فرضاً، وإذا قلنا: إنه رافع -ولعله الأقرب- فإنه يصلي فروضاً ونوافل، ولو كانت نيته أن يصلي صلاة نافلة كالضحى؛ وذلك لأنه ارتفع حدثه، فإذا ارتفع فلا يعود إلا بموجب.

    قوله: (إذا نوى نفلاً أو أطلق) أي: لم ينو نفلاً ولا فرضاً، بل تيمم بالإطلاق، وقد عرفنا أن الصحيح: أنه إذا تيمم لنافلة صلى بها فرضاً.

    مبطلات التيمم

    يبطل التيمم بخروج الوقت، هذا هو المشهور؛ وذلك لأنه حدد الوقت، فإذا تيممت لصلاة العصر وغربت الشمس وأنت على تيممك، ولم تأت بناقض من نواقض الوضوء؛ فجدد التيمم للمغرب، وإذا تيممت للمغرب وأنت لا تجمع، وجاء وقت العشاء؛ فجدد التيمم للعشاء، وهكذا، فيبطل التيمم بخروج الوقت؛ وذلك لأنه طهارة ضرورية تحدد بقدرها.

    وكذلك يبطل بمبطلات الوضوء، يعني: بخروج ريح، أو ببول، أو بغائط، أو بخروج دم، أو بأكل لحم الإبل، أو نحو ذلك مما يبطل الوضوء.

    ويبطل أيضاً بوجود الماء؛ لأنه محدد بفقد الماء، فإذا وجد الماء -وكان التيمم لأجل فقده- فإنه يبطل، فإذا حضر الماء بطل التيمم، كما يُضرب ذلك مثلاً.

    واختلف فيما إذا وجد الماء وهو في الصلاة، هل يستمر في صلاته أو يقطعها؟

    الأكثرون على أنه يقطعها، وبعضهم قال: إنه يستمر فيها؛ لأنه دخلها بطهارة، ولم يوجد ما يبطل هذه الطهارة، وعلى هذا إن استمر فلا بأس، ولكن الأولى أن يقطعها ويتوضأ.

    استحباب تأخير الصلاة لراجي الماء

    قوله: (وسن لراجي الماء تأخير لآخر وقت مختار) يعني: راجي الماء، فله تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار، ووقت الصلاة ينقسم إلى قسمين: وقت اختيار، ووقت ضرورة، فوقت الاختيار في صلاة الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، فإذا كنت -مثلاً- تسير في الطريق، ووقت العصر يدخل في الساعة الثانية والثلث، وأنت تمشي ويمكن أنك تصل إلى الماء بعد ساعة قبل أن يخرج الوقت، وقبل أن يصل ظل الشيء مثليه، فالأولى أن تؤخره -أي: العصر- إلى الساعة الرابعة والثلث مثلاً ، والأولى أن تؤخر التيمم؛ لأنك ترجو أن تصل إلى الماء، أو أرسلت من يأتي بالماء وتنتظره، فإن خفت أن يخرج وقت الاختيار فلك أن تتيمم، كذلك مثلاً إذا أرسل جماعة وارداً ثم أملوا أنه يأتيهم بماء قبل خروج وقت الاختيار فإنهم ينتظرونه، حتى يؤدوا الصلاة بماء.

    صلاة فاقد الطهورين

    قوله: (من عدم الماء والتراب أو لم يمكن استعمالهما صلى الفرض فقط على حسب حاله ولا إعادة) يعني: من عدم الماء والتراب مثل المحبوس ونحوه، فقد لا يجد ماءً ولا تراباً في هذه الحال، فهو معذور إذا صلى بدون وضوء ولا تيمم، ولكن إذا تيسر له أن يتيمم على البلاط ونحوه فهو أفضل، وفي هذه الحالة يقولون: يقتصر على الفرض، فلا يصلي نوافل؛ لأن طهارته ناقصة، وكذلك أيضاً يقتصر على المجزئ فيقرأ الفاتحة فقط، ولا يقرأ معها سورة، ويقتصر من التسبيح على (سبحان ربي العظيم) مرة واحدة، و(سبحان ربي الأعلى) مرة واحدة، هكذا قالوا، ولعل الصواب: أنه يصلي صلاة كاملة، وأنه يصلي نوافل؛ وذلك لأنه معذور لفقد التراب، ولا إعادة عليه.

    قوله: (ولا يقرأ في غير صلاة إن كان جنباً) إذا كان جنباً ولم يجد ماء ولا تراباً وصلى فإنه يقرأ في الصلاة، ولا يقرأ خارج الصلاة.

    1.   

    إزالة النجاسة

    النجاسة مثل الدم، والبول، والغائط، والقيء، والخمر، والصديد، والميتة لحمها وما يتعلق بها، ولعاب الكلب، ونحو ذلك، هذه تُسمى (نجاسات) أي: نجاسات عينية، ويشترط للصلاة إزالة النجاسة وتجنبها، ومن صلى وعليه نجاسة لم تصح صلاته إذا كان قادراً على إزالتها.

    والنجاسة إما أن تكون على الأرض أو على الثوب أو على الإناء أو على البدن، فإذا كانت على الأرض أو على ما اتصل بالأرض كالبلاط مثلاً، أو الفراش الملتصق بالأرض الذي لا يمكن رفعه، أو على الجدران ونحوها، فلا تطهر إلا بزوال عين النجاسة وغسل أثرها بالماء، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بتطهير نجاسة بول الإعرابي بصب الماء عليها، أمر بدلو من ماء فأمر بصبه عليها، ومن المعلوم أن الدلو يكاثرها كثيراً فترطب، فإذا كان لها جرم كالبول والغائط فلابد من زوال جرمها، وزوال حمرة الدم مثلاً أو صفرته أو صفرة القيح والصديد، فإذا زال جرمها وأثرها طهر المكان، ولا حاجة إلى عدد.

    حكم بول الغلام

    قوله: (وبول غلام لم يأكل الطعام بشهوة) أي: يكتفى بصب الماء عليه دون فرك وتكرار، وأما إذا أكل الطعام بشهوة فإنه يغسل كغيره حتى يزول أثره، بخلاف بول الأنثى ولولم تأكل الطعام، وبخلاف غائط الصغير فإنه يغسل، والرخصة والتخفيف إنما هي في بوله بشرط أنه لم يشته الطعام.

    وألحقوا قيئه ببوله، يعني: إذا تقيأ الصغير لبناً فإنه أيضاً يغمر بالماء، يعني: يكاثر بالماء ويصب عليه صباً من دون دلك، أما بقية النجاسات فيشترط لها سبع غسلات، واستدلوا بحديث روي عن ابن عمر: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) ولكن الحديث غير معروف، والصحيح: أن جميع النجاسات لا يشترط لغسلها عدد، بل الحكم واحد، فإذا زالت عين النجاسة بالماء اكتفي بذلك، دون إعادة، وذلك لأنها لو لم تزل بالسبع لزيد حتى تزول، فلو لم يزل أثر الدم أو الغائط بسبع غسلات فيغسل ثمانياً أو تسعاً أو نحو ذلك حتى يزول أثره؛ وذلك لأن القصد إزالة أثرها، وبه تطهر.

    نجاسة الكلب

    نجاسة الكلب ورد في غسلها العدد، كما في الحديث الصحيح: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب)، وفي حديث آخر : (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعاً وغسلوه الثامنة بالتراب)، والفقهاء ألحقوا به الخنزير، وذلك لنجاسته وخبثه، ولعل الصواب: أنه لا يلحق به شيء، لا يلحق به الخنزير ولا غيره، ولا الحمار ولا الأُسود ولا السباع، بل يختص الحكم بالكلب، وهذا لحكمة فيه ظهرت أخيراً، وهي أن في لعابه جراثيم خفية صغيرة لا تزول إلا بتكرار الغسل والتراب، هكذا ذكر لنا بعض المشايخ، فالخنزير ليس مثله.

    ثم اختلفوا في بقية نجاسات الكلب هل تغسل سبعاً، يعني: بول الكلب وروثه هل يغسل سبعاً أو يكتفى بغسله حتى يزول أثر النجاسة؟

    الأقرب: أنه لا يحتاج إلى سبع، ولا إلى تراب، بل يُغسل إلى أن يزول أثر النجاسة وعينها كسائر النجاسات، فالخنزير وبول الكلب ودمه كلها تغسل إلى أن يزول الأثر، ولا حاجة إلى التسبيع بالماء إلا في لعابه يعني: إذا شرب من الإناء.

    حكم أثر النجاسة

    إذا زالت النجاسة بعد الغسل لم يضر اللون أو الريح، وقد يبقى لونها، فيقولون: لا يضر اللون، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: (تحته -يعني: لأن به جرماً حتى يتساقط ما تجمد منه- ثم تقرصه بالماء -وذلك بأن تصب عليه الماء وتدلكه جيداً برءوس الأصابع- ثم تنضحه بالماء) وفي حديث آخر أنه قال: (يكفيك الماء، ولا يضرك أثره) أي: لو بقي أثره، فلو أصاب الثوب الأبيض -مثلاً- دم من جرح أو نحوه ثم إنه غسله بالماء، ولكن بقي سواده فلا يضر، وإذا بقي شيء لا يزيله الماء فلا يشترط فيه صابون ولا مزيل، وكذلك لو بقي ريح عجز عن إزالته فلا يضر.

    نجاسة الخمر

    من النجاسات: الخمر، وقد سماها الله تعالى رجساً، والرجس هو: النجس، فكل شيء وصف بأنه رجس إذا كان من السوائل فإنه نجس العين، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم خبيثة بقوله: (الخمر أم الخبائث)، فعلى هذا تكون نجسة، ولو كان أصلها طاهراً، فقد تكون مصنوعة من التمر، أو من العنب، أو من العسل، أو من الزبيب، أو من الشعير، ومع ذلك فإنها إذا كانت مسكرة فإنها نجسة، فإذا انقلبت خلاً بنفسها طهرت، فإن الخل يكون مفيداً طاهراً، يصلح إداماً، كما في الحديث (نعم الإدام الخل) كخل التمر أوخل الزبيب أو نحو ذلك، فإذا انقلبت الخمر بنفسها خلاً فإنها تطهر، وأما إذا عالجها حتى تخللت فلا تطهر؛ لأنه مأمور بإراقتها فوراً، فإذا نقلها من الظل إلى الشمس حتى تتخلل أو طبخها أو جعل فيها دواءً حتى يخللها، فإنها تبقى على نجاستها.

    وقوله: (كذا دنها) يعني: ظرفها التي هي فيه، سواء كان من الجلود أو من الخشب، فإذا تخللت طهر ذلك الدن.

    حكم الدهن الممتزج مع النجاسة

    هل يطهر الدهن المتنجس المتشرب نجاسة؟

    الجواب: لا يطهر؛ وذلك لأنه لا يمكن غسله، لكن الصحيح: أنه إذا وقعت به نجاسة فإنها ترفع وما حولها، ويطهر الباقي، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرة سقطت في سمن وماتت فقال: (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) لأنها إذا ماتت فهي نجسة، فتلقى وما حولها.

    واختلف هل هناك فرق بين القليل والكثير، وبين المائع والجامد؟

    والصحيح: أنه لا فرق، فتلقى وما حولها ولو كان جامداً، والرواية التي فيها أنه كان جامداً غير صحيحة.

    والحاصل: أنه إذا كان هناك دهنٌ متنجسٌ كله فإنه لا يطهر، وكذلك بطريق الأولى إذا كان نجس العين كشحم الميتة، فإنه يعتبر نجساً ولا يمكن تطهيره، وكذا إذا تشرب الدهن بالنجاسة وامتزجت به، فلا يمكن تطهيره.

    الدم الطاهر والدم النجس

    قوله: (يعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر) يعفى عن يسير دم نجس، يعني: نطفة أو نطفتين مثلاً في الثوب أو على البدن أو على البقعة، إذا كان دم إنسان أو دم حيوان طاهر، مثل الحيوان المأكول كالإبل والبقر والدجاج ونحو ذلك، بخلاف دم من كلب أو من خنزير أو من حمار فإنه لا يعفى عن يسيره؛ لأنه نجس في الحياة، وكذا فضلاته.

    ولا يعفى عن الكثير، ويعفى عن القيء اليسير وما أشبهه، فإذا كان الدم اليسير في المائعات فلا يعفى عنه، وإذا سقطت نطفة دم في الماء فلا يشرب منه ولا يُتوضأ به، بل يزال أو يُصب منه إلى أن يزول صبغها، وكذلك المطعومات لا تؤكل، فإذا وقعت النقطة أو النقطتان -مثلاً- على خبزة، فالتي وقعت عليها النقطة تزال ويزال أثرها.

    يقول: (لا دم سبيل) دم السبيل مثل دم الحيض، أو الذي يخرج من الدبر، فإن نجاسته أشد، فلا يُعفى عن يسيره إلا من الحيض؛ لكونه ضرورة فيعفى عنه، والحيوانات التي ليس لها دم إذا ماتت تعتبر طاهرة مطلقاً.

    حكم ما لا نفس له سائلة

    قوله: (وما لا نفس له سائلة) النفس هنا الدم، يعني: الدابة التي ليس فيها دم يتقاطر إذا قتلت، فهي تعتبر طاهرة إذا ماتت في الطعام، أو ماتت في الماء، ويستدل على ذلك بحديث الذباب؛ فإنه أمر بغمسه، والذباب ليس له نفس سائلة، وكذا البعوض، والذر، والنمل، والفراش بأنواعه، والزنابير وأشباهها، والعقرب ونحوها، فهذه الدواب إذا ماتت فهي طاهرة؛ لأنه ليس لها دم، وألحقوا بها القمل والبراغيث، فكلها طاهرة إذا ماتت.

    نجاسة المسكر المائع

    قوله: (المسكر المائع نجس) يعني: المسكر إما أن يكون مائعاً أو غير مائع، فتختص النجاسة بالمسكر المائع، وهو الذي يُشرب، فأما غير المائع كالحبوب التي تخدر أو تسكر فهذه لا يحكم بنجاستها؛ لأنها ليست مائعة.

    كذلك ميتة ما لا يؤكل من الطيور فهي نجسة، مثل الرخم، والغراب، والعقاب، والصرد، والهدهد، فهذه لا تؤكل، وإذا ماتت في الماء فلها حكم النجاسة.

    حكم البهائم وألبانها

    البهائم التي هي فوق الهرة خلقة نجسة، يعني: البهائم التي لا تؤكل كالكلب، والذئب، والسباع، والثعالب، وما أشبهها، ويعفى عن الهرة للضرورة؛ لأن سؤرها طاهر، كما ورد ذلك في الحديث، وكذلك ما يبتلى به كثيراً كالفأرة إذا خرجت ووقعت في الماء ولم تمت أو في الدهن فإنها طاهرة.

    ولبن ما لا يؤكل لحمه كلبن الحُمر ولبن الكلاب نجس.

    ومني كل ما لا يؤكل لحمه نجس إلا مني الآدمي فهو طاهر، ومني الآدمي فيه خلاف هل هو طاهر أم لا؟

    والمشهور أنه طاهر، والاحتياط أنه إذا كان يابساً أن يفرك، فإذا وقع على الثوب مني الاحتلام وإن كان رطباً فإنه يغسل؛ لأنه ورد غسله، وورد فركه.

    حكم بيض ما لا يؤكل لحمه

    بيض ما لا يؤكل كبيض النسور وبيض الغراب والحدأة وما أشبهها نجس، وكذلك بولها وروثها، فكل ما ليس بمأكول اللحم يعتبر نجساً، وما لم يكن له دم سائل فإنه طاهر، والذي ليس له دم مثل الفراش والبعوض وما أشبهه.

    عدم نجاسة طين الشوارع

    طين الشوارع يعفى عنه، وكثيراً ما تجدون في الشوارع ماءً ومستنقعات، فالأصل فيها أنها طاهرة، وهذا يشمل كل الشوارع والمستنقعات التي فيها، فإن علمت نجاسته فهو نجس، كما يقع في بعض البلاد أن ماء البيارات يخرج على وجه الأرض، فيحكم بأنه نجس، وإلا فالأصل طهارة ما تسرب من الماء من الخزانات ونحوها ثم جرى في الأسواق والطرق.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756506170