إسلام ويب

حجاب المرأة المسلمةللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • دين الإسلام دين متكامل، ومن مقاصده: الحفاظ على شرف الإنسان وعرضه؛ ولذلك فإن الإسلام قد ضبط أمر الشهوة والغريزة الجنسية -التي أودعها الله في الإنسان- بالضوابط الشرعية التي تراعي فطرة الإنسان، وتراعي أعراض الآخرين في الوقت ذاته، ومن هنا حرم الله التبرج؛ لأنه يثير الغرائز، وربما أوقع في الفاحشة، وأوجب الحجاب على المرأة صيانة لها، وحفاظاً عليها، وسداً لكل وسيلة تؤدي إلى الوقوع في الفاحشة، وبهذا ضمن الإسلام صيانة الأعراض وطهارة المجتمع، فعلى المسلمات الالتزام بالحجاب بشروطه الشرعية؛ لما في ذلك من المصلحة العظيمة لهن وللمجتمع.

    1.   

    الحجاب لغة وشرعاً

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدَاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [الإسراء:111] وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ [المؤمنون:91]، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد ألا إياه ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان:30]. وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو جبار السماوات والأرض، فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره، هو الأول فلا شيء قبله، وهو الآخر فلا شيء بعده، وهو الظاهر فلا شيء فوقه، وهو الباطن فلا شيء دونه، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة عن هذه الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وعبد ربه حتى لبى داعيه، وجاهد في سبيل ربه حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين، حتى علم الجاهل، وقوم المعوج، وأمن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد، كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فمرحباً بكم أحبتي في الله، ومع الدرس الخامس من دروس سورة الستر والعفاف.. سورة النور، وما زلنا بفضل الله جل وعلا نتحدث عن الضمانات الوقائية التي وضعها الإسلام العظيم، حمايةً لأفراده من الوقوع في الفاحشة والعياذ بالله، ولقد تكلمنا في اللقاء الماضي عن الضمان الثاني، ألا وهو تحريم التبرج وفرض الحجاب، وقلنا: إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع طاهر نظيف، لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، ولا تستثار فيه دوافع اللحم والدم في كل حين؛ لأن عمليات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، واللحم العاري، والزينة المتبرجة، والرائحة المؤثرة، والنظرة المعبرة، والمشية المتكسرة، كلها من الأشياء التي تثير الشهوة، وتؤجج نار الفتنة والهوى. ومن هنا حرم الإسلام التبرج، وفرض الحجاب على المرأة المسلمة. ينبغي أن تعلم المسلمة وأن يعلم الناس جميعاً أن الإسلام ما فرض هذه الضوابط على المرأة المسلمة في ملبسها وزينتها وعلاقتها بالرجال إلا لصيانتها وحمايتها من عبث العابثين، ومجون الماجنين؛ لتكون المرأة المسلمة كالدرة المصونة، وكاللؤلؤة المكنونة التي لا تصل إليها الأيدي الآثمة. تكلمنا في اللقاء الماضي عن التبرج وعن مظاهره وعن خطورته، ولقاؤنا اليوم عن الشق الثاني من الضمان الثاني، ألا وهو فرض الحجاب على المرأة المسلمة. وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في أربعة عناصر: أولاً: الحجاب لغةً وشرعاً. ثانياً: الأدلة الشرعية من القرآن والسنة على وجوب الحجاب. ثالثاً: شروط الحجاب الشرعي. رابعاً: شبهات، والرد عليها. نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الصواب والإخلاص والتوفيق. أولاً: الحجاب لغةً وشرعاً: الحجاب: جمع حجب، ومعناه لغةً: يدور بين الستر والمنع؛ لذا يقال للستر الذي يحول بين الشيئين: حجاب؛ لأنه يمنع الرؤية بينهما، ولذا يقال لحجاب المرأة: حجاب، وسمي حجاب المرأة حجاباً لأنه يستر المرأة عن الرؤية، ويمنع الرجال أن ينظروا إلى المرأة.

    لفظة الحجاب في القرآن الكريم

    وردت لفظة الحجاب في القرآن في ثمانية مواضع، وكلها تدور حول معنى الستر وحول معنى المنع: قال الله جل وعلا في سورة الأعراف: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ [الأعراف:46] أي: بينهما سور أو حاجز يمنع الرؤية. وقال الله جل وعلا: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص:32] أي: حتى منعت هذه الخيول من الرؤية وأصبحت لا ترى. وقال الله جل وعلا: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابَاً [مريم:17] أي: استترت مريم عليها السلام بستار عن أعين الرجال. وقال الله جل وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] أي: من وراء ساتر أو حاجز أو حائل يمنع من رؤيتهن. إذاً: فالحجاب يدور بين معنى الستر والمنع، فيُفهم المعنى الشرعي من هذه المعاني اللغوية لحجاب المرأة المسلمة؛ لأنه الذي يحجب المرأة المسلمة عن نظر الرجال الأجانب، وله صور متعددة: صورة الأبدان، وصورة الوجوه. أي: حجاب الأبدان، وحجاب الوجوه. للمرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب ببيتها.. بجدران البيت.. بالستائر السميكة في داخل البيت. وللمرأة إذا خرجت أن تحتجب بثيابها، من رأسها إلى قدمها إذا ما خرجت من بيتها لحاجة ضرورية، لحاجة دينية أو لحاجة دنيوية، وهذا جائز في حقها، ولا إثم عليها لكن بشرط لبس الحجاب الشرعي مع تغطية الوجه بالخمار أو النقاب، وهذا هو ما يسميه علماؤنا بحجاب الوجوه، وهو الخمار.

    معنى الخمار

    يوجد خلط بين هذه المعاني عند كثير من الناس، فالخمار عندنا يُراد به الطرحة التي تلبسها المرأة على رأسها، ويظهر منها الوجه، وهذا خطأ لغوي، وهذا أيضاً يطلق على الحجاب عندنا، وقد ذكره بعض أهل العلم في كتبهم، قالوا: الحجاب هو: الطرحة التي تلبسها المرأة على رأسها ويظهر منها الوجه، وهذا خطأ لغوي، فانتبهوا معي لنتعرف على معنى الخمار، وعلى معنى النقاب حتى نضع النقط على الحروف من بداية هذا اللقاء. الخمار هو: ما تخمر به المرأة وجهها. من أين هذا الكلام؟! من كتاب الله جل وعلا، ومن أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال أئمة الهدى ومصابيح الدجى عليهم رحمة الله. يقول الله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] قال الحافظ ابن حجر إمام أهل الحديث رحمه الله تعالى في الفتح: في تعريف الخمر: ومنه خمار المرأة، وهو الذي تخمِّر به المرأة وجهها. أي: تغطي به المرأة وجهها. وأعظم دليل على صحة هذا الكلام: ما ورد في صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها؛ وهل تريدون دليلاً أوضح من هذا؟! هل تريدون دليلاً أوضح من دليلٍ ورد في حديثٍ رواه البخاري ومسلم من حديث أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟! أتدرون ماذا قالت أمنا رضي الله عنها في حادثة الإفك؟! ذكرت السيدة عائشة أنها لما تخلفت عن الجيش ونامت جاء صفوان فوقعت عينه عليها، وكان صفوان بن المعطل يعرف السيدة عائشة رضي الله عنها؛ لأنه كان قد رآها مراراً قبل نزول آية الحجاب، فلما رآها صفوان وعرفها استرجع، أي: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، رأى زوج نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم تخلفت عن الجيش فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، تقول عائشة : (فلما رآني عرفني، وكان يعرفني قبل الحجاب، فلما رآني استرجع -أي: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون- تقول عائشة رضي الله عنها: فاستيقظت باسترجاعه -أي: صحت سيدتنا عائشة على قولته: إنا لله وإنا إليه راجعون- اسمع ماذا قالت أمنا رضي الله عنها! قالت: فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي) (فخمرت وجهي بجلبابي) هذا هو معنى الخمار في حديث في الصحيحين، فماذا تريدون بعد ذلك من أدلة؟ قالت: (فخمرت وجهي بجلبابي. وفي رواية: فسترت وجهي بجلبابي). ويؤكد ذلك أيضاً حديث فاطمة بنت المنذر رضي الله عنها تقول: كنا نخمر وجوهنا من الرجال في الإحرام مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها. وحديثها رواه الإمام مالك في الموطأ ورواه الحاكم في المستدرك وقال الحاكم : حديث صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وأقره الإمام الذهبي . إذاً: الخمار هو: ما تخمر به المرأة وجهها، أي: ما تغطي به المرأة وجهها.

    معنى النقاب

    النقاب هو: حجاب من وجوهٍ أيضاً، وسمي النقاب بالنقاب لوجود نقبين بمحاذاة العينين، لتتعرف المرأة من خلال هذين النقبين على الطريق. ولكن ينبغي أن أنبه هنا إلى أمر خطير، ألا وهو أن بعض المسلمات اللائي يلبسن النقاب قد حولنه هو الآخر إلى مصدر فتنة وإغواء وإغراء! كيف ذلك؟ وسعت المرأة فتحة العين على وجهها فظهر من خلال هذه الفتحة حاجبها، وظهر جزء كبير من وجنتيها، وهذه هي الفتنة بعينها، وليس معنى أن كثيراً من النساء قد حولن النقاب إلى مصدر فتنة وإغراء وإغواء أن نقول بعدم شرعية النقاب، فليس معنى أن يختل المسلمون في تطبيق أمر أو في تطبيق جزء شرعي أن نلغي هذا الجزء، وإنما ينبغي أن يؤمر المسلمون بأن يردوا هذا الأمر إلى ما أراده الله وإلى ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب على المرأة التي انتقبت أن تظهر الفتحة لعينها على قدر الرؤية لتتعرف من خلالها على الطريق، أما أن تتفنن في أن تظهر جمال عينها وقد امتلأت كحلاً، وامتلأت جمالاً وفتنة وتأثيراً، وظهر حاجبها، وظهر جزء كبير من وجنتيها، وتدعي أنها منتقبة، فإما أنها خادعة أو مخدوعة، فينبغي أن تتوب وأن ترجع إلى الله جل وعلا وأن تتقي الله، وأن تعلم بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. هذا هو الخمار، وهذا هو النقاب، وهذا هو معنى الحجاب. إذاً: هناك حجاب للأبدان وللوجوه معاً: من وراء ستارة سميكة، أو من وراء جدار، كما قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] أو إذا خرجت المرأة من بيتها لحاجة دينية أو دنيوية فعليها أن تلبس الثياب من رأسها إلى قدمها، وأن تغطي وجهها بالخمار أو النقاب، بالشروط والضوابط التي أشرت إليها آنفاً.

    1.   

    الأدلة على وجوب الحجاب من القرآن

    آية الإدناء

    أولاً: أدلة القرآن: ثانياً: الأدلة الشرعية من القرآن والسنة على وجوب الحجاب: الدليل الأول: آية الإدناء في سورة الأحزاب، ألا وهي قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ [الأحزاب:59] قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهل تعرف المرأة إلا من وجهها؟! ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً [الأحزاب:59] انتبهوا معي أيها الأحبة! وانتبهن معي أيتها الفضليات! لنتعرف على هذه الآية وعلى ما تحمله من أحكام عظيمة غابت عن كثير من المسلمين والمسلمات: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:59] الأمر هنا من الله جل وعلا لزوجات النبي الطاهرات، وبنات النبي العفيفات، ونساء المؤمنين الصالحات القانتات. إذاً: ليس الأمر هنا خاصاً بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن، كما هو واضح بمنطوق الآية ومفهومها أيضاً. قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير آية الإدناء: أمر الله نساء المؤمنين .. -واحفظوا هذا القول لـابن عباس رضي الله عنه؛ لأنه قد افتري عليه قول آخر، وقد ادعي عليه ما لم يقله! وهو بريء منه كما سنرى بالأدلة وبطرق أهل الحديث إن شاء الله جل وعلا- قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجة: أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة) قلتُ: ليتعرفن بها على الطريق. ويقوي هذا الإسناد ما صح عن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: قلت لـعبيدة السلماني .. وعبيدة السلماني هو: التابعي الجليل الفقيه العلم الذي آمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم ينزل المدينة إلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يزل عبيدة السلماني بالمدينة حتى توفاه الله جل وعلا، وأنا تعمدت أن أقول ذلك لتعلم أن عبيدة السلماني فسر آية الإدناء تفسيراً عملياً يوضح حال نساء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن جميعاً، فهو يوضح ما كان عليه النساء في عهد الصحابة رضي الله عنهم. يقول ابن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن معنى آية الإدناء ألا وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] يقول ابن سيرين : فقال عبيدة بثوبه هكذا، فغطى وجهه بثوبه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه. فهذا توضيحٌ عملي من تابعي جليل عاش في المدينة المنورة في عهد عمر بن الخطاب إلى أن مات رحمه الله. فهذا تفسير عملي لآية الإدناء، ووالله إنه من أعظم الأدلة؛ لأنه نقل لما كان عليه النساء في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم! يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]. وقال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر والعفاف إذا خرجت لحاجة، حتى لا يطمع أهل الريبة فيهن. ومن العلماء من يقول: إن الصحابيات رضي الله عنهن كن يخرجن كاشفات الوجوه! وهذا والله بهتان عظيم؛ لأن الوجه هو أصل الجمال في المرأة، وأنا أسالك بالله أيها المسلم المنصف! لا أريد منك جواباً، وإنما أجب أنت بنفسك على نفسك في جلسة صدق ولحظة صدق مع الله جل وعلا، أسألك بالله لو أن شاباً تقدم لخطبة فتاة وقيل له : لن ترى الفتاة إلا في صورة من الصورتين. فقال الشاب: وما هما؟ قالوا: الصورة الأولى: أن تخرج لك الفتاة في كل زينتها، وقد غطت وجهها! أي: غطت بدنها بالثياب وغطت وجهها، إلا أنها من تحت هذه الثياب، ومن تحت هذا الغطاء وضعت كل ما يمكن أن تضعه المرأة من زينة. سبحان الله! وما استفاد هذا المسكين إذاً؟! ما رأى شيئاً وما استفاد من تلك الزينة شيئاً. والصورة الثانية هي: أن تقف لك الفتاة من خلف نافذة وتنظر إليك بوجه مبتسم، وقد تغطى كل البدن من خلف جدار هذه النافذة، بشرط أن تنظر إلى الوجه فقط. فبالله عليك ماذا يختار الشاب؟! هل يختار الحالة الأولى التي خرجت إليه فيها المرأة وقد تغطت من قمة رأسها إلى أخمص قدمها وغطت وجهها أم أنه يريد أن ينظر إلى الوجه؛ لأنه هو عنوان الجمال الخلقي والطبيعي في الإنسان، ومن خلاله يستطيع الإنسان أن يبين الجمال والقبح والدمامة والنضارة؟! يقول الشاب بالمنطق: أريد الصورة الثانية، وهي: أن ينظر إلى وجه المرأة ليتعرف من خلال وجهها على جمالها وقبحها أو دمامتها، وهذا لا يحتاج إلى دليل، فكل منصف لم يمت إنصافه في قلبه، فيعمى بذلك عقله، سيقول هذا. إذاً: الله تبارك وتعالى يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر زوجاته وبناته ونساء المؤمنين. ومن العلماء من قال بأن الحكم هنا خاص بزوجات النبي! سبحان الله! كيف يكون الحكم خاصاً بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم والله تبارك وتعالى يقول في نفس الآية: وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:59]، يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وفي الآية قرينة واضحة على وجوب ستر الوجه، ما هي هذه القرينة؟ يقول: هي قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ [الأحزاب:59] ومعلوم أن وجوب احتجاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وسترهن لوجوههن أمر لا نزاع فيه بين المسلمين. فكيف تستقيم دعوى الخصوصية لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن والله تعالى يقول في آخر الآية: وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ؟! وهذا واضح. وأكتفي بهذا القدر في هذه الآية؛ لأن الموضوع طويل.

    آية الحجاب

    الدليل الثاني: آية الحجاب في سورة الأحزاب أيضاً: يقول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] لماذا؟ ما هي العلة من فرض الحجاب بين الرجال والنساء؟ قال الله تعالى الخالق الذي يعلم من خلق أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] قال جل وعلا: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] هذه هي آية الحجاب، وهي واضحة في وجوب احتجاب النساء عن الرجال، ولكن من العلماء من قال: إن هذه الآية خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن، قلت: إن كانت الآية خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم من جهة السبب، فهي عامة من جهة الأحكام، والقاعدة الأصولية تقول: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولو جاء أمر خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هو لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن! ولو جاء أمر خاص للنبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هو للنبي صلى الله عليه وسلم وحده دون سائر المؤمنين! لو كان الأمر كذلك لعطلنا معظم أوامر القرآن، ومعظم نواهي القرآن. وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في أول سورة الأحزاب بأن يتقي الله فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1] فهل يقول عاقل: إنه لا يجب علينا أن نتقي الله؛ لأن الأمر هنا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! وهكذا في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ [التحريم:9] هل يقول عاقل: إنه لا يجب علينا أن نجاهد الكفار والمنافقين؛ لأن الأمر هنا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! وكذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [الأحزاب:53] هل يقول عاقل: إنه يجوز دخول غير بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من غير إذن؟! ما هذا؟! إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا ما قال به علماؤنا. فهنا وإن كان نزول هذه الآيات في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات، إلا أنها عامة من ناحية الأحكام. ثم ما هي العلة من فرض الحاجب؟ العلة من فرض الحجاب بنص الآية هو: قوله تعالى: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] أتدرون لمن هذا الأمر؟ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات، لأشرف نساء العالمين، ولأطهر نساء الدنيا اللائي تربين في بيت النبوة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللائي شربن من نبع الوحي الزلال الصافي، وهن مَن هن؟! هن المطهرات من السفاح، المحرمات علينا بالنكاح، الموصوفات بأنهن أمهات المؤمنين، يأمرهن الله بالحجاب حماية لقلوبهن، وطهارة لقلوبهن وقلوب أبنائهن المحرم عليهم نكاحهن! فما نقول في غيرهن المحللات لنا بالنكاح، المتطلع لهن أهل السفاح؟! هل يجوز أن يخرجن، أو أن يكن سافرات غير منتقبات، وبارزات غير محجبات؟! إن دليل الأولوية في هذه الآية واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. فإذا أمرت عائشة بالحجاب فهل يترك غيرها؟! إذا أمرت حفصة بالحجاب طهارة لقلبها، فهل نترك غيرها؟! إذا أمرت أم سلمة بالحجاب طهارة لقلبها، فهل نترك غيرها؟! إذا أمرت سودة وزينب وغيرهن رضي الله عنهن بالحجاب فهل نترك غيرهن؟! إن دليل الأولوية واضح في هذه الآية، وهذا المسلك في القرآن معلوم عند أهل الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه، إن الأمر بين واضح، وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] لماذا؟ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].

    آية النور

    الدليل الثالث هو: الآية الحادية والثلاثون من سورة النور، وهي قول الله جل وعلا: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] يستدل العلماء من هذه الآية بثلاثة مواضع: الموضع الأول: قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] أي: إلا ما ظهر منها بغير قصد وعمد، بل وهي مضطرة لإظهاره رغماً عنها، وهو ظاهر الثياب، فإن الثياب على بدن المرأة زينة. وحتى لا نتهم بأننا نتعسف في لي أعناق الآيات لياً، فتعالوا بنا إلى صحابي جليل، علم من أعلام الصحابة في فهم كتاب الله جل وعلا، ما من آية نزلت إلا وهو يعلم متى نزلت وأين نزلت وفيما نزلت، إنه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ماذا قال ابن مسعود في تفسير هذه الآية؟ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] قال: الثياب، أي: زينة المرأة: الظاهرة الثياب، والإسناد إليه صحيح. أما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]: الوجه والكفان، فإسناده إلى ابن عباس لا يصح بحال، كما معروف لعلماء الحديث وعلماء التخريج، فإنه مروي عن ابن عباس من طريقين: الطريق الأول: رواه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري . والطريق الثاني: أخرجه الإمام البيهقي في السنن الكبرى. فتعالوا بنا لنقف مع هذين الإسنادين لنتعرف على صحتهما من عدمها، حتى يتضح لنا أن هذا القول لا يصح إسناده بحال إلى ابن عباس رضي الله عنهما. أما الطريق الأول -وهو الذي أخرجه الإمام ابن جرير الطبري في التفسير- فلا يصح بحال، وإسناد ضعيف جداً، بل هو منكر؛ لأن في سنده مسلم الملائي الكوفي ، قال فيه البخاري: تكلموا فيه، وقال فيه الحافظ الذهبي: ضعفوه، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الحافظ الذهبي: متروك الحديث. إذاً: الإسناد بهذا الطريق لا يصح بحال كما هو معلوم لكل علماء الحديث. أما الإسناد الآخر الذي أخرجه الإمام البيهقي : فهو ضعيف جداً أيضاً؛ لضعف راويين من رجال سند هذا الطريق: الرجل الأول هو: أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف. وقال فيه مطين : كان يكذب. أما الرجل الثاني فهو: عبد الله بن هرمز بن مسلم بن هرمز ، قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف، وقال فيه الحافظ الذهبي : ضعفه ابن معين والنسائي. إذاً: أيها الأحباب، الإسنادان لا يصحان بحال، ولا يصح أن يستشهد بهما في المتابعات والشواهد، فضلاً عن أن يحتج بهما في أمر من الأمور الواجبة، كما هو معلوم لكل طالب علم مبتدئ في علم الحديث. إذاً: لا يصح الإسناد إلى ابن عباس رضي الله عنهما في أنه فسر الزينة الظاهرة بالوجه والكفين، ويؤكد صحة ذلك ما ذكرته في أول اللقاء حينما فسر آية الإدناء بقوله: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة). إذاً: الزينة الظاهرة هي: الثياب، وهي: ما يظهر من المرأة من غير عمد وعلى حين غفلة من المرأة، ومن علم أحوال النساء علم ذلك جيداً، فإذا هبت ريح فقد تكشف وجه المرأة، وإذا اضطرت المرأة حين شرائها وبيعها أن تكشف عن وجهها الغطاء فقد ينظر رجل خلسة إلى وجهها على حين غرة منها، هذه زينة تظهر من المرأة من غير عمد، ومن غير قصد، وهي بإذن الله لا تؤاخذ عليها، بدليل قول الله جل وعلا: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]. الموضع الثاني في الآية هو: قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] ومعنى ضرب الخمار على الوجه: تغطية الوجه، بدليل حديث عائشة الذي رواه البخاري ومسلم : (فخمرت وجهي بجلبابي)، وبدليل حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام. الحديث رواه مالك وصححه الإمام ابن خزيمة وصححه الإمام ابن حبان ورواه الحاكم في المستدرك من طريقه وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وأقره الإمام الذهبي على ذلك في التلخيص. ويؤكد ذلك أيضاً قول فاطمة بنت المنذر رحمها الله تعالى الذي أشرت إليه آنفاً قالت: كنا نخمر وجوهنا من الرجال في الإحرام ونحن مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها. والأثر رواه الإمام الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرك الشيخين البخاري ومسلم ، وأقره الذهبي على ذلك. إذاً: قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] المفهوم من ضرب الخمار هو: أن تضرب المرأة الخمار من رأسها، أو من على رأسها على وجهها، وما سميت الخمر خمراً إلا لأنها تغطي العقل، وقال الحافظ في تعريف الخمر: ومنه: خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها. الموضع الثالث في هذه الآية: قوله تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] إذا كان الإسلام قد حرم على المرأة أن تضرب الأرض برجلها، خشية أن يفتتن الرجال بسماع صوت خلخالها، فبالله عليكم هل يحرم الإسلام على المرأة ذلك ثم يبيح لها أن تكشف وجهها الذي قد امتلأ نضارة وجمالاً وحسناً وتجميلاً وتزييناً؟! أي الفتنتين أعظم، فتنة الوجه أم فتنة القدم؟! إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]، ورحم الله من قال: إن الحجاب الذي نبغيه مكـرمةٌ لكل مسلمة ما عابت ولم تعب نريد منها احتشاماً عفة أدباً وهم يريدون منها قلة الأدب يا رُب أنثى لها عزم لها أدب فاقت رجالاً بلا عزم ولا أدب ويا لقبح فتاة لا حياء لها وإن تحلت بغالي الماس والذهب إن الحجاب عفة، إن الحجاب مكرمة، إن الحجاب شرف، إن الحجاب مروءة، إن الحجاب إيمان، إن الحجاب طاعة، إن الحجاب امتثال لأمر الله وامتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيا أيتها اللؤلؤة المكنونة المسلمة، أيتها الدرة المصونة الغالية، والله ما نريد لك إلا العفة، والله ما أراد الإسلام لك إلا الكرامة، والله ما أراد الإسلام لك إلا أن يحميك من عبث العابثين ومجون الماجنين، والله ما نريد لك إلا الخير في الدنيا والآخرة. أختاه! يا بنت الإسلام تحشمي لا ترفعي عنك الحجاب فتندمي صوني جمالك إن أردت كرامة فالناس حولك كالذئاب الحوم إي والله! كالذئاب الحوم، خاصة في زمان قل فيه الإيمان، وقل فيه الورع، وقل فيه الزهد، وقلت فيه التقوى، وإلى الله المشتكى، والله المستعان. وأكتفي بهذا القدر من الأدلة القرآنية أحبتي في الله.

    1.   

    الأدلة من السنة النبوية على وجوب الحجاب

    الأدلة النبوية على وجوب الحجاب كثيرة ولله الحمد والمنة، ووالله لو لم يكن منها إلا هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري والإمام مالك في الموطأ والإمام الترمذي في السنن وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد في مسنده وغيرهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين) (المرأة المحرمة) هي: التي أهلت بالإحرام في الحج أو العمرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: دل هذا الحديث على أن النقاب والقفازين كانا معروفين لدى النساء اللاتي لم يحرمن. وهذا واضح جداً، (لا تنتقب المرأة المحرمة) إذاً: غير المحرمة كانت في الأصل منتقبة، وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم في حال إحرامها ألا تنتقب، فهذا الذي نهيت عنه، وهذا الذي أمرت به. وروى أحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان -أي: الرجال الذين يركبون الدواب- يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا -أي: اقترب هذا الركب منا وفيه من الرجال من فيه- سدلت إحدانا جلبابها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. والحديث -للأمانة- ضعيف، وله شاهد قوي من حديث أسماء وحديث فاطمة بنت المنذر اللذين ذكرتهما آنفاً. والحديثان: والحديث الأول: رواه مالك في الموطأ، وابن خزيمة في الصحيح، وابن حبان في الصحيح، والحاكم من طريقه في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي . والآخر: رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي . أما أحاديث النظر إلى المخطوبة فهي والحمد لله أحاديث صحيحة بطرقها: جاءت عن محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم جميعاً، وهذه الأحاديث تدل على أن الخاطب كان يتكلف مشقة وعناء في النظر إلى وجه مخطوبته، وهي تجيز للخاطب أن ينظر إلى وجه مخطوبته، وسأذكر منها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. قال جابر بن عبد الله: فخطبت جارية، فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، وتزوجتها). يقول علماؤنا: المرأة التي تخرج في هذا الزمان متبرجة مكتحلة متزينة متطيبة متعطرة، لا تكلف الرجل مشقة في أن يختبئ لينظر إلى وجهها، بل ما عليه إلا أن يمشي إلى جوارها في الشارع ليرى منها كل شيء، كما نرى هذا في زمننا، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وهكذا فمن لم يمت إنصافه في قلبه، ولم يعم قلبه وعقله؛ لا يحتاج إلى سرد هذه الأدلة، ولا إلى كل هذه الأدلة، وإنما بفطرته النقية الطيبة سيعلم علم اليقين أن أصل الفتنة وأصل الجمال في المرأة هو وجهها، ويعلم علم اليقين أن حجاب المرأة شرف لها، قبل أن يكون شرفاً وكرامة لأفراد المجتمع. فيا أيها الأخ الكريم، عليك بزوجتك، وعليك بابنتك، وعليك بأختك. وأنت أيتها الأخت الفاضلة الكريمة، اتقي الله جل وعلا، واعلمي أن في الحجاب الشرف والعزة والمنعة والكرامة، وخيري الدنيا والآخرة. أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم الصواب. وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    شروط الحجاب الشرعي

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فيا أيها الأحبة: نتحدث عن شروط الحجاب الشرعي حتى تعلم المرأة أنه ليس كل ثوب يجوز أن تخرج به خارج البيت، فإن للحجاب الشرعي شروطاً، ينبغي أن تتعلمها كل امرأة: الشرط الأول: أن يكون الحجاب أو الثوب ساتراً لجميع البدن. فلا يجوز بحال أن تغطي المرأة رأسها، وأن تغطي المرأة بدنها، ثم يكون الثوب قصيراً لتظهر قدميها أو لتظهر ساقيها، ومن النساء من تتفنن في ذلك لستر هذا الجزء الباقي من أسفل؛ فتلبس حذاء برقبة طويلة لتستر هذا الجزء ثم تدعي وتزعم أنها محجبة. الشرط الثاني: ألا يكون الثوب زينة في ذاته. فلا تلفت المرأة الأنظار إلى ثوبها بألوانه الفاقعة، التي تجذب الأنظار، فلا ينبغي أن يكون الثوب في حد ذاته زينة، ولا ينبغي أن يكون معطراً يلفت إليه الأنظار، وهذا شرط مستقل من شروط الحجاب الشرعي. ثالثاً: ألا يكون الثوب شفافاً. بل يجب أن يكون الثوب صفيقاً أي: سميكاً لا يشف على بدن المرأة، ومن النساء من تلبس ثوباً صفيقاً أي: سميكاً، وتجعل في محاذاة الصدر أو على الذراعين ثوباً شفافاً يظهر ما تحته، وهذه هي قمة الفتنة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة : (صنفان من أهل النار لم أرهما .. وذكر منهما: ونساء كاسيات عاريات) ومن أوجه التفسير لهذا الحديث: أن تلبس المرأة ثوباً شفافاً يظهر ما تحته. الشرط الرابع: ألا يكون الثوب ضيقاً؛ لأن الثوب الضيق من أعظم الفتن، ومن أعظم ما يثير الشهوات؛ لأن الثوب الضيق وإن كان صفيقاً وسميكاً لا يشف فإنه يبين حجم عظام المرأة، وهذه قمة الفتنة التي ترسل بها النساء اللائي يلبسن مثل هذه الثياب الضيقة إلى قلوب الشباب، وقلوب الرجال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الشروط الخامس: ألا يكون الثوب مبخراً أو معطراً أو مطيباً. والمراد الثوب الذي تخرج به المرأة إلى الشارع، أما أن تتعطر وتتطيب وتتزين لزوجها في بيتها، فالإسلام يأمرها بذلك، وإن همت بالخروج فلا يجوز أن يكون الثوب معطراً؛ لأن العطر من ألطف وسائل المخابرة بين الرجل والمرأة، وفي الحديث الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً) فما ظنكم إذا خرجت إلى الأسواق والشوارع والطرقات؟! وروى الترمذي وقال: حديث حسن صحيح من حديث أبي موسى الأشعري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة استعطرت فخرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا -أي: زانية- وكل عين زانية) أي: وكل عين تنظر إليها بشهوة فهي زانية، وأسلفنا أن العينين تزنيان وزناهما النظر. الشرط السادس: ألا يكون ثوب المرأة لباس شهرة. كأن تلبس المرأة ثياباً غالية جداً في الثمن، ليشار إلى ثوبها بالبنان ويقال: إن فلانة بنت فلان تلبس من الثياب ما قيمته كذا وكذا، فهذا ثوب شهرة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الذي حسنه شيخنا الألباني وحسنة الإمام المنذري في الترغيب والترهيب: (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب عليه ناراً). ولا يشترط بالضرورة أن يكون ثوب الشهرة غالياً، فمن الممكن أن يكون ثوب الشهرة رخيصاً جداً يلبسه الرجل ليظهر التواضع وليظهر المسكنة وليظهر الذل، وهذا من ثوب الشهرة أيضاً. وكذلك المرأة. الشرط السابع: ألا يشبه ثوب المرأة ثياب الرجل، فلا يجوز أن تتشبه المرأة بالرجال في لباسها، أو في صوتها، أو في مشيتها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول -والحديث رواه البخاري -: (لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء) هذا ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه ملعونة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس : (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المرأة تلبس لبسة الرجل، والرجل يلبس لبسة المرأة، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء) فالمرأة التي تريد أن تظهر كرجل، بل وتسعد إن أشير إليها بذلك؛ ملعونة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، أما الرجل الذي يتشبه بالمرأة، فهو رجل مخنث يتكسر في مشيته، ويتغنج في لفظه، ويلبس من الثياب ما لا يليق أن تلبسه إلا المرأة، فهذا ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. الشرط الثامن: ألا يشبه ثوب المرأة لباس الكافرات. وهذه من النكسات النفسية التي أصبنا بها، حتى أصبحت المسلمة تقلد الكافرة في كل شيء، حتى في قصة شعرها، وهذه من الهزيمة النفسية التي أصابت قلوب كثير من النساء، لا يجوز للمسلمة أن تقلد الكافرة في أي شيء أبداً، وفي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) الحديث حسنه شيخنا الألباني، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح، وصححه الحافظ العراقي.

    1.   

    شبهات والرد عليها

    يوجد بعض الشبهات ينبغي الرد عليها، فبعض العلماء يقولون بجواز كشف الوجه -ونحن نحسن الظن بهم، ولا نتهمهم والعياذ بالله، فإننا نحب شيوخنا وعلماءنا، ولكن الحق أحب إلينا منهم- ويستدلون بأحاديث منها حديث أسماء الذي رواه أبو داود والبيهقي من حديث خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت أسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق -أي: رقيقة- فأعرض عنها النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى وجهه وكفيه) هذا الحديث كما معروف لكل طالب علم مبتدئ في علم الحديث لا يصلح بحال للمتابعات والشواهد، ولا يحتج به أبداً؛ لأن فيه ثلاث علل من العلل القادحة: العلة الأولى: أنه حديث مرسل من مراسيل خالد بن دريك عن عائشة، وهو لم يدرك عائشة رضي الله عنها، فـخالد من أتباع التابعين، ومعلوم عند علماء الحديث أنه لا يحتج بالحديث المرسل، ومن العلماء من قال: لا يحتج إلا بمراسيل كبار التابعين فقط كـسعيد بن المسيب وغيره، وخالد من أتباع التابعين. العلة الثانية: فيه سعيد بن بشير الأزدي وهو ضعيف، فقد ضعفه الحافظ الذهبي وكذا الحافظ ابن حجر في التقريب. العلة الثالثة: من رجال هذا الحديث قتادة وهو مدلس. فهذا حديث انقطع فيه السند، وفي بعض رواته ضعف، وفيه تدليس، فعند كل طالب علم مبتدئ -فضلاً عن العالم- لا يحتج بهذا الحديث، ولا يصلح أبداً للمتابعات والشواهد. وكنت أود أن أفند معظم الشبه الباقية؛ ولكن في هذا كفاية، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]. ورحم الله من قال: فلا تبالي بما يلقون من شبه وعندك العقل إن تدعيه يستجب سليه من أنا ما أهلي من نسـبي للغرب أم أنا للإسلام والعرب سليه لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم الصواب، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً وأن يرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك ومولاه. وأسأل الله جل وعلا أن يطهرنا وإياكم. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا. اللهم بارك في حكام المسلمين، وفي نساء المسلمين، وفي شباب المسلمين. اللهم قيض لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه. هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد، كما أمركم الله جل وعلا بذلك في قوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766284246