الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
وبعد:
يقول الله سبحانه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35].
قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ، أي: بين الزوجين.
فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ، فإذا رأى الحكمان أن يفرقا بينهما فرقا، حتى وإن أبى الزوج وإن أبت الزوجة ما اختاره الحكمان المرسلان من قبل القاضي من أن يفرقا بين الزوجين، أو أن يوفقا بينهما ألزما به، وقد أرسل أمير المؤمنين عثمان معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عباس للإصلاح بين زوجين من قريش أحدهما من أقارب معاوية والآخر من أقارب ابن عباس ، ففي طريقهما إلى البيت قال ابن عباس : ( لأفرقن بينهما )، وكان الرجل من أولاد عقيل بن أبي طالب ، وكانت المرأة بنت شيبة بن ربيعة ، فكانت تفتخر على زوجها أحياناً وتقول مفتخرة بآبائها: ( أين الطوال الذين رقابهم كأباريق الفضة ترد أنوفهم قبل أفواههم؟) يعني: تصف أهلها بالشهامة والجمال، فيقول لها ابن أبي طالب: ( هما عن يسارك في النار )، فأرسل إليهما عثمان معاوية وابن عباس بعد أن اشتد الخلاف بينهما، فقال ابن عباس : ( لأفرقن بينهما ) فقال معاوية : ( ما كنت لأفرق بين شيخين من قريش )، ففي طريقهما إليهما تصالح الزوج والزوجة وأغلقا الأبواب في وجه عبد الله بن عباس ومعاوية واصطلحا فيما بينهما.
الشاهد: أن الحكمان لهما أن يفرقا ولهما أن يجمعا إن اتفقا على رأي، ويلزمهما أن يصلحا نياتهما، فالله يقول: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] فقوله: ( إن يريدا ) ترجع إلى من؟
قال بعض العلماء: ترجع إلى الحكمين.
ومن أهل العلم من قال: ترجع إلى الزوجين، وليس هناك قرينة قوية توضح من المراد، ولقائل أن يقول: إنها تعم، فإذا أراد الزوج والزوجة الإصلاح وفق الله بينهما، وإن أراد الحكمان الإصلاح أكرمهما الله بأن يصلحا ذات بين الزوجين. والله تعالى أعلم.
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيراً [النساء:35].
عليماً بنيات الحكمين الذاهبين إلى الإصلاح، خبيراً بشئونهما.
وحسبنا كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإن كانت ثمّ وصايا لبعض البشر فلتكن وصايا أصحاب رسول الله قبل وصايا الإمام حسن البنا ، ولتكن وصايا التابعين وهم خير القرون بعد الصحابة خير من وصايا حسن البنا رحمه الله، ولتكن وصايا الأئمة كـالشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله قبل وصايا الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى، وليس في هذا انتقاص له ولكنه تنزيل للأمور منازلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي أقوام يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويظهر فيهم السمن) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة وأن هذه الوصايا التي ذكرت عن الإمام حسن البنا رحمه الله ليست وصايا في مسائل نازلة، إنما هي مسائل قديمة، مثلاً: من الوصايا في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)، لكن.. هل هذه الوصية تعد من أصول الدين أم أن هناك أشياء أخرى أولى منها وقبلها؟ لا شك أن هناك أمور أخرى أولى منها وقبلها، وهي المذكورة في هذه الآيات.
فالشاهد: أننا لا نتدين بوصايا إلا وصايا رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، وكتاب ربنا بين أيدينا هو حسبنا مع سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن كان ولابد من وصايا فوصايا الأئمة المهديين خير القرون أولى من غيرهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فأول وصية من هذه الوصايا العشر: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام:151] هذه أصل الوصايا وأصل الدين، بل أصل الأديان كلها منذ أن خلق الله آدم إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، قال الله سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] فهذه أولى الوصايا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لـمعاذ بن جبل عالم الصحابة بالحلال والحرام، قال: (يا
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في جملة أحاديث أن من عمل عملاً أشرك فيه أحداً مع الله تركه وشركه، قال الله سبحانه في الحديث القدسي: (من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) فهل المراد بقوله: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا الرياء، أو نفي الشريك مطلقاً سواء كان الرياء أو عبادة آلهة آخرى مع الله؟
الآية عامة، فتنفي الشركاء لله وتنفي أيضاً التوجه بالأعمال إلى غير الله سبحانه وتعالى، فيدخل فيها الرياء كما يدخل فيها عبادة آلهة مع الله، والرياء لا يكاد ينجو منه شخص؛ فمن ذلك: ما روي عن أبي عبد الله المروزي وسأله سائل: متى دخلت البصرة يا أبا عبد الله ؟ قال: دخلتها منذ عشرين سنة وأنا منذ ثلاثين سنة صائم، فقال له القائل: سألتك عن مسألة واحدة وأنت أجبتني عن مسألتين، فلماذا أجبت عن مسألة لم أسألك عنها؟ فكأنه أشار إليه أن ما ذكرته أنت يا أبا عبد الله حين قلت: وأنا منذ ثلاثين سنة صائم، فيه نوع من العجب والرياء والتكاثر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
كما تقول لقائل: صلاتك حسنة، فيقول لك: وأنا مع ذلك صائم والحمد لله، نعم أنت صائم ولكن لله، وأنا ما سألتك عن الصيام! وكما يحدث أيضاً لأهل العلم عندما يلقي محاضرة أو خطبة جمعة وتكون جيدة موفقة فيقول: ومع ذلك لم أحضر الخطبة، فتقول: ما سألناك عن تحضيرك للخطبة أو عدم تحضيرك! فاجعل نيتك لله سبحانه وتعالى، وهذه دقائق أمور ينبغي أن يلتفت إليها العاملون لله سبحانه وتعالى حتى لا تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، ويستشف هذا من نور الله بصيرته وزين قلبه بزينة الإيمان.
فالأمر بالإحسان إلى الوالدين تظافرت عليه نصوص الكتاب والسنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لما صعد إلى المنبر: (رغم أنف امرئ، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: رجل أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة)، ولا يخفى عليكم أن عيسى عليه الصلاة والسلام من أول الكلمات التي تكلم بها في المهد أن قال: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي [مريم:32] بعد قوله: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي [مريم:30-32]، وقال سبحانه في شأن يحيى: وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم:14]، ولا يخفى عليكم أن أحد الثلاثة الذين انسدت عليهم الصخرة في الغار وتوسل كل واحد منهم إلى الله بصالح عمله فقال أحدهم: (اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أذهب وأحلب لهما غبوقهما، وإنه نأى بي المرعى يوماً فرجعت إليهما وقد ناما والحلاب في يدي -القدر الذي به اللبن- فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند قدمي من الجوع -يعني: الصبية يتلوون من الجوع عند رجله وهو لا يريد أن يوقظ أبويه ويزعجهما من النوم ويكره أن يسقي الأولاد قبلهما فبقي كذلك طول الليل حتى طلع الفجر- اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه) ففرج الله سبحانه وتعالى عنهم بعض ما هم فيه.
ولا يخفى عليكم أيضاً أن أم جريج استجيبت دعوتها على ولدها إذ نادته وهو يصلي فلم يجبها وما منعه من إجابتها إلا الصلاة؛ إذ نادته فقالت: يا جريج ! فقال: يا رب أمي وصلاتي، ثم أتته في اليوم الثاني والثالث وقالت: يا جريج ! قال: يا رب أمي وصلاتي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات -أي: الزواني عياذاً بالله- فما مات حتى جاءته امرأة بغي من بغايا بني إسرائيل، اتفق معها بنو إسرائيل على أن تفتن جريجاً ، فقالت لهم: إن شئتم فتنت جريجاً ، قالوا لها: افعلي، فذهبت تطلب منه الزنا فأبى، فذهبت إلى راع فمكنته من نفسها فزنى بها وحملت وولدت، وجاءت قومها بالولد، فقالوا لها: ممن هذا؟ قالت: من جريج ، فأتوا إلى صومعته وأهانوه وضربوه ودمروا صومعته، فاستجيبت دعوة أمه إلا أن الله أكرمه ونجّاه؛ لأنه كان في صلاة، فقال: أين الغلام؟ فأتي به، فقال: يا بابوس! من أبوك؟ قال: أبي هو الراعي، فأكرموه وبنوا له صومعته، وقالوا: إن شئت أن نبنيها من ذهب بنيناها، فقال: لا، ولكن من طين كما كانت.
الشاهد: أن دعوة أمه استجيبت؛ لذا جاء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في هذه الآية، وفي قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء:23]، فإذا كان هناك رجل يؤذي والديه: يضربهما أو يسبهما، فهو أخطر وأجرم من رجل يسرق أموال الناس، فالعاق أشد جرماً من هذا السارق؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور).
فالذي يؤذي والديه أشد إثماً وجرماً من اللص الذي جلس يقطع الطريق ويسرق الناس، وليس معنى هذا تسهيل السرقة ولكن بيان جرم العقوق.
أضف إلى ما سبق أن العلماء بوبوا بباب: إذا طلب الأب من ولده أن يطلق زوجته هل يطلقها؟
في المسألة تفصيل: ففي قصة عمر قال عبد الله بن عمر : (كانت تحتي امرأة وكنت أحبها، وكان
فأخذ منها بعض الفقهاء: أن الأب إذا أمر ولده بتطليق زوجته فطلقها، لكن محل ذلك إذا كان الأب صالحاً، والباعث له على التطليق أمر شرعي، أما إذا كان الأب فاجراً أو فاسقاً ويأمر بطلاق المرأة لدينها؛ فرب العزة يقول: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، وكذلك الأم؛ إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها لما سئل: (من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك)، فكذلك الحكم بالنسبة للأم.
قال الله جل ذكره: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] فهذه وصايا، ولأن البشر يخطئون ويصيبون لم نجد في الوصايا العشر للإمام حسن البنا الأمر بالإحسان إلى الوالدين مثلاً، فدل ذلك على أنه لا تعتمد إلا وصايا ربنا ووصايا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن شاء أن يوصي فليوص، لكن لا تكون وصاياه شرعاً متبعاً عاماً لكل الناس يتعبد بها ويتغنى بها في التمثيليات والمسرحيات والمجالس والملاهي؛ فكل بشر يخطئ ويصيب.
وقد أراد الخليفة العباسي رحمه الله أن يجمع الناس على موطأ الإمام مالك ، ويلزمهم بذلك، من هو الإمام مالك ؟ مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، لكن من شدة إنصاف الإمام مالك وحرصه قال: يا أمير المؤمنين! إن الناس قد جمعوا أشياء لم نقف عليها، ووقفوا على أمور لم نقف عليها، فدع الناس ولا تلزمهم باتباع الموطأ ولا غير الموطأ. وكانت كلمة موفقة منه رحمه الله تعالى.
وينتبه أيضاً أن لذي القربى حق وإن كان مشركاً كافراً بالله، فقد جاءت أسماء إلى رسول الله وقالت: (يا نبي الله: إن أمي أتتني وهي راغبة -أي: وهي مشركة- أفأصل أمي يا رسول الله؟ قال: نعم صلي أمك) فللأقارب حق وإن كانوا أهل شرك، فرب العزة يقول: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ [الإسراء:26]، فدل ذلك على أن القريب له حق، وهذا الحق ما تعارف عليه الناس وما تعارف عليه علماء المسلمين في عهد الرسول ومن بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الإحسان إلى اليتامى ليست من وصايا الإمام حسن البنا رحمه الله، وهذا ليس انتقاصاً أبداً، إنما هو بيان كيف تؤخذ الأمور، والبشر تفوتهم أشياء، ولكن رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، فأحياناً العالم يقول كلمة تكون مناسبة وموائمة في زمانه ولكنها لا تصلح للزمان الذي بعده؛ فالإمام أحمد مثلاً كان يقول في أهل البدع: ( بيننا وبينهم الجنائز ) أي: إذا متنا نحن وماتوا هم فانظروا كم سيحضر جنائزنا وكم سيحضر جنائزهم؟ هذه المقالة كانت موفقة في زمن الإمام أحمد فالناس كانوا يحبون السنة، أما لما مات جمال بن عبد الناصر كم حضر جنازته؟ ملايين من البشر ومنهجه سني، ولكن انظر إلى الخميني لما مات وهو شيعي رافضي كم حضر جنازته؟ فالعبرة دائماً بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه.
ودليل ذلك من الكتاب والسنة: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79] الشاهد: أنهم مع كونهم يمتلكون سفينة إلا أنهم أطلق عليهم أنهم مساكين، وكذلك قد يكون لشخص فلاح قطعة من الأرض تقوم بمائة ألف، ومع ذلك هو مسكين؛ لأن دخل الأرض لا يكفي القيام على أسرة مكونة من عشرة أو ثمانية أفراد، فيدخل في عداد المساكين الذين تحل لهم زكوات الأموال.
من أهل العلم من يقول: إن الجار إلى أربعين باباً، والحديث بهذا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحقيقة أن الجيرة أمر نسبي، فأنت مثلاً هنا في المنصورة تقول على الذين هم في شارعك جيران، إذا خرجت إلى القاهرة وسئلت: من أين أنت؟ تقول: أنا من المنصورة، وإذا رأيت شخصاً من المنصورة تقول: هو جاري، وإن كان بينك وبينه مسافات طويلة، إذا كنت في البرازيل أو استراليا وعرفت شخصاً من مصر أو من الشرق الأوسط قلت له: نحن من بلاد واحدة، فالأمر في الجيرة أمر نسبي، ورب العزة يقول: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:60] فأطلقت الجيرة هنا على كل أهل المدينة.
وقد جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث على إكرام الجار، والنصوص التي أتت في الحث على إكرام الجار لم تقيده بالجار المسلم، فعلى ذلك إذا كان جارك يهودياً أو نصرانياً يلزمك الإحسان إليه كذلك، مادام ليس محارباً لك، قال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].
قال الله سبحانه وتعالى: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36] قال بعض العلماء: الجار الجنب هو الجار الذي لا تربطك به قرابة.
ومن مروءات الحضر: كثرة اتخاذ الإخوان الصالحين، وعمارة المساجد، يعني: كثرة المكث في المساجد وكثرة ذكر الله عز وجل.
لقد أوصى الله بالصاحب في السفر في قوله: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ .
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36]، مفتخراً على الناس بما يوليهم ويعطيهم ويسدي إليهم، مختالاً في نفسه فخوراً على غيره.
النوع الأول: بخل بالزكوات المفروضة؛ فالذي يبخل بالزكاة المفروضة عليه في ماله يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (من آتاه الله مالاً ولم يؤد زكاته؛ مثّل له يوم القيامة شجاع أقرع يتبعه وهو يفر منه فيلتفت إليه فإذا هو يتبعه، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا كنزك أنا مالك، وهو يفر منه ولا يستطيع الفرار، ثم يمد يده إليه فيقضمها كما يقضم الفحل) يعني: ثعبان عظيم يتبع مانع الزكاة، ويجري خلفه ويلاحقه ويطارده، وهو يقول: من أنت؟ فيقول: أنا مالك أنا كنزك، حتى يعطيه يده فيقضمها كما يقضمها الفحل، عياذاً بالله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته صفحت له صفائح من نار فيكوى بها وجهه وجبينه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم ينظر بعد ذلك مقعده من الجنة أو مقعده من النار)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: (ما من صاحب إبل لم يؤد زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر؛ فتطؤه بأخفافها وقرونها وأظلافها، فإذا مرت عليه أولاها مر أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم ينظر بعد ذلك مقعده من الجنة أو مقعده من النار)، هذا بالنسبة للبخل بالزكاة المفروضة.
النوع الثاني: البخل بالصدقات؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم تطلع عليه الشمس إلا وبجنبتيها ملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، يعني: يدعو على الممسك بأن يتلف الله عز وجل أمواله.
وهناك صور أخرى للبخل: كالبخل بالسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبخل الناس من بخل بالسلام) لأن السلام لن يكلفك شيئاً.
ومنه: البخل بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي) وجاء بنوا عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (من سيدكم يا بني عمرو؟ قالوا:
قال الله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ . أي: لا يقف بخلهم على أنفسهم بل وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:37] وقوله: وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ : محتمل أنهم يكفرون بنعم الله عليهم، أو يخفون نعم الله عن الفقراء، كما تواطأ أصحاب الجنة الذين ذكروا في سورة القلم: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ [القلم:17-18]، فإظهار نعم الله يطلب أحياناً، فمثلاً: من حق الإبل أن تحلب في المكان الذي تشرب فيه الإبل الماء، ويعطى للفقير وللمسكين من لبنها.
ما حكم إظهار المعروف الذي يصنعه الشخص أمام الناس؟
قد يكون ذلك الإظهار أحياناً رياءً محرماً، وقد يكون أحياناً سنة مستحبة، وقد يكون الإخفاء أحياناً أعظم أجراً وثواباً، وكل ذلك مترتب على النية والملابسات المحيطة بالصدقة، فإذا كنت تتصدق وتظهر صدقتك طلباً لنيل الثناء والحمد من الناس فهذا حرام، وإذا كنت تريد بإظهار صدقتك تشجيع الناس على الصدقة فهذا حسن، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما حث أصحابه على الصدقة وقام رجل وتصدق وتبعه الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، وإذا لم يكن ثم هذا ولا ذاك، فالإخفاء أفضل، قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271].
قال الله سبحانه وتعالى في هذه الآية: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا ) [النساء:38] صديقاً ومحاسباً، (فَسَاءَ قَرِينًا [النساء:38] فبئس القرين، كما قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف:38].
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:39] أي: ما يضرهم إذا آمنوا بالله واليوم الآخر، وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء:39].
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] فهذه الآية خبر يقتضي الحث على فعل الخير، فالله يخبر أنه لا يظلم مثقال ذرة، والمراد من هذا الخبر: التشجيع على فعل الخير، فإذا كان الله لا يظلم مثقال ذرة فبادروا بالصدقات وفعل المعروف.
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40].
وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، وعند هذه الآية بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تذكر أنه سيأتي شهيداً على أمته الذين يكذبونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن مسعود : (اقرأ علي القرآن، قال: أأقرأ عليك وعليك أنزل يا رسول الله؟) وفيه دليل: على أن الفاضل قد يستمع من المفضول، (فقرأ
قال الله: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، فيشهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته شهادات خاصة أحياناً وشهادات عامة أحياناً أخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ذهب إلى قتلى أحد فصلى عليهم كالمودع لهم وقال: (اللهم إني شهيد عليهم).
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعراب فأسلم واتبعه، وجاهد معه، وأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم قسطاً من المغانم، فرد الرجل المغانم إلى رسول الله وقال: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذا قسمك ونصيبك من المغانم، قال: والله يا رسول الله ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أقاتل معك فيأتيني سهم فيدخل من هاهنا -وأشار إلى رقبته- ويخرج من هاهنا فأدخل الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يصدق الله يصدقه، فخرج إلى القتال فأصيب بسهم في الموضع الذي أشار إليه بإصبعه وخرج من الجانب الذي أشار إليه، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدق الله فصدقه الله سبحانه وتعالى، ثم دفنه وقال: هذا عبدك خرج مجاهداً في سبيلك، اللهم إني شهيد عليه).
وكما أن هناك شهادات خاصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه، فهناك شهادات منه عليه الصلاة والسلام لعموم أمته، فيشهد لعموم الأمة بأنهم شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فيأتونه غراً محجلين من آثار الوضوء، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام لعمه أبي طالب : (يا عمي! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاجُّ لك بها عند الله) وفي رواية: (أشهد لك بها عند الله عز وجل) فلم يقل هذا أبو طالب ومات على الكفر بعد أن قال: هو على ملة عبد المطلب ، فالرسول يكون شهيداً على أمته، وكل نبي يشهد على أمته، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تصدق النبيين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله سبحانه وتعالى لنوح يوم القيامة: يانوح! هل بلغت؟ يقول: نعم يارب، فيقول الله لقومه: هل جاءكم من ندير؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول لنوح: من يشهد لك يا نوح؟ فيقول: محمد وأمته، فتقوم أمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد لنوح بأنه قد بلغ قومه) تصديقاً لكتاب الله وتصديقاً لما أخبر نبي الله، وفي هذا يقول تعالى: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143].
ثم قال الله تعالى يصف عصاة الرسل عليهم الصلاة والسلام: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42].
الجواب: ليس هناك دليل على أنها شجرة القمح ولا شجرة التين ولا غيرها من الأشجار، والاقتصار على الوارد في كتاب الله وسنة رسول الله أولى، ويطالب كل من تكلم بقول بأن يأتي بمستنده من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يأت بمستند وإن كان دكتوراً أو شيخاً عالماً واعظاً؛ فكلامه مردود بالكتاب والسنة. والله أعلم.
الجواب: لا. ليس بحرام بل هو ظالم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل: كيف أنصره ظالماً يارسول الله؟ قال: تمنعه من الظلم) فإن كنت مستغن أنت فسائر إخوانك لا يستغنون عن حقهم، فلا شيء فيها إذا طالبت بحقك ولو بشيء من القوة. والله أعلم.
الجواب: لا نقبل للواقدي حديثاً، فـالواقدي رغم أنه حافظ إلا أنه كذاب، كما وصفه العلماء.
نعم هو مكثر من الحفظ لكنه يكذب في الحديث، وإذا كان يكذب في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فكيف نقبل أخباره في السيرة والتاريخ؟!
وللأسف أن الذين يكتبون في السيرة والتاريخ أغلب مادتهم من الواقدي؛ لأن ابن سعد في كتابه: الطبقات أخذ جل كتاب الطبقات من الواقدي، والواقدي كذاب كما سمعتم، فإذا قلت لهم: إن الواقدي كذاب، ضيقت عليهم المادة التي يتحدثون بها، فضاقوا ذرعاً بكلامك ولم يلتفتوا وأصروا على باطلهم وقبلوا كلام الواقدي، فكما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ( ما أحوج أهل السنة إلى قصاص صدوق ) أي: أن الناس يحبون الوعاظ؛ لأنهم يتكلمون بكلام كثير ويا ليته نافع.. كلام كثير منهم مبني على أكاذيب، فإذا قوضت وقيدت عليهم ضاقوا ذرعاً بك، وقالوا: نحن نتساهل في أمر السيرة، وهذا لا يضر. وهذا كلام خطأ، فالرجل أحياناً بل في كثير من الأحيان ينسب إلى رسول الله ما لم يفعله؛ لأنه عندما يقول: سار رسول الله من مكان كذا إلى كذا، واتجه وقابل فلاناً وأقام صلحاً مع فلان.. كل هذه سيرة ويبنى عليها أحكام، فإذا كانت مبنية من طريق كذاب فلا تقبل ولا تروى ولا كرامة.
هذا بالنسبة لكتب السيرة، وللأسف أن الناس يتلقونها هكذا ولا يمحصون ما فيها ثم تنشأ عنها بلايا، وأحياناً حتى بعض إخواننا من أهل السنة يقعون في شيء من هذا، لكن نلتمس لهم الأعذار، مثلاً: يوجد كتاب طبع ووزع بكميات كبيرة اسمه: "السيد البدوي دراسة نقدية" وهذا الكتاب أغلب مادته مأخوذة من كتاب أحمد صبحي منصور الرجل الذي سحبت منه الرسالة الآن، وأحمد صبحي منصور هذا هل نحن نشهد أنه صادق؟ لا نشهد له بالصدق أبداً؛ فإنه طعن في نافع مولى ابن عمر الذي يروي أصح الأحاديث عن عبد الله بن عمر ، وطعن في سنة رسول الله حديثاً تلو حديث تلو حديث، ثم جاء أخونا عبد الله صابر وأخذ أغلب مادته من كتاب أحمد صبحي منصور .
أما السيد البدوي المأثور عنه -وعلمه عند الله- أنه من الرافضة، والشرك الذي يرتكب عند قبره يجعل الشخص يهاجمه بكل ما يتسطيع أن يهاجم به شخصاً إذا كان يقر هذا الشرك.
لكن كوننا نعتمد على كتاب لرجل غير موثق وغير ثقة؛ فأظن أن هذا لا يصلح ولا يجوز، فـأحمد صبحي منصور نفسه أخذ أغلب مادة الكتاب منه، وكتبها عبد الله بن صابر ، ولما كتبها عبد الله بن صابر بعض إخواننا لتحامله -وهو تحامل في محله- عليه رماه بالشرك، وهم حقيقة يشركون بالله، لكن مع كونهم يشركون بالله لا نقل إلا شيئاً موثقاً من مصدر صحيح ثابت. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فإذا أردت أن تأخذ السيرة الصحيحة فخذها من صحيح البخاري في كتاب: السير والمغازي.. فصحيح البخاري كله مسند، يقول البخاري : حدثني إسماعيل ، حدثني مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كذا وكذا. فقد جمع المادة العلمية الصحيحة بالأسانيد الثابتة، وكذا في كتاب المغازي في صحيح مسلم، وهناك رسائل دكتوراه ألفت الآن في الغزوات، وتوجد رسالة دكتواره ألفت في غزوة تبوك جمعت المادة العلمية التي رويت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك، أثبتت الثابت منها وأبعدت الضعيف منها، ورسالة أخرى ألفت في غزوة بدر أثبتت الثابت عن رسول الله في غزوة بدر وأبعدت غير الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وتوجد مجهودات تبذل في الجامعات سواء كانت في الأزهر أو في الجامعة الإسلامية في المدينة أو في غيرها جمعت المادة العلمية الثابتة عن رسول الله فالتعويل عليها، أما أننا نأخذ الغث والسمين، والشيخ فلان يأتي يروي القصة ويزيد عليها نصفها أو ضعفها، والشيخ الآخر ينسجم مع القصة فيجلس يفسر وينسب تفسيره إلى رسول الله! فهذا يسبب أخطاء كبيرة، حتى إن بعض الناس يدرس كتاباً اسمه: "المنهج الحركي للسيرة النبوية" ولما يقول خرج الرسول من كذا إلى كذا ويبني عليها حكماً. إذاً: أسند هذا الكلام مادمت نسبته إلى رسول الله، فديننا مبني على هذا، ونحن لسنا مطالبين بالإكثار من الكلام بل مطالبين بإعطاء الناس مادة علمية صحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمثلاً: الآن يصاغ في غزوة تبوك رسالة دكتوراه، وقد تستغرق ثلاث سنوات أو أربع، لو وجد متفرغ لدراسة مرويات غزوة تبوك وإثبات الثابت وإبعاد الضعيف، وغيرها من مغازي رسول الله: المريسيع وتبوك وبدر وأحد والخندق والفتح، عدة مغازي فيحتاج إلى صبغة أدبية بين كل هذا الترتيب الزمني فيحتاج إلى صبغة أدبية، فقد يكون لم يؤت تلك القدرة على الصياغة الأدبية فيحتاج إلى غيره يصيغ يسبك الأحداث بصيغة أدبية تشوق الناس لقراءتها.
نسأل الله أن يوفقنا لما فيه خير للإسلام والمسلمين.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر