إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً أما بعد:
فيقول الله عز وجل: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] .
قوله تعالى: (وَآتُوا) أي: وأعطوا، فالإيتاء يطلق على الإعطاء، أما أتى فمعناها: جاء.
(صدقاتهن): جمع صداق، ومعناها: مهورهن، أي: وآتوا النساء مهورهن.
فهبة المرأة نفسها للرجل كان خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقوله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] أي: وأعطوا النساء مهورهن فريضة، فالصداق فرض لهذه الآية.
فإذا اختلفتما في الصداق بعد العقد فالمرد إلى الأعراف السائدة، فمثلاً: رجل عقد على امرأة لم يسم لها صداقاً، فيفرض لها صداقها، فإما أن يتفق مع وليها على الصداق، فإن اتفقا فذاك، وإن اختلفا في الصداق فيرد إلى الأعراف السائدة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (قضى في
وقوله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4] يدل أن الصداق للمرأة وليس لوليها، فهي أحق بالصداق لهذه الآية؛ لأن الله قال: صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4] وقال: فَإِنْ طِبْنَ [النساء:4]، فنسبة الصداق إليهن دلالة على تملكهن إياه، ولا يملك منه الولي شيئاً إلا إذا طابت نفس المرأة بإعطائه له.
ودل على ذلك أيضاً حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (لها مهر مثلها) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الملاعنة: (إن كنت كاذباً عليها فلها الصداق بما استحللت من فرجها) ، فدلت هذه النصوص على أن الصداق من حق المرأة وليس من حق الولي.
في هذا إشارة وإيماء إلى توهين حديث: (أنت ومالك لأبيك) ، أو على الأقل إظهار فقه لهذا الحديث: (أنت ومالك لأبيك) فله فقه في حالة ثبوته، أما من ضعَّفه فلا يحتاج إلى التكلف في توجيهه.
في الآية دلالة أن الأليق والأولى بالمرأة ألا تعطي الزوج الصداق كله، ولا تتنازل له عن الصداق كله، لأن الله قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا [النساء:4] فقال: (عن شيء) ولم يقل: عن كل الصداق، فاحتفاظها بأكثر الصداق أولى من أن تعطيه كله وتمد له يدها بعد ذلك.
وقد جاء في الحديث أن كعب بن مالك لما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقة لله ورسوله، قال له النبي عليه الصلاة والسلام: يا
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن العلماء من فسر السفهاء هنا بالنساء والصبيان، قال: لأن المرأة همتها تتلخص في إلقاء المال في التزين لزوجها في الغالب كما قال سبحانه: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] فالنساء في الغالب لا يحسن التصرف إلا من رحم الله منهن، والصبيان كذلك.
ومن العلماء من فسر السفهاء بمن لا يحسن التصرف بصفة عامة، ومن العلماء من فسر السفهاء بالفساق، والأولى أن السفيه: هو كل ضعيف لا يحسن التصرف في المال أخذاً أو إعطاءً، وحكمه ألا يمكن من التصرف في ماله.
وهذه الآية من الآيات الدالة على الحجر على الأشخاص، فهنا حجر على السفيه، وهناك أنواع أخرى من الحجر:
كالحجر على المفلس -وهو المدين- حتى يؤدي للناس حقوقهم.
والحجر على البكر، فلا تتزوج إلا بإذن وليها.
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، أي: التي وكلكم الله وجعلكم قائمين عليها، فأشعرت الآية أن المال الذي في يديك إنما هو مال الله وأنت قائم عليه فقط.
الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] أي: أنتم قائمون على هذا المال، فالأصل أننا مستخلفون في هذا المال، ولسنا مالكين له، فمادة القيام من القيوم، والقيوم أي القائم، كما قال تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33] ولذلك أطلق اسم القيوم على الله سبحانه وتعالى، ومعناه: القائم على كل شيء، وبإذنه تقوم السماء والأرض.
فـ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] أي: جعلكم قائمين على هذه الأموال، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله) أي: المحافظ على حدود الله والعامل بحدود الله.
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا [النساء:5] قد تقدم أن حروف الجر تتناوب، أي: وارزقوهم منها.
: وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] أي: لا تعطوهم المال ولكن طيبوا خاطرهم ولو بكلمة.
ومن الأدلة على جبران الخاطر أيضا هذه الآية التي نحن بصددها، ومعناها: لا تؤتوهم الأموال لكن قولوا لهم قولاً معروفاً، وهو تطييب الخاطر ولو بالكلمة، ونحوه قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ [الإسراء:26] إلى قوله سبحانه وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا [الإسراء:28] يعني: إذا لم ترد أن تعطي الوالدين أو الأقارب أو المساكين المال لعلة من العلل فقل لهم قولاً طيباً ميسوراً، قل لهم مثلاً: إن شاء الله يوسع الله عليّ وأعطيكم كل ما تريدون، أو أي كلام طيب يعد جبراً للخاطر مقابل منع المال عنهم.
وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والكلمة الطيبة صدقة).
حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] أي: بلغوا الحلم.
فَإِنْ آنَسْتُمْ [النساء:6] أي: أبصرتم ورأيتم وعلمتم مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6] أي: عقلاً وتدبيراً وحكمة في الإنفاق فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6].
وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] قلنا: إن النكاح هنا المراد به: الحلم.
فدفع الأموال إلى اليتامى قيد بشرطين في الآية:
الشرط الأول: إيناس الرشد منهم، أي: أن ترى فيهم عقلاً وحكمة ورشاداً في الإنفاق.
الشرط الثاني: أن يبلغوا الحلم، فلابد أن يبلغ اليتيم الحلم، ومع البلوغ يؤنس منه الرشد.
وهنا مسألة وهي: إذا بلغ اليتيم الحلم ولكنه ليس رشيداً، فهل يعطى المال أو لا يعطى؟
فريق من أهل العلم قال: لا يعطى المال؛ لأن الله قال: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] قالوا: فالمفهوم المخالف: أنا إذا لم نأنس منهم رشداً لا ندفع إليهم أموالهم.
وقال فريق آخر من أهل العلم: بل تدفع إليهم أموالهم وإن لم يؤنس منهم الرشد، وحجتهم أن الله قال: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
واستدل الأولون بأمور: قالوا: إذا كان اليتيم قد بلغ الحلم وهو سكير عربيد فسيأخذ المال ويفسد به في الأرض، والله يقول: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205].
أجاب أصحاب القول الثاني بقولهم: إن هذا حاصل في غير اليتيم كذلك، فهل يمنع غير اليتيم من أمواله ومن الميراث لفسقه؟ فمثلاً: إن وجد رجل فاسق مات أبوه، فهل نمنعه من الميراث لكونه فاسقاً؟ الجواب: لا.
فهذا هو الحاصل من أقوال العلماء في هذا الباب.
وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [النساء:6] عن أموالهم، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:6] يستعفف أي: يتعفف، أو يطلب من الله أن يعفه، ففي الأصل أن السين إذا دخلت على الفعل أصبح معناها الطلب، فـ(استغفروني) معناه: اطلبوا مني أن أغفر لكم، واستطعموني أي: اطلبوا مني أن أطعمكم، إلا في بعض الأحيان كقوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] ليس معناها المعنى المعهود.
فقوله: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [النساء:6] أي: يتعفف عن أموال اليتامى أو يطلب من الله أن يعفه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله، من يستغن يغنه الله)، فأنت إذا بادرت إلى الخير تقرب الله منك كما في الحديث القدسي: (إذا تقرب إلي عبدي شبراً تقربت إليه ذراعاً) فإذا سلكت سبيل الخير يسر الله لك سبل الخير.
وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:6] ما المراد بالمعروف؟
بعض أهل العلم يقول: المعروف هو المتعارف عليه بين الناس، ويكون هذا مقابل قيامك على اليتيم، أي: فإذا كان عندك يتيم تربيه وأنت فقير، وليس عندك مال وليس في وسعك أن تنفق عليه، فلتأكل من ماله بقدر قيامك عليه غير مبذر ولا مسرف ولا متأثل ماله.
هذه الآية أباحت لولي اليتيم أن يخلط ماله بمال اليتيم، ويأكل من مال اليتيم بقدر قيامه عليه، وحكى هذا بعض العلماء ومنع من ذلك آخرون.
إذاً قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] هنا التقييد بالظلم غير القيام عليه في حال فقره، قال سبحانه: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:6].
أي: فإذا سلمت لليتيم ماله وميراثه فأشهد عليه، وفي هذا بيان أن الرب سبحانه وتعالى حريص عليك وعلى مصلحتك وعلى اليتيم، فقد يجحد اليتيم بعد ذلك ويتحدث الناس في عرضك ويقولون: أكل أموال اليتامى ظلماً.
وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، دفعتم أي: سلمتم إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] أي: من الميراث الذي كان لهم فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [النساء:6] فالإشهاد مشروع في الأعمال.
ومن ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة والشهود، وهذا لما جحد آدم فجحدت ذريته كما في قصة داود عليه السلام، لما وهب له أبوه آدم أربعين سنة أو ستين سنة، وقال بعد ذلك لما جاء ملك الموت يقبضه (ما وهبت له شيئاً) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد فجحدت ذريته، وعصى فعصت ذريته،) ومن ثم أمر بالكتابة والإشهاد.
إذا كان أبونا آدم أعقل البشر على الإطلاق كما أطلق ذلك فريق من العلماء، فإنه عاقل رشيد متزن مؤمن صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك جحد، كما في الحديث (أنه رأى ذريته أمام عينيه كالذر فنظر إلى رجل من أوضئهم فقال: من هذا يا رب؟ قال هذا ابنك داود. قال: كم عمره؟ قال ستون أو أربعون سنة، قال قد وهبته من عمري أربعين أو ستين سنة. فلما جاء ملك الموت يقبضه قال: قد بقي من عمري أربعون أو ستون، قال ألم تكن وهبتها داود؟ قال: ما أعطيته شيئاً. قال الرسول عليه الصلاة والسلام: فجحد فجحدت ذريته، وعصى فعصت ذريته، ونسي فنسيت ذريته) ومن ثم أمر بالكتابة والإشهاد.
فلا تسلف أحداً من الناس مالاً إلا كتبت وأشهدت على ذلك الدين، فما دام آدم قد جحد فغيره من باب أولى.
وقد ورد في هذا الباب حديث صححه بعض أهل العلم، لكن المحققين من أهل الحديث ضعفوه، ألا وهو حديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله -أو يبغضهم الله- رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى سفيهاً مالاً، ورجل أعطى رجلاً ديناً ولم يشهد عليه) لكن الحديث ضعيف والصواب فيه: أنه من قول أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، فهو موقوف ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خطأ كما ذكر ذلك الحفاظ من أهل الحديث.
فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [النساء:6] فالإشهاد في دفع الأموال إلى الأيتام والإشهاد على الديون، والإشهاد عند الطلاق، الإشهاد عند إرجاع الرجل لزوجته، والإشهاد عند النكاح؛ أمور لابد من التنبه لها.
قال يحيى بن يعمر رحمه الله تعالى وهو من التابعين: ثلاث آيات ترك الناس العمل بهن: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فيقولون: أغناكم وأوجهكم وأعلاكم منصباً ومركزاً، والله يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ [النور:58] وقوله تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8].
أي: إذا حضر أثناء تقسيم التركة أولو القربى واليتامى والمساكين فلا بأس بأن يعطوا شيئاً من المال جبراً لخاطرهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يقولون إن هذه الآية منسوخة، ووالله ما نسخت إنما هي محكمة، وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8] وقد تقدم حد اليتيم، والمسكنة لا تحد بشيء ثـابت إنما مردها إلى الأعراف، وقد يملك الرجل بيتاً ويملك سيارة ومع ذلك فهو مسكين، وهذا قد يحصل، قال سبحانه: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف:79] وقد جاء: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، لكن المسكين هو الذي لا يجد غنى يغنيه) كما في الحديث.
الخطاب في الآية للجلساء الذين يحضرون قسمة تركة الميت، يأتي الجليس يقول: لا نعطي اليتامى والمساكين شيئاً، وأصحاب الحق أولى بالحق.
فرب العزة يقول: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9] فيا من قلت هذا القول قد يأتي يوم من الأيام ويكون ابنك فيه يتيماً ويحتاج إلى الصدقة، فتحتاج أنت أيضاً إلى شخص يعطف على ابنك ويحنو عليه ويقول للناس: اتركوا له شيئاً من الصدقة.
وفي الآية إشعار أن جزاء الإحسان الإحسان وهذا واضح وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ [النساء:9] فإن ما تصنعه مع أولاد النـاس يصنعه الناس مع أولادك، وإن لم تكن صريحة في المعنى لكنها تدل عليه بقوة.
ولذلك قلنا: عليك أن تحرص على المرأة الصالحة من البيت الصالح، وذلك لأن الله قال: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف:82] فالصلاح من الوالد وكان سبباً في حفظ الجدار أو في حفظ الكنـز، فهنا يذكر الله سبحانه وتعالى عباده بأن يقولوا كلمة طيبة فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ [النساء:9] في كلامهم وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9].
ومن المعلوم أن القول السديد سبب في صلاح عملك، والقول المعوج سبب في فساد عملك، يقول الله سبحانه: اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [الأحزاب:70-71] القول السديد سبب في صلاح العمل، والقول الأعوج الذي تريد به أحياناً وجه الناس وأحياناً تريد به مصلحتك، كل ذلك سبب في فساد عملك.
فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9] أي: ما تحب أن يصنع مع أبنائك فاصنعه مع هؤلاء الأيتام.
وقد يأتي رجل محتضر فيأتي شخص يقول له: أوص بمالك كله في سبيل الله، والأولاد يتولاهم الله، فهذا من الجور في النصيحة، وآخر يعكس المسألة فيقول: اترك أموالك كلها لأولادك ولا تنفق شيئاً في سبيل الله، فهذا أيضاً من الجور في النصيحة، والقول السديد: هو الوسط الحق العدل.
وهذه الآية لما نزلت تحرج بسببها كثير من الناس غاية التحرج، فتجدهم لا يقتربون من أموال اليتامى، ويبتعدون عنها تماماً حتى أن أموال الأيتام أحياناً تأكلها الصدقات.
وتساهل بعض الناس في هذا الأمر، وقال: إن الله أباح الأخذ من مال اليتيم بالمعروف إذا كانت نيتك صالحة، لقوله تعالى: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220].
وقد كان فريق من أهل العلم إذا سئل عن شيء مما يتعلق بأمر اليتامى أجاب بهذه الآية: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220].
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10] أطلق أنها نار باعتبار ما ستئول إليه، فإنها ستكون ناراً يوم القيامة، وسيصلون سعيراً، فأكل أموال اليتامى من الكبائر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وأكل أموال اليتامى) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر أكل أموال اليتامى إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
الجواب: قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في شأن العقيقة: أفرط فيها رجلان رجل قال بوجوبها، ورجل قال ببدعيتها. والصواب أنها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن تأتي مسألة الدعوة إلى العقيقة، فقد انتشر فينا معشر الإخوة الآن أن يدعو صاحب العقيقة الناس إليها، لكن هل ثبت على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك شيء؟
في الحقيقة أن كل ما أعلمه في شأن العقيقة حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ثلاثة:
أحدهما: هو (الغلام مرتهن بعقيقته...).
والثاني: (يعق عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) وفي بعض الروايات: (يعق عن الغلام شاة وعن الجارية شاة).
أما هل دعا الرسول إلى العقيقة أحد؟ لا نعلم أن الرسول دعا إلى العقيقة أحداً من الصحابة، وهل تثلث العقيقة؟ ثلث للفقراء وثلث للمساكين وثلث لأهل البيت؟ لم يرد في هذا أيضاً شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نقل عن الإمام مالك أنه كان يكره الدعوة للعقيقة؛ لكن ما زلت بصدد تحرير هذه المقولة التي نقلت عن الإمام مالك رحمه الله تعالى.
فمسألة الدعوة إلى العقيقة أمر مباح، لكن لا ننسب ذلك إلى السنة؛ لأنه لم يثبت ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن شاء أن يدعو إلى طعام العقيقة فلا بأس، ومن ترك الدعوة فلا بأس، ومن تصدق بجزء منها فلا بأس، ومن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأنه لم يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك شيء.
والله أعلم.
الجواب: حديثها ضعيف لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: إذا اتخذ داراً يسكنها في البلدة التي يعمل فيها أصبح له داران يقيم فيهما فيتم فيهما، ولا بأس بتعدد دور الإقامة.
الجواب: تطمئن نفسي إلى ما نقل عن عبد الله بن عمر وشيخ الإسلام ابن تيمية فيما حاصله أن الذي يطلق عليه سفر تقصر فيه الصلاة.
الجواب: ليس فيها دلالة على ذلك أبداً، إنما الآية في المواريث وفيما يتعلق بحقوق الزوجين، أما المرأة فليس عليها عمل خارج البيت، ولا يجب عليها عمل خارج البيت، إنما نفقتها واجبة على الزوج بالإجماع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول) قال أبو هريرة : تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، وقد أجمع العلماء على أن نفقة المرأة واجبة على زوجها، حتى أدخل فريق منهم المشط والطيب وزيت الشعر والكحل إلى غير ذلك، وأوجبه فريق آخر.
الجواب: لا تجوز فيما أعلم. والله أعلم.
الجواب: نعم قائمة الزواج بمثابة المهر.
الجواب: لا نقول ضعيف فحسب، بل ضعيف جداً بل ساقط، لعلل أربع:
أولها: أن إسناد الحديث مروي من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، وهذا إسناد مظلم مسلسل بالضعف.
أولاً: لأن الوليد بن مسلم مدلس تدليس التسوية وهو شر أنواع التدليس وقد عنعن.
الثاني: أن سعيد بن بشير شيخه ضعيف.
الثالث: أن قتادة مدلس وقد عنعن.
الرابع: أن خالد بن دريك لم يدرك عائشة كما قال أبو داود راوي الحديث نفسه فهو منقطع.
هذه علل الحديث، بعض إخواننا غفر الله لهم لما وجدوا للحديث شاهداً من طريق هشام الدستوائي -على ما أذكر- عن قتادة -مرسلاً- قالوا: إن هذا يعد شاهداً للحديث، ومن ثم يرتقي الحديث إلى الحسن، وهذا مأخذ غريب وضعف عجيب؛ لأن مدار الحديث أصلاً على قتادة ، مرة قوم رووا الحديث عن قتادة كـسعيد بن بشير روى الحديث عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة ، وراوٍ آخر روى الحديث عن قتادة مرسلاً، فلا يعد هذا شاهداً لهذا بل علة إضافية إلى الحديث، لأن مدار الحديث على قتادة .
وهنا زلت قدم الشيخ الفاضل المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله، ففي كتابه حجاب المرأة المسلمة انتقد انقاداً لاذعاً عبد الأعلى المودودي رحمه الله عندما حاول أن يجعل رواية قتادة عن خالد عن عائشة من الشواهد لرواية هشام عن قتادة عن رسول الله، فتعقبه الشيخ ناصررحمه الله تعقباً موفقاً فقال كلاماً حاصله: وهذا أصلاً لا يصلح ولا يجوز؛ لأن المخرج واحد، والمشتغلون بل المبتدئون في الحديث يعلمون أنه إذا كان المخرج واحداً -على قتادة - فلا يصلح أن يكون شاهداً في هذا الباب، هذا مجمل معنى كلام الشيخ ناصر الدين رحمه الله.
وهو كلام موفق صحيح، لكنه بعد ثلاث صفحات من نفس الكتاب جاء إلى حديث أسماء الذي يستدل به هو نفسه على الحجاب وقال في الحاشية: وله شاهد من طريق هشام عن قتادة عن رسول الله، وكان مأخذاً غريباً، فالعجب أنه استشهد بالشيء الذي انتقده انتقاداً لاذعاً على عبد الأعلى المودودي . والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: الأمر فيه سعة، والنفس لا تنشط لا لتصحيح هذا الحديث ولا لتصحيح ذاك الحديث، وهذا رأي فريق كبير من العلماء، والمسألة اختلف فيها أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنفسهم، فالمسألة على التوسعة وكلا الحديثين عندنا فيه مقال، وقد ألفت رسالتان في هذا الباب، رسالة لأخينا الفاضل الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله، ورسالة مقابلة لأحد إخواننا في السعودية اسمه خالد المؤذن مضادة لرسالة أخينا أبي إسحاق ، وفي الحقيقة أن الأمر على التوسعة وما دامت هذه المسألة دب فيها خلاف بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين جماهير أهل العلم فالتوسط فيها مطلوب.
وأما بالنسبة لنا فالحديثان عليهما تحفظ من ناحية الضعف.
بالنسبة لـعمر بن علي المقدمي متهم بتدليس السكوت وكان بعض أهل العلم -النووي - قد نفى عنه ذلك؛ لأن أول من أطلق عليه ذلك ابن سعد ، ومعظم مادته عن الواقدي والواقدي متهم بالكذب.
مداخلة: قد ذكر ذلك ابن حجر في أكثر من موضع في هدي الساري، نرجو التفصيل في ذلك.
الجواب: أما التفصيل لا أستطيعه الآن؛ لأني أحتاج إلى الاطلاع على رواية عمر بن علي المقدمي لكن جزمنا أن منشأ كلام ابن سعد هو من الواقدي لم يسلم بذلك، لأنه قد يكون أخذه عن الواقدي وقد يكون أخذه عن غيره، صحيح أن أغلب روايات ابن سعد عن الواقدي لكن القطع بأن هذا الرأي نقله ابن سعد عن الواقدي لا نتحمله أمام الله سبحانه وتعالى.
الجواب: للكراهة وليس للتحريم، لحديث: (إن الله جميل يحب الجمال).
الجواب: تدعو وتدعو وتدعو كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا ودعا ودعا، ولتعتصم بالله ولتعتقد أن الساحر لن يضرها إلا بإذن الله، فما دام الأمر كله بيد الله، وأن إلى ربك المنتهى، وأن بيده خزائن السماوات والأرض؛ فلتعتصم بالله ولتكثر من الدعاء والفرج من عند الله، وقد فعل ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام حين سحر، فدعا ودعا ودعا حتى قال: (يا
فإن سحرت وابتليت بالسحر دعت الله، فلتعلم أنها اقتربت من الله؛ لأن الدعاء يقرب من الله سبحانه وتعالى، فكلما دعت سجل لها دعاؤها في صحيفتها، ومن المعلوم أن كل شيء تفعله سيأتي في صحيفتك، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا [الإسراء:13] وإن تأخر الشفاء لعلة فهي مثابة إن شاء الله بدعائها الله عز وجل، كما قال عز وجل: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].
الجواب: المكياج ليس حراماً إلا إذا صحبه محرم منصوص على تحريمه كالنمص، فالنمص منصوص على تحريمه، لكن إذا كانت تضع أصفر وأحمر للتزين لزوجها فلا دليل يمنع، وقد ثبت عن نساء السلف أنهن كن يتزين للأزواج، تقول إحداهن: إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها مال عنها.
وأيضاً (رأى النبي على
الجواب: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] تستغفر الله كثيراً وتصلي لله ركعتين أو ركعات وتتصدق إن استطاعت، وباب التوبة مفتوح، ولا تقنط أبداً من رحمة الله، فإن هذا نوع من إلقاء الشخص بيده إلى التهلكة قال البراء في تأويل قوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]: الذي يؤدي إلى التهلكة أن يذنب الشخص وييأس من رحمة الله فلا يستغفر.
إلى هنا وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر