الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد
فإن أهم ما نعلمه الأبناء هو ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما جاء في كتاب الله سبحانه وتعال؛ فيجب أن يُعرّفوا بربهم سبحانه وتعالى وبنبيهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتغرس في قلوبهم محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهذه الوصية أيضاً وصى بها يعقوب عليه السلام بنيه عند الموت فقال: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] جمعهم عند الموت فقال لهم: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [البقرة:133]، فالذي يبدأ به الإنسان في تعليم، ويعلمه الأطفال؛ التوحيد؛ لأن الله قال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
ثم يأتي التحول في الخطاب فيقول الله سبحانه: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ [لقمان:14] لم يحك هذا على لسان لقمان عليه السلام، فيستفاد من هذا التحوّل في الخطاب: أن الوالد لا يطلب حقه مباشرة من الولد، فلا يقول له: من حقي عليك أن تفعل لي كذا وكذا، وإن كان هذا جائز، لكن يلمح له بطريق آخر، حتى لا يظن الولد أن في تعليم أبيه له مصلحة له، فلذلك تحول السياق وقال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ [لقمان:14]، فلم تأت على لسان لقمان بل جاءت في سياق أنها من كلام الله سبحانه وتعالى، فلو كان لك حق على الولد فلا تقل له: حقي عليك كذا وكذا، وتعدد حقوقك على ولدك فيسأمك ويضجر منك، ولكن عرّض له تعريضاً وعلَّمه تعليماً.
والتعليم الذي صدر من لقمان بدأ بالأصول أصلاً أصلاً ثم بدأ بالتدريج.
قال: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:14-15]، والملاحظ أنه ركز على وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ، فيؤخذ من هذا التركيز: أن تعلم ولدك مصادقة أهل الصلاح، وأن يتبع سبيل من أناب ورجع إلى الله، فعلمه مصادقة الصالحين، وقل له: لا تصادق أهل الشر والفساد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً نتنة) وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15] قل له: يا بني! اختلط بأهل الصلاح والخير، فهم أصدقاء لك في الدنيا والآخرة، واتل عليه قول الله سبحانه: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].
ثم قال في الوصية: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16] كل هذا تعريف بالله سبحانه وتعالى.
من هو الله سبحانه وتعالى الذي تعبده؟ هو: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]، هذا هو الله سبحانه وتعالى الذي تعبده.
المسنون قبل السابعة اصطحاب الصبيان إلى المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أدخل الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه عليه)، وقال لما أمر بالتخفيف في الصلاة: (من أمَّ الناس فليخفف؛ فإن وراءه الكبير والصغير وذا الحاجة) فالصغار كانوا يصطحبون إلى المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامة على كتفه وهو يصلي؛ فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها صلى الله عليه وسلم.
بل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبة فرأى الحسن والحسين مقبلين فنزل من على المنبر واحتضنهما وقال: (صدق الله إذ يقول: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، رأيت هذين فلم أصبر عليهما).
الشاهد: أن الشخص يشرع له أن يعلم الأولاد الصلاة وهم أبناء سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) لكن قبل السبع إن علمهم فلا يشدد عليهم في التعليم، فهذا هديه صلى الله عليه وسلم.
وليعلم أن يختلفون فمنهم من يستوعب قبل السبع، ومنهم من لا يستوعب، ولكن التقعيد العام أن الأولاد يبدأ تعليمهم الصلاة وهم أبناء سبع كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيعلمون ويمرنون على الفرض مع النفل، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الليل واليتيم خلفه والعجوز خلفهما، واليتيم يطلق عليه يتيم؛ لأنه دون البلوغ، فيمرن الأطفال على صلاة الفرض والنفل، وإن كان فيهم كفاءة فلا مانع أبداً أن يقدموا للصلاة، فيقدم ويشجع إذا كان ذكاؤه يسمح بذلك ويتسع له، ويعلم أيضاً الصوم ويدرب عليه، وينبغي للأم أن لا تحملها شفقتهما على أن تمنع ولدها من الصيام، فإذا بكى الولد من الجوع فلا ينبغي للأم أن تأخذها العاطفة، وتطعمه وتفطره من الصيام، والربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: (كنا نصوم عاشوراء ونصومه صبياننا، فإذا جاع أحدهم جعلنا له اللعبة من العهن - أي: من الصوف - حتى يأتي وقت المغرب) ليس بمجرد الجوع أو البكاء من الجوع تقدم له الإفطار، بل قالت: إذا بكى أحدهم - أي: من شدة الجوع- جعلنا له اللعبة من العهن؛ لأن كثيراً من الآباء يخاف على ولده من الصوم، ويمنعه منه، وكثير من الأمهات إذا خرج ولدها لصلاة الفجر تمنعه حتى لا يصاب بالبرد، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون أولادهم وبناتهم الصيام وعمر يقول لرجلٍ سكران: (ويحك! وصبياننا صيام)، يعني: أنت تفطر يا كبير وعندنا الأطفال الصغار يصومون.
ويسن أيضاً: تعويدهم على صوم الفرض والأطباء يعرفون ما في الصيام من فوائد.
وهل تستوي أنت مع من أخذ ولده إلى المصيف ورأى العراة والعرايا، أو من أخذه إلى السينما ورأى الفساد العريض، أو إلى المسارح ووجد فيها هذا الفساد المدمر؟ أو هل تستوي أنت مع من أخذ ولده إلى النادي يشجع الكابتن فلان والكابتن فلان؟ لا يستويان أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28]... أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]، إذا سويت بين الرجل الذي يأخذ ولده ويمرنه على صلاة الفرض والنفل والتراويح، ويعوده على صلاة الجنائز في الحرم، والطواف حول البيت العتيق، ويريه مقام إبراهيم وحجر إسماعيل، ويريه الركن اليماني، ويعلمه الدعاء ورمي الجمار، بمن مرن أولاده على شرب الخمر، وأرسل ولده يشتري له السجائر، أو المخدرات فهذا ظلم عظيم.
فخذ ولدك معك لأعمال البر وخذه معك إلى المساجد، وعلمه الورع.
يقول الحسن بن علي وقد كان صغيراً في زمان رسول الله: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة في فم الحسن بن علي من تمر الصدقة فنزعها من فِيه، وقال: (كِخ كخ، أما علمت إنَّا آل محمد لا نأكل الصدقة) انظر إلى هذا الورع وهو طفل صغير غير مكلف، لكن مع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقره على أن يدخل في بطنه لقمة لا تحل له، فقال: (كخ كخ، أما علمت إنَّا آل محمد لا نأكل الصدقة) فانظر إلى تصرف رسول الله مع الحسن!
ينزل مرة من على المنبر وهو يخطب للناس الجمعة فيحتضن الحسن ويقبله، ثم المرة الثانية يستخرج التمرة من فيه، فالمباح لا بأس بالإقبال عليه وعمله، والمحرم يجب أن يوقف عنده ولا يتمادى معه.
علم ولدك احترام الكبير، وحقوق الكبير بينها له: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أراني الليلة في المنام وأتيت بسواك كي أتسوك به، فناولته لصغير فقيل لي: كبر -يعني: أعطه الأكبر-)، وجاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أحدهما يتكلم وكان هو الأصغر، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (كبر كبر) يعني: الكبير هو الذي يتكلم.
فلزاماً أن تعلم ولدك حق الكبير، فعلمه إذا التقى بكبير أن يبدأ الكبيرَ بالسلام -الصغير يسلم على الكبير- كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسلم الصغير على الكبير)، فالصغير هو الذي يبدأ.
وعلمه خدمة الأضياف كما كان أبو بكر يعلم ولده عبد الرحمن ، إذ يرسله بالأضياف كي يخدمهم ويقوم عليهم.
أيضاً: أعط ولدك حقه الذي شرع له، فكان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فأوتي النبي بشراب فاستأذن الغلام، في أن يسقي هؤلاء الذين هم عن يساره؛ فإنه عن اليمين وله حق في ذلك وكان عن اليسار أبو بكر وعمر وأقوام من كبار الصحابة، وعن اليمين غلام، فتخيل سيد ولد آدم يستأذن هذا الطفل الصغير، فيقول الغلام: لا يا رسول الله! لا أوثر بنصيبي منك أحداً. أي: أنا أريد أن أشرب بعدك يا رسول الله! شفتاي تأتي في موطن شفتيك يا رسول الله، ويصر الطفل فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبه ويسقيه.
وقد مرض غلام من اليهود كان يخدم رسول الله، فانطلق إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فيزوره.. الرسول يعود غلاماً صغيراً مرض في البيت، تخيل الروح المعنوية التي ترتفع في الطفل لما يرى زميلاً لأبيه جاء يزوره، جاء صديق الأب يزور الولد الصغير في البيت وأتى للطفل بهدية صغيرة، تخيل مدى تأثير هذه الهدية على الطفل، فذهب محمد عليه الصلاة والسلام إلى بيت رجل يهودي.
لماذا يطرق الرسول صلى الله عليه وسلم البيت على هذا اليهودي؟ ماذا تريد يا محمد؟ فيقول: أريد أن أزور ابنك الصغير، فيدخل الرسول صلى الله عليه وسلم يزور الولد الصغير وهو مريض فيقول له: (قل لا إله إلا الله) أي: أسلم، فينظر الولد إلى أبيه فيقول أبوه له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فيقول الولد: لا إله إلا الله، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).
فعلم ولدك حفظ السر، وقل له: لا تنقل كل شيء تراه أو تسمعه.
فهذا أنس يقول: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر فأسر إلي به وأنا صغير، فسألتني أمي -أم سليم - إلى أين تذهب؟ فقلت: ما كنت لأفشي سر رسول الله، فقالت له: إذاً لا تفشي لأحدٍ أبداً هذا السر الذي علمك إياه أو أخبرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فينبغي أن تعلمه حفظ الأسرار وعدم نقل أسرار البيت إلى الخارج فكل بيت له عورات، قل له: لا تنقل كل ما تراه أو تسمعه، فهذا خطأ، وأدبه بهذا الأدب الذي كن الصحابيات يؤدبن به أبناءهن.
قل له إذا رفع صوته أمام أمه أو أخته أو أخيه: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:19] كما قال لقمان صلى الله عليه وسلم لابنه، فلا تترك الولد يعبث بالبيت ويصيح ويجري هنا وهنا ويبطش بهذا وبذاك.. بل أدبه، فإذا لم يجد معه التأديب بالكلام فانتقل إلى ما هو أشد من الكلام إن احتاج الأمر إلى ذلك.
وقد ورد حديثٌ في هذا الباب صححه بعض أهل العلم (علق السوط حيث يراه أهل البيت)، أي: ضع العصا في مكان حيث يراه أهل البيت من الأطفال، فهناك أطفال نظرة واحدة تكفي لزجرهم، وأطفال آخرون لا يكفي النظر، ولا يكفي الكلام لزجرهم بل يحتاج معهم إلى نوع من التأديب سواءً باليد أو بالضرب ونحو ذلك، فالله لا يحب الفساد، فلا يترك الولد يسرق ويعبث ونقول: نحتاج إلى أدلة خاصة، بل الأدلة العامة تضبط لنا هذه القضية، فمنها: قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205].
ويقول: (يا غلام! إذا أكلت فسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
فلا يأخذك الحياء بل علمهم واتق الله فيهم، فكما قال القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
فليس من يلقنه أبوه كل يوم كتاب الله وسنة رسول الله كمن يلقنه أبوه الكفر والعربدة.
يقول عكرمة : (لقد رأيتني وإن ابن عباس لموثقي على تعلم القرآن) يقول: أنا أذكر ابن عباس وهو رابطني حتى أتعلم القرآن، وكان ابن عباس قد رأى في عكرمة نباهة زائدة، فربطه حتى يتعلم كتاب الله، ربطه في وقت التعليم، حتى يحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، فجدير بالشخص أن يراعي أولاده.
وهذا يسوقنا إلى منع الأطفال عن الأفلام التي تعرض في التلفزيونات، وقد امتلأت بالدعارة والرقص والفساد، فالطفل يملأ سمعه وبصره وفؤاده بالمناظر التي يراها من هذا التلفزيون الفاسد، فيخرج يطبقها مع أخته وجارته، وهذا من أهم الأمور التي يجب أن تراعى وهي: إبعاد الأطفال عن التلفزيونات والمسلسلات الخليعة وما ينشر فيها من الفساد، فإن هذا يهدم كثيراً مما تبنيه.
فأنت تعلم الولد: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ [الناس:1-3] فيضيع هذا التعليم أمام التلفاز وما يعرض فيه من الفساد، فيدمر كل ما علمته إياه.
فجديرٌ بكل أب يريد أن يحافظ على أولاده أن يبعد التلفزيون من بيته جملة واحدة؛ فإن النفع الذي فيه لا يشكل أدنى نسبة بالنسبة للشر الذي فيه، فجدير بكل أب غيور وإن كانت هناك بعض الأشياء التي يراها منافع من التلفزيون؛ أن يبعد التلفزيون جملة وتفصيلاً من البيت سداً للذريعة الموصلة إلى الفساد، وهذا من أهم الأمور التي يركز عليها في تربية الأطفال، فينبغي أن يكون مشرب الأطفال مشرباً واحداً ألا وهو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما إن تعددت المشارب التي يشرب منها الطفل، فالشهوات -والعياذ بالله- لها قبول عند كثير من الناس، فعندما تجد الشهوات القلب فارغاً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنها تتمكن منه، فجديرٌ بالشخص أن يبعد أولاده تماماً عن هذه التلفزيونات.
وينبغي على الآباء أ، يعلموا أولادهم معالي الأمور، فقد كان أصحاب رسول الله يمرنون أبناءهم على معالي الأمور، بل تخيل أن الصحابي كـابن عمر رضي الله عنه يقول: عرضت للجهاد في أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة -يريد أن يمسك سيفاً ويبدأ في قتال الكفار وهو في هذا السن- فردني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عرضت عليه في العام المقبل يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
انظر ابن خمس عشرة سنة يشارك في القتال مباشرة.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كنت جالساً مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل النبي أصحابه سؤالاً فقال: (إن من الشجر شجرة مثلها مثل المؤمن، فأخبروني ما هي؟)، فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة، فجئت أتكلم وأقول: هي النخلة يا رسول الله! فإذا أنا أصغر القوم، فامتنعت عن الكلام، فقال الرسول: (هي النخلة)، فقلت لأبي: يا أبتي! قد وقع في نفسي أنها النخلة، فقال: لو قلتها لكان أحب إلي من حمر النعم.
بمَ يفرح عمر ؟ هل يفرح لأن ولده أتى بـ (100%) في الثانوية، أم يفرح لأن الولد أجاب على مسألة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟
جاء بشير بن سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إني نحلت ابني هذا نحلة -يعني: وهبته هبة- وجئت أشهدك يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألك ولد غيره؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: وكل ولدك أعطيته مثل هذا؟ قال: لا يا رسول الله! قال: ارجع فإني لا أشهد على جور)، فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، واعلموا أن عدم العدل يسبب فساداً بين الأولاد.
والعدل يكون في كل شيء حتى في المحبة القلبية؛ إذا أبرزتها حدث فساد بين الأولاد، وإن كانت المحبة القلبية لا يملكها شخص لكن يحاول جاهداً أن يضبطها أمام الأولاد، ألا ترى أن إخوة يوسف قالوا: لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ [يوسف:8-9]، ما هو الحامل لهم على قتل يوسف؟ ليس كما قال بعض المفسرين: إن يوسف قص الرؤيا عليهم، الرؤيا التي رآها؛ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف:4]، لذا فخططوا لقتله، فقد تقلد هذا القول بعض المفسرين وهو قولٌ ليس عليه دليل، إنما الدليل الصريح هو ما ذكروه لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:8] ثم اتجه تخطيطهم للاغتيال: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ [يوسف:9]
لا تكن في البيت يا عبد الله! سيء الأخلاق، تخال أنك إذا سببت زوجتك وابنك وابنتك فإنك ستجني عاقبة ذلك ولو بعد حين، حتى المرأة إذا سبت ابنتها فإن ابنتها سوف تتعلم هذه الأخلاق، ثم ما تلبث أن تتزوج فإذا تزوجت اتبعت مع زوجها الأسلوب الذي اتبعته أمها مع أبيها، لكن الزوج الجديد له خصال أخرى، فلا تلبث إلا يسيراً وتطلق وترجع إلى أمها البذيئة فتجني عاقبة ووبال أمرها.
فلا تجعل في البيت صخباً ولا سباباً ولا إثماً فالأولاد يتعلمون منك، ويلقطون الخصال الطيبة أو السيئة منك، فليكن الأب حتى إن دبت بينه وبين زوجته مشكلة متأنياً متأدباً بآداب الإسلام مراعياً لأولاده، فلا يحطم نفسيات الأم أمام الأطفال، ولا يظهر المشاكل أمامهم، وإذا أراد أن يعاتبها فليأخذ زوجته في مكان بعيداً عن الأطفال وليعاتب بعيداً عنهم، حتى لا تدمر نفسيات الأطفال، فإذا سمع مقالات سيئة من أمهم أو أبيهم فإنهم يتعدون على ذلك.
الشاهد: أن الأخلاق الطيبة في البيت من الأبوين تنعكس على الأولاد والبنات.
وينبغي أن لا تفرق بين البنين والبنات في التعامل كالجهلة الذين يطعمون البنين أولاً ثم يتركون الفتات للبنات، فالله يقول: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء:11] لا تدري هل البنت أنفع لك في دنياك وأخراك، أو الولد أنفع لك في دنياك وفي أخراك؟!
وبالجملة فكن ودوداً مع ابنك، واجعله يعرف قدرك، ويعرف أنك أب بأسلوبٍ طيب مهذب، واسمع إلى مشاكله أحياناً وله حدودٌ لا يرتقي فوقها، فلا تمرنه على رفع الصوت على أمه، بل اضبطه وازجره عن رفع الصوت على أمه، وكن دائماً متبعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الباب.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر