إسلام ويب

كلمة وموعظةللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ حفظه الله عن أهمية دعاء الإنسان لنفسه ولأخيه بظهر الغيب، مبيناً ترغيب الله لعباده في دعائه، وأن حفظ الله لأوليائه إنما يكون بقدر قربهم منه ومداومتهم على طاعته، وختم الحديث بالدعوة إلى التوبة، والحرص على مجاهدة النفس وكبحها عن المعاصي والذنوب.

    1.   

    الدعاء

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:

    الدعاء من الأمور التي قد لا يتفطن لها كثير من الناس، فالإنسان يدعو لنفسه وقد يستجاب له، وربما لا يستجاب له لموانع موجودة في هذا الشخص، وهي كثيرة منها: ما ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: ( إنَّ الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله قد أمر عباده الصالحين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [المؤمنون:51] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!) نسأل الله العفو والعافية.

    موانع الدعاء وما يزيلها

    فموانع الدعاء كثيرة منها:- أكل الحرام، ومنها ما يتعلق بطريقة الدعاء، كأن يدعو الإنسان دعاءً معتدياً، والله تبارك وتعالى نهى عن ذلك، فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190] فالاعتداء في الدعاء كأن يدعو بما لا يليق بالله عز وجل أن يستجيب له، كأن يدعو بإثم أو قطيعة رحم، وما أشبه ذلك من موانع إجابة الدعاء.

    فلو دعا الإنسان لنفسه بأمر، وأخل بأدب من آداب الدعاء، فربما تخلف كله لوجود مانع يمنع هذه الدعوة من الإجابة، إلا أن هناك أمراً يزيل كل هذه الموانع، وتستجاب الدعوة -بإذن الله- وهذا الأمر هو الدعاء بظهر الغيب كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يقول الملك: آمين! ولك مثل ذلك!) فيستجاب له في أخيه، وينادي الملك: ولك مثل ذلك.

    والحكمة ظاهرة في هذا: لأنك بدعائك لأخيك تنتفي شبهة حظ النفس التي قد تفسد الإخلاص أحياناً، أما في دعائك لأخيك في ظهر الغيب، فالإخلاص فيه واضح؛ لأنه لا يعلم ولا يدري عنك أحد، وإنما أنت تنادي وتناشد وتتضرع إلى علام الغيوب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيما بينك وبينه أن يفرّج عن أخيك هذه الكربة، وأن يرزقه، ويحفظه، ويعافيه، بما يفتح الله لك به من الدعاء لأخيك.. فالإخلاص متحقق، فمن هنا كانت هذه الدعوة جديرة بالإجابة.

    أمر الله لنا بالدعاء

    يقول الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] فيجب علينا أن نستجيب لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأن ندعو الله ونتضرع إليه، كما قال الشاعر:

    الله يغضب إن تركت سؤاله     وبُني آدم حين يُسأل يغضب

    فهكذا حال الناس، فأكرم الناس في الأرض حتى لو كان أباك ولو كان أصلح الناس؛ لأنه لو طلبت منه شيء فقد يرفض ذلك، وهذا طبيعي، حتى الأم، ومعلوم أنه ليس هناك أحد أشفق على أحد مثل شفقة الأم على ولدها وعلى رضيعها، ولذلك ضرب بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المثل عندما رآها وهي تحتضن طفلها، فقال: {أرأيتم هذه المرأة أكانت واضعة طفلها في النار؟! قالوا: لا! فقال: لله أرحم بعباده من هذه الأم بوليدها!!} إذاً فالله أكرم كريم عز وجل، وهو الكريم الذي يده ممدودة بالعطاء: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64].

    حتى أعداؤه شملهم عطاؤه، قال تعالى: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20] ماذا لو كان عطاء الله خاصاً بالمؤمنين! فمن يرزق الكافرين؟! ومن يرزق المنافقين؟! لا أحد! فالرازق هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

    إجابة الله لدعاء المضطر

    المضطر إذا دعا الله سواء أكان براً أم فاجراً، فإن الله هو الذي يجيبه، وهذا من فضل الله تبارك وتعالى ومن سعة رحمته أنه يريد أن نسأله، ويحب أن نتضرع إليه، وبقدر الضراعة، والذل الذي يظهر منك، والخشوع والانكسار والافتقار بين يدي ربك؛ يكون رجاؤك بالإجابة، فليس قولك: (يا رب! اعطني) هو ضراعة، بل الضراعة هي التي تكون مثل دعاء نبي الله يونس عليه السلام حين دعا الله بضراعة وخشوع، لأنه لا منجى ولا ملجأ من الله إلا إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فعندما تُشعر نفسك بالافتقار إلى الله يستجيب لك، وإذا كان الأمر كذلك، فهل أنا فعلاً فقير إلى الله؟! أم أني لا أفتقر إلى الله إلا وقت الحاجة؟!

    كثير من الناس لا يدعون الله إلا في وقت الحاجة! إما بسبب مرض أو مشكلة تقع أو غيره.

    نحن مفتقرون إلى الله تبارك وتعالى في كل لحظة، وفي كل دقيقة، بل وحتى في النفس الواحد! وكم من الناس من يتنفس ثم فجأة لا يستطيع أن يتنفس! هذا القلب الذي ينبض لو ضعف نبضه؛ لمرض الإنسان وأسعف إلى المستشفى، وربما مات أو صار في حالة عصيبة، وهكذا في كل لحظة -أيها الأحباب- نحن مفتقرون إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

    1.   

    حفظ الله لأوليائه

    إذا افتقرت إلى الله أغناك عن الناس وكنت عزيزاً عندهم؛ لأن علاقتك قوية بملك الملوك الحي القيوم -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، والذي لا تنضب خزائنه، والذي يفعل ما يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويرفع من يشاء، ويضع من يشاء، ويحيي من يشاء، ويميت من يشاء، ويضحك من يشاء، ويبكي من يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكل شيء بيده.

    وبقدر قربك منه تكون هذه الأمور كلها ميسرة لك، ويقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولأن استعاذني لأعيذنه) الله أكبر! كل هذا بسبب التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض!

    والمهاجرين والأنصار يوم بدر وقفوا ذلك الموقف، قال عليه الصلاة والسلام: (وما أدراك يا عمر! لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

    وقفوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا الموقف، فكانت هذه هي المكرمة من الله، وهكذا فإن كل من يقف مع الله فإن الله يكرمه ويحفظه، وحب الله له يكون بقدر قربه من الله، وكلما كان هذا القرب محفوفاً بالمخاطر والمضار -والنفس لا تريد ذلك- بقدر ما يكون هذا القرب من الله عز وجل، وإذا علمت أن كل هؤلاء الذين يعادونك ويحاربونك، ويحاولون أن يثنونك عن القرب من الله والسير إليه، إذا علمت أنهم جميعاً خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم عبيد له؛ هانت عليك المضار، والمهم في ذلك أن تعمل لله وعلى منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما ما عدا ذلك فهو المتكفل به، قال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].

    فماذا كانت النتيجة يا ترى؟ كانت كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيهم بعد ذلك: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174] الله أكبر! وقال في آية الأحزاب: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [الأحزاب:25] وعندما يرى المسلم هذه الأمور، ويرى هذه اللفتات، فيزداد إيماناً، وتسليماً، ويقيناً، ويعلم أنه لا بد منها في إيمانه.

    1.   

    مجاهدة النفس، والتوبة من المعاصي

    إنك إذا آمنت بالله حق الإيمان، فإنك لا بد أن تتعرض للأذى، ولا بد أن تتعرض لشتى الفتن، حتى من نفسك فهي تأمرك بالسوء، ومن الذي يستطيع أن يدافع نفسه عن بعض الشهوات؟ ليس كل أحد! إن كنت صاحب مال يأتيك الشيطان ويدعوك وتنفق في التبذير والإسراف وفي أي شيء ليس له قيمة، ولكن إذا أردت أن تخرج الزكاة، تجد النفس تنفر من ذلك، وتحاول أن تخلق الأعذار والأسباب لكيلا تؤدي هذه الزكاة، كأن يقول: إن لي أرحاماً مساكين وهم أولى، إلى غير ذلك من المغالطات، لكن إذا قيل له هناك: تبرع للنادي الفلاني لأنه سيشارك في بطولة القارات، فإنه يقول: كم؟ فيقولون: مليون ريال! فيقول: بسيط خذوا!

    فالشيطان دائماً يزين شهوة النفس ومثلاً لو كان راتبك خمسة عشر ألف، فإذا أردت أن تنفق من أجل شهوة تحبها النفس، فإن الشيطان يزين لك ذلك ويحسنه، وإذا كان من أجل الله فالنفس وكذلك الشيطان يكرِّه لك ذلك، ويحاول أن يصرفك عنه، مثلاً: النظر إلى الحرام -والعياذ بالله- لا يجوز، ولكن الشيطان يزين لك هذه الفاحشة، قال بعض السلف: جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، أربعين سنة؟! فبلغ ذلك الكلام بعض العلماء فقال: أَوَ قد استقامت؟! يغبطه بعد أربعين سنه أنها استقامت..!

    فبعض الإخوان يقول: أنا إنسان ملتزم، ولكنني أشكو ضعفاً في إيماني... إلخ، فنقول لهذا: يا أخي! كلنا كذلك، لست أنت وحدك فقط تشكو ضعف الإيمان! فيجب أن نرجع إلى الله، وأن نقوي إيماننا، والمهم أن تحرص في حياتك أن تكون قريباً من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بحيث لا يفقدك حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك.

    وإذا أذنبت أو عصيت فارجع إلى الله واستغفره وتب؛ قال سبحانه: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [غافر:3] وقال أيضاً: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] بل ربما يكون حالك بعد التوبة والإقلاع خيراً، وأفضل من حالك قبلها، كما قال بعض الحكماء: 'رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثت عزاً واستكبارا.

    وهكذا كما وقع في عهد الصحابة رضوان الله عليهم لحاطب أو غيره، حتى ذكر ذلك في شأن داوود -عليه السلام- لما استغفر ربه وخر راكعاً وأناب، وهكذا ينبغي أن يكون حالك بعد التوبة أفضل؛ لأن الله تبارك وتعالى يريد أن يتعبدنا بحال الاستقامة، ومنا الاستقامة، ويريد أن يتعبدنا بالتوبة، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) إذاً ليست المشكلة أننا نذنب، ولكن المشكلة أن نستمر ولا نتوب ولا نرجع إلى الله الذي يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

    مشكلة هذه الأمة هو الإصرار على المعاصي والمجاهرة بها، فإذا أذنبت في جوف الليل فاستر نفسك واستغفر الله عز وجل، ولكن المصيبة أننا نجد العكس، فنجد البعض يفتخر بالذنب، أمثال الفنانين عندما تجرى لهم المقابلات في التلفاز وغيره فيقول: تعلمت الفن من فلان، وتخرجت على يديه، وكم صوت عندك؟ وكم لحن..؟

    مجاهرة وإصرار على المعصية، والمقصود أن نتواصى بالدعاء فيما بيننا ونتواصى بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في السر والعلن، ويحرص كل منا دائماً أن ينظر إلى موقعه من الله: أين أنا من طاعة الله؟ وأين أنا من دينه؟ وأين أنا من قربي إليه؟ فإن كنت قريباً فلا ضير عليك، وإن كنت بعيداً فبادر بالأعمال، والتوبة، والأعمال الخيرة التي تقربك من الله تبارك وتعالى.

    وأسأل الله عز وجل لي ولكم حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756492835