إسلام ويب

نظام الحسبة في الإسلامللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء ديننا الحنيف بالحفاظ على الكليات الخمس: الدين، النفس، العقل، المال، النسل. ويُعد الأمن سمة بارزة ناتجة عن المحافظة عليها. وطبيعة المجتمع الإسلامي تفرض على أفراده التناصح والتعاون على الحفاظ على أمن هذا المجتمع، وكل مسلم على ثغر من ثغور هذه الأمة، ويتوجب عليه القيام بما عليه لحماية مجتمعه المسلم، ومن الأنظمة التي استحدثت في العصور المتقدمة للدولة الإسلامية نظام الحسبة، ويعد المحتسب من أقرب أجهزة الحكم في الدولة إلى العامة، وهو الأقدر على تلمس مشاكلهم وإيصالها إلى الحاكم الذي يغيب عنه الكثير من مثل هذه الأمور. ونظام الحسبة يشابهه في حاضرنا نظام الشرطة، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    1.   

    ولاية الحسبة

    إنِّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:

    أما بعـــد:

    فحديثنا سوف يكون عن أمر عظيم وجانب مهم من جوانب هذا الدين، وشعيرة كبرى من شعائره، وولاية عظمى من ولاياته، ألا وهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاصة ولاية الاحتساب، وولاية الحسبة: إحدى الولايات المهمة التي تقوم عليها الدولة الإسلامية.

    ولا يخفى على أحد منكم عِظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الله تبارك وتعالى قد جعله شعاراً لهذه الأمة المصطفاة المجتباة حين قال الله تبارك وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وقال تبارك وتعالى حاثاً الأمة عليه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] وبيَّن -عز وجل- في كتابه أن هذا العمل هو عمل الدولة المسلمة ووظيفتها، كما قال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41].

    إلى غير ذلك من الأدلة التي ليس المقام مقام ذكرها، وبيان فضله، وعِظم شأنه.

    1.   

    تاريخ نظام الحسبة

    إنما المقصود كيف عِمل المسلمون بهذا الأمر؟ وكيف طَبقت الأمة الإسلامية هذه الآيات والأدلة الأخرى؟ وكيف أقامت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقع حياتها؟ وكيف استطاعت هذه الأمة أن تتطور إدارتها وولايتها لهذا المنصب العظيم والوظيفة الدينية، وأن تتكيف مع تغير الأحوال والأزمان؟ إلى أن جاء زمن السوء وزمن الفتنة المتأخر الذي كاد أن يُطمس فيه نور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إنه لم يبق في أكثر بلاد الإسلام وظيفة ولا ولاية ولا شعيرة تحمل هذا الاسم، وبقي في هذه البلاد -والحمد لله- ما سمي بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ممثلة لولاية الحسبة المعروفة في التأريخ الإسلامي، إلا أنه اعتراها ما اعتراها من ضعف ونقص وتقليص في الصلاحيات وغير ذلك مما يجب مراجعته، والاعتناء، والاهتمام بتكميله وتحصيله على ما سنبين إن شاء الله تعالى.

    الحسبة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

    إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الذي أنزل الله -تبارك وتعالى- عليه هذا القرآن الكريم وهذا الذكر الحكيم ليبينه للناس، فبين بعمله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتوافر في حياته كلها: كيف أنه جاء حقاً يأمر العالمين بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويُحلُّ لهم الطيبات، ويُحرِّم عليهم الخبائث.

    فقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وما كانت دعوته من أولها إلى آخرها إلا أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

    وبهذا نفهم المعنى الواسع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ كل ما أمر الله به فهو معروف، وأعظم المعروف هو توحيد الله عز وجل؛ لأنه أعظم مأمور به، وكل ما نهى الله -تبارك وتعالى- عنه إما إلزاماً أو كراهية -على التعريف الأصولي- فهو أيضاً منكر، وأكبر منكر هو الشرك بالله عز وجل.

    الحسبة في عهد الخلفاء الراشدين

    جاء بعده صلوات الله وسلامه عليه: الخلفاء الراشدون، فكانوا -رضي الله عنهم وأرضاهم- أعظم القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة، ولهذا لا نجد في أيام الخلفاء الراشدين وظيفة تسمى "وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو "ولاية الحسبة" لأنهم كانوا يعلمون أن ذلك هو أعظم واجباتهم، وكانوا قائمين به حقيقة: ظاهراً وباطناً، وفي الأمصار والبوادي، والعواصم والأقاليم.

    الحسبة في عهد عمر بن عبد العزيز

    ومن أعظم من أحيا هذه الشعيرة بعد الخلفاء الراشدين: الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؛ فإنه جاء بعد أن اندرس جانب من هذا الشأن، فأحيا هذا الأمر، ومن جملة ما أحيا أنه جلس رضي الله عنه لرد المظالم بنفسه، التي كان بنو أمية اغتصبوها وأخذوها بغير حق، وأعانه على ذلك وزراء الخير وجلساء النصح ممن كان لديه من علماء، ومن هنا عُرف في الأمة ما يسمى بولاية المظالم.

    الحسبة في عهد الدولة العباسية وما بعدها

    ثم تطور الحال حتى خُصِّصَ للمظالم ولاية مستقلة في أيام الدولة العباسية، وكذلك للقضاء -وولايته واضحة معروفة- وكذلك للحسبة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    ثم أخذت هذه الصلاحيات تتقلص أو تكثر بحسب اختلاف الدول، فمن الدول كما بين شَيْخ الإِسْلامِ -رحمه الله- من توسعت في مفهوم ولاية الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى شملت أموراً عظيمة جداً.

    ومنها ما كان أقل من ذلك بحيث إنه أعطى بعض صلاحيات ولاية الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إما لولاية القضاء، أو لولاية المظالم، أو للشرطة أو لغيرها.

    1.   

    دواوين الدولة الإسلامية

    في عموم التأريخ الإسلامي يمكن أن نعدد الولايات إلى الولايات التالية: ولاية الوزارة، وولاية القضاء، وولاية المظالم، وولاية الحسبة، فكانت ولاية الحسبة هي الركن الرابع من أركان الدولة الإسلامية، لأن الشكل الإداري للدولة الإسلامية لم يكن كما هو الحال عليه في الدول المعاصرة، عشرون وزارة أو أكثر، وإنما كانت دواوين، والغالب أن الدول كلها لا تخرج عن هذه الدواوين الأربعة:

    ديوان الوزارة أو الحجابة، وديوان القضاء وما يتعلق به، وديوان المظالم، وديوان الحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسوف نرى أننا إذا وزعنا صلاحيات المؤسسات الحكومية والوزارات، أن هذا يمكن أن يطبق في جميع العصور وأن هذه الدواوين الأربعة تشمل كل الوزارات والمصالح والمؤسسات الحكومية في وضعنا المعاصر.

    الغرض من الدواوين

    قبل أن نفصل الكلام في هذه الولايات، ينبغي أن نربط الموضوع بأصله المهم جداً، كما فعل شَيْخ الإِسْلامِ -رحمه الله- وهو: أن نتحدث عن الغرض من هذه الولايات، ومن الحكومات، ومن الدول، ومن الإدارات قبل أن نتحدث في تفصيل هذه الولايات، لئلا يظن ظانٌ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محصور في هذه الولاية وفي هذا الديوان -ديوان الحسبة- وأن ما عداه فإنه خارج عن ذلك؛ فشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بدأ كتابه الذي سماه قاعدة في الحسبة بعد خطبة الحاجة والمقدمة بتأصيل وتقعيد هذا الأصل العظيم الذي يجب علينا أن نعيه، وأن لا ننساه أبداً.

    فقال رحمه الله تعالى: قاعدة في الحسبة: أصل ذلك أن تعلم أن جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرسل، وعليه جاهد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنون، قال الله تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]''.

    إلى آخر ما ذكر -رحمه الله- من الآيات والأدلة، ثم بعد أن بين أن الناس لا بد أن يجتمعوا، وأن الإنسان مدنيٌ بطبعه، وأن الشرائع التي أنزلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنما هي أمر ونهي، والناس في أي بيئة، وفي أي زمان وفي أي مكان يجتمعون لا بد لهم من أمر ولا بد لهم من نهي، وهذا من حكمة الله في خلقه.

    ثم قال بعد ذلك: ''وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هي أمر ونهي، فالأمر الذي بعث الله به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأمر بالمعروف، والنهي الذي بعث الله به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو النهي عن المنكر -إلى أن قال- وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر''.

    جميع الولايات، والمناصب، والوظائف، والإدارات، والأعمال إنما المقصود منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكما يتعين على كل فرد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب حاله وبحسب استطاعته، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيغة العموم لأي منكر: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} فكذلك أيضاً -وهو على سبيل الإلزام- الولايات، والإدارات، والسلطة.

    قال -رحمه الله-: ''سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى مثل نيابة السلطنة'' يعني من أكبر الولايات والوظائف والمناصب في الدولة، فقد كانت أكبر الوظائف في أيامه: ولاية النيابة -نيابة السلطنة- والغالب أنه يكون بمثابة ما يسمى الآن رئيس الأركان، أو القائد العام للجيوش.

    وكان من أشهر أولئك الذين كانوا كذلك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى، فقد كان قائداً لجيوش نور الدين السلطان العادل صاحب السيرة المحمودة رحمه الله تعالى، ثم بعد ذلك صار صلاح الدين هو السلطان وتولى بنفسه الجهاد، كما هو عادة السلاطين أن منهم من يتولى بنفسه الجهاد، ومنهم من يكون نائب السلطنة هو المتولي لذلك.

    فتلك الولاية هي أعظم ولاية بعد الخليفة، فالخليفة عمله هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولايات التي دونه والتي تتفرع عنه، كما ذكر الماوردي، وأبو يعلى، وابن خلدون، والأزرقي، وغيرهم ممن كتب في السياسة الشرعية وفي الأحكام السلطانية كـابن حزم -له مؤلف في ذلك- فكلهم جعلوا هذه الولايات فروعاً من الولاية العظمى التي هي ولاية الخليفة أو الإمام، فيتفرع عن منصب الإمام هذه الدواوين أو المناصب؛ فجميعها كما قال شَيْخ الإِسْلامِ يقصد بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك الولاية الكبرى مثل نيابة السلطنة أو غيره.

    ثم قال رحمه الله: '' والصغرى مثل: ولاية الشرطة، وولاية الحكم، وولاية المال -وهي ولاية الدواوين المالية- وولاية الحسبة''.

    إذن: فكل الولايات وكل الدواوين إنما غرضها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    والغرض من السلطة في الإسلام يختلف عنه في القوانين الوضعية والمذاهب الأرضية، وهذه حقيقة مهمة يجب أن تعلم؛ لأن المذاهب والقوانين الوضعية عندما تكثر من العساكر، أو الشرطة، أو الحرس أو غير ذلك؛ إنما مقصودها حفظ النظام، وضبط الناس، وحفظ الأمن، ولا زيادة على ذلك.

    وهذا ما احترز عنه شَيْخ الإِسْلامِ -رحمه الله- فقال في موضع آخر غير ما ذكر في هذه القاعدة: '' ليس المراد من الشرائع مجرد ضبط العوام''.

    أي: حتى يعلم الوالي أياً كانت ولايته ووظيفته في الدولة الإسلامية، أنه ليس الغرض أنه مجرد أن يضبط العمل الإداري أو يضبط الأمن فقط.

    يقول رحمه الله: ''ليس المراد من الشرائع التي أنزلها الله مجرد ضبط العوام، بل المراد منها الصلاح باطناً وظاهراً''.

    والقوانين الوضعية لا تفكر في شيء اسمه الصلاح الباطن، فهذه يعتبرونها مبادئ أخلاقية، والمبادئ الأخلاقية عندهم من شغل الفلاسفة الأخلاقيين، فلا تعنيهم، إنما يعنيهم الانضباط الظاهري فقط، وهذا مفرق عظيم بين شريعة أحكم الحاكمين التي جاءت لإصلاح القلوب ومداواة أمراضها، وبين ما يضعه الجاهليون بأهوائهم وآرائهم وتخرصاتهم من الشرائع الوضعية.

    ثم قال: ''بل المراد منها الصلاح باطناً وظاهراً للخاصة والعامة -للحاكم وللمحكوم وللمدير وللمدار، وللرئيس وللمرءوس- في المعاش والمعاد''.

    أيضاً الشرائع الوضعية إن ضبطت شيئاً فتضبطه في المعاش-في الدنيا- لكن في المعاد -في الآخرة- لا تضبطه ولا تتدخل فيه؛ فهكذا تظهر وتتضح عظمة وسعة مفهوم الولاية في دين الله تبارك وتعالى.

    ثم احترز حتى لا يقول قائل: والعقوبات التي شرعها الله تعالى لضبط الناس وردع من يرتكب المحرمات، أليست لضبط العوام؟!

    فقال: ''لكن في بعض العقوبات المشروعة في الدنيا ضبط للعوام'' نعم. بعض العقوبات هي لضبط العوام كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: [[إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن]] فلا بد من هذا كجانب من الجوانب التي تكون الولاية فيه تحت التشريع، وقد أنزل الله تعالى في هذا الشرع ما يكفي، ولا بد أن يندرج أيضاً تحت السلطة التنفيذية فيكون المقصود منه الضبط.

    أقسام الدواوين وعلاقة بعضها ببعض

    بعد هذا نذكر أقسام الدواوين وعلاقة بعضها ببعض.

    الديوان الأول: فأما "ديوان التنفيذ" أو "ديوان الحجابة" أو "ديوان السلطنة": هكذا كان يسمى سابقاً بينما يسمى في وقتنا الحاضر "رئاسة الحكومة" أو "الحكومة" أو "الوزارة" فرئيس الوزراء والوزراء معه هؤلاء يسمّون "الحكومة" أو "الوزارة"، أو "السلطة التنفيذية" بالمصطلح السياسي القانوني -وهذه ليست موضوع حديثنا- ويتبعها الجند والعسكر لأنهم ذراع تنفذ بهم السلطة ما تريد، فهم تبع لوزارة من وزاراتها وهي التي تسمى في وقتنا الحاضر "الوزارة الحربية" أو "وزارة الدفاع".

    الديوان الثاني: هو ديوان المظالم: والفرق بينه وبين القضاء وبين الحسبة هو: أن المظالم يكون فيها المدعى عليه أو صاحب المنكر المراد تغييره، إما السلطة أو من يمثل السلطة، فإذا كان المدعي يدعي على إدارة حكومية، أو على السلطة، أو على من يمثل السلطة في وظيفته وفي عمله، فهذه تعتبر من قضايا المظالم؛ لأن الذي يقوى على إعطاء المظلوم حقه من هذه الإدارة أو من صاحب المنصب الحكومي هو هذا الديوان الذي اختصاصه هذا، وعلى هذا درجت الدول والممالك الإسلامية منذ أن تصدى عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- لهذا الموضوع الجلل بنفسه، وإن كان ذكر عن عبد الملك بن مروان أنه جعل أيضاً يوماً للمظالم -لكن كما ذكرنا- أن الخلفاء الراشدين كانوا يتولون ذلك كله بدون تفريق؛ لأن الذي كان يهمهم هو الحقائق، فكانت بغير الأسماء والأقسام الشكلية التي وضعها من جاء بعدهم.

    لكن فيما بعد درجت الدول الإسلامية على اعتبار ديوان المظالم هو الذي يبتُّ ويفصل في كل من يدعي مظلمة ضد الدولة، أو ضد السلطة، أو ضد من يمثلها من الموظفين.

    الديوان الثالث: ديوان القضاء أو ولاية القضاء: وهي معروفة للجميع، وموضوعها هو الفصل بين الخصومات، وبين المتداعين من الناس، وهذه لها جانب عظيم في حياة الأمة، ولها اختصاص معروف في القديم والحديث.

    الديوان الرابع: وهو الذي يهمنا الآن، وهو الحسبة أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    إذا كانت الدولة لا تشمل إلا هذه الدواوين الأربعة في أغلبها، فلنا أن نتصور سعة الصلاحيات بالنسبة لعصرنا الحاضر عندما قسمت الصلاحيات إلى عشرين وزارة مثلاً أو ثلاثين أو عشرين مؤسسة وأكثر من ذلك مثلاً من الإدارات، فكل هذه الوزارات لا بد أن نقسمها، لتندرج تحت هذه الدواوين؛ لنعرف ماذا كانت عليه ولاية الحسبة، وماذا كانت قيمتها عند الأمة وكيف كان ذلك.

    الفرق بين الحسبة والقضاء

    فصَّل الإمام الماوردي الفرق بين الحسبة والقضاء تفصيلاً لا بأس أن نورده هنا، يقول: ''إن ولاية الحسبة تقصر عن ولاية القضاء من وجهين:

    الوجه الأول: قصورها عن سماع عموم الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات، من الدعاوى في العقود والمعاملات وسائر الحقوق والمطالبات، فليس من وظيفة الحسبة أن تسمع الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات'' أي: أن القضايا الحقوقية المتنازع عليها لا تدخل في هذه الشئون التي هي من شئون القضاء، لكن عملها في منكر ظاهر فتزيله، أو في حق ثابت فتؤديه، أما ما يحتاج إلى دعاوى وما هو موضع تجاحد وتناكر بين الأطراف فهذا يرجع فيه إلى القضاء لسماع البينات والحكم فيما بين الخصوم، لكن إذا كان حقاً ثابتاً فإنه يملكه المحتسب.

    ''الوجه الثاني من الفرق بين الحسبة والقضاء: أن موضوع الحسبة هي الحقوق المعترف بها، فلا يدخل فيها ما يتعلق بالتجاحد والتناكر ''.

    ثم قال: ''أما زيادتها عن القضاء فمن وجهين أيضاً:

    الوجه الأول: التعرض لتصفح ما يؤمر به من المعروف ويُنهى عنه من المنكر، وإن لم يحضره خصم يستدعي'' بمعنى: أن القاضي لا يبحث عن أية قضية إلا إذا جاءه من يقول: أنا أدعي عندك على فلان، فهذا عمل القاضي، أما المحتسب فهو الذي يبحث بنفسه ويتعرف ويتفحص، فإذا علم أن رجلاً ظلم بناته فلم يزوجهن -مثلاً- فإنه يحتسب وينكر عليه.

    وإذا علم أن رجلاً قصَّر في حق يتيم ولم يقم بحق الكفالة فإنه يذهب ويحتسب عليه، فضلاً عما هو من صلاحياته الأساسية، مثل: المعاملات في الأسواق وغير ذلك مما سنوضحه إن شاء الله.

    والمقصود هو: إيضاح الفرق، فالقاضي إذا لم يأته المدعي لا يتدخل، هذا بعد أن تقسم الدواوين، لكن المحتسب يتعرض ويسأل وينقب؛ يشم رائحة ويقول: ربما كان هذا مصنع خمر فيذهب ويستكشف ويغير المنكر.. يمشي في الليل فيسمع صوت طنبور أو مزمار، فيقول: هذا منكر ويغيره. يرى آلات ملاهي فلا بد أن يكسرها.. يرى تماثيل لا بد أن يحطمها، وهذا له أصل عظيم جداً، وهو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما مر بالسوق فوضع يده في الطعام فوجد البلل، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟! من غش -وفي رواية من غشنا- فليس منا)، وكان عمر -رضي الله عنه- يفعل ذلك ويدور في الأسواق، ويتعرض، ويرى، فهذه وظيفة المحتسب لا وظيفة القاضي.

    ثم قال: ''الوجه الثاني: أن للمحتسب من السلطة ما ليس للقضاء؛ لأن الحسبة موضوعه على الرهبة، والقضاء موضوع للمناصفة'' هكذا تعبيره ونقلها ابن خلدون عنه حرفياً.

    فالحسبة موضوعه على الرهبة، فهي سلطة تنفيذية ترهب صاحب المنكر، أما القضاء فليس فيه إرهاب من القاضي، بل هناك مناصفة، وعنده ميزان، يسمع من هذا كما يسمع من هذا، ثم يحكم بالحق.

    أما الوالي أو المحتسب -عموماً- فإن موضوع عمله هو الرهبة، وكأنه في هذه الحالة قاضٍ وزيادة، فمجرد ما يسمع من أحد الأطراف أنه يشتكي أن منكراً وقع عليه، ينكر ويغير باليد في آنٍ واحد معاً، هذا من جهة التفريق بين ولاية الحسبة وبين ولاية القضاء من الناحية الفقهية.

    الفرق بين المحتسب والمتطوع

    فرق المؤلفون في الأحكام السلطانية الإسلامية بين المتطوع وبين المحتسب، فأوردوا تسعة فروق، لكن يمكن أن نوجزها فنقول:

    المتطوع: هو كل مسلم متطوع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى أنه ينكره تطوعاً لا وظيفة، فليس المقصود أن الإنكار لا يكون واجباً عليه.

    لكن المتطوع هو من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من تلقاء نفسه من غير ولاية رسمية، يتعرض للواجب، ويتعرض للمكروه وغير ذلك، ويتحمل الأذى في سبيل هذا، فهذا لا يأخذ أجراً من بيت المال، ولا يمكنه أن يقيم الحدود، ولا أن يعاقب، ولا أن يعزر إلا في حالات معينة؛ كأن يرى رجلاً يعمل الفاحشة -والعياذ بالله- أو يغتصب مالاً حراماً أو ما أشبه ذلك من الأمور التي لا يمكن التباطؤ فيها، ولا يمكن تأجيلها.

    أما المحتسب فهو صاحب ولاية، وصاحب سلطة وتنفيذ، فله أن يفعل ذلك وزيادة.

    الفرق بين سلطة المحتسب وسلطة القاضي

    ولاية الحسبة عموماً من أهم صلاحياتها ومن أوسع اختصاصاتها: العقوبة، فتمتاز عن القضاء بالعقوبة الفورية، ولا بد أن تؤديها، وعلى هذا نص شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله فقال: ''الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور '' لكن من العقوبات ما تسمى بالعقوبات المقدرة، وهي الحدود التي قدَّر الله تعالى عقوباتها، فهذه يتولاها القضاء.

    أما المحتسب فكل أعماله داخلة في باب العقوبات الغير مقدرة؛ أي: التعزيرات من توبيخ، أو تسفيه، أو ضرب، أو حبس، أي: قد يتطور الأمر حتى كان للحسبة في بعض الدول سجون، ولها معاملات، ولها ضبوط، وشهود، وأمور عظيمة جداً، بحسب أحوال الدول وقربها من الاقتداء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإحياء هذه الشعيرة العظيمة.

    1.   

    صلاحيات المحتسب

    لعلنا نتعرض فقهياً بإيجاز لبعض أنواع العقوبات ودرجاتها، ثم نتعرض للصلاحيات التي يتمتع بها هذا الديوان في الحكومة الإسلامية.

    النوع الأول: إتلاف المنكر

    وأعظم هذه العقوبات التي يمكن أن يقوم بها رجل الحسبة هي: إتلاف المنكر بعينه، كالأعواد وآلات اللهو، وأعظم من ذلك الأصنام، فلو علم أن بعض القبائل أو بعض المناطق في البادية أو ما أشبه ذلك تعبد أصناماً، أو تقدس حجارة أو أشجاراً وتتبرك بها، فيجب على المحتسب أن يقطعها، وعلى ولاية الحسبة إزالة هذه الصخور وتدميرها وإتلافها بالكلية وقطع الأشجار، فهذه أحد الأمور التي هي من الوظائف الأساسية لعمل الحسبة: أن يقضي على المنكر ويغيره.

    ومع تطور الحياة والحضارة في الأمة الإسلامية، تفرعت قضايا أخرى، وتكلم الفقهاء فيها، فمثلاً قالوا: ما حكم اللبن المغشوش، هل يدخل فيما يتلف؟ فقال بعض العلماء: يتلف، واستدلوا على ذلك بأن عمر رضي الله عنه أراق اللبن المغشوش، فمن عمل المحتسب أن يمر بالأسواق فإذا رأى لبناً مغشوشاً يتلفه، وقال بعض الفقهاء: لا يتلف وإنما يتصدق به، وليس هناك كبير خلاف إن شاء الله لو نظرنا من جهتين:

    - من جهة أن هذا اللبن المغشوش لا يباع ويجب أن يعاقب صاحبه بإتلافه، وهذا ما نظر إليه من قال: يراق، وقال: هذا من التعزيرات المالية، وهي حق ولها أصل شرعي في عدة أحاديث ليس هذا مقام التفصيل فيها، وقال: هذا من إتلاف عين المنكر، وهذا منكر يتلف بعينه، عقوبة لصاحبه حتى لا يعود إلى الغش.

    - والذي قال لا يراق: نظر إلى أنه لبن قد يشرب، وبعض الناس قبل أن يشرب اللبن يضع عليه ماء، فقال: إذن لا يراق وإنما يتصدق به.

    فأنا أقول: يمكن أن يعاقب صاحب اللبن هذا أو ما أشبهه -فاللبن كمثال- بأن يؤخذ منه هذا الشيء، ويأخذه المحتسب ويتصدق به على الفقراء.

    ومثل: صاحب الفاكهة المغشوشة أو صاحب الطعام المغشوش أو ما أشبهه، يصادر منه، ويعطى للفقراء تحت نظر ولاية الحسبة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

    ولو أن ثوباً نسج من الحرير هل يتلف، أم يتصدق به؟

    الأرجح أن مثل هذا يتلف، والخمور تتلف مع أوعيتها، وآلات اللهو هل يقول قائل: إنه يمكن أن تغير ويستفاد منها أعواد (خشب آخر؟) فنقول: هذا قد قيل في بعض المذاهب والأولى والأرجح أن تتلف إلا أن تؤخذ وقوداً، أو توضع في نار للتدفئة.

    فمن عمل المحتسب أنه إذا رأى طنبوراً أو مزماراً أو طبلاً إلى آخر آلات اللهو أتلفه بعينه ولا ينظر إلى كونه ذا ثمن أو قيمة مهما كان ارتفاع ثمنه، ومن ذلك الآن ما يسمى في أيامنا هذه -مع الأسف- الذهب الرجالي!! فإذا ذهب أحداً إلى سوق الذهب، وقال: أريد ذهباً، فيقال له: رجالي أو نسائي، سبحان الله!! أيوجد ذهب رجالي، كيف وهو حرام على الذكور؟!

    فيقال لأهله: الحكم فيه الإتلاف، فإذا حولوه أو صاغوه بطريقة معينة بحيث يصبح مما يحلى به للنساء، فلا بأس.

    أما إذا كان الثوب مغشوشاً، بأن كان يعرض على أنه من القطن (100%) وليس فيه إلا (30%) أو (20%) من القطن، فيكون مثل اللبن المغشوش، هل نقول: يحرق عقوبة لصاحبه؟ قال بذلك بعض العلماء، والبعض قال: يتصدق به.

    المقصود أنه يعاقب صاحبه؛ لئلا يغش بعد ذلك.. فهذه من جملة صلاحيات المحتسب، وتكلم فيها الفقهاء؛ لأنها كانت أمراً واقعاً تعيشه الأمة الإسلامية، ورجل الحسبة يقوم بهذه الأعمال، هذا أمر عادي وطبيعي في المجتمع، وما كانت هناك صحافة في تلك الأيام تحارب المتدينين وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسبهم وتحقرهم ولا كان هناك مجالس غيبة ولا نميمة، ولا مجالس فجار وسكارى يشتمون رجال الدعوة ورجال الهيئة، والأمة كلها تعرف أن هذا من عملهم ومن شأنهم، وليس لأحد الحق أن يتدخل فيه إلا أن يفتي العلماء أن هذا مما لا يجوز لكم -مثلاً- أو لا تتلفوا ذلك الشيء أو افعلوا به كذا؛ لأنهم منفذون لما يفتي به العلماء.

    النوع الثاني: تغيير المنكر مع بقاء عينه

    وذلك مثل القرام الساتر الذي كان في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان فيه صور، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسمها وسادتين توطآن، وهذا حديث عظيم رواه الإمام البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وجعله شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية -رحمه الله- من الأصول في هذا الباب.

    وفيه { أن جبريل لما أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فامتنع أن يدخل البيت، فقال: إنه ما منعني أن أدخل عليك البيت إلا أن فيه تمثالاً ) وكان فيه أيضاً القرام الساتر الذي فيه الصور وكان فيه -أيضاً- كلب، فكيف عمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وكيف غير؟

    أما التمثال فقطع رأسه حتى أصبح كهيئة الشجرة، وأما القرام فإنه قطعه وسادتين توطآن.

    إذن: فالصور الممتهنة المحتقرة التي لا يؤبه لها في الفرش قد عفي عنها، وقد ابتلينا في هذا الزمن بصور لا عد لها ولا حصر في كل شيء.

    وأما الكلب فإنه يُخرج؛ لأنه ذات منفصلة.

    فهذا الحديث أصل في أنواع التغيير، فلم يجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم واحداً، بأن يحطم الصنم، ويحرق الستار، ويقتل الكلب -مثلاً- إنما هذا له معاملة، وهذا له معاملة، وهذا من حكمة التشريع الذي أنزله الله -تبارك وتعالى- وهو أحكم الحاكمين جل شأنه.

    فالمنكر إما أن يتلف وإما أن يغير.

    أما التلفاز وأشرطة الأغاني وأشرطة الفيديو، فهذه لها حالتان بحسب المصلحة: إن كانت المصلحة أن يعاقب صاحبها، فإنها تحرق وتتلف، ولا سيما إذا كانت فيها صورٌ فاحشة أو أغانٍ ماجنة، فهذه لا بد أن تتلف وأن تحرق، وإن نظر ناظر أنه يمكن أن يستفاد منها، فيسجل عليها مادة علمية مفيدة، ثم يستفاد من الشريط، فلا بأس، وهذا يدخل فيما سبق، فالأمر واسع، فهو بحسب ما يراه المحتسب، وللمجتهد أو المفتي أو العالم أن يفتي فيما يراه أنه الأرجح لديه، ولا بأس في ذلك، فهذا أمر يرجع إلى المصلحة.

    - ما هي اختصاصات المحتسب من حيث العمل؟ وما ميدانه؟

    1.   

    اختصاصات المحتسب

    ردع المتخلفين عن الصلاة

    هل عليه أن يمر بالسيارة وبالميكرفون ويقول: صلوا!! هل هذه هي ولاية الحسبة؟! وهل هذا عمل المتحسب؟! لا. فهذه وظيفة أي واحد منا، فكل واحد منا في حيه لا بد أن يمر على ما لديه من دكاكين ومن جلسات ومن أناس وينبههم على الصلاة كل يوم، حتى تصبح إذا مررت في إحدى الممرات، وأنت لا تدري أأذن أم لا، وليس من قصدك أن تقول: صلوا، فإذا بهم يقولون: توكلنا على الله؛ ويذهبون إلىالصلاة!!

    لأنه قد ترسخ في أذهانهم أنك لا تمر إلا وتذكرهم بالله وبإقامة شعائر الله.

    إذا عودنا الناس على هذا الأمر ربما إذا نصحتهم أنا وخافوا مني ثم جاء شخص آخر وما كان قصده أن يأمر أو ينهى، أو أنا جئت وليس من قصدي أن آمر أو أنهى، تكون قد ترسخت في أذهانهم الصورة الأولى، فبمجرد رؤيته يقولون: أبشر يا شيخ، أبشر!! فتستغرب ولا تدري أن شخصاً قد أنكر قبلك!! فإذا أحيينا هذه الشعيرة في المجتمع، أصبح لطالب العلم مكانته بمجرد أن يرى لأنه يمثل دين الله ويسعى لإقامته ولإعلاء كلمته.

    فهذا التذكير بالصلاة يجب أن يشارك فيه كل مسلم، أما المحتسب فعليه العقوبة، فإذا حضرت الصلاة وشخص لم يغلق دكانه، نصحناه بالحكمة وبالأسلوب الطيب وأعطيناه فتوى الشيخ عبد العزيز أو فتوى الشيخ ابن عثيمين، أو غيرهما، فإذا لم يستجب فهنا ننادي المحتسب: يا محتسب! تعال، فإن هذا الرجل عاص، والمحتسب يتفاهم معه إما بالموعظة الحسنة أو بالقوة، فهذا عمله بالنسبة للصلاة.

    أما ما يحصل الآن من أنه يدور فقط وينادي: صلوا، والأندية والدكاكين كلها مفتحة ولا يمر إلا على خمسة دكاكين إن اتسع الوقت، فتقام الصلاة ولم يصنع شيئاً! ومع هذا فإن بعض الناس يقول لهم: عندما تمر علينا، فكلمنا بلطف!! وكأن هذا من الغلظة ومن العنف الذي يرتكب، وهو لم يقم ولا بـ(1%) من عمل المحتسب، وإنما هذا من عمل أي شخص منا مما يجب أن نقوم به.

    فمن أعمال المحتسب ردع المتخلفين عن الجمع والجماعات؛ ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لأمرت بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) هذا وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحريص عليها، الذي حَرّضنا على الصف الأول وعلى تكبيرة الإحرام، يأمر بالصلاة فتقام حتى لا تؤجل فلا يضيَّع ولا يؤخر الذين في المسجد من أجل المتخلفين، ثم يخالف إلى أقوام لا يحضرون الجماعة فيحرق عليهم بيوتهم، فعمل المحتسب أن يعاقب أولئك الذين يتخلفون عن الجماعات وعن الجمع، حتى ذكر العلماء صلاة العيدين والاستسقاء وغير ذلك مما يدخل ضمن ولايته، وإن لم يكن واجباً فليحث عليه الناس حثاً.

    الإشراف على التجارة والأسواق

    ومن ذلك -وهذا كان يمارس في الدولة الإسلامية- الإشراف الكامل على التجارة والأسواق، فكان الناس في جميع الولايات الإسلامية كـالأندلس ومصر وبغداد وخراسان وكل الولايات، يعرفون أن السوق كله تحت نظر المحتسب؛ الغش في المعاملات، التطفيف في المكاييل والموازين، مراقبة الجودة والنوعية، حتى في الدراهم كان لديهم ضبط، حتى الكيماوية فـابن تيمية -رحمه الله- في الحسبة يقول: ''يراقب الكيماوية الذين يقلبون -زوراً- الخسيس من المعادن إلى نفيس'' وكانت عندهم ضوابط من مختبرات للجودة والنوعية، وهيئة المواصفات والمقاييس -كما تسمى الآن- وكل ذلك يندرج تحت الحسبة، وكذلك مراقبة الأسواق، ومراقبة الشوارع العامة، من ناحية الاختلاط، ومراقبة مواضع الريب، فعليه أن ينظر إلى مواضع الريب، فيتتبعها ليزيل الريبة، أيما رجل رآه مع امرأة في مكان فيه ريبة -مثلاً- أو أي عمل من الأعمال المشبوهة والمريبة فكان كل ذلك تحت ولايتهم، وهذا باب واسع، ولكم أن تتصوروا كم يدخل في هذا من أحكام!!

    صيانة المدن والطرقات والقناطر

    ومما كان ضمن ولاية الحسبة -أيضاً- ما يتم به إصلاح المدن، والطرق التي هي تحت ولايتهم، فالمتعدي على طرق المسلمين لا يردعه القاضي، فالقاضي يحكم بين الناس، ولا الشرطة كذلك فهذا ليس من شأنهم، بل كل ذلك يدخل ضمن ولاية الحسبة؛ كالتعدي في الطرقات، أو التعدي في أراضي الغير، كالذي يبسط بسطة في السوق، أو كما في عهد الإمام أحمد كانوا يتحيلون على الشارع ليضيقوه، فيبنون المسجد ثم يبنون على صفه، فقال الإمام أحمد -رحمه الله-: '' يُزال؛ لأنهم ما أرادوا به الصلاة، إنما أرادوا التحيل به ليصفوا على منواله''.

    ومراقبة المدينة، حتى قالوا: لو أن الأسوار تهدمت، أو أن الثغور ضعفت لكان من وظيفة المحتسب أن ينبههم إلى ضعف الأسوار والثغور!! وكذلك القناطر والجسور كل ذلك يدخل ضمن ولاية المحتسب ويتنبه له ويحث الناس عليه، ولهذا سنفصل فيما بعد ما هي الولايات والإدارات التي يمكن أن يقوم المحتسب بها في مقابل الإدارات المعاصرة.

    منع المعاملات المحرمة

    يدخل كما نص عليه شَيْخ الإِسْلامِ -رحمه الله- في ولاية المحتسب، كل أنواع المعاملات والعقود، فتصحيح العقود الشرعية، ومنع المعاملات الربوية كل ذلك داخلٌ ضمن ولاية المحتسب، فعليه أن يمنع أكل الربا، وأن يهدم بيوته وأوكاره وأن يبيدها وأن يردع المتعاملين به؛ لأن المتعاملين بالربا غالباً ما يقعون فيه رضاً لا اغتصاباً.

    فالغالب أن يكون الربا بالتراضي بينهما، فهل هناك أحد من الناس من يأتي ويشتكي ويقول: أخذ مني ربا؟!!

    فالمحتسب يبحث ويتحرى، وحتى المعاملات المحرمة الأخرى، كالنجش -والنجش هو الزيادة بغير قصد الشراء- كمعارض السيارات، فالميكرفونات من العصر إلى آخر الليل تصيح، وكله نجش إلا ما رحم الله، فهذه من وظيفة المحتسب.

    وكذلك تلقي الركبان عندما يأتيون الآن الحلقة، ويكون فيها من الغش ما فيها، فهذا أيضاً من وظيفة المحتسب.

    إذن كانت أعمال عظيمة جداً، نص شَيْخ الإِسْلامِ عليها وتكلم الفقهاء كلهم فيها.

    وقال بعضهم: من ولاية المتحسب ضبط الأسعار وهذه مسألة فقهية خلافية والخلاف فيها كبير، هل يسعر أو لا يسعر؟

    إنما يدلكم هذا إلى أن كل النواحي المالية والتجارية والمعاملات تحت نظر وإشراف رجال الحسبة ودواوين الحسبة.

    في كل سوق، وفي كل حي مركز أو مقر لرجال الحسبة، وهم موجودون -دائماً- فيها لأن هذا شأنهم وهذه وظيفتهم، فلا يمكن أن يتخلفوا أو يتأخروا عنها.

    هكذا كان وضع جميع الدول الإسلامية على مدار التاريخ إلى أن حصل ما حصل كما تعلمون.

    1.   

    هيئات الحسبة في الحكومات الجديدة

    بقي أن نقول: ما هي الهيئات والإدارات الحكومية في عصرنا الحاضر التي تقابل ديوان الحسبة، بحيث إذا أنشئ ديوان للحسبة وأعطيت صلاحيات لهذا الديوان على الحقيقة، فما هي الإدارات التي يمكن أن تندرج ضمنه أو تتفرع عنه؟

    بعد أن رأينا ما كتب الفقهاء، وما هي أقسام الدواوين الأربعة -كما ذكرنا- نجد أشياء قد لا تتخيلونها.

    الرقابة العامة

    منها على سبيل المثال: كثير من اختصاصات ديوان المراقبة العامة، كهيئة الرقابة، وهيئة التحقيق، وهيئة التأديب، وهذه الهيئات بدرجة وزارة، ولها صلاحيات في الرقابة المالية، وفي التحقيق، وفي التأديب إلى غير ذلك، وهذه في واقعنا الحالي كأنه لا علاقة لها بالأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، هي إدارية بحتة، وربما كان كثير من أنظمتها مأخوذ من القوانين أو الأنظمة المستوردة مع أنها من ضمن ما يدخل في ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الحسبة.

    ولكم أن تتصوروا لو أن هذه الوظائف فعلاً أدرجت على أنها وظائف دينية احتسابية، وأنها عملٌ يراد به وجه الله، كيف سيكون حالها وحال الأمة التي تكون فيها هذه الوظائف جزء من ولاية من ولاياتها؛ وهي ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الحسبة؟!

    الشرطة وإدارة الحقوق المدنية

    وكذلك بعض اختصاصات إدارات الشرطة في عصرنا الحاضر، وبالذات ما يسمى بإدارة الحقوق المدنية؛ لأن الأصل في وظيفة الإدارة المدنية هو الحقوق الثابتة لا الحقوق المتخاصم عليها.

    فالحق الثابت الذي يلزم صاحبه أن يؤديه هو من اختصاصات المحتسب، فكيف لو ضمت هذه الإدارات وضم رجال الشرطة الذين يقومون بها إلى ديوان الحسبة، وأصبحوا تابعين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبح عملهم ليس مجرد أي عمل إداري، وإنما عمل ديني احتسابي يقومون به وفق النظم والضوابط الشرعية الفقهية، وتحت ولاية الإفتاء وما يفتي به العلماء.

    كيف تتخيلون أن تكون حالة الأمن؟ من المؤكد أنه سيعم ويسود الأمن، وتقل الجرائم أو تنعدم -بإذن الله تعالى- لأن رهبة الناس من التداعي ستزول، وأي إنسان له حق ثابت سيذهب مطمئناً إلى رجال الحسبة فيعطى حقه، وأي إنسان مماطل فإنه سيخاف، وقد نص العلماء في كل الكتب -تقريباً- على أن من عمل المحتسب أخذ الحق من الغني المماطل.

    هذا الذي تقوم به الآن إدارات الحقوق المدنية -وهذه تسمية مستوردة- والقضية ليست قضية الأسماء، فالحق أن هذا من عمل وديوان الحسبة.

    البلديات

    عندنا البلديات والتي تشرف على الجسور، والطرق، والرقابة على الأسواق، وكل هذه في الحقيقة تتبع الحسبة، فالإدارات التي تتبع البلدية الآن وهي في كل حي، لو أنها تتبع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخضع للإفتاء وللضوابط الشرعية الفقهية، لرأيتم حال الأمة كيف يتغير إلى الصلاح والخير، ورأيت أن ذلك أردع وأبعد عن الرشاوى وعن المشكلات التي لا نريد الدخول في تفاصيلها، فكل واحد منا يعلمها.

    وأكثر الناس يعرفون البلديات ويعانون منها خيرها وشرها، كأنها عند الناس لعبة، لكن لو كانت البلدية قائمة على أساس شرعي لرأيتم الإنصاف، ورأيتم الخير يعم المجتمع، فما تقوم به البلديات من إصلاح الطرق والجسور، ومنع التعديات، ومراقبة البضائع، وإتلاف المغشوش، هو مما نص الفقهاء على أنه من ديوان الحسبة.

    وزارة التجارة

    كذلك وزارة التجارة، وما يتبعها من إدارات كإدارة مكافحة الغش التجاري، والتفتيش على المحلات من الناحية التجارية، كله داخل -كما رأينا في كلام الفقهاء- ضمن عمل الحسبة، فلو ضممنا فروع التجارة، وجعلناها تحت ولاية الحسبة، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وأدرجت ضمن الولايات الشرعية وتحت الأحكام الشرعية، فسوف تضبط هذه الأمور ويكون فيها الخير والصلاح بإذن الله.

    وهذا لا يعني أنه لا يوجد في البلديات، أو الشرطة، أو في الحقوق، أو في التجارة من هو على خير وعلى صلاح، ومن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ولا يرتشي، ولا يغش، فالحمد لله بعضها فيها خير كثير، ولكن المقصود من هذا الكلام ليس الأفراد، بل المقصود أصل الولاية.

    وفرق بين أن أشعر أني في الهيئة، فأرى أنني أمثل الشرع، وأمثل الدين في حركتي، وكلامي، وفي ذهابي إلى عملي، وأتقيد في أعمالي كلها بأحكام الشرع، وبين أن أشعر أني مجرد موظف إداري، أعمل طبق ما يأتيني من تعليمات، وأخالف فيها ولا أرى أنني آثم، وأزيد عليها ولا أرى أيضاً أنني قمت بما لا يجب، ولهذا بدأنا الموضوع ببيان أن المقصود من الولايات -كلها- أن يكون الدين كله لله، وأن يؤمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر.

    الدفاع المدني

    الدفاع المدني بجميع فروعه نص الفقهاء في كل كتب الأحكام السلطانية على أنه من اختصاص الحسبة، فالدفاع المدني يفتش المحلات حتى لا يندلع حريق، ويفتش على أسلاك الكهرباء، على الطفايات -مثلاً- وهذه مذكورة بحسب عصرها من ضمن ولاية المحتسب، فإذا حولنا هذه الطاقات وما يتبعها من المعدات والسيارات إلى الهيئة!!

    فبعض محلات الدفاع المدني تمر شهور -والحمد لله- لا حريق ولا شيء، فترى الجنود والموظفين جالسين إما للعب أو لذكر الله إن كانوا ممن يذكرون الله، والهيئة تحتاج إلى الجندي الواحد فلا تجده!!

    لماذا لا نجعل هذا الشخص العاطل عن العمل في هذه الجهات أو الذي عمله شبه ضعيف، لماذا لا نجعله في جهاز عامل يحتاج إلى طاقة؟ ورواتبهم إنما هي من أموال المسلمين فلا فرق.

    وعندما نأخذ بطبيعة التقسيم الشرعي إلى ولايات، نجد أن هذا يريحنا من أمور كثيرة جداً، وتستقيم أحوال الناس وما يتعلق بشأن الدفاع المدني من الإنقاذ، ومن مكافحة الحرائق، ودرء أسباب الدمار والخراب، كل هذا يقوم به ديوان الحسبة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوضع الطبيعي الصحيح للدولة الإسلامية.

    مكافحة المخدرات

    كذلك مكافحة المخدرات، والمخدرات كانت معروفة كالحشيش، لكن الآن الفرق أن الصناعة الآن أمريكية متحضرة!! والمفسدة كانت واقعة وموجودة، وكانت بطبيعة الحال من اختصاص رجال الحسبة، فأيضاً تدرج مكافحة المخدرات بأجهزتها ومكافحتها ضمن الهيئة في ديوان الحسبة، فتنقلب -أيضاً- إلى جهاز أكثر نفعاً، وأكثر عملاً، وأجدى في المكافحة، وأردع وأجدر عند الناس؛ لأنها أصبحت ولاية شرعية تتبع الأحكام الشرعية، وتتبع ما يقوله العلماء وتقوم بواجبها خير قيام.

    وزارة الأوقاف

    بعض صلاحيات وزارة الأوقاف كما يسمى حالياً منصوص عليه في كتب الأحكام أنه من صلاحيات رجال الحسبة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

    ومن أهم ذلك أن الإمام المبتدع لا يولى إمامة المسجد، فيحتسب رجال الحسبة ويبعدون هذا الإمام المبتدع أو الزنديق ويؤتى بالإمام الصالح.

    وكذلك الوعظ فهو -أيضاً- جانب وعمل من جوانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    بناء المساجد والاهتمام بها ورعايتها فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36] أي: ترفع حساً ومعنىً، ترفع معنىً في قلوب الناس، فترتفع وتصبح أقدس ما عند الناس، وأعظم ما عندهم، وأهم ما في الحي المسجد، فما نريد العشرات من الفلل الفخمة تحيط بمسجد متهدم مكسر، دورة المياه فيه لا يستطيع أحد أن يتوضأ فيها!! فهذا المسجد ما رفع حساً ولا معنىً، أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36] حقيقة ومعنىً، وكذلك حساً؛ بأن ترفع فلا تعلوها هذه البنايات الشاهقة، وأسوأ من ذلك أن تعلوها بنايات مما حرم الله، كالبنك السعودي الفرنسي فهو أعلى من المسجد!! ومصيبة أن تعلو المنكرات على المساجد، ولما لم ترفع ولم تعظم شعائر الله حتى كان الحال كما نرى!!

    وكذلك حفظ الأوقات من تعدي الناس عليها، والاهتمام بها، ومراعاتها، كل هذا يدخل ويندرج شرعاً وعملاً -خلال القرون الإسلامية- تحت ولاية المحتسب وديوان الحسبة.

    الشئون الصحية

    نص العلماء على أن من عمل ديوان الحسبة، مراقبة الأطباء ومعرفة الخبير من غير الخبير، ومنع الذي لا يجيد الطب من التطبيب، حتى القوابل للولادة والتنبيه عليهن، وفصل الرجال عن النساء، وكل ما نعتبره الآن نحن من الرقابة الطبية فقد تكلم فيه العلماء وجعلوه ضمن ولاية المحتسب.

    وكذلك منع التطبيب بالسحر والشعوذة والكهانة، هذه من أعمال المحتسب، فيبحث، ويستمع، وإذا رأى أن الناس يذهبون إلى رجل فيتتبع ذلك الموضوع؛ فإن كان ساحراً فيقام عليه الحد.

    وكل هذه مندرجة تحت ولاية المحتسب، فجانب من جوانب الشئون الصحية في أيامنا الحاضرة هو من اختصاص هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوضع الطبيعي في الدولة الإسلامية.

    الشئون التعليمية

    كذلك يراقب رجل الحسبة وضع التعليم، فيذهب إلى المدارس ويتتبع ويرى ماذا يفعل المعلمون، حتى قال العلماء: إذا كان بعض المعلمين يأخذ أجراً أكثر على غير فائدة أو من غير تعليم فإنه يعاقب، وإذا كان يضرب التلاميذ أكثر مما ينبغي، فإنه يعاقب ويعزر، المهم: أن يكون وضع التعليم تحت إشراف الحسبة.

    ونحن لا نقول: كل وزارة المعارف تنتقل، لكن جانباً مهماً يظل خاضعاً لها، وهم الآن إذا أريد إلقاء محاضرة، قالوا: لا نقدر أن نسمح بمحاضرة في المدارس، سبحان الله! لماذا كلما أريد فتح توعية إسلامية في المدارس، يقولون: لا نستطيع، ولا نقدر، والوقت لا يسمح؟!

    فجزء عظيم من صلاحية إدارة التعليم، هو أصلاً خاضع للهيئة، وعندما تعطى هذا الصلاحية للهيئة التي هي ديوان الحسبة، ويخضع التعليم لرقابتها فإننا نرى أن التعليم يصلح بإذن الله.

    كيف لا وقد وصلت الأمور إلى حد أن بعض المدرسين -والعياذ بالله- قد يرتكبون الفاحشة مع الطلاب في المدارس، ويفعلون أموراً أخرى، ويتكلمون بألفاظ بذيئة، ولا أحد إلا وهو يعرف هذا، ولا نحتاج إلى أن ندخل في هذه الموضوعات، فمن يعالجها ومن يصلح الأمور؟! أليس هذا من عمل الحسبة، ولا بد أن يقوم به رجال الحسبة؟!

    - مدرس يأتي المدرسة سكران، ماذا يقول له المدير، يقيم عليه الحد، أو يحوله إلى الشرطة؟! هذا من عمل الحسبة أيضاً.

    - مناهج فيها بدع وضلالات وخرافات، تحال للحسبة، وهذا من صلاحيات واختصاصات ديوان الحسبة، ولا نكاد الآن نشعر أنها من صلاحياتها، فعمل الهيئة عندنا الآن هو المناداة للصلاة فقط، وما عدا ذلك فكأنه ليس من عملها، وهذا الكلام كما قلت: مضغوط وموجز، لكن لو أردت دليلاً على كل شيء فعليك بكلام العلماء في الأحكام السلطانية وكتب الفقه ومنها ما ذكره شَيْخ الإِسْلامِ في قاعدة في الحسبة .

    مؤسسات الرفق بالحيوان

    ومن العجيب أن العلماء قد نصوا حتى على الاحتساب لمصلحة الدواب!!

    انظروا دين الرحمة، دين الإحسان، حتى لمصلحة الدواب، فمن عمل المحتسب أن ينظر إن كان صاحب الدابة يعذبها ويحملها ما لا تطيق؛ فيحتسب عليه ويأمره وينهاه.

    وهذا منصوص عليه، وهذا من كمال حكمة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الظاهرة في هذا التشريع وهذا الدين، الذي لما تركناه، تغير حالنا تهدر حقوق الآدميين في مجالات كثيرة، وفي الغرب يقيمون جمعيات للحيوان -سبحان ال-ه! هذه عندنا من ضمن أعمال رجال الحسبة، وكان هذا في الأمة أمراً معروفاً؛ فكانوا يمشون في الأسواق، فإذا رأوا دابّة عليها حمل ثقيل، أوقفوا صاحبها وأنزلوا من فوقها بعض الحمل، وقالوا: احمل هذا أنت أو استأجر دابة أخرى.. ولا تحملها ما لا تطيق.

    فكانت الأمة تشعر أن عليها رقيباً، ولهذا كانت أقرب إلى تقوى الله؛ ولهذا كانت تقاوم إذا ما تعرضت للغزو الخارجي، فقد جاء الصليبيون فقاومتهم، وجاء التتار فقاومتهم؛ لأن فيها حياة وفيها نبض.

    لكن انظروا إلى واقعنا الميت المؤلم، لماذا؟! لأننا قد أميتت فينا الشعيرة التي من شأنها أن تحيي قلوبنا وأن تحيينا كخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

    وزارة المواصلات، والمؤسسة العامة للموانئ

    أيضاً مما نص عليه العلماء: أن على رجال الحسبة تفقد المراكب، من أدوات النقل والسفن، وأن ينظروا إلى ما في حمولة السفن، وحتى قال أبو يعلى رحمه الله في أحكام السفن: ''يتفقد المحتسب السفن، فيضع أماكن للرجال وأماكن للنساء، ويضع مكاناً لقضاء النساء للحاجة غير ما هو مُعدٌّ للرجال''.

    هذا ضمن السفن، إذن كل هذا يندرج ويدخل تحت أعمال الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    مصلحة المجاري والمياه

    مما نص عليه العلماء من الشعائر التي يجب على رجل الحسبة أن يحييها ويهتم بها: موضوع الطهارة، فالطهارة أصل ديننا كله، فديننا دين الطهارة الحسية والمعنوية، الظاهرة والباطنة، فإذا تُرك كل واحد ينـزل النجاسات كما يشاء، وينـزل المياه الملوثة، أو يفعل كذا أو كذا، فإنه قد يسد المجاري أو يلوث مياه الشرب مثلاً، فما يتعلق بالمياه ونقاوتها من الطهارة ومن الخبث ومن الأمراض أيضاً يندرج تحت الحسبة، فلا يدخل هذا ضمن مصلحة المياه والمجاري أو ضمن وزارة الصحة والطب الوقائي مثلاً أو غير ذلك؛ لأن كل هذا من أعمال رجل الحسبة التي نص عليها العلماء رحمهم الله تعالى كما قلنا.

    إدارة شئون الموتى

    مما يراقبه -أيضاً- رجال الحسبة: المقابر وكيف يدفن الميت، وكيف يغسل.

    فترتكب أعمال فظيعة، وكثير من الناس لا والي له، كيف تكون الحال والإدارة هذه، مجرد أناس موتى يدفنون موتى؟! لا يهتمون ولا يأبهون بإقامة دين الله في هذا الشأن ولا يأبهون بالمقابر، ولو تركت المقابر من غير اهتمام ومن غير متابعة، لبني عليها!! وقد يبنى عليها ملاعب أو أي شيء آخر!! ولا يبالي الناس إذا قست قلوبهم عن ذكر الله وغفلوا عن الآخرة، لا يبالون حتى بحرمة المقابر، وهذه الأمور مما يتعلق بالموتى والمقابر هي من عمل رجال الحسبة أيضاً.

    الجمارك

    وعندنا هنا في المملكة قبل خمس عشرة سنة أو ما يقرب من ذلك كان في كل مطار أو مدخل: رجل الهيئة مع رجل التفتيش في كل شيء، ثم تقلصت الصلاحيات وقلل العدد.

    من أهم الأعمال: إدارة الجمارك، ولا نعني جانب الضرائب والجبايات فهذه لها تفصيل، وهي أعمال إذا دخلت في المكس فهي من أعظم الذنوب والكبائر، لكن نتكلم في الجمارك من جهة أنها تضبط ما يدخل إلى البلد من الممنوعات، هذا العمل هو من عمل رجال الحسبة.

    المراقبة الإعلامية

    ومن ذلك كثير من أعمال وزارة الإعلام، مثل المراقبة الإعلامية، من يحكم على المجلة، أتدخل أو لا تدخل، الآن أحياناً تأتيك مجلة مصور فيها امرأة عارية، فيطمسون الثدي وحدود العورة، ويبقى الصدر والشعر! وكأنه ما بقي شيء، فمن قال: إن هذا حرام وهذا ليس بحرام؟! وبأي معيار طمست هذا وتركت هذا؟! والحمد لله أنها تطمس، ولا نقول: لا تطمس، لكن لو راعينا الأصول الشرعية، وجعلنا هذه الأجهزة مرتبطة بإدارتها الشرعية التي جعلها الله لها، لرأيت أنه لا يتجرأ أحد على أن يدخل دواعي الرذيلة، والزنى، والفاحشة إلى البلد المسلم، لعلمه أن هناك إدارةً واعيةً، وشرعيةً، وحذرةً، ومتنبهةً، تتلف كل ما فيه محرم.

    ومراقبة الفيديوهات وما يتعلق بها -أيضاً- فيدرب موظف إداري ليراقب، ويعطي التصاريح، والرقابة الإعلامية معروفة أنها على المجلات، والفيديوهات ومحلات الأغاني، ولا نقول: لا يوجد عليها رقابة، بل هناك رقابة، ولكن هناك بعد عن الحكم الصحيح، فمثلاً: ما يتعلق بالأغاني، القضية ليست قضية رقابة بأن يمر ويراقب، لكن الحقيقة أنه لا يجوز شرعاً، ولا يحل أن يرخص لمحل أن يبيع الأغاني أو الأفلام الفاسدة مما هو موجود الآن، والترخيص بها حرام، وعملها كله حرام، وما يربحه مما يسمى المكاسب أو الدخل فهو خسارة، وسحت لا يجوز؛ ولذلك لو وضعت في الموضع الشرعي الصحيح وأحيلت إلى الولايات الشرعية، فالحكم فيها هو الإلغاء فوراً.

    وقد تعرضنا لذكر بعض الإدارات وبعض الصلاحيات هنا لنعرف من خلال كلام الفقهاء -رحمهم الله- سعة وصلاحيات ديوان الحسبة وهيئة ديوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما نسميها نحن الآن.

    1.   

    موقف المسلم من الحسبة

    بقي أن نقول: ما الواجب علينا في هذه الأمة؟

    الواجب المتعين علينا أن نعيد الأمر إلى نصابه، وأن نتعاون جميعاً لأن تعود لهذا الجهاز أهميته، وقيمته، وصلاحياته التي كانت في ظل المجتمعات والحكومات الإسلامية السابقة، وأن يُدعم بكل الطاقات وبكل الوسائل الممكنة.

    ولا مانع أن تدمج بعض الإدارات في بعض كما تفكك، كما كانت البلديات -مثلاً- جزء من وزارة الداخلية وغيرها، ثم فصلت، ثم قسمت البلدية إلى بلديات، وزارة المواصلات -مثلاً- فصل منها وزارة البرق، والبريد، والهاتف إلى آخره؛ فالدمج والفصل وارد لمجرد المصلحة الإدارية، فكيف إذا كان يتعلق بمصلحة شرعية ضرورية لإحياء هذه الشعائر.

    وبدلاً من أن نقول: الهيئات ليست لديها وظائف، ولا عندها وسائل، ولا نستطيع أن نحدث وظائف جديدة، فلندمج هذه الأجهزة في جهاز واحد أو ولاية واحدة أو كما اقترح بعض الإخوة: أن تحول إلى وزارة، فلا يوجد مانع، المهم أنه بشكل ما، أو بصورة ما أن تدمج أو تعود على ما كانت عليه سابقاً، ونحن الآن نقترح المبدأ، أما التفاصيل فدعوها لأهل الاختصاص بحيث يحصل الهدف وهو: أن يعود إلى ديوان أو وزارة الحسبة اختصاصها الشرعي الواسع، وصلاحيتها الواسعة، وجنودها ورجالها في كل منطقة وفي كل مكان؛ فإن الأمة أحوج ما تكون إلى هذا النوع من الولاية في هذا الزمن وفي كل زمان.

    1.   

    الأسئلة

    علاقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحقوق الدول

    السؤال: ما علاقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحقوق الدول؟

    الجواب: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل كل دولة تتخلى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتؤيد المنكرات والفساد ساقطة هالكة، والتاريخ شاهد بذلك وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً [الكهف:59]، وَمَا كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

    كل القرى التي ظلمت بالذنوب والمعاصي وارتكاب المحرمات، ولم يكن فيها مصلحون وتركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها تعاقب بالهلاك والدمار، دمار اقتصادي بالغلاء، ودمار بالحروب، ودمار بانتهاك الأعراض وارتكاب الجرائم والفساد، ودمار بالزلازل والبراكين، وبما يشاء الله من عقوبات، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ينـزلها على من يستحقها، ولا يظلم ربك أحداً.

    كيفية إعادة الصلاحيات للحسبة

    السؤال: كيف يمكن إعادة الأمر إلى نصابه بإعادة صلاحيات الحسبة؛ لأن الأمر أصبح لا يطاق؟

    الجواب: المهم نحن، فإذا أردنا ذلك وطالبنا، وأنشأنا الدراسات لهذا الموضوع، فإن ذلك سيكون بإذن الله تبارك وتعالى، وما ضاع حق وراءه مطالب، لكن كل منا مطَالبٌ بأن يكون مُطِالباً، بأفضل أسلوب للمطالبة، كتابة، ومناصحة، ومشافهة، وكتابات علمية موفقة، كتابات فقهية تأصيلية، ونتعاون في كل ذلك بحيث إننا نعيد لهذه الشعيرة ولهذا الديوان صلاحياته وأهمياته.

    التهكمات الصحفية

    السؤال: ما قولكم في الصحفيين وتهكماتهم على الهيئة ورجالها؟

    الجواب: ليست القضية قضية الصحفيين، حتى في المجالس كثير من الناس يتهكم ويسخر من الهيئة ومن الملتزمين!! ولا يدري أن الأمر هو كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الرجل قد يقول الكلمة من سخط الله أو من غضب الله لا يلقي لها بالاً؛ تهوي به في النار سبعين خريفاً} والعياذ بالله!.

    والذين ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كفرهم في سورة براءة، وهم الذين استهزءوا وسخروا، ولذلك كفَّرهم الله تعالى، فهم لم يستهزءوا بالدين، ولم يستهزءوا بنص القرآن، ولا بألفاظ الحديث، إنما استهزءوا بالقراء من الصحابة، ومع ذلك يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [التوبة:65]

    فجعل الاستهزاء بمن يقوم بالعلم أو الدعوة أو مثلهم ممن ينكرون المنكر، جعله استهزاءً بالله وبآيات الله وبرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] فالمسألة كفر، وليست شهوات، وفكاهات، وتندرات في المجالس.

    ثم اعلموا أنه لا يطعن في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أحد رجلين:

    - إما رجل جاهل بقيمتها وأهميتها للمجتمع ولا يعلم شيئاً؛ فهو أمّيٌّ يكاد يكون في حكم من هو ليس محلاً للخطاب ومرفوع عنه القلم، لجهله لما خلقه الله من أجله وبعمل هذا الجهاز، وهذا -إن شاء الله- قليل في الأمة.

    والثاني: صاحب فحشاء ومنكر وفساد، إما قد قبض عليه أو يخشى أن يقبض عليه، فلا بد أن يحتاط لنفسه فيسب ويتكلم!!

    وابحثوا وفتشوا فلن تجدوا أحداً يخرج عن هذا أبداً، لكن من يعرف دين الله، ويعرف حدود ما أنزل الله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو بريء من هذه المنكرات، ويتقطع قلبه لها فلا بد أن ينكر.

    راجعوا: كتاب الاختيارات العلمية لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية في باب حكم المرتد، فإنه يذكر من أنواع المرتد من يكفر بالله ورسوله أو يجحد شيئاً من الدين، وقال: ''ومن لم ينكر المنكر بقلبه'' هذا نص عليه كثير من الفقهاء، فمن لم ينكر المنكر بقلبه بحيث رضيه ''صار كافراً مرتداً'' فكيف من يتندر ويتفكه بمن ينكر المنكر؟! هذا ليس براضٍ فقط!! بل هذا معبر عن الرضا في أجلى صور التعبير، وهي المزح والضحك والسخرية!!

    فقد يكفر الإنسان وهو لا يعلم، نسأل الله العفو والعافية!

    والصحفيون إنما يتجرءون؛ لأنهم يخدمون أغراضاً خبيثة، وأهدافاً خبيثة يخطط لها أعداء الله في خارج هذه البلاد من اليهود والنصارى؛ والصحافة الأمريكية شاهدة على هذا، وإذاعة لندن، وصوت أمريكا شاهدة على هذا، فمن هناك ينصبَّ الكلام ويلفُّ ويدور حول الطعن في هذه الصحوة، واتهام هذه الصحوة، وضرب هذه الصحوة.

    حتى قال بعضهم: حزب الصحوة الإسلامية فهل هناك شيء اسمه حزب الصحوة؟! لأن كلمة الصحوة دارجة على ألفاظ الخطباء، فقالوا: هؤلاء اسمهم في السعودية حزب الصحوة.

    كلنا -والحمد لله- ننتمي إلى هذه الصحوة، والحمد لله ليست حزباً، وليست معارضة سياسية، كما يحاولون أن يصنفوها؛ فهم يريدون أن يصنفوا الدعاة، ويصنفوا الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر على أنهم معارضون سياسيون يريدون الحكم، الله أكبر! ليست الكراسي التي يبحثون عنها؟!

    أيريدون أن يكون أحدهم وزير تخطيط، وآخر وزير زراعة؟! إنهم لا يفكرون بهذا الكلام.

    ووالله إن هذه المناصب في مقابل ما أعطى الله تعالى الدعاة والعلماء من الإيمان بالله ومعرفته، والتوقيع عن رب العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والقيام مقام الأنبياء والله لا تساوي شراك نعل الداعية.

    وليسمع هذا من يسمع، والله مالها أية قيمة للذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أبداً إلا إذا كانت وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقوم بها من يقوم -ولا أزكي نفسي ولا إخواني من الدعاة- لكن لا أعلم أحداً يقبل لو عرض عليه منصب من هذه المناصب حتى لو كان في منصب ديني ومفيد، أبداً والله؛ فمن أين جاءت التهم ولا أحد في مجتمعنا يتهم الدعاة إلا مغرض خبيث مخبث.

    لكن هذه أصداء لكلام الصحافة الغربية والإعلام الغربي الخبيث، الذي يريد أن يفسد وأن يطعن في هذه الأمة، وأن يفرق ما بينها، ويضرب بعضها ببعض، فهذا الذي يريدون.

    ولذلك يأتي هؤلاء مثل صاحب جريدة السياسة وأمثاله المعروفة علاقتهم وارتباطاتهم وولاؤهم للغرب ولأمريكا، فيتهكمون ويسخرون من الدعاة، حتى يقول أحدهم: أتاني واحد لحيته مثل التيس!! ويمر هذا الكلام، ويطبع في هذه البلاد، وينتشر، ويوزع، ولا عقوبة ولا رادع لاستهزائه بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ولو كان استهزاءً بشخص، أو رجل، أو واحد منا لاحمرت العيون وورمت الأنوف، ورأينا كيف تكون العقوبات، وكيف يكون النكير، ويكتب أكبر عالم في هذه البلاد وأقوى سلطة علمية فيها، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز حفظه الله، ويكتب ويكرر الكتابة لمعاقبة هذا الرجل، وحتى الآن لا أدري لماذا لم يعاقب!!

    فهؤلاء الصحفيون المجرمون ممن ينتمي إلى هذه البلاد ومن كان من خارجها، ومن يطبع هنا،ومن جاء ليدخل صحيفته إلى هنا، وكل من يكتب ضد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هؤلاء صدىً لأعداء الله، ولا يتكلمون من عند أنفسهم، إنما أنا أقول: من يتكلم من أهل هذا المجتمع عن هذا فهو لا يخرج عن الحالات التي ذكرت.

    الحسبة وبعض الصلاحيات

    السؤال: لماذا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأمر بشيء وتتغاضى عن شيء آخر؛ مثلاً: أمرت بمنع وضع الكراسي في المحلات في سوق الخيمة، لتجلس عليه النساء الكبيرات في السن، وتشتكي وتقول: على ماذا تقعد؟! لأنها لا تستطيع المشي -أقول: من قال لك أن تذهبي إلى السوق يا جدتي؟!- مع أنها لم تأمر بإغلاق أو حتى منع بيع الأفلام والأغاني، مع أن هناك حكماً بتحريمها مع الدخان، فأين الإنصاف في ذلك؟

    الجواب: الأغاني والفيديو يقال لهم فيها: إنها ليست من اختصاصهم بل من اختصاص وزارة الإعلام!! ولهذا كانت المحاضرة، لتبين أن هذه من اختصاصات الحسبة.

    عمر بن عبد العزيز ومعاونوه

    السؤال: ذكرتم أن عمر بن عبد العزيز عمل بالحسبة بنفسه مع بعض وزرائه وجلسائه، نرغب بذكر بعض أسماء وزراءه وجلسائه إكراماً لهم، وليعلم جيل اليوم من الشباب المسلم من هؤلاء الرجال رحمهم الله؟

    الجواب: لن أجيب بل أريد كل واحد منكم أن يحضر لهذا الموضوع من سيرة عمر بن عبد العزيز به، والكتب عن عمر رضي الله عنه مشهورة موجودة، فلماذا لا تكتبون بحوثاً حتى نعلم من هم هؤلاء الرجال وأدوارهم، وننشرها بين الناس؛ لأن الأمة الآن لا تعرف إلا الممثلين، والمطربين، والراقصين، بل والأمريكيين منهم، فهؤلاء رجال الأمة.

    ممثل هندي زار مصر فاحتشدت -كما قرأت في الصحف المصرية- الآلاف المؤلفة لتراه وهو هندي.

    مَن مِن الناس يعرف وزير عمر بن عبد العزيز؟

    كم من الناس يعرف من هو العالم الذي أشار على سليمان بن عبد الملك أن يولي بعده عمر بن عبد العزيز؟

    كم من شبابنا يعلم ماذا كان عمل ابن عمر بن عبد العزيز مع أبيه؟!

    لا أحد يعلم، لأننا انشغلنا عن رجالنا وعن قادتنا بهؤلاء الأرجاس الأنجاس.

    التنصل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة وجود الحسبة

    السؤال: ما رأيكم في كثير ممن يرون المنكرات وإذا قلت له: لماذا لا تنكر المنكر؟! قال: إنه من شأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!

    الجواب: هذه قضية نرجو ألا نسمعها -إن شاء الله- وألا تتكرر!! فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ( من رأى منكم منكراً ) فكل واحد يجب عليه أن ينكر بحسب الاستطاعة، إلا إذا كانت شيئاً عملياً تنفيذياً فنعم، لكن هل معنى ذلك أني أقول: إن هذا يحتاج إلى تنفيذ وإلى عمل من اختصاص الهيئة فأسكت!! لا. بل أخبر الهيئة، وأكتب، وأبين لها.

    تعديل نظام الشركات

    السؤال: كثير من الأسئلة عن موضوع ما صدر بخصوص إلغاء بعض مواد نظام الشركات؟

    الجواب: الحقيقة أنا من النوع الذي لا يسمع الإذاعات نهائياً، فاليوم في الصباح جاءني أحدهم وقال: الجرائد فيها كلام عن نظام الشركات وأحضر لي الجريدة، وإذ مكتوب فيها إلغاء بعض مواد نظام الشركات، لكن لم أتمكن من مراجعتها وهل هي التي تعرضنا لها في المحاضرات الماضية أو غيرها.

    وعلى كل حال نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفق هذه الأمة عامتها وخاصتها للرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يريهم الله الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه.

    ونرجو -إن شاء الله- أن تكون هناك خطوات لإصلاح نظام الشركات بأكمله، ولإلغاء كل ما يخالف الشريعة في النظام الاقتصادي كله، وهو أوسع من الشركات، وأيضاً إلغاء كل ما يخالف ديننا، وشريعتنا في جميع مجالات الحياة صغيرها وكبيرها بإذن الله.

    احتساب رجال الهيئة

    السؤال: كثير من الإخوان كتبوا عما يتعرض له رجال الهيئة؟

    الجواب: نوصي إخواننا في الهيئة أن يحتسبوا الأجر عند الله، فزيادة على احتسابهم قلة الرواتب، والتعب المضني، والسهر المتواصل؛ فنوصيهم أن يحتسبوا ما يقال فيهم؛ فالمسألة احتساب، وصبر، وجهاد لوجهه تعالى، حتى تلقوا ربكم عز وجل.

    العاصي بين الستر والعقوبة

    السؤال: إذا وجد من يشرب الخمر أو يعمل معصية من المعاصي، وهو يستتر به، فهل يجوز تعزيره وتشهيره، أو ينصح ويستر عليه؟

    الجواب: أما إن كان من الجيران ومن الزملاء في العمل فالأصل أن ينصح وأن يستر عليه، وأما من كان شره متعدياً، كأن يعلم أبناء الحارة كيف يصنعون الخمر، فلا يجوز السكوت عنه؛ والتفصيل لا يتسع الوقت له، إنما المقصود إذا كان يدخل في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما في الحديث من كلام {{أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم}} ذوي الهيئات ليسوا العلماء، وليسوا أهل الخير والصلاح -كما فسرها بعض الفقهاء- إنما هم أهل الحسب أو النسب أو من له مقام، أن يقال عثرته كأن يخطئ فيفعل شيئاً، فلو عزر وفضح لكان ذلك فضحاً عاماً، فهو ليس مثل أي إنسان عادي يفضح.

    ويقاس على ذلك الوالدين، أو الجار، أو الصديق؛ فالأولى والأصل هو النصح، بأن ينصح ويستر عليه.

    فإذا تعدى ضرره أو كان ممن لا يرتدع، لأن من الناس من لا يرتدع وخاصة في الخمر، فهي إدمان، والإدمان حتى من الناحية الطبية قد يصل صاحبه إلى أنه لا يمكن أبداً أن يقلع عن شربه، ولهذا قال بعض العلماء: حديث {{وإذا شرب الرابعة فاقتلوه}} يعمل به في مثل هذه الحالات، أي في حالة المدمن الذي مهما نهيته فلا بد أن يشرب، فهذا يقتل؛ لأنه قد فسد بالكلية، فليس فيه خير.

    إدارة المباحث تدخل ضمن الحسبة

    السؤال: هل إدارة المباحث يمكن أن تندرج تحت الحسبة؟

    الجواب: المباحث الجنائية تطلق على الشرطة، وقطعاً يمكن أن يندرج عملها في الحسبة، إذا ضبطت الأمور ضبطاً شرعياً وأصلت تأصيلاً شرعياً، ولا نعني التجسس الذي نهى الله عنه، لكن بعض ما تقوم به المباحث، من تحريات وملاحقة المجرمين وما أشبه ذلك، وما يسمونه علم الجريمة، وما أشبه ذلك، هذه كلها من عمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء أدرجت في عصرنا الحاضر ضمن المباحث، أو ضمن الشرطة، أو ضمن المباحث الجنائية، أو أي اسم من الأسماء.

    حكم مصادرة البضائع

    السؤال: مصادرة البلدية للبضائع هل هذا عمل صحيح؟

    الجواب: إذا كان لسبب شرعي فهو صحيح، وإن كان لسبب غير شرعي فهو غير صحيح، وهو من الظلم الذي لا يقر، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قيل وقال وإضاعة المال، فإضاعة المال وإتلافه من غير مصلحة شرعية لا تجوز، وينكر على البلدية أو على غيرها لكن بطريقة الإنكار الشرعية الصحيحة.

    ونسأل الله أن يكتب لكم الأجر والثواب، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718653

    عدد مرات الحفظ

    754302656