اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلْحِق.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلوات ربي عليه صلاة دائمة متتابعة ما تتابع الليل والنهار، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله: الإيمان ولزوم طريق الإيمان نعمة يمن الله بها على من يشاء من عباده، ونور يقذفه الله عز وجل في قلب من يشاء من عباده، نعمةٌ لا ككل النعم، ونور يختلف عن جميع الأنوار، يقول الله عز وجل في وصـف هذه النعمـة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] أي: ديني.
ويقول للرسول صلى الله عليه وسلم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [الفتح:1-2].
ويقول عز وجل في سورة يوسف على لسان يعقوب: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف:6] اللهم أتمم علينا نعمة الدين والإيمان والهداية؛ لأن الإنسان بغير دين لا معنى له، ولا قيمة لوجوده، بل هو سَعفة في مهب الريح، ذرة هائمة من ذرات هذا الكون، حشرة تافهة من حشرات هذا العالم، لكنه بالدين والإيمان والهداية عنصرٌ فريد، إنسانٌ كريم، الله أكرمه، أنزل عليه كتابه، أرسل إليه رسوله، بيَّن له الطريق، أعدَّ له الجنة، كرامات إثر كرامات، متى تستحقها؟ إذا سرت في الطريق، إذا رُزِقت نعمة الهداية.
نعمة الهداية نعمة تفسِّر لك هذه الحياة، وتقدِّم لك التفسير الحقيقي لِلُغْزِها، وتدلُّك على الطريق الصحيح الموصل إلى الله عز وجل، وتسكب في قلبك الأمن والطمأنينة والسرور والانشراح، وتطمئنك على المستقبل، وتبيِّن لك أن ما أمامك سيكون خيراً لك مما أنت فيه إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ .. [فصلت:30-31] لما كنتم أولياء لله كانت الملائكة أولياء لكم؛ لأن الملائكة توالي من والى الله، وتعادي من عادى الله: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ ... [فصلت:31] منذ كنتم في الحياة الدنيا وفي الآخرة نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:31-32].
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] وفوق هذا كله طمأنينة، لا خروج وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71].
هذه نعمة الجنة، ثمرة من ثمار الهداية والإيمان والدين.
وثمرة أخرى، لا تقل عن هذه أهمية، هي: النجاة من النار، والله لو ما في الهداية إلا النجاة من النار لكانت السلامة كرامة، لو أمرك الله أن تخر ساجداً منذ خلقك إلى أن تموت من أجل أن تنجو من النار، وبعد ذلك يصيرك الله تراباً، لكان من حقك ألا تعصي الله طرفة عين؛ من أجل أن تنجو، أو لو أن الله أمرك منذ خلقك إلى أن تموت أن تخر له ساجداً من أجل أن تدخل الجنة وإذا عصيت يصيرك تراباً؛ لكان من حقك أن تطيع الله، فكيف إذا أطعته أدخلك الجنة ونجاك من النار؟! هل بقي لك مسوغ عقلي أن تعصي الله من أجل شهوة طاغية، ومن أجل لذة زائلة، ومن أجل شُبهة مضللة؟! لا والله.
كذلك النار، كلما يمكن أن تتصوره من العذاب مهما سرحت في الخيال، وتصورت في البال فإن ما أعد الله لأهل النار في العذاب لا يخطر على بال، يقول الله عز وجل: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] بدا لهم من العذاب ومن النكال والدمار ما لم يكن يخطر لهم على بال وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:71-72].
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت:55].
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ.. [القمر:47-48] على وجهه، أغلى ما في المرء وجهه، تود أن تُسحب على كل شيء إلا على وجهك أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ [الزمر:24]، لكن: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47]..يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:48-49].
إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ.. [غافر:71] أغلال، الغل هو: القيد الواسع، الذي يوضع في الرقبة، ثم إن الغل مربوط بسلسلة (..وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:71-72].
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان:43-46] إذا بلعه فلا ينـزل من حلقه إلا بتعب، زقومٌ، ينشف لا يطلع ولا ينـزل، ثم إذا نزل فإنه ينـزل بدافع الماء الحميم، يشرب الماء فينزله، فإذا نزل اشتعل في بطنه، نفس الطعام إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ [الدخان:43-44] وما هو نوعه؟ قال: كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [الدخان:45] يشتعل في بطنه، لا إله إلا الله! كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الدخان:47] أي: إلى وسط النار ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان:48] لماذا؟ قال: ذُقْ.. [الدخان:49] ذُقْ يا شخصية! ذُقْ يا عظيم! ذُقْ يا ثري! ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] كنتَ عزيزاً في الدنيا وكريماً في الدنيا؛ لكن ما كنتَ عزيزاً على الله، ما كنتَ كريماً لدى الله، عزيزاً في الدنيا، في المادة والدرهم والمنصب والجاه والسلطة، ولكن لا وزن لك عند الله، لا قيمة لك عند الله عز وجل ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] هذا عذاب ذكره الله، وذكر غيره كثيراً في القرآن.
فيا إخواني! من يصبر على هذا العذاب؟! الذي لديه إمكانية يرفع إصبعه ويقوم، وما نذهب به إلى نار مثل هذه النار، نُشعل في يده عود الثقاب فقط -عود كبريت- ونقول له: يا بطل الأبطال! ويا متحدي النيران! أشعل هذا الثقاب واصبر عليه حتى يصل إلى إصبعك، وكن شجاعاً، اصبر لنرى كم تتحمل من نار هذا الثقاب! مهما كانت شجاعتُه، ومهما كانت بطولته، والله لا يستطيع أن يصبر على نار عود الثقاب، ولهذا يقول الله: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175] ما أصبرهم على عذاب الله، وقد كان بإمكانهم ألا يطئوا النار وألا يدخلوها، من يصبر على هذا العذاب؟! ومن يصبر أن يفوته النعيم الذي ذكره الله في الجنة؟!
وما هذا التواني والعمر قصيرْ؟!
وإلى متى هذا التمادي في البطالة والتقصيرْ؟!
وما هذا الكسل في الطاعة، وقد أنذركم النذيرْ؟!
وإلى متى تُماطلون، وتعِدُون، وتكذبون، والناقد بصيرْ؟!
انتبهوا -رحمكم الله- فالأمر والله شديد، وبادروا بقية العمر، فالندم بعد الموت لا يفيد!
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
أين أحبابكم الذين سلفوا؟!
أين أترابكم الذين رحلوا وانصرفوا؟!
أين أرباب الأموال والمناصب وما خلَّفوا؟!
ندموا على التفريط، يا ليتهم عرفوا!
حول مقام يشيب من هوله الوليدْ !
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
واعجباً لك -يا أخي!- كلما دُعيت إلى الله توانَيتْ!
وكلما حرَّكتك المواعظ إلى الخيرات أبَيتَ وماطلتَ وتمادَيتْ!
وكلما حذَّرك الموت ما انتهيتْ!
يا من جسده حي وقلبه مَيْتْ!
ستُعايِن والله عند الحسرات ما لا تريدْ!
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
كم أزعج المنون نفوساً من ديارها؟! فَيَبْنِي الإنسانُ العمارة، والفيلة، وغرف النوم الواسعة، والدواوين، والصوالين العريضة، والسيارات الفارهة، فيأتي الموت يُخرجه منكوس الرأس، يُخرجه من القصر إلى القبر، ومن النور إلى الظلام، ومن الأنس إلى الوحشة، ومن الأهل إلى الوحدة.
كم أزعج المنون نفوساً من ديارها؟!
وكم أباد البِلى من أجساد منعَّمة ولَمْ يُدارِها؟!
وكم نقل إلى القبر أرواحاً بأوزاها؟!
أما علمت أن الموت لك بالمرصادْ؟!
أما صاد غيرك ولك سيصطادْ؟!
أما بلغك ما فعل بسائر العبادْ؟!
أما سمعتَ قول الملك المجيدْ: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]؟
إخواني! أين مَن بنى وشاد وطوَّلْ؟!
أين مَن تأمَّر على العباد وساد في الأوَّلْ؟!
أين مَن ظن أنه لا يتحوَّلْ؟!
لم يدفع عنه المال ولا العبيدْ؟!
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
كأنك -يا أخي!- بالموت وقد اختطفكْ!
فيهرب منك الأخ وينسى إخاءكْ!
ويُعرض عنك الصديق ويرفض ولاءكْ!
وتذهل عن أولادك وعن نسائكْ!
ويرجعون يقتسمون مالك ومتاعكْ!
وأنت في اللحد فريد وحيدْ!
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
والله لقد رُميت القلوب بالقسوة والغفلة، فلا تنتفع بوعظ ولا تخاف من تهديدْ!
فإلى الله نشكي قسوة قلوبنا ونفوسنا الظالمة، إنه يفعل ما يريدْ، ونسأله العفو والعافية. فإنه نعم المولى ونحن بئس العبيدْ.
إخواني في الله: لا مجال لنا في المماطلة، ولا مصلحة لنا من تأخير التوبة، إن الخيار الصحيح والبديل الأمثل أن نستجيب لله من أول لحظة، ثم نلزم الطريق ولا ننتكس، فإن العبرة بالخواتيم، لو صمتَ إلى قبل الغروب بلحظة ثم أفطرتَ بطل صيامُك، ولو صليتَ العشاء إلى قبل السلام بلحظة ثم انتقض وضوءُك بطلت صلاتُك، لا تنتفع بشيء إلا مع حُسن الخاتمة، فلا تطل عليك المدة، وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].
سر في طريق الإيمان والزمه، وعض عليه، واثبت عليه، ولو خالفك العالم كله، إذا عرفت فالزم؛ لكن متى يرجع الإنسان وينتكس؟ إذا لم يعرف، وهو ما سنتكلم عنه في سؤال نجيب عنه إن شاء الله في الأسئلة.
تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لَمْ يغلها مهرُ |
الجنة سلعة الله الغالية، في طريقها عقبات، ودونها موانع، ومن بينك وبينها معوقات، إذا استطعت أن تزيح هذه الموانع، وأن تقتحم هذه المعوقات وصلت إلى الهداية، وإن قصُرت بك الهمة، وضعُفت بك النفس، ووقفتَ أمام هذه المعوقات موقف العاجز الضعيف، وتقهقرت إلى الوراء، خسرتَ الدنيا وخسرتَ الآخرة ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].
ما هذه المعقوقات؟ وما هذه الموانع؟
هي كثيرة جداً، نذكر منها هذه الليلة ستة موانع:
هذا قاطع طريق بينك وبين الله، كلما أردتَ أن تسلك إلى الله قطع الطريق بينك وبينه، لا يريدك أن تهتدي، لا يريد منك أن تسير إلى الله، يقطع الطريق عليك، يريدها عوجاً والله يريدها سمحة، يريدها ضلالاً والله يريدها هُدى، يريدها معصية والله يريدها طاعة، يريدها ظلاماً والله يريدها نوراً.
الزميل السيئ: قد عرفنا من التجربة ومن الواقع كم سبَّبت زمالة السوء من نكبة لأصحابها، يقول علي رضي الله عنه:
فلا تصحب أخا الفِسقِ وإياكَ وإياهُ |
فكم من فاسق أردى مطيعاً حين ماشاهُ |
يُقاس المرء بالمرءِ إذا ما المرء ماشاهُ |
وللمرء على المرءِ مقاييس وأشباهُ |
وللقلب على القلبِ دليل حين يلقاهُ |
ويقول الآخر:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينهِ فكل قرين بالمقارَن يَقتدي |
إذا ما صحبتَ القوم فاصحب خيارهمْ ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي |
ولا تصحب العاصي؛ لأنه يرديك ويُهلكك، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح، كمثل حامل المسك، إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة.) أنت رابح مع الزميل الصالح في كل الأحوال، اشتريت، أو أهدى لك، أو وجدتَ ريحاً طيبة (..ومثل الجليس السوء، كنافخ الكير، إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة).
وقصة أبي طالب؛ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيرة ثابتة وواضحة، لما حضرتْه الوفاة، وكان ممن يُدافع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دافع عن رسول الله دفاعاً عظيماً، وما استطاعت قريش أن تنال من رسول الله شيئاً يوم كان حياً، يقول في كلامه:
ولقد علمتُ أن دين محمـد من خير أديان البرية دينا |
ثم يقول:
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدْتَني سمحاً بذاك مبيناً |
يقول: أنا أعرف أنه أعظم دين؛ لكن أخاف من اللوم، رأسُه ناشف..متعصب..جاهلي..يخاف من أن يلومه أحد، وما الشيء الذي يلومونك عليه؟! أيلومونك إذا دخلت الجنة وتركت النار؟! هذا مثلما يقول الآن بعض الناس عندما تأتي عنده، وتقول له: حجِّب نساءك، فيقول: يا شيخ! هذه عاداتنا، والله لا أستطيع أن أحجِّب امرأتي على فلان، إذا حجَّبتها فهذا عار عندنا، أعارٌ أن تدخل الجنة؟! العار إذا دخلت جهنم ونُكِّست على وجهك أنت وامرأتك في جهنم، هذا هو العار الصحيح، أما أن تحتجب زوجتك، وتطبق أمر ربك فما هو بعار.
فهذا الرجل الجاهلي، لَمَّا حضَرته الوفاة جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول في أبياته:
والله لن يصلوا إليك بضربـةٍ حتى أُوسَّد في التراب دفينا |
يقول: إذا متُّ فهو عُذري، أما وأنا حي فوالله لن ينال منك أحدٌ منهم بشيء، وعندما جاءت قريش تفاوضه، وقالوا: نعطيك شاباً من خيرة شبابنا يكون ولداً لك وتعطينا ولدك نقتله، قال: ما أسفه عقولكم! تعطوني ولدكم أغذوه، وأعطيكم ولدي تقتلوه. ثم طردهم، وبصق في وجوههم.
هذا الرجل لَمَّا حضرته الوفاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول كلمة: لا إله إلا الله، من أجل أن يجد له مبرراً يشفع له به عند الله، من أجل المواقف العظيمة النبيلة التي وقفها في حماية الدين والإسلام، فجاء إليه وقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) أعطني فقط حُجة أنك قلت لا إله إلا الله؛ حتى أستطيع أن أشفع لك عند الله. فالرجل لان قلبُه لهذه الكلمة، ثم أنه لن يخسر شيئاً، فهو ذاهبٌ ذاهبٌ في تلك اللحظات، لم تبق إلا لحظات ويموت، فلا يصلي، ولا يصوم، ولا يتعب، فقط يقل الكلمة هذه، والبقية على الله عز وجل، فأراد أن يقولها؛ لكن قرناء السوء حالوا بينه وبينها، كان عنده أبو لهب وأبو جهل، وعنده الوليد بن المغيرة ، وعنده العاص بن وائل ، هؤلاء رؤساء الكفر، صناديد قريش واقفون عند رأسه، فلما نظروا إليه وهو يتردد يريد أن يقولها، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فضربوه على الوتر الحساس، على العصبية، فعرفوا أن رأسه ناشف، فذكّروه بـملة أبيه وجـده، قالـوا: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فقال: بل على ملة عبد المطلب ، ومات عليها، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن مات: (والله لأستغفرن لك، ما لم أُنْهَ عنك) واستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهاه الله، وقال له: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى [التوبة:113] ولو كان عمّه مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] وقال فيه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56].
فكان من عذابه أن معه نعلان من نار يغلي منها رأسه مثلما يغلي اللحم في القدر، يرون أهل النار أنه أخفهم عذاباً وهو يرى أنه أشد أهل النار عذاباً.
تصوَّر حذاءً من نار! إذا أردتَ أن تعرف العملية بالضبط، فإذا جاء الغد، وأنت خارج من المسجد في القائلة، فاخرج بدون حذاء، وامش على الأسفلت بدون حذاء، هل تستطيع؟! وفي القائلة؟! ودرجة الحرارة (40) درجة مئوية، لا تستطيع أن تمشي.
لقد رأيتُ رجلاً وأنا في العُمرة، خرج من المسجد الحرام، وقد سُرقت حذاؤه، فأراد أن يقطع الشارع فقط ليشتري حذاءً، فعَبَر الأسفلت، فانسلخت أرجله من حرارة الأسفلت، وهو يبكي من حرارة الشمس، وهي فقط مسافة خمسة أمتار فقط يقطع فيها الشارع إلى المكان الآخر ليشتري حذاءً، فكيف بمن له نعلان من نار يغلي بها دماغه، وهو في ضحضاح من نار، وهو أخف أهل النار عذاباً، بسبب ماذا؟ بسبب الزميل والرفيق السيئ، فالزميل الصالح: يقول: قل لا إله إلا الله، والزميل السيئ يقول: لا. بل على ملة عبد المطلب ، انظروا دور هذا ودور هذا.
وأيضاً: في السنة تفسير الآية الكريمة في القرآن الكريم، قصة عُقبة بن أبي مُعيط -عليه لعائن الله المتتابعة- عُقبة هذا كان رجلاً أريباً وعاقلاً ولبيباً، وكان يحب أن يهتدي ويُسلم، ولكن كان له زميل خبيث، يصرفه عن الهداية، ويحول بينه وبين الإيمان، استغل عُقبة سفر زميله هذا إلى الشام ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستمع القرآن، وكاد أن يُسلم، ولكنه تأخر، حتى جاء زميله من الشام ، ولَمَّا دخل الزميل السيئ البيت سأل زوجتَه عن زميله، قال: ما صنع رفيقي فلان؟ قالت: صَبَأ -صَبَأ أي: أسلم- قال: صَبَأ؟!، قالت: نعم. فخرج من بيته لِتَوِّه، ما نام، وذهب إلى بيت زميله، وطرق عليه الباب، فلما خرج وحياه قال: علمتُ أنك صَبَأتَ، قال: لا. قال: بل صَبَأتَ، قال: لا. قال: إن كنتَ صادقاً فهيا معي الآن إلى المسجد الحرام، وابصق في وجه محمد -الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: أبشِر، فخرج معه إلى المسجد، وجاء والرسول ساجد في الكعبة عند المسجد الحرام، ما كان له أحد يحميه -صلوات الله وسلامه عليه- كان يتعرض لجميع أنواع الأذى، يُصب سلا الجزور على ظهره..يُبصَق في وجهه..يُرجم بالحجارة..يُضرب، ولكنه صابر، ولا يدعو عليهم، وإنما كلما آذوه يقول: (اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون) هذا هو الداعية، هكذا يكون الذي يدعو إلى الله، لكن بعض الناس بمجرد أن تعبس على وجهه قال: الله أكبر عليك أنت لا خير فيك. وذلك بمجرد أن تقول له كلمة واحدة، فلا يحب إلا أن تصفق له وتطبل له، وتقول: جزاك الله خيراً، لكن بمجرد أن يتعرض لأقل ابتلاء فإنه يغضب مباشرة ويسب ويشتم ويشتكي ويعمل الأعمال، ويقول: هؤلاء لا خير فيهم، هؤلاء منافقون، لا يا أخي! أنت داعية، اصبر على ما ينالك، احتسب كل ما يأتيك، لا تشتكِ إلا على الله، اعفُ، اسمح.
فجاء عقبة وزميلُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من حادثة الطائف عندما قال له مَلَك الجبال: أتريد أن أُطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: (لا. إني أرجو الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبده) حيث كان نَظَرُ النبي صلى الله عليه وسلم بعيداً، وحُلُمه واسعاً، ونفسه كبيرة، فهي نفس نبي. جاء عقبة وبصق في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح عن وجهه البُصاق، ودعا له: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولم يقل بعدها أية كلمة، ورجع هذا الشقي عُقبة، وعاش بقية عمره، إلى أن بقيت أيام قليلة، فبعد هذه الحادثة هاجر الرسول، وحدثت معركة بدر الكبرى، وكان مِن ضمن مَن قُتل عقبة بن أبي مُعيط ، قُتل إلى النار، وأدخله الله النار، وأخبر الله عز وجل عنه في النار أنه يعضُّ يديه ندماً؛ لأنه ما اهتدى، قال عز وجل: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ... [الفرقان:27] لم يقل: على يده ولا إصبعه، بل قال: عَلَى يَدَيْهِ [الفرقان:27] يأكل يديه كلها، فأنت إذا دخلت السوق واشتريت لك شماغاً بستين ريالاً، ووجدتها في دكان آخر بثلاثين ريالاً، فما رأيُك؟ وكيف سيكون شعورك؟ ستذهب إلى البيت ولن تتعشى تلك الليلة، يقال لك: تعشَّ، فتقول: لا والله، كيف أشتري الشماغ بستين وغيري اشتراه بثلاثين؟! أين عقلي أنا؟! هل كنتُ مجنوناً؟! لماذا لم أبحث جيداً في الأسواق؟! لماذا لم أبحث في عشرة دكاكين واحداً واحداً. فمن أجل ثلاثين ريالاً لن تتعشى؛ لأنك ضيعت شيئاً من حقك بغير حق؛ لكن يوم القيامة غبنٌ أعظم، سمى الله ذلك بيوم التغابن؛ يُغبن أهل النار بدخول النار ويفرح أهل الجنة بدخول الجنة، ويتمنى أصحاب النار يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66] يقول: ردوني أعمل صالحاً، لكن لن ينفع، قال الله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى.. [الفرقان:27-28] يدعو على نفسه بالويل والثبور وعظائم الأمور (..يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] وهنا نكَّر اللهُ فلاناً لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:28-29] وهناك نكر الله فلاناً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] كل من أضلك عن الله يدخل تحت تعريف فلان، الزميل في المدرسة الذي يضلك فلان، القريب أو ابن العم وابن الخال الذي يضحك عليك عندما يراك مهتدياً وهو ضال فلان والأصل أن تضحك عليه أنت كما كان يقول نوح عليه السلام لقومه: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا.. [هود:38] ماذا؟ (..فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ [هود:38-39] فإذا سخر منك أحد من جماعتك بسبب التزامك فأجب كما أجاب نوح قومه؛ لأن بعض الشباب عندما يلتزم ويهتدي ويتمسك بالدين، فبمجرد هزة بسيطة أو كلمة واحدة تجده ينكمش، ويتمنى أنه لم يهتدِ، لا. بل كن قوياً في دين الله، كن أسداً، إذا أحدٌ ضحك عليك فاضحك أنت عليه.
أحد الشباب أطلق لحيته، وتمسك بالسنة، فجاءه شخص من الحِلِّيْقِين، قد حلق لحيته وصيَّرها صحراء قاحلة لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، من الأذن إلى الأذن ، لا شارب ولا لحية، يحلق لحيته كل يوم، وبعضُهم لا يحلق لحيته بمكينية، لا. بل يذهب ويضع ثلاثين ريالاً على حلق لحيته، وبالخيط أيضاً، وكأنه يقول له: انزعها من عروقها، لا تدعها تنبت، لا أريد هذه اللحية، لا إله إلا الله! ما هذا الحرب وهذا العداء على لحى المسلمين؟! كنتُ في العمرة في رمضان ودخلتُ في أحد صوالين الحلاقة أريد أن أحلق رأسي، وجلستُ وإذا بذلك الشاب المسكين المعذَّب، قد عذَّبه الحلاق، وصنع فيه أفاعيل، فربطه وكتَّفه، ثم جاءه ودبغ وجهه دبغاً، بالصوابين وما إليها، بالأيادي القذرة الملوَّثة، ثم جاء وسلخ لحيته، ثم جاء بالموس وأخذ يقلِّب رأسَه، ويحرِّكه، ويرفعه، ويخفضه، حتى تعبتُ وأنا جالس أنتظره، قلت: يا أخي! ذبحتَ المسكين، دعني أحلق رأسي وأمضي، أنا ليس عندي إلا شعرتين هنا وشعرتين هنا، دعني أذهب، قال: اصبر، هناك سِرَة، امسك سِرَة، أخيراً والله ذهبتُ من عنده، ما عاد لدي طاقة لأن أمسك سِرَة؛ لأني ضقت مما يفعل بهذا المسكين، وذاك المسكين مثل الشاة المربوطة، وبعد ذلك يفتح المحفظة ويعطيه منها ثلاثين ريالاً، فيقول الحلاق: نعيماً. لا أنعم الله عليك، نعيماً على ماذا؟ هذه جحيماً لا نعيماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهذا الشاب المؤمن المهتدي قد أعفى لحيته، فجاءه ذاك وهو حالق للحيته، لا توجد شعرة واحدة في وجهه، قال له -بدل أن يخجل من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: لماذا تربي لحيتك؟! -ينكر عليه تربية اللحية- قال له: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟! انظروا إلى الرجل، بطل، لا يعرف اللعب، لم يخف ويرتعد لا! بل قال: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟! قال: أنا حر، قال: وأنا هل أنا عبدٌ؟ فإذا كنتَ حراً في حلقها، فأنا حر في إعفائها، قال: الشعر يُحلق في أماكن، ويُترك في أماكن، يقصد: أن الشعر يُحلق في الوجه وفي الأسفل، ويُترك في الرأس، قال: أنا أحب أن يكون وجهي مثل رأسي، وأنت تحب أن يكون وجهك مثل ... شيء آخر.
فيا أخي! لا تضعف أمام من يأتي ليهزأ بك، ويسخر منك، ويضحك عليك، وأنت على الحق، لا تضعف، فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] لا يمكن لك أن تضعف أمام شخص ضال يستهزئ بك؛ لأنك على الحق وهو على الباطل، أنت على النور وهو على الظلام، أنت على الهدى وهو على الضلال، كيف تكون ضعيفاً وأنت القوي؟! أنت العزيز بعزة الله، أنت عبدٌ من عباد الله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ.. [المنافقون:8] ولمن؟ ..وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]..مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ.. [فاطر:10] أين؟ (..فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً.. [فاطر:10]، من أراد العزة فليطلبها بطاعة الله، ثم قال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] .. وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ.. [فاطر:10] من معاصٍِ، وشهوات، وأغانٍ، وبنات، وتمشيات، ولعب، وسهرات، وورق، (..وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ.. [فاطر:10] وبعد ذلك؟ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر:10] ينكشف، وينفضح، فيأتون يوم القيامة ووجوههم عارية، وأجسادهم عارية، وسوءاتهم مكشوفة، وحساباتهم مفضوحة، ما عندهم شيء فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [الكهف:105].
فهذا الرجل يقول: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان:28-29] فكل من أضلك عن الله فهو يدخل تحت كلمة فلان؛ زميلك في المدرسة، أو قريبك، أو شريطك الذي تشتريه، فالشريط يضلك، وكثير من الناس ضلوا على يد شريط، أو كتاب ككتاب جنس أو حب أو عشق أو غرام، أو مجلة رخيصة عارية، فيها البنت الجميلة، والتي نَظَرْتَ إليها وافتتنتَ بها، فهذه تدخل في (فلان) أيضاً: يدخل تحت كلمة فلان: المدرس الفاسد المجرم الخبيث، فهناك مدرسون يضلون عن الله، وهناك مدرسون يحملون لواء الهدم بمعول الأمة، وهناك مدرسون يدعون إلى الشيطان، إذا رأوا شاباً ملتزماً في الفصل الدراسي مَقَتُوه واحتقروه وسخروا منه، وأخذ المدرس يناديه: أنت يا ولد! أنت يا مُطَوِّع! قم، فليقل: نعم. مُطَوِّع والحمد لله، وأنت يا مُعَصِّي، أنا مُطَوِّع وأنت مُعَصِّي، فمن هو الجيد؟! فلا تخجل إذا قال لك: يا مُطَوِّع! فأصل الناس كلهم مَطاوِعَة إما لله وإما للشيطان، فأنت مُطَوِّع للرحمن، وهذا مُطَوِّع لإبليس.
في مدرسة من مدارس الثانوية بمنطقة أبها يوجد طالبٌ ملتزم في السنة الثالثة القسم العلمي، وكان في فصله مدرس يدرسهم مادة من المواد، وعلماً أنه قد انتهى وذهب إلى غير رجعة، هذا المدرس خبيث، وذو ميول إلى دغدغة مشاعر الشباب في المرحلة الثانوية في سن المراهقة؛ لأن طبيعة الشباب أنه يريد مثل هذا الكلام، فكان يتكلم معهم ويأتي لهم بقصص عن الحب وعن العشق، فوقف أحد الطلاب وقال: يا أستاذ! لماذا المَطاوِعَة لا يحبون؟! وكان يعني بالمَطاوِعَة: مجموعة من الشباب في الفصل، وهم أربعة شباب ملتزمون ومهتدون، ولكنهم ليسوا مع الشباب في الفساد والضلال، فقال هذا الطالب: يا أستاذ! لماذا زملاؤنا هؤلاء المَطاوِعَة لا يحبون؟ أي: ليس لهم عشيقات، ولا لهم زميلات؟! فقال المدرس الخبيث: هؤلاء قوم مات في قلوبهم الوجدان، يقول: الوجدان ميت في قلوبهم ولهذا لا يحبون، فضحكوا كلهم، لكن البطل موجود، ثبته الله ووفقه في الدنيا والآخرة، هذا الشاب البطل الآن يحمل شهادة الدكتوراه، ويعمل الآن أستاذاً بكلية الشريعة بـأبها ، ثبت وذهب وجاء بالدكتوراه، وقف هذا البطل وقال: لا يا أستاذ! نحن ما مات في صدورنا الوجدان، عندنا وجدان حي، نحن نحب، ولكننا نحب الله ورسوله والدار الآخرة، يقول: نحن نحب، لكن حبنا يختلف عن حب هؤلاء؛ هؤلاء يحبون كما تحب الحمير، لو سألنا الحمار: ماذا تحب؟ فماذا سيقول لك الحمار؟ وكذلك الكلب والقرد والخنـزير؟ سيقول: إنه يحب الحمارة، هذا أقصى ما عنده، والكلب يحب الكلبة، والقرد يحب القردة، والعاصي الفاجر يحب العاصية الفاجرة.
أما المؤمن فلا، بل يحب الله ورسوله والدار الآخرة، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] يحبهم ويحبونه، يحبون الله ورسوله والدار الآخرة. فالرجل سكت، وقمعه الله، وبعدما خرج المدرس، قال الطالب لزملائه: أريد منكم مَشْهداً بالكلام هذا، قالوا: أبشر، وهم أيضاً رجال، فوقعوا المشهد، وبعد أيام، وإذا بالبرقية تأتي بإلغائه وطرده وطي قيده، إلى غير رجعة ولله الحمد والمنه.
فالزميل السيئ له تأثير عليك، وهو مانع بينك وبين الله، ولذا احذر كل الحذر من أن تصحب شخصاً فاسداً، ولو لرحلة من المدرسة إلى البيت، لا تصحبه؛ لأن الوقت من المدرسة إلى البيت [5] دقائق، أو [10] دقائق، أو ربع ساعة بالسيارة كثير، ربما يشغِّل لك شريطاً فيفسدك، وكم من أناس قد فسدوا بمثل هذا الفعل، وعليك بصاحب الخير، صاحب الهداية، امشِ معه، حتى ولو لم تمشِ معه إلا لحظة واحدة، فإنك ستكسب معه.
اتصل بي أحد الإخوة الذين تابوا إلى الله من الذنوب، حيث كان مطرباً ومغنياً، فيخبرني بقصة هدايته، فيقول: خرجتُ من عملي في نهاية الدوام، وجئتُ إلى سيارتي وإذا بالإطار خالٍ من الهواء -مُبَنْشِر- ونظرتُ يميناً وشمالاً لأجد لي زميلاً من زملائي الذين أعرفهم وأحبهم ويحبوني، فما لقيتُ أحداً، والناس قد انصرفوا، وما وجدتُ بجوار سيارتي إلا سيارة، لستُ أدري لمن هي، فوقفتُ أنتظر صاحبها، وإذا به أحد الموظفين ولكنه مُطَوِّع؛ وأنا لا أحب هذه الأشكال، فقد كنتُ عازف عود ومغنياً ومطرباً، ولكن لا توجد إلا سيارته، أو أجلس تحت الشمس، فتطفلتُ وقلتُ له: من فضلك توصلني إلى البيت؟ قال: أبشر تفضل، فركبتُ معه وأنا كأنني أركب على شوك، متضايق، ومنكمش، وزَهْقان، من هذا المُطَوِّع، لماذا يوصلني معه؟ أنا لا أستصيغ أن أنظر إليه فكيف أركب معه؟ لكن للضرورة حكمها، فركبتُ معه، وما إن حرك السيارة حتى شغَّل شريطاً، فجاءت المصيبة الثانية، وهذه هي الورطة، ركبنا معه، وإذا به يحدثنا الآن، فلما شغل الشريط ضقتُ وزَهِقْتُ؛ لأن الشيطان كان ينفخه، ويريد أن يضله، قال: فأردتُ أن أبدله بيدي، ولكني استحييت، وقلتُ في نفسي: هذه سيارة الرجل، ويأخذني ويتجمل فيَّ ثم أغلق الشريط! هذا ليس من المروءة، ولا هو من اللباقة، فتحملت وصبرتُ، وقلتُ: كلها (10) دقائق، ويفكنا الله من هذا المُطَوِّع ومن هذا الشريط، وفي الطريق سمعتُ الشريط، وإذا فيه كلام يحتوي على نكتة، فضحَّكني، وكانت نفسي مُقْفَلَة تماماً، أولاً: من الدوام، ثم من الجوع، ثم من بَنْشَرَة السيارة، ومن المُطَوِّع، ومن الشريط، كلها على (24)، لا يوجد مقدار أنملة من راحة، ولكن جاء الشريط بالنكتة هذه، فضحكتُ منها ضحكة فتَحَت صدري كله. ثم أوصلني إلى البيت، وشكرتُه، وفي اليوم التالي تذكرتُ تلك الضحكة فضحكتُ، فرفعتُ السماعة وسألتُ عنه، وكلمتُه في التليفون، وهذه أول مرة أكلم فيها مطوعاً في حياتي، وقلت له: يا أخي! أنا ركبتُ معك بالأمس وسمعتُ شريطاً من عندك، أريد من هذه الأشرطة لهذا الإنسان الذي سمَّعتني. قال: -فوالله- ما اشتريتها بقصد أن أهتدي وألتزم، ولكن؛ لأنني أريد أن أضحك، فما دام أنها تضحِّك فنريد أن نضحك؛ لأن العاصي يجد ظلاماً وضيقاً في قلبه، يريد أن يضحك بأي وسيلة. قال: فأرسل لي بخمسة أشرطة. -جزاه الله خيراً-. قال: فسمعتُ الشريط الأول، والثاني، والثالث، وإذا القضية ليست ضحكاً، بل بكاء، فبكيتُ على نفسي، وعرفتُ أين أنا من حقيقة الأمر، وقررتُ التوبة،وهأنذا الآن داعية إلى الله، حطمتُ العود والكمان، وبدلتهما بالقرآن، وأصبحَ جميع أعضاء الفرقة الموسيقية الآن دعاة إلى الله، نجلس على ذكر الله، ونتهادى الكتاب والشريط الإسلامي، وندعو إلى الله، ونحافظ على الصلوات الخمس.
هذا كله لأسباب ماذا؟ لأسباب الزميل الصالح، ولمدة كم؟ لمدة (10) دقائق، أو ربع ساعة، زميلٌ صالح لمدة ربع ساعة أنقذ الله به حياة هذا الرجل، وربما يكون هناك زميلٌ سيئ يدمر الله به حياة إنسان، وقد حدث، وأقص لكم قصة عكسية لهذه القصة.
هناك شاب أعرفه، عندنا في أبها ، اهتدى والتـزم وتمسك، ومِن أحسن ما يمكن، حتى والله إنه كان لا ينام إلا في المسجد، حتى لا تفوته صلاة الفجر؛ لأن أباه وأمه لا يقومون للصلاة، وهو شاب ثقيل النوم، فتفوت عليه الصلاة، فيقول: إذا جاء النوم، آخذُ مخدة وبطانية وآتي لأنام في المسجد؛ لكي أُقَوَّم لصلاة الفجر. فأدخلُ أنا المسجد والله أوقظه، فأقول: عبد الله! قم، وبمجرد أن يسمعني يقوم فيتوضأ، ويصلي، وبعد الصلاة يذهب لينام في البيت، فمرَّ على هذا الأمر فترة طويلة، وبعد ذلك، يقول: وأنا ذاهبٌ يوماً من المدرسة إلى البيت، كنتُ راكباً مع زميل لي، وشغَّل لي شريط أغاني، ومباشرة مددتُ يدي على المسجلة وأقفلتها، فقال لي: لماذا تقفلها؟ ألا تحب الأغاني؟ قلت: لا. لا أحبها، قال: لماذا؟ قلت: حرام، قال: من قال لك أنها حرام؟ قلت: المشايخ والدعاة يقولون: إنها حرام، قال: مَن هم المشايخ هؤلاء الذين قالوا لك هذا؟ قلت: سعيد بن مسفر ، قال: سعيد بن مسفر ؟! أعوذ بالله، ما وجدتَ إلا هذا يحدثك بهذا؟! هذا المعقَّد الذي يعقِّد على الناس ويشدِّد عليهم، يا رجل! أبداً ليست بحرام، الأغاني ليست لها أية علاقة بالدين، ما دَخْلُ الأغاني بالدين؟ -انظروا إلى الزميل الخبيث- قال: الدين صلاة، وصوم، وحج، نعم، أما الأغاني فهذه فقط تطرب النفس، وتسعدك، وتجعلك تعيش مبسوطاً، قلت: هل هذا صحيح؟! قال: نعم. وفي ذمتي. أفتاه، يقول الله عز وجل أن المُضِلِّين يقولون: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا.. [العنكبوت:12] ماذا؟ ..وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ.. [العنكبوت: 12] ما كَفَتْه ذنوبُه، إنما يقول: عليَّ، وعلى رقبتي، قال الله: ..وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [العنكبوت:12]. فقال: ليس فيها شيء؟ قال: ليس فيها شيء أبداً، فالصلاة لا مانع من أن تصلي، وجزاك الله خيراً، فهي ركن الإسلام الأعظم، والزكاة ركن، والصوم ركن، والحج ركن؛ لكن الأغاني لا شيء فيها ألبتة، هي كلام يدخل من هنا ويخرج من هنا، فقط تُسمَع لكي ينبسط المستمِع، ويكون مسروراً دائماً، فعندما لا تَسمع الأغاني فإنك ستكون مهموماً دائماً، اسمع، لا شيء فيها. فما زال به حتى أغراه بالأغنية. ونزل عند البيت، ثم دخل يشغِّل الشريط، فشغَّل الشريط الأول، والثاني، والثالث. ودائماً عندما يرجع المضَلَّل فإنه يرجع رجعة لا يستطيع العودة منها إلى أن يصل إلى النار، فالسيارة عندما تصعد الجبل وهي قوية فإنها تصعد إلى آخر الجبل؛ لكن إذا عجزت في وسط الجبل ورجعت فكيف ستكون رجعتها؟ ستنقلب في أي ملف، لماذا؟ لأنها رجعت إلى الوراء. وهذا رجع إلى الوراء، وجاء الشيطان عليه وكَبَسَه وهو يُرَجِّعُه، واستمر به الوضع هكذا. فبعد الأغاني ما عاد يحضر المسجد، ولا يصلي معنا، وأخيراً: ترك الصلاة، ثم كفر بالله.
وأذكر أنني بعد فترة من الفترات عندما افتقدتُه ولم أرَه كان عندما يراني في طريق يلُفُّ إلى طريق أخرى، ويحاول أن يتهرب مني، ويخجل مني، بعد أن كان عندما يراني من بُعد يَبُشُّ لي ويسلم علي. فذهبت إليه في البيت، ودَقَقْتُ عليه الباب، ودعوتُه، وقلت: يا عبد الله! فقال: نعم. قلتُ: تعال، فنـزل علي وهو خجلان، وقال: تفضل يا شيخ! قلت: لا، أريد أن تأتي معي، فأخذتُه وذهبتُ به إلى المنـزل عندي، ووعظتُه وذكرتُه بالله واليوم الآخر، والله حتى بكى وبكيت معه، ولكن خرج من عندي واستمر على وضعه. كل هذا لسبب ربع ساعة من زميل سيئ.
فانتبه يا أخي الشاب! لا تجلس مع زميل السوء، ولا تقرب من رفيق السوء؛ لأنه قاطع للطريق بينك وبين الله، هل تريد أن أحداً يقطع الطريق بينك وبين ربك؟! بينك وبين السعادة؟! بينك وبين الجنة؟! بينك وبين الهداية؟! بينك وبين النور في الدنيا والآخرة؟! إن رفيق السوء هو الذي يقطع الطريق بينك وبين الله عز وجل، فاحذر منه، إذا رأيتَه في طريق فاذهب من طريق آخر. ما رأيُك لو أنك دخلتَ مع رفيق من رفقائك تحبه ويحبُّك، ووجدت أنه مصاب بمرض الإيدز هل ستجلس معه؟! أبداً لن تجلس معه، بل لا بد من أن تجعل شيئاً حاجزاً بينك وبينه؛ لأنه فيه إيْدِز، إذاً: الذي فيه إيْدِز في إيمانه، أو عنده كُولِيرا في عقيدته، أو عنده سِل في أخلاقه، فهل تجلس معه؟ لا. بل هذا أخطر من ذاك؛ لأن الذي فيه إيْدِز وصابك منه إيْدِز فإنك تموت فقط، أما الذي فيه إيْدِز في إيمانه فإنه يوصلك إلى جهنم، وليتك تموت في النار، وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:17].
فأول قاطع للطريق ومعوق بينك وبين الله: زميل السوء. كم من شخص يريد الهداية، ويشد نفسه، ويعزم، ومن المسجد يقرر، ويقول: عزمت، ومجرد أن يسمُر، أو يلعب في الغد في الملعب، أو يذهب إلى المدرسة ويلقاه زميله، إذا به ينتكس.
إن أول عائق -كما قلتُ لكم- هو: الزميل السيئ. فعليك أن تحذر -يا أخي الشاب!- من الزميل السيئ، وتستطيع أن تحدد الزميل السيئ والزميل الصالح من خلال السلوك، ومن خلال التعرف عليه من علاقته بالله، فإذا أمرك بمعصية فهو زميل سيئ، وإذا أمرك بطاعة ونهاك عن معصية فهو زميل صالح، فامسك به والزمه، فإنه سيدعوك إلى النجاة في الدنيا والآخرة.
وذلك كما يقول أكثر الناس اليوم، عندما تعرض على أحدهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، يقول: صدقت، ولكن -يا شيخ- نفسي تقول لي كذا، وهواي يقول لي كذا. فهذا عبد هواه ولم يعبد مولاه، وهذا لا يهديه الله، يقول الله عز وجل: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.. [الجاثية:23] أي: نفسه، وكيفه، ومزاجه، ..وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23] كيف يهديه الله وقد اتخذ إلهه هواه؟ فلما اتخذ إلهه هواه جاءت العقوبة عليه أن الله ختم على سمعه وعلى قلبه، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى الحق، ولا يرى طريق النور، ولا يسمع الحق ولا يفقهه؛ لأنه اتخذ إلهه هواه.
قال الله: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23] فيجب عليك أن تخضع لأمر مولاك، ولا تقل: أنا على كيفي، أو على مزاجي، لا. لا كيف لك ولا مزاج ولا نفس، أنت على مراد ربك، أنت على شرع خالقك، أنت على هدي نبيك، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]، ولو كان أمر الله عز وجل لا تقبله نفسُك الأمارة بالسوء بسرعة أقصرها، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] فإذا قالت نفسك: اسمع الأغاني، فقل لها: لا. أو قالت نفسك: انظر إلى النساء، فقل: لا. أو قالت نفسك: احلق لحيتك، فقل: لا. أو قالت نفسك: اسحب ثيابك، فقل: لا. أو قالت نفسك: اترك الصلاة، فقل: لا. أو قالت نفسك: عق والديك، فقل: لا. لماذا؟ لأنك تسير وفق شرع ربك وخالقك، هذا هو المؤمن.
أما أن تسمع أمر الله وتصر على المعاصي، فهذا ما لا ينبغي، كأن تعرف أن الغناء حرام، وتقول لمن ينصحك بتركه: والله صدقت، لكن ماذا أفعل؟ لا أستطيع، نفسي والله تحب الغناء، أحب الطرب. فهذا الذي يحب الطرب سوف يندم على الطرب يوم القيامة.
دخلتُ في سوق من الأسواق في أيام العيد أشتري سلعة، وإذا بصاحب الدكان ينظر إلى جهاز التلفزيون وفيه مطرب -مغنٍ-، وهو يعزف بألحان، والرجل فاغرٌ فاه ينظر إليه، فسألتُه: بكم هذا؟ ما سمعَني، قلت: يا هذا، يا أخي تكلم! ماذا وراءك؟ قال: يا شيخ! ما رأيتَ؟ قلت: ماذا هناك؟ قال: المطرب العظيم هذا، أما تعرفه؟ قلت: لا والله لا أعرفه، نسأل الله أن يجعلني لا أعرفه، معرفة هذا وأشكاله خسارة، لا أعرفه، قال: (أوه!) فاتك نصف عمرك، قلت: وأنت فاتك كل عمرك، كيف فاتني نصف عمري؟! قال: هذا المطرب العظيم الذي كذا وكذا. وجعل يشيد به، قلت: وماذا في المطرب؟ ماذا يفعل؟ هل اخترع شيئاً؟ قال: لا. بل مطرب، يجعل الناس يلحنون ويغنون، قلت: حسناً، إذا مات هل ينفعه الطرب عند الله؟ أجاب مباشرة بنفسه، وقال: لا. قلت: إذاً: ماذا يفعل بهذا الطرب؟! قال: والله لا يحبه الله، قلت: الإنسان خُلق في الدنيا لكي يطرب ويغني فيدخل النار؟! إذا لم يكن في هذه الحياة خير ينفعني في الآخرة فما قيمة حياتي؟! يقول الله عز وجل: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: لم تعد تنفعه الذكرى، فماذا يقول؟! يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] أين هي حياته؟ أهي هذه التي نحن فيها؟ لا. هذه ليست حياته يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] أي: للآخرة، التي فيها الحياة الطويلة، قلت: هذا المطرب لن ينفعه شيء من الطرب في الآخرة، قال: نعم. والله لن ينفعه، قلت: وما رأيك في الجماهير الذين يحبونه؟! أيحشرون معه يوم القيامة؟! قال: والله معه، قلت: أوينفعهم هذا؟ قال: لا ينفعهم، قلت: وأنت ما موقفك؟ تبرأْ منه الآن حتى لا تكون معه في الآخرة، أما إذا كان هو يطرب وأنت تشجع، فجمهوره في النار، كما جاء في حديث ابن ماجة عن عمرو بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المغنين يُبعثون يوم القيامة عرايا، لا يستترون بِهَدَبَة، لهم عواء كعواء الكلاب في النار) الصياح الذي كان يصيحه في الدنيا يتحول من صياح إلى شكل آخر، صياح والنار تصلاه، والعذاب يناله في كل جزء من جسمه، يصيح صياحاً يؤذي أهل النار، لا حول ولا قوة إلا بالله.
فانتبه لا تتبع الهوى، واتبع الشرع، فعليك أن تتبع دين الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص:50] أي: لا أحد أضل ممن اتبع هواه، أي: لا يهديه الله، ألستَ تريد الهداية؟ ستقول: نعم. سنقول لك: إذاً الهداية في اتباع الشرع، لا تتبع الهوى، لا تقل: أنا على كيفي وعلى هواي وعلى مزاجي ومع نفسي، لا. بل كن على كيف ربك، على هوى ودين شرع ربك، أما هواك فلا فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ... [الأعراف:30]، لماذا؟ قال: ... إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30] عندما اتخذ الشيطان ولياً من دون الله صرفه الله عز وجل عن الهداية، وحقت عليه الضلالة، وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الأعراف:30] والعياذ بالله.
هذا المعوق الثاني، وهو اتباع الهوى، وعدم اتباع الشرع.
نريد أن نضبط هذه المعوقات واحدة تلو الأخرى، نريد أن تكون هذه المجالس مجالس عمل..مجالس منهج، لا نريد كلاماً ثم نخرج وكفى، لا. بل من هذا المجلس تقرر مصيرك، من هذا المجلس تحدد اتجاهك إلى الله، تغير واقعك رأساً على عقب، تغير كل شيء في حياتك؛ لأنك اهتديت إلى الله.
أولاً: الزميل السيئ، ارفضه.
ثانياً: الهوى المتَّبع، ارفُضْه، فماذا تتبع إذاً؟ تتبع الشرع.
فما هو الهوى؟ الهوى: ما تَرِد عليك من خواطر، ومن أفكار، ومن رغبات، ومن شبهات، ومن شهوات، هذا هو الهوى.
فلا يُتَعَلَّم ولا يُعْمَل به، فتقول للمعرض: خذ هذا الشريط واسمعه، يقول لك: لا. لن أسمع، أرجوك اصرفه، صاحب الشريط صدق كثيراً؛ لكننا إذا سمعنا الشريط فسيكون حجة علينا، ويكون علينا ذنب إذا سمعناه ولم نعمل به، فالأفضل ألا نسمعه ولا نعمل به. انظر إلى الشيطان كيف يغويه! سبحان الله! يقول: إذا سمعنا الشريط وما عملنا به صار علينا ذنب، ولكن نتركه، لا نسمع ولا نعمل؛ لكي لا يكون علينا ذنب. لا. بل لكي يكون عليك ذنبان لا ذنب واحد، ذنب الإعراض وذنب الكفر، لكن لو استمعت فلعل الله أن يهديك، فما تدري، ربما في الشريط هذا خير، خذه -يا أخي!-، إذا عُرض عليك شريط إسلامي فخذه، وإذا رأيت كتاباً إسلامياً فخذه، وإذا سمعت بندوة إسلامية احضرها، وأقبل على الله.
أما الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، فهذا مانع من موانع الهداية، إذ لا يهدي الله عز وجل من هو معرض عنه، يقول الله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124]، ويقول: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً [الزخرف:36] انظر، هذه واحدة بواحدة، اعرض عن ذكر الرحمن فسيسلط الله عليك شيطاناً، ثم إن الشيطان ماذا يفعل بك؟ هل يدلك؟ على الخير قال الله: (.. فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] أي: رفيقٌ وصاحب، ماسِكٌ لمقود سيارتِه يقوده، ثم قال: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ... [الزخرف:37] لن يهديك إلى الله، بل يضلك عن الله، ثم يقلب الموازين عندك، فيقول الله: وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:37]. فيضللك الشيطان ويهديك إلى سوء الجحيم، ويقنعك أنك أنت الذي على الحق، وأن الذين على الحق هم على الباطل، فإذا انكشفت الأوراق يوم القيامة وزالت الحواجب، كل الحُجُب، قال: حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف:38]، قال الله: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ... [الزخرف:39-40] الأصم الذي لا يريد أن يسمع، والأعمى الذي لا يريد أن يرى، أتهديهما؟! وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ... [الزخرف:40-43] القرآن ..إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:43-44] سوف تُسأل يوم القيامة عن هذا الدين سواءً أحفظتَه أو ضيعته، أقبلت عليه أو أعرضت عنه. فإياك إياك أن تعرض عن الله.
هذا هو المعوق الثالث، وهو: الإعراض، فكثيرٌ من الناس الآن تجد الرجل منهم جاهلاً أجهل من حمار أهله، وإذا قلت له: تعال نتعلم الدين، قال: يا شيخ! نعرف الدين. هذا الشخص لا يريد أن يهتدي، لماذا؟ لأنه معرض، لا يريد أن يهتدي؛ لكن لو قلتَ له: تعال، هناك عشاء، أو كبسة، أو لعبة، أو عَرْضة، ويسمونها عَرْضة شعبية، فسيجيبك، ويتقفز من المغرب إلى الفجر، ويقفز ويرجع، ويقفز ويرجع، وما آخر القفزات هذه؟ لا شيء، يعود إلى البيت وقد تعب، ثم ينام. لكن إذا قلت له: تعال إلى ندوة من ندوات العلم، وحلقة من حلقات الذكر، قال: نحن نعرف الدين، الدين يُسر، نحن أحسن من غيرنا، عَقَّدْتُم أنفسكم بالجلوس في هذه الندوات، وفي هذه الحلقات. وأنت -أيها المعرض- ألست بمعقد، نعم، لقد أوقع نفسه في معصية الله -والعياذ بالله- وسوف يندم يوم يرى الحقائق ماثلة أمام عينيه، ويقول: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24].
هذا هو المعوق الثالث.
المعوق الأول: الزميل السيئ.
المعوق الثاني: اتباع الهوى.
المعوق الثالث: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، بل أقبل -يا أخي- على الله، وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17].. فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50].
الكبرياء، إذا قلت للمتكبر: تعال قال: لا. أنا شخصية، إذا جئت وأنا شخصية، فربما يجلس بجانبي فقير أو جندي أو فرَّاش، وأنا شخصية، فكيف يكون هذا؟! أََأُسْقِط اعتباري، ستذوب شخصيتي؟! لا لا، إلا إذا كان المجلس كله شخصيات فإنني سآتي. أتدرون من قال هذا التعبير؟ قاله كفار قريش، قالوا للرسول: لا نجلس معك وعندك هؤلاء العبيد، فأبعد من المجلس بلالاً وسلمان وصهيباً لا نجلس معهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يخصص لهؤلاء جلسة ولهؤلاء جلسة؛ لكن جاء التصريح من الله، قال الله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ... [الكهف:28] وهؤلاء هم الضعفاء (...وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] مفروطة عليه، ضال -والعياذ بالله-، أضله الله، وأموره كلها مَفْلُوتة، فلا تطعه، بل اجلس مع هؤلاء المؤمنين.
فالكبرياء مانع من موانع الهداية، لماذا؟ قال الله: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146].
الكبرياء، انتبه! لا تتكبر على الله، اجلس في مجالس الذكر، ولو كنتَ عظيماً، ولو كنتَ مديراً، ولو كنتَ وزيراً، ولو كنتَ ثرياً، فأنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ عظيماً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ مديراً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ وزيراً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ ثرياً؛ لأن الناس كلهم فقراء، يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15] لا يوجد أحدٌ يستغني عن الله في شيء، كيف تستغني عن الله وبيده مقاليد الأمور؟! فلا بد أن تَضَعْ نفسَك ولا تتكبر، لا تتكبر على عباد الله؛ لأن الكبرياء لله، يقول الله في الحديث القدسي الصحيح: (الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في النار ولا أبالي).
فالمتكبرون يوم القيامة يحشرهم الله عز وجل كأمثال الذر في صور الرجال، يحشر الله المتكبر فيجعله مثل الذرة، لكن في صورة رجل، ويصغره الله إلى أن يصير مثل الذرة لكن في شخصية رجل، يطأه الناس بأخفافهم، ويركضونه بأرجلهم، ولا يعرفون أنه هو، لا يرونه؛ لأنه مثل الذرة، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن المتكبرين يوم القيامة يحشرون في سجن يُقال له: بُوْنِس -هكذا في الحديث- تشب عليهم فيه نارُ الأنيار، ليست ناراً، بل نار الأنيار، نار من نوع خاص؛ لأن هذا الكبرياء لله، ليس لك.
إذاً: فما هو الكبر؟
الكبر: هو غَمْطُ الناس وبَطَرُ الحق.
غَمْطُ الناس: أي: يحتقر الناس، كلما جاءه فلان قال: ليس عنده شيء، ما وظيفته؟ فيقال له: فراش، فيشيح وجهه، ثم يقول: كم رصيده؟ فيقال: ليس عنده شيء، ثم يسأل: أعنده مزرعة؟ أو عنده شيء؟ فيحقر الناس، وربما أن هذا الفراش أعظم من ملء الأرض من أشكال هذا المتكبر؛ لأن موازين الله غير موازين البشر إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فلا تتعاظم.
وبَطَرُ الحق: إذا جاء الحق قال المتكبر: لا. من قاله؟ فلان؟ لا. الحق لا يؤخذ من فلان أو فلان، الحق يؤخذ من الله ورسوله.
فلا تتعاظم.
علامات الكبرياء:
العلامة الأولى: الشموخ والأنفة ورفع الرأس، فبعض المتكبرين تراه كأنه مشنوق في السماء، إذا مشى كأنه مربوط بأنفه في السماء، لا يمشي معتدلاً، بل يمشي ورأسه إلى أعلى، ثم بعد ذلك؟ سيَدُسُّون بأنفك هذا -أيها المتكبر- في الطين، فما تنفعك أنفتُك.
العلامة الثانية: عدم التسليم على الناس:-
إذا دخل الإدارة -مثلاً- لا يسلم؛ فإذا قيل له: لماذا لا تسلم؟ قال: السلام يذيب الشخصية. أتريد بناء الشخصية على الكبرياء، بل والله تسقط شخصيتك بالكبرياء، لكن عندما تدخل على موظفيك وتقول: السلام عليكم، صباح الخير، وتسلم على الفراش، وتصبِّح عليه، وتسأله: كيف أنت يا أبا فلان؟ إن شاء الله مبسوط، مالي أرآك اليوم غضبان، فإن هذا هو الذي يبني لك شخصية، فهذا التصرف إذا متَّ أو أحالوك من الوظيفة، فإن الناس كلهم يقولون: بارك الله فيه، وفقه الله وحفظه في الدنيا والآخرة، لكن ذلك الذي يتكبر، فسيصبرون عليه حتى يرحل من الوظيفة، وإذا رحل ولقوه في الشارع -فوالله- لن يسلموا عليه، بل إذا رأوه يبصقون في وجهه، هذا الذي يريد أن يبني له شخصية، ما عادت له شخصية في تلك اللحظة.
العلامة الثالثة: حب تقدم الناس:-
إذا مشى المتكبر مع أناس فإنه يريد أن يمشي أولاً.
العلامة الرابعة: حب قيام الناس له:-
إذا دخل المتكبر على الناس فإنه يريد أن يقفوا له كلهم، لم يقفوا يكون غضبان. لا -يا أخي!-، المتواضع إذا دخل على المجالس وقاموا له: قال: لا. مكانكم مكانكم، وجلس في أقرب مكان، هذا هو المؤمن، هذا هو الْْهَيِّن اللَّيِّن، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على قوم جلس أينما ينتهي به المجلس، ولكن كان الصدر عنده صلوات الله وسلامه عليه، أكرم خلق الله، جاءه رجلان أعرابيان قد سمعوا بذكره، وقد نُصر بالرعب مسيرة شهر، فلما جاءوا إليه وقفا وهما ترتعد فرائصهما، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما عليكما، لا تخافا، إني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة) يقول: لا تخافوا مني، أنا لستُ بشخصية ولا شيء، أنا رجل ابن امرأة كانت بـمكة تأكل القديد. ما هو القديد؟ القديد: اللحم الجاف، الذي يُعَلَّق على المناشير من الفقر، ثم يأكلونه يوماً بعد يوم. فيقول: أنا فقير ما عندي شيء، فما زالا حتى سكن، صلوات الله وسلامه عليه.
فلا تتكبر -يا أخي!- على عباد الله، حتى يهديك الله، أما إذا نفخ الشيطان في أنف أحدٍ بالكبرياء فهذا لا يهديه الله.
بعض الناس يتضح له الحق ثم يعاند فيه، فتقول له: قال الله وقال رسوله، يقول: صدقتَ، نعم. قال الله وقال رسوله. لكنه لا يمتنع، فهذا معاند، لا يمكن أن يهديه الله، لماذا؟ لأن الله يقول: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ... [النساء:115] أي: نثَبِّتُه في طريق الضلال، وبعد ذلك، ما هي النهاية؟ ... وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ... [النساء:115] لأنه مشى في طريق جهنم من أولها، ... وَسَاءَتْ مَصِيراً ... [النساء:115] فلا تشاقق الرسول.
وفي الحديث الصحيح أن رجلاً كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل بشماله، وما منعه أن يأكل بيمينه إلا الكبرياء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بيمينك، قال: لا أستطيع) أي: أنا شخصية، لا آكل إلا بهذه، لا أستطيع بغيرها، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا استطعت) أي: جعلك الله لا تستطيع. قال العلماء: فما رفعها إلى فمه حتى مات، أصابها الله بالشلل، وصارت يابسة، لا يستطيع أن يحركهاالسبب هو الكبرياء.
يحدثني أحد الإخوة الثقات بالأمس، فيقول: كان هناك شاب يلعب الكاراتيه، ولديه عضلات، فدعاه أحد المؤمنين إلى الله، وذكَّره بالموت، وذكَّره بعذاب الله، فسخر منه، وما ألقى له بالاً، قال له الأخ الصالح: حسناً -يا أخي!- إذا جاءك ملك الموت فماذا تفعل؟ يريد أن يهدده بالله وبالموت، قال: أواجهه بالكاراتيه -يعني: أعطيه ضربة كاراتيه- يقول: وفي هذه اللحظة، وبعد أن أكمل الكلمة، ونحن جلوس، إذا بالرجل يضطرب، ويقع على وجهه، ويرتفع ويقع، ثم أخذناه وغسلنا وجهه، وقلنا له: ماذا بك؟! قال: ضربني بعصا على ظهري مثل جذع النخلة -أي: (أحدٌ ضربني بصَمِيْل لا كالصُّمل المعروفة) بل مثل جذع الشجرة في ظهري، فوقعت على وجهي- فقلنا له: من هو؟ قال: لستُ أدري، قال له الرجل الصالح: لماذا لم تعطه ضربة بالكاراتيه؟! قال: إني أشعر بالموت، وأنت تفكر في الكاراتيه، فقال: الحمد لله. فأخذوه وذهبوا به إلى البيت، وجلس أياماً متعباً، ثم تاب وتاب الله عليه. انظر إلى الضربة كيف جاءت من الله عندما عاند الرسول، وأراد أن يلعب كاراتيه.
هل سمعتَ -يا أخي-؟! لا تعاند، كلما سمعتَ أمراً لله فارض به، وقل: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285] ولا تقل: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [البقرة:93] أو سمعنا ولكن ...! لا. بل إن لكن هذه ملف الشيطان، وملف المنافقين.
وأنا جعلتُه الأخير، لأنه مرض منتشر في أكثر الناس.
الكذاب لا يهديه الله أبداً، مستحيل أن يهديه، قال الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر:28] فهو كذاب، كيف يهدي الله رجلاً كذاباً دجالاً متلوناً، كل يوم له صبغة، وكل يوم له لون، وكل يوم له فكرة؟ لن يهديه الله.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين : (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدُق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدِّيقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً) وإذا كتبه الله كذاباً قال الله فيه: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر:28] لا يمكن أن يهديه الله، ولهذا ترون أن الكذاب من الناس هو أحط درجة في المجتمع، أسفل رجل، وأنقص رجل، لا قيمة له، حتى عند نفسه، فلو سألت الكذاب عن شيء، ستجده في نفسه يعرف أن خبره ليس صدقاً، حتى زوجته لا تثق في كلامه، وأولاده لا يثقون في كلامه، وجيرانه لا يثقون في كلامه، وكل الناس لا يثقون فيه، إذا نُقل خبر قيل: من قائل هذا الكلام؟ فإذا قيل: فلان، قيل: فلان كذاب، فلا يوثق في كلامه، حتى وإن كان صادقاً فسيقال عنه: كذاب؛ لأن الله قد كتبه كذاباً.
فـإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر:28]-والعياذ بالله، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، ويقول: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [محمد:21]، وأيضاً في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحِقت بركة بيعهما) الكذاب الذي يبيع سلعته، ويخفي العيب فيها، ويكتم، ويكذب في استعمال السلعة، هذا يمحق الله بركته، لكن انظروا إلى التاجر الصادق، إذا جئت إليه، وقلت له: ماذا في السيارة؟ قال: السيارة فيها الماطور لا يعمل جيداً، هذا الذي أعرف فيها، وغير ذلك لا أدري، نقصت قيمة السيارة، بدل أن كان سيبيعها بعشرين أصبح يبيعها بعشرة، لكن يبارك الله في العشرة.
وكم من بائع يبيع سيارة بثلاثين ألف ريال، ويقول: ليس فيها أي شيء، فيقال له: أمصدومة هي؟ فيقول: أأبيع لك سيارة مصدومة؟! أتصدق هذا الكلام؟! فلا يعطيه كلمة لا وكفى، بل يعطيه شيئاً أعظم من لا، يقول: وهل تصدق أني أبيع لك السيارة مصدومة؟ أبداً، هذه ليس فيها أي شيء، وإذا سأله عن الكيلو كيف هو؟ قال: الكيلو؟ لم يقف لحظة واحدة. وهو واقف منذ سنتين، وإذا سأله: كم مشت؟ قال: خمسة آلاف فقط. من البيت إلى الدوام، لا أذهب إلى أي مكان آخر. ثم باعها بقيمتها وربما أكثر، لكن محق الله البركة.
قال: (فإن كذبا)أي: في السعر (وكتما) أي: العيب، (محقت بركة بيعهما) وكم رأينا كثيراً من الحالات، أن الكذاب يمحق الله بركة بيعه.
أيضاً: الكذب من علامات النفاق، روى البخاري ومسلم في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) فالذي يكذب في المواعيد وفي الأقوال هذا -والعياذ بالله- منافق ولا يهديه الله إلا إذا تاب.
وأيضاً في الحديث الصحيح عند البخاري ، حديث سمرة بن جندب ، حديث الرؤية الطويل، أنه صلى الله عليه وسلم انطلق مع اثنين من الملائكة في رحلة طويلة، ومن ضمن أحداث الرحلة أنه قال: (انطلقنا فأتينا على رجل مستلقٍ على قفاه، وآخر معه كلُّوب من نار، فيُشَرْشِر شِدْقه من فمه إلى مسمعه، ثم يُشَرْشِر الثاني، ثم يعود لهذا، فيكون كما كان، قلت: من هذا؟ قال: هذا الرجل يخرج من بيته، فيكذب الكذبة، تبلغ الآفاق). كذاب، يصنف الكذبات، يصنع ويصدر الكذب، لا يسمع شيئاً إلا ويضيف عليه كذبة، هذا -والعياذ بالله- عذابه في النار، أعاذنا الله وإياكم.
وأيضاً عند البخاري ومسلم حديث صحيح: يقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: -منهم- رجل باع سلعة، فحلف بالله أنه اشتراها بكذا، فصدَّقه ذاك وهي على غير ذلك) هذا -والعياذ بالله- لا يكلمه الله يوم القيامة، فتأتي عنده في الدكان، فتقول: هذه السلعة بكم يا أخي؟ فيقول: نعطيك برأس مالها، فتقول: كم رأس مالها؟ فيقول: والله أنها عليَّ بأربعين، تفضل خذها بأربعين. ماذا ينتظر من الزبون أن يفعل له؟ أيعطيه ثلاثين، وهو يحلف له بالله أنه أخذها بأربعين؟ أينوي أن يخسره؟ بل يعتبره ما قصَّر وتجمل فيه أنه أعطاه برأس ماله، وما ربح عليه، ولكن عندما يخرج من عنده ويذهب إلى الدكان الآخر يجد السلعة بثلاثين، أي: أنها بعشرين، ذاك أقنعه وصدقه بيمينه، ولكن باع السلعة واشترى النار، واشترى غضب الجبار.
لا تحلف بالله كاذباً ولا باراً، لا حول ولا قوة إلا بالله!!
هل تريد الهداية يا مسلم؟ إن قلت: نعم، فعليك أن تشغِّل دَرَكْتَرات القوة، ودَرَيْدَرات العزيمة الرجولية، وتزيح هذه المعوقات من طريقك، وتلزم طريق الإيمان.
أولاً: لا تصاحب الفسقة والعصاة، واختر الزملاء الصالحين.
ثانياً: لا تتبع الهوى، ولكن اتبع الشرع.
ثالثاً: لا تعرض عن دين الله، ولكن أقبل على الله، وتعلم واعمل بدين الله.
رابعاً: لا تتكبر بل تواضع واخضع؛ تواضع دائماً في ملبسك، وفي مأكلك، وفي مشربك، وفي مركبك، حتى السيارة التي تركبها وأنت ماشٍ امشِ متواضعاً، كيف تمشي متواضعاً؟
أولاً: اركب أي سيارة.
ثانياً: إذا ركبتَ فسم الله؛ إذا شغلت السيارة سم الله واذكر الله.
ثالثاً: اجلس جلسة المتواضع.
رابعاً: شغل السيارة بهدوء.
خامساً: حركها بأدب.
سادساً: راعي آداب الطريق، إذا رأيت أحداً ماراً في الطريق يريد أن يقطع فقِفْ له.
سابعاً: إذا رأيت أحداً يريد أن يسبق بسيارته بعد أن كان محبوساً، ولم يسمح له أحد، فقف له وأشر له، ودعه يمشي، وبعض الناس يعاند، تأتي من هنا يعاند، وتأتي من هناك يأتيك، وينظر، يريد أن يقطع عليك، لماذا هذا الحجز دعه يمشي.
هذه كلها من علامات التواضع.
لكن من علامات الكبرياء: أن يأتي الرجل إلى سيارته، ويفتح الباب بأنفة، برأس إصبعه، وبعد ذلك يضع المفتاح دون أن يذكر الله ودون أن يسمي، وبعد ذلك يضبط المراية التي أمامه، وبعد ذلك يشغل ورقبته منحنية هكذا، ثم عندما يحرك السيارة لا يحركها بهدوء، بل يدوس إلى آخر ضغطة في البنـزين وينـزع رجله من آخر قوة من الكَلَتْش، فتعمل السيارة لفة، يسميها أصحابُها تفحيطة، يريد أن يفحط في النار، فيلف لفة قوية، فإذا كانت هناك حجارة أو تراب أو شيء فإنه يَحْثُوه على وجوه الناس، وعلى وجوه السيارات التي وراءه، ثم يدخل على هذا من هنا، ويأتي من هنا، ويأتي من هنا، وإذا رأى مارَّاً من هناك أتاه يريد أن يخيفه ويلف عليه، وإذا رأى سيارة أمامه اقترب منها..وهكذا.
هذا متكبر ومتغطرس، هذا ستأتيه مصيبة في الدنيا أو في الآخرة، وكل من رآه قال: الله أكبر عليه، الله ينتقم منه، جعلها الله في وجهه، فيدعو الناس عليه.
لكن ذاك المؤمن إذا مشى مشى متواضعاً؛ لأن الله يقول: الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63]، وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً... [الإسراء:37]، حتى بالسيارة، انتبه! (..إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء:37] لا. لا تمشِ في الأرض مرحاً، ولا تتكبر.
إذاً: فهذا الكبرياء، وهو المعوق الرابع من معوقات الهداية.
الخامس: لا تعاند في الحق بعد وضوحه، إذا جاءك نهر الدليل، وإذا جاءك الأمر من الله ومن رسوله، فمباشرة لا تعاند، انتبه! أتعاند خالقك؟! أتعاند الذي بمشيئته يقبض عليك؟! أتعاند الذي مصيرك إليه، وناصيتك بين يديه؟! أتعاند الذي لا يمنعه منك شيء، وهو يمنعك من كل شيء؟! فانتبه!
السادس والأخير: لا تكذب. بل كن واضحاً صادقاً في كل أمورك، وفي كل تصرفاتك، مع مديرك، أو مع أستاذك، أو مع والدك، أو مع والدتك، أو مع زوجتك، أو مع أولادك، أو مع جيرانك، قل الحق ولو كان مرَّاً، لا تكذب ولو حمَّلك الصدق جزءاً من المسئولية والمعاناة؛ لكن لو قارنت بين آلام الصدق، وآلام الكذب، لوجدتَ أن آلام الصدق أخف بمليون مرة من آلام الكذب.
هناك رجل توفي والده وهو طفل صغير، أرسلته أمه مع قافلة إلى بلد ما ليتعلم العلم، وقالت له وهي تقبله: يا بني! أوصيك بتقوى الله، وعليك بالصدق، وإياك والكذب. فقط، تقوى الله، والصدق، وإياك والكذب، وأعطته مائة وخمسين ريالاً، وركب مع القافلة لينتقل إلى قرية فيها عالم يطلب العلم على يديه، وفي الطريق اقتطعت القافلةَ مجموعةٌ من قُطاع الطريق، وهم السرق، وقد جاءوا بالرجال وكتَّفوهم، وسلبوا الأموال، ثم فتشوا الرجال واحداً واحداً، ولما أتوا إلى الولد وهو جالس، قال سيدهم: لا تفتشوه، فليس عنده شيء، قال الولد: لا. عندي مائة وخمسين ريالاً، قال: فتشوه، ففتشوه فوجدوا معه مائة وخمسين ريالاً، فأخذوها منه.
أما زعيم اللصوص فقد استرعى انتباهه هذا الموقف، قال: يا ولدي! لماذا قلت هذا الكلام، ونحن قلنا: ليس عندك شيء؟ قال: إن أمي أوصتني بتقوى الله، والصدق، وحذَّرتني من الكذب، فإن الصدق يوصل إلى الجنة، وإن الكذب يورد إلى النار، فأنا خشيت أن أكذب وأدخل النار. هذا الموقف هز الرجل هزة عنيفة، وقال: سبحان الله! طفل صغير يخاف من الكذب، حتى على ماله الذي هو له، حتى لا يدخل النار، ونحن ما نخاف من الله عز وجل، ثم التفت إلى رجاله وقال: ما أنا فيكم؟ قالوا: أنت سيدنا وفحلنا، قال: كلامكم وطعامكم وشرابكم عليَّ حرام إلا أن تشيروا معي فيما أشير به، قالوا: معك -في الخير أو الشر؛ لأنه فحل وبطل- فقال: إلى أين أنت ذاهب يا ولد! قال: أطلب العلم عند العالم الفلاني، أرسلتني أمي، قال: ونحن معك، ثم أمر بفك الرجال كلهم، وأرجعوا مال كل واحد إليه، وأرجعوا مال الولد إليه، وتابوا توبة إلى الله، وأصبح هذا الرجل من خيار الصالحين، هذا بسبب ماذا؟ هذا كله بسبب الصدق.
الناس الآن يقولون: اكذِبْ تَنْجُ! لا. بل اصدُق تَنْجُ، أما الكذب فليس بجميل بأي حال من الأحوال، كن صادقاً ولو في أحلك الظروف، وفي أحرج المواقف فإن الله سيجعل لك فرجاً إذا صدقتَ؛ لأن الله يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يدلني وإياكم على طريق الهداية، وأن ييسر لي ولكم أسبابها، وأن يعيذنا وإياكم من موانعها ومعوقاتها.
ثم إنني أدلكم على شيء قبل هذا كله، وقبل الهداية، ألا وهو: القناعة، فالذي ليس لديه قناعة أن يكون من المهتدين فإنه لا يريد أن يمشي في هذا الطريق كله، لكن إذا اهتديت، وحوَّلت الموجة إلى الله، وسلكت السبيل إلى الله، فالله سيفتح لك الأمور كلها؛ لأن الله يقول: وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ [الرعد:27].
فتُب وارجع إلى الله عز وجل، وصحِّح الوضع، وثق بأن الله كريم، ولن يردك، فالله عز وجل يقول في الحديث القدسي الصحيح: (أنا مع عبدي ما تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولة، وكنتُ إليه بكل خير أسرع).
أكرر سؤالي ورجائي إلى الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً.
اللهم كما جمعتنا عليه من أجل طاعتك، فاجمعنا من أجله في دار كرامتك، ووالدِينا ووالدِي والدِينا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
.
الجواب: ثمرة الحضور في مجالس الذكر: هو التحول والتغير في حياة الإنسان، أما الحضور مع الاستمرار على الوضع الأول دون تغيير في حياته، فهذا أشبه بالإدمان على المواعظ، أي: أن الموعظة في حياة الناس الذين لا يغيرون شيئاً أصبحت كشيء تعودوه وأدمنوا عليه، يحبونه؛ ولكن إذا جئت لتفتش حياتهم وجدتَ حياتهم هي هي، لم تغير هذه الدروس، ولا المواعظ، ولا الخطب، ولا المحاضرات شيئاً من واقعهم، واستمروا على وضعهم السيئ، فهؤلاء يُخشى عليهم -والعياذ بالله- أن يطبع الله على قلوبهم، فإذا طُبع على قلب الإنسان -أي: ختم عليه- لم يعد ينفع فيه شيء؛ لأن بني إسرائيل كانت تنـزل عليهم الكتب، ويُوحى إلى أنبيائهم، ولكن طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [التوبة:87]، يسمعون الكلام من هنا ويخرج من هنا، وحليمة على عادتها القديمة، هذا لا ينتفع، فانتبه! حتى لا يطبع الله على قلبك عليك أن تغير باستمرار، فكل شيء تسمع من دين الله حق، ثم تجد أنك في وضع لا يتلاءم مع هذا الحق، فعليك أن تسعى إلى التصحيح، وستجد كل يوم وأنت تصحح أنك في وضع إيماني أفضل إلى أن تصل -بإذن الله- إلى درجة تنشرح فيها نفسك، وهناك يقول الله لك: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
أما البقاء في المكان، والمراوحة على الأقدام في مكان واحد وعدم السير إلى الله خطوة واحدة، وتظن أنك مخدوع بهذا السماع وبهذا الحضور، هذا مكر من الشيطان.
أولاً: الاختلاط الذي يكمُن في المستشفيات، وخاصة في التمريض والاستقبال، وواجهات الجمهور بشكل مـخالف لشرع الله سبحانه وتعالى، فما هو موقف الإسلام؟ وما هو تصرف الشباب أمام هذا جزاكم الله خيراً؟
ثانياً: المآسي الربوية، والتي أصبح كثير من الناس يتعاملون بها، فما هو موقف الإسلام منها؟ وما هو العلاج ثبتكم الله بالحق ووفقكم إليه؟
الجواب: أولاً: شكر الله للأخ الكريم دعوته لي بالتوفيق والهداية، وأسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية والثبات.
أما المآسي التي تنتشر في هذا الزمان فهو شيء طبيعي، أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في آخر الزمان يكون القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، وقال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) ولكن عودة الناس إلى الله، واستشعارهم بالطريق الصحيح، هذا يُلزمهم ببعض التصرفات الإيجابية أمام تلك الظروف الغير مستصاغة والغير مقبولة، وهي تُبرِز مدى صدقهم مع الله، إذ أن الإنسان في الأجواء الصحيحة التي هي (100%) لا يبرز ولا نعرف إن كان صادقاً أو غير صادق، لكن إذا أُدخل الإنسان في ساحة البلاء وفي صالة الامتحان عُرف صدق إيمانه من كذب دعواه، فالذين يُبتَلون بالعمل في المستشفيات أو يضطرون إلى مراجعة المستشفيات، ويلمسون ما يجدون أو يشاهدون من الممرضات والعاملات، فهؤلاء يُفترض فيهم أن يكونوا إيجابيين، بِمَ؟ بغض أبصارهم؛ لأن الله قد ركب لك عينين، وركَّب لك على كل عين جفنين (وبابَين أوتوماتيك) أي: أنك لا تحتاج إذا أردتَ أن تغطي عينيك إلى جهد لا، بل افعل هكذا، وأغلق جفنيك مباشرة وأوتوماتيكياً وهذا من فضل الله، والله أمرك في عينيك فقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] فإذا راجعت المستشفى، أو كنت تعمل في المستشفى فليس هناك من أحد يستطيع أن يفتح عينك على منظر لا تريده إلا أنت، ولكن بإمكانك أن تغض بصرك وتمشي.
وقد أعجبني طبيب سعودي موفق في أحد المستشفيات عندنا هناك يحمل شهادة الدكتوراه، وذلك عندما كنت مريضاً في مستشفى، حيث جاءني ومعه الممرضات بجانبه، وجلستُ أرصد حركته، -فوالله- كان يتحرك وهن ثلاث واقفات بجانبه، وما رفع نظره إليهن، كان يتكلم ويقول: قولوا كذا، واعملوا كذا، وسوُّوا كذا، وعينه أمامه، ولا يلتفت إليهن أبداً، بل عينه في الأرض، فهل تستطيع أي واحدة أن ترفع عينه؟ لكن بعض الناس مُجرد أن يرى المرأة تظل عينه مُسَمَّرة فيها، ويتكلم معها، و(good morning) بالإنجليزي، أي: صباح الخير, و(marsih) بالفرنسي، أي، شكراً، وكيف حالك؟ وهل أنتِ بخير؟ ثم يقول: ماذا نفعل؟ إنهن نساء! نقول له: نعم. نساء؛ لكنك ما اتقيت الله في النساء، ولو أنك حينما رأيت النساء غضَّيت، لكان فعلك هو المنطق، لكن حينما ترى النساء ترفع عينك، وتقول: -والله- وضعوا لنا النساء فلا؛ لأن النساء موجودات، وعينك موجودة في رأسك، وجفنك في تصرفك، وبإمكانك أن تغض بصرك، فهذا ابتلاء.
الثانية: مسألة الربا وما يتعلق به: هذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس في آخر الزمان يأكلون الربا، ومن لم يأكله يُصبه من غباره.
والربا -كما تعرفون- موبقة عظيمة، ومن أعظم الجرائم، ومن الموبقات -والعياذ بالله-، وقد توعد الله صاحبه بالحرب، ما أذن الله بالحرب على صاحب معصية كما أذن بالحرب على صاحب الربا، وقال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم : (لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه) الحديث صحيح.
وأخبر صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب ، الذي في صحيح البخاري ، حديث الرؤيا الطويل: أنه انطلق إلى رجل فأتيا على رجل يسبح في نهر من دم، وآخر على طرف النهر معه حجارة، وهذا يسبح إلى أن يأتي إليه، ثم يرمي بحجر في فمه، فيفغر فاه ويلتقم الحجر، ويرجع إلى طرف النهر، ثم يأتي ويرجمه، قال: من هذا؟ قال: هذا آكل الربا.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أكلة الربا يبعثون يوم القيامة وبطونهم كالجبال. بطن أحدهم كالجبل، مليء بجميع الأموال التي رابى بها في الدنيا، ثم أيضاً ترى الأموال التي داخل بطنه؛ لأنها شفافة، مثل البالونة، فترى السيارات، والأراضي، والعمارات، كلها داخل البطن، وهو تحتها، بطنه مثل الجبل، وهو بجسمه العادي يومئذ، أي: أن رأسه صغير، ورجليه صغيرتان، ويديه صغيرتان، لكن بطنه كبيرة كالجبل، وتصوروا إذا كان بطن أَحَدٍ كالجبل وهو تحته، فكيف سيكون حاله، لا حول ولا قوة إلا بالله! فهذه مصيبة.
فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل وألا يسير في أمر من أمور الربا، فإذا كان لديك مال، وأردتَ أن تودعه فلا تودعه في البنوك الربوية، ولكن أودعه في البنوك الإسلامية التي انتشرت -والحمد لله- وموجودة الآن، وإذا لم تجد مكاناً فضع أموالك في بيتك، قد تقول: ربما تُسرق، فنقول: لا. الله سيحفظها -إن شاء الله-، لكن بعض الناس تجده من مجرد أن يحصل على خمسة آلاف أو عشرة آلاف يقول: سأفتح حساباً، وهذا دفتر شيكات، ويضع دفتر الشيك هنا في الجيب، وإذا سأله أحدٌ شيئاً قال: كم تريد؟ أأقطع لك شيكاً أو أعطيك نقداً، بمعنى: أنه يريد أن يكون شخصية، الله أكبر يا هذه الشخصية! لا يا أخي لا يحتاج هذا إلى شخصية، بل إن الشخصية العظيمة تكمن في الطاعة لله، من مراقبة الله تبارك وتعالى.
أما أن تنفخ نفسك بالكذب، فالنفخة هذه لن تنفعك عند الله يوم القيامة، فاتق الله، اتق الله واحذر من الوقوع في هذه المأساة -مأساة الربا- لأن الله يقول: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، ثم قال الله: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]، ويقول: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم:39].
الجواب: قد كنتُ أتصور أن مشكلة النساء وكلام النساء، وكيف حالكِ؟ وهل أنتِ بخير؟ وكم لديكِ من أولاد؟ وكنا نريد أن نأتي إلى عمارتكم، وهل معكم سيارة؟ وأين يعمل زوجك؟..وغير ذلك، كنت أتصور أن هذا عندنا في الجنوب فقط، ولكن تبين أن ذلك موجود حتى عندكم في الرياض ؛ وطبع النساء واحد، ولا حول ولا قوة إلا بالله! أهل الإيمان يبكون في حِلَق الذكر من خشية الرحمن، وهي جالسة تتكلم مع زميلتها، لم تعلم أين الجنة ولا أين النار، وتطلب من زوجها، وتقول: أوصلنا نحضر الذكر، فتخرج من هنا بالإثم والغضب من الله؛ لأنها معرضة عن الله، تجد العالم ينقطع صوتُه ويَبُحُّ نحرُه، وهو يحذِّر وينذِر، ويرغِّب ويرهِّب، وتجدها تتكلم، وإذا خرج زوجها من المسجد فقال: ماذا عرفتِ؟ قالت: ذكره الله بالخير، لم يدع وادياً إلا أوصلنا إليه، ذكره الله بالخير، وإذا قال: وما عرفتِ؟ قالت: لستُ أدري، كلام الواجب، ما دريتُ أين أوله ولا أين آخره. وذلك لأنها كانت تتكلم فما درت عن شيء؛ وإذا رأت امرأةٌ أمراةً أخرى لأول مرة منذ سنة أو سنتين أو ربما لا تعرفها، فإنها تسألها مجرد أن تدخل: أين بيتكم؟ وهي لا تعرفها، فتقول لها: بيتنا في حي كذا، فتقول: البيت لكم، أم هو مستأجر؟ وإذا قالت: بل مستأجر، قالت: أرجو أن يكون واسعاً، يحتوي على غرف أربع أو خمس، وهل معكم سيارة؟ وأين وظيفة زوجك؟ وهل عندك أولاد؟ وكم هم؟ وهل الأول في المدرسة؟ وكم سِنُّه؟ وكيف هي ابنتكم؟ وتظل في الحديث إلى الساعة الثامنة والنصف، وتخرج وقد توِّجت بغضب الله. وليتها ما حضرت -والعياذ بالله-.
إن المؤمنة ينبغي لها إذا جاءت إلى المساجد أن تلتزم بآداب الإسلام:
أولاً: ألا تلبس من الثياب جميلاً، فلا تخرج إلى المسجد كما تخرج إلى معرض الأزياء، لا. بل تلبس البذل من الثياب والرديء.
ثانياً: ألا تتطيب؛ لأن شم الريح منها يفتن، وإذا خرجت فشم الرجال ريحها فهي زانية.
ثالثاً: أن تحتجب بالحجاب الشرعي الكامل، فلا يبدو منها شعرة ولا ظفر، وجهها ويداها وقدماها وجسمها بالكامل.
رابعاً: أن تدخل المسجد خاشعة خاضعة، لا ترفع صوتها، ولا تنظر إلى أحد.
خامساً: أن تجلس في مصلاها، وتستقبل القبلة، ولا ترد كلمة على أحد، وحتى التي تسلم عليها تقول لها: لا كلام الآن، اسمعي الواعظ أو الشيخ، إلى أن تنتهي الحلقة. ثم تخرج -إن شاء الله- وقد استفادت.
أما أن تأتي لتتكلم فليتها ما حضرت، لا حول ولا قوة إلا بالله!
وهنا سائلة تقول: فضيلة الشيخ! هناك من الزميلات من قد انْسَقْنَ وراء اتباع الموضة، من قص الشعر، ومن لبس الضيق والمفتوح وغيره، مما كان من الغرب، وقد أتلف أبصارهن أيضاً كثرة نظرهن إلى التلفاز، وإلى التمثيليات، وأنا أدعو لهن بالخير، فما هو الحل -جزاك الله خيراً-؟
الجواب: هذه فتنة استطاع الشيطان أن يروجها، وأن يبيعها في سوق النساء؛ لأنهن -كما جاء في الحديث- حبائل الشيطان، إلا من هدى الله وعصم، فتنة التبرج، والتبرج: هو خلق من أخلاق الجاهلية، يقول الله عز وجل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والخطاب موجه لهن ولسائر نساء الأمة: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] والتبرج: يشمل كل مظهر من مظاهر الفتنة: في اللباس، أو في المشية، أو في النغمة والصوت، أو في أي مظهر من مظاهر الفتنة، وما نلمسه اليوم ونشاهده هذا تبرج جاهلي من طراز عال جداً، وهو لبس الضيق من الثياب، وقد جاء في الحديث: أن من يصنع هذا فهو من أهل النار، قال عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار لم أرَهما بعد: نساء كاسيات عاريات..)، قال العلماء: كاسية وعارية، كيف تكون؟ قال العلماء في الماضي: كاسية بنعم الله، عارية من شكرها؛ لكن أثبت الواقع اليوم أنها كاسية وعارية؛ لأنها تلبس لباساً ضيقاً يصف جسمها، ويفصل عورتها، كما لو كانت عارية، أي: لو أنها عارية لفَرَّ الناس منها، لكن بهذا اللباس أعراها أكثر، وفضحها أكثر، والحق للمسلمة أن تلبس ثوباً واسعاً فضفاضاً، لا يصف منها عورة، ولا يكشف منها سوءة (..نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات..)، وقف علماء الحديث في الماضي أمام هذه العبارة، وقالوا: الله ورسوله أعلم من مراده منها! كيف مائلة مميلة؟ أما الآن فرأيناهن مائلات مميلات، مائلة: في باروكتها، فتأخذ لها شعراً، ثم تجمعه فوق رأسها، إلى أن يصل فوق رأسها مثل سنام البعير، كما جاء في الحديث (.. رؤوسهن كأسنمة البُخت) انظر إلى سنام الجمل إذا مشى كيف يكون، يميل يميناً وشمالاً، وهذه كذلك، تكوِّم الشعر وتلفه وتلفه إلى أن يصل فوق رأسها مثل: سنام البعير، ثم إذا مشت مالت وأمالت، وأيضاً: تلبس الكعب العالي، الذي يقلب المحملة، وقد ذكر علماء الطب: أن المرأة التي تلبس الكعب العالي تنقلب محملتها، وإذا تزوجت لا تحمل؛ لأنه يرفع عجيزتها من الوراء، ويبدي سوءتها للناس، وهذا مظهر من مظاهر الجاهلية، وهذا نوع من التبرج.
أيضاً من صور التبرج الموجودة عند النساء اليوم: لبس الثياب المشقوقة من عند الأرجل، تفصل إحداهن ثوباً ثم تشقه من تحت، لماذا؟ ما هذا؟ عيب هذا الفعل، الثوب لا بد أن يكون ساتراً، أما الثوب الفاضح، وإن أرغمت عليه المرأة أن يكون ضيقاً من عند رجلها، فإنها تشقه من عند رجليها من اليمين ومن الشمال، وأعطت تأشيرة دخول للشيطان من يمينها ومن شمالها والعياذ بالله، فلا يجوز هذا.
وأيضاً: الروائح، فتتعطر بعض النساء والبنات بالروائح الباريسية، هذه الكالونية الفاتنة، وتخرج -والعياذ بالله- ليشم الرجال ريحها.
كل هذا من صور الجاهلية، والتبرج الذي نهى الله عنه في القرآن.
وعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله تبارك وتعالى، وأن تعلم أن عذاب الله عز وجل سيحل بها، وأنها لن تفلت من قبضة الله إذا ماتت وهي على هذا العمل، ولتذكر الوقوف بين يدي الله، ولتذكر دخول القبر، ولتذكر الخلوة فيه، ولتذكر الوحشة والضجة في القبر، لن ينفعها شيء في الدنيا.
اتقي الله أيتها المرأة المسلمة، وتوبي إلى الله، فإنك بعملك هذا تصرفين الناس عن الله، وتصدين عن دين الله، وتضلين الشباب عن هداية الله، وما من شاب ينظر إليكِ إلا ويسمر الله في جسدك مسمارين يوم القيامة، وما من شاب تسببين في إهلاكه وإضلاله عن طريق الله بعبارة أو بكلمة أو بنظرة أو بحركة أو بريحة أو بمنظر يراه منك إلا وأنت سبب في ضلاله وقائدة له إلى عذاب الله في النار والعياذ بالله.
والثوب إذا لبسته المرأة وشقت له فتحتان عن يمين وشمال على حجة أنها لن يراها إلا النساء فسوف يراها الرجال حتماً، أتدرون لماذا شقَّتها النساء؟! لأن هذا بداية لنـزع الحجاب؛ لأن النساء تركب السيارات، فإذا جاءت لتركب السيارة وثوبها طويل فلن يرى أحدٌ شيئاً، لكن عندما تقدم رجلاً، وترفع العباءة، فعند الفتحة ينكشف الساق، فيرى الناس ساقها، فتفتن الناس، وإذا قالت: لا أحد يراني، لا يراني إلا زوجي وأهلي، نقول لها: ولكن حينما تركبين السيارة والشارع مليء بالناس، والشياطين يقتنصون، فسوف يراك الناس، لكن لو لبستِ هذا الثوب فقط في البيت بحيث لا تخرج، بل تلبسه للنوم لزوجها، فلا مانع، فإذا كانت لا تلبس هذا الثوب إلا للزوج فلا مانع؛ لأن للزوج كل شيء.
الجواب: أولاً: لا يجوز لمسلم أن يُلزم الآخر وأن يسأله بوجه الله في أمر لم يُلزم به من قبل الشرع، فما ينبغي لك أن تسأل بالله العظيم أنه لا بد أن يُقرأ سؤالُك، لماذا؟ لأن الجواب على السؤال إنما يقرر الحاجة له، هو المسئول عن الندوة والمسئول أيضاً عن الإجابة، فكل سؤال يَرِد ليس بالضروري أن يُجاب عليه، فلا تلزم الناس، بل اسأل سؤالك، فإن أجِبْت عليه فالحمد الله، وإن لم تُجَب عليه فبإمكانك أن تسأل سؤالك في الرجل الذي تريد أن تقدمه له على انفراد، أو بالتليفون، أو تذهب إلى غيره، أما أن تفرض على الناس أنهم يجيبون على سؤالك غصباً، وتقول: أسألكم بالله، فهذا لا يجوز.
أما سؤال هذا الأخ الكريم، فنحن إذا دُعينا إلى الله ينبغي أن نسأل الذي يدعونا: إلى ما يدعونا؟ فإن كان يدعونا إلى شخص، أو إلى هيئة معينة، أو إلى جماعة معينة، فلا نستجيب له، وإن كان يدعونا إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله، وإلى دين الله الذي جاء به رسول الله، فنحن نستجيب له، ليس عندنا في الإسلام شعارات، ولا عندنا لوحات، ولا لافتات، بل عندنا شعار واحد، ولافتة واحدة اسمها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كتاب الله وسنة رسوله، يقول عليه الصلاة والسلام: (تركتُكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، وقال: (تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي). فأي واحد يدعوك، إذا دعاك فقل: إلى أي شيء تدعوني؟ إذا قال: أدعوك إلى الإسلام -الكتاب والسنة- فأنت معه، وإذا قال: أدعوك إلى جماعة كذا، أو حزب كذا، أو هيئة كذا، أو مؤسسة كذا، فقل: لا يا أخي، أنا مسلم، ولا أريد أن أعيش إلا على الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن السلف الأول وتابعوهم كانوا من أي جماعة؟ فما عندنا تحزبات في دين الله، وإنما عندنا دين الله الواضح، وشرع الله الكامل الذي جاء من عند الله تبارك وتعالى، كتابٌ وسنة، وغيرهما فلا.
الجواب: أولاً: أحبك الله الذي أحببتني فيه.
ثانياً: موقف الموظف وهو رجل محافظ ومجتهد وملتزم أسأل الله أن يثبته، بالنسبة لإخوانه الموظفين معه في العمل فله أولاً: أن يبدأ بالنصيحة، والدعوة ولكن بالصبر والحكمة وبالكلمة الطيبة، سمعتُم في القراءة التي قرأها عليك المقرئ أول اللقاء، سمعتم قول الله عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ثم قال الله عز وجل بعدها مبيناً الأسلوب الصحيح للدعوة، فقال: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ [فصلت:34] لا يستوي الأسلوب الطيب، والأسلوب السيئ في الدعوة، ادْفَعْ [فصلت:34] بماذا؟ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت:34] أي: قابل الأمور وعالج المشاكل بأحسن عبارة وألطف أسلوب فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ [فصلت:34] بأسلوبك الطيب الذي بينك وبينه عداوة تحوله إلى ماذا؟ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] ثم قال عز وجل إن هذا الكلام لا يقدر له كل أحد، هو في الذهن سهل لكن في التطبيق صعب، قال الله: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35].
أسأل الله أن يرزقني وإياكم من الحظ العظيم في هذا الشيء الكثير، وهو الحِلم والصبر، فإذا جئتَ إلى زميلك، وقلتَ له: صلِّ: يا أخي الصلاة خير، وقال: جزاك الله خيراً، فقد برئت ذمتُك منه، ولكن ليس بالضروري أن تذهب وتبحث عنه في المسجد، وإذا ما لقيتَه في المسجد تتكلم عليه، أو تضاربه، أو تبغضه، لا. بل عليك بدلالة الإرشاد، أما الاتباع فليست لك، هداية الإتباع لمن هي؟ لله، أنتَ دله على الطريق وكفى، ولكن متى تبغضه؟ تبغضه إذا رفضك، أما إذا حدثته كل أسبوعين أو ثلاثة وجلست معه، وليس كل يوم، كلما مررت عليه قلت له: صلاة..صلاة، كأن تقول له اليوم: صلاة، وغداً تقول له: صلاة، وبعد غد تقول له: صلاة، ثم بعدها يغضب عليك ويزهق منك، ويقول: يا رجل! شغلتنا، كل يوم صلاة..صلاة، لن أصلي، فتكون أنتَ من جعله يقف هذا الموقف بأسلوبك، بل إذا قلتَ له: صلاة، فقد انتهى الموضوع، فتتحين له فرصة أخرى، أو انظر له مناسبة أخرى، أو زُره في بيته أو في مكتبه، أو اهدِ له شريطاً، اذكر له الحياة الدنيا..الآخرة..الموت..الجنة، بأسلوب طيب وبطريقة حكيمة، حتى يكون عندما تذكر له مرة أخرى قال: جزاك الله خيراً، الحمد لله.
أما إذا نصحتَه ودعاك وقال لك: أرجوك لا تنصحني، فكلما جلستُ معك قلتَ: الصلاة..الدين، تريد أن تجلس فاجلس، الدين ما عدتُ أريد أن أسمعه منك، ولا تنصحني، ولا لك علاقة بي، فهناك يلزمك شرعاً أن تبغضه في الله، وتقول له: فِراقٌ، لماذا؟ لأنه حدد منك موقفاً معيناً يلزمك أنت أيضاً أن تحدد منه موقفاً معيناً.
أما إذا كان ما زال يقبل الدواء، فأعطه الدواء، فأنت كالطبيب وهو كالمريض، والمريض في المستشفى كلما يمر عليه طبيب يعطيه علاجاً، ويقبل، والعافية بيد من؟ بيد الله، لكن ما رأيكم إذا قال الطبيب للمريض في الصباح: اشرب هذه الحبوب، فقال: لا أقبلها، فقال له: نعطيك إبرة، قال: والله لا أضربها، فقال له: إذاً: نعطيك أشعة، قال: ما هذه الأشعة، ما رأيكم ماذا سيفعل في الطبيب؟! أيتركه أم يخرجه؟ بل يكتب له ورقة خروج، ويقول: المريض غير متجاوب مع العلاج، لماذا؟ لأن المريض حدد من العلاج موقفاً. فأنت عنده كالطبيب، وما دام يقبل العلاج منك فأعطِه، مَرَّةً حبوباً، ومَرَّةً إِبَراً، ومَرَّةً أشعةً، ومَرَّةً هديةً، وهكذا، إلى أن يعافيه الله، والعافية لا تنتظرها أنت، الذي ينـزل العافية هو الله، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءَُ [القصص:56].
الجواب: نعم. يلتزم الشاب فترة معينة، أسبوع أسبوعين، شهر شهرين، ثم ينتكس، وتلتزم الشابة فترة معينة ثم تنتكس، ويصابون بشيء من الإحباط نتيجة اصطدامهم ببعض القضايا في بيوتهم، أمه ترفض..أبوه يرفض..أهله ضده، وبعد ذلك يعاكس ويصادم، وبعد ذلك ينهزم، ويرجع رجعة ألعن مما كان عليه قبل الاهتداء -والعياذ بالله-.
أولاً: المنتكس والراجع هذا سببه سوء البداية، فسوء البداية يؤدي إلى سوء النهاية، فالذي يلتزم الطريق من أوله يوصل، لكن الذي يمشي الطريق من أوله وهو غلطان، فيكون كلما سار زاد غلطه، والذين يهتدون هداية شكلية مظهرية، أو هداية عاطفية، بناءً على موقف معين مر بهم، فهؤلاء لا يلزمون الطريق بأسلوب صحيح، بل يأتون بعُنف على أنفسهم، وعلى أسرهم، وعلى آبائهم، وفي مجتمعهم، ثم تزول العاطفة، وينكشف المظهر الخادع، فيُحبَطون ويرجعون، مثل رجل يريد طلوع السطح، وبدل أن يأتيه درجة درجة حتى يطلع، بدلاً عن ذلك أراد أن يقفز مباشرة إلى السطح، فلا هو الذي وصل، ولا هو الذي سلم، بل ضرب برأسه في وسط الجدار ووقع وانكسر، ولو أنه مشى شيئاً فشيئاً لوصل. أو كرجل أخذ له سيارة وبدل أن يمشي بها مثلاً إلى الجنوب أو إلى الشمال أو إلى أي جهة، ويقف كلما مشى قليلاً، أو كلما سخنت، وإذا ما انتهى زيتُه يغيره، وكلما انتهى بنـزينه يغيره، بدلاً عن ذلك استهلكها استهلاكاً متواصلاً من يوم أن أوقفها إلى أن انتهى البنـزين أو إلى أن فسد الزيت تماماً حتى خَرِبَت السيارة، فهذا اسمه المُنْبَتُّ، لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع. المُنْبَتُّ: الذي يمشي بغير هدىً، يأخذ جمله ويمشِّيه ويمشِّيه دون أن يوقفه، ودون أن يؤكله ودون أن يريحه، حتى أمات الجمل، وبعد ذلك تعطَّل، لا هو الذي وصل، ولا هو الذي سلم، قال العلماء: كالمُنْبَت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. فما أبقى له جملاً، ولا وصل، وهؤلاء هم أكثر الشباب اليوم، فهم يغترون بالمظاهر، ويتصورون فقط أن الهداية والالتزام في بعض الأمور التي جاء بها الدين، ولكنها أمور ظاهرة، فيخدعون بها أنفسهم ويخدعون الناس بها، وهذه أمور سهلة، كل واحد بإمكانه إطلاق لحيته، وتقصير ثوبه، وعمل بعض الأمور التي جاءت في الدين، لكن هذه ليس عليه المعوَّل، بل المعوَّل على القلوب، الكلام في قلبك، صدقك مع الله، يقينك بالله، تصديقك بحقائق الإيمان، إخلاصك في توبتك ورجعتك لله، هل أنت مخلص لله؟ ترجو النجاة من عذاب الله؟ ترجو الفوز بجنة الله؟ تراقب الله في كل حين؟ بعض الشباب تجده ثوبه قصير، ولحيته معفاة، لكنه تجده إذا رأى امرأة فتَّح عينيه هكذا، وتجده إذا دخل غرفته في الليل بدل أن ينام على ذكر الله، يبحث له عن أغنية ويجعلها مرخية جداً لكي لا يسمعها إخوانه، ولكن الله يسمعك، ويخدع الناس، ظاهره ظاهر إيماني، فهذا لا يستقيم أبداً ولا يستمر، بل يرجع إلى العذاب -والعياذ بالله- والدمار، ونحن نقول لإخواننا:
أولاً: صححوا البدايات.
ثانياً: أخلصوا العمل لله.
ثالثاً: رويداً رويداً، والصبر، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [فصلت:35] على أهلكم وعلى أسركم، فإذا جاء أحدكم إلى أسرته فلا يحمل أسرته على الطاعة بالقوة، ويأخذ نفسه بالكمال، لا مانع، لكن في بيته لا يغضب على أمه ولا على أبيه ولا على إخوانه ولا على أخواته، إنما بلطف وحكمة وطيب وخدمة وحب وتفاني، وليدعُهم إلى الله بحكمة، فإن أطاعوه واستجابوا فالحمد لله.
أما بالقوة والعناد والمضاربة، فإنه يحوِّل كل الأسرة ضده، وبالتالي يجد نفسه لوحده في الميدان، وإذا به يريد كل شيء، فيخسر كل شيء، ولا يحصل على شيء، ويقولون: من أرادها كلها ضيعها كلها. لكن قليلاً فقليلاً.
رابعاً: عليكم بمثبتات الإيمان وهي كثيرة، وأذكر لكم أربعة فقط:
1- المثبت الأول: كتاب الله: كتاب الله أعظم مثبت، يقول الله عز وجل: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32] فمن قرأ القرآن واستمر على قراءته، وداوم على تدبره، فهذا لا يضله الله بل دائماً يثبته الله.
2- المثبت الثاني: فعل أوامر الله وترك نواهيه، والدليل: قوله عز وجل: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66].
3- المثبت الثالث: قراءة سِيَر الأنبياء وتاريخ الرسل، فتقرءون سَيَرَهم في القرآن الكريم وفي التفاسير، فتقرءون قصة موسى، وقصة عيسى، وقصة نوح، وقصة أيوب، وقصة هود، وقصة يوسف، وقصة يعقوب، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تقرءونها، قال الله عز وجل في القرآن الكريم: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود:120] فعليكم أن تثبتوا موازين الإيمان عندكم بهذه الأمور الثلاثة مع الأمر الرابع.
4- المثبت الرابع: الدعاء، ادع الله في كل لحظة، فقولوا: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] اجعلوا هذا الدعاء في سجودكم، واجعلوه في قيامكم في الليل، واجعلوه في كل لحظة من لحظاتكم، كلما ذكرتم الله ادع الله به، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا [آل عمران:8] وادع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك).
الجواب: ننصحك أن تتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً التي خاطبك الله بها وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] قال العلماء: التوبة النصوح: هي التي توفرت فيها شروط التوبة الثلاثة:
أولاً: الإقلاع عن الذنب.
ثانياً: الندم على ما فات منه.
ثالثاً: العزم على عدم العودة إليه.
فمن تاب هذه التوبة تاب الله عليه.
أما التوبة الكاذبة التي يتوب منها الشخص وفي نيته أن يعود في الغد، فهذا لم يتُب توبة نصوحاً، فالتائب من الذنب والعائد إليه كالمستهزئ بالله عز وجل، ونخشى عليك يا أخي! أنك تتوب إلى الله من ذنب ثم ترجع إليه، فلا تتوب إلى الله منه، بل تُب، ولكن لا يُقفل الشيطان الباب عليك، بل كلما أراد أن يوقعك في ذنب فتُب إلى الله؛ لأن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها، فلا يا أخي! لا تقنط من رحمة الله، وأقبل وتُب.
الجواب: الذي يُجيزها ليس له دليل، والفتوى صادرة من هيئة دار الإفتاء اللجنة الدائمة للإفتاء، بتوقيع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، بأنها محرمة، وهي أخت الزنا -والعياذ بالله-، وأدلة تحريمها من كتاب الله ومن سنة رسول الله.
فأما من كتاب الله: فقوله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ [المؤمنون:5-6] ماذا؟ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:6] زوجتك أو الأمة التي عندك، ملك يمينك، فقـط، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المؤمنون:6-7] فمن ابتغى شيئاً غير هذين الأمرين، بيده أو بغير ذلك فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7].
وأما من سنة رسول الله: فقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للطرف وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ما قال: فعليه بيده، (فإنه له وِجاء).
ووردت بعض الآثار في التحذير والنهي عن هذه المعصية المحرمة والعياذ بالله.
فتُب إلى الله، واعلم أن الذي يقودك إلى الوقوع فيها هو الشيطان، فإذا رأى منك صلابة في الموقف وقوة في العزيمة انصرف عنك، أما إذا رأى منك ضعفاً وخَوَراً وحباً لهذه الشهوة المحرمة، قادَكَ إليها فتهلك.
وقد قرر الطب الحديث أن الممارسة لهذه العادة السرية الخبيثة -واسمها العادة السرية تلطيفاً لاسمها، وإلا فإن اسمها: نكاح اليد- قرروا أنها سبب لإصابة الإنسان بأمراض خطيرة، منها: العُقم، الذي يُمارس العادة السرية إذا تزوج يكون عقيماً؛ لأن الحيوانات المنوية ذات الحياة والقوة تُستهلك وتُستنفذ عن طريق العادة السرية، فإذا تزوج لم يبقَ له شيء، قد صرَّف كل بضاعته في يده -والعياذ بالله- فلا تحمل زوجتُه، ثم قالوا: أنها تحدث له أمراضاً نفسية، وتجعله إنساناً هابط النفس، ليس لديه من شُغل إلا يده -والعياذ بالله- لم يخلقك الله يا أخي! لهذه المعاناة، لكن اصبر، وتمسك بطاعة الله، وابتعد عن المهيجات، لا تنظر إلى النساء، ولا تسمع الأغاني، ولا تقرأ القصص الجنسية، ولا تنظر إلى المسلسلات والأفلام الجنسية، ولا تجلس مع العُصاة الذين يذكرونك بالبنات والنساء، وإنما إذا قامت عندك الشهوة، واستطاع الشيطان أن يقنعك بشيء من هذا، فاغتسل، وصلِّ ركعتين أو أربع ركعات، أو اقرأ القرآن، أو اسجد لله، والله سوف يصرف عنك هذا الشر بإذن الله عزَّ وجلَّ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر