وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته فالأمر والخلق له وحده، والتصرف في هذا الكون بيده، ولو أجمعت قوى الأرض وكان بعضهم لبعض ظهيراً على أن يقدموا شيئاً أخره الله، أو أن يؤخروا شيئاً قدمه الله، أو أن يعطوا بشراً منعه الله، أو أن يمنعوا بشراً أعطاه الله، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وربنا واحد في ألوهيته، فكل أنواع العبادة له وحده، وواحد في أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
[النساء:131].
معاشر المؤمنين: اسمعوا قول ربكم جل وعلا وهو يقول في محكم كتابه: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
[محمد:35] ويقول جل وعلا:
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ
[المنافقون:8] ويقول تعالى:
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
[فاطر:10] قال ابن كثير: من أراد العزة فليلزم طاعة الله.
أيها الأحبة في الله: عزة كل مسلم في هذا الزمان بيقينه أن الحوادث بالمقادير، وأنه لا قليل ولا كثير إلا بأمرٍ وقدرٍ من الله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
[الحديد:22] وكل قدرٍ أياً كان فإنه لا يخلو من ثلاثة أمور كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: والمقادير دائرة على حكمة الله، وعلى تمام عدله، وعلى تمام رحمته.
فتعظم مصيبته، ويكون عظم المصيبة عظيماً في محو الذنوب والسيئات، فتمحى ذنوبه كلها، ويقدم على ربه طاهراً مطهراً، ولو لم يصب، ولو لم يمت بهذا الحادث لمات في تلك اللحظة على فراشه لم يتقدمها ولم يتأخرها.
فمن هنا نعلم أن القدر وإن كان على النفوس مراً، إلا أن فيه تمام الرحمة، وفي نفس الوقت قد يكون هذا القدر تأديباً لآخرين من الذين عصوا، أو الذين تجاهلوا أمر الله جل وعلا، فاجتمعت رحمة الله في هذا المتوفى، واجتمع عدله، واجتمعت حكمته في أبسط الأمثلة والمقادير، فما بالكم بأعظم الأمور خطراً، إنها لا تخلو من حكم عظيمة، ومن رحمة عظيمة، ومن عدل تام، وهو سبحانه وتعالى لا يخلق شيئاً عبثاً، ولا يترك شيئاً سدى، فسبحانه في كل فعله وتدبيره!
معاشر المؤمنين: إن ما حل بنا لهو قدر من أقدار الله، لن يخلو من هذه الثلاثة كلها، لن يخلو من رحمة الله، ولن يخلو من حكمة الله، ولن يخلو من عدل الله، واعلموا أن هذا القدر، وأن هذا المصاب الجلل، وإن كان على النفوس مراً لكنه والله يا عباد لله طريق تمكين لأمتنا، وطريق عودة لعزتنا، وطريق رفعة لسؤددنا، ومن سنن الله ألا يتمكن أحد إلا بالبلاء:
من لم يقد فيطير في خيشومـه رهج الخميس فلن يقود خميسا |
إن الأمم لا تعلو إلا بعد أن تمر بأصعب التجارب، وما يدريكم أن الله جل وعلا اختار لأمتنا هذا القدر بما فيه من العدل والحكمة والرحمة، لكي تنبعث من هذه الأمة قيادة الدنيا وتوجيه الكون أجمع، وليس ذلك على الله بعزيز، ولا تستبعدوا شيئاً مادام المسلم متمسكاً بسنن الله جل وعلا وأمره ونهيه، إذا علمنا أن البلاء طريق التمكين، حينئذٍ لا يزيدنا البلاء في ديننا إلا صلابة، ولا تزيدنا الفتنة إلا ثباتاً، ولا يزيدنا ما يريد بنا الأعداء إلا تجمع شملٍ ووحدة صف، نسأل الله جل وعلا أن يجعل عواقب هذه الأمور لنا ولأمتنا خيراً في الدنيا والآخرة.
إن كنا أخرجنا من الكويت فقد أخرج صلى الله عليه وسلم من مكة ، وقال صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجراً والتفت إليها: (اللهم إنك أحب البقاع إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت) فلكم في رسول الله عبرة، ولن نكون أفضل حظاً وأحسن حالاً من المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أخرج من مكة، لكن الله جل وعلا جعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية.
فآواه الله وأيده ونصره بطائفة من المؤمنين في المدينة ، فقامت دولته في المدينة ، التي يسميها السياسيون في هذا الزمان حكومات المنفى، إنها حكومة الحق والعدل والصدق والتمكين، فعاد إلى مكة فاتحاً، وقد ناله ما ناله قبل أن يفتح مكة .
جاء صلى الله عليه وسلم معتمراً، فردته قريش وحبسته دون البيت، وسلت السيف مانعة له وصحبه أن يدخلوا مكة فجاءوا إلى صلح الحديبية ، فلما وقف النبي مع سهيل بن عمرو مفاوض أهل مكة وكان خطيباً فصيحاً، وكان ذلقاً ملسوناً، فقال صلى الله عليه وسلم: (اكتب يا
اسمعوا وتأملوا ما حل لنبيكم، فلكم فيه أعظم الأثر والعبر، فكتب من محمد بن عبد الله هذا كتاب إلى قريش أن من خرج من مكة إلى المدينة فإن محمداً يرده، ومن خرج من المدينة إلى مكة فإن محمداً لا يسترده، فغضب عمر بن الخطاب وسل سيفه، وقال: (يا رسول الله! ألسنا بالمؤمنين؟ قال: بلى، قال: أليسوا بالكافرين؟ قال: بلى، قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ أفلا تدعني أخلع ثنية هذا الكافر الذي يفاوض، فقال صلى الله عليه وسلم: يا
وكان أبو بكر يقبض ويمسك بتلابيب عمر ، ويقول: أليس هذا رسول الله؟ الزم غرزه، فإن الله لن يضيعه.
وكانت عاقبة حميدة لما وقعت هذه الاتفاقية وعاد المؤمنون وحلوا ولم يعتمروا، عادوا إلى بلدهم، فخرج أبو بصير رضي الله عنه هارباً إلى المدينة ، فلحقت به قريش وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا محمد! العهد والميثاق بيننا وبينك، رد إلينا من خرج من صبياننا إليك، فجاء النبي والتفت إليه، وقال: (يا
فعلم ذلك الصحابي بهذه الكلمة التي مُلئت فرجاً وسعة أن الله لن يضيعه، فخرج مع المشركين، وبينما هم في الطريق إذا قال أحدهم وقد سل سيفه يتأمله، قال: والله ليشرب هذا السيف من رقاب محمد وصحبه، فقال أبو بصير : إن سيفك هذا جيد، فأرني إياه، فصدَّق ذلك وأعطاه السيف، فالتفت به أبو بصير فضرب به عنق الأول وهرب الثاني، وجعل الله لـأبي بصير مخرجاً.
ثم لزم الساحل، ووقف في طريق عير قريش، فما مرت قافلة إلا ونال منها حظاً وخيراً وفيراً، حتى أرسلت قريش مندوباً ومبعوثاً يقول: يا محمد! علك أن تلغي العهد والميثاق بيننا وبينك.
الله أكبر يا عباد الله! يقول الله جل وعلا: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ
[التوبة:48] إن كل تقليب وتدويل وعبث ولف وغيره بقضايا المسلمين سواءً في أفغانستان أو في الكويت أو في فلسطين، يقول الله جل وعلا:
وَقَلَّبُوا لَكَ
[التوبة:48] لك أنت، إذاً فتقليب الأمور عائدٌ لنا معاشر المؤمنين:
وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ
[التوبة:48] وإنا لنرجو الله أن يجعل ظهور الحق قريباً.
نعم، قد يفقد النصير يوماً، قد يفقد المأوى يوماً، وقد يفقد الطعام والشراب واللباس يوماً، لكنه صلى الله عليه وسلم ما فقد عزته، وأقول لنفسي ولكم معاشر الأحبة: إن أزمة المسلمين في هذا الزمان ليست أزمة السكن أو المطعم والمشرب والملبس، إنما هي أزمة عزة.
الأزمة التي فقدت: العزة، العزة التي ذهبت أدراج الرياح، بغزوٍ وتغريبٍ وحملةٍ صليبية عبر مختلف الوسائل التي سلطها الأعداء على أبناء المسلمين، قد يفقد المسلم بيتاً، وقد يفقد داراً وأهلاً ووطناً، لكن لا يفقد عزةً لا حياة له بدونها، فإن خرجنا من الكويت ، فإنا نقول:
خرجنا إلى المجد شم الأنـوف كما تخرج الأسد من غابها |
نمر على شفرات السيوف ونأتي المنية من بابها |
ونعلم أن القضا واقعٌ وأن المنايا بأسبابها |
ستعلم أمتنا أننا ركبنا الخطوب حناناً بها |
فإن نلق حتفاً فيا حبذا المنايا تجيء لخطابها |
والله خرجنا أعزاء، وسنعود إليها قريباً أعزاء، بمن الله وفضله وكرمه، فليكن خروجنا إعادة للبناء، وتمحيصاً للصفوف، وترتيباً للجهود، ووحدة لكل ما نبذله لصالح الإسلام والمسلمين، ولأمتنا أعزها الله وأعاد شملها وجمعها.
لو كانت الشعارات ترد بلداً لكان العرب هم أول من يستردوا حقوقهم؛ لأنهم كما يقول القائل:
إذا خسرنا الحرب لا غرابه |
لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه |
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه |
معاشر المؤمنين: هذا المقال يصدق على الأمة في حرب (67م) ونكبات الأمة التي أودعت الهزيمة والضعف والاستسلام، كنا من قبل نطالب بـفلسطين كلها، ثم أصبحنا نطالب بقرار هيئة الأمم [242] والعودة إلى حدود عام كذا، ثم بعد ذلك أصبحنا نساوم ونهادن ونبيع ونشتري، وحتى الآن لم نجد شبراً فلسطينياً عليه سيادة لأمة مسلمة فلسطينية.
لماذا؟ لأننا أردنا العزة بالشعارات، فأبى الله أن تكون إلا بما سنَّ في كتابه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
[فاطر:10] العزة في طاعة الله، والعز في تحكيم شريعة الله، العزة أن يقتل القاتل ضربةً مريحةً بالسيف، العزة أن تقطع يد السارق، العزة أن يجلد شارب الخمر، العزة أن يجلد الزاني البكر، العزة أن يرجم الزاني المحصن، العزة أن نجد الإسلام مهيمناً في جميع مجالات حياتنا، وإياكم الخداع مع أنفسكم، إن أغبى القوم من يخادع نفسه وهو يرى الحق في طريق ويحاول أن يلتمس نصراً أو فرجاً من طريق آخر.
مادام الأمر كذلك، وأن العزة ليست بالصيحات ولا بالشعارات، فقد نرى عزيزاً صامتا لا ينطق بكلمة واحدة، ولكن قلبه يتكلم:
قل لمن عاب صمتـه خلق الحزم أبكما |
وأخو الحزم لم تـزل يده تسبق الفما |
لا تلوموه قد رأى منهج الحق أظلما |
وبلاداً أحبها ركنها قد تهدما |
وخصوماً ببغيهم ضجت الأرض والسما |
فإذا وجدت العزة، وجد الاستعلاء على ركام الدنيا وطواغيت الأرض.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب وتوبوا إليه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، التقوى: أن تراقبوا الله في السر والعلانية، وأن تجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة: كأني بكل مسلم يهتف ويقول: أين هذه العزة التي تتحدث عنها؟ أين هذه العزة التي جاوزت عنان السحب؟ أين هذه العزة التي بلغت علياء السماء؟
نقول: إن العزة في كتاب الله، إن العزة في دين الله، إن العزة في العودة إلى الله، وإن أبسط مثال جزئي على أمر العزة، حينما تكون عزيزاً في نفسك وعلى نفسك، يوم أن تتزين لك معصية من المعاصي، إن كنت ذليلاً قادتك كلمة خفض صوتها، وقادك منظر مبهرج مزيف، وقادتك شهوة بطن وفرج.
وإن كنت عزيزاً في نفسك، فإنك تعلو وتستعلي على نفسك، وعلى شهوة وفتنة ومعصية تزينت وتزخرفت أمامك، فإن من ملك العزة في نفسه، حري أن يكون مالكاً لها على أي مستوى كان، ومن فقد العزة في نفسه فلن يستطيع أن يمنح أمته عزة، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، وإنك لا تجني من الشوك العنب.
إن المعاصي أعظم ذل يلبسه الإنسان نفسه، إن الإصرار على المعصية أعظم ذل يلبسه الإنسان نفسه، فإذا لبس الإنسان ثوب الذلة، فكيف يريد أن يعطي أمته عزة.
يقول أبو عبد الله الحسن البصري: [إنهم وإن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم البراذين، إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه] إن العزة قد تكون في مسلم ثوبه خلق، قد تكون في مسلم لا يملك من متاع الدنيا إلا قليلاً، ولكن:
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام |
فأول مصدر من مصادر العزة: العقيدة الحقة، ويظهر صدق الاعتقاد بهذه العقيدة حينما تعرض على محك الفتن وحرارة الابتلاء، يوم أن هدد شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأرادوا منه أن يقول ما يريد القوم، قال: ماذا تفعلون بي؟ ظهرت العزة بصدق العقيدة عند حرارة الابتلاء، قال: ماذا تفعلون بي؟ أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة للعبادة، عند ذلك يحير الطواغيت في أعزاء المسلمين، لا يعرفون ماذا يفعلون بهم، يوم أن يروا مسلماً عزيزاً في نفسه، وإن وضع السيف على رقبته، أو سلط الرصاص على صدره، أو جعل اللغم في طريقه، أو وجهت الدبابة إلى وطنه، يوم أن يكون مالكاً للعزة فإنه لا يتردد ولا يتأخر أبداً.
فلما ذهبوا وجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمه، قال عمه: يا ابن أخي إني قائل فاسمع، إن قومك جاءوا يشكون إلي حالهم بما أغريت بهم سفهاءهم، وجرأت عليهم صبيانهم، وسببت وشتمت آلهتهم، وإنهم يعرضون عليك أمراً؛ إن كنت تريد مالاً أو جمالاً أو ملكاً أو جاهاً، فماذا فعل نبي العزة الذي امتحنت عزته بالتغريب والتهريب؟ استعبر صلى الله عليه وسلم وانحدرت من عينه قطرات كاللؤلؤ على خد شريف، وقال: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، والله ما أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو تندق هذه السالفة) فلما رأى عمه هذه العزة فيه بكى واستعبر، وقال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا |
هذا النبي المؤمن علم كافراً عزة، إننا يا عباد الله بحاجة إلى العزة، إننا نريد أن نشم روائح العزة، إننا نريد من كل مسلم وإن كان غريباً عن الوطن وبعيداً عن الدار ونائياً عن الأهل، نريده أن يشعر أنه لم يفقد شيئاً واحداً ألا وهي العزة يا عباد الله.
فقال لهم -وكان نحيلاً قد هده السجن والتعذيب-: إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في كل يوم خمس مرات يرفض أن يكتب حرفاً واحداً يقر به حكم طاغية.
الله أكبر يا عباد الله! مكبلٌ بالحديد، نحيل الجسم من التعذيب، قد أضناه التعذيب وتفننوا فيه، ومع ذلك يجدون عزةً نافست قمم الجبال ارتفاعاً.
فيا معاشر المسلمين! إننا بحاجة إلى العزة في نفوسنا حتى نستعلي على الشهوات والمعاصي والذنوب التي يصر كثير من المسلمين عليها، وما علموا أن المعصية هي التي تورث الذلة، يقول ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلـوب وقد يورث الذل إدمانها |
وترك الذنوب حياة القلـوب وخير لنفسك عصيانها |
ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة..) اشتغلتم بالبيع والشراء وتركتم الجهاد، يقوله النبي لأمته من ذلك الزمان إلى يومنا هذا: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) فإذا كانت الذلة بترك الجهاد فلا عزة إلا به، لا عزة إلا بقول الله: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً
[التوبة:41] لا عزة إلا بقول الله:
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ
[التوبة:14].
فيا معاشر المؤمنين: إن كل أمة من الأمم ليست محرمةً على الذلة إن هي تركت العقيدة والجهاد، أليس أبو عبد الله الصغير آخر ملك من ملوك غرناطة ، وصله النصارى حتى بلغوا داره وأخرجوه، وأخذ يبكي على غرناطة ، وهو يُخرج منها ويتلفت إليه مودعاً ويقول: وداعاً يا غرناطة ! وداعاً لا لقاء بعده، ثم أخذ يبكي، فقالت له أمه:
ابك مثل النساء ملكاً عظيمـاً لم تحافظ عليه مثل الرجال |
وقد كنا في ما مضى بعد أن اشتدت سيوف المسلمين في أجنادين واليرموك وفتوحات الشام، خرج هرقل فاراً بنفسه وهو يبكي، يودع سوريا ويقول: وداعاً يا سوريا! وداعاً لا لقاء بعده.
يوم أن تمسك المسلمون بدينهم، ووثقوا بعقيدتهم، ورفعوا الجهاد في سبيل الله، جعلوا الأعداء يودعون الممالك، ويوم أن تركنا ديننا، تسلط علينا الأعداء، ولكن عوداً حميداً، سنعود بإذن الله جل وعلا، ونسأله سبحانه وتعالى أن يمكن المسلمين من رقاب أعدائهم، وأن يشفي صدورهم منهم.
معاشر الأحبة: وواقع العزة يظهر في هذا الزمان، جاء مبعوث من أحد الدول العظمى يفاوض قائد المجاهدين عبد رب الرسول سياف، وأبى ذلك القائد أن يقابله؛ لأنه يعرف أنهم إنما جاءوا ليلعبوا بقضيته، بعد أن سفك دم مليون أفغاني، فلا تحفروا شبراً من أرض الجهاد إلا وفيه شلوٌ ممزع أو أنملة أو يد أو قدم أو ساق، ولا تجد وردة أو شجرة إلا وخالط ماءها دم ساعد في إنبات هذه الشجرة.
جاء ذلك المبعوث قال له: يا سياف! أنت رجل دموي، أنت رجل سفاح، أنت تريد استمرار الحرب، لماذا لا ترضى بالحكومة الائتلافية؟ لماذا لا ترضى بالقاعدة العريضة؟
فلما ختم كلامه التفت إليه ذلك القائد، قال له: هل قتلت أمك في أفغانستان؟ قال: لا، قال: هل قتل أبوك في أفغانستان؟ قال: لا، قال: هل انتهك عرض بنتك في أفغانستان؟ قال: لا، قال: هل يتموا أطفالك في أفغانستان؟ قال: لا، وكان هذا اللقاء يحضره ضياء الحق رحمه الله وحميد قلف.
قال: مادام الأمر كذلك، كيف تدعوني أن أرضى بهذه الحكومة المختلفة المؤتلفة، ذات القاعدة العريضة التي تسميها بعد أن مضى من أبنائنا مليون ونصف المليون من الشهداء، وثمانمائة ألف يتيم، وسبعمائة ألف معوق؟ قم عني، ووقف على قديمه ورفع يده يريد أن يصفعه، قال: قم عني، والله لأضربنك ولأصفعنك صفعة حتى يتحدث التاريخ أن مسلماً أفغانياً صفع كافراً، وقام ليضربه فأمسك بيده ضياء الحق وحميد قلف.
وقابلته وسألته، قلت: هل كنت عازماً على ضربه؟ قال: والله لقد عزمت أن أمده على الأرض، وأن أطأ برجلي على صدره، كيف يتجرأ بعد مليون ونصف المليون من الشهداء ومن اليتامى ومن الثكالى والمعوقين أن أبيع قضية الأمة؟ إن نجوت معه فكيف أنجو من دماء ومن حجة هؤلاء بين يدي الله جل وعلا؟
وعادوا إليه مرة أخرى يقدمون مساعدة من القمح، فقال: جزيتم على ما فعلتم مساعدة إنسانية نقبلها، فقال ذلك المندوب: لا، نحن نوزعها في مخيمات اللاجئين والمهاجرين، قال: إن الأفغان لا يرضون أن يقدم أحد لهم شيئاً، قدم ما عندك ونحن نتصرف فيما بيننا، قال: لا بد أن نشرف على توزيع هذا، قال: يا مسكين! إن كنت تظن أنك الزعيم فلان، وتظن أنني علان فذاك أمر آخر، لكن إن لم تقبل هذا، فاخرج أنت وقمحك الآن، وقال له: إننا قد نصبر عن الطعام والشراب، لكننا لا نصبر عن العزة يوماً واحداً.
فيا معاشر المؤمنين: لن يأتي أتوبيس اسمه أتوبيس الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو منظمة العدل، ويقول: هيا إلى بلادنا نعود إليها فاتحين من جديد! لا، نحن لا نسفه أحلام الجهود الدولية، ولن نجيرها أونجعلها هدراً وعبثاً، نقول: نسأل الله أن يبارك في هذه الجهود، ولكن اعلموا أن الجهود الدولية لا تمنعنا من طرح حلنا، إن الجهود الدولية لا تمنع الشباب المسلم أن يطرح الحل الذي به تعود الكويت، ألا وهو الجهاد في سبيل الله.
معاشر المؤمنين: لا أقول ليحملن كل واحد رشاشاً ويذهب به منفرداً، فهذا خلاف ما أمر الله، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً
[النساء:71] وثبات: جمع ثبة وهي الفئات الصغيرة المنظمة، فينبغي ألا يتصرف أحدٌ تصرفاً فردياً، ولكن أين القادة؟ أين قادة العمل الإسلامي في الكويت؟ وأين دعاة الإسلام في الكويت؟ وأين رجال الكويت ؟ لقد قابلت منذ ثلاثة أسابيع قلب الدين حكمتيار في مكة المكرمة وقت مجيئه للمؤتمر العالمي الإسلامي، وقلت له: يا قلب الدين! ما ترى ما حل بنا وبإخواننا في الكويت؟ قال: أرسلهم إلي، والله بهذه العبارة، قال: اجعلهم يأتون إلي، وأنا أخبرهم كيف فجرنا الجهاد بمسدس وببنادق صيد وحجارة.
فيا معاشر المؤمنين: عليكم أن تربوا النفوس تربية طيبة، وإن تأخر فتح باب الجهاد ساعة أو شهراً أو زمناً قليلاً، لكن هذا لا يعفي ولا يغني من الإعداد للجهاد: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً
[التوبة:46] إن كنا صادقين للجهاد، فلنعد للجهاد عدة بفقه الجهاد في الكتاب والسنة وسير المجاهدين، وما أعد الله للشهداء، وأنتم يا شباب الكويت! يا دعاة الكويت ! إن دوركم لا زال مستمراً في صفوف شبابكم، وحفظ أوقاتهم، وجعلهم يتمسكون بكتاب الله وسنة نبيه، وعلى المرأة المسلمة الكويتية، وعلى الداعية المسلمة دور عظيم في نشر الخير والفضيلة والأدب والحشمة والحياء، ولها دور عظيم في إعداد أبنائها، وتربية شبابها؛ لعلها يوماً ما أن تقدم شهيداً من الشهداء يكون شافعاً لها عند الله يوم القيامة.
فيا معاشر المؤمنين: إن الكويت لا يحررها الفن والطرب، والله لقد أدمى قلبي مقالاً صحفياً في إحدى الجرائد، إن الفنانين يصرون على تحرير الكويت بحناجرهم الذهبية من استوديوهات القاهرة ، متى أصبح الفتح على أنغام الموسيقى؟ متى أصبح النصر على أنغام الموسيقى؟ والله ليس هذا بفتح ولا نصر، ولكن:
يقضى على المرء في أيام محنتـه حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن |
شباب الكويت: العودة العودة إلى الله، وتربية النفوس على الجهاد، والدعوة إلى الله في صفوف الشباب.
فإن الشباب والفراغ والجـده مفسدةٌ للمرء أي مفسده |
إن تركنا أنفسنا لا تتركوا إخوانكم، لا تدعوهم.
لا تتركوهم للضياع فريسـةً ترك الشباب أساس كل الداء |
إخوانكم لا شيء أغـلى منهم لا شيء يعدلهم من الأشياء |
لا تتركوهم للضياع فريسـةً ترك الشباب أساس كل الداء |
هي مهمة كل داعية ومسلم ومسلمة، وكل غيور، وكل من في هذه البلاد لذلك الوطن الذي استظللتم بسمائه، وافترشتم أرضه، ونعمتم بخيراته، له حق عليكم أن تجتهدوا في الجهاد والدعوة لكي يعود بإذن الله عوداً منيعاً عزيزاً.
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، واسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى؛ أن يردنا إلى الكويت رداً قريباً، نسألك اللهم أن ترد الكويت وأفغانستان، وفلسطين وجميع أرض المسلمين أجمعين.
اللهم إنا نتوجه إليك وأنت في عليائك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تدمر أعداء الدين، وأن تهلك الفجرة والمفسدين، اللهم من أراد شباب المسلمين بسوء، وأراد بنسائهم تبرجاً وسفوراً، وأراد بهن اختلاطاً، وأراد بعلماء المسلمين مكيدة، وبولاة أمورنا فتنة، اللهم أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، واجعل سلاحه في صدره، وشتت جمعه، وفرق شمله، وأرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين.
اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم أحيينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم نسألك الشهادة في سبيلك، اللهم نسألك الرضا، اللهم اقبضنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا راكعين ساجدين، اللهم لا تقبضنا على المعاصي والفتن وحزايا أو مفتونين، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لغائبٍ حبيباً إلا رددته له، اللهم لا تدع لنا كسيراً إلا جبرته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر