أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله حق التقوى.
أيها الإخوة: نقف اليوم مع حديث عظيم من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظ، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
عباد الله: الأمور مقدرة، والآجال مؤجلة، والأرزاق مقسومة، والفرص محدودة، والأنفاس معدودة، وكل شيء بأجل مسمىً عند الله سبحانه وتعالى، فلنحسن ما بيننا وبين الله سبحانه وتعالى؛ فعند ذلك لا نخشى شيئاً قل أو كثر.
أيها الإخوة: هذا حديث عظيم وجليل ينبغي أن ننتبه له وأن نجعله مقياساً دقيقاً في أعمالنا كي لا نقع في رضا الخلق بسخط الخالق؛ ولكي نستطيع أن نكسب رضا الخلق فعلينا بطاعة الله سبحانه وتعالى.
أيها الإخوة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون هاجساً وحديثاً وعملاً وهمة في نفس كل مسلم، ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملاً دائماً نشغل أنفسنا به؛ لأن ذلك دليل على إخلاصنا ومحبتنا لربنا، وغيرتنا أن يعصى الله أمام أعيننا، ومحبتنا أن يكون الخلق كلهم مطيعين لله سبحانه وتعالى.
يقول أحد السلف: وددت أن هؤلاء الخلق أطاعوا الله ولو قرض لحمي بالمقاريض. يريد أن يكون الناس في عبادة لله سبحانه وتعالى، وعدم عصيان لله سبحانه وتعالى ولو قرض لحمه بالمقاريض، انظروا الغيرة والإشفاق والمحبة لعباد الله سبحانه وتعالى!
ولقد كان السلف الصالح يعتنون بموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عناية عظيمة، حتى إن بعضهم مع مجافاته وعدم محبته للمناصب والولايات يلزم نفسه أو يضطر لأن يتولى ولاية معينة فيها أشد الحساب ألا وهي القضاء، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول ابن رجب: وكان بعض الصالحين يتولى القضاء، ويقول: أنا لا أتولى القضاء إلا لأستعين به على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أيها الإخوة: لا أظن بعد هذا -وقبل هذا في نفوسنا- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى تردد، أو مشاورة أو اتخاذ قرار أو دراسة، فالأمر وارد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبه صلاح الأمة، وبه نجاتنا وفوزنا وفلاحنا.
كذلك يا أخي المسلم! حينما تتسلح بالصبر في هذا الأمر المهم ينبغي أن تكون متصفاً بأمر آخر وهو الذي يجعل العباد يتأثرون بأمرك، ويقبلون كلامك، ويمتثلون ما تأمرهم به من أمر الله سبحانه وتعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، ألا وهو الإخلاص فهو مفتاح الانقياد للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فالإخلاص يجعل هذه الكلمات مفاتيح سحرية شفافة تدخل إلى قلوب مغلقة فتفتحها، ثم توصل هذا الكلام إليها فتتأثر وتتفاعل، وهنا نتهم أنفسنا، ونتهم إخلاصنا؛ لأننا عرفنا أن الصحابة والسلف الصالح وعلماء الأمة كانوا يقفون في موقف واحد، أو في منبر واحد، أو في مكان واحد، فيعظهم ويأمرهم وينهاهم فتجدهم متأثرين يبكون خاشعين مخبتين، ما بالنا كثرت خطبنا، كثر كلامنا، كثرت محاضراتنا، كثرت كلماتنا ولا يتأثر إلا أقل القليل.
أيها الإخوة: لنتهم أنفسنا، فإخلاصنا فيه دخن.
يقول الحسن البصري: [الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم] فالإخلاص الذي هو مفتاح سر الانقياد قد أوتينا من قبله، أو قد دخل علينا منه، فينبغي أن نحاسب أنفسنا وأن ندقق في أمورنا.
أيها الإخوة: حينما نعلم أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نتيجته أن ينتشر الباطل ويتكاثر أصحابه ويتجرءون على أهل الخير والصلاح، ويجرءون في السخرية، ويجدون في الاستهزاء بهم، أيرضى المسلم أن يقع هذا لدينه وأبناء دينه؟! لا والله. إذاً: ما هو السلاح لصد هذا الأمر؟ هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسأضرب مثالاً كلنا نعرفه: منذ فترة كان الذي يُذكر عنه في بيته أن عنده عوداً إنساناً يتحدث به في المجالس، والآن يتجرأ كثير من الشباب ويخرج بهذا العود ويقف على قارعة الطريق مع شلة من الشباب، ثم يبدأ يعزف وقت الصلاة، يؤذن للصلاة وتقام الصلاة وينصرف الناس وهؤلاء على لهوهم وباطلهم، وقد كان أصحاب المنكر لا يستطيع واحد إظهاره، بل أن بعضهم يخرج العود في خيشة، وهي: كساء من الليف؛ خشية أن يظن أن في بيته عوداً، والآن بكل بجاحة وجرأة يقف على قارعة الطريق، والسبب في ذلك نحن؛ لأننا رأينا أول واحد وثاني واحد وعاشر واحد ولا نقف في وجهه إلا ما ندر، وما وجد من يقول لهؤلاء الشباب: اتقوا الله الذي جعل لكم السمع والبصر، لو شاء الله لأشل هذه الأصابع التي تعزف بها وتتفنن بالعزف بها، لو شاء الله لجعلها مشلولة فما استطعت أن تحركها، إذا لم تقلع عن هذا المنكر فكن مختبئاً، لا تجاهر بالمنكر، فإن أنكر المنكر أن يجاهر المرء به، وإن أفسق الفسق أن يجاهر الفاسق بفسقه.
والمنكر في تغييرنا له حالات: إما أن يستجيب، وإما ألا يستجيب المدعو، وإما أن يكون في تغيير هذا المنكر منكر أعظم منه، فالواجب علينا في تلك اللحظة ألا نغير هذا المنكر، وأن نتركه حتى حينه، نكون أصحاب موازين ومقاييس، أصحاب فقه وحكمة: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269] ينبغي أن نعرف وأن نعلم إذا غلب على ظننا حينما نأمر بهذا الأمر أو ننهى عن هذا الشيء، أنه سيفضي إلى مفسدة عظيمة فينبغي أن نترك الأمر، إذا تساوى الأمران، قال بعض العلماء: تنكر، وقال بعضهم: لا تنكر، والواجب بل الأرجح أن الإنسان ينكر، أما ما دون ذلك فالإنكار لا شك مطلوب، فينبغي أن يكون لدينا فقه ومعرفة.
ذات مرة جاءني أحد الأصدقاء الذين أعرفهم ووجهه قد أدمي، وفي وجنته بعض الجراحات، وأخذ يبكي، فقلت له: يا أخ فلان! ما الذي بك؟ أخذته العبرة ثم بعد ذلك سكت أو سكن مما بخاطره وسألته، قال: لنا جار يبني عمارة، وكان عنده عمال لا يصلون، فجئت ودخلت على العمال في العمارة، ولعله صار بينه وبينهم شيء من رفع الصوت والغلظة والجدال، فما كان من صاحب العمارة ومعه أناس آخرون إلا أن أمسكوا به وضربوه وجلدوه وفعلوا به فعلاً لا يفعل بمسلم، ثم بعد ذلك أخرجوه، فقلت له: يا أخي: كان من واجبك أن تتبع أسلوباً لطيفاً رقيقاً، وفي هذه الحالة: أيهما أفضل أنك أنت الآن يستهزأ بك ويتمسخر بك أمام هؤلاء الفسقة الذين ضربوك، أو أنك اتخذت الأسلوب الأمثل فذهبت إلى الهيئة وقلت: هناك أناس أنا أخشى منهم مثلاً -إلا أن يكون مفادياً بنفسه لله؛ فذلك أجره على الله- لكن أقول ذلك لأستشهد للحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن: (لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه، قيل: كيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق) إذا كنت صبوراً وتتحمل وتصارع وتجادل أهل الباطل وتصرعهم وتذلهم نقول: أعانك الله على هذا التغيير، لكن أنت لا زلت شاباً صغيراً تدخل على مجموعة في بيت الله فلا تعرض نفسك لشيء لا تطيقه.
إذاً: لا نقول: من واجبك أن تسكت، ولكن أن تأخذ من هو أكبر منك، إمام المسجد، عمدة الحي، إنسان مسئول، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة، وتقول: هؤلاء لا يصلون، وعند ذلك إذا سلكت هذا الأسلوب تكون بإذن الله جل وعلا قد أديت الواجب وحفظت نفسك، ولم تعرضها لما لا تطيق من البلاء.
إذاً: من واجب الإنسان أن يكون قدوة صالحة حتى يكون لكلامه وقع وأثر على النفوس.
إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد |
المعصومون هم الأنبياء: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32] ليس هناك أحد يسلم الصغائر إذاً: فلا تكن هذه المسألة حجة.
كنت أعرف صديقاً، من حسن صفاته أنه كان دائماً إذا صلى في مسجد استأذن إمام المسجد أن يلقي كلمة، فيقوم يلقي كلمة يتأثر بها كثير من الناس الحاضرين، وبعد مدة ترك هذا الشيء، وسألته: يا أخ فلان! مالك؟ قال: يا أخي أنا أرى نفسي مقصراً في بعض الأمور، إذاً: يا أخي! عالج نفسك ولا تحرم الناس هذا الخير، ولا تحرم نفسك هذا الأجر والثواب، انظروا هذا المدخل الشيطاني!
أيها الإخوة: لا يأتي الشيطان إلى أحدنا ويقول له: من أنت؟ لست بعالم، ولست بكامل، وفيك وفيك من الذنوب ما الله به عليم، نقول: لا. أنا أستغفر الله وأتوب إليه، وأجاهد نفسي، وما دمت حياً فأنت في جهاد مع نفسك، لأن هناك شيطاناً يجاهدك، وهوىً متبعاً، ونفساً أمارة بالسوء، كلها ستجاهدها في وجه الله وفي طاعة الله سبحانه وتعالى، فلا يكون ذلك مدخلاً عليك في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأعطيك مثالاً على ذلك: رجل دخل المسجد وقت نهي، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في أوقات معلومة، ويستثنى من ذلك بما هو معلوم، يستثنى قضاء الفوائت، يستثنى أشياء معينة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) جاء إنسان بعد صلاة العصر، وصلى ركعتين، يأتي واحد يمسكه ويقول: لا يجوز يا أخي، لا يصلح، ثم تقعد تبلج في حلقه، لماذا هذا كله؟ لأن هذا وقت نهي، فنقول: اتركه يا أخي! المسألة وارد فيها الدليل، وهناك من الصحابة من رأى هذا الرأي، ومن الصحابة من رأى الرأي الثاني، فالمسائل الخلافية التي جاءت الأدلة فيها بالتوسيع على الأمة، ينبغي ألا ننكر فيها؛ لأنه قد يغلب على ظننا أو بالأحرى نظن لهذا الرجل أنه قد أخذ بدليل هذا الشيخ أو بدليل هذا العالم، إذاً فالمسألة ورد فيها عدة أدلة، وعند ذلك لا ينكر أي: لا يشدد النكير بعضنا على بعض، بإمكانك إذا كان طالب علم أن تتناقش معه، تقول: أنا أريد أن أستفيد، والرسول نهى عن الصلاة في هذا الوقت، وذلك إذا كنت تستدل عليه فهو يقول لك: إنها من ذوات الأسباب، أو كذلك العكس، فعند ذلك إذا كان في المسألة مجموعة من الأدلة، والمسألة خلافية بين العلماء، فلا ينبغي أن نشدد النكير فيما اختلفنا فيه.
وكذلك أن يكون: عدلاً بالجملة، وليس عدلاً بالدقيق والجليل، لأن العدالة الكاملة شبيهة بالعصمة والعصمة للأنبياء، والكمال لله تعالى.
من شروط هذا المنكر الذي ننكره أن يكون منكراً فعلاً، ليس -كما سبق- قد تكون المسألة فيها أقوال متعددة، فعند من لا يرى هذا الأمر يعده منكراً، فلا.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه علم أن منكراً في بيت رجل، فتسور عليه الباب وأطل عليه، ووجده فعلاً على منكر، فأمره عمر بن الخطاب بالمعروف ونهاه عن المنكر الذي هو فيه، فقال ذلك الرجل: يا أمير المؤمنين! لقد أنكرت منكراً ووقعت في ثلاثة منكرات، المنكر الأول: أنك تجسست علي والله سبحانه قال: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تحسسوا).
الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قال: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27].
والأمر الثالث: أن الله جل وعلا قال: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189] وأنت تسورت الجدار يا عمر وما أتيت البيت من الباب، فرجع عمر ، وكان وقافاً عند كتاب الله.
إذاً: من شروط إنكار المنكر الرؤية، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى) ما قال من سمع بمنكر يعني: يذكر له منكر، لا. رأيت أو علمت هذا المنكر بحاسية شخصية منك، عند ذلك وجب عليك، إلا أن يكون مسئولاً تحت سلطتك وتحت يدك من رجال الأمن ومن هم مكلفون بمعرفة هذا الأمر، وبلغت هذا الأمر، لا تقول له: اصبر حتى آتي أنظر بنفسي، لا. هؤلاء مكلفون، وهؤلاء في مكانك وفي مكان ولي الأمر لمعرفة هذه الأشياء.
أيها الإخوة: وكما قلت: نحن بأمس الحاجة إلى الأسلوب اللطيف بالتغيير، وبأمس الحاجة إلى الأسلوب الجميل في الدعوة إلى الله، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] أسلوب التغيير ينبغي أن يكون بالأسلوب اللطيف، أسلوب النصيحة، أسلوب الإشفاق، أسلوب المحبة والمودة.
كذلك إذا أردت أن تنصح أقواماً ومن بينهم مجموعة كلنا يعلم أنك تقصد فلاناً في الصف الرابع من المجلس فهذا لا يجوز، كان صلى الله عليه وسلم إذا أنكر أمراً قال: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) إذاً: فلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فالله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون الذي تجبر وطغى وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وقتَّل بني إسرائيل وفعل وفعل، قال الله لموسى وهارون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] والله سبحانه وتعالى يقول لنبيه: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] فلا بد من اللطف واللين، لابد من المشاورة، والتقدير والاحترام حتى أثناء الإنكار، حتى أثناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأسلوب النبي صلى الله عليه وسلم نموذج نسوقه الآن في إقناع الإنسان، وفي أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، جاء شاب وقال: (يا رسول الله! ائذن لي بالزنا، فهم الصحابة أن يقتلوه، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه، اتركوه، فجاء ومسح على رأسه، فقال: أترضاه لأمك؟! قال: لا. أترضاه لأختك؟! قال: لا. أترضاه لخالتك؟! قال: لا. وكان كلما قال له: شيء قال: لا. فكان الرسول يقول له: فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لعمتك؟! قال: لا. قال: فإن الناس لا يرضونه لعماتهم، ثم مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على رأسه أو قلبه ثم قال: اللهم حصن فرجه -ودعا له بدعوات- قال: فما فارق الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والزنا أبغض شيء إليه) الأسلوب الجميل في الإنكار له الأثر العظيم.
جاء أحد الوعاظ إلى أحد الخلفاء وأغلظ عليه في الموعظة، فماذا قال الخليفة؟ ضجر وقال: على رسلك، فقد بُعث من هو خير منك إلى من هو شر مني، بعث موسى إلى فرعون ومع ذلك قال له الله سبحانه وتعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44].
ويذكرون أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله رحمة واسعة كان له جار يسكر أحياناً، فيقول إذا سكر وانتشى واضطرب:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر |
كما نقول: ينتفل، فافتقده ليالي، ثم ذهب إلى دار الحسبة أو المحتسب، فإذ بالرجل قد شرب الخمر وسجن، فبعد أن شفع فيه الإمام أبو حنيفة ، والمسألة لا شك متعلقة بإقامة الحد عليه، وخرج وجاء الإمام أبو حنيفة وسأل عن حاله وخرج به، قال: يا فتى! وهل ضيعناك، أنت في كل ليلة تقول:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر |
ها نحن أتينا نسأل عنك فهل ضيعناك؟ فعجب الرجل، ذلك سبباً في تركه للخمر، وبغضه لها، وأصبح ذلك سبباً في هدايته واستقامته بسبب هذه التصرفات والفعال الطيبة.
أيها الإخوة: ينبغي أن يكون الدافع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى، ينبغي ألا يكون إنكارك للمنكر للتشفي من هذا الإنسان، لأنه في يوم من الأيام أخطأ عليك فأردت أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر أمام أناس حتى تتشفى أو تشفي غليلك منه أمام هؤلاء الحاضرين، عند ذلك والله لا يقبل منك ما لم يكن دافعك لهذا الأمر هو إخلاصك لوجه الله سبحانه وتعالى، وأن يكون دافعك لهذا الأمر هو محبته والإشفاق عليه، وعدم الشماتة به، عند ذلك يكون لأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر أثر مهم جداً ويكون له فائدة في نفس الرجل.
أيها الإخوة: هذه جملة مما قرأته وكتبته في هذا الموضوع، وأفدت نفسي والله، والسبب والفضل لله ثم لكم أن كلفتموني بهذا الأمر.
أسأل الله جل وعلا أن أكون قد أفدت إخواني بما قدمت، وكل ما تسمعونه إن كان صواباً وحقاً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان.
أسأل الله جل وعلا أن يجنبنا وإياكم ما يسخطه، وأن يعصمنا عما يغضبه، وأن يوفقنا إلى ما يرضيه، وأن يجعل اجتماعنا هذا مرحوماً، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل للشيطان والنفاق والرياء فيها نصيباً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: لا شك أن في ذلك إثماً عظيماً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] قال العلماء: لو علم الله شيء أدنى من الأف لنهى عنه في خطاب الوالدين: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] وأنت يا أخي تقول: أنا أرفع صوتي على والدي وعلى والدتي، لا يجوز لك أن ترفع صوتك، وقولك: للشر الذي أتوقعه، يمكن في ظاهر تصورك أنه شر، وإلا فإن الوالدين لا يضمران لابنهما شراً إطلاقاً، فالوالد له قلب حنون كأنه أغصان شجرة في مهب الريح فيخشى على ولده، وحينما يقسو عليه فإن قسوته هذه من فرط المحبة
قسا ليزدجروا ومن يك راحـماً فليقس أحياناً على من يرحم |
فلا يجوز لك أن ترفع الصوت، بل من واجبك أن تخضع وتطأطئ رأسك، وأن تسمع والدك، فإذا انتهى والدك من كلامه تقول: الله يغفر لك يا والدي، الله يجزيك الجنة، الله يعينك على طاعته، بكل كلام جميل من الثناء والدعاء حتى تتألف قلب والدك؛ لأنك مهما فعلت فلن تبلغ معشار ما قدم لك، إذاً: لا يجوز لك أن ترفع صوتك عليه على الإطلاق.
الجواب: الواجب علينا لهذا الأخ هو الدعاء، وأرجو من الإخوة أن يأمنوا: نسأل الله جل وعلا، الحليم العظيم، رب العرش العظيم، رب السماوات ورب العرش الكريم أن يمن على والده بالهداية، نسأل الله أن يمن على والده بالهداية، وأن يرده إلى الطاعة والصلاة والعبادة رداً جميلا، هذا واجب الأخ علينا أن ندعو له، وأقول لك أيها الأخ: لا تدخر وسعاً في نصح والدك، ولكن بالأساليب اللطيفة، نشرات عن حكم ترك الصلاة تعطيها إياه، تستطيع أن تجابه والدك مجابهة بغير العنف، وأن تتحدث معه بكل رقة وبكل لين، يا والدي! لك الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في وجودي في هذه الدنيا، ومن تمام محبتي لك أن أنصحك، يا والدي! الصلاة عمود الدين، ورأس الأمر في الإسلام، يا والدي! ما كلفك الله إلا بخمس مفروضات، هون عليه المسألة رويداً رويداً، يا والدي المسألة كذا، كذلك من تعرف من أبناء عمك، من أخوالك، من أعمامك، من أصدقاء والدك، من إمام المسجد إذا كان له علاقة بالوالد، أو أردت أنه يكون له دور التأثير على الوالد، المهم أن يعلم الوالد منك فعلاً صدق المحبة، وصدق الاحترام، وفي نفس الوقت لا يشعر الوالد أن الابن يفتخر عليه، هذا مستقيم متدين يصلي وهذا فاسق لا يصلي، لا يشعر منك والدك بهذا الأسلوب إطلاقاً، ينبغي أن تشعره بكل أسلوب يفضي إلى الاحترام والمودة والتبجيل والإجلال، يشعر الوالد أن قصدك محبته، وإن شاء الله تكون النصيحة سبباً في نجاته من النار ودخوله في نعيم الله سبحانه وتعالى.
أيها الأخ: بهذا الأسلوب وبكل أسلوب تستطيعه، ضع عند سريره مثلاً أو عند المسجل الذي يستمع شريطاً عن حكم ترك الصلاة، أرسل النشرات هذه وضعها في مكانه، أو عبر من تعرف من الأقارب والأصدقاء، وعند ذلك سيكون لك الأجر العظيم.
أيها الإخوة: أنا أعرف شاباً أسأل الله أن يكثر من أمثاله، كان شاباً عادياً، وإخوانه عاديين جداً بل يمكن يميلون إلى شيء من الوقوع في المعاصي، هداه الله سبحانه وتعالى، ليس هو أصغر إخوانه، بل هو وسط بينهم، لكن هذا الشاب لما أن منَّ الله عليه بالهداية وحفظ كتاب الله، تأثر والده أثراً عظيماً، وذلك بأسلوب التقدير والاحترام، كان يقدر والده ويحترمه، إذا قدم والده قبل يد والده وقبل رأسه وسلم عليه، وإذا أراد والده أن يخرج قدم نعاله أمامه، وإذا أراد أن يخرج هو ووالده لا يدخل قبل الوالد؛ مراعاة للأدب الكامل، ألا تلاحظون أدب الخدم مع الملوك، كان يفعل بوالده أشد من ذلك، فتأثر هذا الوالد تأثراً عظيماً وأطلق لحيته وهجيراه وديدنه وطبيعته -هذا الوالد- كتاب الله سبحانه وتعالى دائماً يقرأه، يخرج من العمل، وإذا نام وأخذ قسطه من الراحة فتح كتاب الله وأخذ يقرأ، ويحب هذا الولد محبة عظيمة، وأثر هذا الشاب على إخوانه أيضاً.
وهكذا حينما يكون هناك إخلاص وصدق وحسن أسلوب، فإن المقاصد تتحقق بإذن الله؛ لأن الله وعدنا بها.
الجواب: كما قلنا فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال: أن يكون الآمر بالمعروف قدوة في نفسه وأهله وبيته وكلما يتعلق به، ومن واجبك أن تساره بالنصيحة فيما بينك وبينه، قد يكون غافلاً، قد يكون ناسياً، قد لا يأبه لهذا الأمر، فمن واجبك أن تركز على هذا الأمر بأسلوب ودي، وإذا كنت تعرف أنه قد يضجر منك، أو قد يمل منك أو يفضي ذلك إلى كراهية، انظر إلى إنسان آخر آمر بالمعروف وناه عن المنكر، وله به صداقة، تقول له: لو تكرمت يا أخي، أنا لي ملاحظة كذا، أسأل الله أن تكون ملاحظتي في غير محلها، لكن من باب براءة الذمة، بحكم أنك صديقه، تخبره بهذا الأمر، عند ذلك تكون -جزاك الله خيراً- قد بذلت ما في وسعك.
الجواب: فيما يتعلق بالمنكرات الموجودة في بيته من الملاهي والفيديو والأغاني والملاهي وغير ذلك، واجبك من الدرجة الأولى النصيحة بالأسلوب الطيب والحكمة والموعظة الحسنة، وإيجاد البديل، تهدي إخوانك مثلاً أشرطة مفيدة تهديهم شيئاً من القصص والأقلام والحاجات التي يشعرهم أنك إنسان كريم، وحبيب ولطيف وطيب في المعاملة، عند ذلك يكون عندهم استعداد لتقبل كلامك ونصحك.
يأتي شاب ما عمره أهدى لأخته هدية، عاش معها خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة، ما يوم من الأيام فكر أن يشتري مقلمة أو هدية صغيرة يعطيها لأخته، وإذا به يريد أن يأمرها كما يأمر السيد عبده، لا يمكن هذا، لابد أن يكون لك قاعدة تنطلق منها في الأمر، ألا وهي: قاعدة المحبة والمودة، إذاً: أوجد محبة أولاً ثم مر بما بدا لك، لابد أن نؤسس هذه القاعدة، فإذا فعلت هذا الأسلوب ولم تجد شيئاً وأظن إذا كنت جاداً وصادقاً وحريصاً فإن هذا الأسلوب ينفع إن شاء الله، عند ذلك إذا كنت تستطيع أن تغير بيدك؛ لأن هذه سلطة في داخل بيتك، نقول: جزاك الله خيراً، ولا يعني ذلك أن تأخذ الفاروع وتهد التلفزيون وتكسره وتأخذ الأشرطة وتكسرها، فقد يشترون بدل الواحد اثنين، وبدل الأشرطة أضعافها، وتكون مناورة فاشلة خاسرة، بل من واجبك أن تتنحى قليلاً ولا تكثر المجالسة، إذا كانوا جالسين على منكر لا تجلس معهم، إذا كانوا جالسين على غير ذلك فاجلس، لا تقطعهم مرة واحدة، فالقطيعة مع أهل البيت -مهما كان- خطأ، لكن إذا جلست معهم فليكن لك دور الناصح الواعظ، صاحب القصة الجميلة والطرفة المؤدية إلى هدف من أهدافك، الإنسان الذكي يستطيع أن يستغل الفرص أياً كانت.
الجواب: كما تفضل الأخ فيما يتعلق بالأمور الشرعية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [الأحزاب:36] ليس هناك اختيار أو آراء أو وجهة نظر، المسألة مسألة استجابة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] بالنسبة لهؤلاء الذين يستهزئون ونحو ذلك، إذا أردت أن تسأل عن حكم إصرارهم فيما يفعلون فهم على خطر عظيم، وقد يكون هذا الاستهزاء والعياذ بالله مخرجاً عن الإسلام والتوحيد، قد يكون مخرجاً عن الملة، قال الله جل وعلا: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [التوبة:65] أنت حينما تستهزئ بالملتحي تستهزئ بالصانع أم بالصنعة؟! تستهزئ بالخالق أم بالمخلوق؟ أنت حينما تستهزئ بهذا الإنسان الذي قد اتبع السنة في ثوبه، تستهزئ بالذي شرع هذه السنة أم تستهزئ بهذا الذي أطاع الله في طاعته وامتثاله؟ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] فلا يقبل العذر حتى كانوا يقولون: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب.
كما ورد في أحد الغزوات التي كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان المنافقون يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أقسى أفئدة إلى آخر تلك المقولة، يستهزئون بالقراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء في العصر الحاضر يستهزئون بالشباب الصالحين بتمسكهم وقراءتهم واستقامتهم، كان الواحد منهم يمسك بزمام الناقة والحجر يدمي عقبيه ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول على ناقته: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب، والقرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] حكم بكفرهم، إذاً فهذا المستهتر المستهزئ على خطر عظيم، وقد يقع في الكفر والعياذ بالله، فينبغي لكل من رأى هؤلاء المستهزئين أن يهمس لهم همسة لطيفة:
أنت تسخر من لحيتي.. من الذي خلقها أنا باختياري أم الله الذي أمرني بتوفيرها؟
أنت تسخر من ثوبي.. من الذي أمرني أن أتبع السنة فيه؟ الذي أمرني هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] إذاً: تسخر من وحي الله؟! لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] ذكره بالآية هذه وعند ذلك لا يتجرأ، والله لا يتجرأ مسلم مهما بلغ من ضعف الإيمان أو ضعف اليقين بعد قيام الحجة عليه، لا يتجرأ أن يستهزئ بملتزم في التزامه وبمتمسك في تمسكه بدين الله.
الجواب: ينبغي ألا تعصي والدك وألا تنقطع عن إخوانك؛ لأن إخوانك هؤلاء بإذن الله يكونون سبباً عظيماً ومهماً في استقامتك وصلاحك، وفي رقيك التعليمي وتقدمك، كثير من الشباب لولا أن الله منَّ عليهم بصحبة صالحة وإلا كانوا سوقة (أولاد شوارع) كما يقال، ضيعوا مستقبلهم في الدنيا والآخرة، لكن منَّ الله عليهم بجلساء طيبين، وكان منهم من ترك الدراسة وأوشك على الهاوية والانحراف، فبعد معرفته بهؤلاء الطيبين منَّ الله عليه ورجع وانتسب وواصل وتوظف وتخرج ونفع الله به أمته ومجتمعه وبلاده، وأهل بيته، وزملاءه، إذاً: ينبغي أيها الأخ أن تجتهد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وأن تقنع والدك وتشعره بمدى انتفاعك من زملائك خاصة فيما يتعلق بالدراسة والتدريس.
إذا كان هناك إمكانية أن تكون الدراسة والمذاكرة بعض الأيام في بيتك لكي يطلع والدك ويعرف فعلاً أنكم تذاكرون وتدرسون وتقرءون وتسترجعون وتتعاونون في هذه الأمور التعليمية فذلك خير، لأن الوالد لا يألو جهداً في جلب الخير إلى ولده، فإذا تأكد وتحقق له أن هناك مصلحة من اختلاطه بهؤلاء الصحبة الطيبة سيبعثه بل ويقول له: ما الذي أجلسك هنا اذهب.
أنا أعرف آباء صالحين بعد العصر يقول لولده: اذهب إلى المكتبة واستفد مع إخوانك، هناك آباء لما أدركوا وعرفوا هذا الأمر أحبوا ألا يتخلف أولادهم يوماً ما عن المكتبة إذا لم يكن لهم حاجة في البيت، فينبغي أن تسلك الأسلوب الذي يجعل والدك يقتنع ويفهم ويعلم علماً يقينياً أنك تستفيد من إخوانك ومن زملائك؛ بجلوس زملائك مع الوالد، بجلب زملائك إلى البيت بعض الأحيان والدراسة معهم والمذاكرة.
لكن للأسف بعض الشباب -وأنا أقولها وبكل صراحة- أخذ يغرق في الذهاب والإياب، والكثير من الاختلاطات بلا فائدة، وإذ بالنهاية راسب في تسعة، راسب في ستة، راسب في سبعة، والسبب في ذلك أنه لا يقر له قرار، دائماً كدوامة، لكنه لو كان يقتصر ويعطي الوقت حقه، هذا وقت مجيئي بالمكتبة، أو مجيئي بالمركز، أو مجيئي بالنادي، أو مجيئي في المكان المعين للاستفادة، الحمد لله جلسنا واستفدنا، لكن أرجع إلى البيت، هناك وقت لحاجة الأهل، وهناك وقت لحاجتي أنا، دروسي وأموري، قراءتي للقرآن، قراءتي للسنة، عبادتي، كل شيء له وقت، فتجد أن هذا الشاب هو الذي قصر، فتقصير هذا الشاب بما يفسره أهله؟ أو إخفاقه وفشل النتيجة، هذا السبب ذهبت مع فلان وفلان وفلان، ضيعوا وقتك وهذه النهاية، لا، السبب أنت لأنك ما أحسنت الأسلوب الذي ينبغي منك للمجالسة والمخالطة.
الجواب: لا شك أنك مأجور إن شاء الله على إنكارك عليهم في تركهم للصلاة، وفي وقوعهم في الغيبة، وواجبك ألا تنقطع عن هذا الأمر، ومثلما أخبرنا سلفاً: كل ما تراه مناسباً من وسيلة فعليك أن تؤثر عليهم بالنشرات، بالكتب، بالأشرطة، بالجلسات الطيبة، بالمخالطات النافعة، هذا طيب، إذا جلسوا وولغوا في حديث من الأحاديث التي تحسب عليك ولا تحسب لك، ووقعوا في الأعراض ونهيتهم فلم يرتفعوا عن ذلك، فإذا كان لك فرصة في أن تتجافى وأن تبتعد فذلك خير لك، إذا كان هناك إمكانية ورأيت إصرارهم وعدم إقلاعهم بعد أمرك لهم ونهيك ومناصحتهم ووعظهم، إذا كان لك إمكانية أن تسكن مع شباب آخرين -كأني أفهم من الشاب هذا أنه ساكن في عزبة أو في سكن جامعي أو شيء من هذا- فذلك خير لك، لأن كثرة مجالسة صاحب المنكر يجعل المنكر طبيعياً، بعد مدة يصبح ترك الصلاة بالنسبة لك شيئاً طبيعياً؛ لأنك ترى هذا يترك الصلاة دائماً، وأصبحت تدخل البيت وتخرج من البيت وأنت تراه على فراشه لا يذهب إلى الصلاة، فيصبح الأمر بالنسبة لك عادياً، وكذلك الحديث في أعراض الناس، لأن (كثرة المساس تفقد الإحساس) فينبغي أن تنتبه لنفسك، والإنسان كما يقال: (المرء من جليسه والطبع استراق).
الإنسان يسترق الطباع وهو لا يشعر، ويتأثر وهو لا يشعر، فحفاظاً على دينك، وحفاظاً على أخلاقك الطيبة وسجاياك الحميدة ينبغي أن تنتبه، فإن استطعت أن تغير فبها ونعمت، فإن وجدت فرصة في التنقل أو الانتقال عنهم إلى فئة طيبة مثلاً غرفة أخرى في سكن معين أو في جناح ثاني فذلك خير لك وهو أولى بك.
الجواب: يا أخي تعرضنا لهذا، تعرضنا لهذا خاصة لما يتعلق بالشق الثاني قلنا: إن الإنسان قد يأمر وهو عاص، هنا مثلاً مسألة: حينما يقف من بيننا آمر ويأمرنا ويبين لنا مزايا الصيام، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، صيام الإثنين والخميس، صيام يوم وإفطار يوم، صيام تاسوعاء وعاشوراء، صيام عشر ذي الحجة، صيام يوم عرفة، صيام ست من شوال وكذا، هل من واجب هذا أن يصوم كل هذه الأيام؟ لا. قد يصوم شيئاً منها والحمد لله، لكن أن يقال: ينبغي أن يصومها كلها أو لا يأمرنا ليس بصحيح، وكما قلنا:
إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد |
هذا جانب متعلق بفعل الأوامر، كذلك ترك المناهي، افرض إنساناً ينهى الناس كثيراً ويأمرهم وينصحهم، وفي يوم من الأيام زل في غيبة أو نميمة، زل في قضية معينة، لكنه تاب إلى الله وأناب، نفتح له باب الشيطان ونقول له: لا تأمر ولا تنه، أنت وقعت في هذا المنكر، ونعين الشيطان عليه حتى يجمع بين مصيبتين، بين وقوع في المنكر، وبين ترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا. هذا لا يمكن ولا يليق.
الجواب: أما بالنسبة لهذا الذي يقول: أنا أحب الله ورسوله ولكني أفعل المعاصي، أذكر هناك قصة ولا أذكر اسم الصحابي، لما هم بعض الصحابة أن يفتك به على فعلة فعلها على وقت رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعه فإنه يحب الله ورسوله) لا أدري هل كان شارباً للخمر أو شيئاً من ذلك، فمحبة الله ورسوله تبقى، لكن المؤمن يرتفع عنه الإيمان أو كمال الإيمان يرتفع عنه أثناء المعصية، فإذا انتهى منها عاد إليه: (الإيمان كالظلة) كما جاء في الحديث، لكن يبقى على محبة الله ورسوله، بل وقد يحب الله ورسوله أكثر مما كان يحب إذا كان قد عاد بتوبة صادقة إلى الله سبحانه وتعالى، واستغفر وأناب من فعلته تلك، رب ذنب أحدث إخباتاً وطاعة وإنابة إلى الله تعالى، وقد يكون هذا من الذنوب التي تعتبر محمودة في جانب هذا الشخص، الذنب لا يحمد لكن قد يكون سبب خير لهذا بسبب وقوعه في هذا الذنب فيتوب ويعود إلى الله.
فأسأل الله أن نكون وإياك وجميع إخواننا الحاضرين والمسلمين ممن يحبون الله ورسوله.
الجواب: المجاملة أقسام، إذا كانت المجاملة في تحمل الناس فيما يتعلق بالأمور العادية في المقابلات، في بعض المعاملات وكذا، لكن شيء اسمه شريعة الله سبحانه وتعالى، الشرع، أحكام الله وأحكام رسوله هذا ليس فيه مجاملة، هذا اسمه مداهنة، وواجبك أن تغير وأن تنكر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإن غلبتك نفسك على الإنكار في تلك اللحظة بعد فراقك لتلك اللحظة، يعني قد تكون جلست في مجلس، وحينما دخلت عند هذا الرجل وجدت أشياء في بيته، وغلبك الشيطان وما أنكرتها، خرجت من بيته، اكتب ورقة إذا كنت تعرفه، فقد يكون قريباً لك، فترجع وترصد ورقة وتقول: والله كان في نفسي شيء أحب أن أقوله وما استطعت أقوله، ولذلك تفضل هذه الورقة فيها بعض ملاحظاتي لتقرأها جزاك الله خيراً وتستفيد منها، وهي من مشفق وناصح وخائف عليك، وأذكر أبيات الشافعي :
تعمدني بنصحك في انفـرادي وجنبني النصيحة في الجماعة |
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه |
النصيحة بين الملأ فضيحة، وقد يأتيك شيطان ويقول: أنت مجامل أنت مداهن، انصحه الآن أمام الحاضرين هؤلاء كلهم، الشيطان يغرر بك حتى يوقعك في الخرق ويوقعك في عداوته وأنت تريد أن تصلحه وتدعوه، فتقول: ذلك الأسلوب النظيف الجميل وتنتظر حتى تخلو به، ثم تنصحه على انفراد، فقد يفتح الله على قلبه بسببك فتنال الثواب.
الجواب: الشدة في الجملة شيء من العنف، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يا
إذاً: فالأمر بحسبه، واللبيب يفهم كيف يستخدم الأمور، الإنسان إذا أراد أن يخاصم إنساناً يبدأ بالمدفعية يضربه فيها، أو بالسلاح ويقتله؟ لا. كلمة ونصيحة، حتى العداوات بين الدول، حتى العداوات بين القبائل سابقاً وحديثاً تبدأ بالمفاوضات بالاتصالات، بالحرب النفسية، بالحرب الاقتصادية، فالحكمة منطلق عام عند جميع الأمم والجماعات، ما أحد يبدأ بالعنف من أول مرة.
إذاً: من واجبنا أن نعرف متى نستخدم العنف بضوابطه وشروطه التي أخذناها، وأن نستغني عنه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً؛ لأن هذا الدين ينتشر بالقوة الذاتية الكامنة المتعلقة بفطرة الناس، هناك اتصال، حينما يقوم إنسان يتحدث في أمر من أمور الدين هو يخاطب قاعدة في كل قلب من قلوب الناس؛ التي هي قاعدة الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
إذاً: هذا الدين لا يحتاج إلا إلى شيء من جميل المعاملة، والعبارة الحسنة، والحكمة والموعظة الطيبة، وعند ذلك بإذن الله فإن الله جل جلاله يشرح الصدور إذا كان الآمر مخلصاً عمله ذلك لوجه الله سبحانه وتعالى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر