أما بعد:
فيا عباد الله .. اتقوا الله تعالى حق التقوى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
معاشر المؤمنين .. إن الله عز وجل سائلنا عما استودعنا من الأمانات، فكلنا راع وكل راع مسئول عن رعيته، وإن من أخطر وأهم وأجل ما ولينا أمر بناتنا وزوجاتنا ونسائنا .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] فهي أمانة عظيمة، ومسئولية جسيمة، ولقد ضيعها كثير من الناس إذ جعلوا شأن المرأة خاصة والذرية عامة، الحبل على غاربة كل يفعل ما يشاء، ويغدو ويروح، ويظهر ويلبس، ويتصرف كيف شاء، وذاك والله خطر عظيم.
وإن من صور ضياع هذه الأمانة التي وليناها ما نراه من شأن النساء في ضياع أوقاتهن، وغفلة الرقيب أو الولي عنهن، يضيعون ذلكم الزمن الذي أقسم الله به عز وجل فتارة يقسم ربنا: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل:1-2] .. وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2] .. وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2] ذلك الزمن يقسم الله به لشرفه وجلالة قدره ولكن ضيعه كثير من الأولياء، وكثير من الرجال والنساء، حتى إذا بلغ الناس مقام الحساب، وودعوا زمن العمل، أخذ الواحد يقول: يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] أما الخاسرون الهالكون فهم في النار يصطرخون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37] ولن ينفع ذاك الصراخ، ولن يجدي ذلك الدعاء بالويل والثبور، إذ الجواب: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37].
أيها الأحبة .. الزمن ضاع عند كثير من الرجال والنساء، والخطاب على عمومه لنا ولإخواننا وأخواتنا، للرجال والنساء، ولكننا نوصيكم بأن تضعوا مزيداً من الاهتمام لنقل هذه الوصية، ولفت تلك الضعينة، وتوجيه المرأة إلى الخطر الذي يحيط بها في الزمن الذي تضيعه، وستندم على ضياعه: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].
تعلم بعض النساء كيف تخرج عن طوع الزوج، وكيف تهرب عن ولاية الولي، وكيف تهرب مع العشيق، وكيف يهدد الولد أباه، وكيف تحب الفتاة ابن الجيران، وكيف يغازلها خلسة عن أهلها، وكيف تتخلص المرأة من زوجها، وكيف يتخلص الرجل من امرأته، في تلكم الشاشات مسلسلات خليعة، وأفلام هابطة، وأغانٍ ماجنة، وبث مسعور، والأمة تحترق، والمقدسات مسلوبة، والرقاب تقطع، والدماء نازفة، والنساء تغتصب، فإنها لهجمة على هذه الأمة، تسلطت عبر السماء وأطباقها، وعبر القنوات وشاشاتها، ناهيك عما فيها مما يسمى بالغرام والحب والغزل، وفيه من الفساد فنون، وللإفساد أطور ومجون، وخروج عن أدنى حدٍ للحياء والأدب، وحدث ولا حرج، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فالعاقل -يا عباد الله- يتقي الله في نفسه، وفيمن ولاه الله من زوجة وأخت وغيرها، وليخرج ما يسمى بجهاز الاستقبال، وليتجنب هذا الدش الخطير الذي أفسد كثيراً من البيوت، وجرأ كثيراً من العفيفات، ذلكم خطرٌ من الأخطار يهدد مجتمعنا.
كم ضيع فيه من الأوقات بمحادثات تافهة سببت للقلوب قسوة، وألهت عن ذكر الله، خاصة بين النساء، وكم من رجل دخل بيته، وقد ودع زوجته الصباح راضية مرضية، فآب إليها، فوجدها منقلبة ساخطة وهو يعلم أن لم يدخل عليها مع الباب أحد، لكن دخل عليها ذلك الثقيل بغير استئذان صوت عبر السماعة من صديقة أو قريبة أطالت معها الحديث فقالت لها: يا حبيسة الدار! يا مهيضة الجناح! يا مسكينة الجانب! كيف أنت في هذا وغيرك أعلى منك في نفقة ومركب، وكسوة وملهى، وذهاب وإياب، يعود الرجل فيجد امرأته قد تغيرت، وعن حالها تقلبت، بسبب الإسراف ومزيد من القول عبر هذا الجهاز.
إنا لا نقول أن استعمال الهاتف حرام، ولا نقول أخرجوه لعدم الفائدة منه، بل فيه من الفوائد ما ذكرنا، ولكن من المصائب التي عمت عند كثير من الناس، وعند النساء خاصة الإسراف في القول، وإضاعة الوقت، وإطالة الحديث عبر هذا: (وإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وإذا طال الكلام خرج عن المباح إلى المكروه، ثم من المكروه إلى الحرام، ولن يكون من الحرام صلاح للبيوت، بل فيه فسادها وإفسادها.
وكم من امرأة أو كم من فتاة كانت حصاناً رزاناً عفيفة كريمة جرأت عبر هذا، فخرجت لتقع فريسة للذئاب والمفسدين، وخذوا هذه القصة الواقعية، وهي واحدة من عشرات القصص إن لم تكن المئات، هذه القصة تقول: كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية، ثم تطورت إلى قصة حب وهمية أوهمها أنه يحبها، أنه ميت دنف هلك في غرامها، وسيتقدم لخطبتها لكنه يطلب رؤيتها، فرفضت فهددها بهجر أو بقطع علاقة فضعفت، فأرسلت له صورة مع رسالة وردية معطرة، فتوالت الرسائل، ثم طلب منها أن تخرج معه، لكنها هذه المرة رفضت بشدة فهددها بتلك الصورة وبالرسائل المعطرة، وبالصوت المسجل عبر الهاتف، فخرجت معه على وعد أن تعود في أسرع وقت وأقرب فرصة، لكنها عادت وقد كُسر حياؤها، وانتهكت عفتها، وتجرأ على صلاحها، فقالت له بعد ذلك: لا بد من ردم الأمر وستره بالزواج حتى لا تكون الفضيحة، فقال لها بكل احتقار وسخرية: إني لا أتزوج فاجرة، كيف العلاج؟ وكيف السبيل إلى حل يجعل هذه البيوت تستيقظ من الشر الذي أحاط بها؟
إن من الفتيات من تصبح على الأغنية، وتضحي على الشاشة، وظهيرتها على الهاتف، وعصرها في السوق، ومساؤها في المناسبة، فقولوا يا عباد الله: متى تعود إلى الله أو ترعوي عن غيها وضلالها؟!!
وقال تعالى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [النجم:59-61] قال ابن كثير: قال الثوري عن أبيه عن ابن عباس: السمد هو الغناء، وهي يمانية، يقول أحدهم: اسمد لنا، أي: غنّ لنا. وقال مجاهد: هو الغناء، يقول أهل اليمن : سمد فلان إذا غنى. ويقول تعالى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [الإسراء:64] قال ابن كثير : ومعنى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) صوت الشيطان هو الغناء. وقال مجاهد : اللهو والغناء أي: استخفهم بذلك. وقال صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر -أي: الفروج- والحرير والخمر والمعازف) قال ابن حجر في الفتح رحمه الله: المعازف هي آلات اللهو، وقيل: أصوات الملاهي.
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ليشربن ناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) رواه ابن ماجة وابن حبان والبيهقي وهو صحيح.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ؛ وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف) ذكره ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وهو صحيح، وأورده الألباني في صحيح الجامع وفي السلسلة أيضاً.
أيها الأحبة .. أما شأن الغناء وما يحدثه من قسوة القلوب وإنبات النفاق فيها؛ فحدث عن خطره ولا حرج، وحسبك أنه صارف للقلب عن التلذذ بكلام الله، لا يجتمع صوتان ولا يجتمع أمران:
حب الكتاب وحب ألحان الغنى في قلب عبد ليس يجتمعانِ |
إن هذا الانشغال بهذه الأمور الرخيصة الصغيرة التي ليست بأمر يعد ولا شأن يذكر إذا اشتغل الإنسان بها أصبح عبداً لها، فكم من فتاة أصبحت رقيقة وأمة لفساتينها، رقيقة لمرآتها، رقيقة لمساحيقها، ولتتذكر وليتذكر الجميع قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، وتعس عبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) رواه البخاري . فما بالكم بحال رجل أو امرأة يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالتعاسة، ويدعو عليه بالانكباب على وجهه والانقلاب إلى قفاه، وألا يسلم من شوكة أو ينتقشها إذا دخلت في رجله أو قدمه.
وأما ما تصرفه بعض بناتنا وأخواتنا ونسائنا في مستحضرات التجميل فواجبنا -يا عباد الله- أن ننبههن إلى خطر الإسراف في هذا، إذ أن كثيراً من النساء يهون عليها أن تصرف الألف والألفين في قطعة من المساحيق المجملة، ويشق عليها مشقة بالغة أن تصرف مائة لتساهم في إغاثة مجاعة في الصومال، أو منكوبين في البوسنة، أو مساكين في كشمير وغيرها.
إن إحصائية أوردتها مصلحة الإحصاء عن إجمال قيمة الواردات عام 1409هـ من مستحضرات التجميل بما في ذلك المواد العطرية تقول: لقد بلغ ما أنفق على هذا من استهلاك عامة الناس لهذه المساحيق والعطور، أكثر من ثمان مائة مليون ريال، وهذه الإحصائية أوردتها جريدة الرياض في عددها (8372) يوم الإثنين/ 13/ 11/ 1411هـ.
إنها من المصائب التي ابتليت بها المرأة في ضياع وقتها بسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام، والخروج إلى الأسواق لغير حاجة، ومتابعة الموضة والمجلات والأزياء وما يتعلق بها.
وإنا لن نقف عند وصف الأمراض لنصيح ونقول: نحن مرضى أو بنا سقم، ولكن يجب على من شخَّص الداء أن يصف الدواء، فنصيحتنا لكل ولي أن يوجه موليته أن تقلل الخروج إلى الأسواق، تلكم شر البقاع عند الله، وأن تقصر خروجها على ما تمليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة الراجحة مع محرم أو مع ثقاة من النساء، وألا تمكث في السوق أكثر من وقت حاجتها، كما نوصي الجميع أن يلتفتوا إلى محاولة اكتفاء المرأة في ملابسها بأن تتعلم خياطة ما تحتاجه بنفسها، أو أن يكون لها مع قريباتها أو مجموعة من جاراتها حائكة أو خياطة تحسن ذلك، فلا تخرج المرأة إلى الدكاكين أو إلى الأسواق بحجة الملابس.
وينبغي لكل فتاة أن تنظر إلى من يسمين بعارضات الأزياء، واللائي يغدين ويرحن بهذه الملابس الفاضحة، على الفتاة المسلمة أن تنظر إلى تلك المرأة التي جعلت من نفسها لوحة للعرض وشاشة للدعاية نظرة العطف والرحمة فيما وقعت فيه في مستنقع الرذيلة الآثم، ونظرة ترى فيها أن تلك المسكينة قد جعلت من جسدها تجارة رخيصة يتاجر فيها مصمم الأزياء والموضات.
ألا وإن هذه الأمور مما ينبغي أن نلتفت إليه.
أما بعد:
فيا عباد الله .. اتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام وأطيبه وألذه وأجمله هو كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، واعلموا أن كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة.
أيها الأحبة في الله .. إذا تأملنا هذه الأمور التي ذكرناها وما ابتليت به بعض الأسر وبعض البيوت منها، وما تسلط به أعداء هذه البلاد وأعداء الإسلام من بث مركز مسلط عليها فيها، تأملنا أن من أسباب ضياع أوقاتنا ووقوعنا في هذه الغفلات، طول الأمل والتسويف، فإن الله عز وجل بيَّن أن الذين يطيلون الأمل ويلهيهم الأمل يعلمون ولكن ساعة لا ينفع الندم، قال تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3] قال القرطبي: (يلههم الأمل) أي: يشغلهم عن طاعة الله عز وجل. وقال الحسن البصري: ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل.
ما عاتب المرء الكريم كنفسـه والمرء يصلحه الجليس الصالحُ |
قل لنا من جليسك فنقول لك من أنت، واعرف وانظر من جليس ابنتك أو موليتك ثم احكم لتعرف من هي، قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29].
إن بعض الفتيات -هداهن الله- يشعرن بالنقص كلما أرادت التوبة، ويشعرن بالعجز كلما أرادت الإقلاع، وتشعر بالإحباط كلما صممت على هجر المنكر والمعصية، وما ذاك إلا من الشيطان الذي هو عدو الإنسان قال عز وجل: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] أما إن الفتاة لو صممت وعزمت وشمرت واجتهدت ثم تركت هذه المنكرات، وطلقت تلك المعاصي، وأقبلت على الطاعة؛ قراءةً للقرآن، وتدبراً للسنة، وإقبالاً على النافع من الكتب، وحرصاً على جليسة صالحة، وقرينة نافعة، فإن ذلك -بإذن الله- يورثها استقامة وصلاحاً، وإن كثيراً من الناس ليعلمون إدبار بناتهم أو أخواتهم أو مولياتهم عن الاستقامة ولكن بعضهم كثيراً ما يضرب الأنامل بعضها ببعض، أو يضع كفاً على كف ويقول: كيف أنصحها وأنا رجل وهي امرأة، وأنا ذكر وهي أنثى، وكيف أؤثر عليها، نقول: خاطبها .. كلِّمها .. وجهها .. أرشدها .. حذرها، بيِّن لها ما يحاك لها ويدبر ويتربص بها، وعظها وقل لها في نفسها قولاً بليغاً، وادعها إلى التوبة التي أمرنا بها، فالله عز وجل يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وبين لها حاجتها إلى التوبة، وحذرها من سوء الخاتمة، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) فأيما رجل أو امرأة مات على خنا بعث عليه، مات على رباً بعث عليه، مات على فاحشة بعث عليها، مات على معصية بعث عليها، ومن مات على طاعة بعث عليها، فالواجب أن ننبه إلى خطر سوء الخاتمة.
ولها أيضاً في سمية بنت خياط، وفي نسيبة، وفي أم عمارة، وفي غيرهن من الصحابيات أسوة حسنة، تلك امرأة تمتحن بالقتل والإحراق بالنار في سبيل الثبات على دينها، فتختار نار الدنيا على نار الآخرة، وتختار أن تقتحم النار ثباتاً على دينها، وواحدة من بناتنا -يا عباد الله- تبتلى في أغنية فلا تصمد في هجرها، تبتلى في موضة فلا تصمد في مقاطعتها، تبتلى في شيء من هذه الأمور الحقيرة التافهة فلا تثبت فيها، ألا وإنا ننتظر من بناتنا وزوجاتنا ونسائنا توبة نصوحاً، وصلاحاً في الذات، وإصلاحاً لغيرهن، ونذكر الجميع بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا).
فالله الله يا عباد الله! وجهوا البنات والزوجات، والفتيات والأمهات، إلى طلب العلم بما تيسر من وسائله وسبله، وإلى حفظ القرآن والعناية بالسنة، وجهوا المرأة إلى الشريط الإسلامي استماعاً وتلخيصاً، وتكراراً وإهداءً وتبادلاً، وجهوا المرأة إلى الدروس الدورية النافعة في بيوتهن أو في المساجد، وجهوهن إلى ما يرضي الله عز جل، وجهوهن إلى الندوات والمحاضرات النافعة، فكم من رجل يحمل أولاده إلى أماكن ما يسمى بالفسحة، وقل أن يحملهم معه إلى محاضرة نافعة أو ندوة مفيدة، وإن على معاشر الأولياء، أن يعينوا الفتاة بأن تقيم في بيتها دروساً لها ولقريباتها ولجاراتها، ففي هذا نفع عظيم، واجعلوا من كل واحدة منهن قدوة حسنة عسى الله أن يكف بأس الذين ظلموا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً:
رب البنات على الفضيلة إنها في الشرق علة ذلك الإخفاقِ |
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ |
الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراقِ |
أسأل الله أن يثبت بناتنا ونسائنا، وأن يصلحهن، وأن يجعلهن لنا قرة أعين، وأن يعيننا على ما ولينا في شأنهن وتربيتهن والعناية بهن.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين.
اللهم من أراد بالمرأة المسلمة بهذه البلاد خاصة وفي سائر بلاد المسلمين عامة تبرجاً وسفوراً ورذيلة، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، وأرنا فيه عجائب قدرتك، وعجل اللهم به بأسك وسخطك يا رب العالمين.
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارنا.
اللهم اجمع شملنا، وولاة أمرنا، ولا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً يا رب العالمين، اللهم اهد إمامنا وأصلح بطانته، وقرب له من علمت خيراً له ولإخوانه يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين وكشمير وأرومو، وإرتيريا، والفليبين، وفي طاجكستان وأفغانستان وسائر البقاع يا رب العالمين.
اللهم توفَّنا وأنت راضٍ عنا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم يا حي يا قيوم، يا من لا يخيب سائله، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مرضاً إلا شفيته، ولا حاجة إلا قضيتها، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلى قبلته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذرية صالحة وهبته.
اللهم صلِّ على محمد على آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر