تجب في الحبوب كلها ولو لم تكن قوتاً، وفي كل ثمر يُكال ويدخر كتمرٍ وزبيب، ويعتبر بلوغ نصابٍ قدره ألف وستمائة رطل عراقي، وتُضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، لا جنس إلى آخر، ويُعتبر أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة، فلا تجب فيما يكتسبه اللقاط، أو يأخذه بحصاده، ولا فيما يجتنيه من المباح كالبطم، والزعبل، وبزر قطونا، ولو نبت في أرضه.
فصل: في قدر الواجب في الحبوب والثمار.
يجب عشر ما سقي بلا مؤنة، ونصفه معها، وثلاثة أرباعه بهما، فإن تفاوتا فبأكثرهما نفعاً، ومع الجهل العشر، وإذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة، ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر، فإن تلفت قبله بغير تعدٍ منه سقطت، ويجب العشر على مستأجر الأرض دون مالكها، وإذا أخذ من ملكه أو موات من العسل مائة وستين رطلاً عراقياً ففيه عشره ].
سلف لنا ما يتعلق بزكاة بهيمة الأنعام، وذكرنا أن بهيمة الأنعام يشترط لوجوب الزكاة فيها شروط خاصة غير الشروط العامة، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: أن تكون سائمة الحول، أو كل الحول.
والشرط الثاني: أن تكون متخذة للدر والنسل لا للعمل، وعلى هذا إذا كانت عاملة، أو كانت معلوفة، فإنه لا تجب فيها الزكاة، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم، خلافاً لما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى.
وأيضاً تقدم لنا ما يتعلق بأنصبة الإبل، والبقر، والغنم، وذكرنا أن أقل نصاب في الإبل هو خمس وفيه شاة، ثم بعد ذلك في العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون... إلى آخره.
ثم تكلمنا أيضاً في زكاة البقر، وأن أقل نصاب زكاة البقر ثلاثون، وأن الثلاثين فيه تبيع أو تبيعة، ثم بعد ذلك لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، ثم بعد ذلك تستقر الفريضة كما تقدم، وأن أقل نصاب الغنم أربعون، وفيها شاة، ثم لا شيء فيها حتى تزيد على عشرين ومائة، فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان، ثم بعد ذلك لا شيء فيها حتى تبلغ مائتين وواحدة، فإذا بلغت مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه، ثم بعد ذلك في كل مائة شاة.
وتكلمنا أيضاً عن إجزاء الذكر، وأن الأصل أن تخرج الأنثى، وأن الذكر يجزئ في أربعة مواضع، وذكرنا أيضاً أن من خصائص زكاة البهيمة ما يتعلق بالوقص، وأن الوقص لا زكاة فيه، وهو ما بين الفريضتين.
كذلك أيضاً تكلمنا عن الخلطة وبقى علينا شيء من المسائل فيها، وأن جمهور أهل العلم: يرون أن الخلطة مؤثرة في البهائم السائمة فقط، خلافاً للشافعي رحمه الله، فإنه يرى أن الخلطة ليست خاصة بالسائمة، بل تؤثر في السائمة، وفي غيرها.
بقي عندنا مسألتان تتعلقان بزكاة بهيمة الأنعام:
المسألة الأولى: ما يتعلق بشروط الخلطة، وذكرنا أن الخلطة في السائمة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: خلطة أعيان، وشيوع، واشتراك، وهذه لا شك أن المالين فيها مال واحد.
والقسم الثاني: خلطة أوصاف وجوار، وهذه موضع الخلاف بين العلماء رحمهم الله: هل تؤثر في الزكاة إيجاباً وتغليظاً، وإسقاطاً، وتخفيفاً أو لا؟
للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:
الرأي الأول: أنها مؤثرة، وهذا قول جمهور أهل العلم، ودليلهم كما سلف: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ).
الرأي الثاني: رأي الحنفية أن الخلطة ليست مؤثرة، وذكرنا دليلهم، والصواب في هذه المسألة: أن الخلطة مؤثرة، والخلطة لكي تكون مؤثرة يشترط لها شروط:
الشرط الأول: أن تكون في بهيمة الأنعام، وعلى هذا لو اختلطت النقود فيما بينها، واختلطت عروض التجارة فيما بينها، هل هي مؤثرة، أو ليست مؤثرة؟
للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:
الرأي الأول: أنها ليست مؤثرة، وأن الخلطة خاصة بالبهيمة فقط.
والرأي الثاني: وهو رأي الشافعي رحمه الله: أنها مؤثرة.
والجمهور يستدلون على ذلك: بأن الدليل إنما ورد في السائمة فقط، وما عدا ذلك فإنه لم يرد فيه دليل، والشافعية رحمهم الله تعالى يقولون: المقصود من الخلطة الارتفاق، والارتفاق كما يكون في السائمة يكون فيها غيرها.
والصواب في ذلك: أنه يقتصر على مورد النص.
الشرط الثاني: أن يكون مجموع الخليطين نصاباً، وعلى هذا إذا كان الخليطان أقل من نصاب، كما لو اختلطا في الغنم، هذا يملك خمس عشرة، وهذا يملك خمس عشرة، فهذه ثلاثون أقل من نصاب الغنم، وهو أربعون، فلم تبلغ النصاب فلا أثر للخلطة.
الشرط الثالث: أن تكون الخلطة جميعاً عام.
الشرط الرابع: أن يكون الخليطان من أهل وجوب الزكاة.
الشرط الخامس والأخير: ألا يقصد من الخلطة الفرار من الزكاة.
والمراد بالجبران: أن يجب على رب المال سن، ولا يجد هذا السن فينزل إلى السن الذي أقل منه ويدفع الجبران، أو يرتفع إلى السن الذي أعلى منه ويأخذ الجبران.
مثال ذلك: رجل عنده أربعون ناقة ففيها بنت لبون، فإن قال: ما عندي بنت لبون؛ لكن عندي بنت مخاض، نقول: ادفع بنت مخاض وادفع معها الجبران، والجبران قدره النبي صلى الله عليه وسلم بشاتين، أو عشرين درهماً.
ولو كان ليس عنده بنت مخاض، وليس عنده بنت لبون، والواجب عليه بنت لبون؛ وعنده أعلى من بنت اللبون: حقة، نقول: ادفع الحقة وخذ الجبران، فيأخذ من المصدق شاتين، أو يأخذ عشرين درهماً، أو شاة وعشرة دراهم، هذا هو الجبران.
يبقى عندنا إشكال: وهو أن الشياه الآن غلت، والفضة الآن رخيصة، يعني: عشرة دراهم، الدرهم تقديره تقريباً بغرامين، وغرام الفضة اليوم بأقل من ريال، فعشرون درهماً إذا ضربنا عشرين بغرامين، يساوي أربعين، والشاة الواحدة ثمنها اليوم حول ألف ريال، نقول: هذا التقدير؛ تقدير شاتين، أو عشرين درهماً، هذا التقدير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت الشاة تساوي عشرة دراهم، أما الآن فاختلف الوضع، وعلى هذا لو قال رب المال وعليه بنت لبون: أدفع بنت مخاض مع الجبران عشرين درهماً كما جاء في الحديث، فلا يقبل منه المصدق هذا؛ لأن العشرين الدرهم كانت مقدرة في الزمن السابق عندما كانت الشاة تساوي عشرة دراهم والعشرون الدرهم ليست على سبيل التعيين، وإنما هي على سبيل التقويم، وعلى هذا نقول: إما أن تدفع شاتين، أو تدفع قيمة شاتين؛ لأن التقدير بعشرين درهماً كما جاء في الحديث إنما هو على سبيل التقويم وليس على سبيل التعيين، والشاة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت تساوي عشرة دراهم، هذا هو الصواب في هذه المسألة، وعلى هذا نقول: إما أن تدفع شاتين، وإما أن تدفع قيمة شاتين، وإما أن تأتي بالواجب عليك، والواجب عليك هو بنت لبون فاشتر لنا بنت لبون.
لنفرض أن رجلاً له عشرون شاة في مكة، وله عشرون شاة في المدينة، فهل نضم ما في مكة، وما في المدينة معاً ما دام أن المالك لها واحد، ونوجب الزكاة؟ أو نقول: بأن الزكاة هنا لا تجب مادام أنها متفرقة؟
المشهور من المذهب أنه إذا تفرقت السائمة فوق مسافة قصر فلكل محل حكمه، وهذا يفيد التغليظ، ويفيد التخفيف، مثلاً: لو كان له عشرون في مكة، وعشرون في المدينة فيفيد هذا التخفيف، فما تجب عليه الزكاة؛ لأن العشرين التي في المدينة أقل من النصاب، وكذا التي في مكة، فلكلٍ حكمه.
مثال آخر: لو كان له أربعون في مكة، وأربعون في المدينة فهذا يفيد التغليظ، فيجب عليه شاتان؛ شاة في الأربعين التي في مكة، وشاة في الأربعين التي في المدينة.
والصحيح في هذه المسألة: ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، وأن السائمة مادام يملكها واحد فلا نخرج كل محل بحكم، بل نجمع السائمتين كأنهما في مكان واحد، وعلى هذا إذا كان له عشرون في مكة، وعشرون في المدينة، فعليه شاة واحدة، وإذا كان له أربعون في مكة، وأربعون في المدينة فعليه شاة واحدة، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم خلافاً لما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله.
الحبوب: جمع حب، والحب ما يؤخذ من الزرع، والثمار جمع ثمرة: وهي ما يجنى من الأشجار.
والحبوب والثمار الأصل في زكاتها القرآن، والسنة، والإجماع.
أما القرآن: فقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] وأيضاً قول الله عز وجل: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141] .
وأما السنة: فحديث أبي سعيد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة ).
والإجماع قائم على ذلك.
تجب في كل الحبوب سواءٌ كان الحب مقتاتاً، مثل: حب البر، والأرز، والذرة، والعدس، وغير ذلك من الحبوب، أو كان الحب لا يقتات، مثل: حب الرشاد، فتجب الزكاة في الحبوب كلها يقول المؤلف: (ولو لم تكن قوتاً).
قال رحمه الله: (وفي كل ثمر يكال ويدخر).
لا بد للثمر من وصفين:
الوصف الأول: الكيل.
والوصف الثاني: الادخار، هذا المذهب المشهور عن أحمد ، فلماذا قال: الكيل؟
استدلوا على ذلك: بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة )، والوصف هذا من معايير الكيل؛ ويدخر؛ لأن الذي لا يدخر لا تكتمل به النعمة، وسيأتينا أيضاً أن الزكاة لا تجب في الفواكه والخضروات، فدل ذلك على أنه لا بد من الادخار، فأصبح عندنا المذهب تجب فيه الحبوب كلها قوتاً كان، أو غير قوت.
الرأي الثاني: مالك والشافعية يقولون: تجب الزكاة في الخارج من الأرض إذا جمع وصفين: أن يكون مدخراً، وأن يكون مقتاتاً، وعلى هذا فالذي لا يقتات لا تجب فيه الزكاة.
الرأي الثالث: مذهب أبي حنيفة رحمه الله وهو أوسع الأقوال في هذه المسألة: أنه تجب الزكاة في كل ما خرج من الأرض حتى الخضروات والفواكه يرون الزكاة تجب فيها، وإن كانوا يستثنون الحشيش، والحطب، والقصب؛ لكن القاعدة عندهم أن كل ما خرج من الأرض فإنه تجب فيه الزكاة، ويأخذون بعموم الآية: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267].
الرأي الرابع وهو أضيق الأقوال: رأي الثوري، والحسن البصري، وابن سيرين، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أن الزكاة لا تجب إلا في أربعة أصناف فقط: البر، والشعير، والتمر، والزبيب.
ودليلهم على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل وأبا موسى إلى اليمن أمرهما ألا يأخذا الزكاة إلا من هذه الأصناف الأربعة، والحديث الوارد في هذا صححه الحاكم ، والبيهقي ؛ لكن إسناده ضعيف.
والأقرب في ذلك والله أعلم أن يقال: إن الزكاة تجب في كل حب كما يقول الحنابلة رحمهم الله تعالى، وكذلك أيضاً تجب في كل ثمرة، سواء كانت تدخر، أو تقتات، أو لا تقتات، ونستثني من ذلك الفواكه والخضروات فلا تجب فيها الزكاة، هذا هو الصواب، فالخضروات والفواكه كانت تزرع في المدينة، ولم يعهد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ منها زكاة.
قوله: (وفي كل ثمر يكال ويدخر كتمر، وزبيب).
ومثل: اللوز، والفستق، والبندق، فهذه كلها تجب فيها الزكاة.
وأما بالنسبة للخضروات والفواكه فهذه لا تجب فيها الزكاة، وذكرنا الدليل على ذلك: أنها كانت تزرع في المدينة مع ذلك ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ عليها الزكاة.
قوله: (ويعتبر) يعني: يجب في زكاة الحبوب والثمار أن تبلغ النصاب، وهذا بالاتفاق، ويدل لذلك: ما تقدم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة ) فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترط النصاب، والوسق يساوي ستين صاعاً، وخمسة أوسق تساوي ثلاثمائة صاع.
وصاع النبي صلى الله عليه وسلم وزنه بالبر الجيد الرزين اختلف فيه العلماء رحمهم الله:
الرأي الأول: أن وزنه بالبر الجيد الرزين ألفين وأربعين جراماً، وعلى هذا فحاصل ثلاثمائة صاع بألفين وأربعين جراماً يخرج النصاب بالجرامات، ثم اقسمه على ألف يخرج بالكيلوهات، والصاع معيار كيل، والوسق معيار كيل؛ لكن العلماء حولوا معيار الكيل إلى معيار وزن، ومعايير الوزن الأرطال، وعليه قول المؤلف: ( ألف وستمائة رطل )، والرطل ليس من معايير الكيل، وإنما هو من معايير الوزن، فلماذا حولوا من معايير الكيل إلى معيار الوزن؟
قالوا: نقلت من الكيل إلى الوزن من أجل أن تحفظ؛ لأن الوزن يحفظ لك، أما الصاع فلا يدرى كم قدره.
ولو قلنا: عندنا أصواع، فكم قدر صاع النبي صلى الله عليه وسلم؟
هذا موضع خلاف، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم غير موجود عندنا الآن، ولا المد، وقد قدره العلماء رحمهم الله بالوزن، واختلفوا في تقديره -كل ذلك من أجل أن تحفظ هذه الأشياء- إلى أقوال:
القول الأول: يساوي حاصل ضرب ألفين وأربعين جراماً في ثلاثمائة ثم اقسم الناتج على ألف فيخرج الناتج قدر النصاب ستمائة واثنا عشر كيلو من البر الجيد الرزين.
والقول الثاني: أن صاع النبي صلى الله عليه وسلم يساوي ألفين ومائتين وأربعين جراماً اضربها في ثلاثمائة، ثم اقسمه على ألف يخرج بالكيلوهات كما ذكر المؤلف.
قال المؤلف رحمه الله: (ألف وستمائة رطلاً عراقياً).
نقل المؤلف رحمه الله النصاب من الكيل الذي ورد في السنة إلى الوزن من أجل الحفظ، فالنصاب ألف وستمائة رطل عراقي، والرطل العراقي تقدم لنا في باب البيع أنه يساوي تسعين مثقالاً، والمثقال بالجرامات موضع خلاف: فقيل: يساوي بالجرامات أربعة وربعاً، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والرأي الثاني: أنه يساوي ثلاثة ونصفاً.
والرأي الثالث: أنه يساوي ثلاثة ونصفاً.
والآن إذا أردت أن تعرف كم يساوي الرطل بالكيلوهات، فألف وستمائة رطل حولها إلى مثاقيل الرطل، فاضرب ألفاً وستمائة في تسعين تكون بالناتج قد خرجت بالمثاقيل، ثم المثاقيل حولها إلى جرامات، والمثقال الواحد يساوي بالجرامات أربعة وربعاً، هذا هو الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام والشيخ محمد .
وأنا حسبته فوجدت كلام شيخ الإسلام يوافق أنه أربعة وربع، فاضرب المثاقيل التي خرجت عندك في أربعة وربع، ثم اقسمه على ألف، يخرج الناتج ستمائة واثنا عشر كيلو.
إذاً: عندك ألف وستمائة رطل، اضرب هذه الأرطال في تسعين فتخرج بالمثاقيل، ثم اضربه بأربعة وربع فتخرج بالجرامات، ثم اقسمها على ألف فتخرج بالكيلوهات.
وعلى القول الثاني الذي يقول: إن المثقال ثلاثة ونصف، فألف وستمائة اضربها في تسعين فتخرج بالمثاقيل، ثم هذه المثاقيل اضربها في ثلاثة ونصف، ثم اقسم الناتج على ألف، وهكذا.
فلو كان عندنا نخل أو أشجار تحمل في العام مرتين نضم النصاب، فمثلاً هذه الشجر أنتجت مائة صاع، ثم بعد ذلك أنتجت مرة ثانية مائتي صاع، وأيضاً لو كان عندنا هذا الجانب أنتج مائة صاع من البر، والجانب الثاني أنتج مائتي صاع, فإنه تضم ثمرة العام الواحد -كما يقول المؤلف رحمه الله: (بعضها إلى بعض في تكميل النصاب)، وسواء في الثمار أو الحبوب، المهم إذا كان الناتج نصاباً، وهناك أكثر من ناتج في نفس العام، فإننا نضم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (لا جنس إلى آخر).
فلو كان في المزرعة بر وأنتج مائة صاع، وشعير وأنتج مائتي صاع، فلا نضم البر إلى الشعير.
وقوله: (لا جنس إلى آخر) يخرج النوع، فالنوع نضم بعضه إلى بعض، فمثلاً: تمر السكري مع الشقر تضم، والبر أنواع: الحنطة، والكندا، المعية، فهذه نضم بعضها إلى بعض، كما أن الإبل بخاتي وعراب، يضم بعضها إلى بعض، والبقر جواميس وعراب، يضم بعضها إلى بعض.
يعني: يشترط أن يكون النصاب مملوكاً له وقت الوجوب، ووقت وجوب الزكاة في الحبوب والثمار إذا بدا صلاح الثمرة، واشتد الحب، وعلى هذا يقول المؤلف رحمه الله: يشترط أن يكون مملوكاً له وقت الوجوب، ولو أنه بعد أن بدا صلاح الثمر في التمر -صلاح الثمرة في التمر بأن تحمر، أو تصفر ولو بسرة واحدة- باعها المزارع فالزكاة على البائع؛ لأنها وقت الوجوب كانت مملوكة له، وكذلك لو وهبها وقد بدا صلاحها، فتجب على الواهب؛ لأنها وقت الوجوب كانت في ملكه.
قال رحمه الله: (فلا تجب فيما يكتسبه اللقاط).
اللقاط: الذي يتتبع المزارع فيلقط الحب، فلو لقط ما يبلغ نصاباً، لا تجب عليه الزكاة؛ لأنها وقت الوجوب -وقت اشتداد الحب- ليست ملكاً له، لو قام بحصد الزرع بالربع من المستأجر فلا تجب عليه الزكاة؛ لأنها وقت الوجوب ليست ملكاً له، وإنما أخذه بعد أن وجبت الزكاة فيه، فمثلاً: مزرعة أنتجت أربعة آلاف صاع، وأخذ ألف صاع مقابل أن يقوم بحصدها، فنقول: هذا لا تجب عليه الزكاة، وإنما تجب زكاة أربعة آلاف على صاحب المزرعة.
قال رحمه الله: (ولا فيما يجنيه من المباح كالبطم، والزعبل، وبزر قطونا، ولو نبت في أرضه).
أيضاً الذي يأخذ من المباح، فإنه ليس مالكاً في الوجوب كالبطم، وهو شجرة الحبة الخضراء، والزعبل: شعير يوجد في الجبل، يؤخذ منه هذا الحب، وليس فيه زكاة، وبزر قطونا: حب الربلة -معروفة لها حب- إذا جمع هذا الحب، فلا تجب فيه الزكاة؛ لأنه ليس مملوكاً وقت الوجوب ولو نبت في أرضه.
أراد المؤلف رحمه الله بعد أن يبين ما الذي تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار؟ وكذلك أراد أن يبين مقدار الزكاة.
نقول: مقدار الزكاة ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: قال: (ما سقي بلا مؤنة) كالذي يسقى بالأودية، والأنهار، والأمطار ونحو ذلك، حتى لو مد المواسير من النهر، وأجرى السواقي من النهر، فهذا سقي بلا مؤنة، ويجب فيه العشر.
ويدل لذلك: حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فيما سقت الأنهار، والعيون العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العُشر ) رواه مسلم في صحيحه.
قوله: (ونصفه معها) هذا القسم الثاني: ما سقي بمؤنة، وفيه نصف العشر، مثل: ما يوجد في بلادنا فيسقى بمؤنة؛ حيث يحتاج إلى حفر الآبار، وإلى المرشات، وإلى الكهرباء، والزيوت، ونحو ذلك، فهذا يسقى بمؤنة، نقول: يجب فيه نصف العشر، ودليل ذلك: حديث ابن عمر : ( وما سقي بالنضح نصف العشر ) رواه البخاري .
قال رحمه الله: (وثلاثة أرباعه بهما).
هذا القسم الثالث: ثلاثة أرباع العشر إذا سقي بمؤنة، وسقي بلا مؤنة نصفين؛ ستة أشهر بمؤنة، وستة أشهر بلا مؤنة، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
والرأي الثالث في المسألة: أنه ينظر إلى أكثرهما نفعاً، فقد يكون في الستة الأشهر الأولى التي بلا مؤنة بالأمطار قد يكون أكثر نفعاً فنعتبر ما هو الأكثر نفعاً، فإن كان الأكثر بمؤنة ففيه نصف العشر، وإن كان الأكثر بلا مؤنة ففيه العشر.
قال المؤلف رحمه الله: (فإن تفاوتا فبأكثرهما نفعاً).
هذا القسم الرابع: إذا تفاوتا في الزمن، في القسم السابق نصف بمؤنة ونصف بلا مؤنة، وهنا تفاوتا في الزمن، يعني: السقي بمؤنة أيهما أكثر، هل هو بمؤنة؟ أو هناك تفاوت، فيقول المؤلف رحمه الله: ننظر أيهما أكثر نفعاً، فمثلاً: سقي ستة أشهر بمؤنة، وأربعة أشهر بلا مؤنة، والصواب في هذا القسم والقسم السابق أن ننظر أيهما أكثر نفعاً.
والخلاصة في ذلك: بمؤنة نصف العشر، وبلا مؤنة العشر، وإن سقي بهما ننظر إلى أيهما أكثر نفعاً.
قال رحمه الله: (ومع الجهل العشر).
إذا كنا لا ندري، هل الأكثر بمؤنة، أو الأكثر بلا مؤنة؟ يقول المؤلف رحمه الله: نصير إلى العشر؛ لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة، وليخرج من عقدة الواجب بيقين.
يقول المؤلف: (إذا اشتد الحب) بمعنى: أن الحب قوي، وإذا ضغطته لا ينضغط.
وصلاح الثمرة: إن كانت في النخيل فهي أن تحمر، أو تصفر في غير النخل وتطيب بحيث تصلح للأكل.
قال رحمه الله: (ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر).
(البيدر): موضع التيبيس والتشميس، ومعنى الاستقرار هنا: أنك إذا وضعتها في البيدر -المكان الذي تشمس فيه الثمار والحبوب، مثل: الصوامع- فالآن وجبت عليك الزكاة حتى ولو حرقت، فإنها قد استقرت في ذمتك.
قال رحمه الله: (فإن تلفت قبله بغير تعد منه سقطت).
وعلى هذا عندنا قسمان:
القسم الأول: أن تتلف الثمرة قبل جعلها في البيدر -موضع التشميس- ولنفرض أنه جزها، وما وضعها حتى الآن في الصوامع -في مكان التيبيس- ثم أتلفت الثمار أو الحبوب بسبب رياح، أو أمطار، أو صواعق فالحكم هنا أنه لا يجب عليه إلا إن تهاون بجعلها في البيدر حتى تلفت، فنقول: لا تجب عليه.
القسم الثاني: أن يجعلها في البيدر، ثم تأتي الرياح وتتلفه، أو تأتي نار وتأكله، أو تأتي حيوانات، أو أمطار ونحو ذلك، تتلفها فتجب عليه الزكاة، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
والصواب في ذلك أن نقول: إن تعدى أو فرط وجبت، وإن لم يتعد ولم يفرط فلا تجب، لو جعلها في البيدر وهو يبحث عن أهل الزكاة، أو يريد أن يأتي بسيارة تنقل الحبوب إلى أهلها، أو نحو ذلك، ولا تعدى ولا فرط، ثم جاءت وأتلفت الزروع، أو الثمار، فنقول هنا: لا شيء عليه.
إذا استأجر زيد من الناس هذه الأرض وزرعها، فالزكاة لا تجب على مالك الأرض، وإنما تجب على المستأجر؛ لأن المستأجر هو الذي ملك الأرض وقت الوجوب، وكما تقدم لنا أنه يشترط أن يكون مالكاً للزرع -للحب، أو الثمر- وقت الوجوب، وهذا رأي الجماهير خلافاً لـأبي حنيفة ؛ الذي يجعل الوجوب على مالك الأرض.
والعلماء رحمهم الله يقولون: يجب أن يخرج الحب مصفى، والثمر يكون يابساً، وعلى هذا لو أخرجت رطب التمر لا يصلح؛ إذ لا بد أن تخرج تمراً يابساً، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، والمشهور من المذهب: أن الحب لا بد أن يكون مصفى من القشر، والثمر لا بد أن يكون يابساً كزبيب وتمر.
والصواب في مثل هذا ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله: أنه لا بأس أن تخرج الرطب، وربما في مثل وقتنا هو أنفع للفقراء، فإذا أخرجت سطلاً من الرطب الجديد، فهذا أحب وأنفع له من أن تعطيه تمراً يابساً.
هنا بدأ المؤلف رحمه الله في زكاة العسل، وهي موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، هل تجب الزكاة في العسل، أو نقول: بأن العسل لا زكاة فيه؟
المشهور من المذهب، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: أن الزكاة تجب في العسل.
والرأي الثاني: رأي مالك والشافعي أن الزكاة لا تجب في العسل.
والذين أوجبوا الزكاة في العسل استدلوا بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما ( أن
وأيضاً استدلوا بحديث عبد الله بن عمرو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر )، لكن هذه الأحاديث فيها ضعف.
ورأي مالك ، والشافعي أن الزكاة لا تجب في العسل؛ لأن الأصل براءة الذمة.
وهذه الأحاديث يجاب عنها بجوابين:
الجواب الأول: أن فيها ضعفاً.
والجواب الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه العسل مقابل أن يحمي له الوادي، ولهذا قال عمر رضي الله تعالى عنه لما كان في عهده، قال: إن أراد أن يحمي له الوادي فليدفع العشر، وقال أبو عبيد رحمه الله صاحب الأموال: يؤمرون بدفعها، ويكره لهم منعها من غير أن يوجب عليهم.
وما هو مقدار نصاب العسل؟
المؤلف رحمه الله يقول: (مائة وستون رطلاً عراقياً) والرطل العراقي يساوي بالمثاقيل تسعيناً، ثم حول المثاقيل إلى جرامات، ثم اقسمه على ألف.
وعند أبي حنيفة تجب في قليل العسل وكثيره؛ لكن المذهب مائة وستون رطلاً، وعلى هذا نفهم أن الحنفية هم أوسع الناس في العسل، وأوسع الناس في الخارج من الأرض، ومقدار النصاب -على القول بوجوب النصاب- العُشر من العسل قياساً على الخارج من الأرض؛ لأن العسل يؤخذ بلا مؤنة، فالمقدار فيه العشر كما جاء في الحديث.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر