إسلام ويب

شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [19]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المجهول إذا لم يعلم وأيس الوقوف عليه أو شق اعتباره فإنه ينزل منزلة المعدوم، وتمليك المعدوم إن كان بطريق الأصالة فلا يصح، وإن كان بطريق التبعية فإنه يصح، وإذا جهل الشيئان متى وقوعهما فإننا نحكم بالتعاقب لا بالتقارب، ومن ثبت له أحد أمرين فاختار أحدهما سقط ا

    1.   

    القاعدة السادسة بعد المائة: ينزل المجهول منزلة المعدوم عند اليأس من معرفته

    قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة السادسة بعد المائة: ينزل المجهول منزلة المعدوم، وإن كان الأصل بقاءه إذا يئس من الوقوف عليه، أو شق اعتباره].

    هذه القاعدة في المجهول, إذا يئس منه وشق اعتباره, فإنه يُنزّل منزلة المعدوم.

    وذكر المؤلف رحمه الله لهذه القاعدة أمثلة فقال: [وذلك في مسائل: اللقطة بعد الحول] فإذا أُيس من صاحبها, فحينئذٍ المشهور من المذهب أنها تدخل في ملك الملتقط قهراً عليه, فتملك بعد الحول.

    وقال المؤلف رحمة الله: [ومال من لا يعلم له وارث، يجعل في بيت المال، مع أنه لا يخلو من ابن عم أعلى، إذ الناس كلهم بنو آدم].

    إذا كان هناك مال جهل صاحبه ولا يعلم وارثه, وشق الوقوف على هذا الوارث وأيس منه, فإنه يعتبر كمال معدوم, ويعتبر الوارث كالمعدوم, وحينئذٍ: هذا المال الذي لا يعرف صاحبه وشق الوقوف على وارثه يجعل في بيت المال, أو يتصدق به إذا شق جعله في بيت المال.

    ومن الأمثلة قال رحمه الله: [ومنها إذا اشتبهت أخته بأجنبيات].

    إذا اشتبهت أخته بنساء المصر, فنجعل ذلك كالمعدوم. يعني: لو كان هذا الرجل رضع مع امرأة واشتبهت هذه المرأة في بقية نساء القرية, فنجعل هذه كالمعدوم, ولو جعلناه كالموجود, للزم من ذلك ألا يتزوج هذا الرجل, ونجعل هذا الرضاع في حكم المعدوم, ويباح له أن يتزوج.

    قال المؤلف رحمه الله: [وطين الشوارع].

    أي: محكومٌ بطهارته, وكونه نجس هذا مجهول, فمعرفة هل هذا الطين نجس أو ليس نجساً؟ هذا يشق اعتباره, فيجعل كـالمعدوم, وأنه لا نجاسة فيه.

    وقال المؤلف رحمه الله: [وإذا طلق واحدة من نسائه ونسيها].

    إذا طلق واحدة من نسائه ونسي هذه المرأة, فإنها تخرج بالقرعة, ويحل له البواقي, ويكون هذا كالمعدوم؛ لأن هذه المجهولة -وهي: المرأة التي طلقت- مبهمة يشق الوقوف عليها, هل هي الأولى أم الثانية, أم الثالثة, أم الرابعة؟ فيجعل ذلك كالمعدوم, فتخرج بقرعة, ويحل له أن يطأ البواقي, مع أنه في الباطن ربما تكون التي خرجت من القرعة ليست مطلقة, لكن يجعل هذا كالمعدوم.

    والخلاصة في ذلك: أن المجهول إذا أيس منه, ومن العلم به, أو شق اعتباره, فإنه يجعل بمنزلة المعدوم.

    1.   

    القاعدة السابعة بعد المائة: تمليك المعدوم هل يصح أم لا؟

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [القاعدة السابعة بعد المائة: تمليك المعدوم والإباحة له نوعان... إلخ].

    الأصل هو تمليك الموجود, لكن هل يصح أن تملك من كان معدوماً؟ يقول المؤلف رحمه الله: هذا ينقسم إلى قسمين:

    أما القسم الأول: فأن يكون ذلك بطريق الأصالة, لا بطريق التبعية, فيقول المؤلف: [لا يصح]، مثاله: أن يقول: وهبت لمن سيولد بدين معدوم، هذا لا يصح, أو وقفت على من سيولد بدين, هذا معدوم فلا يصح.

    وهكذا لو وصى لمن سيولد بدين معدوم فلا يصح.

    والقسم الثاني: أن يكون على طريق التبعية, فيقول المؤلف: [يصح]، ومن أمثلة ذلك: لو قال: هذا وقف على الزوج ومن سيولد له وهو لم يتزوج بعد, فنقول: يصح ما دام بالتبعية؛ وأيضاً لو قال: وهبت هذا المال لزيد ولمن سيولد له, أو أوصيت بهذا المال لزيد ولمن سيولد له, مع أنه لم يتزوج, نقول حكم ذلك: لا يصح.

    فطريق الأصالة يقول المؤلف: لا يصح, وطريق التبعية يقول: إنه يصح.

    قال رحمه الله: [والثاني: أن يكون بطريق التبعية: يصح في الوقف والإجارة إذا صرح بدخول المعدوم, فإن لم يصرح وكان المحل لا يستلزم للمعدوم ففي دخوله خلاف, وكذلك لو انتقل الوقف إلى قوم فحدث من يشاركهم]... إلخ.

    ثم قال رحمه الله: [منها: الإجازة لفلان ولمن يولد له, فإنها تصح]. يعني: إجازة المرويات, مرويات الأحاديث, أجازوا لفلان ومن يولد لفلان.

    قال رحمه الله: [ومنها: الوقف على من سيولد له، أو على ولده وولد ولده أبداً], هذا كله على طريق التبعية.

    والخلاصة في تمليك المعدوم: إن كان على سبيل الأصالة فلا يجوز, وإن كان على سبيل التبعية فإنه جائز، فيجوز تبعاً ما لا يثبت استقلاله.

    1.   

    القاعدة الثامنة بعد المائة: جهل الترتيب هل يحكم له بالتعاقب أم لا؟

    قال المؤلف رحمه الله: [ القاعدة الثامنة بعد المائة: ما جهل وقوعه مترتباً, أو متقارناً, هل يحكم عليه بالتقارن أو بالتعاقب؟ فيه خلاف، والمذهب: الحكم بالتعاقب لبعد التقارن, ويندرج تحتها صور... إلخ].

    هذه القاعدة معناها: إذا حصل شيئان, وجهلنا هل حصلا دفعة واحدة, أو حصلا مترتبين أحدهما بعد الآخر؟ فهل نحكم بالتقارن, وأنهما حصلا دفعة واحدة؟ أو نحكم بالتتابع والترتيب؛ أي: أحدهما ثم الآخر؟

    يقول المؤلف رحمه الله تعالى : (نحكم بالتعاقب لبعد التقارن).

    قال رحمه الله: [ويندرج تحتها صور: منها: المتوارثان, إذا ماتا جملة بهدم وغيره].

    فالمتوارثان مثل الأب وابنه, إذا ماتا بحادث سيارة -كما يحصل كثيراً اليوم- فهل نحكم بأنهما ماتا دفعة واحدة؟ أي: ماتا جميعاً بلحظة واحدة, بحيث أنه لا يرث أحدهما الآخر, أو نحكم بأن أحدهما تقدم؟ المؤلف يحكم بالتعاقب, يعني: أحدهما تقدم, ولهذا المذهب يورثون الأب من مال الابن, والابن من مال الأب على حسب التفصيل عندهم, المهم أنهم يحكمون بالتعاقب, بحيث أنه يورث الابن من مال الأب, والأب من مال الابن.

    ومن الأمثلة قال: [وإذا أقيم في المصر جمعتان].

    أي: إذا أقيم في المدينة جمعتان بلا حاجة, فهل نحكم بأنهما وقعا دفعة واحدة -يعني كبرا للإحرام جميعاً, دفعة واحدة- أو بالتعاقب؟

    يقول المؤلف رحمه الله: نحكم بالتعاقب, وأن أحدهما تقدم.

    ومن الأمثلة قال رحمه الله: [أو زوّج الوليان].

    أي: هل نحكم بأنهما زوّجا في لحظة واحدة؟ يعني: هذا الرجل ولي على هذه المرأة, وهذا الرجل ولي على هذه المرأة؛ مثل: الأخوين الشقيقين, كل منهما ولي لهذه المرأة, فهذا زوّج وهذا زوّج, فهل نحكم بأنهما زوجا دفعة واحدة؟ الجواب: نحكم بالتعاقب, وأن أحدهما صحيح.

    وإذا أسلم الزوجان قبل الدخول, هل نحكم بأنهما أسلما دفعة واحدة وتلفظا بالشهادتين دفعة واحدة؟ أو نحكم بأن أحدهما أسلم قبل الآخر؟ نحكم بالتعاقب, وأن أحدهم أسلم قبل الآخر.

    1.   

    القاعدة التاسعة بعد المائة: في التصرف مع وجود الإبهام أو الاشتباه

    قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة التاسعة بعد المائة: المنع من واحد مبهم، أو معين مشتبه بأعيان...] إلى آخره.

    هذه القاعدة في التصرف مع وجود الإبهام أو الاشتباه, إذا كان هناك إبهام أو اشتباه فهل يجوز التصرف أو لا يجوز التصرف؟ أقول: هذه القاعدة تنقسم إلى أقسام:

    القسم الأول: التصرف في المبهم الذي يؤثر في الحكم ولم يتميز

    فالقسم الأول: قال المؤلف رحمه الله: (المنع من واحد مبهم, أو معين مشتبه بأعيان يؤثر الاشتباه فيها).

    أي: إذا كان هناك مبهم أو مشتبه يؤثر في الحكم، منع من التصرف في الجميع حتى يميز.

    مثال ذلك: قال المؤلف رحمه الله: [منها: إذا طلق واحدة مبهمة، منع من وطء زوجاته حتى تميز بالقرعة].

    أي: يمنع من التصرف في جميع زوجاته حتى يميز المبهم, مثلاً: قال: إحدى زوجاتي طالق, ولا ندري أيهن؟ نقول: لا يجامع أي امرأة من زوجاته حتى يميز المبهم.

    وكذلك قال رحمه الله: [وكذا عتق الإماء].

    يعني: إذا أعتق أمة من إمائه فلا يطأ بقية الإماء حتى يميز التي أعتقها.

    ثم قال المؤلف: [أو اشتبهت أخته بعددٍ محصور من الأجانب].

    وعليه فلا يتزوج من هؤلاء هذه الأجنبيات حتى يميز أخته.

    وقال: (أو ميتة بمذكاة), كذلك لا يأكل من المذكاة حتى يميز الميتة.

    يتلخص لنا القسم الأول: إذا كان هناك مبهمٌ أو مشتبه يؤثر في الحكم منع من التصرف في الجميع حتى يميز.

    القسم الثاني: التصرف في القدر المشترك الذي يحصل به الجمع

    والقسم الثاني: قال رحمه الله: [المنع من الجمع يمنع التصرف في القدر الذي يحصل به الجمع].

    مثال ذلك؛ إذا ملك أختين فله أن يطأ أحدهما, أي: يملك أن يطأ أحدهما, فإذا وطئ إحدى الأمتين -الأختين-, فإنه لا يجوز له أن يطأ الأخرى حتى يخرج التي وطئها عن ملكه؛ لأنه لا يجوز أن يجمع في ملك اليمين بين وطء أختين, فإذا أخرج الموطوءة عن ملكه جاز له أن يطأ الثانية؛ ولهذا قلنا: المنع من الجمع يمنع التصرف في القدر المشترك الذي يحصل به الجمع, وهو الوطء, فلا يطأ الثانية حتى يخرج الأولى.

    القسم الثالث: التصرف فيما لو كان لواحد مزية على الآخر

    والقسم الثالث: قال رحمه الله: [فإن كان لواحد منهما مزيةٌ على غيره, بأن يصح وروده على غيره ولا عكس، اختص الفساد به].

    في مسألة الأختين لا مزية لإحداهما على الأخرى, فإذا تزوج أمّاً وبنتها فهو ممنوع من أن يجمع بالوطء بين الأم والبنت, لكن الأم تحرم بالعقد, والبنت تحرم بالوطء, فإذا عقد على أمٍ وبنتها في عقدٍ فنقول: حرمت الأم ولم تحرم البنت؛ لأن الأم تحرم بالعقد بالبنت, لكن البنت تحرم بالدخول بالأم, وهو لم يدخل بالأم؛ ولهذا قال المؤلف: (فإن كان لواحد منهما مزية على الأخرى بأن يصح وروده على غيره ولا عكس, اختص الفساد به على الصحيح).

    كما قلنا في الجمع بين الأم والبنت, فإذا جمع بين الأم والبنت في عقدٍ فنقول: الفساد يختص بالأم؛ لأنها تتميز بأنها تحرم بمجرد العقد, بخلاف بنت الزوجة الربيبة لا تحرم إلا بالدخول بأمها.

    القسم الرابع: التصرف في القدر المشترك عند اقتضاء العموم

    والقسم الرابع: قال رحمه الله: [والمنع من القدر المشترك كالمنع من الجميع يقتضي العموم].

    مثال ذلك؛ قال لزوجاته: والله لا أطأ إحداكن فيعم الجميع, فلا يجوز له أن يطأ أي واحدة من نسائه حتى يكفر كفارته.

    1.   

    القاعدة العاشرة بعد المائة: من ثبت له أحد أمرين واختار أحدهما هل يسقط الآخر؟

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ القاعدة العاشرة بعد المائة: من ثبت له أحد أمرين, فإن اختار أحدهما سقط الآخر, وإن أسقط أحدهما ثبت الآخر...] إلخ.

    هذه القاعدة: إذا ثبت للشخص أكثر من أمر, فاختار أحد هذه الأمور, أو أسقط أحد هذه الأمور فما الحكم؟ هل يثبت غيره؟ أو نقول بأن غيره لا يثبت. هذه القاعدة تنقسم إلى أقسام:

    القسم الأول قال المؤلف رحمه الله: (من ثبت له أحد أمرين, فاختار أحدهما سقط الآخر), مثال ذلك, قال: [منها: لو عفا مستحق القصاص عنه وقلنا: الواجب أحد أمرين تعين له المال ولو عفا عن المال ثبت له القود].

    إنسان قُتل له قتيل, فله حق القصاص, فلو عفا عن القصاص, فهل يلزم من ذلك أن يعفو عن المال -أي: الدية- أو لا يلزم؟ نقول: لا يلزم، فله أن يطالب بالدية, ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (من ثبت له أحد أمرين, فإن اختار أحدهما سقط الآخر), يعني: إذا اختار ولي الدم القصاص تسقط الدية, وليس له إلا القصاص, وإن اختار الدية سقط القصاص, وهنا قال رحمه الله: (لو عفا مستحق القصاص عنه, وقلنا: الواجب أحد الأمرين، تعين له المال, ولو عفا عن المال ثبت له القود).

    إذاً: القسم الأول: (من ثبت له أحد أمرين, فإن اختار أحدهما سقط الآخر), هنا في حالة القصاص يجب له أمران؛ يجب له القصاص وكذلك أيضاً الدية, فإن اختار القصاص, فالفقهاء لا يقولون: الدية تسقط, لكن هنا قال المؤلف رحمه الله: (سقط الآخر), لكن الفقهاء رحمهم الله لا يرون أن الدية تسقط, وله أن يتنازل إلى ما هو أقل منه, فله أن يتنازل إلى الدية, لكن لو اختار الدية, فليس له أن يطالب بالقصاص.

    الخلاصة في القسم الأول: (من ثبت له أحد أمرين, فإن اختار أحدهما سقط الآخر), مثال ذلك: لو اختار الدية فإنه يسقط القصاص.

    القسم الثاني: أيضاً من ثبت له أحد أمرين, فأسقط أحدهما ثبت الآخر, فلو أسقط القصاص فنقول: تثبت له الدية.

    القسم الثالث قال المؤلف رحمه الله: [وإن امتنع منهما], يعني: امتنع بعد أن ثبت له أحد أمرين, [فإن كان امتناعه ضرراً على غيره, استوفي له الحق الأصلي الثابت له إن كان مالياً].

    ومن أمثلته: امتناع الغريم من قبض حقه. فالغريم إذا امتنع من أن يقبض حقه، فامتناعه هذا يضر بصاحب المال؛ لأن صاحب المال يريد أن يبرئ ذمته, فيستوفيه القاضي من المدين, فالغريم ثبت له أحد أمرين: إما أن يستوفي, وإما أن يسقطه، فإن امتنع من الاستيفاء, فإنه يستوفى له هذا الحق؛ لأن امتناعه هذا ضرر بالمدين, فيستوفيه القاضي.

    القسم الرابع قال رحمه الله: [فإن لم يكن حقاً ثابتاً سقط].

    أي: من ثبت له أحد أمرين فامتنع منهما, وفيه ضررٌ على غيره, وكان حقاً مالياً, ولم يكن حقاً ثابتاً سقط.

    مثاله: الذي تحجر مواتاً, نقول له: لك حق التملك وأنت بالخيار, إما أن تحيي هذه الأرض وحينئذٍ تملك, وإما أن ترفع يدك. فقد ثبت له أحد هذين الأمرين, لكنه امتنع من الإحياء أو رفع اليد، فنقول: يسقط حقه في هذا الذي تحجره.

    القسم الخامس: قال رحمه الله: [وإن كان الحق غير مال ألزم بالاختيار].

    من ثبت له أحد أمرين وامتنع منهما, وفي ذلك ضرر على غيره, وكان ليس حقاً مالياً, فنقول: يُلزم بالاختيار, مثاله: الأمة إذا عتقت تحت الرقيق, ثبت لها واحد من أمرين: إما أن تفسخ عقد النكاح, وإما أن تمضي -أي: تختار زوجها- فإذا امتنعت من الاختيار, نقول: تُلزم بالاختيار.

    وهذا الحق ليس مالياً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756454521