إسلام ويب

الله مولانا ولا مولى لهمللشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عندما يلجأ الإنسان إلى الله يجد المخرج والفرج، وعلى الإنسان المؤمن أن يعلم أن الله معه وهو ناصره ومعينه، وفي المقابل عليه أن يعلم أن سلعة الله غالية، ولينظر إلى الجيل الأول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ضحوا بدمائهم وأموالهم وأنفسهم في سبيل نيلها. وليعلم أن عزة المسلمين بتمسكهم بهذا الدين، ورجوعهم إلى ربهم.

    1.   

    اللجوء إلى الله

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    في أحد وبعد أن انتهت المعركة بما انتهت، إذا بـأبي سفيان -قبل إسلامه- ينادي المسلمين، فكان فيما قال: لنا العزى ولا عزى لكم، أي يخاطب المسلمين بعد جراحهم، وبعد أن قتل منهم من قتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ألا تجيبوه؟! قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) ثم قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال، فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

    الله مولانا ولا مولى لهم، فإنه جل وعلا الذي نصر نوحاً بعد أن تجمع عليه قومه، ولم يبقَ معه إلا القليل من المستضعفين، فسخروا منه، واستهزءوا به، كان معه ضعفاء القوم وأراذلهم، ولكنهم في الإيمان قمم وجبال: قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] نعم. الله مولانا ولا مولى لهم، فرفع نوح يديه إلى الله عز وجل قال تعالى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10] فإذا بسنن الكون تتغير، وإذا بالسماء التي لم تكن تمطر ينهمر منها الماء، وإذا الأرض القاحلة، والصحراء التي ليس فيها ماء تتفجر بالعيون: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:10-12].

    هود عليه السلام جاء قومه يدعوهم إلى الله عز وجل؛ فأرادوا قتله، فقال وقد توكل على الله عز وجل واستنصر به، قال يا قوم: أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دِونِه * فَكِيدُونِي جَمِيعاً [هود:54-55] أي: تجمعوا عليّ كلكم، قال: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ [هود:55] أي: لا تؤخروني بل اقتلوني، واصنعوا ما تريدون، أي قوة يملكها هود عليه السلام، إنه يملك أعظم قوة، إنه التوكل على الله عز وجل: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا [هود:56].

    الله مولانا ولا مولى لهم ، فإذا بقوم عادٍ مرت عليهم الأيام، فأرسل الله عليهم جنداً من جنوده، ريحاً صرصرا في أيام نحسات، إنها ريحٌ شديدة باردة، تحمل الواحد منهم إلى السماء، ثم تطرحه على الأرض؛ فينفصل رأس أحدهم عن جسده: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8].

    كانوا يتحدون ربهم جل وعلا، وكانوا يقولون لهود: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت:29] وكانوا يفتخرون أنهم أعظم قوة على وجه الأرض، فكانوا يقولون: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15] أي: ليس في الأرض قوة أعظم من قوتنا، وهذا جنون العظمة، الغطرسة، الكبر، العتو، ولكن النهاية: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:7-8]

    التوكل على الله والثقة به

    موسى عليه السلام رجلٌ لا يملك إلا أخاه والعصا، دخل على قصر فرعون الجبار الطاغية، الذي من جبروته في الأرض وغطرسته، ومن جنون عظمته أنه كان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] ولا يسمح برأيٍ يخالف رأيه، حتى كان يقول للناس: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29].

    قتل الأطفال..! ما ذنب الأطفال أيها الظالم الجبار؟ استحيا النساء وقتل الأطفال بغير ذنب، واستعبد الرجال بغير ذنب، لأنه جبار في الأرض، فوصل فرعون وجيشه إلى موسى عليه السلام، وما كان مع موسى إلا شيوخٌ ضعاف، ونساءٌ ضعاف، وأطفال صغار، أمامهم البحر، وخلفهم فرعون وجيشه: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] أي: تجمع علينا المشركون، قتلونا: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ [الشعراء:62] ماذا معك يا موسى؟ أسلحة؟ جيوش جرارة؟ موسى لا يملك إلا عصا، وما معه إلا ضعاف القوم، ويستقبلهم طاغية وجيشٌ طاغٍ في الأرض، أسلحة وعتاد؛ لكن موسى عنده سلاحٌ عظيم: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62].

    الله أكبر! إنه اليقين بنصر الله، إنه التوكل على الله، إنه صدق الإيمان بالله، فإذا البحر يأتمر بأمر موسى، فينفلق البحر له، ثم إذا بالبحر يسير فوق فرعون الذي كان يقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] نعم. أبصروك يا فرعون والماء يجري من فوقك، أبصروك والطين في فمك يضعه جبريل فيه، ذلٌ وأي ذل؟ إنه نصر الله جل وعلا دائماً وأبداً لعباده المؤمنين.

    إبراهيم عليه السلام يُلقى في النار فيقول له جبريل: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل، فإذا بالنار: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [الأنبياء:69-70] الله مولانا ولا مولى لهم.

    بكى أبو بكر عندما تجمع المشركون عند الغار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: يا رسول الله! لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا، قال: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟) إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة:40] اثنان يلاحقهما من في الأرض من جيوش وطواغيت، وهما رجلان ضعيفان لكنهما يملكان القوة بالله: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ [التوبة:40] لمَ لا يحزن؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] وهذا هو الفرق، الفرق إن الله عز وجل مع المؤمنين كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257].

    نصر الله لعباده وتأييده لهم

    الله عز وجل مدبر الأمر، مصرف الآيات قال تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] كل ما يحدث في الأرض فبعلم الله، وبقدر الله عز وجل: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:79-80] كل شيء يدبر في السماء بعلم الله وبقدر الله.

    في الأحزاب تجمع الناس على رسول الله، فإذا المنافقون الذين يترقبون الأزمات والفتن ليرفعوا رءوسهم يتكلمون، عندما يتجمع المشركون والأعداء على المسلمين ينطق المنافقون، فهذا وقتهم، وهذا زمنهم، وهذه فرصتهم.

    فإذا بهم يثبطون المؤمنين، ويثيرون القلاقل، حتى قال أحدهم: لا يقدر أحدنا أن يقضي حاجته، ورسولكم يعدكم ببلاد كسرى والروم، كيف هذا؟ ويقولون: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12].

    أما المؤمنون الصادقون، لما رأوا المشركين تجمعوا على المدينة، واليهود نقضوا العهود، والمنافقون يثيرون الفتنة بين الصفوف كما قال تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11] ماذا قال المؤمنون: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22] الله مولانا ولا مولى لهم.

    كان النبي عليه الصلاة والسلام يقاتل وفي قلبه أن الله عز جل هو مولاه، والله عز وجل ينصره، والله عز وجل يتم كلمته، يقول علي بن أبي طالب يصف النبي عليه الصلاة والسلام وهو أشجع الناس: [لقد رأيتني يوم بدر وإنا لنلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذٍ بأساً] فقد كان أشجع الناس محمداً عليه الصلاة والسلام، ولما ولى المسلمون مدبرين يوم حنين يقول العباس: [[طفق الرسول يركض بغلته نحو الكفار، تراجع المسلمون وبقي النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه لم يتراجع؟ تقدم واستقبل صفوف المشركين وكانت صفوفهم كثيرة، والمشركون يتجمعون عليه وهو يستقبلهم على بغلته وبيده عصا، وكان يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) يقول العباس: أنا آخذٌ بلجام بغلته لئلا يتقدم، والنبي صلى الله عليه وسلم يتقدم، ويقول عليه الصلاة والسلام: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب).

    1.   

    صفقة رابحة

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى [التوبة:111] إنها الصفقة، هل بعت يا عبد الله؟ انظر الثمن وانظر السلعة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] نفسك ومالك تعطيها لله والثمن الجنة، وطريقة البيع: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:111] مدافع، صواريخ، رشاشات، قنابل، أسلحة: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111] والضمان من الله: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] لما سمع الصحابة هذه الآيات ضحوا بمهجهم، ضحوا بدمائهم، بل بكوا إذ فاتهم الجهاد في سبيل الله.

    عمر .. هل يوجد بين المؤمنين أمثال عمر؟! هل جعلنا قدوتنا عمر الفاروق، هادم دولة بني ساسان؟ في عهده زال ملك المجوس، وذهبت إمبراطورية كسرى، يقول رستم عن عمر: أكل عمر كبدي أحرق الله كبده، وكذب قاتله الله، بل أطفأ نارهم، ودمر ملكهم، وهز عرشهم:

    يا من يرى عمراً تكسوه بردته     والزيت أدمٌ له والكوخ مأواهُ

    يهتز كسرى على كرسيه فرقاً     من خوفه وملوك الروم تخشاه

    صور من جهاد الصحابة

    علي سيد الشجعان، لما قال مرحب:

    قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطلٌ مجربُ

    إذا الحروب أقبلت تلهبُ

    رد عليه علي فقال:

    أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره

    أكيلهم بالسيف كيل السندره

    إنه علي سيد الشجعان، لما استقبل الكفار هو وحمزة وغيره أنزل الله فيهم: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج:19] قضيتهم الإيمان بالله، وعدوهم الكفر بالله، قضيتهم التوكل على الله، وعدوهم التوكل على غير الله، قضيتهم عقيدة وإيمانٌ وتوحيد.

    الزبير بن العوام حواري رسول الله، يرى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من المشركين يقتل في المسلمين قتلاً عنيفاً فيقول للزبير: يا زبير قم إليه، فقام إليه حواري رسول الله فصارعه فسقطا من الدابة، فوقعا على الأرض، فإذا بالزبير يضربه ضربة على صدره، فيقتله قتلة ما قام بعدها، يقول علي عن الزبير: يغضب كالنمر، ويثب وثب الأسد، زبير في قلبه قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10]* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الصف:11] بأي شيء نجاهد؟ بكل ما نملك: بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ [الصف:11].

    ألم نسمع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها، وموقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود، وهي أعظم ليلة في العام، وأعظم مكانٍ في الأرض لو قامه الإنسان ليلة كاملة .. لكن موقف ساعة في سبيل الله خير من ذلك..

    التضحية في سبيل الله

    البراء بن مالك يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك

    ).

    البراء بن مالك رجلٌ قد باع نفسه لله، رجلٌ بطلٌ شجاع، حتى قال عمر بن الخطاب يخاطب قادة الجيوش: لا تستعملوا البراء على جيش، أي: لا تجعلوه يقود جيشاً، فإنه مهلكة من المهالك، رجلٌ من شجاعته ربما يهلك الجيش كله، في حروب الردة لما قاتل المسلمون مسيلمة وإذا به يتحصن بحصنٍ حصين، لم يستطع أحدٌ من الصحابة اقتحامه، تعلمون ماذا قال البراء؟ قال لأصحابه: احملوني على ترس على أسنة الرماح وألقوني في الحديقة، قالوا: ماذا تقول؟ عملية استشهادية، احتمال النجاة منها (1%) فإذا بهم يرفعونه ويرمونه داخل الحصن، ويدخل الحصن، فيفاجئ المرتدين، فيقاتل هذا، ويدفع هذا، ويرد هذا، هذا يطعنه، وهذا يضربه، حتى يصل إلى الباب، فيفتح باب الحديقة فإذا بالحصن يُفتح، وإذا بالصحابة يقتحمون، وإذا بالمؤمنين ينتصرون، أين الرجال أمثال البراء؟ أين الشجعان أمثال البراء؟! أين المجاهدون المضحون؟ ما الذي يمنعهم؟ إنها الدنيا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] اترك الدنيا، تفكيرك بالأولاد، بالزوجات، بالوظائف، بالأموال، بالتجارات؛ يمنعك عن الجهاد في سبيل الله.

    جعفر كأنه في الجنة قبل الموت، فلما تكسرت الرماح عليه قال:

    يا حبذا الجنة واقترابها     طيبة وباردٌ شرابها

    والروم رومٌ قد دنا عذابها     كافرة بعيدة أنسابها

    ثم استلم الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل وهو يخاطب نفسه يقول:

    أقسمت يا نفس لتنزلنه     لتنزلن أو لتكرهنه

    إن أجلب الناس وشدوا الرنه     ما لي أراك تكرهين الجنه

    ***

    يا أمتي وجب الكفاح     فدعي التشدق والصياح

    لغة الكلام تعطلت     إلا التكلم بالرماح

    إنا نتوق لألسن     بكمٍ على أيدٍ فصاح

    لا بد من صنع الرجال     ومثله صنع السلاح

    لا يصنع الأبطال إلا     في مساجدنا الفساح

    لا يستوي في منطق الـ     إيمان سكرانٌ وصاح

    من همه التقوى وآ     خر همه كأسٌ وراح

    شعبٌ بغير عقيدة     ورقٌ تذريه الرياح

    من خان حي على الفلاح     يخون حي على الكفاح

    نعيم بن مالك وما أدراك ما نعيم بن مالك؟ يقول يوم أحد: يا نبي الله لا تحرمنا الجنة، فو الذي نفسي بيده لأدخلنها، فتعجب النبي وقال: بم ذاك يا نعيم قال: بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (صدقت يا نعيم) فقاتل حتى قتل: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الحديد:19] الشهداء ليسوا في الأرض، الشهداء عند الله عز وجل وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19].

    من جزاء الشهداء عند الله

    يقول عبد الله بن عمرو بن حرام ليلة معركة أحد يخاطب ابنه جابراً: يا بني ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يعلم أنه في الصباح سوف يقتل، ثم قال له: يا بني ولا أحدٌ أعز إلي منك إلا رسول الله، ثم وصاه، يقول: فلما أصبح الصباح يقول جابر: فكان أول قتيل في المعركة، يقول: وبعد المعركة كشفت عن وجهه وبكيت، فقام أصحاب النبي ينهونني عن البكاء، وجعلت عمتي تبكي على أبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ابكيه أو لا تبكيه! فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه) ثم قال لي النبي: (يا جابر ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي! سلني أعطك، فقال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانياً، قال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، فقال: يا رب فأبلغ من ورائي) فأنزل الله بعد أحد قوله جل وعلا: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169].

    والشهيد لا يعذب، ولا يتألم، تقول: لقد سحقته الدبابات، وتفجرت به القنابل، وصرع بالرصاصات، وأحرقته تلك القنابل الذرية والنووية، وربما سقطت على رأسه الصواريخ، أقول لك: إنه لا يتألم إلا كما يجد أحدنا ألم قرصة النملة، ومع أول قطرة دم تخرج منه يطهره الله من كل ذنب، الله أكبر! ثم يرى مقعده من الجنة، ألم ترَ بعض الشهداء يموت وهو مبتسم، يدفن وهو مبتسم، تعرف لم؟ لعله رأى مقعده من الجنة وهو في الأرض، ثم إن الشهيد إذا أدخل القبر يجار من عذاب القبر بنعيم أكبر من هذا، نحن نخاف من ظلمة القبر، نخاف من عذاب القبر، نخاف من جحيم القبر، نخاف من الديدان، نخاف من الثعابين.. أما الشهيد فيجار من كل هذا.

    ثم إذا بعث عند ربه يأمن من الفزع الأكبر، ويبعث الناس على أعمالهم، هو يبعث والدم ينزف من جسمه؛ اللون لون دم والريح ريح مسك، ثم يُلبس تاج الوقار والكرامة، الياقوتة فيه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أهله.

    ثم أرأيت الشهيد الذي يُقتل؛ أتعرف أين هو؟ هو في الجنة، في جوف طيرٍ خضر لها قناديل معلقة تحت عرش الرحمن، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، يطلع عليهم ربهم فيقول: (أتريدون شيئاً؟ أتشتهون شيئاً؟ يقولون: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ حتى يقولون: نريد أن ترد أرواحنا بأجسادنا فنرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى، فيقول لهم ربهم: إني كتبُ أنكم إليها لا ترجعون) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169].

    1.   

    الله مولى المؤمنين

    نعم قد يقتلون الآلاف، نعم قد يسحقون الملايين، قد يدمرون الشعوب، وقد يقتلون الأطفال والنساء والرجال؛ ولكن لا سواء، قتلى المسلمين في الجنة، وقتلى الكفار في النار، الكفار لا يعلمون أن أعظم غاية للمجاهد أن يموت شهيداً، ثم إن حصل له النصر كان بها، وإلا فغايته الشهادة، غايته أن يموت في سبيل الله، يقولون: هزم المجاهد فقتل، نقول لهم: بل انتصر، فإن غايته أن يموت شهيداً، غايته أن يدخل الجنة، وما خرج إلا للشهادة، فإن حصل النصر فـوَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ [الصف:13]

    أهل الأعذار يصرون على القتال

    أهل الأعذار كانوا يتمنون الجهاد، بل ذهبوا للجهاد، هذا أعرج قد عذره الله عن الجهاد عمرو بن الجموح، يقول لأبنائه جهزوني، فيمنعونه ويأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: (لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة) وهو يقول لأبنائه: والله لأطأن بعرجتي الجنة، فقاتل حتى قتل في أحد .

    ابن أم مكتوم أعمى لا يُبصر، قال: أريد الجهاد، قالوا له: ماذا تصنع بالجهاد؟ قال: والله لأذهبن إلى الجهاد، قالوا: ماذا تريد أن تصنع؟ قال: أمسك لكم الراية، فمسك الراية فتكسرت الرماح عليه، فقتل واستشهد في سبيل الله وهو ممسك براية الإسلام، قتل ولكنه ما مات إنها الرجولة أيها المسلمون مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].

    حنظلة في ليلة زفافه يجامع زوجته ويسمع منادي الجهاد ينادي: حيَّ على الجهاد، حيَّ على الجهاد، فإذا به ينتفض ويقوم من الفراش، ويلبس ملابسه، ويحمل سلاحه فيقاتل حتى يقتل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيته يُغسل بين السماء والأرض بصحاف من ذهب) ماذا صنع؟ قاتل ولم يغتسل من جنابة

    يقول أنس لـسعد: ما أجلسكم يا سعد؟ قال: قتل رسول الله، قال: قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم ذهب فقاتل حتى قتل رضي الله عنه.

    عزة المسلمين

    خالد بن الوليد كم معركة خاضها، لم يمت في المعارك؟!!

    كنا جبالاً في الجبال وربما     صرنا على موج البحار بحارا

    بمعابد الإفرنج كان أذاننا     قبل الكتائب نفتح الأمصارا

    لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها     سجداتنا والأرض تقذف نارا

    إنه الجهاد في سبيل الله، إنها الشهادة.

    نعم. قد يقتل من المسلمين ما يقتل، قد يثخن فيهم الجراح؛ ولكن: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ [النساء:104] والفرق: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104].

    أحد قادة الكفار ماهان يخاطب خالد بن الوليد يقول له: إنا قد علمنا أنه ما أخرجكم من بلادكم إلا الجُهد والجوع.

    أي: نحن نعرف أنكم جياع مساكين، وأنه ما أخرجكم إلا التعب والنصب والجوع، يظنون المسلمين يريدون طعاماً أو شراباً، يظنون المسلمين يريدون المنافع من المراكب، والبيوت الفخمة، ويريدون طيب العيش، مساكين! قال ماهان يخاطب خالداً: علمنا أنكم خرجتم جائعين، فهلموا نعطي كل رجلٍ منكم عشرة دنانير -رشوة- وكسوة وطعاماً وترجعون إلى بلادكم، وكل سنة نعطيكم مثل هذا المال.

    انظروا إلى الرشوة، فقال خالد بن الوليد: (والله لم يخرجنا من بلادنا هذا غير أنا قومٌ نشرب الدماء -الله أكبر إنها الحرب النفسية قبل أن تكون جسدية- وأنه قد بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم فجئنا لذلك) أي: جئنا لنشرب من دم الروم.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] انظروا إلى صفات أولياء الله؛ أول صفة: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54].

    عاقبة ترك الجهاد

    يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا تباعيتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر -ربا ودنيا وشهوات- وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) وقال في الحديث الآخر: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم -يهود، نصارى، شيوعيون، هندوس، لا تينيون- يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثير، لكنكم غثاء كغثاء السيل، قد أوهن قلوبكم حب الدنيا وكراهية الموت).

    في إحدى المعارك كان عدد الروم النصارى مائتين وخمسين ألف مقاتل -ربع مليون- والمسلمون أقل من اثنين وثلاثين ألفاً في عهد أبي بكر، وكان أبو عبيدة قد أرسل إلى أبي بكر: أما بعد: فإن الروم ومن كان على دينهم من العرب -أي: من حلفائهم النصارى- قد أجمعوا على حرب المسلمين، ونحن نرجو النصر، وإنجاز موعود الله تبارك وتعالى، قال: وأحببت أن أعلمك بذلك لترينا رأيك، فقال الصديق بعد أن ثبت قلوبهم، وشجعهم، وبعد أن دعاهم إلى الجهاد في سبيل الله؛ قال: خالدٌ لها، خالدٌ لها، والله لأنسين الروم وساوس الشياطين بـخالد بن الوليد .

    فإذا بالصحابة يقاتلون فيدكون الأرض دكاً تحت أقدامهم، يأتيهم من الأفق نداء الله عز وجل وهم يقاتلون: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة:14]* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [التوبة:15] فإذا بـخالدٍ يدك الأرض دكاً.

    وتمضي قوافل المجاهدين، والجهاد باقٍ إلى أن تقوم الساعة قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من هذه الأمة تقاتل في سبيل الله حتى يقاتل آخرهم الدجال) القتال ماضٍ، والجهاد ماضٍ، والخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] الله مولانا ولا مولى لهم!

    1.   

    الولاء والبراء

    الله مولانا نوالي فيه، ونعادي فيه، نحب من أحب الله ورسوله، ونعادي كل من عادى الله ورسوله، نحب في الله، ونبغض في الله، نحب المؤمنين في أي مكان في الأرض، ومن أي جنسٍ، نواليهم في الله: (فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه).

    (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) الحديث، حتى العاطفة فقدت في قلوب كثيرٍ من المسلمين اليوم، أين الولاء في الله؟ أين البراء في الله؟ أسوتنا بإبراهيم عليه السلام: وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] لا نحب الكافرين ولو كانوا أقرب الناس إلينا، لا نحبهم ولا نواليهم، بل نعاديهم في الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] أي: اليهود والنصارى ومن حالفهم وشايعهم؛ بعضهم أولياء بعض: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [المائدة:51] وأعظم الولاء الحب والنصرة، فمن أحبهم ونصرهم فهو منهم: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].

    ومن اتخذهم أولياء، فإنه ليس له من الله في شيء، الله عز وجل يتبرأ منه: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28] بل إن الله نفى الإيمان عنهم: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]

    المنافقون والفتن

    وهنا يبرز المنافقون، ويرفعون رءوسهم، هنا وقت الفتن والمحن، إذا اشتد الأمر على المؤمنين الصادقين تكلم ونطق المنافقون، ماذا يقولون؟ وماذا يصنعون؟ هذا وقتهم قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الحشر:11] الله عز وجل قال إخوانهم أي: كفار مثلهم: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر:11].

    هذا وقت المنافقين، مذبذبين لا تعرف حقيقتهم، هل هم مع المؤمنين أم مع الكفار: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ [النساء:138] الذين يشايعون اليهود والنصارى والكافرين: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:138-139] تعرف لم يصنعون هذا؟ يريدون النصر منهم، والعزة بهم: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء:139].

    هكذا هم في حقيقتهم يتبعون اليهود والنصارى: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه) الله مولانا ولا مولى لهم.

    وألف بين قلوبهم

    أيها الإخوة الكرام! بشائر النصر قد ظهرت، وقد لاحظتموها، هاهم المؤمنون الصادقون في مشارق الأرض ومغاربها -وكما قيل: رب ضارة نافعة- كلهم قد أشعلت في قلوبهم جذوة الإيمان، قد رفعوا رايات وكتبوا عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، شعارهم: الله أكبر والعزة لله، أعلامهم ليس فيها إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ما الذي جمعهم؟ ما الذي ألف بين قلوبهم؟ ما الذي أحيا الإيمان في قلوبهم؟ إنه الله عز وجل.

    ألا ترون إلى المساجد كيف تمتلئ؟ ألا ترون النساء كيف يقبلن على الحجاب؟ ألا ترون الناس يقبلون على دين الله عز وجل أفواجاً؟ ألا ترون الشعوب كلها تطالب بتحكيم شرع الله؟ لا عزة إلا بتحكيم الشرع، لا نصر إلا بالرجوع إلى الكتاب السنة: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي).

    ألا ترون طلائع الجهاد في سبيل الله، كلما أراد الكفار أن يطفئوا نور الله فإن الله عز وجل يظهر دينه: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] كم نسمع في هذه الأيام من التائبين الذين يقبلون على دين الله أفواجاً، وأعداد لا نحصيهم، دعاهم الله جل وعلا.

    يقبلون على الدين بغير دعاته إلى الله، قوافل كثيرة يقبلون على دين الله، بل كم وكم نسمع هذه الأيام من الشباب الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيل الله، قبل أيام كانوا في المراقص، قبل أيام كانوا في الملاعب، قبل أيام كانوا لابد يدخلون المساجد، أما اليوم يبكون من خشية الله، يبكون توبة لله، وأحدهم يقول: أريد الجهاد في سبيل الله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ [يوسف:110].

    إذا ظن الناس أنه لا مفر ولا نجاة، جاء نصر الله عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ [النور:55] أبشروا فإن الخلافة ستعود، خلافة على منهاج النبوة، ولا تزال في هذه الأمة طائفة على الحق ظاهرين، وسوف يعود النصر للمسلمين، وسوف يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها.

    أبشروا أيها المؤمنون، وعليكم بالدعاء: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] عليكم بالثلث الأخير، عليكم بالدعاء في السجود، فإن الدعاء سلاح المؤمن، الدعاء يفوق الصواريخ، ويفوق القنابل، ويفوق المتفجرات، الدعاء سلاح المؤمن: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].

    أشعلتها من دمي جمراً وبركاناً     أججتها من قرار القلب نيرانا

    فلا لشرق ولا غربٍ نطأطفها     تلفظ الجبهة الشماء إذعانا

    إن البطولة صاغتها عزائمنا     فجراً منيراً وتحريراً وإيمانا

    يؤجج النار في أعماق إخوتنا     ويزهق الباطل المدحور مذ كانا

    هدي الرسول رسول الله لقننا     أن الهزيمة ليست من سجايانا

    فبورك الدم روى قرب معتركٍ     أرواحنا في لظاه من عطايانا

    جند العقيدة يمضي ركبنا قدماً     فلا يخلف طاغوتاً وأوثانا

    نحرر الأرض من أغلال تجزئة     قد مزق الدار أقطاراً وأوطانا

    نحرر الفطر من أغلال مهزلة     وردة مالها إلا سرايانا

    نحكم الشرع منهاجاً لأمتنا     ونحمل المشعل الوقاد فرقانا

    منهاجنا قلعة في القلب نحرسها     وبالدماء لها أغلى ضحايانا

    تأبى عقيدتنا تأبى شريعتنا     أن يصبح الناس أدياناً وقطعانا

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداء الدين، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره، ورد كيده في نحره، اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم أعداء المسلمين من اليهود والنصارى ومن شايعهم، اهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، اللهم شتت جمعهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم مزق جمعهم، اللهم انصر عبادك المجاهدين، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم اجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم ارفع راية الجهاد، اللهم ارفع راية الجهاد، واقمع أهل الكفر والفساد، اللهم انصر عبادك المسلمين، اللهم انصر عبادك المسلمين في كل مكان.

    أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718694

    عدد مرات الحفظ

    764897827