إسلام ويب

تفسير سورة العادياتللشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أقسم الله تعالى بالعاديات، وهي الخيل التي يخرج عليها المؤمنون للجهاد في سبيل الله، وقد أقسم الله تعالى بها ذاكراً بعض ما يحدث لها، من الضبح وهو صوتها، وإثارة النقع وهو الغبار حين تمشي في أرض المعركة، ونحو ذلك، كل هذا القسم لبيان أن الإنسان جحود لنعم ربه، شديد الحب للمال والدنيا، ثم ذكَّر الله هذا الإنسان بيوم البعث والجزاء والخروج من القبور، ليجازى بما عمل في الدنيا وأحصاه الله تعالى عليه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والعاديات ضبحاً ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن سورتنا الليلة لسورة مباركة ميمونة، إنها سورة العاديات، فهيا مع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على دراستها وتفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    وقراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ [العاديات:1-11].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1]. ما العاديات؟ العاديات: جمع عادية، وهي الفرس تعدو وتمشي وتجري.

    وقوله: ضَبْحًا [العاديات:1] أي: في مشيها حمحمة، وهي مدفوعة إلى الأمام للجهاد في سبيل الرحمن، أقسم الله بها فقال: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1].

    ثم قال تعالى: فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا [العاديات:2] أيضاً الموريات خيل للجهاد تمشي بالليل فيظهر لهب النار تحت رجليها. أي: توري النار تحت رجليها.

    ثم قال تعالى: فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا [العاديات:3] أي: تلك التي مع الصباح يقودها رجالها ويركبون عليها لإغارتهم على العدو؛ لهداية الخلق وإدخالهم في الإسلام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فأثرن به نقعاً * فوسطن به جمعاً)

    ثم قال تعالى: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا [العاديات:4] النقع: الغبار تحت أقدامها.

    فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا [العاديات:5] أي: جمع العدو وتجمعاته وسطن به وسطه. أي: وصلت الخيل عليهم.. الفرسان المجاهدون في وسط المقاتلين الكافرين.

    حكم الحلف بغير الله تعالى

    هذه هي يمين الله فاسمعوها: (( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ))[العاديات:1-5]. وهل الله يحلف؟ إي والله، لله أن يحلف بما شاء، ولكن هذا الحلف بالخيل التي أعدت للجهاد في سبيل الله، وعليها رجال الإيمان يركبونها ويقودونها ويصيرون بها إلى العدو؛ ليدخلوه في الدين والإسلام، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أقسم الله بالعاديات والموريات والمغيرات صبحاً -أي في الصباح- فعلمنا أن الله تعالى يحلف بما يشاء من خلقه، وقد حلف بالشمس وضحاها، وبالليل إذا يغشى، وبالنهار إذا تجلى، وبالسماء ذات البروج، وبالسماء والطارق، وحلف برسول الله فقال: (( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ))[الحجر:72] فلله أن يحلف بما يشاء، وأما عبيده فلا يجوز لهم أن يحلفوا بغير ربهم. فلا يحل لمؤمن ولا لمؤمنة أن يحلف بغير الله لا بالأب ولا بالأم، ولا بالسيد ولا بالمسيود، ولا بأحد، وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب فيقول: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ). والعوام اليوم يحلفون بغير الله فيقولون: وحق كذا، ورأس كذا، والطعام والملح؛ لأنهم ما عرفوا الله ولا عرفوا حقه، وما جلسوا هذه المجالس ولا سمعوا، فكيف يعرفون؟ بل يقلد بعضهم بعضاً فيحلفون حتى بالطعام. فلنعلم معشر المؤمنين والمؤمنات! أن لله أن يحلف بما يشاء، لكن عبيده لم يأذن لهم.. لم يسمح لهم أن يحلفوا بغيره أبداً، لا بالرسول ولا بالكتاب، ولا بالكعبة، ولا بالسماء ولا بالأرض، فاليمين بالله فتقول: والله.. وتالله.. وبالله، هذه هي اليمين الشرعية. أقسم تعالى بهذه: (( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ))[العاديات:1-3] ثلاثة أصناف من خيول الجهاد. والآن هل الخيول الآن تجاهد؟ وهل أهلها يركبون للجهاد؟ الجواب: لا. الآن النفاثات.. الطائرات التي تحمل النفاثات المدمرة، فعلى المسلمين إذاً أن يملكوا هذه الطائرات ويصنعوها ليقاتلوا بها، أو يشترونها بأموالهم، لا بد من هذا؛ لأن الخيل وقفت، ما بقي لها مكان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الإنسان لربه لكنود)

    ثم قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] هذا الذي حلف من أجله، حلف من أجل أن الإنسان لكنود، أي: لجحود، لكفور بربه عز وجل.

    الإنسان قبل أن يؤمن فيحيا .. قبل أن يهذب ويؤدب بآداب الإسلام، هذا الإنسان، هذا وصفه: جحود، كنود، عنود، كفور لربه.

    هل الكافر يذكر الله؟ هل يشكر الله؟ هل يعبد الله؟

    الجواب: لا. لأنه كالميت، وهذا طبع الإنسان، إلا إذا آمن وأسلم قلبه ووجهه لله وعبد الله فحينها يصبح غير هذا الإنسان الكافر الجحود، ومثل هذا قوله تعالى من سورة المعارج: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21]. إذا مسه الشر يصرخ ويبكي و.. و.. وإذا مسه الخير يجحد ذلك ولا يتكلم به.

    ذكر ما يخرج به الإنسان من دائرة الكنود

    متى يخرج الإنسان من هذه الورطة؟

    بين تعالى فقال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:22-34] ثمان مواد، وقد كررنا هذا مرات.

    متى تخرج من دائرة الإنسان الكافر الكنود الجحود؟

    الجواب: إذا أنت استعملت هذه المواد الثمان، حينها تتغير تماماً ولا تصبح ذاك الإنسان الكنود، ولا ذاك الذي إذا مسه الخير منع، وإذا مسه الشر جزع.

    ثمان مواد أعيدها لكم: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:26-34] هؤلاء يصبحون إذا مسهم الخير يشكرون، وإذا مسهم الشر يصبرون، هذا هو الإنسان ابن آدم، إما أن يؤمن ويسلم فيتهذب ويتأدب، وإما أن يبقى كالحيوان، بل شر الحيوان، فلهذا وجب على المسلمين أن يركبوا الخيول لينشروا الإسلام بين الناس لينقذوهم من هذه الورطة التي هم عليها، قال تعالى: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الإِنسَانَ [العاديات:1-6] الكافر، الذي ما آمن ولا استقام على دين الله، إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6].

    وبيان ذلك: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21] وهنا: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:6-8].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإنه على ذلك لشهيد)

    ثم قال تعالى: وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ [العاديات:7] أي: أن الإنسان يشهد على أنه إذا مسه الخير يمنع، وإذا مسه الشر يجزع، والله عز وجل شهيد على الإنسان الذي خلقه .. شهيد على جزعه وانقباضه، وعلى منعه الخير وشركه وكفره، فالآية يصح فيها أن نجعلها لله وللعبد.

    وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ [العاديات:7] أي: يشهد بهذا ويعرفه، والله عز وجل شهيد عليه بذلك، إذ هو خالقه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد)

    ثم قال تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8] الخير هنا: المال بإجماع المفسرين. وفي لغة العرب يطلقون لفظ الخير على المال، والواقع شاهد، وكلنا يعرف هذا ويعلمه، لكن المؤمن التقي البر النقي الذي عرف ربه وعبده فهو لا يحب المال أبداً، ولا يرغب فيه أكثر من الحاجة، لكن الذين فقدوا الإيمان وهداية الله بالإسلام وعبادات الله هذا هو وضعهم لِحُبِّ الْخَيْرِ [العاديات:8] أي: المال لَشَدِيدٌ [العاديات:8] حقاً وصدقاً.

    واسأل اليهود والنصارى والمشركين والبوذا تجدهم يحبون المال ولا يتصدقون به، بل يحبونه كما أخبر الله تعالى حباً شديداً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور)

    ثم قال تعالى موبخاً مؤدباً: أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:9-10].

    أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ [العاديات:9] هذا الكافر.. هذا الجحود.. هذا الكنود، هذا الذي لا يصبر عند المصيبة، هذا الذي لا يشكر عند النعمة!

    أفلا يعلم أنه إذا بعثر ما في القبور، وخرجت البشرية كلها من تحت الأرض في نفخة إسرافيل الثانية وتبعثرت القبور ونثرت ما فيها.

    وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:10] وبرز وعرف ما كان في صدره من خير أو شر.. من إيمان أو كفر.. من صدق أو تكذيب.

    وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:10] ما في صدور البشرية التي بعثها الله من تحت الأرض وأخرجت صدورها ما فيها من إيمان، من كفر، من كذا.. وهو معلوم لله عز وجل، بارز ليس فيه خلاف.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن ربهم بهم يومئذ لخبير)

    ثم قال تعالى: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ [العاديات:11] لا يستطيعون أن يجحدوا أو ينكروا أو يكذبوا، ويقولون: لا. ما كفرنا، وما سرقنا، وما زنينا.

    لا يقدرون على هذا أبداً، لأن ما في صدورهم برز وظهر وعرف في وجوههم، وربهم خبير بهم مطلع عليهم، ولم يبق إلا جزاؤهم وهو جهنم، والعياذ بالله تعالى.

    هؤلاء الذين يوصفون بالكنود، أي: الجحود والكبر والكفر والتكذيب -والعياذ بالله- وحب الدينار والدرهم والإعراض عن ذكر الله، هذه هي حالهم، ومصيرهم إلى عالم الشقاء .. إلى جهنم وبئس المصير.

    كفر الإنسان وجحوده لنعم الله عليه

    لم حلف الله بهذه الأيمان الثلاثة؟

    حلف على هذه الحقيقة: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] والله إن الإنسان لكنود.

    إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] أي: لجحود به، لا يعترف بالله عز وجل، لو عرف الله ما كان ليكفر.

    لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] أي: لا يحمد الله، ولا يشكره، لو يعيش في الذهب يتقلب ليل نهار لا يقول: الحمد لله ولا يشكر الله؛ لأنه كافر، وقد علمنا أن الكافر ميت لا يستجيب لدعوة الخير أبداً إلا إذا آمن واستقام، أما وهو كافر فهو كالميت لا يعقل ولا يسمع ولا يستجيب: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80]، وفي آيات كثيرة يشبه الكافر كالميت، فإذا نفخت فيه روح الإيمان وحيي مره يفعل، انهه يترك، ادعه يستجيب؛ لأنه حي.

    وقد بينت لكم أيضاً آية المعارج: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19] هذا طبعه إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21]، فإذا كان حال إنسان هكذا فعليه أن يدخل المستشفى الرباني ويعالج نفسه بثمانية أدوية فيزول هذا، فيصبح إذا مسه الخير لا يمنعه، وإذا مسه الشر لا يجزع ولا يسخط، بل يحمد الله ويشكره ويصبر على البلاء، ثمان مواد.

    والدواء الآن فيه مادة ومادتين وثلاث وأربع وثمان مواد، فكذلك هذا العلاج .. علاج الإنسان، علاج طبعه وفطرته التي خلق عليها، فإن الإنسان لجزوع، إذا مسه الخير منوع وإذا مسه الشر جزوع.

    الإنسان لكنود، والله إنه لربه لكنود .. جحود يجحد الله عز وجل، يجحد نعم الله عز وجل، لا يذكر ولا يشكر، والعياذ بالله.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:

    أولاً: الترغيب في الجهاد والإعداد له كالخيل أمس، ونفاثات الطائرات اليوم ].

    من هداية الآيات: الترغيب في الجهاد، وفي الأمس كانت الخيول واليوم النفاثات، فالخيول كانت فيما مضى تستعمل للجهاد، أما الآن فإن الخيول لا تستخدم وإما تستخدم الطائرات النفاثة، وسبب الترغيب في الجهاد:

    أولاً: أن الجهاد يبقي المسلمين على كمالهم وطهرهم.

    ثانياً: أنه يدخل البشرية في رحمة الله.

    [ ثانياً: بيان حقيقة: وهي أن الإنسان كفور لربه ونعمه عليه، يذكر المصيبة إذا أصابته وينسى النعم التي غطته إلا إذا آمن وعمل صالحاً ]. قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] إذا مسه الخير منع وكفر وصاح، وإذا مسه الشر يجزع ويسخط وهكذا.. إلا إذا آمن وأسلم وتأدب بهذه الآداب الإلهية وتخلق بهذه الأخلاق فحينئذٍ يصبح إذا مسه الخير صرفه وأنفقه، وإذا مسه الشر لم يجزع أبداً ولم يغضب بل يرضى بما حكم الله عليه.

    [ ثالثاً: بيان أن الإنسان يحب المال حباً شديداً إلا إذا هذب بالإيمان وصالح الأعمال ].

    من هداية الآيات: بيان أن الإنسان رجلاً أو امرأة، في الأولين والآخرين، يحب المال، إلا إذا تهذب بالإيمان وعرف قيمة المال فحينئذٍ لا يحبه؛ لأن حب المال مفطور عليه الإنسان، وكل إنسان يحب المال، لكن الصابرين الصادقين المؤمنين حبهم له لا يمنعهم من الزكاة، ولا يمنعهم من الإنفاق في سبيل الله، ولا يدفعهم إلى الربا، ولا يمنعهم من فعل الخير أبداً، لأنهم أحياء، أما الكافرون فأموات.

    [ رابعاً: ] وأخيراً [ تقرير عقيدة البعث والجزاء ] إذ قال تعالى: أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:9-10] ففي يوم القيامة يبعثر ما في القبور، ويخرج الأموات من القبور، ويقفون بين يدي الله وما في صدورهم فيتضح ويظهر ويحكم الله عز وجل بحكمه فيهم، فأهل الإيمان وصالح الأعمال إلى اليمين .. الجنة، وأهل الشرك والكفر والفسق والفجور إلى الشمال .. إلى النار، والعياذ بالله تعالى.

    وصلى وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756467749