إسلام ويب

الرباللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الربا مرض عظيم يفتك بالمجتمع، ويقطع الأواصر، وينشر الاستغلال، وينزع الرحمة، ويحل الغضب والحرب من الله، والتحايل عليه لا يجدي عند الله، ولا يخرجه عن اسمه، ولا يعفي مرتكبه من أنه قارف كبيرة، وهذه الخطبة تتحدث حول الربا وأحكامه.

    1.   

    مفاسد الربا

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى: (ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة).

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    النهي عن الربا في القرآن والسنة

    فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، اتقوا ربكم الذي أمركم بالحلال ونهاكم عن الحرام، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:130-132].

    نعم. يا عباد الله! هذا القرآن العظيم صارخاً ومحذراً من هذه الجريمة الوخيمة، ومتوعداً من ارتكب هذه الكبيرة ألا وهي الربا، ثم تأتي السنة، الوحي الثاني وتحذر تحذيراً بليغاً، ويقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: ما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلان المؤمنات} حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.

    الشاهد من هذا الحديث: (أكل الربا) فأكل الربا من الموبقات المهلكات، أكل الربا من كبائر الذنوب.

    أيضاً في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الربا ثلاثٌ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه}.

    أيضاً: {لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء -يعني: في الإثم-} حديث صحيح رواه الإمام مسلم.

    أيها المسلمون! لقد توعد الله آكل الربا بالنار، وآذنه الله بالحرب، ولعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يتب ومات على تلك الحالة، يقول صلى الله عليه وسلم: {درهمُ رباً يأكله الرجل وهو يعلم أنه رباً أشد من ستٍ وثلاثين زنيه}.

    ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء: {ورأيت رجلاً يسبح في نهر دم، وكلما جاء يخرج من هذا النهر استقبله رجلٌ آخر على شاطئ النهر وبين يديه حجارة ويرجمه بحجرٍ في فيه حتى يرجع حيث كان}. وسأل عنه صلى الله عليه وسلم -سأل عن هذا الرجل الذي يعذب في هذا النهر من الدم ويلقم الحجارة- فأخبر أنه كان آكل الربا.

    الربا مفسدة على المجتمع

    أيها المسلمون! إن الربا فسادٌ في المجتمع، واستغلال يبنى على الشح والطمع، آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يتخبطه الشيطان من المس، وذلك علمٌ لأكلة الربا يعرفهم به أهل الموقف، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديثٍ مرفوع: {إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله؛ أنزل الله بلاءً فلا يرفعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم}.

    ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله بهلاكها]].

    وكما ذكرنا في الحديث السابق: أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم ويلقم الحجارة؛ والحجارة هو المال الذي جمعه من حرام، فكما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا يبتلع هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    صور التحايل على الربا

    أيها المسلمون: احذروا من الربا، احذروا من الربا يا عباد الله، والربا كثير، وقد كثر في بلدان المسلمين.

    ربا البنوك

    إن للتحايل على الربا صوراً كثيرة أكثرها شيوعاً ما ظهر في البنوك علانية بين أظهر المسلمين؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.

    طريقة المداينة

    ومنها يا عباد الله! طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس وهي: أن يتفق الدائن والمدين أولاً على المعاشرة، يتفق معه على الدراهم يقول: أريد عشرة آلاف ريال العشرة بعشرة ونصف أو العشرة اثنا عشر أو العشرة إحدى عشر مثلاً، ثم يذهب الدائن والمدين إلى صاحب دكان عنده أموال مكدسة إما سكر أو ربطات خام أو غيرها، فيشتريها الدائن شراءً صورياً تحيلاً على الله ليس له بها غرض سوى الوصول إلى بيع العشرة بعشرة ونصف أو العشرة بإحدى عشرة أو العشرة باثني عشر إلى غير ذلك من الحيل، والدليل الذي يوضح أنه شراء صوري أنه لا يكاثر بالثمن، ولا يقلب السلعة، ولا يفتشها كما يفعل المشتري حقيقة، وربما كانت تلك الأموال قد أفسدها طول الزمن، أو أكلتها الأرض؛ لأنها لم تنقل وإنما جعلت حيلاً للربا، جعلت فخاً ليصطاد بها الفقراء المحتاجين؛ الذين تحوجهم الدنيا حتى يأتون إلى أهل الطمع والجشع ليصطادوهم بذلك الفخ.

    عباد الله: هذا الشراء الصوري؛ يبيع الدائن هذه السلع على المدين اتفاقاً عليها في الربح ثم يعود المدين فيبيعها على صاحب الدكان وهي في محلها، ويخرج من الدكان بدراهم؛ وهذا هو عين التحايل.

    مفاسد ومحاذير البيع الصوري

    أيها المسلمون: إن المداينة بهذا البيع الصوري الذي يعلم الله جل وعلا ويعلم المتبايعان أيضاً أنهما لم يريدا حقيقة البيع وإنما أراد دراهم بدراهم فإن هذه المداينة تشتمل على عدة محاذير:

    الأول: أنها تحايل على المحرم وخداع لله ورسوله، والخداع من عادة المنافقين قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [البقرة:9]. فنقول لهذا المتحايل: إن حيلتك لن تغني عنك من الله شيئاً: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] ألم تعلم أن الله يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] ألم تعلم أن الحساب يوم القيامة على ما في قلبك أيها المخادع.

    والمحذور الثاني: أن هذه المعاملة توجب قسوة القلب والتمادي في الباطل.

    والمحذور الثالث: أن في هذه المعاملة معصية لله ورسوله فقد {نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حتى تنقل} فكيف يليق بصاحب الدكان أن يشتريها بعدما بيعت وهي في مكانها، قال ابن عمر رضي الله عنهما: {كان الناس يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه} رواه البخاري.

    وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تبتاع السلع -أي: تشترى- حتى يحوزها التجار إلى رحالهم} فكيف ترضى لنفسك أيها المسلم أن تتعامل بمعاملةٍ تكون فيها معصية لله ورسوله والوقوع فيما حذر الله ورسوله منه من أجل كسبٍ لا يعود عليك بالخير والبركة، بل يعود بالحرمان من رضا الله والمباءة بسخط الله، فتب إلى ربك واتق الله في نفسك، واعرف حقيقة الدنيا وأنها زائلة لا تقدمها على الآخرة.

    اللهم ووفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، اللهم ووفقنا للزهد والورع، وجنبنا ما فيه هلاكنا من الشح والطمع، واجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه ورأى الباطل باطلاً واجتنبه إنك جوادٌ كريم رءوفٌ رحيم.

    وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    من آثار الربا

    الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، والناهي والمحذر عن سخطه ونيرانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    الكسل والبطالة

    فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى، واحذروا عقوبة المعاصي في الدنيا والآخرة ومنها: جريمة الربا التي تقضي على المودة والتراحم بين المسلمين، وتؤدي بالأغنياء إلى الكسل، وتصرفهم عن الأعمال المشروعة للكسب الحلال إذ يفضل الأغنياء التعامل بالربا مع راحة البدن على الاشتغال بالزراعة والصناعات، أو التجارة ونحوها مما يحتاج إلى تعب البدن وعنائه؛ ولا شك أن هذا ينشر البطالة، ويقتل روح التنافس بين أصحاب الحرف، ويؤدي إلى نقص الإنتاج وقلة موارده، وينتهي الأمر إلى الغلاء، أما إذا سد باب الربا استعمل الغني أمواله بالأمور النافعة بدلاً من تعطيلها وبدلاً من استعمالها بالربا.

    الأمراض والمصائب والفتن

    أمة الإسلام: الإسلام حرم الربا؛ لأنه يساعد على خلق النظام الفاسد المخرب، الربا سبباً لجلب غضب الله عز وجل، ومنها تسليط الأمراض وناهيك بأمراض انفتحت علينا لا نعرف اسمها ولا يعرفها آباؤنا ولا أجدادنا في الزمان السابق، إنما لما تعامل الناس بالربا وصار البعض من الناس يرتكب جريمة الزنا؛ تسلطت تلك الأمراض، وبعض الكوارث لمن يتعاملون بالربا ولمن يرتكبون الزنا فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد يقضي على حياتهم.

    ومضار الربا شديدة أليمة وعاقبتها وخيمة، الذين يتعاملون بالربا تضطرب نفوسهم، وتختل عقولهم، وتراهم إذا قاموا وساروا يتخبطون كمن أصابه مس من الجنون، لا فرق في هذا بين الدائن والمدين، وإنما أصابهم ذلك؛ لأنهم استحلوا الربا وعدوه كالبيع، وغاب عنهم أن هناك فرقاً عظيماً يجعل البيع حلالاً والربا حراماً.

    ويخشى على آكل الربا من سوء الخاتمة، فإليكم التفصيل من كلام الله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].

    اللهم عافنا من أحوالهم ومن مآلهم إلى النار وهم فيها خالدون.

    عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً}.

    اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.

    حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول لنا ولا قوة إلا بك.

    اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ووفقهم لإزالة المنكرات وأعنهم عليها يا رب العالمين، وارزقهم بغضها يا حي يا قيوم، اللهم وارزقهم بغض المنكرات، وأعنهم على تغييرها وإزالتها بحولٍ منك وقوة فإنك على كل شيء قدير.

    اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين.

    اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين واجعلهم قرة أعينٍ لوالديهم.

    اللهم ردنا إليك رداً جميلاً واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756454212