أما بعد:
فقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالنكاح في عدة آيات فقال: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:3-4]، وقال تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:20-21].
وقال عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].
دلت هذه الآيات على الأمر بالتزوج وجوباً أو استحباباً بحسب الأحوال.
وقال عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين تربت يمينك) وذلك لنفعها زوجها في دينه ودنياه، ولحفظها نفسها وماله وحسن تدبيرها، ولأنها تحفظ نفسها وماله وتحسن التدبير وتنفع العائلة وتربي الأولاد تربيةً دينية.
وكذلك لا يعضلها فيحبسها عن الرجال الأكفاء، وأن المرأة الرشيدة إذا طابت نفسها له بشيء من صداقها فله أكله بلا حرج إن لم يكن بسبب حبسه لها وعضله؛ لأن عضلها ظلم، فإن بعض الرجال الظلمة يفعلونه لكي تفتدي منه بما أعطاها أولاً أو ببعضه، فيكون قد أتى إثماً عظيماً، وقد بين تعالى أن الحكمة في ذلك أنه كيف يأخذه وقد استوفى المنفعة؟ يتزوج المرأة ويدخل بها، وتكون ثيباً بعد أن كانت بكراً بسبب دخوله، ثم يريد أن يضيق عليها لتطلب هي الخلع حتى يأخذ المهر، وليس له فيها حاجة وإنما يريد أن يأتي الخلع منها هي، هو في باطن الحال يريد الطلاق لكن لكي لا يدفع شيئاً، ولكي يسترجع ما فاته يريد أن يأتي الخلع منها لكي تعطيه المال الذي أخذته منه أولاً، أخذته منه مقابل أي شيء؟ الميثاق الغليظ، الميثاق الغليظ المؤكد: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21] فكيف يسترجع المهر الذي أعطاها وقد أتاها وصارت ثيباً بعد أن كانت بكراً، أو صارت زوجةً ثانيةً بعد أن كانت لقبله لمن قبله؟ وهكذا..
إذاً: الميثاق الغليظ يجب احترامه؛ وهو التزام الزواج المتضمن القيام بجميع الحقوق التي أولها إيفاء الصداق، وإنما يدفع الإنسان نصف الصداق إذا عفا الطرف الآخر -الزوجة- عن النصف، وكذلك إذا طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهراً، فدلت الآيات على أن الصداق ملك للزوجة وحق لها، وأنه يتقرر كله بالدخول، وكذا بالموت لتمام وقته، فلو أنه كان موظفاً في شركة فعقد على امرأة ولم يدخل بها، ثم مات في حادث سيارة -مثلاً- فإن للمرأة الإرث من زوجها بلا شك، وعليها العدة لأجل الميثاق الغليظ المؤكد وهو عقد النكاح.
وقوله عز وجل: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً [النساء:20] يدل على جواز كثرة المهر مع أن الأولى السهولة فيه؛ لأن (خير النساء أسهلن مئونة) كما جاء في الحديث الصحيح، لكن قد يسهل على الغني دفع مهر لا يسهل على الفقير فعله ودفعه.
وهؤلاء في هذه الحالات يتحدثون عن ستر الفضيحة بسرعة العقد عليها، ولما تتبين براءة الرحم، وليعلم المسلمون بأن الله لما حرم شيئاً علم سبحانه وتعالى أن فيه من الأضرار الأمور الكثيرة، وهذا واحد منها، فهذه العلاقات المحرمة خربت بيوتاً، وشوهت سمعةً، ونشرت رذيلةً، وأفقدت عذريةً، وأنجبت للحرام أولاداً، وهكذا صارت الفضيحة بسبب الفاحشة وشيوعها، والسبب: عدم الخوف من الله، والتساهل مع البنات في خروجهن وعدم متابعة أولياء الأمور، وهذه القضية التي صارت باجتراء هؤلاء الفسقة من الشباب على حدود الله، وانتهاك الحرمات؛ حتى لربما ضاعت الغيرة على أخته من كثرة ما ولغ في الحرام..!
وكذلك فإنه لا بد من موافقة الولي، وهذا العقد الذي يكون من طرفه بقوله: زوجتك. ففعل هذه الزانية عندما تقول: وهبت نفسي لك، ونحو ذلك من الكلام التافه الذي لا يغني ولا يقام له وزن في هذه الشريعة، كل هذا -أيها الإخوة- من تسويلات الشيطان، ورغبة بعض الناس -بزعمهم- في العثور على القضية بسهولة، وقضاء الشهوة والوطر ولم يعقدوا عقداً شرعياً، ولذلك فإن هذا النكاح باطل كما يسمونه في بعض الأماكن "نكاح الهبة" ونكاح الشغار -أيضاً- بأن يزوج كل واحد لآخر موليته، ومهر كل واحدة بضع الأخرى.
إذاً: لا يجوز أن تكون هذه مقابل هذه، ولا أن تكون هذه شرطاً لهذه، وإنما لكل واحدة مهر مستقل، وعقد مستقل، وزواج مستقل.. وهكذا.
أما نجاحه وفشله فهذه قضية أخرى، فقد يكون اجتماعياً يكثر فيه الفشل، أما بالنسبة للحل والحرمة في عقد النكاح فإذا استوفى شروط العقد الشرعي فإنه نكاح صحيح.
وأما تمتيع الزوجة المطلقة في غير هذه المسألة فإنه سنة مؤكدة، لكل إنسان مسلم زوج إذا طلق زوجته أن يعطيها غير المهر متاعاً، قال الله تعالى عن هذه السنة المهجورة من كثير من المطلقين، بل لا تجد في المطلقين من يطبق هذه السنة إلا القليل جداً والنادر، قال الله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241]، وَلِلْمُطَلَّقَاتِ [البقرة:241] حتى التي دخل بها، حتى لو بقيت عنده عشرين سنة.. وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241]، فمع أنه أوفاها مهرها في الأول وأعطاها نفقتها كاملة طيلة عشرين عاماً، ثم طلقها فإن التمتيع بالمعروف هو سنة مؤكدة جداً؛ لأن الله قال: حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:180]، فإذا كنت تقياً يا أيها المطلِّق فلا تنس أن تعطيها مما أعطاك الله في وداعها بعد الطلاق، وأن تقدم لها ما يجبر خاطرها الذي انكسر بالطلاق.
هذا المتاع وهذا التمتيع الذي ندر من يفعله في هذا الزمان هو شيء يدل على الوفاء، ويدل على المفارقة بإحسان؛ لأن كثيراً من حالات الطلاق تنتهي بالمضاربات والمشاتمات واللعنات والمسبات بدلاً من أن تنتهي بهذا المتاع الذي ذكره الله في كتابه فقال: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241] فأين المتقون الذين يؤدون المتاع إذا طلقوا فترجع المرأة إلى بيت أهلها إذا طلقت وفي نفسها ما يطيبها على ذلك المطلق من جبران شيء من الكسر الذي حصل للخاطر بسبب الطلاق؟
الأول: إجراء على ثلاث مراحل: أن يعظها، ويهجرها في المضجع، فإن لم تعتدل ضربها ضرباً غير مبرح، يجتنب الوجه ولا يجرح ولا يكسر عظماً.
والإجراء الثاني: إذا خيف الشقاق بينهما، وخيف ألا تقبل الحالة الالتئام ولو بهذه الإجراءات الثلاثة السابقة والخطوات الثلاث والدرجات الثلاث السابقة.. إذا خيف ألا تقبل الحال الالتئام أن يجتمع حكمان: واحد من أهل الزوج وواحد من أهل الزوجة، فينظران في الاجتماع بينهما، إن أمكن بطريقة من الطرق إما ببذل عوض، أو إسقاط حق من الحقوق، أو بغير ذلك، فلا يعدلا عن ذلك، ولكن إذا تبين أنه لا يمكن الاستمرار في الحياة الزوجية، فلهما التفريق بينهما بخلع من الزوجة أو بتطليق من الزوج، بحسب ما يقتضيه الحال، وما يقتضيه العدل والتجرد والإنصاف من النظر من قبل هذين الحكمين.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الوقافين عند حدودك، المطبقين لشرعك، اللهم اجعلنا ممن أحل الحلال وحرم الحرام إنك سميع مجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. أوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر