عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن مما ابتليت به كثير من الدول والمجتمعات في هذا الزمان مرض اجتماعي خطير له أثر خبيث في إفساد القلوب، وإثارة الشحناء، ونشر العداوات، وإفساد الأحوال بين الراعي والرعية، ذلكم المرض هو مرض الإشاعات، أو مرض الشائعات، الإشاعات المختلقة، والأخبار الملفقة يسمعها بعض أفراد المجتمع من بعض، فيعملون بها عمل الجن يوم يسترقون السمع من خبر السماء، فيسمعون كلمة واحدة، فيزيدون عليها مائة كلمة، ثم ينقلها الناس في الآفاق، وينقلها بعضهم إلى غيرهم حتى تصبح إشاعةً يسير بها الركبان والسيارة بين الغادين والرائحين، والذي ينبغي أن يعلمه كل مسلم غيور على الأمن الخارجي والداخلي، غيور على الأمن النفسي لكافة أفراد مجتمعه وأمته، أن نشر الإشاعات التي لا أصل لها ولا حقيقة لها ولا زمام ولا خطام مما قد يسبب ويثير الخوف والبلبلة بين أفراد المجتمع، ولا ينبغي للمسلم أن يتحدث في المجالس والاجتماعات بكل ما سمعه، أو نقل إليه من هذه الشائعات، ولا ينبغي له أن يتتبع أثر هذه الإشاعات كأنه حفيٌ عنها، أو مكلفٌ بها: (فبئس مطية الرجل زعموا، وكفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع) يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6] فالتثبت من الأخبار مأمورٌ به شرعاً.
أيها الأحبة في الله: ومع وضوح الفارق بين حادثة الإفك والإشاعات التي تظهر في زماننا، إلا أن هناك جامعاً أو رابطاً يدعو إلى أخذ العبرة واستلهام الدروس من القصة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالذين يروجون الإشاعات وينشرونها بين الناس، لا شك أنهم عصبةٌ متجمعةٌ ذات هدف واحد، قد يكون بعضهم مخدوعاً، وقد يكون بعضهم يظن أن فعله حسناً، وبعضٌ مغرر به في نشر الإشاعة أو الشائعة، ومهما كان في هذه الإشاعة من شر وخطر، فمن خلالها ينكشف أذنابها ومروجوها ومزيفوها، وينكشف للمجتمع فئة تكيد له في الخفاء، وأفراده لا يشعرون حتى تلقى تلك الفئة التي تنشر الشائعة جزاءها، ويعتبر بها من حدثته نفسه، أو سولت له أن يمارس ذلك الدور الشرير في صفوف مجتمعه، ومن خلال تلك الآيات يتضح لنا أن المسلم العاقل لو أعمل عقله، واستنار بهدي ربه، لانكشف له زيف كل إشاعة تظهر في مجتمعه ولو لم يكن في خطر الإشاعة إلا أن فيها نوعاً من إشاعة الخوف والجزع والقلق، والهلع والفاحشة في المجتمع المسلم، لكان ذلك حرياً بردها، ودفعها مع من جاء بها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ؛ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة: حينما نتحدث عن الإشاعة والشائعات، لسنا نتكلم عن فراغ، وإنما دعا إلى الحديث عنها ظن كثير من المسلمين بصدقها وبأحقية مزاعمها، وتصديق غوغاء الناس وفئام السذج لها، ومن تتبع ما حصل فيما مضى من الإشاعات والشائعات، لوجد أن الكثير منها قد راج على البسطاء، وانتشر بين العامة، وكان له في النفوس أثر كبير، وهذا مما لا ينبغي ولا يجوز، أرأيتم إذا صدق الناس شائعة غبية كاذبة في مدة مضت، وهي أن رجلاً حلف كاذباً، فانقلب إلى ثعبان، وهذا رقم هاتفه، فأخذ الناس يتصلون بالهاتف، ثم يرد على الهاتف رجل يسمع له فحيح كفحيح الأفعى، هذه شائعة ذاعت وانتشرت بين كثير من الناس والسذج والبسطاء، ثم بعد ذلك ذاع غيرها من الإشاعات والشائعات، ومنذ أيام ليست بالبعيدة شاع وذاع بين الناس مسير للرواتب وأنها ستزيد، وأن أسعار المؤن سترتفع، وأن التجار سيحتكرون، وأن المؤونة عن الأغذية والأدوية سوف ترفع، فانهلع الناس، وجزعوا، وانقضوا إلى مراكز التموين وأماكن الأغذية ليشتري بعضهم بالمائة والمائتين، ويستدين بعضهم ما لا طاقة لهم به، لكي يشتري ويخزن ويجمع، إن السبب في كل ذلك هو الإشاعة الكاذبة التي صدقها الناس وراجت بينهم، وبعد أيام، أو بعد أشهر، أو سنة تأتي شائعة وتقول: إن هذه الدولة ستدخل حرباً عظيمةً، وما يدريكم قد يصدقها الناس، أو تلفق شائعة، فيقال: إن دولة كذا سوف تضرب هذه البلاد، أو إن هذه البلاد ستدخل في حرب مع كذا، فيصيب الناس الهلع والجزع من إشاعات مختلقة، وشائعات مزعومة مكذوبة.
إذاً: فالإشاعات خطرها عظيم، إن الإشاعة يوم أن تتمكن في نفوس الناس، ويصدقوا بها، قد تكون سبباً أن تهجر مدينة بكاملها تحت أثر الإشاعة والشائعة، ما ظنكم لو سمع أهل مدينة بأن حرباً سوف تصبحهم، أو تمسيهم، والله لا يبقى في تلك الليلة أحدٌ إلا وقد هاجر وسافر تحت شائعة مكذوبة.
إذاً فالذي ينبغي لنا ألا نصدق هذه الشائعات وأن نردها، وأن نستخفّ بها، وأن ندفعها بكل ما أوتينا من عقل وحزم، وأن نبين أثرها وخطرها على الأمم والدول والأفراد والمجتمعات.
وسائل الإعلام المعادية من الأفلام التي تصنع فكراً، أو تصورواً معيناً، فتنتج إشاعة، أو شائعة فكرية يظن الناس فيها الكثير والكثير، ويتصورون الكثير الكثير، ويتصرف بعضهم بموجب ظنه وتصوراته، ثم إذا انكشف الصباح وزال الظلام، تبين أن ما في رأسه مجرد شائعات وإشاعات قد صنعتها أفلام مضللة، وأفكار مستوردة.
رام يفعل فضرَّ من غير قصدٍ ومن البر ما يكون عقوقا |
فالبعض قد يظن أن نشر ورقة غير مأذون بها، يظن أن فيه دعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسعى في نشرها وترويجها، وقد نسي أن فيها خطراً وأذىً وابتلاءً وامتحاناً لغيره، فهو يفعل أفعالاً ليست تحت السمع والبصر، ولكن الذي يجني ويلة فعله هو غيره من الذين لا ساغية لهم ولا راغية.
أسأل الله جل وعلا أن يأخذ بأسباب أمتنا إلى ما يرضيه، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، يعز فيه الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، ويذل فيه أهل المعصية، ويذل فيه أهل الباطل، وأهل الفساد، وأهل الفاحشة، وأصحاب المنكرات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.
اللهم احفظ علماءنا، اللهم احفظ دعاتنا، اللهم احفظ شبابنا الداعين إليك يا رب العالمين، اللهم اجمع جهودهم، ووحد شملهم، وسدد رأيهم، وصوب نشاطهم وجهودهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم لا تدع لأحدٍ منا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ساعياً إلا وفقت سعيه فيما يرضيك يا رب العالمين.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم قرب له بطانةً صالحةً، اللهم من علمت في بشر خيراً له فقربه منه، وما علمت في بشر شراً له ولرعيته، فأبعده عنه، واجمع اللهم شملنا وشمله، وأعواننا وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأراضين بقدرتك، اللهم لا تشمت على الجميع عدواً، الله لا تشمت بالجميع حاسداً، ولا تفرح على الجميع عدواً بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر