إسلام ويب

قصة صالح عليه السلامللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أخبر سبحانه في كتابه عن قصص الأنبياء مع أقوامهم، ومن تلك القصص قصة قوم صالح الذين طلبوا الآيات ليؤمنوا بها، فلما جاءهم بالآيات كفروا وعقروا الناقة، ولم يكتفوا بذلك، بل أرادوا قتله، فكان عاقبة مكرهم أن أهلكهم الله تعالى بالصيحة، وفي ذلك عبرة لأولي الأبصار.

    1.   

    فوائد دراسة قصص الأنبياء

    الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتوافر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وأنشأ البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قضي وقدر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون.

    وأشهد أن لا إله إلا الله خالق السماوات العلى، ومنشئ الأرضين والثرى، فلا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وأنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً.

    لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى [يوسف:111]

    دراسة قصص الأنبياء عباد الله فيها فوائد:

    من ذلك: أن من أمور الإيمان الستة: الإيمان بالرسل الكرام، فهذا تعميق لهذا الإيمان وزيادة لهذا الإيمان.

    ومن ذلك عباد الله: أن نعرف أن دعوة الأنبياء جميعاً واحدة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة لعلات، أبوهم واحد) فإذا كان الأب واحداً، والأمهات مختلفة، فكذلك الأنبياء عباد الله دينهم واحد، قال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [الشورى:13].

    فدين الأنبياء هو توحيد الله عز وجل، وعبادة الله عز وجل وحده، أما الشرائع فمختلفة، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] فالله عز وجل يحل لهؤلاء ما يحرم على هؤلاء، ويحرم على هؤلاء، ما يحل لهؤلاء، كل بحسب طبيعة القوم الذين شرعت لهم الشريعة، وشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي الشريعة المهيمنة، وكتابه هو المهيمن على الكتب السابقة.

    ومن الفوائد كذلك عباد الله: أن نتعلم كيف تكون الدعوة إلى الله عز وجل، وكيف صبر الأنبياء على الدعوة إلى الله عز وجل.

    ومن ذلك: أن نعلم سنن الله عز وجل في عباده، فمن سنن الله عز وجل في عباده أنه لابد أن ينصر المتقين، ولابد أن تكون العاقبة للمتقين، قال عز وجل: وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].

    ففي نهاية كل قصة من قصص الأنبياء تجد أن النجاة تكون للرسل، ومن تبعهم من المؤمنين، وأن الهلاك يكون للكافرين والمكذبين.

    ومن ذلك كذلك عباد الله: أن القوم إذا سألوا الله عز وجل آية وأجابهم الله عز وجل إلى هذا السؤال ثم كفروا، لابد أن يستأصلهم بالعذاب، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسألوا الآيات، فقد سأل قوم صالح الآيات، وكانت الناقة تصدر من هذا الفج، وترد من هذا الفج، فعقروها، فأخذتهم صيحة أخمدت من منهم تحت أديم السماء، إلا رجلاً كان في حرم الله وهو أبو رغال ، فلما خرج من حرم الله أخذه ما أخذهم).

    فهذه سنة من سنن الله عز وجل تظهر في هذه القصص: أن الناس إذا سألوا الأنبياء آية وأجابهم الله عز وجل إلى ذلك، ورأوا هذه المعجزة التي سألوها، ثم استمروا على كفرهم وتكذيبهم لابد أن يأتيهم عذاب الاستئصال، كما في هذه القصة التي نحن بصددها وهي قصة صالح مع قومه ثمود.

    1.   

    قصة صالح مع قومه ثمود

    قال الله عز وجل: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:73] أي: معجزة من عند الله عز وجل، وهي الناقة التي أخرجها الله عز وجل لهم من الصخرة.

    ذكر المفسرون أن صالحاً عليه السلام كان يجادل قومه ويناظرهم، وهؤلاء القوم هم قوم ثمود، وكانوا يسكنون بالحجر، وهو في شمال جزيرة العرب بين الحجاز وبين تبوك.

    وذكرنا أن عاداً وهي الأمة التي كانت قبلهم كانوا في الأحقاف بين عدن وحضرموت، فقوم ثمود أتوا بعدهم بمدة، وكانوا يسكنون في الحجر، وقد مر عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ذاهب إلى تبوك، فاستقى الناس من أبيار ثمود، وعجنوا العجين، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن يريقوا الماء، وأن يرموا العجين، وقال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين؛ لئلا يصيبكم ما أصابهم).

    فانظروا كيف يحذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدخول إلى ديار المعذبين الذين عذبوا قبل ذلك.

    ولما مر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بديارهم قنع رأسه، وأسرع المسير، فينبغي للمؤمن أن يعتبر عندما يمر على هؤلاء المعذبين.

    كذلك لما مر بوادي محسر الذي نزلت فيه الحجارة على الفيل قبل الميلاد النبوي، أو في العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أمرهم أن يسرعوا الخطى.

    فهذه الأماكن عباد الله التي عذب فيها الكفرة والفجرة لم تكن للتنزه ولا للفرجة ولا للفسحة، بل هي أماكن للعبرة والعظة، فإذا مر بها المؤمن ينبغي أن يكون معتبراً متعظاً، وينبغي أن يكون باكياً لا غافلاً، قال تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113].

    يحذرنا الشرع من أن نتشبه بالكافرين وأن نسلك مسالكهم، ويحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أن ندخل عليهم في مساكنهم، إلا أن نكون باكين معتبرين.

    لما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك بديار ثمود أمر أصحابه أن يريقوا الماء الذي حملوه معهم من ديار ثمود، ثم أوردهم البئر التي كانت تشرب منه الناقة، فملئوا منه أوعيتهم.

    قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [الأعراف:74].

    يبدو أنه كان فيهم شبه من قوم عاد، أي: في طول الأجساد وطول الأعمار؛ بأنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين، وكانوا أهل زرع وأهل ماشية وأهل حرث، فذكرهم نبيهم بنعم الله عز وجل عليهم، وحذرهم من نقمة الله عز وجل، وحذرهم مما حدث للقوم الذين خلوا قبلهم من المكذبين وهم عاد قوم هود، قال تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ [الأعراف:74] قال العلماء: كانوا بعدهم بمدة طويلة؛ لأنه لم يقل: بعد عاد، بل قال: من بعد عاد، أي: بمدة طويلة، كما مكث نوح في قومه يدعوهم إلى الله عز وجل ألف سنة إلا خمسين عاماً، فيبدو أن المدة كانت طويلة، وأن أجسامهم كانت كذلك فارهة عظيمة، كما كان آدم عليه السلام طوله ستون ذراعاً.

    ذكرهم نبيهم بنعم الله عز وجل عليهم، وأن الله عز وجل مكنهم في الأرض يبنون في الأماكن السهلة المنبسطة قصوراً يسكنون فيها في الصيف، وينحتون من الجبال بيوتاً يسكنونها في الشتاء، قال فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [الأعراف:74].

    ذكر المفسرون أن صالحاً عليه السلام كان يناظر قومه ويجادلهم، وقالوا له: لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة من صفتها كذا وكذا، وتعنتوا في وصفها، أن يكون طولها كذا، وغير ذلك، فكأن صالحاً عليه السلام وجد ذلك فرصة وأن يدخلوا في الإيمان، فقال لهم: أرأيتكم إن أجبتكم إلى ما سألتم أتؤمنون بما جئت به؟ فقالوا: نعم، فأخذ عليهم عهودهم ومواثيقهم، ثم دعا الله عز وجل، فأجابه الله عز وجل، فتمخضت الصخرة عن ناقة، وهي أنثى الجمل على الصفة التي وصفوها، فآمن منهم أناس وأعرض أكثرهم عن الإيمان.

    فالآية أتت على ما طلبوا وسألوا، ولكنهم استمروا على كفرهم وتكذيبهم، وكانوا في غاية الكفر والغباوة.

    وحذرهم نبيهم من أن يتعرضوا لهذه الناقة، فقال لهم: هذه ناقة الله لكم آية فلا تمسوها بسوء، أي: لا تتعرضوا لها في شربها ولا في أكلها، فأمرهم أن يشربوا من البئر يوماً، وأن يدعوا الناقة تشرب اليوم الآخر، وفي اليوم الذي تشرب فيه الناقة من البئر هم يشربون من لبنها، لقد أضاف الله عز وجل الناقة إلى نفسه إضافة تشريف؛ لأنها آية من آيات الله عز وجل، ومعجزة من معجزات أنبياء الله عز وجل، ولم يخلقها بالطريقة التي خلق بها سائر النوق والجمال، هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ [الأعراف:73]ولكنهم من كفرهم وإعراضهم وتكذيبهم أرادوا أن يقتلوا هذه الناقة، إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:12-15].

    فعقروا هذه الناقة مبالغة في كفرهم، ومبالغة في تكذيبهم.

    موقف المؤمنين والكافرين من صالح عليه السلام ودعوته

    يبين الله عز وجل كيف كان كفر الكافرين، وكيف كان إيمان المؤمنين، فيقول عز وجل: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [الأعراف:75-76].

    فكان جواب أهل الإيمان في غاية الإيمان، وكان جواب أهل الكفر في غاية الكفر، قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ [الأعراف:75] فهم يسألونهم: أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه؟ كان بالإمكان أن يقولوا: نعم ويقتصروا على ذلك، وإنما كان جواب أهل الإيمان أنهم مؤمنون به، فهم أرادوا أن يكون الجواب في غاية الإيمان، فقالوا: إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ [الأعراف:75] هذا تقرير للإيمان، وبيان لعقيدتهم الواضحة الصريحة، وإثبات له بالرسالة.

    أما الكفار فقال عنهم: قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [الأعراف:76].

    ما قالوا: إنا بما أرسل به كما قال أهل الإيمان، ولكن قالوا: (إنا بما آمنتم به كافرون) حتى لا يثبتوا له رسالة، ولو في معرض الكلام، فلهم أن يقولوا ذلك على سبيل التهكم، كما قال فرعون: قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء:27].

    ولكن المقام ليس هنا مقام استهزاء، ولكنه مقام تقرير، وبيان عقيدة، فكان جواب أهل الإيمان في غاية الإيمان، وكان جواب أهل الكفر في غاية الكفر.

    وبعد أن عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم أخذتهم الرجفة، وأهلكهم الله عز وجل.

    وصالح عليه السلام بعد أن عقروا الناقة أمهلهم ثلاثة أيام يتمتعون فيها، وبعدها يأتيهم عذاب الله عز وجل، فجاءهم العذاب بعد ثلاثة أيام.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    مكر قوم صالح عليه السلام وعاقبة ذلك

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    قال تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [النمل:48-53].

    لقد أنذرهم نبيهم صالح عذاب الله عز وجل فقال لهم: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65]، وكان هناك تسعة نفر من هؤلاء الكفرة الفجرة هموا بأمر هو أفظع من قتل الناقة، وأكبر جرماً من قتل الناقة، لقد هموا أن يقتلوا نبي الله صالحاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كأنهم ظنوا بأن الله عز وجل غافل، كما يفعل أعداء الإسلام في كل زمان ومكان، فهم يمكرون بالدعاة وبأولياء الله عز وجل، ويكيدون لدين الله عز وجل ويحاربونه، وكأنه ليس في الكون إله، وكأن الله عز وجل لا يرى مكرهم، وكأنه لا يحيط بهم وغير مطلع على ما في قلوبهم، فهذا من غبائهم وكفرهم وإعراضهم.

    فقوله تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النمل:48].

    معلوم أن الكفرة كلهم مفسدون، ولكن بعض الشر أهون من بعض، فهؤلاء التسعة كانوا أعتى القوم، وأكثر القوم كفراً وفساداً، قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ [النمل:49] أي: حلفوا بالله عز وجل وتعاهدوا فيما بينهم، لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ [النمل:49] والتبييت هو القتل ليلاً، فقالوا: قبل أن ينزل بنا العذاب بعد ثلاثة أيام نقتل صالحاً خلال هذه الأيام فيموت قبلنا، فنكون نحن وهو في الهلاك سواء، فأردوا أن يقتلوا نبي الله صالحاً، وتعاهدوا وتعاقدوا وحلفوا على ذلك.

    لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [النمل:49] كما يفعل أعداء الإسلام المعروفون بالنفاق، فهم يكيدون للإسلام، ويحاربون الالتزام بدين الله عز وجل، فهم يحاربون الإسلام وأهله باسم التطرف، ويملي لهم الشيطان ويسوغ لهم الحجج على أنهم ليسوا أعداء للإسلام، وإنما هم يعملون في مصلحة الإسلام.

    وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:50].

    فهم يمكرون على الأرض وهم من الأرض خلقوا، والله عز وجل يمكر بهم من فوق سبع سماوات، وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ [النمل:48-51].

    فهؤلاء المفسدون بينما هم جالسون في أصل الجبل يتهيئون ويتحينون الفرصة ليفتكوا بصالح عليه السلام وأهل بيته، إذ ألقى الله عز وجل عليهم صخرة من فوق الجبل فأهلكتهم، فكانوا سلفاً ومثلاً لإخوانهم الكافرين، فماتوا قبل قومهم الذين أنذرهم نبيهم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب.

    وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا [النمل:50] أفما يخشى الذين يمكرون بدين الله ويمكرون بأولياء الله أما يخشون مكر الله عز وجل، (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]).

    فكان عاقبة مكر قوم صالح كما أخبر الله عز وجل عنهم: فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [النمل:51-53].

    نهاية كل قصة من قصص أهل الإيمان، وكل قصة من قصص أنبياء الرحمن لابد أن تكون النجاة للمتقين، فلهم العاقبة في الدنيا ويوم يقوم الناس لرب العالمين.

    طعن البعض في التنزيل وقال: بأن الآيات تختلف من مكان إلى مكان، فأحياناً يذكر الله عز وجل أنه أهلك ثمود بالرجفة، وأحياناً بالصيحة، وأحياناً بالزلزلة، فقيل: إنه أهلكم بصيحة من جبريل عليه السلام، أي: صاح فيهم صيحة، فقطع قلوبهم في أجوافهم، وقيل: هي زلزلة في الأرض، والزلزلة يصحبها صوت شديد.

    وفي بعض الآيات أهلكوا بالطاغية: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [الحاقة:5-6].

    والطاغية: هي كل شيء طغى وجاوز حده.

    فنقول: إنه أهلكهم بزلزلة طاغية في صوتها وفي إهلاكها، أي: أهلكوا بزلزلة معها صيحة، وهذه الصيحة أو الصوت كان طاغياً متجاوزاً الحد، فهكذا أهلك الله عز وجل هؤلاء الكافرين المكذبين.

    ومن سنن الله عز وجل أنه ينوع العذاب للمكذبين، فأهلك قوم نوح المكذبين بالغرق، وأهلك عاداً قوم هود بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، وأهلك الله عز وجل ثمود بالصيحة، وقيل بالزلزلة، وأهلك الله عز وجل قوم شعيب بالسحاب الممتلئ ناراً، فالله عز وجل أرسل لهم سحاباً فقالوا: هذا عارض ممطرنا، فخرجوا يستبشرون أن ينزل عليهم ماءً وغيثاً فأمطرهم ناراً تلظى.

    فإذاً: من سنن الله عز وجل تنويع العذاب، فهو سبحانه يعذب كل قوم بما يناسب عتوهم وتجبرهم.

    فهذه القصة عباد الله قصة نبي الله صالح مع قومه ثمود هي عبرة وعظة، وكما قلنا إن دعوة الأنبياء واحدة: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعل راية الحق والدين.

    اللهم من أرادنا ونساءنا والمسلمين بعزة، فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بشر فانتقمه يا رب العالمين، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

    اللهم أعزنا بالإسلام قائمين، وأعزنا بالإسلام قاعدين، ولا تشمت بنا الأعداء والحاسدين.

    اللهم اهدنا واهد بنا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، وانصرنا على من بغى علينا.

    اللهم اهد شباب المسلمين، واهد أطفال المسلمين، واهد شيوخ المسلمين، واهد نساء المسلمين للعفة والحجاب والحياء يا رب العالمين.

    اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم شتت شملهم، اللهم اجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.

    اللهم عليك بالأمريكان الحاقدين، اللهم أزحهم عن العراق وعن أفغانستان يا رب العالمين، اللهم سلط على الأمريكان الزلازل والأعاصير والبراكين، واجعلهم عبرة للمعتبرين.

    اللهم هيأ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

    اللهم ارفع عن بلاد المسلمين الغلاء والوباء، والربا والزنا، وردهم إليك رداً جميلاً.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756470276