إسلام ويب

شرح اعتقاد أهل السنة [15]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اتفق أهل السنة والجماعة على وجود السحر، وأنه حقيقة تؤثر في الأشياء وتؤذي الإنسان، وأن كل ذلك بإذن الله عز وجل. والساحر عمله كفر؛ لأن الشياطين لا تلبي له ما يريد إلا بعدما يكفر بالله رب العالمين، وحينها تخدمه ويخدمها، لذا كان حكمه القتل، ولا يحل السحر عن المسحور إلا بالرقى الشرعية وبصالح الأعمال، ولا يجوز أن يحل بسحر مثله. ومما يراه أهل السنة والجماعة البعد عن البدع والمعاصي وأهلهما ونصحهم، ويحثون الناس على طلب العلم؛ لأنه يعلم المسلم ما يجب عليه وما يلزمه من أمور دينه.

    1.   

    السحر حقيقته وأدلة ثبوته

    في الدنيا سحر وسحرة، والسحرة محكوم بكفرهم، ومن اعتقد أن السحر يكون بغير قدرة الله أو بغير إذنه فقد كفر.

    وسبب ذكر السحر في هذه العقيدة أن المعتزلة أنكروا وجوده إنكاراً عجيباً وعناداً منهم، وإلا فإنه مشاهد وجود السحرة ووجود أعمالهم السحرية، ولذلك فأهل السنة يقرون بوجود السحر، ويقولون: إنه لا يكون إلا بإذن الله الكوني القدري.

    وقد دل على وجوده وتأثيره الكتاب والسنة، فقد ذكر الله تعالى ما يحصل من الشياطين وتعليمهم السحر في قوله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، فلا شك أن هذه الآية صريحة في أن هناك سحراً، وأنه يؤثر ويضر، وأن منه ما يقتل ويمرض ويفرق بين المرء وزوجه، ولكن الجميع بإذن الله تعالى الكوني القدري لا الشرعي الديني.

    فإن الله تعالى حرم الإضرار بالمسلمين ديناً وشرعاً، ولكن أعطى هؤلاء السحرة قدرة خاضعة لقدرته تعالى يؤثرون بها في هؤلاء المسحورين، فمن السحر ما يحصل به الموت، ومنه ما يمرض، أو يحصل به الانصراف الكلي عن الزوجة أو الأهل أو المال أو ما أشبه ذلك.

    ومن الأدلة أيضاً أمر الله تعالى بالاستعاذة من السحرة في قوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4]، وهن السواحر، فلولا أن لهن شراً يضر ويؤثر لما أمر بالاستعاذة من شرهن.

    والذين قالوا: إنه ليس له حقيقة استدلوا بما حكى الله تعالى عن سحرة فرعون قال تعالى: فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:66-69].

    ذكروا أن السحر كان منتشراً وفاشياً في عهد فرعون، وأن هناك سحرة مشهورين بتعلم السحر، فلما أخبرهم فرعون بأن موسى قلب عصاه حية تسعى عند ذلك جاؤوا بحبال وبعصي فألقوها في الوادي، وإذا بالوادي كله كأنه حيات تضطرب وتسعى، فعند ذلك أوجس في نفسه خيفة موسى، فذكر العلماء أن هذا خيال، ولذلك قال: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ)، يعني: ليس له حقيقة وإنما هو خيال. وذلك لأن السحرة قد يلبسون على أعين الناظرين فيوهمونهم بما لا حقيقة له، ويخيلون إليهم أشياء يعتقدون أنها حقيقة وهي خيالات، هذا معنى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66].

    وعلى كل حال فالوجود ظاهر في أن السحر له حقيقة.

    أدلة وجود السحر حقيقة

    من الأدلة ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة : (حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله). وفي رواية: (أنه يأتي النساء وما يأتيهن).

    وهذا العمل الذي عمله هذا اليهودي الذي يقال له: لبيد بن الأعصم لم يكن في جسم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عقله؛ فإن الله تعالى قد عصمه وحفظه، ولكنه فيما يتعلق بالنساء، عمل عملاً كأنه صار حائلاً بين المرء وبين نسائه بأن يخيل إليه أنه يأتيهن وما يأتيهن، أو حال بينه وبين القدرة الجنسية، والله أعلم.

    فالحاصل أن هذا مما أثر فيه هذا السحر، فلما دله الله تعالى على موضع ذلك السحر وأخرجه بطل عمله وقام كأنما نشط من عقال، وقال: (إن الله تعالى قد شفاني)، فلذلك استدل به على أنه قدر يؤثر في هذا النوع، وهذا أيضاً مشاهد أن السحرة يعملون من السحر ما يبطلون به شهوة الرجل حتى لا يستطيع أن يأتي امرأته، وإذا قرب منها بطلت شهوته.

    ومن ذلك أيضاً الحديث الذي أورده ابن كثير ورواه ابن جرير عن عائشة أن امرأة جاءتها بعدما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت لها أن زوجها غاب عنها، فجاءتها عجوز فقالت لها: أتحبين أن يرجع زوجكِ؟ قالت: نعم. تقول: فجاءتني بالليل وأركبتني، وركبت وإياها على كلبين أسودين، فلم يكن إلا قليل حتى كنا ببابل، فأتينا إلى إنسانين في ذلك المكان، وقلت: إني أريد أن أتعلم السحر. فقالا: إنما نحن فتنه فلا تكفري. فقلت: إني أريد أن أتعلم. فقال لها: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه. تقول: ففعلت. فخرج منها شيء أسود فصعد في السماء، فقالوا: صدقتِ، هذا هو الإيمان خرج منكِ. ثم إنهم علموها.

    تقول: فأعطتني حباً أو قمحاً فقالت: ابذريه في الأرض. فقلت: انبت فنبت، فقلت: انضج. فنضج، فقلت: انطحن فانطحن. فلما رأيت أني لا آمر بشيء إلا حصل سقط في يدي. فهذه المرأة تعلمت من هذين هذا الأمر، وهو أنها لا تأمر بشيء إلا حصل، وهذا نوع مما يدل على أن للسحر حقيقة.

    وأما وقائع الناس فهي شيء كثير وهو أمر مشاهد.

    كيفية قلب الساحر للحقائق

    إذا قلت: كيف يتمكن الساحر -وهو إنسان بشر مثلنا- من أن يقلب الإنسان إلى فرس -مثلاً- أو قط. أو وعل؟! أو كيف يقلب قلبه من مستقيم إلى منحرف؟! أو كيف يؤلف بين الاثنين أو يفرق بينهما ويوقع بينهما هذه الوحشة مع كونهما متحابين أو نحو ذلك؟ فكيف يتمكن الإنسان من هذا العمل الذي فيه قلب للحقائق وتغيير لها؟!

    أجاب العلماء بأن الإنسان لا يفعل شيئاً، ولا يقدر على فعل شيء يخالف الطبائع الأصلية، وإنما تفعل ذلك الشياطين، ذلك لأن الشيطان له قدرة على ملابسة الإنسان ومماسته، وكذلك الساحر قد يكون عنده قدرة على تسخير قوم من الجن ثم تسليطهم على من يريد، فإذا سلط هذا الجني الذي هو من جنوده على فلان لابسه ذلك الجني أو ذلك الشيطان، فإذا لابسه فإنه قد يغير هيكله ويقلب صورته، وقد يحوله إلى حيوان بهيم كما يذكر ذلك في الحكايات ونحوها، يذكر أن ساحراً أو ساحرةً قلبت إنساناً إلى حصان أو فرس، وأن ساحراً قلب إنساناً إلى وعل له قرون، والحكايات في ذلك مشاهدة وكثيرة.

    فالشيطان هو الذي يلابس ذلك الإنسان الذي عمل له، فيستطيع بإذن الله أن يغير هيكله، وأن يقلب صورته ومودته، ويغير محبته إلى بغض أو بغضه إلى محبة، أو ما أشبه ذلك، فهذا من الشيطان لا من ذلك الإنسان الذي هو الساحر؛ فإنه ليس عنده هذه القدرة ولا هذا التمكن، فهذا حقيقة السحر، أنه ليس بفعل الإنسان ولكن بفعل الشياطين الذين يسخرهم ذلك الساحر.

    كفر الساحر

    قال المصنف رحمه الله: [السحر واستعماله كفر من فاعله] أي أن الساحر كافر.

    والدليل على ذلك قوله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102]، وذلك لأن اليهود اتهموا سليمان عليه السلام بأنه ساحر، فقالوا: كيف يركب على الريح؟! وكيف تحمله الريح وهو على بساطه فيسير مسيرة شهر في نصف يوم؟ كما قال الله تعالى: غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12]، فقالوا: هذا دليل على أنه ساحر، وكيف سخرت له الشياطين وسخرت له الجن؟ كما أخبر الله في قوله تعالى: وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ [ص:37-38]، قالوا: فلابد أنه ساحر. فنزهه الله وبين أنه نبي، ولكن هذه كرامة ومعجزة حيث سخر له الريح وسخر له الشياطين.

    (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا)، الشياطين الذين يعلمون الناس السحر كفروا، وهذا دليل على أن من تعلم منهم فإنه تعلم الكفر، ومن الأدلة على كفره أيضاً في نفس الآية قوله: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)، فإذاً كانوا يقولون له: (فَلا تَكْفُرْ)، أي: فلا تتعلم السحر فإن ذلك كفر، فهذا هو وجه الدلالة.

    ومعلوم أن هذا الساحر الذي يتعلم السحر وتخدمه هذه الشياطين لا تخدمه إلا بعدما يخدمها، فالساحر يخدم الشياطين ويخدم مردة الجن، فلأجل ذلك يصيرون طوع إشارته ويصيرون تحت إمرته، فيلابسون من يريد ملابستهم، ويضرون من يريد إضرارهم، فهو يخدمهم ويعبدهم، ولا يطيعونه لأول مرة، بل لابد أنهم يطلبون منه أن يتقرب إليهم، فكثيراً ما يذكر أنهم يذبحون للجن أو للشياطين من دون الله، ويرضون منه أن يذبح لهم -مثلاً- ولو عصفوراً أو دجاجةً أو نحو ذلك باسم الشيطان الفلاني أو نحوه، وربما يدعو الشيطان ويسجد له في حالة كفره وندائه له من دون الله، والنداء لا شك أنه شرك وكفر، فإذا ناداه ودعاه واستجاب له ولبى طلبه عند ذلك يسجد له من دون الله تعالى، فيكون أشرك بدعائه مع الله، وأشرك بالسجود له، وأشرك بالذبح له من دون الله تعالى، وهكذا أيضاً قد يحملونه على أن يترك العبادات حتى يكون من أوليائهم، فيترك الصلوات والنفقات الواجبة عليه والصوم، ويأكل في رمضان أو ما أشبه ذلك، كل ذلك ليتحقق أنه أطاعهم طوعاً ظاهراً.

    ومعروف أيضاً أن الشياطين يألفون النجاسات والقذارات وما أشبهها، فلذلك يطلبون منه إذا أراد أن يستخدمهم أن يستعمل النجاسات، فربما يلطخ بدنه بالدماء أو بالأبوال أو بالعذرة أو ما أشبه ذلك، ولأجل ذلك أمر الإنسان إذا دخل الخلاء أن يستعيذ بالله من شرورهم ويقول: (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) أي: ذكران الشياطين وإناثهم. وأمر النبي عليه السلام بالتستر إذا دخل الإنسان الخلاء، قال: (إن الشياطين تلعب بمقاعد بني آدم)، وأخبر: (إن هذه الحشوش محتضرة) يعني الأماكن التي يتخلى فيها.

    فإذا خدمهم هذا الخادم وهو الساحر بأن تلبس بهذه النجاسات وتلطخ بها عند ذلك عرفوا أنه صار طوع إشارتهم فأصبح خادماً لهم وأصبحوا خداماً له مسخرين، ولا يستطيعون حينها أن يتخلوا عن أمر يشير به إليهم، ويستطيع أنه يسخر -مثلاً- مائة عفريت أو مئات من العفاريت والجن، فيقول: يا هذا! تسلط على فلان أو على فلانة، لابس فلاناً. فإذا لابسه، فقدر أنه مات سلط آخر وقال: اذهب فحل محله. ونحو ذلك، فما خدموه إلا لأنه خدمهم، ولأنه كفر بالله وآمن بهم، ولأجل ذلك نعتقد أنه كافر.

    عقوبة الساحر

    اتفق جمهور العلماء على أنه يقتل، واستدلوا بالحديث الذي في السنن عن جندب الخير بلفظ (حد الساحر ضربة بالسيف -وفي رواية: ضربه بالسيف-)، وقالوا في سبب روايته: إن جندباً دخل على بعض الأمراء في عهد بني أمية وإذا عنده ساحر، وإذا ذلك الساحر يفعل أشياء مستغربة، حتى إنه يمسك رجلاً فيقطع رأسه فيبقى رأسه في يده، ثم بعد ذلك يرده مكانه وهم ينظرون، فيقولون: سبحان الله! يحيي الموتى، ويميت فيحيي. فعند ذلك في اليوم الثاني اشتمل جندب على سيف، واستعاذ بالله من الشيطان، وقرأ بعض الآيات، فلما قرب من الساحر ضربه بالسيف حتى قطع رأسه، وقال: أحيِ نفسك -يعني: إن كنت صادقاً-. ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حد الساحر ضربه بالسيف)؛ فإذا حكمنا بأنه كافر فإنه يقتل.

    وكذلك ما روي عن عمر ، ففي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة أنه قال: كتب إلينا عمر رضي الله عنه أن: (اقتلوا كل ساحر وساحرة)، قال: فقتلنا ثلاث سواحر. فهذا أمر من عمر -وهو أحد الخلفاء الراشدين- بقتل السحرة، وكذلك ذكروا أن حفصة بنت عمر -وهي إحدى أمهات المؤمنين- كان لها جارية، وكانت قد دبرتها -أي: أعتقتها عن دبر، فعند ذلك عملت تلك الجارية لها سحراً، ثم اعترفت، فقالت لها: لماذا؟ قالت: أردت أن تموتي حتى أعتق. فأمرت بها أن تقتل لما أنها اعترفت بذلك، والوقائع في ذلك كثيرة تدل على أن هذا حده.

    أما الإمام الشافعي فلم ير أنه يقتل ولا أنه يكفر، ولكنه يقول: نأتي بالساحر ونقول له: صف لنا سحرك، فإذا وصفه بشيء فيه كفر أو شرك فإننا عند ذلك نكفره ونقتله، وإن وصفه بشيء دون ذلك فلا، ومعلوم أنه إذا أحضر وهدد بالقتل فسوف ينكر ذلك.

    والحاصل أن السحر موجود، وأن السحرة يستخدمون الشياطين، وأن الشياطين لا تخدمهم إلا بعدما يكفرون بالله ويتقربون إليها بما تحبه منهم، وأنهم بذلك يصبحون كفاراً، وأن حد الساحر القتل، وأنه على الصحيح يقتل حداً ولا يستتاب، هذا هو الذي مشى عليه العلماء.

    كذلك أيضاً من اعتقد أن السحر يكون بغير إذن الله، وأنه ينفع ويضر بغير إذن الله، والله تعالى يقول: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، وذلك لأنه لا يكون في الوجود إلا ما يريد، فالله تعالى هو الذي يسلط هؤلاء ويعطيهم من هذه القوة ما يكون مخالفاً للعادة وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:137]، ولكن الله أعطاهم وسلطهم حتى يكون ذلك علامة على أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

    علاج السحر

    أما علاجه فقد ذكر العلماء أن علاجه الناجح بالإيمان بالله تعالى وبالعمل الصالح، وبالقراءات والأدعية والأوراد ونحوها، ولذلك يقول ابن القيم في كلام له: النشرة التي هي حل السحر عن المسحور نوعان:

    حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، فيتقرب الناشر والمنشر إلى الشيطان بما يحبه فيبطل عمله عن المسحور. وهذا لا يجوز. يعني: لا يجوز أن تذهب إلى ساحر وتقول له: حُلَّ السحر عن فلان. سواءٌ أكان هو الذي عمل السحر أم غيره؛ فإن هذا إقرار للسحرة واستخدام لهم، وإذا عرفنا أن حد الساحر القتل فكيف مع ذلك نقره ونقول له: حُلَّ السحر أو حُلَّ سحرك؟! بل إذا عرفنا أنه ساحر فإننا نبادر فنقتله.

    إذاً فلا يجوز حل السحر إلا بالرقية وبالقراءة وبالأدعية النافعة وبالأدوية المفيدة وما أشبه ذلك، هذا هو الذي يحل به، ومعلوم أن كثيراً ممن يبتلون ويصابون بهذا العمل الشيطاني يقولون: إننا قرأنا عند فلان وقرأنا عند القراء ولم نر فائدة! فنقول لهم: أتيتم من قبل أنفسكم، فإذا أردت أن تنفعك الرقية فنأمرك أولاً بأن تصحح عقيدتك، وتؤمن إيماناً يقينياً بأركان الإيمان وبأمور الغيب كلها.

    ثانياً: لابد أن تحافظ على الأعمال الصالحة وتتقرب إلى الله تعالى بها.

    ثالثاً: لابد أن تتنـزه عن المحرمات والشركيات والبدع والمعاصي والملاهي وآلات الشيطان وما يحبه، وتنـزه نفسك ومنزلك عن كل ما يألفه الشيطان ويتشجع به.

    رابعاً: لابد أن تعتقد يقيناً أن هذه القراءة النافعة تؤثر، فلا تجعلها كتجربة، لا كما يقول أحدهم: أنا أفعل أو أرقي أو أسترقي تجربة، فإن شفيت وإلا فما ضرت. بل إنها لا تفيد إلا مع اليقين بها، وأن توقن يقيناً كالشمس أنها نافعة وأنها هي الشفاء النافع إذا تمت الشروط.

    خامساً: حال الراقي، أن يكون الراقي من أهل الإيمان والتقى والورع، ومن المستقيمين على طاعة الله تعالى، فمثل هؤلاء بإذن الله رقيتهم تفيد، ومن أسباب ذلك أيضاً كون الراقي مقتصراً على الأكل الحلال، ولا يطعم إلا شيئاً حلالاً ليس فيه شبهة، وقد تأيد ذلك بوقائع كثيرة:

    ذكروا أن رجلاً كان -بإذن الله- إذا أُعطي الإناء ليقرأ فيه نفث فيه نفثتين أو ثلاثاً، وصار بإذن الله شفاءً لمن استعمله إذا تمت الشروط وسبب ذلك تنزهه عن الحرام وتقيده بالعبادات وبالطاعات وما أشبهها، وكذلك أيضاً كان رجل مجرب بالشفاء بإذن الله إذا رقى أحداً، فسُئل عن ذلك فأخبر: أن أباه عندما حضره الموت قال له: يا بني! لا تأكل إلا من هذا البستان، إياك أن تأكل من غيره فإنه رزق حلال. فاقتصر على بستان فيه نخلات وشجرات يسقيها ويشتري من ثمرتها ما يصلحها به ويتقوت بها ولا يدخل في بطنه شيئاً من غيرها تحقيقاً أنها حلال، فكان ذلك سبب إجابة دعوته وشفاء من يرقيهم من المرضى ونحوهم.

    فلذلك نقول: لابد من هذه الشروط في الرقية:

    أولها: إصلاح العمل، أن يصلح ذلك المريض عمله.

    ثانياً: أن ينزه نفسه عن المعاصي والسيئات.

    ثالثاً: أن يصلح منزله ويبعد عنه الملاهي وما أشبهها.

    رابعاً: أن يعتقد يقيناً أن الرقية نافعة ومؤثرة.

    خامساً: أن يكون الراقي من أهل الورع والزهد.

    سادسها: أن يستعمل في الرقى الآيات التي وردت الرقية بها وعرف تأثيرها، مثل آية الكرسي، وآيات السحر الثلاث في سورة الأعراف، وهن قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ [الأعراف:118-119]، وفي سورة يونس قوله تعالى: فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [يونس:81-82]، وفي سورة طه قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه:67-69]، فيقرأ هذه الآيات، ويقرأ آية الكرسي وآيتين من آخر سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ [البقرة:285]، وسورة الفاتحة، وأول سورة البقرة، وأول سورة آل عمران، وآخرها، وآيات من سورة الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأعراف:54] إلى ثلاث آيات، وأول سورة يونس، وأول سورة طه، وأول سورة النحل، وآيتين من آخر سورة الإسراء، وعشر آيات من أول سورة الصافات، وأربع من آخر سورة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، وسورتي المعوذتين، وسورة الإخلاص، وكذلك الأدعية التي وردت، مثل قوله: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)، وقوله: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)، وأدعية مأثورة في ذلك بإذن الله يكون من آثارها إبطال عمل هؤلاء السحرة.

    1.   

    عقيدة أهل السنة في التعامل مع البدع والمبتدعة والعصاة

    قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة: [ويرون مجانبة البدعة والآثام والفخر والتكبر والعجب والخيانة والدغل والاغتيال والسعاية.

    ويرون كف الأذى، وترك الغيبة إلا لمن أظهر بدعة وهوىً ويدعو إليهما، فالقول فيه ليس بغيبة عندهم، ويرون تعلم العلم وطلبه من أهله، والجد في تعلم القرآن وعلومه وتفسيره، وسماع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها والتفقه فيها، وطلب آثار أصحابه، والكف عن الوقيعة فيهم، وتأول القبيح عليهم، ويكلونهم فيما جرى بينهم على التأويل إلى الله عز وجل مع لزوم الجماعة والتعفف في المأكل].

    من الخصال التي يرونها ويدعون إليها ويعتقدونها مجانبة البدعة أياً كانت، سواءٌ عملية أو عقدية، ومجانبة أهلها والدعاة إليها.

    فمن البدع الاعتقادية بدعة الجهمية، والخوارج، والمعتزلة، والأشاعرة، والجبرية، والرافضة، والمرجئة، والمتصوفة، وكذلك البدع الجديدة، كبدعة القبوريين ونحوهم، وبدعة ما يسمى بالبعثيين والعلمانيين وما أشبهها، فإن مجانبتها ومجانبة أهلها من واجبات الإسلام، وذلك لئلا يستحسن ما هو قبيح.

    أما البدع العملية فالمراد بها المحدثات في الدين، ولو لم تصل إلى الكفر ولكنها زيادة في الدين، فلا يشاركون أهلها فيها، ولو عرف أن أهلها قد يستحسنونها.

    وذلك مثل إحياء ليلة المولد، قد يقولون: ما نحييها إلا بذكر وبقراءة وبصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم! نقول: إنها بدعة، ولو قلتم ما قلتم.

    وكذلك أيضاً الذين يحيون أول ليلة جمعة من رجب بصلاة يسمونها صلاة الرغائب، لا شك أن هذه بدعة لم يكن لها أصل في العهد القديم في الإسلام، وإنما حدثت في القرن الرابع وما بعده.

    كذلك أيضاً إحياء ليلة الخامس والعشرين من رجب ويسمونها ليلة الإسراء والمعراج، ولا حقيقة لها، ولم يرد ما يدل على إحيائها ولا تخصيصها، وهكذا الاجتماعات التي لا مبرر لها، فهناك بدع كثيرة في الصلوات، والأذكار، والأذان، والجنائز وما أشبهها مذكورة في الكثير من الكتب، ككتاب (السنن والمبتدعات)، وكتاب (الباعث على إنكار البدع والحوادث)، وكتاب ابن وضاح (البدع والنهي عنها)، وما أشبه ذلك.

    أما الآثام فالمراد بها المعاصي التي يكون صاحبها آثماً، فكأنه يقول: يحثون على التوبة، ويبعدون صاحبهم ممن يكون منهم عن الذنب الذي يسبب له إثماً وجرماً ووزراً.

    والأصل في الإثم أنه يؤثم صاحبه، وقد سمى الله تعالى الميسر والخمر إثماً، أو جعل فيهما إثماً فقال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، وقد حرم الله تعالى الإثم، أي: الذنب الذي يؤثم صاحبه، فاقرأ قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ [الأعراف:33] يعني: والذنب الذي يحصل صاحبه على إثم. أي: على جرم وعقوبة وأوزار. والآثام هي الذنوب والأوزار.

    معاملتهم لأصحاب المعاصي

    أما الفخر والتكبر والعجب فهذه معاصٍ يتصف بها بعض الناس فتوقعه في الترفع، فالفخر محرم، وهو فعل من أفعال الجاهلية، ورد في الحديث قوله: (إن الله حرم عليكم عُبية الجاهلية وفخرها بالأباء)، كانوا يتفاخرون بأفعال الأباء، يقول أحدهم: آباؤنا الذين فعلوا، وآباؤنا الذين قتلوا وسلبوا وصبروا. فيفتخرون بمآثر آبائهم مع أن آبائهم قد ماتوا وصاروا إلى ما صاروا إليه.

    كذلك أيضاً في الإسلام لا يفتخر الإنسان بأفعال من سبقه، حتى يقول بعضهم:

    إذا افتخرت بآباء لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئس ما ولد

    أي أنك لا ينفعك إلا أن تعتز بأفعالك أنت لا بأفعال من سبقك، مع أن الإنسان عليه أن يتواضع، وأن يتذلل، وأن يصغر نفسه، وأن لا يفتخر على الناس.

    والتكبر قريب من الافتخار، وهو الإعجاب بالنفس والترفع عن الناس واحتقار الآخرين وازدراؤهم، وقد فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)، ( بطر الحق ) يعني: رده (غمط الناس) يعني: احتقارهم. بأن يرى الناس كأنهم صغار بالنسبة إليه، ويرى نفسه أرفع منهم رتبة وأعلى منهم منزلةً، ويفرض عليهم -مثلاً- أن يقوموا له وهو جالس، وأن يحترموه ويقدروه ويوقروه ولو لم يكن أهلاً، ويسخط على من لم يفعل ذلك، ويفرض نفسه أكبر من غيره، ولا شك أنه يتكبر على الله، والمتكبر يتكبر على الله تعالى، لذا نقول للمتكبر: تذكر عظمة الله تعالى وتذكر حقارة الإنسان.

    ذكروا أن بعض المتكبرين حضر عند أحد العلماء الذين في مجلس يذكر فيه ويعظ، وقد عرفه ذلك العالم، فقال له ذلك المتكبر: وحيك أما تحترمني؟ أما تعرف من أنا؟

    فقال: نعم أعرفك، أنت الذي أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفه قذرة، وحشوك بين ذلك بول وعذرة. يعني: لا ترفع نفسك فإن هذه صفتك، هذا مبدؤك وهذا منتهاك، فكيف تتكبر؟!

    أما العجب فالمراد به الإعجاب بالنفس، وذلك بأن تعجبه أفعاله، فعند ذلك يرى أن هذا الإعجاب سبب في نجاته وفلاحه وفوزه، ولا يجوز للإنسان أن يعجب بنفسه، بل عليه أن يحقر نفسه ولو بلغ ما بلغ، ولو كان عالماً جليلاً، أو عابداً كبيراً، بل يتصاغر ويتواضع ويتذلل لله تعالى، ولا تعجبه أعماله ولا يفتخر بها، ولا يقول: أنا الذي عملت كذا وكذا. فيمدح نفسه بصلاته وبتهجده وبقراءته، فيكون إعجابه هذا سبباً في إحباط أعماله.

    أما الخيانة فهي خصلة ذميمة، وهي من خصال المنافقين، وصف النبي صلى الله عليه وسلم المنافق بقوله: (وإذا اؤتمن خان)، وقد تكون الخيانة عامةً في الودائع والأمانات، وكذلك في الأعمال التي يؤتمن عليها الإنسان، والتوسع فيها لا يحتاج إليه.

    والدغل فسره بأنه الشر، وهو كون الإنسان في قلبه غل على إخوانه وحقد عليهم وبغضاء، فينهى عن ذلك، ويؤمر الإنسان بأن يكون سليم الصدر محباً لإخوته ولو فعلوا ما فعلوا، فلا يكون في قلبه غل ولا حقد ولا شنآن ولا بغضاء، قال الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا [المائدة:2]. أي: لا يحملنكم بغضهم على أن لا تعدلوا.

    والسعاية فسرها بأنها النميمة، ويسمى النمام ساعياً، وهو الذي يسعى بين الناس بالنميمة ليفسد بينهم، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أسباب عذاب القبر في قصة ذلك الذي يعذب في قبره، قال: (كان يمشي بالنميمة)، وورد فهيا أيضاً أحاديث كثيرة تدل على عظم الذنب بها، حتى قال: (يفسد النمام في الساعة أكثر مما يفسد الساحر في السنة).

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويرون كف الأذى وترك الغيبة].

    كف الأذى عن الناس يعني أن تكف عنهم أذاك. حتى قال النبي عليه السلام في حديث أبي ذر لما قال له: فإن لم أجد؟ قال: (تكف أذاك عن الناس فإنه صدقة منك على نفسك)، والغيبة تفسيرها بأنها ذكرك أخاك بما يكره. أي: أن تذكره في حال غيبته بشيء لو كان حاضراً لما ذكرته به، فبذلك تكون مغتاباً له، وقد عَدَّ الله تعالى الغيبة ذنباً كبيراً، حتى قال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا [الحجرات:12] يعني أن المغتاب كأنه يأكل لحم أخيه ميتاً.

    ويرخص في غيبة من أظهر بدعة وهو يدعو إليها، فالقول فيه ليس بغيبة، ولذلك يقولون: لا غيبة لفاسق، ولا لمعلن ومجاهر، فإذا جاهر إنسان بمعاصٍ أو ببدع فإن ذكره ليس بغيبة، وكذلك ذكر معايبه، وقد تكلم علماء الحديث في الرواة الذين رووا الحديث، فذكروا أن فلاناً غير ثقة، وأن فلاناً كذاب، وأن فلاناً سيئ الحفظ، مع كونهم قد ماتوا، ولم يعدوا ذلك من الغيبة بل جعلوه من النصيحة، وذلك لأنهم حملوا هذا العلم وليسوا أهلاً له، فلا بد أن نبين مراتبهم حتى يعرف من يكون أهلاً لحمل العلم وقبول الرواية ومن ليس كذلك، ذكروا ذلك في علم الجرح والتعديل.

    نصحهم بطلب العلم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويرون تعلم العلم وطلبه من مظانه، والجد في تعلم القرآن وعلومه وتفسيره، وسماع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها والتفقه فيها، وطلب آثار أصحابه].

    لا شك أن تعلم العلم من الواجبات، وذلك لأن العمل لا بد أن يكون على بصيرة، فلا بد أن يكون العامل على علم، فمن عمل بغير علم فإنه يفسد أكثر مما يصلح، فنقول للإنسان: تعلم قبل أن تعمل. فإذا قيل لإنسان يتوضأ: كيف تتوضأ؟ وكان لا يعلم فلابد أن يتعلم كيفية الوضوء، وإذا قيل له: هل انتقض وضوؤك قال: لا أدري تعلم نواقض الوضوء، ويتعلم موجبات الغسل، ويتعلم كيفية الصلاة حتى يصلي صلاة تحزنه، ويتعلم هذا العلم من مظانه، ومظانه هي الجد في تعلم القرآن وعلومه وتفسيره، فيتعلم القرآن وعلوم القرآن، وقد ألفت فيها مؤلفات، وكذلك أيضاً يتعلم تفاسير القرآن وما ورد فيه حتى يكون على علم وبصيرة وبرهان، وكذلك أيضاً يتعلم سنن النبي صلى الله عليه وسلم، والسنن هي الأحاديث التي رويت عنه من أقواله أو أفعاله أو تقريراته، لابد من تعلمها حتى يعرف الإنسان كيف يعمل؛ فإنها هي الموضحة والمبينة لكتاب الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى معلماً للأمة حتى يعملوا على بصيرة، فهو أمرهم بالعمل، ثم بين لهم كيفية العمل، وبين ذلك بأقواله وبينه بأفعاله، فلابد أن المتعلم يرجع إلى هذين المرجعين: الكتاب والسنة، فيجد فيهما ما يحتاج إليه من هذه الأعمال، يجد فيهما الواجبات، ويتعلم الفرائض التي أوجبها الله تعالى كأركان الإسلام وكيف يؤديها ويعمل بها، وكذلك أيضاً يجد فيها العقائد وما يجب اعتقاده. وما يلزمه، ويجد ذلك أيضاً ظاهراً في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وآثار الصحابة رضي الله عنهم؛ فهم الذين نقلوا لنا السنة.

    كذلك الكف عن الوقيعة في الصحابة أو سبهم أو ذكر شيء من مساوئهم، وتأول القبيح عليهم فيما جرى بينهم، ونكلهم فيه على التأويل إلى الله عز وجل، وبذلك نسلم من أن نقع فيهم بما لا يأمر الله به أو لم يبحه، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم أخذ الأجر على الرقى الشرعية

    السؤال: يلاحظ اليوم كثرة القراء الذين يدعون أنهم يرقون بالرقى الشرعية، ويؤخذ على هؤلاء القراء تفرغ بعضهم لهذا العمل، ثم أخذهم أجراً بعده على القراءة، وقراءة بعضهم على مجمع من الناس وغير ذلك، فما هو التوجيه في مثل هذا؟

    الجواب: القراءة المفيدة لابد أن يكون القارئ فيها أولاً من أهل التوحيد والعقيدة الصحيحة، ثانياً: أن يكون مستقيماً في دينه وأخلاقه، ثالثاً: البعد عن الملاحظات التي تقدح في عدالته، فيبتعد عن الظنون السيئة والمحرمات والمعاصي وما أشبهها؛ إذ يوجد كثير من هؤلاء القراء يظهر أن غرضهم مادي ودنيوي، فلأجل ذلك يقل الانتفاع بقراءتهم والتأثر بها، ولكن لما كان قصدهم المال، وربما يأخذون أموالاً زائدة على عملهم كان النفع بهم قليلاً.

    فنصيحتنا لمن أراد أن يعمل بهذه الرقية ونحوها أن يكون قصده وجه الله تعالى، ونفع المسلمين، ومحاربة السحرة والمشعوذين والكهنة والمنجمين ونحوهم وإبطال مكايدهم، وكذلك أن يلتزم بالقراءة الشرعية، فيتعلم الرقى والآيات والأحاديث التي يرقى بها، ويعلم كيفية الرقية وكيفية تأثيرها وما أشبه ذلك، ويتبرع بعمله فلا يأخذ إلا شيئاً يسيراً مقابل تفرغه وتكلفته وما أشبه ذلك حتى لا يضر الناس وينفع الله تعالى به.

    صفة من يرقي الناس

    السؤال: هل ينصح كل أحد بأن يقرأ على الناس؟

    الجواب: الرقية ليست موقوفة على شخص معين، ولكنها بإذن الله تكون لمن كان عنده الأهلية، فهي إنما تؤثر بإذن الله، وتنفع إذا تمت الشروط والصفات التي تستدعيها، ومنها الاقتصار على الأكل الحلال، والاستقامة، فإذا كان الإنسان مستقيماً على طاعة الله وعالماً بالأدلة وعارفاً بالآيات والأدعية ونحوها واحتيج إليه فلا يحقر نفسه، ولأجل ذلك قال في الحديث: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه) فهذا فيه نفع، فإذا كان عندك قدرة على ذلك ومعرفة واجتمعت فيك الصفات والمؤهلات واحتيج إليك فلا تمنع نفسك من نفع إخوتك المسلمين، وأما إذا لم يكن كذلك وأنت لست بأهل فلا.

    حَدُّ الساحر

    السؤال: هناك امرأة ساحرة قريبة لنا تتردد إلى بيتنا، ويطلب منها أهل بيتنا أن ترى لهم بعض الأمور، والسؤال عن بعض الأشياء، ومنهم أمي وأبي، فكيف أتصرف معهم؟

    الجواب: لا يجوز إقرارها على هذا العمل، والواجب إذا عرف ذلك أن يرفع بأمرها حتى ينفذ بها حكم الله (حد الساحر ضربه بالسيف)، ولو كانت قريبة لك، ولو كان أهلك ينتفعون بسؤالها ويسألونها عن بعض الأشياء؛ لأن السحرة يستخدمون الشياطين، والشياطين تخبرهم بأمور غيبية تخبر الكهنة والشياطين والسحرة بأن فلاناً سحره بالمكان الفلاني وما أشبه ذلك، فحدها إذا لم تتب القتل، فلا بد من القتل بالسيف حتى ينفذ بها حكم الله.

    علامات الساحر

    السؤال: ما هي العلامات التي يعرف بها الساحر؟

    الجواب: لا شك أن الساحر هو الذي يتعاطى الأمور التي تضر الناس، فإما أن يعمل أعمالاً يصل ضررها إلى فلان أو فلان ويعترف بذلك، أو ينقل ذلك عنه، وإما أن ترى من أعماله أنه يجمع الشعر من فلان وفلان والخرق التي لها اتصال بفلان، ثم يذكر عليها أسماء الشياطين ونحوهم، وكذلك يجمعون كسراً من حديد أو حجارة أو ودع وما أشبه ذلك، فإذا رؤي أنه يعمل مثل هذه الأعمال فإن هذه من أعمال السحرة، فينتبه له ويحذر منه.

    حكم الاستعانة بالجن المسلمين

    السؤال: هل تجوز الاستعانة بالجن المسلم إذا كان يستطيع أن يساعد؟

    الجواب: ما أظن ذلك صحيحاً، ولكن ذكر بعض المشايخ أنه لا مانع من ذلك، وأن هناك جناً مسلمين، وأنهم يساعدون المسلم ويدلونه على الخير، فلا بأس بذلك، وبعض الأولين توقظهم الجن للصلوات وللتهجد في آخر الليل، ولم يكن عندهم ساعات تنبههم، يقول أحدهم: فإذا بقي من الليل ساعة أو ساعتان جاء من ينبهني ويقول: يا فلان! قم فقد حان الوقت، حان وقت التهجد. فإذا استيقظ لم ير أحداً، فمثل هؤلاء جن مسلمون يعينون إخوتهم على فعل الخير ونحو ذلك، ولا بأس بمثل هؤلاء ولكن لا يطلبهم ولا يتقرب إليهم، أما إذا تمثلوا له وأخبروه بما يريد ولو لم يرهم أو نحو ذلك فلعل ذلك مما لا بأس به.

    حكم إنكار الرقية

    السؤال: يستدل بعض الذين ينكرون الرقية بالمرأة التي كانت تصرع فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أدعو الله لك بالشفاء أو تصبري؟ فقالت: أصبر)، ولم يقل لها: أرقيك؟

    الجواب: قد ورد أيضاً ما يدل على فضل الصبر، فهذه المرأة لما قال لها: (تصبرين ولك الجنة) آثرت الجنة، وقالت: كيف لا أصبر إذا كنت من أهل الجنة، فضمن لها الجنة، حتى قال ابن عباس لأحد تلامذته: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟! هذه المرأة السوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إني أصرع وأتكشف، فادع الله لي، فقال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك. فقالت: أصبر. ثم قالت: إني أتكشف فادع الله لي. فدعا لها)، فالتكشف لا شك أنه شيء تتضرر منه، أن تتكشف أمام الأجانب، فدعا لها وبقي الصرع معها أو صبرت عليه، فلا شك أن من بشر بالجنة على عمل كان به صعوبة آثر الجنة كما آثرت هذه المرأة.

    قلب الساحر لحقائق الإنس

    السؤال: هل الساحر يستطيع تحويل صورة الإنسان إلى بهيمة أم أن هذا تخييل فقط؟

    الجواب: يذكر الذين شاهدوا الوقائع أنه واقع، وأشار إلى ذلك ابن جرير في تفسيره، وكذلك أيضاً بعض الوقائع، وصفة ذلك أن الشيطان يلابس ذلك الإنسان، فمعلوم أن الجن والشياطين لهم قدرة على التشكل الجني، ونحن لا نراه ولكن قد نسمع كلامه ولا نرى شخصه، ولكن له قدرة على التشكل، فتارة يظهر بصفة كلب، وتارة بصورة قط، وتارة بصورة وعل، وتارة بصورة إنسان، وتارة بصورة حية كما ورد ذلك في الحديث الذي فيه قوله (إن في هذه الدور جناً مسلمين يتمثلون بصورة حيات)، فإذا كان كذلك فلا مانع من أنه إذا لابسه قلب هيكله بإذن الله تعالى إلى صورة حيوان أو نحوه على ما يريد الذي سلطه.

    حكم إقامة الحدود الشرعية من قبل الرعية

    السؤال: هل يستدل بقصة جندب رضي الله عنه على أنه يمكن إقامة الحدود من آحاد الرعية؟

    الجواب: قد يستدل بذلك إذا كان ذلك عنده دليل قوي وكان الآخرون جاهلين بذلك، فلعل ذلك الأمير كان جاهلاً بهذا الأمر، وكذلك أيضاً الحاضرون لم يكن لهم علم بهذا، لذا أقدم على إقامة هذا الحد، وأما إذا كان هناك من يأتي للحدود فلا يجوز للأفراد أن ينفذوها، بل يرفعوا بأمرها إلى ولاة الأمور الذين لهم الصلاحية في الحكم، وذلك لأنه ليس كل إنسان له قدرة على معرفة الحكم الشرعي، إنما يعرف ذلك من ولي ذلك من قبل الدولة.

    قتل الساحر

    السؤال: هل يقتل الساحر حداً أم ردة؟

    الجوب: ظاهر الحديث أنَّه يقتل حداً: (حد الساحر ضربه بالسيف)، ولكن إذا حكمنا بأنه كافر كما في قوله: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، وأن سحره كفر لكونه يعبد الشياطين ويتقرب إلى الجن ونحو ذلك، فإن هذا العمل يعتبر ردة ولو سمي حداً، كأنه سمي حداً لأنه عقوبة، أي: عقوبة هذا الساحر هذه صفتها.

    معنى الاغتيال في كلام المؤلف

    السؤال: في قول المصنف: [ويرون مجانبة البدعة]، إلى قوله: [والاغتيال]، فما هو الاغتيال، وهل هو المعروف الآن؟

    الجواب: الاغتيال الظاهر أنه قتل الغيلة، يعني: أن يخلو بإنسان فيخدعه ثم يقتله على حين غفلة أو غرة. يسمى هذا قاتل الغيلة، قيل: إنه لا يحتاج إلى رضا الأولياء بل يقتل عقوبة له على هذه الفعلة.

    الجمع بين وعد الله للصحابة وبين قتل الخلفاء

    السؤال: كيف نوفق بين أن الله وعد الصحابة بالأمن وأن بعض الخلفاء قتلوا؟

    الجواب: لاشك أنهم أخلوا بشيء من أسبابه، أو أن هذا يعتبر كرامة لهم أنهم قتلوا شهداء في سبيل الله تعالى؛ فإن عمر رضي الله عنه دعا الله بأن يرزقه شهادة في بلد نبيه فاستجاب الله دعوته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756473374