إسلام ويب

الاستسلام للهللشيخ : أبو إسحاق الحويني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله خلق الخلق بقدرته، وقدر أقدار الخلائق قبل خلقها، وعلى الإنسان أن يسلم لقضاء الله تعالى وقدره، وذلك بأن يعمل بما أمره الله، وينتهي عما نهى الله عنه، ثم يسلم لما حكم الله به وقدره عليه. والذي ينظر إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة، يلحظ طرفاً من حكمة الله تعالى في القضاء والقدر، مما يدفعه إلى التسليم والخضوع لله.

    1.   

    من أحكام اللقطة

    إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    قال الله عز وجل: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [القصص:7-9].

    أيها المسترشد! لا تنظر تحت قدميك، فإن تحت قدميك سوءَ الحال؛ ولكن بالصبر واليقين.

    وإذا نظرتَ أمامَك سوف ترى بعينيك جميلَ المآل، فالإنسان في حياته يمر بهذين الطورين ولا بد، ولو معكوساً، إما أن يمر بسوء الحال ثم يجني حسن المآل، وإما العكس، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يجمع الله على عبدٍ أمنين ولا خوفين، إن أمَّنه في الدنيا أخافه في الآخرة، وإن أخافه في الدنيا أمَّنه في الآخرة).

    ولو نظرت إلى سيرة الأفاضل الأماثل بدءاً من الرسل، لرأيت أنهم يمرون في حياتهم بسوء الحال، لكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كذلك نحن معاشر الأنبياء نُبتلى، ثم تكون العاقبة لنا):

    (نُبتلى): هذا سوء الحال.

    (ثم تكون العاقبة لنا): وهذا جميل المآل، أي: ما يئول إليه الأمر.

    وقوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ [القصص:8] يوجد باب في الفقه اسمه باب اللُّقَطَة، أي: مَن وجد شيئاً على الأرض، ليس مِلْكاً له فالتقطه، فلا يظن أنه صار ملكاً له، بل هذا الشيء له أحكام.

    سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن لُقَطة الغنم، ماذا نفعل فيه؟ قال: (هي لك أو لأخيك أو للذئب) أي: إما أن تأخذها، وإما أن يأخذها أخوك؛ صاحبها، وإما أن يأكلها الذئب، فيكون هذا فيه حظ لك أن تأخذها؛ لأن أخاك الذي هي ملكه تاهت عنه، فما بقي إلا أنت أو الذئب، والأصل: إصلاح المال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، فلو تَرَكْت خروفاً لذئبٍ افترسه فخذه أنت.

    وسُئل عن ضالة الإبل فغضب، وقال: (معها حذاؤها وسقاؤها) أي: ما لك وما لها، كأنما قال له: خذ ضالة الغنم ولا تأخذ ضالة الإبل.

    لماذا؟

    لأن الجمل معه حذاؤه -خُفُّه- وهو سريع، يستطيع أن يفر من الذئب والسبع، ثم هو صبور معه سقاؤه، يمكنه أن يظل يومين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة أيام بغير ماء، ثم يعثر عليه صاحبه.

    إذاً: نفهم من هذا أن أموال الناس الأصل فيها العصمة والحرمة، إذ لو تساوت ضالة الإبل مع الغنم لسوى بينهما في الحكم؛ لكن لما افترقت الضالتان من حيث القدرة على الامتناع فكأنما قال لك في ضالة الإبل: اتركها لعل صاحبها أن يجدها؛ ولكن لما كان الغالب على ضالة الغنم أن يفترسها الذئب فحفاظاً على المال قال: (خذه).

    ثم لا يحل لك ما أخذته مما ليس من مالك إلا بعد أن تعرِّفه سنة، فمثلاً: وجدت ضالة الغنم، عليك أن تعرفها سنة بأي وسيلةٍ من وسائل التعريف التي يحصل بها الإعلان، وليس كما يفعل بعض الناس يكذب وهو لم يعرفه إلا ساعة في العمارة التي وجده عندها، يقول: أضاع الجدي، وأين صاحب الجدي؟! ولماذا سيصعد العمارة؟! فإنه لا يكون إعلاناً إلا إذا تم المراد منه، فهو إما أن يستأجر سيارة، أو ينشر لافتات في الميادين العامة التي تعتبر مظنة ورود أكبر عدد من الناس، أو يلصق على أبواب المساجد من الخارج، أيضاً هذا مظنة وجود أكبر عدد من الناس.

    ثم إذا جاء الرجل يدَّعي أن له حقاً؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعرف عفاصها ووكاءها) العفاص: أنت تعرف أنك عندما يكون معك محفظة، فشكل المحفظة الخارجي اسمه العفاص. والوكاء: مثل الخيط الذي يُشَد به فم القربة، هذا هو الوكاء.

    فإذا جاء رجلٌ يدعي أن له حقاً، قل له: صفه لي؟ فإذا أتى بالأوصاف على وجهها، أعطيته، وإذا ضل في الوصف فلا تعطه.

    وإنما شدد النبي صلى الله عليه وسلم علينا في الضالة واللقطة؛ لأن النفس تفرح إذا جاءها الرزق بغير جهد، وكم من إنسان وقع في أزمةٍ مالية، وهو يحلم أن يكون لديه محفظة، أو يجد مثلاً مبلغاً من الفلوس هكذا في الشارع؛ لأن النفس إذا جاءها الرزق بغير جهدٍ فإنها تسعد وتفرح.

    1.   

    من أسرار القدر وحكمة الله فيه

    فرح فرعون بما هو سبب لزواله

    نفهم من قوله تبارك وتعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ [القصص:8] مدى الفرحة الطاغية التي أصيب بها آل فرعون لما وجدوا الصندوق، فالتقطوه، فكانت فرحتهم بهذا الصندوق كفرحة المفلس إذا وجد مالاً في الطريق.

    فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاًً وَحَزَناً [القصص:8] وفي القراءة الأخرى المتواترة: لِيَكُوْنَ لَهُمْ عَدُوَّاً وَحُزْنَاً [القصص:8].

    السؤال: هل آل فرعون التقطوا موسى ليكون لهم عدواً وحزناً؟

    لا. إنما (اللام) في قوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ [القصص:8] (لام المآل) و(لام الصيرورة)، أي: أنه يصير لهم في نهاية الأمر كذلك؛ لكنهم يوم التقطوه إنما التقطوه ليكون قرةَ عين: وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ [القصص:9].

    فلو أردنا أن نرتب الآيات بحسب المعاني كان الأمر كذلك: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم قرة عين وهم لا يشعرون أنه يكون لهم عدواً وحزناً.

    كما لو قلت: تزوج فلانٌ ليشقى.

    وهل تزوج ليشقى؟

    إنما تزوج ليسعد، فبنى بامرأة سوءٍ أشقته.

    أو مثلاً كقول الشاعر:

    لِدُوا للموت وابْنُوا للخراب ..........................

    لِدُوا للموت؟! فهل الأم التي تعاني آلام الحمل، وآلام المخاض، وآلام الرضاع، وآلام التربية، لو وقر في صدرها أن ابنها يموت عندما ينزل من بطنها ما حملت، إنما حملت وشقيت لتنتظر حياة الولد، ولو كانت تعلم يقيناً أنه يموت عندما ينزل من بطنها ما حملت.

    فاللام (لام المآل)، أي: ما يئول إليه الحال.

    وهكذا: اعلم أن أهلك سيدورن في هذا الفلك، فينبغي أن تُسَلِّم لله عز وجل فيما قضى واختار لك: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ [القصص:68].

    انظر إلى الترفع في الآية: (ما كان لهم الخيرة) لأنهم لا يعلمون شيئاً، كم من والدٍ تمنى الولد، فلما رزق الولد وعَقَّه تمنى موته، ولو كان يعلم أن أمره يئول إلى ذلك ما ربَّى ولا تعب ولا أنفق.

    طفل رضيع أنطقه الله بما لا تعلم أمه

    رب إنسان تمنى تَلَفَه وهو لا يدري: إن طفلاً رضيعاً بصَّره الله عز وجل فعلَّمنا الحال والمآل، كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لم يتلكم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وصاحب جريج -وساق قصة جريج - ثم قال عليه الصلاة والسلام: وبينما امرأةٌ تُرْضِع ولدها إذ مر رجلٌ على دابة فارهة وله شارةٌ حسنة)، (دابة فارهة): قوية، نشبهها الآن بأفخم السيارات، وشارة حسنة: -أُبَّهة وعز، رجلٌ في موكب، وابنها يرضع، فعلى عادة الآباء والأمهات يتمنون لأولادهم أفضل مما هم فيه، كل والد يتمنى لابنه أفضل مما هو فيه، وكذلك الأم- فقالت الأم -التي تنظر بنظرة أهل الدنيا- (فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك الولد الرضيع ثدي أمه، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثدي أمه يمصه، قال: أبو هريرة : ولَكَأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وضع إصبعه في فمه يمصها) وهو يقلد فعل الولد، وهذا فن من فنون الدعوة؛ أن يكون عندك القدرة أن تستحضرَ المشهد وتُجَسدَه للمستمع، حتى ولو عن طريق السؤال والجواب، أو سرد حكاية كنوع من ضرب المثل، المهم أن تتفنن في إيصال المعلومة، وكان هذا دأباً للنبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الدعاة إلى الله عز وجل.

    ومن بعض ما ذَكَرَ لنا تعلمنا أنه مَرَّ هو وأصحابه على جدي أسَكٍ ميت: فوقف وقال لأصحابه: (أيكم يشتري هذا بدرهم؟ قالوا: يا رسول الله! والله لو كان حياً ما اشتريناه -لأنه أسَك مقطوع الأذنين- فقال: أترون هذه هينةً على أهلها؟ -يعني الجيفة- قالوا: أجل، قال: والله للدنيا أهون عند الله من هذا على أهله).

    فلما سأل وقال: (أيكم يشتري هذا بدرهم؟) كان يعلمُ سلفاً أنه لا أحد يشتريه، إنما يريد أن يستحضر حقارة الدنيا؛ ويقيم الحجة عليهم بألسنتهم، فقد قالوا: (والله لو كان حياً ما اشتريناه) أي: نحن زاهدون فيه حياً وميتاً، فيكون الجواب بعد ذلك: فلِمَ تقتلُ أخاك على الدنيا إذا كانت بهذه الحقارة؟ نور الاستحضار للمشهد! ولذلك ضرب الله الأمثال في القرآن لنا: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21].

    اربط ما بين المثل وما بين الواقع.

    فالنبي عليه الصلاة والسلام أقبل على إصبعه يمصها، مع أن الصحابة يعلمون كيف يمص الصبي ثدي أمه؛ لكنها مبالغة واستحضار للمشهد، كما قرأ صلى الله عليه وسلم قوله تبارك وتعالى لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، فجعل يشير إلى عينه وأذنه، تأكيداً للمعنى، وليس تفهيماً بطبيعة الحال.

    قال: (ثم مروا بفتاةٍ يضربونها ويقولون لها: زنيتِ، سرقتِ، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت: الأم: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك ثدي أمه، وقال: اللهم اجعلني مثلها. قالت له: حلقاء!) دعت عليه، (حلقاء) أي: أُصِبْتَ بوجعٍ في حلقك، يعني: لماذا تخالفني؟ وما هذا الذي تقول؟ (فقال لها: فأما الرجل الذي يركب دابةً فارهةً، وله شارة حسنة، فإنه جبار من الجبابرة؛ وأما التي يقولون لها: زنيتِ؛ ولم تزنِ، سرقتِ؛ ولم تسرق، فإنها مظلومة).

    مَن الذي علم هذا الولد الرضيع هذا السر الذي خفي على أمه: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40]، أن تبصرَ بالحال والمآل وتستقيمَ، هذا لا يبصرك به إلا الله.

    1.   

    التسليم لقضاء الله وقدره

    لا بد عليك أن ترضى بالقضاء، هذا هو حلك الوحيد، ليس لك حلاً غيره، وأن تُسَلِّم لله عز وجل فيما اختار، ولا تعترض على ربك فيما فعل، فإن الله عز وجل لا يفعل الفعل إلا لحكمة جلت عن أفهام العباد.

    وصدق إبراهيم الحربي رحمه الله حين قال: من لم يؤمن بالقدر لم يتهنَّ بعيشه. أي: فهو ساخط وكاره بصفة متسمرة.

    ذكر يحيى بن عاصم الغرناطي في كتاب (جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى) عن بعض الكتب الإسرائيلية: أن نبياً من أنبياء بني إسرائيل كان يجلس على قمة جبل، فرأى فارساً وبيده صُرة مال، وأتى على بئرٍ فوضع الصرة على حافة البئر ونزل فشرب، ثم نسي المال وانصرف، فجاء راعي غنم يسقي غنمه فوجد المال فالتقطه، وسقى الغنم وانصرف، ثم جاء رجلٌ شيخٌ كبير، فجاء البئر بعد انصراف الراعي فشرب وجلس، وتذكر الفارس مالَه فرجع، فوجد ذلك الرجلَ يجلس على حافة البئر، قال: أين المال؟ قال: ما أعرف شيئاً، قال: المال معك. ولم يشك الفارس أنه التقط المال، فلما أنكر الرجلُ أخرج الفارسُ رمحاً وقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيُقْتَل البريء ويفر الآخذ؟ فقال الله عز وجل له: إن لي حكمةً جَلَّت؛ أما هذا المال فكان مِلْكاً لوالد الراعي أعطاهُ والدَ الفارس، ولا يدري الراعي ولا الفارس، وأما هذا الذي قُتِل؛ فإنه قتل أبا الفارس، فسلطت ولي الدم عليه، فأخذ بثأر أبيه، فبَكى ذلك النبي وقال: لا أعود!

    مجرد سؤال: يا رب ما هذا؟ إن لم تسلم بأن الله عز وجل فعال لما يريد، ولا يظلم مثقال ذرة، تسلل إليك الشيطان من هذا الباب.

    والذين ضلوا في باب القضاء والقدر هم القدرية والجبرية، فِرَق فيها عباقرة، وفيها أناس من أذكياء العالم، لماذا ضلوا؟

    لأنهم ولجوا هذا الباب، وهذا الباب بضاعته التسليم والرضا، وليست بضاعته العقل، ولذلك كان هناك فرق واضح بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأجيال التي خلفت بعد ذلك.

    ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دَفَنَ جنازةً في بقيع الغرقد، وكان بيده مسطرة، فجعل ينقش بها في الأرض، فقال: ما من نفسٍ منفوسةٍ إلا وكتب مقعدها من الجنة ومقعدها من النار، فقال سراقة بن مالك : يا رسول الله! أهذا أمرٌ مضى وجفَّ به القلم أم مستأنَف؟ قال: بل جف القلم بما أنت لاق، وفي بعض الروايات قال سراقة : فلا أجدني أشد حرصاً مني على العمل مثل الآن) ولم يفهم هذا الفهم المعكوس الذي تسرب إلى جماهير المسلمين فسألوا السؤال المنكوس: إذا قدر الله عليَّ المعصيةَ فلِمَ يعذبني؟! وهذا اتهامٌ لله عز وجل، والصحابة لم يكونوا كذلك، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (بل جف القلم بما أنت لاقٍ) أي: انتهى وكُتِب عند الله عز وجل: أنك من أهل الشقاوة، أو من أهل السعادة.

    العمل بالأسباب والتسليم للقدر

    يوم يقول سراقة بن مالك صاحب الفكر المستقيم والعقيدة المستقيمة: (لا أجدني أشد حرصاً مني على العمل مثل الآن) فعلم هذا الموفق: أن العبد منه السبب، والسبب يكون على وفْق ما أراد الله عز وجل، فلا تعارض بين السبب والقدر؛ لأن السبب جزءٌ من القدر.

    لا تقل كما قال البعض: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156] أبداً، لا تقل: لولا أنه خرج من بيته ما مات، كان لا بد أن يخرج ليموت؛ لأن خروجه جزءٌ من القدر، وليس القدر منفصلاً عن السبب: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [الليل:5-6].

    هكذا قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات بعد كلام سراقة : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى يوجد ثَمَّ إعطاء من العبد، أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [الليل:5-6].

    إذاً: أعطى، واتقى، وصدق، كل هذا كسبُ العبد وشغلُه: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:7]: هذا هو القَدَر.

    إذاً: لا يمكن أن يُيَسر لليُسرى إلا إذا أعطى، واتقى، وصدق، فالذين يقولون: إنه كتب علينا النار وأدخلنا النار، وما لنا حيلة، أين هذا؟! هذا مضاد لكلام الله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى [الليل:8-12].

    إذاً: بيَّن لنا ربنا عز وجل أنه يوجد سبب ممدود منه، وهذا السبب يكون على وَفْق النهاية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد ذراع -أو قيد شبرٍ- عَمِل بعمل أهل النار فدخل النار، وإن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد ذراع -أو قال: قيد شبرٍ- عمل بعمل أهل الجنة فدخل الجنة).

    فهذا أيضاً حال ومآل؛ لكنه معكوس لتتم حكمة الله عز وجل، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم:19]، يعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، وقَبْل أن يموت بشبرٍ يعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، فيَتُوْه العباد، ويسألون: كيف ذلك؟ وأين ذهب هذا العمل في الزمن الطويل؟ أما نفعه هذا الزمن الطويل، ودخل النار في شبر.

    هنا يُمْتَحَن الذين آمنوا، والذين رق دينهم هم الذين يعترضون على ربهم.

    ورجلٌ يعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد ذراعٍ أو قال: قيد شبر، -يعني: مسافة بسيطة وزمناً يسيراً- عمل بعمل أهل الجنة ودخل الجنة، فأين ذهب عنه السوء؟

    فيقال له: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم)، رجلٌ صلى صلاةً طويلة، قرأ فيها بالقرآن كله، وقبل أن يسلم أخرج ريحاً، فما حكم صلاته؟ باطلة!

    ورجلٌ صام في يومٍ طويلٍ شديد الحر، حتى إذا كان قبل المغرب أفطر، فما حال صيامه؟ باطل!

    وأين شقاء اليوم كله؟ ذهب

    هذا هو توضيح الحديث.

    وهناك زيادةٌ وَرَدَت في صحيح مسلم تكشف هذا اللَّبس، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس).

    إذاً: نفهم أن العمل الحسن لم يكن مخلصاً فيه، وكان يرائي الناسَ: (فيما يظهر للناس)، ولذلك خُتِم له بالشقاء؛ لأن الله عز وجل قال: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30] أي: أحسن عملاً بالإخلاص ومتابعة الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا هو الإحسان في العمل، فإذا لم يخلص يُخْتَم له بذلك، وإن كان عند الناس محسناً.

    وكذلك الذي عمل بعمل أهل النار مثل الرجل الذي قتل مائة نفسٍ وخرج إلى الأرض التي أرشده الراهب إليها ليتوب، فما خرج غير بعيدٍ حتى قُبِض، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى الأرضَ من تحته، فأوحى لهذه أن تقرَّبي، وهذه أن تباعدي، فقاسوا المسافةَ ووجدوه أقرب إلى أرض المغفرة بشبرٍ واحد.

    ماذا فعل؟

    قتل مائة نفسٍ، وتوجه إلى أرضِ التوبة، هذا كل الذي فعل، هذا الشبر.

    قصة الخضر وموسى عليهما السلام

    إذاً: سَلِّم لربك، فله العلم المطلق، وهو الذي يعرف الخواتيم، ولا حيلة إلا إذا علَّمك الله، واعتبر بحديث موسى عليه السلام، فهو نبي من أولي العزم ومرسلٌ إليه، ومع ذلك اعترض على الخضر.

    الخضر علمه الله هذه الآيات، وموسى أفضل من الخضر بالاتفاق، ومع ذلك غاب عن موسى ما لم يعلمه ربه، وكانت رحلة موسى إلى الخضر بسبب كلمة واحدة قالها موسى عليه السلام، فأراد الله عز وجل أن يؤدبه وأن يعلمه؛ ذلك أن موسى عليه السلام كما في الصحيحين: (خطب بني إسرائيل خطبةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، ورقت لها الجلود، فقال رجل من بني إسرائيل: يا نبي الله! أحدٌ في الأرض أعلم منك؟ قال له: لا. فعَتَب الله عليه إذ لم يرجع العلم إليه) أي: لماذا لم يقل: الله أعلم (فقال الله له: إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: أي ربِّ! كيف لي به؟ قال: خذ حوتاً ...) إلى آخر القصة المعروفة.

    فالله عز وجل هو الذي علَّم الخضر هذه القضايا وحجبها عن موسى؛ ولذلك بادر موسى إلى الاعتراض بما عنده من العلم، فالغلام الذي قتله الخضر اعترض موسى عليه السلام، وقال له: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً [الكهف:74]، أي: فعلتَ شيئاً منكراً! لأن في شريعة الأنبياء أن مَن قتل نفساً يُقتل بها، فقتلَ نَفْساً زَكِيَّةً [الكهف:74] وفي القراءة الأخرى المتواترة: زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ [الكهف:74] بغير أن يرتكب الطفل جرماً فيُقتل بمقابل المقتول.

    فأعلمه الخضر أن هذا الولد له أبوان مؤمنان شيخان كبيران، والله عز وجل خَلَقَه كافراً، وسيعيش كافراً، ويشب ويشيخ ويموت كافراً، فما ظنك بأبوين شيخين مؤمنين ضعيفين في بيتٍ فيه كافر متمرد! ماذا نفعل فيهما: فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانَاً وَكُفْراً [الكهف:80].

    من الذي يعلم هذه العواقب؟

    الله عز وجل، ومَن علَّمه الله عز وجل.

    وإذ قد انقطع الوحي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، فلا يبقى إلا التسليم المطلق لأحكام الله عز وجل والرضا بما يقدره على العبد.

    ومن أصول الإيمان: الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره.

    أقول قولي هذا.

    وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    1.   

    فوائد الذكر

    الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناءُ الجميل.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    نبينا صلى الله عليه وسلم علَّمنا أن نلجأ إلى ربنا عز وجل ونحن في قمة العجز، وذكرنا أن نتلو هذه الكلمات يومياً عدة مرات.

    كان يعلِّمنا فيقول: (إذا أوى أحدُكم إلى فراشه فليَنَمْ على شقه الأيمن، وليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وليقل: اللهم ألجأت ظهري إليك، ووجهت وجهي إليك، رغبةً ورهبةً إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. قال صلى الله عليه وسلم: فإن مات من ليلته، مات على الفطرة).

    الأذكار المفرقة:

    - أذكار الصباح.

    - أذكار المساء.

    - دخول الخلاء.

    - الخروج من البيت.

    - رؤية الرعد.

    - رؤية البرق.

    - رؤية المطر.

    - رؤية المبتلى.

    - رؤية الشمس.

    - رؤية الريح.

    - رؤية الماء.

    - النظر في المرآة.

    - إذا عطست.

    - وأنت تمشي.

    كل هذه لها أذكار، كل شيءٍ في الكون تنظر إليه بعينك له ذكر، فحيثما وجهتَ وجهك ذكرتَ، هذه وظيفة الأذكار، وفائدتها أنها سلاحك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم يعلمك: (اللهم ألجأت ظهري إليك) لما جاء قوم لوط يُهْرَعون إلى أضيافه، ماذا قال لوط؟ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوّ َةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80]، أي: لو أن هناك واحداً يحميه!

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم معقباً: (يرحم الله لوطاً قد كان يأوي إلى ركن شديد).

    فهذا هو الركن، وهو ربنا عز وجل، قد كان يأوي إلى ركنٍ شديد.

    الأذكار حصن للنائم سلاح لليقظان

    وأنت مستيقظ تتكلم ذاكراً لربك، فلا يغلبك شيطانك أبداً، مع أنه أقوى منك جسدياً، وعنده مواهب وإمكانات أعطاه الله عز وجل إياها، ولم يعطِكها، ومع ذلك أنت أقوى منه بالله.

    كذلك وأنت مستيقظ، إذا كنتَ تقول الأذكار لا يتمكن منك الشيطان.

    فإذا نمتَ وكَلَّ وتوقف لسانك عن الذكر فكأنك ألقيت سلاحك، وعدوُّك شاهرٌ سلاحَه أبداً، لا يَمَل ولا يَكِل في طلبك وفي اصطيادك، ودَّ الشيطانُ وأعوانُه لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ [النساء:102] الأذكار! فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً [النساء:102].

    وأنا مستقيظ لا يقدر علي، فإذا نمت، والنوم أخو الموت، وقد ألقيت سلاحي؟!

    سن لك النبي صلى الله عليه وسلم أن تذكر ربك قبل منامك فيتولى هو حفظُك؛ ولذلك جاء في الحديث: (ألجأتُ ظهري إليك)؛ فإن الإنسان لا يُغتال إلا مِن قِبَل ظهره؛ ولذلك طعنات الغدر لا تأتي إلا مِن قِبَل الظهر، لا تأتي مِن الوجه، تأتي غيلةً وخيانةً وغدراً، وأنا أحتاج إلى أن يُحْمَى هذا الظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألجأتُ ظهري إليك)، فأنت في حال المنام آمَنُ منك في حال اليقظة.

    ولذلك قال بعض العلماء: إن الذي يُبْتَلى بالمس عادةً يُبْتَلى وهو نائمٌ، أغلب حالات المس التي يصاب الإنسان بها يُبْتَلى بها وهو نائم، كشخص مغفل يرمي سلاحه، وعدوه جاهز، ما المُتَصَوَّر؟

    أن يغتاله عدوه، فأغلب حالات المس تصيب الإنسان وهو نائم.

    فكل مرة تنام فيها تقول هذا الدعاء: (ألجأت ظهري إليك، ووجهت وجهي إليك)، (وجهت وجهي): الوجه هنا أو الجهة معناها: يا ربِّ ألجأت ظهري إليك، فاحمني من عدوي في حال حياتي؛ فإذا قضيتَ منامي فوجهي إليك، هذا معنى (وجهت وجهي إليك) وجهي إليك إذا متُّ؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الدعاء: (من مات في ليلته، مات على الفطرة)؛ لأن الشخص يقول: يا رب! وجهي إليك إذا مُت.

    فهذا الذكر أنت مطالبٌ أن تقوله كل يومٌ، فإذا كنت تقوله كل يوم فمتى تغفل؟! فخلعت حولك وقوتك عندما قلت: (ألجأتُ ظهري إليك فاحمِني)، وخلعت حولك وقوتك وعلمت أنك راجعٌ إلى ربكَ رغم أنفك فقلت طواعيةً: (وجهتُ وجهي إليك).

    فإذا أذن الله لك في عمرٍ باقٍ فاستيقظت في صباح غدٍ، فأول شيءٍ يلهج به لسانك ذكر من تحب: (الحمد لله، أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله).

    عندما يكون الإنسان بهذا العجز وهذا النقص، فعلمه ناقص، وقدرته ناقصة، وتفكيره ناقص، وقوته ناقصة، وكل صفاته ناقصة، فما باله يدعي كمال العلم، فيعترض على ربه في باب القضاء والقدر؟!

    التسليم لنصوص الشرع

    آل فرعون التقطوا موسى ليكون لهم قرة عين؛ لكن الله عز وجل قدر أن يكون عدواً وحزناً، وهم لا يشعرون أنه يكون كذلك، إذ لو شعروا ما فعلوا.

    وكذلك باب القضاء والقدر، كله يأتي غفلة.

    ثم ذكر الله عز وجل العلة في هذه العقوبة، والعلماء يقولون: إن النصوص قسمان:

    - معقول المعنى.

    - غير معقول المعنى.

    كل النصوص إما أن تكون معقولة المعنى لك، تفهم الحكمة منها والحكمة من تشريعها، وتعرف لماذا أراد ربك لك ذلك، ولماذا فرض النبي صلى الله عليه وسلم عليك ذلك أو استحبه لك.

    وهناك نوعٌ آخر لا تعلم الحكمة منه؛ إنما ابتلاك الله به ليرى أتسمع وتطيع أم لا!

    حركات الصلاة، والحج، والسعي، والطواف، كله توقيفي لم يظهر لنا وجه الحكمة من تشريعه:

    - تضع اليمنى على اليسرى في الصلاة؛ لماذا؟

    لا ندري.

    - ترفع يديك هكذا تجاه القبلة؛ لماذا؟

    ليس عندنا علم.

    - تضع جبهتك في الأرض بالطريقة الفلانية؛ في السجود مرتين، وفي الركوع مرة؟ لماذا؟

    - ما الفرق بين التورك والافتراش؟ ولماذا التفريق بينهما؟

    - ولِمَ الإقعاع بين السجدتين؟ ولماذا لا نقعي في غير ذلك؟

    كل هذا نقول فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهو صلى كما علمه جبريل، وجبريل صلى كما علمه الله عز وجل.

    إذاً: هناك نصوص لا ندري لماذا شرعت، إلا التسليم والإذعان والانقياد.

    ونصوصٌ أخرى فيها العلة.

    الفرق بين النص الذي أتى بالعلة والذي لم يأتِ بالعلة: أن النص الذي فيه العلة يريح قلبك، وكل الآيات التي فيها عبر وعظات ذكر فيها العلة، حتى تعتبر، فإنه لو لم يذكر لك العلة لم توجد العبرة.

    لماذا عاقب الله عز وجل فرعون بموسى؟

    إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص:8]، هذه هي علة العقوبة، لأن هناك من الناس مَن يقول: أنا عبد المأمور، نقول: هذا التعبير غلط، كيف جعلتَ نفسك عبداً لعبد؛ ولكن إذا كنت لا بد قائلاً، وإذا كنت لا بد أن تستخدم هذه العبارة، فقل: أنا عبدٌ مأمور، ولا تقل: أنا عبد المأمور، فأنت والمأمور عبدان لله، إلا العبودية الخاصة أو العبودية العامة، عبدٌ رغم أنفه، حتى لو تمرد فإنه في النهاية عبد.

    فلو قال لك قائل: اقتل هذا البريء وإلا قُتِلتَ، فلو قَتَلْتَه استحققت القتل، وهذا معنى قول الله عز وجل: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا [القصص:8]؛ لأن قائلاً يقول: الجندي معذور، لأنه مأمور، فهذه الآية نصٌ في هذا الأمر، والعلماء لهم في هذه المسألة تفصيل، (الشيء الذي يعذر به والشيء الذي لا يعذر به).

    فهذا إن شاء الله نقف عليه بعد ذلك.

    أقول قولي هذا.

    وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

    اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر.

    اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.

    رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

    اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768239553