ولكنه صلى الله عليه وسلم ما مات إلا وترك أمته تأبى التهادن والتآلف مع الباطل، تركها تشتبك مع الباطل في ثلاثة ميادين (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) والناس في هذه الدرجات الثلاث لا يخرج عنها إلا هالك لا إيمان له، ولا يعذر في إحدى هذه الدرجات أحد؛ لأنه قال: (وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) أي: أن الذي يستطيع أن ينكر في إحدى هذه الدرجات ولا يفعل، فليس وراء ذلك من الإيمان عنده حبة خردل؛ لأنه راض بالمنكر، ودليل رضاه عدم إنكاره مع الاستطاعة.
وتسأله أم المؤمنين: (أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث).
وهل هناك أكثر من هذا الخبث الذي عليه الناس اليوم؟
خبث بلغ أن الناس تتنفسه في الهواء، تشربه مع الماء، تأكله مع الغذاء، تسمعه في الأثير، تشاهده وتبصره بعينك، تلمسه بيدك، وخبث منظم مدروس، ويُدافع عنه ويُحمى، وتُنفق عليه الأموال وتُرصد له الميزانيات.
أما وقد أجمع الجميع الطائع والعاصي والبر والفاجر على أن هذه جريمة فأصبح الآن مع الذنب عناد، وعناد لمن؟ لله رب العالمين، والمعصية عندما يرافقها عناد يأتي بعدها التدمير والغضب، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ملك كذاب، وشيخ زان، وعائل مستكبر) الزناة كثير، فما هذا التخصيص لهذا أن الله لا يكلمه ولا يزكيه ولا ينظر إليه وله عذاب أليم؟!
لأن مع جريمة الزنا جريمة العناد لله رب العالمين، فهو شيخ لا همة له، ولا شهوة له، ولا رغبه له في النساء، ويعلم أن هذا حرام يقول: يا رب! لأنك حرمته ولم أتمكن منه في شبابي أنا أعاهدك الآن أن أجرم وأزني وأعاندك، ومع عدم رغبتي لهذا إلا أنني أستلذ عندما أعصيك.
في جانب يحتفل بالمولد، العالم الإسلامي والعالم العربي تعصف به بدعة الاحتفال بالمولد، وإن التفت شمالاً وجدت هذا الفجور السافر، تستغل ما يسمى بعطلة مولد الرسول، ويتمنَّون عند رصد تاريخ هذه العطلة أن تكون في يوم تكثر فيه العطلات حسب القانون، وما ذلك من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لتكثر أيام اللهو والسهو والمجون، الأربعاء والخميس والجمعة ثلاثة أيام، ولكن ليس لكرامة محمد صلى الله عليه وسلم، لو كانت إكراماً له لأحيوا الجهاد الذي نادى به، ولأحيوا سنته ونصروا العلم وأهل الدين وشباب الدعوة، ولجعلوه يوماً للقرآن وللصلاة يبحثون في معانيها وأثرها على المجتمع وكيف تزكي؟ كيف تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ ويقيمون على ذلك المعاهد، ويستجلبون العلماء، ويقدمون البحوث، وينفعون الأمة، لكنهم يسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم.
والآن جاء ومعه راقصة وخليعة لم يشهد التاريخ مثلها، جمعت من أرض مصر بلد الأزهر والعلم والنور، والجوع والعري والسيول الجارفة ... جمعت الملايين وتمتلك المؤسسات من الردح والرقص والسفه، هذا البلد الذي يصدر الدعاة والعلماء.
في يوم المولد تقوم مسرحية "من أجل خاطر عيونك" انظر إلى العنوان، ليس من أجل خاطر محمد صلى الله عليه وسلم الذي في قبره تعرض عليه صلوات أمته ملائكة كرام بررة، تنقل الصلاة إليه في قبره كلما صلى مسلم عليه صلى الله عليه وسلم، تبشره: فلان بن فلان يصلي عليك، فتحتفل السماء بهذه الصلاة الطيبة المباركة فيكتبها الله عشراً، ويرفع له عشر درجات، ويحط عنه عشر سيئات، ويرضي بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
كأنهم يقولون: كما مدحته يا رب بأنه على خلق عظيم فرفعت لذلك ذكره في الآذان، اقترن اسمه باسمك "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" نتحداك في هذا اليوم وفي تلك الليلة، نأتي بالراقصة شريهان لكي تهز صدرها .. نعرض هذه المفاتن قبل حضورها بأسبوعين، نرغب الناس ونعلي سعر التذكرة؛ حتى لا يدخل إليها إلا بعد أن يتحول الإنسان من فاسق ومجرم وراضٍ بهذا الكفر البواح أن يكون من إخوان الشياطين الذين يقول الله عنهم في كتابه الكريم: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء:27].
فبدلاً من أن تنـزل الصحف بالعناوين العريضة نطالب أمريكا وروسيا أن يشتركا في دفاع مشترك لحماية الكويت والخليج أن يطلبوا الله ويسألوا الله الذي ينـزل في الجوف الأخير في كل ليلة إلى السماء الدنيا ويقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ أنا الملك، أنا الملك، أنا الملك، حتى ينفجر الفجر.
ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ترقص الراقصة شريهان وسيشاهدها الكبار والصغار، وستبتعد الكويت بعيداً بعيداً عن رحمة الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقربكم إليَّ منازلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) وهذه ليست من محاسن الأخلاق، إنما هي من مساوئ الأخلاق، وإن هذه الفرقة لا يقل قيمة التعاقد معها عن مائة ألف دينار، ولا تحضر الكويت إلا بإذن حكومي رسمي من وزارة الإعلام.
فإذاً قضية ترشيد الإنفاق هذه كذب ودجل وخداع، وعملية سياسية داخلية لإلهاء الأمة والشعب فيه، ترشيد الإنفاق ألا تحضر مثل هذه المسرحيات ومثل هذه الراقصات، فإن الترشيد في البركة النازلة من الله يوم أن نطيعه، وإهدار الإنفاق عندما تنزع البركة بالمعصية: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:14-15].. وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].
إذا كان في هذا البلد رجال لهم دين ومروءة وعلى الأقل النخوة العربية، فقد كان العرب في الماضي قبل الإسلام تتقاتل القبائل منهم عشرات السنين من أجل ناقة جرباء، فالآن نحن من أجل أعراضنا وديننا وأمننا ووطننا، إنها طعنة في قلب كل شريف ومخلص عندما تنزل هي في المطار بكعبها العالي ورأسها الخاوي الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أتحدث عن صنفين من أهل النار لم أرهما: رجال بيدهم سياط كأذناب البقر يضربون أبشار الناس -وأولئك هم الجلادون في المعتقلات والسجون يجلدون الدعاة المخلصين في جميع الأوطان العربية، تحولت إلى زنازين متجاورة- ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، فالعنوهن إنهن ملعونات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسافة كذا وكذا) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
في يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم يكون على أهل المروءة والوجاهة والحل والعقد والتأثير مسئولية كبيرة سيحاسبهم الله عليها يوم القيامة، الصمت هذا هو الموت والهلاك.
سيتحول كثير من الناس عندما تأتي شريهان وتدخل في أخلاقنا وأعراضنا وبيوتنا، وتأخذ أموالنا، وتكفر بالله وتستهزئ بالدين وبالقيم، وتسلب الأموال، وتستقبل استقبال الفاتحين، وتودع توديع المنتصرين؛ ستكون كرامة الكويت وأهل الكويت تحت حذائها وكعبها، فإن كان هناك أهل شرف ودين وخلق وكرامة يذهبون إلى المسئول ويكلمونه بعقل؛ بأن يمنع هذه المسرحية ومن فيها حتى نتفرغ لحماية بلدنا من عدونا القريب، ونقوم الليل ونجأر إلى الله بالدعاء، ونعلن التوبة الصادقة النصوح ونقول: ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، فيدفع عنا العدو.
الاستراتيجية العسكرية تمنعه من كشف ماهية هذا القرار، يهول تهويلاً فرعونياً كما قال فرعون المجرم لموسى النبي الرسول عليه السلام: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الشعراء:19]تهويل! حتى الذي يسمع مثل هذا الكلام يقول: الله الله! ماذا فعل هذا؟ لم تبق جريمة إلا وفعلها، والذي فعله مغفورٌ له .. قتل خطأ.
قال الرئيس الأمريكي: إنه اتخذ قراراً، ما هو هذا القرار؟ تدمير العدو؟ القضاء عليه؟ الحماية التامة للخليج وللكويت؟
وإذا القرار حفنة من الكلاب رأيناهم في التلفاز يتصارخون كما نسمعهم في فيتنام، وكما كنا نسمعهم في كثير من الدول الإسلامية وغيرها، الدول المستضعفة التي سحقها الاستعمار الأمريكي كأنهم خنازير وهم يركبون العوامات وغيرها، ويطلقون صاروخاً من على منصة ثم يزعقون كالغربان؛ كأنهم حققوا أعظم نصر، وأعظم فتح.
فكان لها رد ليس على أمريكا ولا على عابراتها وناقلاتها وحاملاتها وإنما على بلدنا الآمن، وبعد أن نزل الصاروخ على الجزيرة الصناعية لتصدير النفط قالت أمريكا : نستنكر فقط ولن نرد بعد ذلك، هذا الذي يركن إلى الذين ظلموا.
كيف نريد النصر من الله والله يقول: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] ونحن في مولد رسوله صلى الله عليه وسلم -مع أننا لا نُجيز الاحتفال بالمولد- لكن الذي أعظم من هذا أنه في يوم المولد يتحدون المشاعر والأحياء والأموات والشرع، والله ورسوله، والعادات والتقاليد القويمة لهذا البلد التي لا تعرف مثل هذا من قبل، من أجل هوى شخص أو شخصين في هذا البلد لأنهما يرغبان بذلك: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النمل:48] دمر الله القرى كلها بجريرة تسعة، وهو قادر على تدميرنا بجريرة واحد؛ لأن أثر هذا الواحد عام وليس خاصاً.
والمصيبة الكبرى عندما يبدأ كل واحد يفكر في نفسه، لو تكلمت منعت عني الدرجة، إن تكلمت طردت من وظيفتي، إن تكلمت لا أستطيع أن أحضر يوم العزاء ويوم الولاء والتهنئة ويوم الديوانية ويوم توقيع المعاملة، وسيأتي اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم أن يحاسب الإنسان فرداً أمام الله في طابور رهيب لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:94-95] .. يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ [النبأ:38-39].
ليس يوم توقيع المعاملة والمصلحة الشخصية الحقيرة التي من أجلها تهدر كرامة أمة، وحماية بلد، وأمن دولة، ومشاعر مئات الآلاف من الناس لهم دين وخلق وكرامة من أجل كعب امرأة فاجرة تدمر الأخلاق، وتأخذ الأموال وتنصرف في زمن حروب وضروب، وأجساد الفلسطينيين العزل تحيط بالأقصى تتمازج دماؤها وأشلاؤها أمام اليهود المدججين بجميع أنواع السلاح، يا له من دفاع على الأقصى عجيب لكعب الراقصة شريهان !
إن الذين سيستقبلونها في المطار، وإن الذين يعلنون وسيحضرون وسيودعون ويهتفون ويصفقون ويضحكون، سيحشرهم الله يوم القيامة في جب من نار معها ومع أمثالها: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227]
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر