الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
أما بعد: فبأسانيدكم إلى الإمام أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب قال: حدثنا زهير قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم ).
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو: ( أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف عن أبي رجاء عن عمران بن حصين قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليكم فرد عليه السلام، ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثون ).
حدثنا إسحاق بن سويد الرملي قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: أظن أني سمعت نافع بن يزيد قال: أخبرني أبو مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه زاد: ( ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: أربعون، وقال: هكذا تكون الفضائل )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي قال: حدثنا أبو عاصم عن أبي خالد وهب عن أبي سفيان الحمصي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير ) ].
ولكن إذا مر الكبير على الصغير فإنه هو الذي يسلم، وهو أحق بالسلام منه، وإن استويا في المرور فإنه يبادر الصغير على الكبير.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: أخبرنا روح قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني زياد أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يسلم الراكب على الماشي ) ثم ذكر الحديث].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة قال: إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه.
قال معاوية: وحدثني عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثله سواء.
حدثنا عباس العنبري قال: حدثنا أسود بن عامر قال: حدثنا الحسن بن صالح عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر، ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر ؟ )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا سليمان -يعني: ابن المغيرة- عن ثابت قال: قال أنس: ( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلمان يلعبون فسلم عليهم ).
حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا خالد -يعني: ابن الحارث- قال: حدثنا حميد قال: قال أنس: ( انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا، ثم أخذ بيدي فأرسلني برسالة، وقعد في ظل جدار، أو قال: إلى جدار حتى رجعت إليه )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين أنه سمعه من شهر بن حوشب يقول: أخبرته أسماء ابنة يزيد قالت: ( مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح قال: ( خرجت مع أبي إلى الشام، فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى، فيسلمون عليهم، فقال أبي: لا تبدءوهم بالسلام؛ فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تبدءوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق ) ].
ولأن السلام خصيصة لأهل الإسلام، ولكن لا حرج عليه أن يبدأهم بتحية أخرى، كمرحباً، ومساء الخير، وصباح الخير، حللت أهلاً، أو نحو ذلك من العبارات، لا حرج فيها، أما السلام فهو خاص بأهل الإسلام، وإذا سلموا فيقال: إنه على حالين:
الحالة الأولى: إذا لم يستبن منهم اللفظ فيرد عليهم: وعليكم.
وأما إذا استبان منهم اللفظ، فعرف الحروف وتيقن منها، فقالوا: السلام عليكم، فإنه يرد عليهم كذلك، ويقول: وعليكم السلام، ولكنه لا يتم بقية التسليم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن مسلم- عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقولون: السام عليكم، فقولوا: وعليكم ).
قال أبو داود: وكذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه الثوري عن عبد الله بن دينار قال فيه: ( وعليكم ).
حدثنا عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس، أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم؟ قال: قولوا: وعليكم ).
قال أبو داود: وكذلك رواية عائشة وأبي عبد الرحمن الجهني وأبي بصرة الغفاري].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد قالا: حدثنا بشر يعنيان ابن المفضل عن ابن عجلان عن المقبري قال مسدد: سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن أبي غفار عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي جري الهجيمي قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: لا تقل: عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي قال: حدثنا سعيد بن خالد الخزاعي قال: حدثني عبد الله بن الفضل قال: حدثنا عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال أبو داود: رفعه الحسن بن علي قال: ( يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم عن أبي بلج عن زيد أبي الحكم العنزي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد وابن نمير عن الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، إلا غفر لهما قبل أن يفترقا ).
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال: ( لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا أبو الحسين وهو خالد بن ذكوان عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي عن رجل من عنزة أنه قال لـأبي ذر حيث سير من الشام: ( إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذاً أخبرك به إلا أن يكون سراً، قلت: إنه ليس بسر، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي فأتيته وهو على سريره، فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود )].
والتحية على مراتب، أعلاها: عناق مع تقبيل، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام مع ابنته فاطمة، وبعد ذلك عناق بلا تقبيل، وبعد ذلك مصافحة بلا عناق، وبعد ذلك سلام بلا مصافحة، وبعد ذلك تحية بلا سلام كمرحباً وغير ذلك من التحايا، وكل هذا قد ورد وجاء به النص.
وقد يقال: إنه يأتي بعد هذا الإشارة باليد إذا كان الإنسان بعيداً ولا يفهم عنه، ولو تلفظ بالسلام ولو كان بعيداً فهو حسن مع الإشارة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري: ( أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء على حمار أقمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم، قال: فجاء حتى قعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة بهذا الحديث قال: ( فلما كان قريباً من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم ).
حدثنا الحسن بن علي وابن بشار قالا: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ( ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً ) وقال الحسن: ( حديثاً وكلاماً )، ولم يذكر الحسن السمت والهدي والدل ( برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرم الله وجهها: كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ( أن الأقرع بن حابس أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقبل حسناً فقال: إن لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يرحم ).
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة قالت: ثم قال: تعني النبي صلى الله عليه وسلم: ( أبشري يا عائشة! فإن الله قد أنزل عذرك وقرأ عليها القرآن؛ فقال أبواي: قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أحمد الله عز وجل لا إياكما )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن مسهر عن أجلح عن الشعبي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن إياس بن دغفل قال: رأيت أبا نضرة قبل خد الحسن بن علي.
حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء قال: دخلت مع أبي بكر أول ما قدم المدينة فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى، فأتاها أبو بكر فقال لها: كيف أنت يا بنية؟ وقبل خدها].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه ( أن عبد الله بن عمر حدثه، وذكر قصة قال: فدنونا يعني من النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا خالد عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير رجل من الأنصار قال: ( بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح بينا يضحكهم، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود، فقال: أصبرني، فقال: اصطبر، قال: إن عليك قميصاً وليس علي قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال: حدثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع عن جدها زارع وكان في وفد عبد القيس قال: ( لما قدمنا المدينة فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله، قال: وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: إن فيك خلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله! أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما. قال: بل الله جبلك عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد وحدثنا مسلم حدثنا هشام جميعاً عن حماد يعنيان ابن أبي سليمان عن زيد بن وهب عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا ذر! فقلت: لبيك وسعديك يا رسول الله وأنا فداك )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة أو غيره أن عمران بن حصين قال: كنا نقول في الجاهلية: أنعم الله بك عيناً، وأنعم صباحاً، فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك. قال عبد الرزاق: قال معمر: يكره أن يقول الرجل: أنعم الله بك عيناً، ولا بأس أن يقول: أنعم الله عينك].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري قال: حدثنا أبو قتادة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر له فعطشوا فانطلق سرعان الناس، فلزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، فقال: حفظك الله بما حفظت به نبيه )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز قال: خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لـابن عامر: اجلس؛ فإنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير عن مسعر عن أبي العنبس عن أبي العدبس عن أبي مرزوق عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا فقمنا إليه، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضاً ) ].
وإذا قيم له بلا اختيار فلا حرج عليه، ولكن إذا جُلس لدخوله وكره ذلك، فهذا الذي لا يجوز.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا إسماعيل عن غالب قال: إنا لجلوس بباب الحسن إذ جاء رجل فقال: حدثني أبي عن جدي قال: ( بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ائته فأقرئه السلام، قال: فأتيته فقلت: إن أبي يقرئك السلام، فقال: عليك وعلى أبيك السلام ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن الشعبي عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( إن جبريل يقرأ عليك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله )]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار أن أبا عبد الرحمن الفهري قال: ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قد حان الرواح، قال: أجل، ثم قال: يا بلال، فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجاً دفتاه من ليف ليس فيه أشر ولا بطر، فركب وركبنا ) وساق الحديث.
قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حماد بن سلمة].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عيسى بن إبراهيم البركي وسمعته من أبي الوليد الطيالسي وأنا لحديث عيسى أضبط قال: حدثنا عبد القاهر بن السري يعني السلمي قال: حدثنا ابن لـكنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه عن جده قال: ( ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو بكر أو عمر: أضحك الله سنك! ) وساق الحديث].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد قال: حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي السفر عن عبد الله بن عمرو قال: ( مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي، فقال: ما هذا يا عبد الله ؟ فقلت: يا رسول الله! شيء أصلحه، فقال: الأمر أسرع لك من ذلك ).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهناد المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناده بهذا، قال: ( مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصاً لنا وهي، فقال: ما هذا؟ فقلنا: خص لنا فنحن نصلحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك ).
حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير قال: حدثنا عثمان بن حكيم قال: أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي عن أبي طلحة الأسدي عن أنس بن مالك: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قبة مشرفة، فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه، حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس أعرض عنه وصنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: خرج فرأى قبتك، قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا، يعني: ما لا بد منه )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي، قال: حدثنا عيسى عن إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد المزني قال: ( أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه الطعام، فقال: يا عمر! اذهب فأعطهم، فارتقى بنا إلى علية، فأخذ المفتاح من حجزته ففتح )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن حبشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ).
سئل أبو داود عن معنى هذا الحديث؟ فقال: هذا الحديث مختصر، يعني: من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثاً وظلماً بغير حق يكون له فيها، صوب الله رأسه في النار.
حدثنا مخلد بن خالد وسلمة بن شبيب قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عثمان بن أبي سليمان عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة وحميد بن مسعدة قالا: حدثنا حسان بن إبراهيم قال: سألت هشام بن عروة عن قطع السدر وهو مستند إلى قصر عروة، فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع؟ إنما هي من سدر عروة كان.. ].
وهذا من شمولية الإسلام وحكمته، وكذلك دراية في رعاية شأن الأفراد، وكذلك ما يتعلق بالشجر والبهائم وغيرها، فهذا من سعة الإسلام وانضباطه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ سألت هشام بن عروة عن قطع السدر وهو مستند إلى قصر عروة، فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع؟ إنما هي من سدر عروة، كان عروة يقطعه من أرضه وقال: لا بأس به، زاد حميد فقال: هيْ يا عراقي جئتني ببدعة، قال: قلت: إنما البدعة من قبلكم، سمعت من يقول بمكة: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع السدر ) ثم ساق معناه ].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثنا علي بن حسين قال: حدثني أبي قال: حدثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( في الناس ثلاثمائة وستون مفصلاً، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة، قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئك )].
لأن الصلاة تتحرك بها مفاصل الإنسان جميعها، فإذا تحركت لله سبحانه وتعالى أدت شكر يومها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد بن زيد ح وحدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عباد بن عباد وهذا لفظه وهو أتم، عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة، تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة، وإماطته الأذى عن الطريق صدقة، وبضعه أهله صدقة، قالوا: يا رسول الله! يأتي شهوته وتكون له صدقة؟ قال: أرأيت لو وضعها في غير حقها أكان يأثم؟ قال: ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى ).
حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرنا خالد عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر بهذا الحديث، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في وسطه.
حدثنا عيسى بن حماد قال: أخبرنا الليث عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نزع رجل لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق، إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعاً فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رواية، وقال مرة: يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ).
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار قال: حدثنا عمرو بن طلحة قال: حدثنا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: ( جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعداً عليها فأحرقت منها موضعاً مثل درهم، فقال: إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال: حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما سالمناهن منذ حاربناهن، ومن ترك شيئاً منهن خيفة فليس منا ).
حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري عن إسحاق بن يوسف عن شريك عن أبي إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اقتلوا الحيات كلهن، فمن خاف ثأرهن فليس مني ).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا موسى بن مسلم قال: سمعت عكرمة يرفع الحديث فيما أرى إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن ).
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا مروان بن معاوية عن موسى الطحان قال: حدثنا عبد الرحمن بن سابط عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنا نريد أن نكنس زمزم وإن فيها من هذه الجنان -يعني: الحيات الصغار- فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن ).
حدثنا مسدد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل ).
قال: وكان عبد الله يقتل كل حية وجدها فأبصره أبو لبابة أو زيد بن الخطاب وهو يطارد حية، فقال: إنه قد نهي عن ذوات البيوت.
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن أبي لبابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحون ما في بطون النساء ).
حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما وجد بعد ذلك -يعني: بعدما حدثه أبو لبابة- حية في داره فأمر بها فأخرجت يعني إلى البقيع.
حدثنا ابن السرح وحديثا أحمد بن سعيد الهمداني قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا أسامة عن نافع في هذا الحديث، قال نافع: رأيتها بعد في بيته.
حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني أبي أنه انطلق هو وصاحب له إلى أبي سعيد يعودانه فخرجنا من عنده، فلقينا صاحباً لنا وهو يريد أن يدخل عليه، فأقبلنا نحن فجلسنا في المسجد، فجاء فأخبرنا أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الهوام من الجن، فمن رأى في بيته شيئاً فليحرج عليه ثلاث مرات، فإن عاد فليقتله فإنه شيطان ).
حدثنا يزيد بن موهب الرملي قال: حدثنا الليث عن ابن عجلان عن صيفي أبي سعيد مولى الأنصار عن أبي السائب قال: ( أتيت أبا سعيد الخدري فبينا أنا جالس عنده سمعت تحت سريره تحريك شيء فنظرت فإذا حية، فقمت فقال أبو سعيد: ما لك؟ قلت: حية هاهنا، قال: فتريد ماذا؟ قلت: أقتلها، فأشار إلى بيت في داره تلقاء بيته، فقال: إن ابن عم لي كان في هذا البيت، فلما كان يوم الأحزاب استأذن إلى أهله، وكان حديث عهد بعرس، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يذهب بسلاحه، فأتى داره فوجد امرأته قائمة على باب البيت، فأشار إليها بالرمح، فقالت: لا تعجل حتى تنظر ما أخرجني، فدخل البيت فإذا حية منكرة، فطعنها بالرمح، ثم خرج بها في الرمح تركض فلا أدري أيهما كان أسرع موتاً الرجل أو الحية، فأتى قومه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ادع الله أن يرد صاحبنا، فقال: استغفروا لصاحبكم، ثم قال: إن نفراً من الجن أسلموا بالمدينة، فإذا رأيتم أحداً منهم فحذروه ثلاث مرات، ثم إن بدا لكم بعد أن تقتلوه فاقتلوه بعد الثلاث ).
حدثنا يحيى عن ابن عجلان بهذا الحديث مختصراً، قال: ( فليؤذنه ثلاثاً، فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان ).
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك عن صيفي مولى ابن أفلح قال: أخبرني أبو السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري فذكر نحوه، وأتم منه قال: ( فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان ).
حدثنا سعيد بن سليمان عن علي بن هاشم قال: حدثنا ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيات البيوت فقال: إذا رأيتم منها شيئاً في مساكنكم فقولوا: أنشدكم العهد الذي أخذ عليك نوح، أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان أن تؤذونا، فإن عدن فاقتلوهن ).
حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة.
قال أبو داود: فقال لي إنسان: إن الجان لا يتعوج في مشيته، فإن كان هذا صحيحاً كانت علامة فيه إن شاء الله ].
والمناشدة خاصة بحية البيوت لا في كل حيات، وأما الحيات التي تكون في البراري والأودية وكذلك في البساتين فإنها لا تؤخذ ذلك الحكم، فالحكم خاص بحيات البيوت.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال: ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ وسماه فويسقاً ).
حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتله في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية ).
حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل قال: حدثني أخي أو أختي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( في أول ضربة سبعين حسنة )].
وفي العقاب الذي ينزل على البهائم مما جاء به الشرع، كالوزغ ونحو ذلك في محاسبته فيما فعله مع الخليل إبراهيم دليل على أن البهائم لديها نوع تكليف وإدراك تحاسب على فعلها، وهذا الإدراك ليس إدراكاً كإدراك بني آدم، لكنه نوع تكليف يدركون معه بعض الفعل، ويدركون أجناس وأنواع بني آدم؛ ولهذا أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله جل وعلا العقاب على الوزغ بسبب فعل فعله مع الخليل إبراهيم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر بها فأحرقت، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة ).
حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن نملة قرصت نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ).
حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد ).
حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى قال: أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن سعد قال أبو داود: وهو الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان: ( أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف، قال: إنه لا يصيد صيداً ولا ينكأ عدواً، وإنه يفقأ العين ويكسر السن )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي و عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي قالا: حدثنا مروان قال: حدثنا محمد بن حسان قال عبد الوهاب الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية الأنصارية ( أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنهكي؛ فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل ).
قال أبو داود: روي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه، وإسناده ليس بالقوي ].
ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ختان الأنثى شيء، وإنما عموم النصوص يدخل فيها العلماء عليهم رحمة الله الحكم الوارد على الذكر والأنثى، وهناك من العلماء من يحكي الاتفاق على السنية باعتبار عموم النصوص، وأن ختان الإناث باعتبار أنه موجود عند العرب، ولم ينه عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق التأكيد على الختان، وإن كان دون ختان الذكور مرتبة، إلا أنه لا ينبغي أن يقال بكراهته أو ببدعيته أو بتحريمه، ويبقى من الأعمال التي تخضع للاجتهاد، منهم من يقول: إنها تساوي ختان الذكور، وهذا قول لبعض العلماء، ومنهم من يقول: إنها دون ذلك مرتبة من السنية، وقيل: إنما هي من المكارم، والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن أبي اليمان عن شداد بن أبي عمرو بن حماس عن أبيه عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق قال: فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ).
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن داود بن أبي صالح المدني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى أن يمشي -يعني: الرجل- بين المرأتين ) ].
وداود بن أبي صالح لا يتابع على حديثه كما قال ذلك البخاري، وقد أعل هذا الخبر، ولا يثبت في النهي شيء، وإنما المراد بذلك هو أن يدنو الرجل من النساء وأن يخالطهن، أو يمس الرجل المرأة في طريق أو نحو ذلك، وهذا تكفي فيه الأدلة العامة الثابتة في السنة، وهي مستفيضة ومر معنا شيء منها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان و ابن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ).
قال ابن السرح: عن ابن المسيب مكان سعيد ].
آخر كتاب الأدب، وهو آخر كتاب السنن.
وهذا بالنسبة للدهر إنما نهى الله عز وجل ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عن سبه باعتبار أنه لا اختيار إنما يديره الله جل وعلا، فهو الذي يدير عجلة الزمن، وكذلك بدقائقه وساعاته وليله ونهاره وشروق الشمس فيه، وتسيير الكواكب، وما لم يكن للإنسان اختيار فيه فلا يجوز للإنسان أن يسبه، وذلك أن الله عز وجل هو الذي يجريه؛ ولهذا لم يكن سب الإنسان ابن آدم هو سب لله سبحانه وتعالى، وإنما الزمان سب الدهر هو سب لله عز وجل؛ لأن الإنسان له مشيئة جعلها الله عز وجل للإنسان، فيفعل شيئاً بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، وأما بالنسبة للكواكب والليل والنهار، والساعات والأزمنة وغير ذلك فهذه لا اختيار لها، فالذي يصيرها هو الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا كان سبها عائداً إلى من صيرها؛ لأنه لا اختيار لها، إلا أن هذا النوع من السب لا يكون مباشراً في سب الله عز وجل، فيقال: إن من سب الدهر أو زمن الكواكب كان كمن سب الله عز وجل في ذاته سبحانه وتعالى، فيقال: إنها مرتبة دون ذلك، وذلك أن سب الله عز وجل على نوعين:
سب مباشر، وسب غير مباشر، أما السب المباشر فهو الذي يكفر صاحبه بمجرد إطلاقه على أنواعه، سواء كان صريحاً أو تلميحاً، أما غير المباشر فهو هذا النوع الذي ينهى عنه ويرجع فيه إلى نية الإنسان، إذا كان يريد بذلك المدبر فيدخل في الحكم الأول، وإذا كان لا يريد المدبر وإنما هو كلمة يطلقها ولا يدرك معناها فهذا يدخل في دائرة التحريم، وبالله التوفيق.
وبهذا تكتمل السنن، ولعلنا نقرأ كتاب الرسالة لـأبي داود بإذن الله تعالى، ولا تأخذ منا وقتاً.
الحمد لله، بأسانيدكم إلى أبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد السجستاني أنه سئل عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جواباً لهم، فأملى علينا [ سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم كلما ذكر.
أما بعد: عافانا الله وإياكم عافية لا مكروه معها ولا عقاب بعدها، فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب، ووقفت على جميع ما ذكرتم، فاعلموا أنه كذلك كله إلا أن يكون قد روى من وجهين، فأحدهما أقوم إسناداً، والآخر صاحبه أقدم في الحفظ، فربما كتبت ذلك ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث.
ولم أكتب في الباب إلا حديثاً أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح فإنه يكثر، وإنما أردت قرب منفعته.
وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين أو ثلاثة فإنما هو من زيادة كلام فيه، وربما تكون فيه كلمة زيادة على الأحاديث.
وربما اختصرت الحديث الطويل لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه، ولا يفهم موضع الفقه منه، فاختصرته لذلك.
وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل: سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيها، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره رضوان الله عليهم.
فإذا لم يكن مسند غير المراسيل ولم يوجد المسند فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة.
وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء.
وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر، وليس على نحوه في الباب غيره.
وهذه الأحاديث ليس منها في كتاب ابن المبارك ولا كتاب وكيع إلا الشيء اليسير، وعامته في كتاب هؤلاء مراسيل.
وفي كتاب السنن من موطأ مالك بن أنس شيء صالح، وكذلك من مصنفات حماد بن سلمة وعبد الرزاق.
وليس ثلث هذه الكتب فيما أحسبه في كتب جميعهم، أعني: مصنفات مالك بن أنس وحماد بن سلمة وعبد الرزاق.
وقد ألفته نسقاً على ما وقع عندي، فإن ذكر لك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ليس مما خرجته فاعلم أنه حديث واه، إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر فإني لم أخرج الطرق؛ لأنه يكبر على المتعلم.
ولا أعرف أحداً جمع على الاستقصاء غيري، وكان الحسن بن علي الخلال قد جمع منه قدر تسعمائة حديث، وذكر أن ابن المبارك قال: السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم نحو تسعمائة حديث، فقيل له: إن أبا يوسف قال: هي ألف ومائة، قال ابن المبارك: أبو يوسف يأخذ بتلك الهنات من هنا وهنا نحو الأحاديث الضعيفة.
وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ].
السنن التي عليها مدار الأحكام الأحاديث قد قال أبو داود وسفيان وغيرهما أن الأحاديث التي عليها مدار الأحكام خمسمائة، وتفصيلها خمسة آلاف وهي التي عليها مدار الدين من جهة الأصول والفروع، ويند عنها شيء يسير جداً مما يتعلق بأمور الفتن والملاحم ونحو ذلك مما لا تدخل في صلب التعبد، ومما لا يسأل عنه العبد يوم القيامة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ومنه ما لا يصح سنده، ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح وبعضها أصح من بعض، وهذا لو وضعه غيري لقلت أنا فيه أكثر، وهو كتاب لا ترد عليك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح إلا وهي فيه، إلا أن يكون كلام استخرج من الحديث، ولا يكاد يكون هذا.
ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب، ولا يضر رجلاً أن لا يكتب من العلم بعدما يكتب هذه الكتب شيئاً، وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره.
وأما هذه المسائل: مسائل الثوري و مالك و الشافعي فهذه الأحاديث أصولها.
ويعجبني أن يكتب الرجل مع هذه الكتب من رأي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويكتب أيضاً مثل جامع سفيان الثوري فإنه أحسن ما وضع الناس في الجوامع.
والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك و يحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم.
ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً.
فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد.
وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث.
وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة، فإن عرف وإلا فدعه.
وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلس، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل، وهو مثل الحسن عن جابر والحسن عن أبي هريرة والحكم عن مقسم وسماع الحكم من مقسم أربعة أحاديث.
وأما أبو إسحاق عن الحارث عن علي فلم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس فيها مسند واحد، وأما ما في كتاب السنن من هذا النحو فقليل، ولعل ليس للحارث الأعور في كتاب السنن إلا حديث واحد فإنما كتبته بأخرة.
وربما كان في الحديث ما تثبت صحة الحديث منه إذا كان يخفى ذلك علي، فربما تركت الحديث إذا لم أفقهه، وربما كتبته وبينته، وربما لم أقف عليه، وربما أتوقف عن مثل هذه؛ لأنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا ].
وهذا ما تقدم الإشارة إليه أن علم العلل علم دقيق؛ ولهذا الأئمة عليهم رحمة الله لا يفصلون فيه، ويسهبون حتى لا يستشكل عند العامة، كذلك لا يثيرون الكلام على بعض الأحاديث في بيان عللها الخفية؛ لأن هذه المصنفات إنما صنفت لتكون للخاصة وللعامة حتى ينظروا فيها، فإذا تكلموا على كل حديث بنفس العلل الذي يتمكن منه، فإن هذا مما يفقد الكتاب مقصوده، ويفرغه من الانتفاع والقصد الذي صنعه مصنفه لأجله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وعدد كتب هذه السنن ثمانية عشر جزءاً مع المراسيل، منها جزء واحد مراسيل.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من المراسيل منها ما لا يصح، ومنها ما هو مسند عن غيره وهو متصل صحيح ].
وفي هذا إشارة إلى أن كتاب المراسيل من سنن أبي داود إنما هو تابع للسنن وليس منفكاً عنه، وهناك من يقول: إنه تابع للسنن، وهناك من يقول: إنه ليس من السنن وإنما يلحق إلحاقاً، والأظهر أنه من السنن كما هو كلام المصنف رحمه الله صريحاً في رسالته إلى أهل مكة لما سئل عن منهجه في كتابه السنن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولعل عدد الذي في كتابي من الأحاديث قدر أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ونحو ستمائة حديث من المراسيل.
فمن أحب أن يميز هذه الأحاديث مع الألفاظ فربما يجيء حديث من طريق وهو عند العامة من طريق الأئمة الذين هم مشهورون، غير أنه ربما طلبت اللفظة التي تكون لها معان كثيرة، وممن عرفت نقل من جميع هذه الكتب.
فربما يجيء الإسناد فيعلم من حديث غيره أنه غير متصل، ولا يتبينه السامع إلا بأن يعلم الأحاديث وتكون له فيه معرفة، فيقف عليه، مثل ما يروى عن ابن جريج قال: أخبرت عن الزهري، ويرويه البرساني عن ابن جريج عن الزهري، فالذي يسمع يظن أنه متصل، ولا يصح بتة، فإنما تركناه لذلك هذا لأن أصل الحديث غير متصل ولا يصح وهو حديث معلول، ومثل هذا كثير، والذي لا يعلم يقول: قد تركنا حديثاً صحيحاً من هذا، وجاء بحديث معلول.
وإنما لم أصنف في كتاب السنن إلا الأحكام، ولم أصنف كتب الزهد وفضائل الأعمال وغيرها.
فهذه الأربعة آلاف والثمانمائة كلها في الأحكام، فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل وغيرها من غير هذا لم أخرجه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً، وحسبنا الله ونعم الوكيل ].
وبهذا تمت قراءة كتاب السنن لـأبي داود رحمه الله، ومنهجه في ذلك ظاهر بين، وهذا الكتاب هو من أنفس كتب السنة، وبالنظر فيه اتضح علو إسناده وشمول مواضيعه وأحاديثه، وحسن ترتيبه وسياقه، وكذلك إمامة هذا الإمام الجبل عليه رحمة الله في باب العلل وفي باب الفقه، وظهرت درايته ودقة عنايته في الانتقاء، وكذلك حسن الترتيب، وكذلك في فقه الأبواب، وفي تعدد شيوخه وتنوع رواته لكتاب السنن في هذا ظهر جلياً.
وظهر لنا منهج المصنف رحمه الله في التعليل، ومنهجه في الكلام على الرواة، ومنهجه في ترتيبه للأحاديث، وسياقه لها، ووجوه الإعلال، وطريقته ونفسه في ذلك، وإن كانت النسخ التي بين أيدينا ربما لا تكون هي جميع النسخ التي رغب أن يكون عليها سنن أبو داود رحمه الله، ولكنه مجموع ما قصده أبو داود هو بين أيدينا.
وتكلمنا في مواضيع متعددة على جملة منها ما يتعلق في أبواب العلل، ومنها ما يتعلق في أبواب الفقه والأدب وغير ذلك، ولم نسهب، ولم نطل فيما نتكلم فيه؛ لأن المقام يقتضي الاختصار، وهذه التعليقات إنما هي تعليقات يسيرة على سبيل الارتجال قيدها الإخوة، وقد ذكر لي الأخ الشيخ سلطان الجردان أنها بلغت ألفاً وثلاثة وسبعين موضعاً.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم إلى هداه ورضاه، وأن يجعلنا من أهل السداد والتوفيق والإعانة، وأن يأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى، وأن يجعلنا من أهل النظارة، وأن يحسن عاقبتنا بين يديه سبحانه وتعالى، وأن يلحقنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل هذه المجالس بسهر العيون وحضور الأذهان وإصغاء المسامع وخشوع القلوب؛ تخفيفاً لنا في المحشر عنده سبحانه وتعالى، وسائقاً لنا ونوراً وهداية وسراجاً يقودنا إلى جنات الله عز وجل جنات النعيم، وأن يلحقنا بالنبيين والصديقين والشهداء، وأن يجعلنا بقراءتنا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدبرنا لها وحبنا لها أن يلحقنا بنبيه عند حوضه، وأن يسقينا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وأسأله سبحانه وتعالى أن يخلفنا فيما نقضي من أوقاتنا خيراً عنده جل وعلا، وأن يتقبل منا، وأن ينفعنا بما سمعنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يذكرنا ما نسينا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر