بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالموضوع هو ما يتعلق بفرق النكاح, والفرق جمع (فرقة) وهي ما يقع به التفريق بين الزوجين، وما يقع به التفريق بين الزوجين ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما كان ناشئاً عن تصرف الزوج، وهذا يشمل الطلاق، وما يتعلق به.
القسم الثاني: ما كان ناشئاً عن تصرف الزوجة، وهذا يشمل الأخذ بالخيار والخلع، والأخذ بالشرط أيضاً عند القائلين به.
القسم الثالث: ما كان ناشئاً عن تصرف القاضي، أي: بتفريق القاضي بين الزوجين.
أما القسم الأول، وهو ما يتعلق بتصرف الزوج؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل الطلاق بيد الزوج، وقد صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إنما الطلاق في يد من يرفع الساق )، وذلك أن الطلاق يهدم هذا البيت الذي سبق ما ورد من النصوص الشرعية في الحفاظ عليه والحفاظ على بنائه، وجعل هذا العقد ميثاقاً غليظاً، وقد سبق الإكثار من النصوص في هذا الباب واعتناء الشريعة الإسلامية به؛ ولذلك لا يمكن أن يوضع مصير هذا البيت وهذه الأسرة بيد من يتأثر بالعواطف، وبيد من لا يقدر الأمور ولا يتعقل في عواقبها ونتائجها ونهاياتها؛ لأجل كل ذلك لم يجعل الله الطلاق بيد النساء وإنما جعله بيد الأزواج.
وحدد له كثيراً من الحدود والضوابط فلم يبحه إلا في الأوقات التي تستدعي استمرار النكاح، فقد حرم الشارع الطلاق في وقت الحيض والنفاس؛ لأنه وقت لا يرغب فيه الزوج في معاشرة أهله، وهي محرمة عليه في ذلك الوقت، وحرمه كذلك في الطهر الذي مسها فيه؛ لأنه في ذلك الطهر قد قضى أربه، فإذاً: لا بد أن يكون الطلاق واحدة في طهر لم يمس فيه فهذا هو الطلاق السني، وما سواه معصية لله سبحانه وتعالى وهو الطلاق البدعي.
فالأوقات التي فيها استدعاء للتقزز أو الملل لم يبح الشارع الطلاق فيها، كالطهر الذي مس فيه، وكالحيض والنفاس، وإنما أباحه في حالين كلاهما يدعو الإنسان إلى الاستمرار:
الحال الأول: ما إذا كانت حاملاً فيجوز له أن يطلقها، وهذا الحال فيه ما يدعو إلى عدم الفراق؛ لأن الإنسان مجبول على الرحمة والرفق وبالأخص فيما يتعلق بأولاده؛ فلذلك الحمل وقتاً مباحاً للفرقة؛ لأنها لا تقع إلا عندما تشتد دواعيها فيه، وكذلك الطهر الذي لم يمسها فيه فهو أيضاً داع إلى عدم الفرقة فلذلك أحل له الفراق فيه عندما تشتد دواعيه.
الطلاق كغيره يحتاج إلى صيغة، وصيغته تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
إلى صرائح وكنايات وألفاظ تصرف إليه بالنيات.
فالقسم الأول: صريح الطلاق، وهو أن يقول لها: طلقتك أو فارقتك، أو نحو ذلك مما يدل على فصال العصمة.
القسم الثاني: كنايات الطلاق كما إذا قال لها: الحقي بأهلك، أو قال لها: اعتدي أو نحو ذلك.
والقسم الثالث: ما ينصرف إلى الطلاق بالنية، إذا نوى به الطلاق حصل، وهذا توسع فيه بعض الفقهاء فرأوا أنه إذا نواه بأي لفظ حصل الطلاق، وهذا مذهب المالكية فقد نصوا على أنه إذا نوى الطلاق بأن تسقيه الماء حصل الطلاق، ولو نواه بما لا يدل؛ كلغة لا يعرفها أو ككلام ليس مستعمل في أية لغة، كما إذا حاكى صوت نهيق الحمار أو غير ذلك من الأصوات ونوى به الطلاق فقد اختلف هل يلزم به أم لا؟ لأن النية وحدها لا يلزم بها الطلاق، فلا بد أن يدل شيء على التصرف لأن الطلاق إيقاع، والإيقاع لا بد أن يظهر على بوقه فيما يدل عليه، ومجرد النية لا يحصل بها الطلاق، وهذا قطعاً للوساوس والظنون التي تصير لدى الإنسان؛ فكثير من الناس موسوس فإذا فكر في الأمر ظن أنه قد أوقعه فلم يعتبر الشارع من ذلك إلا ما صرح به وأعلنه.
وقد ندب الشارع إلى الإشهاد على الطلاق فقال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2].
وصريح الطلاق ينصرف في الأصل إلى العدد المحدد فيه كما إذا قال في تصريحه: طلقتك واحدة مثلاً أو اثنتين أو ثلاثاً فإنه ينصرف إلى العدد الذي حدده، وقالت طائفة من أهل العلم: بل ينصرف إلى الواحدة إذا كان دفعة وبلفظ واحد، أما إذا كان في مجالس فبالإجماع أنه يقع، إلا إذا كان بصيغة تدل على التنكير، كما إذا طلقها في مجلس، ثم أخبر أنه طلقها في مجلس آخر فهذا يحمل على الخبر والتأكيد لا على التأسيس والإنشاء.
يكره للإنسان أن يطلق على غير أساس؛ فالإنسان لا يطلق لمجرد انتهاء أربه وانتهاء غرضه فهذا من المكروهات؛ لأنه يدل على أنه لم يتزوج أصلاً ابتغاء النيات السابقة، فلا يطلق الإنسان إلا على أساساً معقولاً، وسبباً موضوعياً للطلاق، كما إذا حصل نقص في الدين أو في الخلق، أو حصل إيذاء لا يستطيع تحمله والاستمرار عليه، أو أيقن أن البيت لا يمكن أن يستمر بناءه؛ فهذا الذي يبيح الطلاق؛ ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود وغيره أنه قال: ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق )، وحمل أهل العلم ذلك على ما ليس له سبب؛ لأن ما كان ذا سبباً من الطلاق فإن الله شرعه وجعله حلاً للمشكلات فهو غير بغيض إليه حين أذن فيه، وما لم يكن له سبب فهو وإن كان من حيز المباح لأنه من تصرفات الإنسان، والإنسان لا يكره على شئونه الخاصة ووجدانياته، لكن مع ذلك هو أبغض الحلال إلى الله عز وجل.
وصيغة (أفعل) هنا وهي: (أبغض) بما أنها أضيفت إلى الحلال لا تدل على التحريم، فصيغة (أفعل) تدل على التكثير والزيادة؛ لأنها صيغة مبالغة وتفضيل، لكن يتصل ذلك بما أضيفت إليه وبما يأتي بعد (من) فإذا قيل: فلان أعدل الناس، فالمقصود بذلك بحسب الإمكان، بحسب ما يطلع عليه، وإذا قيل: أطول الناس فبحسب ما يطلع عليه أيضاً أو بحسب الإمكان، وإذا قيل: أبغض كل مبغوض فيدل هذا على تحريمه؛ لأنه داخل في المبغوض وهو منه وهو أشده بغضاً، لكن إذا أضيف ذلك إلى الحلال فقيل: أبغض الحلال؛ دل هذا على أنه لا يقصد به التحريم، ولكنه أدنى الحلال إلى الحرام فهو أقربه إليه؛ ولذلك حمله بعض العلم على الكراهة. وعموماً ذكر عدد من أهل العلم أن الطلاق بغير سبب شبهة، والشبهات نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ).
وقد اختلف العلماء في معنى (الشبهات) على ستة أقوال:
القول الأول: أن الشبهة هي: ما التبس فيه الحلال بالحرام، أي: ما اختلط فيه الحلال بالحرام كالمال الذي بعض أصله حلال وبعض أصله حرام فهذا شبهة.
القول الثاني: أن الشبهة هي: ما تعارضت فيه الأدلة، أي: ما جاء من الأدلة في الشرع ما يبيحه وجاء من الأدلة في الشرع ما يحرمه، فيكون محل تردد عند تعارض الأدلة.
القول الثالث: أن الشبهة هي: ما اختلف فيه أهل العلم، أي: ما اختلف أهل العلم في حكمه، فكل مسألة خلاف بين الإباحة والتحريم هي محل شبهة يأخذ فيها الإنسان بالاحتياط، والاحتياط هو الأخذ بالأشد، أي: بأشد ما قيل.
القول الرابع: أن الشبهة هي: المكروهات؛ لأنها بين الحلال والحرام، فلا هي حلال مطلقاً، ولا هي حرام كذلك يعاقب فاعله، بل هي منهي عنها نهياً غير جازم.
القول الخامس: أن الشبهة هي: ما لم يرد فيه نص، أي: ما سكت عنه، وهذا القول ضعيف عند كثير من أهل العلم؛ لأن ما سكت عنه ورد فيه حديث أنه مما أذن فيه، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( وما سكت عنه فهو مما عفا عنه )، لكن هذا الحديث في إسناده ضعف، وعليه فلا يكون فاصلاً في محل الخلاف، ولو صح هذا الحديث لفصل في محل الخلاف، لكنه لم يصح، ومع ذلك فلهذا الحديث شاهد آخر، لكن الشاهد إنما يشهد لإثبات السكوت لله تعالى ولا يثبت أنه من العفو، و ذلك الشاهد هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان؛ فلا تبحثوا عنها )، فهذا الشاهد صحيح لكنه يثبت صفة السكوت لله تعالى، ويدل على أن من الأحكام ما هو مسكوت عنه، لكنه لا يقتضي أن ما سكت عنه دائماً من المباح.
القول السادس: أن الشبهة هي: ما جهل الإنسان حكمه؛ فكل أمر لم يعلم الإنسان حكمه بعد وتردد في نفسه فهو شبهة بالنسبة إليه، ومحل هذا إن كان الإنسان من أهل العلم وطلبه، فإن كان جاهلاً به لم يكن لجهله وتردده أي تأثير؛ ولذلك فإن رد النبي صلى الله عليه وسلم لسؤال وابصة بن معبد رضي الله عنه وغيره عندما سألوه عن البر والإثم؟ فأحال فيه إلى النفس، وهذه الإحالة إنما تختص بأهل الفقه والورع؛ فمن كان من أهل الفقه والورع، وهو الذي يكره أن يطلع الناس على تصرف منه غير مرضي، فهو الذي يستفتي قلبه، أما من كان من أهل الفسق ولم يكن من أهل العلم فكيف يستفتي قلبه؟! ولو استفتى قلبه لأحب له كل شيء! فلذلك المرجع في استفتاء القلب إلى من كان من أهل الورع ومن أهل العلم.
ثم إن هذا الطلاق وهذا الفصل الذي يقع من الزوج أيضاً قد يكون لسبب من أسباب الخيار، وأسباب الخيار هي ما يمنع استمرار النكاح لعيب قديم أو مرض عارض، فالعيب القديم منه ما يمنع التمتع أو كمال اللذة، وذلك منصوص في عيوب الخيار كالعدد والرتق والأعضاء، ومنه أمراض طارئة متجددة كالبرص والجنون والهيام؛ فهي سبب كذلك للخيار، وهذا الخيار فائدته أنه إذا اختار الفراق بسبب هذا العذر الحاصل فإنه يستحق حينئذ الفصل بين اللواحق ولوازم، وإذا طلق فإنه تلزمه النفقة والسكنى إلى خروجها من العدة.
أما القسم الثاني وهو ما كان بيد المرأة فمنه الخلع، والخلع هو: الطلاق بعوض عند المالكية وطائفة من أهل العلم، وقال جمهور أهل العلم: الخلع فسخ وليس طلاقاً؛ لأن الله تعالى عده مستقلاً عن أنواع الطلاق، فالله تعالى لما عد أنواع الطلاق في سورة البقرة قال: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، فهذا الطلاق الأول، ثم قال بعدها: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، ثم ذكر الخلع بعد الطلاق مرتين فقال: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:229]، ثم ذكر بعد ذلك الطلاق الثالث فقال: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، فتدل هذه الآيات بسياقها على أن الخلع غير داخل في الطلقات الثلاث، وقد حصل الإجماع على أن الطلاق أقصاه ثلاث؛ فإذاً: تدل هذه الآيات على أن الخلع غير طلاق وإنما هو فسخ مستقل. وهذا الخلاف يترتب عليه مسائل:
منها: أنه إذا كان فسخاً فلا تلزم به العدة الكاملة، بل تعتد منه بطهر واحد، أي: بحيضة واحدة، فإن طهرت منها فقد انتهت عدتها؛ لأنه استبراء فقط كالفسخ.
وكذلك يترتب عليه أنه لا يعد في الطلقات الثلاث، فلو طلقها مرتين ثم خالعته، ثم بعد ذلك تزوجها بعقد جديد فقد بقيت له طلقة وتحل له دون زوج، والذين يرون أنه طلاق يرون ذلك جميعاً غير صحيح فلا يرون له مراجعتها إلا بعد أن تنكح زوجاً ويدخل بها ويطلقها، ويرون أنه لا بد فيه من عدة كاملة كعدة الطلاق.
والخلع طبقة النبي صلى الله عليه وسلم على ثابت بن قيس بن شماس وزوجته جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول الأنصاري رضي الله عنهما وقد شكت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يا رسول الله! إني لا أنقم على ثابت في دين ولا مروءة، ولكني أكره العودة إلى الكفر بعد أن أنقذني الله منه )، وهي هنا تشكو إليه حال هذا الرجل فلا تنقم عليه في دين ولا خلق، ولكنها تكره كراهة شديدة ككراهة الكفر، ( فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن صداقها فأخبرت أنه أصدقها حديقة من النخل، فقال: ردي عليه الحديقة وطلقها تطليقة )، وهذا الحديث هو أقوى أدلة المالكية على أن الخلع طلاقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلقها تطليقه واحدة فقال: (ردي عليه الحديقة، وطلقها تطليقة)، فدل هذا على أن الخلع طلاق.
أيضاً اختلف أهل العلم فيما يحصل به الخلع، فذهبت طائفة منهم: إلى أنه لا يحل بأكثر مما أصدقها؛ لما في ذلك من نقص المروءة؛ لأن الرجل إذا كان يتزوج فيدفع في صداقه شيئاً يسيراً، ثم يزعج امرأته حتى تخالعه بأكثر مما دفع إليها فكأنه يتكسب من ذلك، وهذا نقص في المروءة وعيب في الخلق، فقالوا: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ردي عليه الحديقة وطلقها تطليقه ).
وقالت طائفة أخرى: بل الخلع كالصداق، فيجوز إلى غير نهاية، فما اتفقا عليه فهو الخلع؛ لأن المرجع هنا إلى رضاه هو، ولا يحل التفريق بينهما إلا برضاه، ورضاه إنما يحصل إلا بما يخرجه من هذا الأمر، ولا يخرجه منه إلا ما رضي به وقبله؛ فلذلك لا بد من الرضا، وأقله هو المتمول، فلو أعطته ما لا نفع فيه لقلته كحبة واحدة من الرز مثلاً، فقالت: طلقني على هذا، فإن رآه وقبله كان طلاقاً ولم يكن خلعاً، وإن لم يره كأن قالت: طلقني على ما في يدي هذه، وكان في يدها حبة واحدة من الأرز فلا يقع الخلع ولا الطلاق؛ لأن ما في يدها غير متمول لقلته، وكذلك ما إذا ما كان في يدها لا نفع فيه أصلاً كالذبابة مثلاً، فإذا أمسكت ذبابة في يدها وقالت: طلقني على ما في يدي؛ فقال: طلقتك، فإذا هو ذبابة فلا يلزم الطلاق ولا الخلع؛ لأن ما في يدها غير متمول ولا مملوك، لكن إذا رأى ما في يدها فرضي به وقال: (طلقتك) كان ذلك طلاقاً لا خلعاً كما سبق.
والفرق بين الطلاق والخلع أن الخلع دائماً طلاق بائن، وأما الطلاق إذا قال لها: (طلقتك) ففي هذه الحالة؛ فهو طلاق رجعي له أن يرتجع ما دامت في عدتها، بخلاف الخلع فليس له ذلك فيه.
والخلع هو الذي سماه الله (فداءً) في القرآن فقال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، وهذه الآية ليس فيها تحديد بالقدر الذي يفتدى به، ليس فيها تحديد للأدنى ولا للأعلى؛ لأنه قال: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، و (ما) من ألفاظ العموم، وهي مبهمة فتدل على أن الخلع يحصل بكل ما يرضى هو بالفداء به قل أو كثر.
والذين يرون أن للخلع فسخ - كما سبق - يرون أنها إذا خالعته فقبل الخلع على شيء مجهول فإن الخلع يقع، ولكن يلزمها هي خلع مثلها، وإذا خالعته على شيء فاستحق فإن الخلع لازم، ولكن يلزمها هي قيمة المستحق كما إذا خالعته على جمل أو سيارة فخوصم فيها فظهر أن الجمل أو السيارة ليس لها، فحينئذ يلزم عليها أن تعطيه ما خالعته عليه، وكذلك إذا خالعته على عصير فتبين خمراً مسكراً فيلزمها قيمته، أي: قيمته ولو كان عصيراً؛ لأنه تبين أنه ليس متمول، وكذلك إذا خالعته على كبش فظهر خنزيراً مثلاً فإنه تلزمها قيمة الكبش.
كذلك من الفرق التي تكون في تصرف المرأة ما يتعلق أيضاً بأخذها بالخيار، فإذا ظهر في الزوج عيب من العيوب كما إذا ظهر عنيناً فحيل بينه وبينها، فرفعت ذلك إلى القاضي فلها الخيار حينئذ؛ لأن هذا المرض سابق على النكاح فإن عرض له من جديد فإنه يودي المعترض سنة للعلاج، وهذه السنة تكون شمسية حتى تمر فيها الفصول الأربعة، وهذان الموضعين في الفقه تعتبر فيهما السنة الأعجمية، أي: السنة الشمسية، هما: خروج الساعي وتأجيل المعترض، فقط هذا الذي تعتبر فيه السنة شمسية، وما سوى ذلك كله الاعتبار فيه بالسنة القمرية.
وكذلك إذا ظهر به مرض من الأمراض السابقة كالبرص والجنون والجذام، فذلك سبب لخيارها، فإن علمت بذلك فلم تختر ولم ترفع أمرها فقد بطل خيارها، ولم يكن لها التراجع.
كذلك إذا خيرها هو في الطلاق فاختارت الفرقة واختارت الطلاق فقد اختلف في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوال:
القول الأول: أن مجرد التخيير طلقة واحدة رجعية، وإن اختارت الفراق كان ذلك طلقة أخرى.
القول الثاني: أن مجرد التخيير لا يلزم به شيء، فإن اختارت الفراق كان طلقة واحدة رجعية.
القول الثالث: إنه إن خيرها فاختارت الفراق كان ثلاثاً بائنة.
القول الرابع: أنه إن خيرها فاختارت الطلاق كان طلقة واحدة بائنة، لا تحل له إلا إذا عقد عليها من جديد.
ولعل أرجح هذه الأقوال ما ذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه إذا خيرها فاختارت الفراق فقد فصلت عصمتها بثلاث، وإن خيرها فلم تختر شيئاً أو اختارت واحدة أو اثنتين بطل خيارها وبقيت كما كانت لم ينفصل شيء من عصمتها.
وللزوج التخيير في كل الأحوال، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29]، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بـعائشة رضي الله عنها فقال: ( إني مخبرك بأمر فلا تستعجليه حتى تستأمري أبويك، فلما عرض عليها الأمر قالت: أفي هذا أستأمر أبوي؟! أختار الله ورسوله )، ثم عرض على بقية نسائه ذلك فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
كذلك للزوج التمليك، وهو أن يملكها عصمتها، واختلف أهل العلم هل التمليك كالتخيير سواء بسواء؟ وهذا مذهب أهل الظاهر، أو الفرق بينهما أن التمليك يكون تمليكاً لما يملكه هو من فصل الملكة، فإن اختارت واحدة.. أي: إن طلقت واحدة رجعية كانت رجعية، وإن اختارت ثلاثاً كان الطلاق ثلاثاً، فقد ملكت من الطلاق ما يملكه هو، بخلاف التخيير فقد خيرها بين البقاء والانفصال المطلق.
كذلك للزوج التوكيل على الطلاق؛ أن يوكل غيره بالقيام بهذه الفرقة، وإذا وكله فهذه الوكالة لا يشترط فيها البلوغ، ولا تمام التصرف، فيجوز أن يوكل سفيهاً أو صبياً؛ لأنه بمثابة رسول يرسله، وإذا وكله على الطلاق فالوكالة إن طالت قصرت وإن قصرت طالت، فإن قال له: وكلتك على أن تطلق زوجتي واحدة لم يجز له تعدي ذلك، ولم يجز ارتجاعها بعد، وإن قال: وكلتك على طلاق أهلي فقصرت الوكالة، فقد شملت كل أنواع الطلاق، وكان له من الحق ما للزوج في ذلك، وهذا حال الوكالة دائماً إذا قصرت طالت وإذا طالت قصرت، فإذا طالت صيغتها لم تشمل إلا ما ذكر فيها، وإذا قصرت بأن جاءت مطلقة تناولت كل شيء.
أما القسم الثالث وهو ما كان الفراق فيه ناشئاً عن تصرف القاضي، وهو أنواع كذلك؛ فمنه ما يكون بسبب ردة أحد الزوجين والعياذ بالله، فإذا ارتد أحدهما عن الإسلام فإن ذلك مبطل للطلاق بالكلية، وهذا لا يحتاج إلى حكم بل يحصل بمجرد الردة، ودليل هذا قول الله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وقوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]، وقد ذهب الشافعية إلى أنه إنما يحصل ذلك - أي: الفراق - بالاستمرار على الردة، فإن تاب الإنسان مبادراً ورجع إلى الإسلام ولم يمت على الكفر لم يبطل عمله بل يعود إليه فعلى هذا لا تكون الردة فاصلة للعصمة بالكلية، واستدل الشافعية بالتقييد في قول الله تعالى في سورة البقرة: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:217]، فإن الله قيد إبطال العمل بالردة بقيد هو أن يموت على الكفر، والشافعية يرون أن المطلق يحمل على المقيد، فالآيات التي جاء فيها الإطلاق -وهي ثلاث-، تحمل على الآية التي جاء فيها التقييد وهي آية البقرة، وجمهور أهل العلم يرون: أن المطلق يبقى على إطلاقه وأن المقيد لا يتجاوز محله وهذا يشمل سائر الأعمال.
واختلف في الإحصان هل هو من العمل أم لا؟ فإن المرأة إذا دخل بها زوجها فقد صارت محصنة، والمحصنة إذا زنت يقام عليها الحد بالرجم، وإذا ارتدت عن الإسلام بعد دخول الزوج بها، ثم رجعت إلى الإسلام فزنت فهل يقام عليها حد المحصن أو حد البكر؟ محل خلاف بين أهل العلم، فالذين يرون أن الإحصان من العمل يرون أنه قد بطل بالردة؛ لأن الردة تبطل العمل كما سبق، والذين يرون أن الإحصان ليس من العمل، ويرون أنه صفة من الصفات فلا تبطله الردة؛ ولذلك إذا كانت كافرة فأسلمت وهي محصنة في كفرها من قبل تعتبر محصنة ولو لم يدخل بها زوجها بعد في الإسلام، فإذا كانت أماً لأولاد في الجاهلية فأسلمت على أولاد فهي محصنة بما كانت فيه من نكاح سابق على إسلامها، وعلى هذه فالإحصان ليس من العمل، والذين يرون أن الإحصان من العمل يستدلون بقول الله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، فإن الله تعالى قال: (فإذا أحصن) فمعناه: فعل بهن ذلك، وهذا يدل على أن الإحصان من العمل.
وعموماً: فإن ردة أحد الزوجين تكون بمثابة الطلقة الواحدة عن القائلين بإبطال العصمة بها، وهم جمهور أهل العلم، وحينئذ هي بائنة لا بد من عقد جديد.
كذلك ما يوقعه القاضي من الفرق فكل فرقة يوقعها القاضي فهي بائنة لا بد فيها من عقد جديد إلا الطلاق للإعسار بالنفقة، فإذا أعسر الزوج بالنفقة فلم يستطع أن ينفق على امرأته فرفعت أمرها إلى القاضي ولم تصبر فطلق عليه القاضي، فجاء بالنفقة ورزق مالاً قبل نهاية عدتها فله الحق أن يرتجعها، وما سوى ذلك من الفرق كله بائن ومن ذلك فرقة المولي، كمن آلى - أي: أقسم - لا يقرب امرأته فإن الشارع لها أجل له أربعة أشهر، فإن فاء خلال هذه الأشهر الأربعة قبل نهايتها لم تطلق عليه، وإن انتهت الأشهر الأربعة ولم يرجع إليها فإن القاضي يطلقها عليه طلاقاً بائناً، لا تعود فيه إلا بعقد جديد، وقد قال الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]، والمقصود بـ(الفيئة) الرجوع عما نواه وعما أقسم عليه سواءً كفر في هذا الوقت أو رجع حانثاً آثماً، فكل ذلك تحصل به الفيئة في الأشهر الأربعة.
ولا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق؛ لما في ذلك من هدم هذه الأسرة، وإن تضررت فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي وأن تحاول الإصلاح، ومحاولة الإصلاح تتم بإخراج الحكمين كما أمر الله بذلك في قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]، وقد ربط الله التوفيق بين الزوجين عند بعث الحكمين بإرادتها الإصلاح، فإن أرادا إصلاحاً فإن الله سيصلح بينهما ولو لم يتدخل الحكمان، وقد جرب ذلك؛ فقد اختلف عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه وامرأته فاطمة بن عتبة بن ربيعة ، وهي خالة معاوية رضي الله عنه، فأرسل عثمان رضي الله عنه معاوية و ابن عباس حكمين بينهما فـابن عباس من أولياء عقيل و معاوية من أوليائها هي، فذهبا فقال ابن عباس: لأفرقن بينهما، فقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف، فلما أتيا استأذنا عليهما فلم يأذنا لهما، فوجداهما قد اصطلحا؛ إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35].
كما لا يجوز للمرأة أن تسأل فراق ضرتها أيضاً؛ لما في ذلك من إكفاء إنائها والاعتداء على حقها، فلا يجوز لها أن تسأل الزوج أن يطلق ضرتها، كما لا يجوز لها أن تسأله أن يفارقها هي.
وسؤالها الطلاق من غير إضرار فاحش هو من النشوز الذي حرمه الله تعالى وجعله من أكبر الكبائر.
وكذلك لا يجوز للزوج أن يكلف امرأته الخلع، كأن يسألها أن تخالعه من غير أن تضر به، فيجوز له ذلك في حال نشوزها وامتناعها، لكن لا يجوز له أن يكلفها ذلك ارتزاقاً فقط، أي: يريد أن يرتزق من كسبها، فهذا لا يجوز له.
إذا حصل الطلاق فإن الشارع قد رتب عليه أحكاماً متنوعة؛ فمنها العدة، وهي أنواع باختلاف حال المطلقة، فالمطلقة الحامل عدتها وضع حملها، وكل حاملاً فعدتها وضع حملها، سواءً كانت مطلقة أو متوفىً عنها لقول الله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، وهذا في المطلقة إجماع وفي المتوفى عنها هو الراجح من الأقوال، وقد قال بعض الصحابة: إنها تعتد بأقصى الأجلين، فإن كانت في أول حملها اعتدت بوضع حملها، وإن كانت في آخره اعتدت بأربعة وعشر، وقال آخرون: بل تعتد بأربعة أشهر وعشر مطلقاً؛ لأن الله تعالى جعل عدة المتوفى عنها كذلك في قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، وعدة اليائسة التي لا تجد الدم لكبر أو صغر ثلاثة أشهر لقول الله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ [الطلاق:4]، ولا مفهومة لقوله: (إن ارتبتم) على الراجح فهذه عدتها ولو لم تحصل ريبة، لكن إذا حصلت الريبة كان ذلك آكد وأقوى. ومحل الريبة اختلف فيه فقيل معناه: إن ارتبتم في بلوغها تلك السن، أي: ارتبتم هل ما زالت تجد الحيض؟ أي: قد تجده مرة واحدة في السنة في آخر فترتها فهذا من الارتياب، وقيل: المقصود: إن ارتبتم في حملها، هل هي حامل أو لا؟ ولعل الراجح الأول؛ لأنها إذا كانت مشكوكاً في حملها ودلت قرائن عليه فلا بد من مراعاة ذلك لما يترتب عليه من الحقوق.
والمطلقة التي هي في سن الحيض عدتها ثلاث حيض، وقيل: ثلاثة أطهار؛ لأن الله تعالى يقول: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، و (القرء) يطلق على الحيض، ويطلق على الطهر، فمن إطلاقه على الحيض قول الراجز:
يا رب ذي ضغن علي قارض له قروء كقروء الحائض
ومن إطلاقه على الطهر قول الأعشى :
أفي كل عام أنت عازم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائك
مورثة مالاً وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائك
(لما ضاع فيها من قروء نسائك) الذي يضيع هو الأطهار لا الحيض، فقد اختلف أهل العلم هنا بالمقصود بذلك.
وذهب بعضهم إلى: أن (القرء) الذي جمعه (أقراء) هو الحيض، والذي جمعه (قروء) هو الطهر، وهذا رأي ابن الأنباري ، ولكن ليس له ما يدل عليه، فإن كان وارداً في البيتين السابقين فلا يقتضي ذلك استمرار وروده في اللغة، فالبيتان السابقان جاء فيهما القروء فيهما معاً:
..له قروء كقروء الحائض
مورثة مالاً وفي الحي رفعة لما ضاع فيه من قروء نسائك
لكن ابن الأنباري رأى أن الأقراء للحيض، وأن القروء للأطهار، وعموماً: فإن اللفظ الواحد قد يتفق في الإفراد ويختلف في الجمع كالأمر، فإن الأمر الذي جمعه (أمور) هو الشأن، والأمر الذي جمعه (أوامر) هو طلب الفعل، فاتفقا في الإفراد واختلفا في الجمع؛ فمفردهما واحد وجمعهما مختلف.
وعموماً: فهذا من الأمور المشتبهة التي جاء فيها الإشكال في الدلالة؛ ولذلك فإن هذه الآية معدودة في قبيل المجمل؛ لأنها مما خبيت دلالته فيمكن أن يكون المعنى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، أي: ثلاثة أطهار، ويمكن أن يكون المعنى ثلاث حيض، لكن الفرق يسير فالمعنى المترتب على ذلك محصور، فإذا طلقها في طهر لم يمس فيه فقد طلقها في عدتها كما أمر الله بذلك في قوله: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1]، وحينئذ فذلك الطهر الذي طلقها فيه لا يعتبر، فإن حاضت بعده فطهرت عدتها أولى، ثم إن حاضت فطهرت عدتها ثانية، ثم إن حاضت فقيل: بمجرد الحيض تخرج من عدتها، وقيل: بل لا بد أن تطهر من حيضتها تلك، والفرق قليل ومدته يسيره، والاحتياط الأخذ بالأشد، أي: اعتبار الأطهار، وهو مذهب المالكية وأهل المدينة أن المقصود بالأقراء: الأطهار.
والعدة قد تهدم وقد تتداخل، فهدمها كما إذا طلق الرجل امرأته، فلما حاضت حيضتين طلقها في الطهر الثالث قبل انتهاء عدتها، فهذا الطلاق يهدم العدة الماضية وتستأنف عدة من جديد. وكذلك قد تتداخل العدد، كمن وطئت بشبهة وهي معتدة أو تزوجت من غير أن يعلم الزوج أنها معتدة، فوطئها في عدتها ففرق بينهما، فلا بد أن تعتد من هذا الوطء الفاسد، ثم ترجع إلى عدتها الأولى.
وكذلك عدة الوفاة تهدم عدة الطلاق؛ كما إذا طلق الرجل امرأته، وفي أثناء عدتها مات؛ فموته هادم لتلك العدة فتبدأ إحدادها من جديد أربعة شهور وعشراً، إلا إذا كانت حاملاً فلا فرق؛ لأن عدتها هي وضع حملها، سواءً أن كان ذلك من طلاق أو من وفاة.
من الأمور التي تشبه العدة الاستبراء، والاستبراء المقصود به: طلب براءة الرحم، أي: الاستدلال على أن الرحم غير مشغول بالحمل، وذلك فيما إذا كانت المرأة موطوأة بشبهة أو كانت أمة فبيعت فلا بد من استبرائها، أو كانت كافرة فسبيت أو أسلمت فهدم إسلامها نكاحها السابق فلم يسلم زوجها في عدتها، فكل ذلك يقتضي استبراءً، وهذا الاستبراء هو أن يوقن الإنسان أن الرحم بريء من الحمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه حرث غيره )، والمقصود بذلك: ألا يطأ حاملاً من غيره.
والاستبراء في حق الحرة هو كالعدة على الراجح إلا في مسائل محصورة وهي: الزنا واللعان؛ لأن اللعان كالزنا، والنكاح في العدة، وكذلك الردة أيضاً فهذه تستبرأ فيها بحيضة واحدة، أما ما سوى ذلك فاستبراؤها كالعدة، فتستبرأ بثلاث حيض، واستبراء الأمة دائماً بحيضه واحدة.
وهذا الاستبراء لا تغني عنه الفحوص الطبية، ولا إخبار الأطباء، ولو كان ذلك محصلاً للعلم؛ لأن الشارع إنما بنا هذه الأمور على الستر والدرء، والأنساب كلها مبنية على الستر والدرء؛ ولهذا قال الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، فلم يقل: (وعلى الوالد رزقهن وكسوتهن بالمعروف) لأن الزوج قد لا يكون والداً في علم الله، لكن المرأة قطعاً والدته؛ فلذلك قال: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233]، وقال في الرجل: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233].
أما في أمور الآخرة فإن الأمور تنكشف وتتضح؛ فلذلك قال: لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [لقمان:33]، ففي يوم القيامة تنكشف الأمور، ويعرف الوالد من غيره، فلذلك جاء الجزم به في القرآن.
إذا حصل الطلاق الرجعي فكانت في عدة وهي غير مبتوتة فيلزم الزوج النفقة والسكنى، فيلزمه أن ينفق عليها، ويلزمه أن يسكنها من وجده بالمعروف، والنفقة والسكنى دائماً بالمعروف عرفاً بين الناس، كذلك يختلف باختلاف النساء، فمن كانت شريفة كريمة، وكان مستواها الاجتماعي رفيعاً فلا بد أن تكون نفقتها على حسب مستواها فيدخل فيها الإخدام، ويدخل فيها أنواع الفرش التي تحتاج إليها، ويدخل فيها أيضاً ما تحتاج إليه من الزينة، ومن كان مثلها يخدم نفسه فلا إخدام ولها النفقة بالمعروف، وإذا لم يحدد القاضي نفقة للزوجة رجع في ذلك إلى العرف، فإن حدد القاضي نفقتاً للزوجة، لإحدى زوجات الرجل، كان ذلك تحديداً لزوجاته الأخر، إلا إذا تفاوتنا في المستوى، فتفاوتهن في المستوى معتبر.
وهذه النفقة المرجع فيها إلى المعروف للمروءة، وكذلك السكنى فإنه من وجد الإنسان، أي: مما يجده الإنسان ويتمكن منه لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].
وكذلك المتوفى عنها فإنها محبوسة عن الزواج بسبب عصمة الزوج الذي مات فيلزم إسكانها في بيته حتى تنتهي عدتها لقول الله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]، وهذا مما يخالفه النساء كثير، فكثير من النساء يخرجن من بيوتهن بمجرد الطلاق أو موت الزوج، وهذا محرم شرعاً، بل عليها أن تثبت في مكانها، فالمطلقة تستقر في مكانها، لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]، والمتوفى عنها كذلك نهاها الله عن الخروج فقال: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]، ولا استثناء في هذه القاعدة إلا عند الخوف عليها، فإن خيف عليها من الوقوع في المحرمات والفواحش، وعرف أن المكان غير آمن بالنسبة إليها فحينئذ توضع في مكان آمن حتى تنتهي عدتها.
وكذلك فإن المطلقة المبتوتة، سواءً أكان طلاقها واحدة بائناً، أو كان طلاقها ثلاثاً؛ فإنها ليس لها نفقة ولا سكنى، وقد قال بعض أهل العلم: لها السكنى فقط دون النفقة، لكن بما أن ذلك من لواحق النكاح فمن المعلوم أنها لا ترث، فإذا كانت لا ترث فكذلك الحال بالنسبة للنفقة، فالمبتوتة لا ترث باتفاق جميع أهل العلم، فكذلك نفقتها تابعة للميراث، فلا نفقة لها ولا سكنى؛ لأنه قد حسم ما يتعلق بالعصمة بمجرد بتها، ويعترض على هذا فإن المتوفى عنها أيضاً قد حسمت العصمة بالنسبة إليها بالموت، لكن يجاب عن ذلك باحتمال وجود الحمل، وهذا الاحتمال يوقف عليه القسم، قسم الميراث، فالحمل مؤثر في الميراث؛ ولذلك فإن للحمل ست صور في الشرع، أي: هي الصور المعتبرة، هي إما أن ينفش الحمل فلا تلد شيئاً، وإما أن تلد ذكراً واحداً، وإما أن تلد أنثى واحدة، وإما أن تلد مثلاً عدداً من الذكور أو عدداً من الإناث، أو أن تلد عدداً من الذكور والإناث معاً كأن تلد ذكراً وأنثى، أو ذكرين وأنثى، أو أنثيين وذكراً؛ فالصورة واحدة، وكذلك الصورة السادسة من هذه وهي أن يموت الجنين قبل أن يستهل صارخاً.
فالصورة الأولى: وهي انفشاش الحمل، والصورة الثانية: أن يموت قبل أن يستهل صارخاً، لا تأثير لهما في الإرث، والصور الأخرى كلها مؤثرة في الإرث قد تقتضي حجباً، وقد تقتضي تغييراً للمسألة من أصلها.
أنبه كذلك على أن من المخالفات الشائعة في هذا القبيل في باب الفرق، ما يقع في كثير من الأحيان من طلب النساء أزواجهن الطلاق، فيبادر الزوج إلى إيقاع ما طلبت، فتقول هي: قد طلبت ثلاثاً، ثم بعد ذلك يندمان فيريدان الرجوع، وهذا لا يمكن فإذا حصل الفراق البات فلا رجوع؛ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ ولذلك ( فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصارية التي شكت إليه زوجها الذي تزوجها بعد أن طلقها زوجها الأول، فذكرت أنما معه كالهدبة قال: أتريدين أن تراجعي رفاعة ؟ قالت: نعم، قال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك )، فلا يمكن أن يقع التحليل إلا بعد الدخول، ولا عبرة في مجرد العقد إذا لم يكن معه دخول؛ فلذلك قال: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وقد ذكر أهل التفسير أن من الحكم في قول الله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، أنه لم يقل: حتى ينكحها زوج غيره، بل قال: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ لأنها هي قاصدة للتحليل والرجوع إلى الزوج، فإن كان زوجها قاصداً لذلك حرمت، وكان تحليلاً، والتحليل إذا قصده المحلل حرم، والمحلل ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا لم يقصده المحلل، وقصدته هي فلا حرج؛ لأنه قال: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ لأنه هو الذي بيده الطلاق، أما هي فليس بيدها ذلك.
وكذلك من المخالفات أن كثيراً من الناس يظنون أن الطلاق في الغضب لا يحصل، وهو دائماً على غضب فيريدون إرضاء كل تصرفاتهم، وهذا ما تشكى منه ابن عاشر رحمه الله في زمانه حيث قال:
يزهدني في الفقه أني لا أرى يسائل عنه غير شخصين في الورى
فزوجان راما رجعة بعد بتة وذيبان راما جيفة فتكاشرا
فلا يسأل عن الفقه بين الناس إلا هذان القسمان من الناس، رجلان تبايعا فغبن أحدهما الآخر وظلمه فأراد الفصل بينهما، وهما يرغبان في أمور الدنيا والتزيد فيها، فهذا يقول: نحن تبايعنا بعقد فاسد ربوي، ولا أعطيك إلا رأس المال فقط، والآخر يريد تلك الزيادة، أو زوجان راما رجعة بعد بتة، حصل بينهما البتة وهما يريدان الرجوع حيث لا يمكن ذلك.
كذلك فإن من المخالفات التي تنتشر في مجتمعنا أن كثيراً من الرجال لا يحسنون أحكام الطلاق فيقدمون على هذه الأحكام دون أن يتعلموها، وهذا ما انتقد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه عبد الله ، فقال: (هذا الذي لا يحسن أن يطلق امرأته)؛ فلذلك لا بد أن يتعلم الإنسان هذه الأحكام وأن تكون له ثقافة عامة فيها قبل الإقدام عليها، وقد قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36].
كذلك الاستعجال في الطلاق؛ فإن كثيراً من الناس يستعجل فيه لأتفه الأسباب وأدناها، وقد قال أحد الحكماء: (إن بعض الرجال لا يصلح له في الدنيا إلا نساء الجنة) فلذلك يستعجلون في الطلاق دائماً في كل الأمور ويفصلون العصم لأتفه الأسباب وأقلها، وهذا قطعاً مخالف للحكمة الشرعية ومناف لقصد البقاء والدوام في هذا العقد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم مما يدعو إلى الائتدام والبقاء فيه فقال: ( فذلك أقمن أن يؤتدم بينكما )، أي: أن تدوم الوصلة بينكما.
وكذلك من المخالفات التي تقع في هذا الباب: الإكثار من الطلاق البدعي؛ فكثير من الناس يطلق ثلاثاً دفعة واحدة، وكثير منهم يطلق في طهر مس فيه، وكثير منهم يطلق وامرأته حائض وكل ذلك حرام شرعاً، وهو بدعة منكرة، وقد اختلف أهل العلم أن يحصل الطلاق البدعي ويعتد به أم لا؟ ومذهب جمهورهم أنه يحصل ويعتد به لكن صاحبه آثم، وإن طلقها طلقة واحدة وهي حائض أو في طهر قد مسها فيه وجب عليها أن يرتجعها، والرجعة تكون بالنية والإشهاد وبالكتابة، ولا تكون بمجرد الفعل، فليس وطئها في عدتها رجعة على الراجح، حتى يصرح بارتجاعها أو يشهد عليه أو حتى ينويه، ونيته إنما تعرف بالإشهاد أو الكتاب أو تصديقها هي له.
إذاً: هذا بعض ما يتعلق بالفرقة بين الزوجين، وسنتكلم بعدها -إن شاء الله- فيما يتعلق بتربية الأولاد وحقوقهم.
نسأل الله تعالى أن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
السؤال: الحديث الذي جاء بصيغة المفرد هل يجوز أن يقرأه شخص بصيغة الجمع إذا كان يدعو لجماعة؟
الجواب: نعم، إذا كان الإنسان يدعو لجماعة فله أن يغير صيغة الدعاء حتى تتلاءم مع الجماعة، وكذلك إذا كان الحديث جاء بصيغة الرجل فأرادت امرأة أن تدعو به فإنها تغير الضمائر، وما يحتاج إلى تغييره من الأسماء؛ فسيد الاستغفار مثلاً: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك.. )، فالمرأة تقول فيه: ( خلقتني وأنا أمتك ).
السؤال: هل يجوز لامرأة حرمت على زوجها أن تطلب من رجل أن يتزوجها حتى تحل لزوجها الأول، مع العلم أنها لا تطلبه الطلاق ولكنها تظهر له ما يدعوه إلى ذلك؟
الجواب: أنه إذا اتفق هذا الرجل معها على أنه محلل حرم ذلك ولم يقع التحليل به، وإن لم يتفق معها على ذلك وإنما طلبته الزواج فتزوج بها، فبدا له أن يطلقها فقد حلت لزوجها الأول، ولا يحل لها هي أن تضايقه حتى يطلقها، لكن يحل لها أن تخالعه إذا أرادت الرجوع لزوجها الأول.
وإذا قصد الإنسان مصلحة أسرة مثلاً ولم يتفق مع الزوجة على أنه محلل، وقصد أيضاً أنه متى ما بدا له الاستمرار على هذا النكاح فسيستند عليه ولم يرد به التوقيت فيكون ذلك جائزاً، إذا أراد الزواج فإن صلحت له استمر، وإلا استطاعت أن تتزوج زوجها الأول فهذا لا حرج فيه، وهو مثل النكاح بنية الطلاق، إذا كان الإنسان ينوي الطلاق في المستقبل، وهو لا يدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، فقد لا يستطيع الطلاق أصلاً.
السؤال: هل يجوز لشخص يحتاج إلى شيء أن يدعو به في القنوت؟
الجواب: نعم، يدعو الإنسان في صلاته بما احتاج إليه، فعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما: أنه كان يسأل الله كل شيء في الصلاة حتى الملح في الطعام، فيدعو الإنسان بما شاء، وإن كان لدنيا.
السؤال: هل يجوز الدعاء في القنوت على أمريكا وأعداء الله؟
الجواب: نعم، يجوز ذلك، بل هو مطلوب شرعاً وهو من الجهاد وهو مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته على عصية ورعل وذكوان، ودعا على قريش كذلك في قنوته.
السؤال: ما التوفيق بين اعتبار الطلاق بالثلاث دفعة واحدة بائناً، وبين آية: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]؟
الجواب: أنه لا تعارض بين هذا؛ فالآية تتعلق بالطلاق مرتين، والمسئول عنه يتعلق بالطلاق ثلاثاً.
السؤال: هذا السؤال عن حكم من أخطأ أو تعمد لم أجنبية في رمضان فما حكمه؟
الجواب: إن انكسرت لذته فخرج منه مني أو مذي فقد لزمته الكفارة والتوبة والقضاء، وإن لم تنكسر فتلزمه التوبة فقط، ولا يلزمه قضاء ولا كفارة، لكن لا بد أن يعلم أنه قد أتى أمراً عظيماً ووقع في ذنب شديد في الشهر العظيم.
السؤال: عن حكم شخص من أهل الوسوسة يسأل في الوضوء: هل فعلت كذا؟ فيقول له: قد فعلت مراعاة لصاحب الوسوسة لكثرة التكرار عنده، فهل هذا فيه كذب أم لا؟
الجواب: ليس فيه كذب، بل عليه أن يقطع عليه وسوسته؛ لأن الوسوسة من اتباع خطوات الشيطان، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21].
السؤال: عن أدوات التجميل للنساء هل هو جائزة كلها أم لا؟ وخصوصاً شارلي ونحوه؟
الجواب: إن الله تعالى أجاز للنساء الزينة بالإطلاق، وما كان من الزينة محرماً فقد جاءت النصوص به؛ كالنمص والوشم والوشر ونحو ذلك؛ فهذا هو المحرم من التزين، أما ما سواه فالأصل فيه الإباحة، وأما الدهانات والكريمات التي سئل عنها فما كان منها طاهراً فيجوز استعماله قطعاً، وما كان منها صبغاً يطلى فوق الجسد، فإن كان حائلاً يحول بين وصول الماء إلى الجسد حرم في وقت الطهارة، وإن لم يكن كذلك.. أي: إن كان في غير وقت الطهارة فلا حرج به إذا كان يمكن إزالته في وقت الطهارة، وما كان من أصل نجساً كشارلي الذي يصنع من مشيمة الحمل فإنه عولج بالكيمياء وتغير عن أصله، وما تغير عن أصله من المواد مختلف فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يطهر مطلقاً.
والقول الثاني: أنه يبقى على نجاسة أصله.
والقول الثالث: أنه يفرق فيه بما استحال إلى صلاح كان طاهراً، وما استحال إلى فساد بقي على نجاسته.
وعلى هذا فالراجح فيه الطهارة وأنه يجوز استعماله وبيعه وشراءه..
ومثل ذلك لبن الجلالة وكالزرع بالنجس ونحو ذلك، وكالخمر إذا تحجرت أو خللت، فكل ذلك من فروع هذه القاعدة.
السؤال: ما هو الوشر؟ وما هو النمص؟
الجواب: الوشر هو تحديد الأسنان بالمبرد. والنمص: ترقيق الحاجبين.
السؤال: عن حكم لحوم الدجاج المستورد من الخارج؟
الجواب: وقد سبقت الإجابة عنه وكثرت، قد بينا أن ما كان منه من بلاد الكفر ويعلم الإنسان أن الشركات يعمل فيها البوذيون والهندوس والسيخ فإنه لا يجوز استيراده وهو جيفة غير مذكىً؛ فلا يحل بيعه ولا شراؤه، ولا استعماله.
السؤال: أصحيح أن صلات الجماعة في المسجد الذي تصلى فيه الجمعة أفضل بخمسمائة درجة من الصلاة في المسجد الذي لا تصلى فيه الجمعة، وما دليل ذلك؟
الجواب: هذا غير صحيح، ولم يرد فيه نص، ومساجد الجماعة التي يقصدها الناس من بعيد أفضل من مساجد القرية، المساجد القليلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك في حديث أم حميد الساعدية فبين لها أن صلاتها في بيتها أفضل لها في صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها أفضل لها من صلاتها في المسجد الجامع؛ فدل هذا على أنه في حق الرجال وفي حق من لا يخاف منها ولا يخاف عليها، والصلاة في المسجد الجامع أفضل من الصلاة في مسجد قومها، وهكذا.
السؤال: هل كل ما يسجد له من السهو في الفريضة يسجد له في النافلة، أم أن هناك فرقاً بينهما وما هو بالتحديد؟
الجواب: أن النفل كالفرض إلا في مسائل محصورة وهي: أن الفريضة لا يمكن أن يزيد الإنسان عدد ركعاتها، فالصبح ركعتان، ولا يحل للإنسان أن يتعمد الزيادة على ركعتين، والظهر أربع، ولا يحل له أن يتعمد الزيادة على ذلك، وكذلك العصر والعشاء والمغرب ثلاث ولا يحل له أن يتعمد الزيادة بخلاف النفل؛ فيجوز للإنسان أن يتنفل باثنتين ويجوز له أن يتنفل بأربع، وعند الشافعية يجوز له أن يتنفل بواحدة أيضاً حتى في غير وقت الوتر، وقد روي ذلك عن ابن عمر .
وكذلك بالنسبة للوتر يجوز له أن يوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع، فكل ذلك يمكن أن يفعله الإنسان وهذا فرق بين النافلة والفريضة، فلذلك إذا قام الإنسان لخامسة في الفريضة فإنه يرجع مطلقاً ويسجد، أما إن كان ذلك في النفل فقام لثالثة فإن عقد الركوع فإنه يستمر حتى يجعل التنفل حينئذ بأربع، ولا يلزمه السجود، ومسائل أخرى مثل الفاتحة وما يتعلق بالسورة أيضاً في النفل، وهي ست مسائل يذكرها الفقهاء بعضها عليها دليل من القواعد العامة، وبعضها استحسان فقط.
السؤال: هل صحيح أن باب الإحرام للمسجد لا يجوز دخول غير الإمام منه؟
الجواب: لا، ولكن فقط إذا كان للإمام مكاناً يختص به، فإذا كان ذلك في أيام الخليفة مثلاً فخروج الناس منه بغير إذنه غير جائز، وقد كان معاوية رضي الله عنه عمل محراباً، وهو أول المحارب التي عملت في الإسلام، وكان هو مقصورة لها باب يختص به، فلا يدخل منه غيره.
السؤال: لقد اعتدنا من كثير من الأئمة ألا يكبروا للركعة الثالثة إلا بعد الاعتدال في القيام فهل لذلك أصل؟
الجواب: نعم، بالنسبة للركعة الثالثة تشبه ابتداء الصلاة، فلذلك يجوز للإنسان أن يكبر في أثناء الانتقال حتى يقوم ويجوز أن ينتظر حتى يقوم فيكبر، وبالنسبة لرفع اليدين يجوز أن يفعل وهو جالس، ويجوز أن ينتظر به حتى يقوم.
السؤال: ما الفرق بين النفس والروح؟
الجواب: هذا محل خلاف بين أهل العلم، والراجح أن الروح تطلق على القوة التي بها الحياة، وأن النفس تطلق على باطن الإنسان؛ فالنفس هي ما يسمى بالقلب مثلاً، والروح تشمل كل القوى الباطنية فيدخل فيها: النفس والقلب والعقل والبصيرة وغير ذلك؛ ولهذا فالحيوانات لها أرواح وتقبض عند الموت، ولكن ليس لها تلك القوى، فليس لها عقل مثلاً فهذا يختص بالإنسان.
السؤال: ما الراجح في الخلاف في تحية المسجد في أوقات النهي؟
الجواب: إن جانب الحول مقدم على جانب الأمر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الأوقات محدودة، فيبقى النهي أقوى فيها.
وأما ذوات الأسباب استثناها الشافعي و أحمد في ذلك، ولكن دليلهم بذلك القياس على حديث أخرجه أبو داود في السنن وهو: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً من الأنصار يصلي بعد الفجر فقال: ألم تشهد معنا الصلاة؟ قال: نعم؟ قال: فماذا أنت تصلي؟ قال: ركعتي الفجر ... عنهما بالصلاة فسكت )، فقاس الشافعية والحنابلة ذوات الأسباب على هاتين الركعتين من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الآخرين قالوا: إنكاره ودعاؤه للرجل وسؤاله عن تلك الصلاة دليل على ذلك النهي وعلى إطلاقه ... ما أخرجه البخاري و مسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عمر بن الخطاب : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب ).
السؤال: رجل له أم وزوجة وهو الوحيد بالنسبة لأمه التي بلغت من الكبر عتياً، والزوجة مصرة على السكن وحدها دون الأم، فهل يجوز له ذلك مع العلم أن بعض الفقهاء أفتوها بذلك؟
الجواب: الزوجة -كما سبق- إنما يقصد بها العون على البر والطاعة، ولا يقصد بها أن تكون سبباً لقطيعة الرحم، ولا سبباً لائتلاف الأم؛ فليس بديلاً عنها؛ فلذلك يجب على هذه الزوجة أن تعين زوجها على بر أمه، وأن تساعده على ذلك، ولا يحل لها فصل هذا الرجل عن أمه الكبيرة المحتاجة إليه، ولتصبر وتحتسب؛ ففي خدمتها لأم هذا الزوج من الخير العظيم والأجر الكثير الشيء الكبير، ولا يحل للزوج أن يترك أمه للضياع وهو الوحيد عندها، وليس لها ولد سواه ولا بنت فلا بد من قيامه بشئونها، فالزوجة إن استطاعت البقاء معها فالحمد لله، فقد أعانته على بر أمه، وإن لم تستطع فلا بد أن يبحث عن بديل وهو أن يتزوج عليها أخرى تسكن مع أمه، وترضى زوجته بذلك فلا بد أن ترضى به. ولا يحل له أن يضيع حقه أمه.
السؤال: رجل تبايع بيعة ربوية مع آخر وبعد أن تأكد من عدم جواز هذا النوع من البيع رفض صاحبه ذلك؛ فهدد خصمه فهل يستمر معه في هذه المعاملة لما حصل بينهما سابقاً؟
الجواب: الله تعالى قال: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279]، وهذا الرجل قد تبين له أن ما عقده من البيع محرم، فيجب عليهما أن يتوبا إلى الله سبحانه وتعالى وألا يأخذ الأول إلا رأس ماله فقط، وألا يأخذ أكثر منه، ولا يجوز لهما الإقدام على إكمال ذلك.
السؤال: هل ترك الوضوء مدة من الزمن جهلاً من التارك أنه مطالب به؛ كامرأة كانت تجهل أنها إذا لم تقدر على الاستنجاء فليس عليها أن تتوضأ؛ فهل يلزمها قضاء الصلاة التي كانت تصليها بالتيمم؟
الجواب: من ترك الوضوء مدة من الزمن جهلاً، وكان يصلي بالتيمم، وكان جاهلاً للحكم بالكلية، فالراجح أنه لا يلزمه قضاء شيء مما مضى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته لقضاء شيء مما مضى، ولكن يلزمه الإحسان في المستقبل وإتقان صلاته.
السؤال: امرأة طلقها زوجها، وظل يأتيها يطالبها بالرجوع فتمتنع حتى انتهت عدتها فجاء إلى خالتها وقال لها: إنه ارتجعها، وفي الوقت الحالي العدة قد انتهت، فما حكمها؟
الجواب: إن كان أخبرها أنه ارتجعها وهي ما زالت في العدة فهي آثمة بتأخيرها، ويجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تعلم أن امتناعها ذلك معصية عظيمة، ويجب عليها أن تطاوع زوجها وأن تبره، وإن كانت تعلم أنه لم يراجعها حتى انتهت عدتها فهذه الرجعة باطلة؛ لأنها وقعت في غير محلها.
السؤال: امرأة فطمت طفلها وهو في الشهر الخامس بعد سنة من عمره لسبب ذهاب إلى دولة خارجية مع خالتها التي تحتاج إليها أو بسبب مرض فما هو حكمها؟
الجواب: فطام الولد حق للزوجين معاً، فإذا رضي الزوج بأن تفطم المرأة ولدها قبل إتمام الرضاعة فلهما ذلك، ويجب عليهما أن ينظرا إلى مصلحة الولد، فقد حدد الله تعالى مدة الرضاع بحولين كاملين، فقال: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وقال: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14]، وقال: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، فلذلك يلزم أن يتفقا معاً وأن يكون ذلك لمصلحة الولد مصلحة الولد، وقد قال العلامة محمد عالي رحمه الله:
الحق في الرضاع للأبين معاً فلا ينقص عن حولين
إلا إذا ما كان عن وفاق ولم يضر قال عبد الباقي
السؤال: ما حكم نظر كل واحد من الزوجين إلى عورة الآخر؟
الجواب: أن هذا من الأمور الجائزة، فيجوز لكل واحد منهما النظر إلى عورة الآخر، ولكن ليس ذلك محبوباً ولا محموداً؛ فالأفضل عدم ذلك لكنه من الأمور الجائزة.
السؤال: عن حكم النظر إلى النساء المتبرجات في التلفزيون؟
الجواب: إن ذلك مما لا يجوز؛ فلا يجوز النظر إلى السافرات اللواتي كشفن ما لا يحل له كشفه، بل يجب غض البصر عنهن، وإن كان الإنسان سيستمع إلى الأخبار فربما جاءت فيها لقطة مثلاً من بعض النساء السافرات فلا حرج لأن ذلك من النظرة الأولى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك النظرة الأولى ).
السؤال: ما رأيك فيمن له أخت تجتمع مع الرجال في المنزل، وإذا أراد أن يغير هذا المنكر نهرته والدته عن ذلك فهل يتوقف؟
الجواب: هذا الولد يجب عليه تغيير المنكر إن قدر عليه، ولا يلزم إذا عجز عنه كما إذا حالت أمه بينه وبين ذلك، ولكن يلزمه هو أن يعظ أمه وأن ينصحها، وأن ينصح أخته ويعظها بالتي هي أحسن ويبين لهما الحكم الشرعي في هذا، وإذا كان هو مسئول الأسرة وكبيرها فلا بد له أن يغير حينئذ لأن ذلك في سلطانه وتحت يده.
السؤال: [هل يجوز لقنوت جهراً في الركعة الأخيرة قبل الركوع وبعده؟]
الجواب: نعم، يجوز القنوت جهراً في الركعة الأخيرة قبل الركوع وبعده.
السؤال: سمعت أن هناك تغليظاً على الزوج بعدم عدله بين زوجاته، هل لذلك أصل في الكتاب والسنة؟
الجواب: نعم، قد أوجب الله على الأزواج العدل بين الزوجات، والمقصود به العدل في المبيت في القسمة، وأما العدل فيما يتعلق بالمحبة وفعل القلب فإنه لا يستطيع؛ وقد قال الله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، فالقسم في المبيت واجب، والعدل فيما يتعلق بمحبة القلب غير ممكن، ولكن لا بد أن يجتهد في ألا يذرها كالمعلقة.
السؤال: رجل نام في نهار رمضان فاستيقظ وهو جنب ماذا عليه؟
الجواب: ليس عليه إلا الغسل ولم يتضرر صومه بذلك.
السؤال: شخص توفي وعليه صيام ولم يستطعه، فهل يصوم عنه غيره؟
الجواب: إن كان الصيام الذي عليه من نذر فإن وليه يصوم عنه، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن كان الصيام من واجب كرمضان مثلاً فلا يجب على وليه القضاء عنه، لكن إذا قضى عنه فإن الراجح أن ثواب ذلك يصل إليه.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر