الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم التوفيق والتسديد ونحن في قراءة القاعدة الثلاثين من كتاب القواعد لـابن اللحام .
الملقي: قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة الثلاثون: الفاء تقتضي تشريك ما بعدها لما قبلها في حكمه؛ إذ الجمهور على أنها تدل على الترتيب بلا مهلة, ويعبر عنها بالتعقيب, كأن الثاني أخذ بعقب الأول.
وقال الإمام فخر الدين : التعقيب بحسب الإمكان احترازاً من قولهم دخلت بغداد فالبصرة, فإذا كان بينهما ثلاثة أيام فدخل بعد الثلاث فهذا تعقيب عادة، أو بعد خمسة أو أربعة فليس بتعقيب.
وقال الفراء : يجوز أن يكون ما بعدها سابقاً.
وقال الجرمي : إن دخلت على الأماكن والمطر فلا تفيد الترتيب, تقول: نزلنا نجداً فتهامة، ونزل المطر نجداً فتهامة, وإن كانت تهامة في هذا سابقة. إذا تقرر هذا فمما يتعلق بالقاعدة من الفروع].
الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر -وهذا ديدنه رحمه الله- أن من اللغة ما له تعلق بعلم الأصول، وقد سبق وأن ذكرنا أن علم الأصول له علاقة في دلالات الألفاظ، وابن حزم رحمه الله يهتم بها, ولا يرى أنها قياساً, وهذا مسلم إلا في بعض المعاني، وبعض الفقهاء يسميها قياساً ولا يسميها دلالات ألفاظ مثلما نسمي في القياس نفي الفارق، الذي ليس بقياس العلة مثل قياس نفي الفارق, وقد ذكر الغزالي و الجويني إجماع العقلاء على الأخذ به، وابن حزم يأخذ به ولا يسميه قياساً.
ونحن الآن بصدد بعض الحروف, فالفاء عند علماء اللغة تقتضي التعقيب، وهو أن ما بعدها يأخذ ما قبلها بالتبع, وهذا ما يعبر عنه بالتعقيب, فتدل على الترتيب, لكن السؤال: هل الترتيب هذا بمهلة، الذي نسميه نحن التراخي كما هو في حرف (ثم) أم للتعقيب أي: بلا مهلة؟
تكلم العلماء رحمهم الله في هذا, وذكر الإمام فخر الرازي -صاحب المحصول- أن التعقيب بحسب الإمكان فلا يلزم منه عدم المهلة, لكنه قال: فإذا كان التعقيب يطول في أكثر من ثلاثة أيام أو أربعة أيام كما قال فهذا تعقيب عادة، أو بعد خمس أو أربع فليس بتعقيب, يعني: إذا كان في حدود ثلاثة أيام فيسمى تعقيباً, دخلت البصرة فبغداد، أو دخلت بغداد فالبصرة، فلا بد أن يكون من دخولك للبصرة بعد بغداد أو من دخولك بغداد بعد البصرة ثلاثة أيام فأقل.
فكأن علماء اللغة حينما يقولون فاء بعد ذلك دلالة على أن هذه المهلة محسوبة من الشيء الأول، فكأن المهلة الموجودة فيه هي مما لا بد منه.
ولهذا قال الجرمي رحمه الله: إن دخلت -يعني الفاء- على الأماكن والمطر فلا تفيد الترتيب، فهو الآن يناقش الترتيب، يعني: ليست المسألة مسألة تعقيب، يأتيني بعده بمهلة أو بلا مهلة، قال: لا تفيد الترتيب.
والمشهور عند علماء اللغة أن الذي يقول: بعد الفاء يقصد بذلك الترتيب؛ ولهذا نقول: الذي يظهر في قولك: دخلت الرياض فمكة، أنه ليس المقصود أن تدخل الرياض ثم تخرج وسوف تصل مكة، يعني: أنه الرياض بعدها مباشرة مكة، لا، المقصود: دخلت الرياض فمكة؛ يعني أني لم أنشغل بعد الرياض إلا بالذهاب إلى مكة، هذا المقصود، فإذا قلت: دخلت الرياض فمكة, فالمقصود من ذلك أنك لم تدخل بعد الرياض ولم تنشغل بغيرها إلا في دخولك إلى مكة، مع العلم أن بين الرياض وبين مكة ست ساعات بالسيارة، ولكن هذا غير مقصود، يعني المقصود أنك لم تنشغل بعد الرياض إلا بمكة، وعلى هذا فالمهلة هذه مقصودة وهي داخلة باتفاق.
المؤلف يقول: (إذا تقرر هذا)، أي: أن الجمهور يقولون: بلا مهلة، وأن الرازي يقول: المهلة تكون بثلاثة فأقل وما زاد فلا، وبعضهم يقول: لا تفيد الترتيب كما هو معلوم.
أولاً: إذا قال لزوجته: إن قمت فقعدت فأنت طالق، لم تطلق إلا بهما مرتبين كما ذكر, جزم به جمهور الأصحاب].
الشيخ: يعني لو قال: إن قمت فقعدت فأنت طالق، فقعدت ثم قامت لا تطلق، لكن إذا قامت ثم قعدت فإنها تطلق، وهذا الكلام مبني على قاعدة الفقهاء المشهورة عندهم كالحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في أظهر الروايتين عنهم, وهي أنهم إن علقوا الطلاق على شرط مجرد كما لو قال: إن غربت الشمس فأنت طالق، فإن الطلاق يقع بمجرد غروب الشمس لمجرد حصول هذا الشرط المجرد سواء كان هذا الشرط المجرد مكاناً أم زماناً.
النوع الثاني: إن علقه على شرط غير مقصود, ولكن مقصوده الحث والحض مثل: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق, وهذا مقصوده المنع من الذهاب، لم يكن هذا الشرط محضاً مجرداً، الأئمة الأربعة المشهور عندهم أن المرأة تطلق إن ذهبت إلى أهلها على حسب ما علقه به، فإن قال: أنت طالق ثلاثاً إن ذهبت إلى أهلك كانت طالقاً ثلاثاً، وإن قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن ذهبت إلى أهلك، وإن كان قصده الحض والمنع فإن الجمهور الأربعة يقولون: تطلق ثلاثاً.
وقول بعض الأصحاب وهو اختيار أبي العباس بن تيمية وهو عليه الفتوى عندنا: أن الرجل إذا قال لزوجته: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق، فعلقه على شرط غير مجرد, وإنما قصد بذلك الحث أو المنع فإن المرأة لا تطلق بذلك، فصار حكمه كحكم اليمين.
وذكر ابن تيمية أن هذا القول هو قاعدة الصحابة، فقد روى الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه في قصة المرأة التي وجدت أحد مواليها له علاقة بإحدى إمائها, فقالت: هي يهودية أو نصرانية، ومالها رتاج الكعبة إن لم تفرق بينهما، غضبت هذه المرأة فقالت: والله لأفرقن بينهما ومالي رتاج الكعبة، والرتاج هو اسم الباب والكسوة ونحو ذلك، فلما عقلت ندمت على ما قالت، ثم سألت ابن عمر فقال: عليها الكفارة، فقد علقت هذا الأمر على أمر غير مجرد، ولكن قصدت بذلك حث نفسها, هذا استدلال ابن تيمية ، ومع أنه لم يكن هناك طلاق إلا أنه جعل هذا قاعدة الصحابة.
وهذا القول وإن كان له حظ كبير من النظر لكن ينبغي تخويف الناس من هذا الأمر، وهذا ما يسمى بالحلف بالطلاق, وهذا القول بدعة كما ذكر ذلك ابن تيمية يقول: لم يكن هذا حادثاً -يعني الطلاق- في عهد القرون المفضلة كالصحابة وكبار التابعين، وإنما حدث ذلك في زمن الحجاج حينما ألزم الناس بأن يحلفوا بالطلاق إن خانوا طريقته، فهذا يدل على أن المسألة مسألة حادثة، فذكر ابن تيمية أن هذا محرم وبدعة.
على كل حال نحن بصدد قوله: (إن قمت فقعدت فأنت طالق) هذا بناء على أنه قصد الفعل المجرد, والله أعلم.
يقول: (لم تطلق إلا بهما مرتبين)، يعني: القيام ثم القعود، فلو حصل قعود ثم قيام فلا تطلق إلا إن قعدت بعد القيام, والله أعلم.
الملقي: [وذكر بعض المتأخرين أن بعض الأصحاب حكى رواية أن الفاء وثم كالواو في هذه المسألة، فحينئذ يقع الطلاق بالشرطين كيف وجدا على هذه الرواية].
الشيخ: يعني إن قال: إن قمت فقعدت فإنها تطلق بالقعود ثم بالقيام؛ لأن الفاء هنا لم يقصد بها التعقيب بأكثر مما يقصد بها فعل الأمرين, والله أعلم.
الملقي: [ويتخرج لنا رواية أنها تطلق بوجود أحدهما, ولو قلنا بالترتيب بناء على أن الطلاق إذا كان معلقاً على شرطين أنها تطلق بوجود أحدهما].
الشيخ: هذا قول آخر وهو: إن قصد بذلك تخويفها ومنعها من التحرك بقصد ألا تخرج من بيتها، مثلما يقول: والله إن قمت لأفعلن كذا، فهو قصد بذلك الفعل كله وليس ذات القيام، مثلاً لو قالت: أنا أريد أن أذهب إلى بيت أهلي فقال: والله إن قمت من مكانك فأنت طالق، وهو قصد بذلك إن قمت من مكانك للذهاب إلى بيت أهلك، فهذا كما قلنا: على حسب ما نوى، إذا كان قصده المنع أو الحث على المنع.
الملقي: [ومنها: إذا قال لزوجته قبل الدخول: أنت طالق فطالق، فإنها تطلق بالأولى, ولا يلحقها ما بعدها سواء في ذلك التعليق والتنجيز، جزم به الأصحاب].
الشيخ: هذه مبنية على مسألة: أن الرجل إذا عقد على امرأته ولم يدخل بها ثم طلقها، فإن الطلقة الأولى تعتبر المرأة بها بائنة منه بلا عدة؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]، وهل تعتبر بائنة بينونة كبرى فلا يحق لها أن تتزوجه مرة ثانية إلا بزوج آخر؟ الذي يظهر أنها بينونة صغرى.
الشيخ: قوله: (ولكن بمهلة) هذا الذي نحن نسميه (ثم) تفيد الترتيب مع التراخي.
الملقي: [وتفيد التشريك في الحكم على قول الأكثر].
الشيخ: (وتفيد التشريك في الحكم)، يعني: أن ما بعد (ثم) تالياً لما قبلها، فيفيد ذلك الترتيب مع الاشتراك.
الملقي: [وزعم الأخفش والكوفيون أنه قد يتخلف, وحملوا عليه قوله تعالى: حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة:118].
وقيل: تستعمل للترتيب أيضاً بلا مهلة كالفاء.
وقال الفراء و الأخفش و قطرب : إنها لا تدل على الترتيب بالكلية].
الشيخ: هؤلاء أشهر علماء اللغة، نحن لا نجاري علمهم, لكن نحن نقول: إن أكثر علماء اللغة على أن (ثم) تفيد الترتيب مع التراخي، وعلى هذا فهذه الخلافات من خلافات الرعيل الأول، والمشهور أنها تفيد الترتيب مع التراخي.
الشيخ: المعروف أن قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الزمر:6]، هذا صحيح, وهو أننا خلقنا من آدم، ثم جعل منها زوجها هذا صحيح، لكن المعروف في آية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1].
الملقي: [وبقوله تعالى: وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [السجدة:7-9]، وبقوله تعالى: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [الأنعام:153-154]، وبقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه ثم ساد قبل ذلك جده
وأجيب عن الآيات وقول الشاعر بأجوبة ذكرها ابن هشام في مغني اللبيب ليس هذا موضع ذكرها, والله أعلم].
الشيخ: هذا دليل على أن كل من استدل بأن (ثم) لا تفيد الترتيب فهو مخرج عند من قال بوجوبه, وعلى هذا فنبقى على أن (ثم) تفيد الترتيب، و ابن هشام رحمه الله في مثل هذا اهتم بها في كتابه العظيم مغني اللبيب.
أولاً: إذا قال لزوجته: إن قمت ثم قعدت فأنت طالق لم تطلق إلا بهما مرتبين.
وقد تقدم أن بعض الأصحاب حكى رواية أنها كالواو, وتقدم التفريع عليها في قاعدة الفاء بما يغني عن إعادته هنا.
ثانياً: ومنها: في الوقف، إذا وقف على أولاده ثم على أولاد أولاده, ثم على المساكين، فينتقل الوقف إلى الموقوف عليهم مرتباً، فلا يستحق أحد شيئاً من البطن الثاني مع وجود أحد من البطن الأول, جزم به الأصحاب].
الشيخ: الآن هناك مسألة خلافية معروفة عند القضاة، إذا قال: هذا الوقف لأولادي، ثم أولاد أولادي، ولنفترض أن أولاده عشرة، وأولاد أولاده ثلاثون وهم من أصلاب الأولاد، فلو مات العشرة ولم يبق منهم إلا واحداً, فإذا كان له زيد وعبيد وخالد ولم يبق إلا خالداً، فقالوا: إن خالداً يستحق جميع ما كان لإخوته التسعة، ولا يستحقون البطن الثاني حتى ينتهي البطن الأول.
فقد كان الوقف يوزع على عشرة، ثم مات واحد فوزع على تسعة، ثم مات واحد فوزع على الثمانية ثم مات واحد فوزع على السبعة، ثم ماتوا ثلاثة فوزع على الأربعة، ثم ماتوا الثلاثة فوزع على الواحد، فلا يعطى البطن الثاني حتى ينتهي البطن الأول.
والأولى بهذا قالوا: لأن توزيعه على جميع البطون فيه ضرر وعدم معرفة، فربما وجد البطن الثالث مع وجود بطن واحد؛ فلأجل هذا الأولى إذا قال: هذا لأولادي وأولاد أولادي إذا قصد الترتيب فإنه يقول: هذا للبطن الأول ثم للبطن الثاني للخروج من الخلاف.
وأما إذا قال: هذا لأولادي، وأولاد أولادي، ولم يأت بالفاء ولا بثم التي تفيد الترتيب الذي يفيد الاشتراك، فهذا المال يوزع بينهم, البطن الثالث والبطن الأول سواء, وهذا فيه كلفة ومشقة.
الملقي: [ثالثاً: ومنها: إذا قال لزوجته التي لم يدخل بها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق, فدخلت طلقت واحدة فبانت بها، ولم يقع غيره, ذكرها صاحب المغني وغيره].
الشيخ: السبب في هذا أن التي لم يدخل بها تطلق وتبين في الأولى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ [الأحزاب:49].
الملقي: [وحكى صاحب المغني عن القاضي أنه قال: تطلق واحدة في الحال فتبين بها, والذي قاله القاضي في الجامع وذكر عنه أبو البركات : أنه إن أخر الشرط طلقت طلقة ولغى ما بعدها, وإن قدم الشرط طلقت الثانية ولغت الثالثة, وتعليق الأولى بحاله.
وإن كانت مدخولاً بها لم تطلق حتى تدخل فتطلق ثلاثاً ذكره صاحب المغني وغيره، وقال القاضي: تطلق طلقتين في الحال].
الشيخ: إن كانت مدخولاً بها لم تطلق حتى تدخل الدار فتطلق في الثانية، يعني: إذا دخل بها أفادَّ الترتيب، وإذا لم يدخل بها لم تفد شيئاً.
الملقي: [وقال القاضي: تطلق طلقتين في الحال, وتقف طلقة على الشرط].
الشيخ: لا لا, هذا قول ابن قدامة رحمه الله.
الشيخ: هذا الذي يظهر، أن (إنما) لا تفيد الحصر. وإنما تفيد تأكيد الإثبات, فقولنا: إنما الشاعر المتنبي , فهذا لا يفيد الحصر ولكن يفيد تأكيد الإثبات, يعني: تأكيد شاعرية المتنبي , ولا ينفي ذلك عدم شاعرية غيره، لكن يفيد أن المتنبي شاعر مصقاع كما يقولون.
وجاء عن ابن عباس عندما قال: لم أسمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما سمعته من أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الربا في النسيئة )، لكن جاء في رواية: ( لا ربا إلا في النسيئة )، فصارت (إنما) تأكيد الربوية في النسيئة.
لكن قوله: (لا ربا) تفيد أن (إنما) تفيد الحصر، وعلى هذا فـ(إنما) لا تفيد الحصر إلا أن تدل قرائن أخرى, والله أعلم.
الملقي: [و ابن الحاجب لم يصحح شيئاً، وإذا قلنا: إنها تفيد الحصر، فهل تفيد بالمنطوق أو بالمفهوم؟
فيه مذهبان حكاهما ابن الحاجب و الروياني الشافعي، واختار ابن المني وغيره من أصحابنا تفيد مطلقاً, واختار القاضي و ابن عقيل و الحلواني ومن الشافعية الشيخ أبو إسحاق الشيرازي و الغزالي و ألكيا الهراسي وطائفة من المتأخرين أنها تفيد فهماً].
الشيخ: إيه, تفيد فهماً, يعني: تفيد الحصر فهماً، هذا الذي ظهر.
الملقي: [وأما (أنما) بالفتح فقال ابن هشام : الأصح أن حرف أن فيها فرع مكسورة, ومن هنا صح أن الزمخشري يدعي أن (أنما) بالفتح تفيد الحصر كـ(إنما), وقد اجتمعا في قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف:110]، وقول أبي حيان: هذا شيء انفرد به، ولا يعرف القول بذلك إلا في (إنما) المكسورة مردود بما ذكرت.
وقوله: إن دعوى الحصر هنا باطلة؛ لاقتضائها أنه لم يوح إليه غير التوحيد مردود أيضاً بأنه حصر مقيد؛ إذ الخطاب مع المشركين، فالمعنى ما أوحي إلي في أمر الربوبية إلا التوحيد لا الإشراك, وإلا فما الذي يقوله في نحو وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران:144]؟].
الشيخ: المؤلف الآن يريد أن يؤكد على أن (إنما) تفيد الحصر، قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف:110]، يعني: أنه يوحى إلي التوحيد لا الشرك، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران:144]، تفيد رسوليته، ولكن الذي يظهر كما هو معروف أنها لا تفيد الحصر إلا فهماً, هذا الذي يظهر؛ كما تقول: إنما الشاعر المتنبي ، وجاء في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه )، فهل هنا تفيد الحصر؟ نعم تفيد الحصر، الإتمام ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فـ(إنما) لا تفيد الحصر، بدليل أنه يقرأ ولا يقرأ المأموم, ويقول: سمع الله لمن حمده ولا يقوله المأموم، ويرفع صوته في التكبير ولا يفعله المأموم، فدل هذا على (إنما) تفيد تأكيد الإثبات والحصر فهماً إلا إن دلت قرائن هذا الذي يظهر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر