وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.. أما بعد:
فالواقع أن الثورة التقنية التي يعيشها العالم -والتي تسمى بحقٍ ثورة- لم يشهد العالم لها نظيراً من قبل، هي أحد الأسباب التي تجعل مستقبل العالمي الإسلامي في ظل الوفاق الدولي أمراً بالغ الأهمية، دراسةً وبحثاً واستمراراً لما هو موجود من الجهود، من أجل درء الأخطار عن هذه الأمة، ومن أجل تلمس طريق النور في هذا المستقبل المظلم الحالك.
والوفاق الدولي لا يخفى على كثير حاله، حيث كانت هذه الدنيا تحت ظل عصبة الأمم التي كانت هيئة أقرب ما تكون إلى الشكلية، ثم كانت الحرب العالمية الثانية التي قضت عليها، ونتيجة لها خرج المعسكران الكبيران: المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، الأول: شيوعي ديكتاتوري، والثاني: ديمقراطي ليبرالي.
وكانت مرحلة الأمم المتحدة ومؤسساتها المتنوعة، وكذلك رفع شعارات الإنسانية، وحقوق الإنسان إلى آخر تلك الشعارات التي ظهر زيفها -كما سنستعرض إن شاء الله-
والمقصود أن هذين العملاقين -كما يسميان- أو هاتين الكتلتين اقتسمتا العالم، أو اتفقتا على ذلك، على أن هذا الوفاق -الذي يسمى- لم يكن دائماً وفاق محبة وسلام، بل كان الصراع، وكانت الأزمات التي نذكر منها على سبيل المثال أزمة كوبا، بين الرئيسين جون كيندي المقتول وخرتشوف ثم ما حصل بعد ذلك من مرحلة ما يسمى بالحرب الباردة، -الحرب الإعلامية بين الطرفين- حيث كانت المعسكرات الغربية، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية تطلق على الاتحاد السوفيتي: امبراطورية الشر، وامبراطورية الشيطان، وامبراطورية الاستبداد والاستعمار.
وكانت المعسكرات الشرقية ومن لف لفها ينبذون أمريكا؛ لأنها زعيمة الإمبريالية العالمية، والتسلط العالمي، وانتهاك حقوق الإنسان، وحرياته، وثمرات شعوبه، ومقدراتها.
لقد أعلن كلٌ من الطرفين أنه لن يعادي الآخر، وأشد من ذلك ما أصبح ظاهراً في لهجة زعيم الشيوعية العالمية -التي كانت تندد ليل نهار بخطر الاستعمار الأمريكي- عندما يقول: نحن وهم، فقيل له -أي: جورباتشوف-: من نحن ومن هم؟ قال: نحن الاتحاد السوفيتي وأوروبا وأمريكا وهم: الصين واليابان والعالم الإسلامي.
الوحدة الأوروبية وهي من أعظم ثمرات هذا الاتفاق إن لم تكن من محركاته في الأصل، لأن أوروبا تعرف أنها فقدت سيطرتها التي امتدت قروناً، وكما تعلمون أنه بعد حوالي سنتين سوف تكون أوروبا موحدة، كالدولة الواحدة.
وسوف يدخل في هذا الاتحاد -وقد بدأت المفاوضات في ذلك- الكتلة الشرقية أيضاً، فتصبح أوروبا شرقها وغربها قوة واحدة، ولا يهمنا أن تكون قوةً اقتصاديةًَ سياسيةً اجتماعيةً أياً كان الشكل، المهم أن تأثير هذه القوة سيكون رهيباً، وأن الأحداث سوف تؤكد ذلك بما لا ريب فيه.
ووحدة أوروبا ومع الاتحاد السوفيتي مع أمريكا التي تحدثنا عنها في محاضرات سابقة، عندما تصبح حقيقة واقعة، فإن الذي سيدفع الثمن بالدرجة الأولى هو العالم الإسلامي؛ لأنه -كما سنستعرض- هو العدو المستهدف بالدرجة الأولى لكلا القوتين، بل نستطيع من الآن أن نقول: إنهم أصبحوا قوة واحدة صليبية يهودية كما أخبرنا الله تعالى آيات كثيرة، منها قوله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] فهم الآن بعضهم أولياء بعض، ويشكلون قوة دولية واحدة، ولذلك نتائجهم خطيرة كما أشرنا على هذا العالم من أي زاوية نظرت، وفي أي مجال اتجهت، أعني: على العالم الإسلامي بالدرجة الأولى.
وإذا وضعنا في الاعتبار من يسيَّر هذين، لعلمنا أنها هي القوى اليهودية الخفية المتسترة لعلمنا إلى أي جحيم يمكن أن تلقى به الإنسانية، ولا سيما العالم الإسلامي في ظل تحكم هذه القوة الصليبية المتحدة.
والكل يخاف من العالم الإسلامي، ويُحذِّر من الصحوة الإسلامية، وينادي بالويل والثبور إذا تمكن المسلمون من تحقيق أدنى شيء وأدنى قدر من الحرية أو من الدعوة إلى دينهم الذي يدينون به، وهذه حقائق وأدلتها كثيرة جداً.
ونستطيع أن نستعرض ونذكر ما صرح به الرئيس ميتران عندما تكلم عن الجهاد الإسلامي في فلسطين، يقول بالحرف الواحد: ''إن الذي يحدث في المناطق المحتلة يهدد بانتشار وباء التطرف الإسلامي في كل المنطقة'' فهو يسمي عودة المسلمين إلى دينهم تطرفاً إسلامياً، ويعتبره وباءً، كما يسمى الطاعون أو الكوليرا أو الإيدز وباءً، هذا هو الوباء الذي يمكن أن ينتشر.
مؤسسة فورد: حيث إنها تمول دراسات كثيرة، وتصدر كتباً كثيرة منذ أكثر من ثلاثين سنة، تتعلق بدراسة أوضاع العالم الإسلامي، ومستقبل العالم الإسلامي، ودور الحركة أو الدعوة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية في هذا العالم، حتى على مستوى القطاع الخاص فإن أمريكا تخطط وتفكر.
ومن العجيب أن معهداً للدراسات الاستراتيجية مشهور في أمريكا، وهو معهد بوفر؛ تحدث عن السياسة العالمية ابتداءً من نهاية القرن العشرين، ونشر ذلك قبل أكثر من عشر سنوات، وذكر فيه أن العالم سيرى قبل نهاية هذا القرن انهياراً للأنظمة الحاكمة -ونحن رأيناه الآن قبل نهاية عقد الثمانينات- وقال ضمن التقرير: ''سوف تنهار الأنظمة الموجودة في العالم: الماركسية، والشيوعية، والديموقراطية، والنقابية والنازية'' ذكر هذه الخمسة مع أن الموجود منها في الواقع هو: الماركسية والشيوعية وهما شيء واحد، والديموقراطية، لكن هكذا قال.
ثم تنبأ بأنه في نهاية هذا القرن سوف يشهد العالم كله عودة إلى الدين، سواء الكاثوليكية في أوروبا، أو العالم الإسلامي، وحذر أشد التحذير من الصحوة الإسلامية، وهذا الكلام كان قبل أكثر من عشر سنوات، وذكر على سبيل المثال، كما قال تقرير المعهد: '' أن المسلم الأسود يهدد مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن المسلمين في الاتحاد السوفيتي يشكلون خطراً كبيراً على مستقبله؛ لأنه من المتوقع أن يصل عددهم إلى (40%) من سكان الاتحاد السوفيتي جميعاً قبل نهاية هذا القرن'' هكذا حذر، وهذا مقتطفات من التقرير نشرها الدكتور مصطفى محمد حلمي في كتابه: الصحوة الإسلامية عودة إلى الذات (ص:167).
يقول: '' تشهد إسرائيل هذه الأيام كل ما يجري في دول أوروبا الشرقية باهتمام كبير؛ نظراً لأنها تجد في ذلك فرصة مواتية لإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع كلاً من هذه الدول، والواقع أن هذا ليس فقط موضع اهتمام إسرائيل وإنما هناك أهداف أخرى تسعى لتحقيقها، إذ ترى بأن علاقاتها مع تلك الدول منذ حرب 1967م قد حرمها من روابط أهم بكثير من مجرد النواحي الدبلوماسية'' فالقضية ليست هي قضية إعادة علاقات، وقد أعيدت كما تعلمون، يقول: لا، هناك روابط أخص من روابط دبلوماسية، يريدها اليهود المحتلون من أوروبا الشرقية ما هي؟
يقول: ''إذ يرى بعض الإسرائيليين أن عودة العلاقات بين إسرائيل ودول أوروبا الشرقية هو بمثابة العودة إلى قطاع من العالم ترتبط به إسرائيل منذ وقت طويل بروابط عاطفية وثقافية، بل وروحية قوية ومتعددة'' فما معنى روابط عاطفية وروحية إلى آخره هو الدين؛ لأن معظم اليهود المقيمين في الأرض المحتلة الآن، في دولة إسرائيل -كما تسمى- معظمهم من أوروبا الشرقية.
يقول: ''ويرى البروفيسور شلومو مكلوري أنها إذا كانت لإسرائيل علاقة عميقة دائماً مع أوروبا -يعني: ككل- فإن أوروبا هذه هي التي تضرب في أعماقها جذور الشعب اليهودي " أي: أوروبا الشرقية {{ أي: فيوراتو، وفيينا وبرار، وأديسا، وبيتاريا، ولتوانيا وليس في باريس أو لندن أو بروكسل، كما يرى شلومو بأنه كلما استعادت دول شرق أوروبا هويتها، وامتلاك ناصية أمورها فمن الممكن لعدد كبير من الإسرائيليين أن يعيدوا علاقاتهم وارتباطهم بثقافة أوروبية كانوا بمثابة عضو مشترك فيها بشكل كامل، وذلك من خلال لغات وآداب مارسوها في أقاليم ومدن سكنها يهود أوروبا منذ القرن الخامس عشر }} لماذا من القرن الخامس عشر؟ أي منذ أن طُرد المسلمون من الأندلس، واحتلت الأندلس الحكومة الصليبية بزعامة فريدناند وإيزابلا فطُرد المسلمون وطُرد اليهود كذلك، فالمسلمون خرجوا وقتلوا وأبيدوا في محاكم التفتيش، وأيضاً طرد اليهود لأن الصليبيين فريدناند وإيزابلا طردا اليهود، فهاجروا إلى أوروبا الشرقية، حيث كان كثير من هذه الدول تحت حكم الدولة العثمانية.
إذاً يقول: إن الرابطة الأساس هي الرابطة الدينية، وإن إسرائيل تسعى إلى تحرر أوروبا الشرقية من الستار الحديدي، رغم أن الشيوعية فكرة يهودية، ورغم أن القائمين عليها يؤدون أعظم الخدمة لليهود، وعلى سبيل المثال: زعيم رومانيا خدماته لليهود واسعة، وهو مهندس كثير من مشاريع اللقاءات بين الزعماء العرب وبين بعض زعماء اليهود، ومع ذلك فإنهم يريدون أن تتخلى هذه الزعامات ليأتي مستقبل آخر، لتكون العلاقات فيه أقوى وليكون الارتباط الروحي -كما يقولون- بين اليهود المقيمين في الأرض المحتلة وبين اليهود في أوروبا الشرقية.
ولكن نريد أن نركز على الاتحاد السوفيتي الذي يتشدق في هذه الأيام عنه بأنه انفتح على الحرية، والسلام، والديمقراطية، والمحبة، وهذا الفخ الذي يراد أن يوقع فيه العالم الإسلامي في ظل الوفاق الدولي، على أننا سنعرج على أمريكا عند الحديث عن تضخيم الصحوة الإسلامية، والتحذير من مخاطرها -إن شاء الله- في صحيفة الحياة التي تصدر في لندن وهي كانت صحيفة لبنانية من قبل- يقول الكاتب: ''موسكو حذرت مجموعة من الكتاب الروس البارزين القيادة السوفيتية من تصاعد النشاطات الصهيونية -كتاب مثقفون وزعماء في الأدب حذروا من تصاعد النشاطات الصهيونية في الاتحاد السوفيتي- مما يهدد بتحويل الحوار الروسي اليهودي إلى مواجهة حتى الموت'' بين اليهود الذين تمكنوا الآن نتيجة إعادة البناء (البروستريكا) وبين القوميين الروس الذين لا يريدون أن يسيطر على بلادهم إلا هم لا أولئك الغرباء.
ثم يقول: ''وفي رسالة نشرتها صحيفة تصدر من روسيا الناطقة باسم: اتحاد الأدباء في روسيا الاتحادية، اتهم الكتاب الروس الصحافة السوفيتية بشن حملة دعائية شعواء ضد الحركة القومية الداعية إلى انبعاث روسيا، وأكدوا أن هذه الحملة تنظم للتستر على الفاشية الجديدة التي تجسدت في اتحاد الصهاينة السوفييت {{ فهم يسمون اتحاد المجالس العليا السوفيتية اتحاد الصهاينة السوفيتية، كأنه لا يعمل فيه إلا الصهاينة فقط.
وحذروا أن بعض الصحف المركزية التي تؤجج الهستريا بشأن منظمة الذكرى }} وهي منظمة قومية روسية لعلنا نستعرض بعض ما يتعلق بها أيضاً، فهي منظمة تعلن العداء لليهود، وأن اليهود سيطروا على بلادهم.
ثم يقول الكتاب: إن مقاومة هذه المنظمة، أو الذي يجري بينها وبين اليهود نخشى أن يتحول إلى اتجاه عكسي أي: إلى تجميد الصهيونية مخفية عن الرأي العام السوفيتي.
{{ وأشارت إلى تورط منظمة فيتار بالمذابح ضد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، والمئات من الجرائم البشعة الأخرى التي اهتز لها العالم مراراً }} وهذه من الأسرار التي لأول مرة تنشر عن صبرا وشاتيلا ويكون لليهود السوفييت مشاركة فيها.
ثم يقول: {{ وأعرب الكتاب الروس عن استيائهم من عقد مؤتمر لمنظمات يهودية سوفيتية في موسكو نهاية العام الماضي (1989م) وأضافوا أنه: اجتاحت الاتحاد السوفيتي بعد هذا المؤتمر حملات دعائية تميزت بالعنصرية المتطرفة، واتهموا الصهاينة السوفييت بافتعال خرافة عن الفاشية الروسية، إلى أن يقول: وأدان المثقفون الروس ما وصفوه برد الاعتبار للعقيدة الصهيونية، وقيام وسائل الإعلام السوفيتية بتمجيد الشخصيات الاجتماعية والثقافية من أصل يهودي }} أي: أن الأدباء والمثقفين والكتاب والشعراء الذين من أصل يهودي، هم الذين يحفون بالدعاية الضخمة بـالاتحاد السوفيتي وفي غيره.
ثم يقول: {{ حتى المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي يعمل على تغيير صفحة الصهيونية المجرمة... }} إلى آخر الكلام، ولا نريد الإطالة فيه، وإنما ننتقل إلى الحديث -كما قلنا- عن هذه المنظمة: بانيات، أي: منظمة الذكرى؛ وهي منظمة قومية روسية، هالها أن اليهود بدءوا يتمكنون بشكل علني واضح في الاتحاد السوفيتي منذ قيام جورباتشوف وعملية إعادة البناء -كما تسمى- فأخذت تدافع عن الماضي القومي لـروسيا القيصرية، وتريد إحياء الصليبية القيصرية، ولاحظوا بين فكين: فك الصهيونية اليهودية وفك الصليبية القيصرية أيضاً؛ وكلاهما نحن سندفع الثمن إن انتصرا أو تفوقا.
وهذه مقتطفات قصيرة: {{ النائب الأول لوزير الخارجية السوفيتية ذكر أن الإشاعات قد تكون وراءها عناصر قريبة لإسرائيل }} والإشاعات هي عن المجازر والمذابح التي قد يؤدي إليها هذا الصراع.
{{ وأصبحت منظمة بانيات تنظيماً قوياً له مئات الآلاف من المناصرين، ويعد أعضاؤه بعشرات الآلاف وهم يرتدون في اجتماعاتهم قمصاناً سوداً، رسم عليها ناقوس -لاحظوا الصليبية كيف تعود- يرمز إلى أن الوقت حان لاستيقاظ روسيا من سباتها، وتتخذ المنظمة شعاراً لها رسماً للقديس وهو يطعن التنين }} ويذكر أن الإشاعات عن المذابح ضد اليهود تحدد الخامس من آيار مايو المقبل موعداً لها، وفي هذا اليوم من كل عام يحتفل المسيحيون الروس الأرثوذكس بعيد لتقديس جورج، يعني: وعدت هذه المنظمة بأنه في آيار مايو -لعلنا نرى ماذا يجري عندها- يوم الاحتفال بذكرى هذا القديس وهو من القديسين الكبار الأرثوذكس في الاتحاد السوفيتي، في يوم عيده سوف تقوم هذه المنظمة بعمليات مجازر أو عمليات دامية ضد اليهود في روسيا.
المهم انظروا كيف أن هذه الحقائق التي أراد الله تعالى أن تكشف على يد هذه المنظمة وأمثالها.
يقول: {{ سألت الحياة فاسولين -زعيم المنظمة- عن مغزى اختيار منظمته لهذا القديس شعاراً لها، أي: لماذا اخترتم هذا القديس النصراني شعاراً لكم؟ -فقال: إن أوروبا- أي: أوروبا الغربية- التي خبرت الفكر اليهودي الماسوني عبر الثورة الفرنسية رحلت هذا الفكر إلى روسيا بعد أن ألبسته رداءً ماركسياً، وأوروبا التي تنتهل اليوم كرامتنا القومية هي سبب مصائبنا على رغم أن روسيا كانت الحصن المنيع الذي وقاها من الجحافل الآسيوية }} وهذا تصريح واضح بأن الماسونية هي وراء الثورة الفرنسية، وأنها هي وراء الحركة الشيوعية ووراء ما جرى في الثورة -كما سيأتي من كلامه-
إذاً يقول: {{ إن أوروبا التي خبرت الفكر اليهودي الماسوني -وهذه حقيقة- عبر الثورة الفرنسية رحلت هذا الفكر إلى روسيا }}.
ثم يقول: {{ إن روسيا هي التي حمت أوروبا من الجحافل الآسيوية }} ما المقصود بالجحافل الآسيوية التي وقفت روسيا صداً منيعاً دون دخول هؤلاء أوروبا؟
الدولة العثمانية قرون طويلة وهي تكاد أن تجتاح أوروبا، وأكبر عدو كان يقف في وجهها هو روسيا القيصرية، وهذه حقيقة فعلاً، فهم يجعلون هذه جحافل آسيوية وأوروبا التي تعتبر العالم في الحقيقة هو أوروبا وما عداه فهم همج لا قيمة لهم، ولا سيما العالم الإسلامي.
يقول فاسولين: {{ وما حصل عام (1917م) وهو عام قيام الثورة الشيوعية كان انقلاباً منافياً للقانون، وكان للصهاينة دورهم فيه، وإثر ذلك أحيطت بلادنا بأسلاك شائكة وقطعت جذور الأمة، وأبيد عقلها وضميرها، وحورب الدين الذي يعتنقه شعبها، والقديس جورج الذي يطعن التنين، يرمز إلى انتفاض شعبنا ضد العدو }} فهي انتفاضة صليبية ضد السيطرة الصهيونية -كما يقول-
{{ ويرى فاسولين أن البروستريكا خلقت وضعاً استطاع معه أدعياء اليسار أن يحتكروا الديمقراطية ويفرضوا رأياً بروسترياً واحداً، لقد سيطروا على وسائل الإعلام وهم يكممون على الأفواه المعارضة، ولسان منظمتنا -كما يقول- خير شاهد على ذلك.
ويصدر اليهود صحفاً ومطبوعات -لاحظوا كلامه- بفضل الرسالي- يعني: رءوس الأموال المتدفقة من الخارج، بينما الشعب الروسي عاجز عن التبشير بآرائه, لأن الأموال حكر على الحزب والسلطة }}
ثم ذكر كلاماً كثيراً ويكفينا منه هذا وهو: أن هذه الحركة الصليبية الروسية تقول: إن عملية إعادة البناء وزعامة جورباتشوف قد أدت إلى أن يُحكم اليهود قبضتهم وسيطرتهم على الاتحاد السوفيتي، وأنهم يهود صهاينة، ومعروف كلمة صهاينة عند الغرب والشرق؛ أي: الذين يؤيدون إسرائيل، وحريصون على إقامتها.
وليس غريباً بعد ذلك أن نرى الهجرة اليهودية إلى الأرض المحتلة، وليس غريباً أن تتطوع شركات الطيران في أوروبا الشرقية وغيرها لنقل أولئك اليهود، وأن تتبرع الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء وبناء الوحدات السكنية لهؤلاء اليهود، وأن يصرخ الشرق والغرب من هؤلاء الأطفال الذين يقذفون بالحجارة فقط هؤلاء المحتلين، فتعاون الشرق والغرب من أجل القضاء على هذا الجهاد -جهاد الحجارة البسيط- لا لأجله، ولا لأجل أرض فلسطين فقط، بل ليُحكموا قبضتهم وسيطرتهم على الأمة الإسلامية عامة.
ولقد نشر كاتب أمريكي من أصل لبناني اسمه مايكل سابا مقالة ترجمتها صحيفة الحياة أيضاً، بعنوان (إعلام أمريكا وخطر المسلمين).
هذه المقالة عن ندوة عقدها مستشار الرئيس الأمريكي كارتر لشئون الأمن القومي؛ وبالمناسبة الرئيس الأمريكي كارتر الآن يتحرك بنشاط عجيب وكذلك كيسنجر فـكارتر هذا ومعاونوه الأولون بدءوا يتحركون من أجل خبرتهم السابقة ومعرفتهم بحال المنطقة، ونجد أن كارتر يهتم بالجهاد الأفغاني ويذهب إلى هنالك، من أجل دعم التنصير بين المسلمين، واستغلال الجوع والفقر والحاجة الشديدة التي يعاني منها المجاهدون والمهاجرون من أجل التنصير وفرض الحل الغربي على الجهاد الأفغاني، كما نجده يذهب إلى أفريقيا ويقيم ويتنقل بين دولها: كـالحبشة وجنوب السودان مع جون قرنق وبكل وضوح يمده بالعالم الغربي، ومع الجبهة الشعبية لتحرير أرتيريا كما تسمى بكل قوتهم، ومع التنصير في كينيا وفي الصومال، ويؤلمنا أن نقول: إنهم يشترون أبناء وبنات المسلمين بأبخس الأثمان، منظمات خطيرة وكثيرة تشتري أبناء المسلمين في الصومال وكينيا والحبشة وغيرها، ويخسرون الآلاف بوسائل النقل إلى أوروبا، هذه الحقائق كثيرة وتقرءونها كثيراً.
فنقول: هذه الندوة هي ندوة لأولئك الزعماء السابقين، وكان موضوعها عن الأرمن وأحداث أرمينيا، ولكن الحقد يأبى إلا أن يظهر، وقد حولوا الموضوع إلى مسألة عودة إسلامية، وخطر إسلامي، أين الخطر الإسلامي؟ انظروا -قبل أن نقرأ هذا الكلام- الفرق بين جورباتشوف في الحالين وكأنه رجلان مختلفان، ففي الحالة الأولى هو رجل ديمقراطي هادئ متزن يزور بنفسه دول في بحر البلطيق التي تؤيد الانفصال، ويجلس مع أعضاء برلمانها، ويناقش الكتاب، بل ظهر في التلفزيون وفي الشارع يتحدث مع الناس ويكلمهم ويقول: نريد الديمقراطية ونريد أن تنحل القضية فيما بيننا وبينكم بالوسائل الموازية وبالطرق الحكيمة وبكل هدوء.
أما إذا نظرنا إليه كيف يتعامل مع المناطق الإسلامية التي تحت حكمه، فإن ذلك الحمل الوديع الديمقراطي الهادئ ينقلب إلى وحش أو دب متلطخ بالدماء، فالدبابات تنزل تدك المدن، والجيش الأحمر يهدم كل شيء، والاعتقالات بالآلاف، والمقابر الجماعية، لأنه هنا يتعامل مع مسلمين، لكن هناك كان يتعامل مع أبناء دينه، وهذا شيء واضح وجلي، والأخبار العالمية تؤكده بوضوح وليس محتاجاً إلى تأكيد.
والشاهد حول الموضوع من أرمينيا إلى العالم الإسلامي، ويقول: (( في الغرب لا يمكن لأحد أن يشهد مساعي تقوم بها جهات غير مسلمة سواء كانت مسيحية أو يهودية أو حتى هندوسية للقتال من أجل الحرية بالحد الذي يرقى إلى درجة الحرب المقدسة، فهذا النمط محصور بالنسبة إلى الغربيين في تعريف المسلمين بالذات )).
فالهندوس والنصارى واليهود في أي بلد في العالم يطالبون ويثورون ولا غبار عليهم، كما يقول الكاتب وهو نصراني أمريكي، لكن إذا قامت أي حركة إسلامية مهما كان شأنها قيل: هذه حرب مقدسة خطرها يمتد إلى العالم كله، فخصوا هذا الشعار للمسلمين.
عنوان آخر: المدى البعيد لظلال المآذن، لماذا؟ لأن إعادة البناء سمحت للمسلمين بأن يأذنوا.
الصحافة الأمريكية تجعل عناوين ضخمة "ظلال المآذن"، وبعد هذا الأذان تهويل، حتى يكبت هذا الدين، فهم لا يريدون أن يسمعوا كلمة (الله أكبر) ولا أن ترتفع كلمة (الله أكبر) في أي بلد، أما الكنيسة الكاثوليكية فتحتفل ويفتخر جورباتشوف في كتابه إعادة البناء، لأنها احتفلت واحتفلت معها روسيا كلها بمناسبة مرور ألف سنة على إنشائها، ويذهب هو إلى -ما يسمى- قداسة البابا ويحصل على التبريكات منه، لكن الأذان لا يراد أن يرفع في الاتحاد السوفيتي، ولا في أي مكان في العالم.
عنوان آخر: عش الدبابير في جنوب السوفييت.
عنوان آخر: السكان المسلمون يحشدون التحدي ضد السوفييت، أي تحدي؟ كما تعلمون علماؤهم المفتون لا يكادون يعرفون بعض حقائق الإسلام البسيطة، لأنهم تربوا تربية في ظل الحديد والنار والتسلط، وفحصوا ومحصوا حتى أصبح لا يمكن أن يتزعم المسلمون أو يقوم بأمرهم إلا من لا يعرف من الإسلام إلا رسوم معينة يمدح ويثني على الحكومة السوفيتية في كل كلمة أكثر مما يتحدث عن الإسلام والله المستعان.
يقول: {{ وتدفع هذه العناوين -جميعاً- القارئ للاعتقاد بأن المسلمين في شكل ما ليسوا تهديداً للسوفيت وحدهم بل إنهم حسب ما تصورهم الصحافة الأمريكية تهديداً للبشرية جمعاء }} هذا هو الخطأ.
لكن هذه الأشياء إذا ترسبت في اللاشعور تتحول إلى حقائق واعية فيما بعد.
إن من عجائب ما ذكر في الصحافة الأمريكية ما نشر في صحيفة النيويورك تايمز يقول: {{ إن المتطرف يأتي إلى الصحراء }} ومعلوم أنهم قد تحدثوا عن الأرمن والمسلمين والنصارى، وذكروا أن المسلمين في الاتحاد السوفيتي يسكنون في الصحراء، وأما النصارى فيسكنون في الغابات، واستنتجوا من هذا قاعدة، تقول صحيفة النيويورك تايمز: '' إن المتطرف يأتي من الصحراء، والمبدع يأتي من الغابات، وربما كان هذا هو الفارق الأكبر بين الشرق والغرب'' الفرق بين الشرق الغرب أن الشرقي يأتي من الصحراء فيكون متطرفاً أصولياً، أما الغربي فيأتي من الغابات فيكون مبدعاً ومتحضراً.
ومن الغرائب أيضاً التي تحدثت عنها الصحافة الأمريكية، تقول: {{ أوردت الصحف الغربية أواخر كانون الثاني يناير وأوائل الشهر الماضي شباط أن من وصفتهم بمتطرفين سياسيين في أذربيجان -متطرف أو أصولي معروف ماذا يراد بهذا- يقول: قد يستولون على أسلحة ذرية في مواقع خارج عاصمة جمهورية باكو وهذه إحدى المناطق التي تزيد على العشر، وفيها مواقع لمخزونات للأسلحة الذرية في أراضي الاتحاد السوفيتي إلى أن يقول: وهذا تلميح واضح إلى أن احتمال وقوع هذه الأسلحة الذرية في أيدي متطرفون مسلمين يعتبر تهديداً خاصاً للبشرية }} ولاحظوا: أن المسلمين لو تحركوا في الاتحاد السوفيتي... وإلى الآن ليس لهم حركة ذات شأن، يمكن أن يسيطروا على مناطق ذرية؛ فإذا سيطروا عليها فإن هذا يشكل تهديداً للبشرية، سبحان الله! الآن ما يقارب ثلاثين دولة في العالم تملك أسلحة ذرية نووية، لكن الخطر فقط على الإنسانية من أين؟ من أن لو امتلك ذلك السلاح المسلمون، وتذكرون ماذا قيل عندما عملت باكستان مفاعلاً نووياً، وما قيل عن ضياء الحق، وأن هذه كما قال هنري كيسنجر: هذه قنبلة إسلامية، وأعلن الحرب الصليبية عليها، إلى آخر تلك الأوصاف، وظلت الأحداث تجري حتى قتلوه وجاءوا بهذه الموالية الرافضية التي تاريخها وحياتها معروف لديهم هناك في أمريكا.
ويقول: مايكل سابا: وهذا أيضاً أسلوبٌ لترسيخ رواية القنبلة الإسلامية وخطرها على العالم المتمدن، وهي الرواية التي دأب على سردها مراراً وتكراراً الخبراء الاستراتيجيون العاملون لصالح إسرائيل، فحقيقة الأمر أن إسرائيل تشكل بالفعل تهديداً نووياً لبقية دول العالم.
يقول: الحقيقة أن التهديد النووي تشكله دولة إسرائيل، لكن المتهم المظلوم هو هذا العالم الإسلامي المسكين.
ويقول: ويحتمل أن تتردد القصة الجديدة عن الخطر الإسلامي على العالم المتمدن أكثر فأكثر للمستقبل.
ثم قال: وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسيين في أثينا قولهم: {{ إن هناك قلاقل متزايدة في اليونان وبلغاريا حيال الاضطرابات بين الأقليات المسلمة هناك }}.
وبهذه المناسبة فإن دولة ألبانيا، الدولة الاشتراكية أو الشيوعية الوحيدة التي أكثرية سكانها مسلمون في أوروبا، إلى الآن هذه الدولة ما رأينا فيها بروستريكا، ولا حصل فيها أي شيء؛ لأن الأكثرية مسلمة، على ضعف إسلامهم وفهمهم له، لكن لا يراد لها أن تحصل على شيء حصلت عليه الجمهوريات في جميع أوروبا الشرقية؛ وهي دويلة صغيرة لا وزن لها في العالم، ومع ذلك حرمت من هذا الحق، ومما أعطيت جميع الدول.
والآن تشكو اليونان وبلغاريا من الاضطرابات التي قد تجعلها دول مواجهة في أوروبا ضد انتشار التطرف الإسلامي! سبحان الله، فأمروا المسلم أن يغير اسمه وجوباً، ويعقد عقد زواجه في الكنيسة، ومن الصلاة، يمنع من الحصول على أي كتاب إسلامي، ويمنع من آداء الحج أو العمرة، ويمنع من أي شيء من دينه، ومع ذلك يقول المسئولون في تلك الدول: إننا الآن دول مواجهه بالنسبة لـأوروبا لأننا نحن على الجبهة الشرقية في مواجهة التطرف الإسلامي الذي يهدد أوروبا.
فنقول: كيف يمكن أن يكون مستقبل العالم الإسلامي بعدما سمعنا، وعلى أثر هذه المقتطفات القليلة؟
الآن لا يخفى عليكم، أن بعض دول العالم الإسلامي قبل عشر سنوات أو خمسة عشر سنة كان الريال السعودي يعادل وحدة من وحدات عملات بعض الدول، وفي هذه الأيام تشتري بالريال ما يعادل أربعمائة وحدة، دول كثيرة ما نستطيع أن نذكرها، دول كثيرة الآن بالريال تشتري أربعمائة وحدة من عملات هذه الدول، ماذا سيكون المستقبل؟! هذه نتيجة تعويم الدولار، ونتيجة الخطة الاقتصادية الأمريكية الخبيثة، ولكن ماذا تتوقعون في المستقبل؟!
مشاكل كثيرة جداً:
أولاً: أن رءوس الأموال الغربية سوف تتدفق إلى أوروبا الشرقية ومن ذلك ألمانيا؛ سوف تكون محط الأنظار، لماذا؟
لأن الثروات والمواد الخام ومنها البترول موجودة فيها بشكل كبير، وأيضاً الضعف والنقص الشديد للتكنولوجيا موجود، حيث إن اليد العاملة رخيصة جداً، جاءوا بصورهم وألمانيا الغربية تعطي الألمان الشرقيين، كل واحد تعطيه مبلغ معين من الماركات وينهال على المأكولات والأكشاك العادية في شوارع برلين، ينهالون بشكل عجيب؛ فيأكلون من هذه الحلوى، وهذه الأشياء، لأن هذه الأشياء ما رأوها في حياتهم، مع أن ألمانيا الشرقية من أكثر دول أوروبا الشرقية تقدماً، لهذا سيجدون فيها العمالة الرخيصة جداً، والمواد الخام، والتقنية المتخلفة.
إذاً سوف تتحول الاستثمارات إلى أوروبا الشرقية.
وفي اجتماع عقد منذ شهر تقريباً في الولايات المتحدة الأمريكية، في الغرفة التجارية العربية الأمريكية عقد هذا الاجتماع، وتحدث رئيس الغرفة وهو رجل أمريكي، وقال: إن مستقبل العالم الإسلامي -أي مستقبل العالم العربي هو يقول بتعبيره- الاقتصادي سيكون سيئاً للغاية في الفترة القريبة جداً هذه، وذلك لأن رءوس الأموال الأمريكية سوف تنساق إلى أوروبا الشرقية، وذكر على سبيل المثال إحدى دول الخليج المهمة كثيرة التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، كيف أنه في السنة الماضية انخفض حجم التبادل بينها وبين أمريكا إلى (50%) ومن المتوقع في المستقبل أن يزداد ذلك، وأن يكون هذا التناقص عاماً للمنطقة كلها.
وهذا الاجتماع جاء عقب اجتماع الرئيس بوش برجال الأعمال الأمريكيين، وأوصاهم ووجههم، قائلاً: يجب أن تتجه اهتماماتكم إلى أوروبا الشرقية وأن تنسوا ما عدا ذلك، فهنا ستكون كارثة اقتصادية للعالم الإسلامي، لأن الدول الفقيرة المدينة ستزداد ديوناً وفقراً مبقعاً وتتراكم ديونها الربوية للغرب بشكل مذهل، والدول الغنية سوف تفتقر وتصبح دولاً مدينة.
هذا الذي يبدو الآن كما ذكر بأرقام ذكرها رئيس الغرفة التجارية العربية الأمريكية.
وهذا من الأمثلة عليه، أذكر مثالاً واحداً فقط: بعض دول الخليج -والحمد لله- أنتجت من المواد البتروكيماوية منتجات عالية الجودة والامتياز، وعلى المواصفات العالمية، ثم ذهبت في البواخر وجالت شواطئ الدول الأوروبية فلم تستقبلها أي دولة، ولم يستقبلها أي ميناء رغم مواصفاتها العالية، بل وضع في وجهها الضرائب الجمركية الباهضة والحواجز التي جعلتها تعود أدراجها وتبيع حمولتها في بعض الدول الآسيوية الشاطئية، فهذا أحد الأمثلة وكلكم تعرفونه.
وقيسوا على ذلك في المستقبل، إذا اتحدت أوروبا أكثر جمركياً وإدارياً واقتصادياً فسوف تواجهنا، حتى لو تفوقنا عليهم، وحتى لو أنتجنا أفضل الصنع لن يشتروا منا؛ لأنها صليبية حاقدة واضحة، ومع ذلك فإننا بالعكس أكثر ما ينتجه العالم الإسلامي ما هو إلا مواد خام يستهلكها العالم الغربي في صناعته، هذا أكثر شيء عند العالم الإسلامي.
خذ أية جريدة من جرائدنا بدون استثناء، وانظر إلى هذه الصور الفاضحة والدعاية الخليعة للعطورات والأزياء وما يتعلق بهما، ومعلوم أن المرأة إن كانت تعمل، فالراتب كله أو نصفه لهذه الأشياء، والرجل أيضاً استرضاءً للمرأة يفعل ذلك، وهناك أمور غريبة جداً تحصل من الترف.
أيضاً: ما معنى أن تصبح هذه الحمامات، ونوادي تخفيف الوزن كما تسمى أو التخسيس ضمن المستشفيات، فالآن يوجد في المستشفيات حمامات للسباحة وللتخسيس..!!
إننا نعيش في ترف كاذب والعالم يهددنا بكوارث اقتصادية خطيرة.
الآن المرأة المسلمة لا تبالي أن تشتري فستاناً بـ (5000) ريال، أو بـ (10000) ريال، وأحياناً بأضعاف ذلك، لا تبالي أبداً، وإخواننا المسلمون يموتون جوعاً، المجاهدون وغير المجاهدين، ومع ذلك أيضاً نحن يتهددنا مستقبل أسود -والعياذ بالله- إن بقينا على هذه الحالة، ترف كاذب وأموال تهدر يومياً، وملايين في أسواقنا تدفع يومياً إلى جيوب المؤسسات اليهودية للأزياء والموضات والتجميل وما أشبه ذلك.
وهذا غير الترف في الأشياء الأخرى: كالكماليات، والأثاث، والموبيليات، وأمور أخرى كثيرة.
والمفروض ونحن نرى هذا العالم الغربي الصليبي الحاقد يتكاتف ضدنا ويعلن حرباً صليبية علينا ألا نعطيه قرشاً واحداً، أما ما كان ضرورياً أن نستورده فلنستورده من دول أخرى غير هذه الدول، وإن كانت كافرة هي الأخرى، لكن هذا عدو لدود، عدونا منذ أن ظهرت دعوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى التوحيد وحتى قيام الساعة، والحرب بيننا وبينهم دائرة لم تتوقف لحظة واحدة، والأحاديث الصحيحة تؤيد ذلك وتؤكده، وأخطر المعارك ستدور بين المسلمين وبين الغرب -الدول الصليبية- في أرض الشام وفي القسطنطينية إلى أن يظهر الدجال والمعارك قائمة، وقد ذكرنا ذلك في محاضرات سابقة تتعلق بهذا الموضوع، والمقصود أن المستقبل الاقتصادي والسياسي في العالم الإسلامي سيكون مظلماً في ظل هذا الوفاق الدولي الخبيث.
أمور أخرى أخطر، وهي غير البث التلفزيوني المباشر، ونحن عندنا الآن جمارك في المطار ورقابة المطبوعات، والمطبوعة التي لا تناسب الأخلاق والقيم، أو ما يسمى كذلك، فهي لا تدخل، وفي المستقبل القريب عن طريق الكمبيوتر، وعن طريق الاشتراك في تلكسات متطورة لن يستطيع أحد أن يراقب أية مطبوعة، لأنك تأخذ الجهاز وتشتريه، وترسل الشيك لكي تشترك في أي فرع من أي بنك وفي أي مكان من مراكز الإنتاج الثقافية -كما تسمى- أو السينمائية، فتأتيك المطبوعة ملونة جاهزة في بيتك.
ويقال: أنه بعد سنوات قليلة لن يحتاج الناس أن يشتروا صحيفة أو يشتركوا فيها، أو -يأتي عبر البريد، لأنها سوف تنتقل عن طريق الأقمار الصناعية وعن طريق هذه الأجهزة، فـجريدة الشرق الأوسط -مثلاً- تطبع في لندن وجدة وفي الظهران، والأهرام وغيرها تطبع في أي مكان في العالم، وهذا الذي يُعمل الآن بشكل كبير سيصبح فردياً، وسوف يصبح الفرد الواحد في بيته وبجهاز ثمنه ضئيل جداً أن يشترك في أية مطبوعة في العالم وتظهر أمامه كاملة أمامه، إن كانت دعاية سياسية مغرضة فهي موجودة، أو دعاية ضد الإسلام وتحطيم للعقيدة فهي موجودة أمامه، أو كانت خلاعة ودعارة وانحطاط فهي موجودة، وتعلمون لو فتح هذا المجال، فإن الذين سيشتركون في بنوك المعلومات الثقافية، وبنوك المعلومات السياسية التي تعطيك أخبار العالم، يمكن أن يكونوا (10%) أو (1%)، أما أكثر الناس فسيحرص على الاشتراك في المجلات الخليعة والأفلام الخليعة ويفرح بذلك؛ لأنه لا جمارك تراقب ولا مراقب إعلامي عليها فالجهاز عنده والمطبوعة تصله.
ومن المشكلات العظيمة في ظل هذا الوفاق التي سوف تكون: ازدياد النشاط السياحي -كما يسمى- والإباحي بالمعنى الصحيح، ولا سيما مع القفزة المتوقعة في عالم الطيران.. فالعالم يتحرك بسرعة مذهلة، ونحن متخلفون جداً بل حتى في تفكيرنا، واعذروني لأن هذه الموضوعات يجب أن نكون فيها صرحاء، ويجب أن نقول كلمة الحق، وهذا هو الميثاق الذي أخذه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وإلا فلا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير في من يهمه الأمر إن لم يسمعها، العالم يعيش في تحرك مذهل وبسرعة مذهلة، ونحن -وأخص طلبة العلم- جامدين بالمعنى الكامل، واسمحوا لي لو استطردت قليلاً، دروس الحرم -ونحن مقبلون عليها- دروس علمية، اسمع ما سجل عام 1405 أو 6 أو 7 أو 8 أو 9 أو 10، الموضوع والكلام فيها واحد.
أنا وأنتم معي نرى نفس المجلس عند العلماء يسأل: ما رأيك يا شيخ في عدد ركعات التراويح؟ فيعيد الكلام الذي قاله قبل 10 سنين أو 20 سنة هي نفس القضية وسؤال آخر: ما رأيك يا شيخ في تحريك الإصبع؟ وما رأيك يا شيخ في كذا؟ ما رأيك يا شيخ في الجماعة الفلانية؟
كلام مكرر، فأضعنا أوقات العلماء، وأضعنا أوقاتنا في قضايا مكررة، بل ربما نتشاجر ونختلف ونتضارب عليها، والعالم يتغير كما قلت أحياناً بالدقيقة، وهناك أشياء تحصل قد تهدد أصل عقيدتنا وأصل ديننا، فنحن المستهدفون من تحرك هذا العالم كله ولا سيما بلدنا هذه؛ لأنها هي منبع النور والخير والأصالة، وهي المؤهلة لأن تقود العالم الإسلامي، وكل المؤهلات موجودة فيها، ونضيع أوقاتنا وأوقات علمائنا في غفلة عن هذا الواقع الذي يتلاحق من حولنا بأحداث رهيبة جداً.
فنقول: الثورة في عالم الطيران هي سباق محموم بين شركات الطيران، كما هو بين شركة الإرباص الفرنسية وشركة البوينج الأمريكية على هذه المرحلة القادمة، سباق قد تختصر فيه المسافات إلى النصف خلال السنوات القليلة القادمة، حيث قد تقطع المسافة بين جدة ونيويورك في 5 ساعات تقريباً، وقد تقطع إذا استمرت أو نجحت الدراسات إلى مدينة الدعارة بانكوك قد تكون مثلاً ثلاث ساعات ونصف أو حول ذلك، بمعنى أننا في ظل هذه الشهوات المحمومة عند شبابنا مع الأسف، وهذه الرغبات التي لا تشبع من الانهماك في الملذات، والجواز مفتوح إلى دول العالم ما عدا إسرائيل أو غيرها، والفلوس موجودة، سوف يكون لهذا نتائجه الخطيرة، وسوف نسمع من يقول -وقد قيل-: الحل عندنا أن نجعل جدة العروس، وكأنها العروس، أي: لا بد أن تكون متبرجة لكل أحد، قالوا: نجعل جدة مدينة سياحية -وقد قرأنا ذلك- فنستقطب أبناءنا فيها، وجدة أفضل من بانكوك كما نُشر، جدة أفضل ألف مرة من بانكوك! وبعد هذا الحل لدرء الفساد الخارجي أن نستقدم الفساد ونستورده! وننشئ مدناً ساحلية أو غير ساحلية ويكون فيها ما ترون من ألوان الفساد والاختلاط، وما سيأتي في المستقبل سيكون أدهى، ولا سيما مع ضعف الدعوة، وانشغالنا نحن طلبة العلم بأشياء بعيدة عن هذا الواقع، ومع ضعف -إن لم نقل حرب- هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومع غيرها من الأمور.
الحل سهل وهو بأيدينا نحن، فنحن ورثة الكتاب الهادي بأيدينا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32] ومعنا الرسول الهادي صلوات الله وسلامه عليه، نقرأ كلامه كأنه قاله اليوم، وكأن جبريل ما نزل بهذا القرآن إلا البارحة، فكله بين أيدينا نحن أمة الهداية والخير وأمة النصر، مهما كثر أعداؤنا فالحل بأيدينا، وهو في أن نتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] إذا اتقينا الله حفظنا الله تعالى من كل سوء، لكن إذا لم نتقِ الله وسايرنا الشرق والغرب في شهواتهم، سلطهم الله تبارك وتعالى علينا، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] مهما كادوا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] وبالتقوى ننتصر على أكثر وأكبر الأعداد -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ويذلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويرفعنا الله عز وجل درجات عالية، فننظر إلى هذا العالم مهما اجتمعت قواه وكأنه حشرات، إذا اتقينا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعظمناه، وعرفنا قوته، هانت قوة الشرق أو الغرب مهما بلغت ومهما تعاونوا علينا، وقد تعاونوا علينا في كل مرحلة من مراحل التاريخ.
ومن الحل أن يكون المسلمون أمة واحدة كما في الآيات: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
وبهذه المناسبة أقول:
سمعت كثيراً من الدعاة وخاصة من يأتي من خارج المملكة، يقولون: الحل الخلافة الإسلامية، وهذا شيء جميل ولا شك، فالحل أن تقوم الخلافة، ولكن أوروبا والشرق والغرب يخطون خطوات عملية، فهذه السنة تنظم الجمارك، والسنة الآتية السوق المشتركة تكون أكثر، والسنة التي بعدها يتحد البرلمان، حتى يتوحدوا، ونحن نعيش في الخيالات، ونردد الحل إعادة الخلافة!
وهل سينزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خليفة من السماء؟!
لن ينزل من السماء إلا عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان، ولن ننتظر حتى ينزل بل سنجتهد فإن نزل فينا فالحمد لله.
يجب أن نجتهد نحن، لكن لن يأتي خليفة، وإذا جاء فأين سيعيش هذا المسكين؟ وفي أي بلد سيعيش؟ بل إنه في أكثر دول العالم العربي والإسلامي سيعدم لو علم أنه هذا خليفة المسلمين، فهي خيالات لا ندعها تذهب بنا بعيداً، وبعضهم حدثني في هذا، فقلت: تتمنون الخلافة والخليفة ولا شك أن هذا حلم، ولا شك أنه إذا تحقق سنفتح العالم لكن أولاً ضعوا لنا حلولاً واقعية تؤدي إلى ذلك.
إن واقع الأمة الآن هو مثل إنسان مراهق مشلول مكسر، يهجم عليه اللصوص والمجرمون من كل جهة، يسأل: ما الحل؟ فيقول: أن يكون عندي ولد يحميني، وهو مفتول العضلات قوي الذراعين، ويدعو الله أن يرزقه ولداً، وهو غير متزوج وليس عنده قوة على ذلك، ونقول دائماً: ادعوا الله أن يرزق المسلمين بخليفة، فكما أنه لن يأتي الولد إلا بزوجة وبقوة وبنشاط وبتربية، فكذلك الخليفة يمكن أن يوجد لكن بعد أن توجد الأمة.
أليس داعي الوحدة موجوداً بيننا وهو كتاب الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)؟!
حبل الله: كتابه ودينه وصراطه المستقيم، فلمَ لا تتوحد جهود الدعاة في كل مكان على الكتاب والسنة؟!
يجب علينا أن نزيل كل أسباب الفرقة، ومنهج الكتاب والسنة أوضح وأجلى وأوسع المناهج، فهو يحتمل تعدد الاجتهادات وتعدد الأحوال والبيئات، ففي بلد تكون الدعوة جهاداً بالسيف، وفي بلد تكون جهاداً بالدعوة، وفي بلد يكون أفراداً، يسع هذا المنهج كل شيء، ولا يسعه منهج آخر، ولن يجمعنا زعيم أو متبوع غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولن يجمعنا تاريخ غير تاريخنا الإسلامي وتاريخ خلفائنا الراشدين، فلنتوحد نحن الدعاة.
أما ما دام فينا دعاة للـعصرانية والعقلانية، ودعاة للمقاعد النيابية والحريات السياسية، ودعاة للبدعة، ودعاة للتصوف، ودعاة للتقارب مع الرافضة، والكل يقولون: دعاة، والكل يقولون: يجب أن تقوم الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية، فلن نتوحد ولن نعمل شيئاً.
وليس لدينا الآن حل إلا قوة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة} وهذه الشرور المقبلة لا بد لنا فيها من قول ذلك في كل مكان، وفي الدنيا والآخرة، وفي كل أزمة ومواجهة.
تقول زينب بنت جحش رضي الله عنها كما روى ذلك الإمام أحمد والبخاري ومسلم رحمهم الله: {قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم من نومه وهو محمر الوجه، فقال: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بيده}. هذه الأخطار القادمة يستكشفها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أوحى الله إليه ويحذر الأمة منها، ونحن نرى الشر الآن وكأنه قد وقع في ظل القوى العالمية المتكتلة ضدنا، فكيف نقاومه؟!
في كل عداوة وفي كل موقف يجب أن يكون لدينا تقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والضراعة إليه، وإذا كان فينا عباد صالحون فدعوة من أحدهم في جوف الليل تهدم صواريخ أمريكا وروسيا بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا نقول ذلك متخلين عن الجانب المادي أبداً، بل نقول: لدينا جانب لا يوجد لديهم، أما الجانب المادي فقد قال ربنا تبارك وتعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] فنبذل ما استطعنا، لكن الجانب الذي نملكه ولا يملكونه هو تقوى الله، وهو الدعاء والتضرع إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الذي لا يملك شيئاً فليدعو الله للدعاة، وللمجاهدين، وللعلماء العاملين، فهذا من الأسلحة الغائبة عن الشرق والغرب، ونحن كما يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم} سبحان الله! بضعفائنا ننتصر؟! ولكننا لا نحسب لهم حساباً، ونظن أن الاتفاقيات الدولية، أو أن الانحياز إلى أحد المعسكرات يجعلنا نبقى في سلامة من هذا الاجتياح الخطير.
نقول: لا! المواجهة في المرحلة القادمة هي تيار كاسح مدمر يأكل الأخضر واليابس، وكما قيل: ليست معركتنا في هذه المرحلة معركة منتصر أو منهزم، ولكن المعركة معركة وجود أو عدم وجود! لو تسلط علينا هذا الاستعمار ببثه المباشر وبغزوه الثقافي وبسيطرته الثقافية لمدة عقدين أو ثلاثة عقود، فربما امتسخنا مسخاً كاملاً، حتى لا يبقى لنا أي وجود أصلاً، ونعوذ بالله من ذلك! لكن إن قمنا وواجهنا ذلك معتصمين بحبل الله، ومنتهجين منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة والجهاد والعمل، فسوف يكون إنقاذ الإنسانية على أيدينا -بإذن الله- وليس فقط إنقاذ أنفسنا وها هي المناطق الساخنة كما تسمى الآن أفغانستان ولبنان وفلسطين وأرتيريا والفلبين، وكل المناطق التي فيها جهاد أو نشاط إسلامي إلى حد ما، هذه المناطق دليل على ذلك، ورعب الشرق والغرب مما يقع ويدور في هذه البلاد دليل على أن المستقبل مفتاحه بأيدينا، وأنه قريب جداً من هذه المناطق، ونحن نقول: -حسبما يدور هذه الأيام- لا نستبعد أن تقوم دولة إسرائيل بأي عمل عسكري في المنطقة، وقد يكون عملها مفتاح الخير في المنطقة؛ لأننا نعيش في غفلة، ولا بد أن نؤدب حتى نستيقظ، وهذه الأمة لا تستيقظ إلا بضربة، فما انتشرت الدعوة الإسلامية ولا قامت إلا بعد هزيمة (1387هـ - 1967م) ولعل فيما يحدث إيقاظاً لنا.
الخلاصة: نقول: الخطر أكثر وأكبر من أن نستوعبه في محاضرة أو محاضرات، وهذه حقيقة يجب أن تعلموها، والحل بأيدينا نحن ألا نتواكل، وألا نقول: الدعاة..! العلماء..! المفكرون..!
إن القضية قضية كل فرد منا، وهذه القضية تهدد كل بيت وكل فرد في هذه المرحلة التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يصرف عن المسلمين شرها بعودة صادقة إلى الله.
كما أن العودة الصادقة إلى الله تتضمن في أول ما تتضمن: التزود من التقوى والصبر... والاستعانة بالصبر والصلاة، لا سيما الدعاة الصادقون المؤمنون الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، والذين تجتمع حولهم هذه الأمة بإذن الله، فيكون بذلك النصر الذي وعد الله تبارك وتعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51]، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105].
وهذا بفضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الجواب: الحقيقة ورد في الكلام السابق ما يجيب على هذا، لكن أقول:
أولاً: المستقبل في السنوات القادمة: ستكون الحالة فيه كالحالات التي تعتري الأمم عندما يحاط بها، أو تعتري الفريسة عندما تهاجمها السباع الضارية، وسيكون العالم الإسلامي في حالة اهتزاز.
ونقول: نتوقع -إن شاء الله- أن هذا الاهتزاز سيوقظ همماً كثيرة، ونحن -في الحقيقة وبكل صراحة- لا نعلق الأمل في مستقبلنا القريب هذا على التكتلات الشكلية في العالم الإسلامي، أي: المنظمات والمؤتمرات الشكلية الرسمية، هذه قد تعين أحياناً في التنبيه إلى بعض القضايا أو تعطي الأمة شعوراً بأن الوحدة ممكنة أو شيء من هذا، لكن لا يعلق عليها الأمل في الحل، وإنما سوف تشهد السنوات القليلة القادمة نوعاً -والله تعالى أعلم- من الهزة العميقة التي توقظ شعور كثير من الشباب المسلم على اختلاف مستوياتهم الفكرية وباختلاف مواقعهم في المسئولية -إن شاء الله- سوف تهز حتى بعض المسئولين وحتى بعض القادة، وهكذا مما قد يتيح للأمة أن تعيد النظر في مواقفها، ويكون ذلك بداية للحل والمخرج -بإذن الله تعالى- وأرجو أن يوفقني الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لإصدار درس عن الحروب الصليبية وكيف استيقظت الأمة؟ وكيف قاومتها؟ لأن هذا يرتبط بنفس الموضوع.
وكيف أنها بعد النوم الطويل بدأت اليقظة هنا وهناك، ثم تطورت حتى نجحت -بإذن الله- وليس كما يقولون: التاريخ يعيد نفسه، لا. بل نقول: سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
فمن خلال استعراضنا للحرب الصليبية، وكيف انتصر المسلمون؟ وكيف قاوموا؟ سنجد بعض الحلول العملية الواقعية التي سوف نسلكها -إن شاء الله- فننتصر في الحرب الصليبية الساحقة الماحقة التي نعيشها هذه الأيام.
أما بالنسبة للبروستريكا وكون اليهود وراءها فهذا صحيح، وهو كما سبق من أن اليهود أكبر من استفاد من عملية إعادة البناء، وعندما نقول اليهود لا نعني بهم اليهود في الاتحاد السوفيتي فقط، بل هم استفادوا الفائدة الكبرى، واليهود في الأرض المحتلة استفادوا فائدة كبرى -أيضاً- وكذلك اليهود في أمريكا وفي أوروبا كل أولئك استفادوا، كيف استفادوا؟
اليهود في أمريكا الذين يملكون البنوك والمؤسسات الضخمة، وفي أوروبا الغربية أول من استفاد بنقل استثماراتهم في دول أوروبا الشرقية، فمن أي زاوية نظرت تجد أن اليهود أكبر المستفيدين من هذه العملية -عملية إعادة البناء كما تسمى- ولا غرابة فإن برجنيف نفسه كان يهودياً ومن قبله ماركس كان يهودياً، وكل زعماء الشيوعية مثل تراوتسكي الذي كان عدواً لهم وانشق عنهم، والآن يعودون إلى بعض نظرياته، أيضاً هو يهودي معروف، ويعلم الروس كلهم أن هؤلاء يهود.
فاليهود وراء كثير من الأحداث، وهم الذين يخططون وراءها بل إنهم أحياناً يتعمدون أن يأتوا بأشياء عجيبة، كما حصل منهم بعد مؤتمر مالطا.
شيء آخر بعض الإخوة الذين اطلعوا ورصدوا هذه القضايا، وجدوا أن أكثر الزعماء في أوروبا الشرقية بعد البروستريكا هذه من اليهود، وكذلك وزراء الخارجيات ورؤساء الوزارات وبعض رؤساء الحكومات يهود في ظل الأوضاع الجديدة، ولا شك أن هذا يؤيد ما أشار إليه السائل أثابه الله.
الجواب: لا شك أن هذا أحد الأسباب، وقد قلت في كلمة سابقة: إن هذا مما عجل بالعملية، وإلا فإن العملية الحقيقية مبيتة، ولكن هذا السبب جاء من أحد الأسباب التي جعلت العملية تأخذ دورها وحجمها، وهو مثال لما نذكره في المرحلة القادمة، فهم سحبوا الجيوش ولكن المساعدات تتدفق والمؤامرات تحاك، ولم يتغير موقفها من القضية، وإنما الذي تغير هو التحرك أو الاستراتيجية بما يناسب المرحلة، أما العداوة والحقد والتخطيط فلم يتغير منه شيء.
الجواب: أما أن يكون البث المباشر فكذلك فنعم، وأما أن الصحوة ستكون منها حرب بين المسلمين والكفار، أي: سوف تكون هناك مواجهة، نعم بلا شك، لأنه لن يحل الموقف إلا مواجهة دامية بين الصحوة الإسلامية وبين الكفار، فلا بد من ذلك مهما حاولنا لابد منه ولكن بعد كم؟ الله أعلم، هل سيكون ذلك بعد قرن أو قرنين أو عشرين سنة؟ المهم لابد من الدم، وهذا ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتال اليهود والروم، فلا بد من ذلك في المستقبل القريب، كما تشهد الأحداث أيضاً وفي المستقبل البعيد كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة.
أما قيام دولة إسلامية في أفغانستان هل يكون بداية لتلك الحرب؟ نرجو من الله أن تقوم الدولة الإسلامية في أفغانستان، ونرجو من الله إن قامت أن تكون إسلامية حقة، لأنه في ظل هذا الواقع لن يسمح الشرق والغرب بقيام دولة إسلامية، وإن قامت فستكون خليطاً من أدعياء الإسلام والمنافقين مع المجاهدين الحقيقيين الصادقين، وهذه مرحلة أصعب من مرحلة المواجهة.
الآن عندما قام وزير الدفاع بالانقلاب وادعى أنه مع المجاهدين فإن الغرب والشرق، قالوا: إنه انضم إلى المجاهدين، وبعض المجاهدين أعلن ذلك، وحصل شيء من التضارب، وكأن العملية أصبحت أن شيوعياً ينشق فيأتي فيشارك المجاهدين فتقوم دولة، فيكون هذا الشيوعي -مثلاً- وزيراً فيها، بالإضافة إلى العلمانيين والصوفيين الموجودين الذين لا يهمهم إلا الولاء لـأمريكا والغرب، فهذه كلها تجعل المستقبل في أفغانستان وفي غيره حالكاً، إلا إذا تمسكنا بالحل، كما ذكرنا وأشرنا إليه، فسوف ننتصر -بإذن الله- في أفغانستان وفي كل مكان، والعداوة في كل مكان لا تقل عن أفغانستان.
لكن هذا لأنه الجرح الدامي، والجرح النازف اليوم أمامنا، وإلا ففي كل بلد المواجهة قائمة، والتخطيط لإفساد المسلمين ولإبعادهم عن دينهم ولمنعهم من الاحتكام لشريعة ربهم قائم في كل مكان.
لكن أقول بصراحة: إنني أتوقع أن المرحلة القادمة في أفغانستان -ولا بد أن نقول الحقيقة- أتوقع انشقاقات وانقسامات، أي لن تكون أرض أفغانستان موحدة، لن تتوحد، ولا يمكن أن يسمحوا بأن تتوحد في ظل حكومة للمجاهدين، نحن ندعو الله أن يحقق ذلك للمجاهدين، وهو قدير سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن في ظل أوضاعهم وضعفهم وتخاذلنا نحن على المستوى العام -ولا نعني أفراداً قلائل- فإن ذلك لا يؤثر شيئاً.
أقول: سوف يجعلون منها مناطق نفوذ موزعة، والله أعلم إلى متى تستمر هذه الحالة؟! وهي جزء من الأمة الإسلامية الموبوءة المريضة، وإن كانت فيها عوامل يقظة أكثر من غيرها لأسباب هيأها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الجواب: هذا جواب وليس سؤالاً.
وطبعاً لن نكون بأي شيء من هذه أقوياء.
الجواب: الله المستعان! هذه الأمة مضاعة، وخاسرة البضاعة بين حكام استخفوها وعلماء أضلوها إلا ما رحم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن حقيقة الأمر أن أكثر من ينفذ خطط هؤلاء الأعداء والمجرمين هم عملاؤها وأذنابهم الذين يحاربون الإسلام في ديار المسلمين، أكثر مما لو كان الخواجات يباشرون ذلك بأنفسهم إلا ما رحم الله، والعلماء أيضاً أو الدعاة أو ما يسمون العلماء الرسميين -إلا من رحم الله- هم من أسباب التخدير الذي تعيشه الشعوب الإسلامية؛ لأنهم مستعدون في ركاب الأوضاع القائمة لدنياهم ولمطامعهم ولمآربهم أن يؤيدوا أي وضع، وأي شيء يرتضيه القائمون على هذه الأوضاع.
ونحن نتكلم الآن عن رقعة عريضة، مليار من الغثاء، ولذلك يجب على من فقه دين الله، وعرف كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيضاح الحق للناس بما يستطيع، قل كلمة الحق ولا تخشَ في الله لومة لائم؛ لأن أخطر من هذا الوفاق ومن هذا الغزو أن تظل الأمة في غفلة عنه، مهما تعللنا بأي شيء نبقيها في غفلة عنه، ونحن نعلم خطره، وهذه جريمة سوف يسألنا الله تعالى يوم القيامة عنها، ولهذا قلت: هذا واجب كل فرد وكل إنسان منا في بيته، وإدارته، وفي كل مكان، أن يسعى إلى تحريك وإيقاظ الأمة لدينها وإيمانها بأن يوضح لهم خطر هذه المرحلة التي سوف نعيشها في ظل الوفاق الدولي.
الجواب: أولاً: المفتون يتكلمون بصفتهم الرسمية السياسية، ولو تكلم بغير ذلك لأقيل من منصبه، وقد نعذره بأن هذا أقصى ما يستطيع أن يقوم به.
ثانياً: نحن لا ننكر أننا يمكن أن نستفيد من أي وضع، حتى في أمريكا، حتى داخل الأرض المحتلة، يمكن أن نستفيد من أي وضع جديد أو قديم.
لكن هل نحن أهل لأن نستفيد؟ هل المسلمون في الاتحاد السوفيتي في حالة تأهلهم للإفادة؟ أم أن الإسلام الذي يفرحون به هو أنهم أذنوا واجتمعوا لصلاة الجمعة؟ وقد تكون الخطبة نسخة مكتوبة للجميع، وقد تحيا بعض الطرق الصوفية، وقد تكون بعض الاحتفالات عيد المولد وعيد النصف من شعبان كما سمعنا، فهذا فهمهم.
ونحن نقول: المسلمون خارج الاتحاد السوفيتي أما الذين هم مضطهدون كما في بعض الدول، فهذا لا يملك لنفسه حولاً ولا طولاً حتى ينفعهم، لكن في الدول التي يمكن أن تنفع -فهل خططنا لذلك؟ هل تهيأنا؟ هل استعددنا لذلك؟
الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، هي الجهة الوحيدة التي لا يحوم حولها شك ولا غبار في القيام بواجب الدعوة إلى الله في الخارج، كم عندها من الدعاة؟ كم تتوقعوا؟ هل هم آلاف؟ لا أبداً، يمكن (400) أو (500) أو اجعلوهم (2.000) فهل سيغيرون أمريكا وأوروبا وروسيا وغيرها؟!
ماذا يمكن أن نعمل، نحن على مستوى بلدنا هذا، بلد الإسلام والخير والدعوة -والحمد لله- والعلم وكل شيء، بعض الأحياء وبعض المدن لا تجد فيها داعية، فكيف تتوقع أن يكون حال غيرها من بلاد الفساد.
أقول: كيف إذاً، وبأي شيء سنمد المسلمين في الاتحاد السوفيتي وغيرها؟ فإلى الله المشتكى، والله المستعان.
الجواب: لا تقل: حائر، لا يوجد حيرة، وإن كانت الظلمات تحير! إن فلسطين بلد احتلوه وأخذوه بالقوة، وإنني أحياناً والله أضحك عندما أسمع في الأخبار الاعتراض على ضم القدس إلى إسرائيل، وأنا لا أفهم ما معنى هذا الشيء.
نحن لو أخذنا شيئاً بالقوة هل سوف يعترض علينا أحد ويقول: لماذا تضمونها؟ إذاً لماذا قاتلنا؟ ولماذا جاهدنا؟ نحن لا نريد أن نرجع إلى شعار الزعماء الذين باعوا الأرض، ويقولون: ما يؤخذ بالقوة فلن يسترد إلا بالقوة، لكن الكلمة هي كلمة حق، وإن قالها الخونة، فعلاً ما أخذ بالقوة فلن يرجع إلا بالقوة، وإذا هجم عليك عدوك وأخذ منك أي شيء فلا تقل: كيف تعتبرها من أملاكك؟! وهل يعتبرها من أملاكك أنت؟! سبحان الله! هذا هو الشيء البديهي والطبيعي.
الجواب: طبعاً علماء ومهندسون وأطباء، حتى العجائز فهن عجائز من نوع آخر، فها هي جولدا مائير تلك العجوز الروسية كيف فتكت بزعماء الثوريين العسكريين، كلهم قاومتهم هذه العجوز.
الجواب: بهذه المناسبة أقول: إن المشكلة الآن ليست مشكلة أرض، وهذه قضية مهمة جداً، شعار إسرائيل من الفرات إلى النيل الآن لم يعد له معنى بالمعنى الحرفي، فهي لا تريد أرضاً تحكمها، بل هي الآن مستعدة أن تتنازل حتى عن أجزاء من الضفة الغربية، فالقضية ليست قضية أرض، لأنه كما أشرنا في ظل الاتصالات العالمية القوية والتشابك الإعلامي الدولي، القضية ليست قضية أرض، بل القضية قضية من يملك المال والإعلام والتأثير.
إسرائيل تملك القنبلة الذرية والأقمار الصناعية، وهي تنازلت لـمصر عن القناة وما حولها مقابل أن تدخل مصر معها ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، فطوت مصر كلها تحت لوائها مقابل هذه الرقعة البسيطة من الأرض، فليست الأرض مشكلة عندها، فهي مستعدة لو اطمأنت أن تترك حتى الضفة الغربية، وتعمل فيها دويلة فلسطينية علمانية مقابل أن تسيطر على المنطقة ثقافياً وتجارياً واجتماعياً بكل أشكال التأثير، والآن العالم كله لا يفكر في مسألة الأرض بقدر ما يفكر في مسألة القوة والانتشار والنفوذ، فهذا هو الذي تسعى إليه إسرائيل وسيتحقق بالهجرة الروسية وبغيرها.
فهي ضربت تونس والمفاعل في بغداد، وهددت بضرب المفاعل النووي في باكستان، ماذا تريد أكبر من هذا؟ مهما صغرت أرضها فإنها تضرب في أي مكان على مسافة (5000) ميل شرقاً أو غرباً، ولا يهمها الأرض بل يكفيها ذلك، والقضية الآن أن العالم كله يفكر كيف يسيطر إعلامياً وثقافياً واقتصادياً.
الجواب: أهم شيء هو العلم بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتهاج منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والتعاون الواعي بالواقع ودراسته دراسة عقلية دون العواطف، انهزمت الشيوعية، وأمريكا سوف تنهار، وليس على الله بعزيز أن تنهار في (24) ساعة، لكننا نخادع أنفسنا عندما نقول: إن أمريكا سوف تنهار بالإيدز أو بالجريمة، نعم هي عوامل مدمرة، لكن فيها من عوامل البقاء ما يجعل حربنا معها حرباً ضروساً.
فلا نخادع أنفسنا بل ندرس الواقع دراسة عقلية بعيدة عن العواطف.
الجواب: هذه الوحدة لعبة من لعب الشيوعية، فـالشيوعية مدت يدها للوحدة مع أوروبا الغربية ، فكيف نستغرب أن أذناب الماركسيين في أي مكان يمدون أيديهم للوحدة مع أي دولة، فهذه لعبة ماركسية شيوعية يريدون بها بالذات في العالم الإسلامي القضاء على التوجهات الإسلامية التي بدأت تثمر في كل مكان.
واليمن وهو ذخر وكنز للإسلام -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كما جاء في الحديث، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن الله أوحى إلي أن أستقبل الشام وأستدبر اليمن} وقال: {قد جعلت لك ما أمامك غنيمة وما وراءك ذخراً} أو كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فالغنيمة هي بلاد الشام، بلاد المعارك، وستظل المعارك فيها مع الروم، والمنطقة التي تمد الإسلام بالرجال وبالعلم -إن شاء الله- هي هذه المنطقة وهي اليمن عموماً، ولا نعني بذلك اليمن السياسي بل اليمن الجغرافي، فالكثافة السكانية فيها موجودة، والفطرة أيضاً موجودة، فأكبر تجمع بشري في جزيرة العرب هو في هذه المنطقة، فهي -بإذن الله- كما أمدت المسلمين في الحروب مع الفرس والروم سوف تمدهم -أيضاً- في أي وقت، وقد انتشرت فيها الدعوة الإسلامية السُنية، لكن لأن ميزته أنه شعب قبلي أصيل انتشرت فيه بشكل أكثر -والحمد لله- ومن هنا يأتي الماركسيون وأذنابهم ليقضوا على هذه العودة، وعلى هذا التوجه، والله من ورائهم محيط، ونسأل الله أن ينصر إخواننا المسلمين هناك وفي كل مكان.
الجواب: هذه الأسماء أسماء براقة لتفجير الإسلام والقيم والمعايير الثابتة، واللغة هي وعاء الرسالة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4] ونحن لا نعرف القرآن والسنة إلا باللغة، والقرآن ما هو إلا كلام رب العالمين، والسنة ما هي إلا كلام رسول رب العالمين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فجروا اللغة تفجر كل شيء، ولم يعد لنا شيء، لكنهم عرفوا كيف يحتالون علينا، لما سموها حداثة تنكر لهم الناس بعد أن عرفوا خطر الحداثة فبدءوا يغيرون العناوين، فقالوا: تجديد وتفجير وتجريد وتطوير... أي اسم، وكلما فقهنا اسماً غيروه، واللعبة على ما هي عليه، والاسم فقط يتغير.
الجواب: كيف نهاجر إلى فلسطين؟! ومن الذي سيعطينا جوازات للسفر؟!
لكن نقول: نحن يجب أن نهاجر إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن المشكلة أننا حاربنا الله، وأننا قطعنا العلاقة والصلة معه، فقطع الله عنا حبل نصره، وأوكلنا إلى هؤلاء المجرمين، فلنهاجر إلى الله كما قال تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50] ولو فررنا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهاجرنا إليه، وهجرنا معاصيه، وكل دواعي الشر والفساد والشهوات، وتجردنا له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لحقق الله لنا كل خير.
وبهذه المناسبة بعض الصحف مثل جريدة المحرر ذكرت نكتة عدة مرات، تقول: العرب عندهم هجرة، لكنها ليست كالتي إلى إسرائيل، فـإسرائيل تهاجر إليها العقول والطاقات من الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، والمسلمون تهاجر إليهم البوذيات والنصرانيات، أي الخادمات والطباخات والمربيات والماشطات... إلى آخره، وفي بعض الإحصائيات وقد لا تصدقون -أظن ذلك في عام (1403هـ) إن لم تخني الذاكرة- كان عدد الخادمات اللاتي استقدمنَ للمملكة (300.000) خادمة، معنى ذلك أنهم الآن يقاربون الـ (1.000.000) وفي بعض البيوت فيها خمس أو ست، هذه خادمة، والأخرى خياطة، وتلك طباخة... إلى آخره، فماذا سيربون؟!
الجواب: يجب أن نعلم أن كل شيء يسبقه خطوات، أي أن الجهاد المنظم قبله أشياء، ومع ذلك فإن الجهاد المنظم موجود الآن في فلسطين، فالموجود في فلسطين الآن نوعان من الجهاد:
الجهاد الذي يستخدم الرصاص والمقاومة، وقد تفجر أول ما تفجر في غزة، بل من الجامعة الإسلامية ومن دعاة على منهج السنة، أو من المنتمين إلى جماعة الجهاد في مصر، والمقصود أن أول ما تفجر هناك، وهذا هو القائم هناك.
والنوع الآخر: هو جهاد الحجارة وهو الأكثر وجوداً في الضفة الغربية، وهم الذين لا يستخدمون الرصاص، وإنما يستخدمون الحجارة فقط.
فهذا وهذا كلٌ له دوره، فنحن نقول: الجهاد موجود، من يمده؟ ومن يساعده؟ هذه مشكلة مليار مسلم! وما استطعنا أن نوجد قناة لإيصال المال، ونحن مطمئنون إلى إخواننا المجاهدين هناك، وأنا سألت: كيف نوصل لهم؟ بعض الناس أحرجونا يقول: عندي (1000) أو (2000) ريال على قدر الحال، فقلت: اسأل، فسألت فقالوا: إن دخل شيء أو وصل شيء فإنه يحول عن طريق أمريكا أو دول أوروبية، ألف مليون لا يوجد عندنا وسيلة لنعطيهم شيئاً، وكل يوم عندهم إضرابات واضطرابات وتدمير، من أين يأتيهم المال؟ ومن أين يأكلون؟ ومن أين يشربون؟ فضلاً عن أن نقول: من أين يجاهدون؟ فهم تفتك بهم الأمراض، فمن يعالجهم؟ والله المستعان، فقبل هذه الخطوة نحتاج إلى خطوات.
الجواب: أقول: أين الإعلام الإسلامي؟ ثم بعد ذلك نقول: ما دورهم؟
الجواب: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر أنهم مختلفون، والخلاف بين اليهود والنصارى قديم، وما جمعهم علينا إلا فرقتنا نحن وتفرقنا وذلنا، والعداوة قائمة بينهم فإن هؤلاء القوميين الروس لما فتح لهم المجال قليلاً بـالديمقراطية يريدون إعادة بلدهم، وأخذتهم الغيرة على أمتهم وعلى بلادهم أن يسيطر عليها اليهود الذين أكثرهم من أوروبا، بينما الروس كثير منهم وكثير من متكلميهم من الجزء الأسيوي، أي: من الاتحاد السوفيتي -كما يسمى- فلا غرابة أن تكون هناك دعوة كما في أمريكا، فإن فيها يهوداً يعدون بالملايين يمكن (3.000.000) تقريباً، يقفون ضد الأكثرية اليهودية الموالية لـإسرائيل، لكن ليس هناك من يستثمر هذا الخلاف أصلاً، ولهذا هم متفقون علينا مهما اختلفوا، لأنه ليس هناك من يستثمر هذا الخلاف.
الجواب: في بعض المناطق يوجد شيعة، وذلك في المناطق القريبة من إيران كـأذربيجان، وإن كانت في الأصل سنة، فـأذربيجان فتحت في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه، ولكن في أيام الصفويين -الحكومة الشيعية التي كانت في إيران- أبيدوا إبادة تامة تقريباً، وأصبحت منطقة شيعية أو شبه شيعية، أما تركستان والمناطق الإسلامية الكبرى فكلهم -والحمد لله- من السنة.
الجواب: هذا جزء من واقعنا الذي نسأل الله أن يغيره إلى خير منه، وإذا أوجدنا الأسرة المسلمة فهي النواة للمجتمع المسلم ثم للدولة المسلمة -بإذن الله- أما إذا فتحنا سيل الشهوات والشبهات، وظللنا نتلهف ونتحسر، والشباب يغرق في هذه الرذائل، ووسائل الإعلام تدفعه إليها، والإباحية الإعلامية تدفعه إليها، فلن نتقدم خطوة واحدة، ففي الحقيقة أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة.
الجواب: نعم! لمعرفتهم بخطرها، ولكن لعل هذا من حسنات هذا التغيير على ما فيه من مساوئ.
فالوضع الدولي يقتضي تغيير بعض الواجهات في العالم الإسلامي، ولا أتوقع أن التغيير يكون إلى الأفضل، لكن مما ذاقت الأمة الإسلامية من بعض المجرمين الذين تسلطوا عليها بباطنيتهم وشيوعيتهم وإلحادهم أكثر من عشرين سنة، لعل في الخلاص منهم فرجاً -إن شاء الله- ولعله يكون قريباً، ولعل ذهابهم فرصة ألا تجتمع الأمة بعد ذلك على ضلالة -بإذن الله- بل سيكون فيها من يدعو إلى الخير ومن ينصره الله، ويكون فيها من سيتلاءم مع الوضع الجديد الذي يريده الوفاق الدولي.
لكن فيما يبدو لي -والعلم عند الله- أن الوفاق الدولي غير راضٍ على بقاء هذه الأوضاع كما هي، ولا سيما بعض القيادات التي استهلكت واستنفدت كل الشعارات، وكان المؤمل أن تتراجع هي كما تراجعت أوروبا الشرقية، ولكنهم لا يريدون أن يتراجعوا عن شيء، بل ما يزالون يسكرون أحلام الناس بالإنجازات الثورية الضخمة الهائلة، وهي إنجازات معروفة للجميع لا تخفى على أحد...!
هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل أعمالنا جميعاً خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفعنا جميعاً بما نسمع ونقول.
وأسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر