أما بعد:
اتقوا الله ربكم وأطيعوه، وراقبوه ولا تعصوه، فاتقوه جل وعلا حق التقوى، فليس بغير التقوى حبل يقوى، ولا أمل يبقى، نحمد الله عز وجل على ما منّ به علينا بالأمس من إنزال المطر، ومنح البركات، فنسأله سبحانه أن يجعله صيباً نافعاً.
عباد الله! إن الإسلام دين كامل وشرع شامل، إن الإسلام دين يبني أمةً ذات رسالة لتبقى قائدةً رائدة، وإن ديناً هذا شأنه لا يدع مجالاً في السلوك العام أو السلوك الخاص إلا وجاء فيه بأمر السداد، ومن هنا فلا عجب أن تدخل توجيهات الإسلام وأحكامه في تنظيم المجتمع، في دقيقه وجليله، في أفراده ومجموعه، في شأنه كله.
ولا تزال مدونات أهل الإسلام في الفقه والأخلاق مشحونةً بالحكم والأحكام في فكر أصيل ونظر عميق، واستبحار في فهم الحياة، وشؤون الإنسان وسياسة المجتمع.
وإن مما يظهر فيه شمول هذا الدين وجلاء حكمه وأحكامه، ما أوضحه القرآن وجاءت به السنة من أحكام المراكب من سيارات متنوعة، ومن آداب الطريق ومجالس الأسواق، وحقوق المارة، وأدب المشي، قال الله عز وجل: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، وقال: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55]، وقال: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا * وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء:36-38].
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) خرجاه في الصحيحين.
وروى الترمذي والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة) حسنه الألباني.
فأين هذا الهدي من حال بعض الناس اليوم؟ يطرقون في مشيتهم، وخصوصاً في مراكبهم من سيارات ودراجات، ويتصفون بصفات الشيطان، يتصفون بالسرعة والعجلة والطيش، بدلاً من الاتصاف بصفة عباد الرحمن وهي الرفق واللين، فكم سفكت الدماء، وترملت النساء، وتيتم الأطفال، وحصلت الكسور والجروح والعاهات، وأتلفت الأموال، وما كان ذلك إلا بسبب مخالفة قواعد السلامة وأنظمة المرور، ليتذكر أولئك قوله سبحانه وتعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، وليتذكر قوله عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا).
وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مرّ بشيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه، أن يصيب أحداً من المسلمين بشيء) خرجاه في الصحيحين، فكيف بمن يمر بسيارته في طرق المسلمين وهو يسرع فيها، أو يحرفها يمنةً أو يسرة، أو يزعج الناس بمنبهاتها وإطاراتها؟ فهذا ممن لا يرحم عند الله، ولا عند خلقه، ليعلم أنه من أعظم الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، (وإياك ودعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
من أعظم الظلم: إصابة المسلمين في أبدانهم وأموالهم بهذه المراكب، ولتعلم -قائد المركبة- أن من ركب معك قد ائتمنك على نفسه وماله، والله عز وجل يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، ومقتضى الأمانة: أن تحافظ على هذا الذي ركب معك، أن تحافظ على ماله، فلا تسرع ولا تتعدى.
ومما ينبغي أن ينبه له أيضاً: أن بعض الناس يتشاغل عن القيادة بأمور أخرى خارجية، كاستخدام الهاتف النقال أو حمل الأطفال، أو نحو ذلك مما يكون سبباً للوقوع في الحادث.
إن مراعاة هذه القواعد التي وضعت من أجل مصلحة الجميع أمر واجب، وسبب للخروج من العهدة أمام الله عز وجل وأمام خلقه، وسواء كان ذلك في المراكب الصغيرة أو الكبيرة، أو الدراجات الهوائية أو النارية.
وحينما طلب أبو برزة رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه شيئاً ينتفع به، قال: (اعزل الأذى عن طريق المسلمين).
وفي صحيح مسلم أيضاً: (بينما رجل يمشي في طريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله عز وجل له فغفر له).
فإذا كان هذا الثواب العظيم لمن يكف الأذى، فكيف تكون العقوبة لمن يتعمد إيذاء الناس في طرقاتهم ومجالسهم بجلب المستقذرات، وترك المخلفات، ونشر الأذى في منتزهاتهم وأماكن استظلالهم.
روى الطبراني من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم). وقال الهيثمي : حديث حسن.
وفي حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟! قال: الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم).
وفي الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).
وإفشاء السلام يكون للصغير والكبير، ولمن تعرف ومن لا تعرف، وليس السلام للمعرفة فقط.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا عليم يا حكيم. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله! إن من الناس من يتخذون من الطرق وأماكن البيع والمحلات مقاعد ليتتبعوا العورات، وينظروا إلى ما يحرم عليهم من نساء المسلمين، وقد يحاولون التعرض لهن، وهذا كله محرم ولا يجوز، فليتق الله أولئك، وليتوقعوا عقوبة الله عز وجل عليهم، إنهم يتناولون السابلة غمزاً بالأبصار، وطعناً باللسان، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ [القلم:11-14].
إنه لا يحل لهؤلاء أن يجعلوا أماكنهم وأماكن بيعهم أوكاراً تمتد منها النظرات المحرمة، وطريقاً إلى الرذيلة، وقد جاء في صفة قوم لوط في قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت:29].
قال المفسرون: كانوا يخذفون أهل الطريق أي: يرمونهم بالحجارة، ويسخرون منهم، فذاك المنكر الذي كانوا يأتون.
وعفوا تعف نساءكم.
وقد جاء في الترمذي وصححه واللفظ له، ورواه أبو داود وغيره عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال -يعني إذا خرج من بيته-: باسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله يقال له: كفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان).
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا، وأصدقاءنا يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم انصر المسلمين عليهم في كل مكان.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، اللهم وارض عن صحابته أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية صحابة نبيك أجمعين.
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم ول على المسلمين خيارهم، واكفهم شر شرارهم، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم فك أسرى المأسورين، اللهم ردهم إلى بلادهم سالمين غانمين، اللهم واشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارةً لسيئاتهم، ورفعةً لدرجاتهم يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر