وتوقفنا على ما يتعلق بوقت زكاة الفطر، وذكرنا أن زكاة الفطر لها خمسة أوقات:
الوقت الأول: وقت الوجوب، وذكرنا أن أهل العلم اختلفوا في ذلك، فجماهير العلماء: أن وقت وجوب زكاة الفطر يكون بغروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان، وعند أبي حنيفة أن وقت الوجوب يكون بطلوع الفجر من يوم الفطر، وذكرنا ما يترتب على ذلك.
وكذلك أيضاً ذكرنا الوقت الثاني: وهو وقت الاستحباب، وأن السنة أن تخرج زكاة الفطر صبح يوم العيد قبل الصلاة، وذكرنا أيضاً قول المؤلف: (ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد) وأن الفقهاء رحمهم الله قالوا: يكره، فالوقت الثالث: وقت الكراهية في يوم العيد، ويحرم بعد غروب الشمس من يوم العيد، ويجوز قبل العيد بيوم أو يومين،هذه خمسة أوقات.
وقلنا: الصواب أنه لا يجوز تأخيرها بعد الصلاة، كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ).
أي: على يوم العيد بيوم أو يومين، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، وأيضاً: قال به الإمام مالك أنه يجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين.
والرأي الثاني: قال به الشافعية، وأيضاً الحنفية أنه يجوز تقديمها من أول الشهر، والأقرب في ذلك ما ذهب إليه الحنابلة، وقال به: الإمام مالك أنها تقدم قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن هذا فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، قال نافع رحمه الله: كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى إن كان يعطي عن بني، وكان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، وهذا في البخاري، فقوله: وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، هذا حكاية عن فعلهم رضي الله عنهم.
لا بأس أن تعطي شخصاً واحداً ما يلزم جماعة، فإذا كان هناك جماعة ثلاثة، عليهم ثلاثة أصواع، فلا بأس أن تعطي هذه الأصواع لواحد، لو كان هناك أهل بيت عشرة، يلزمهم عشرة أصواع، لا بأس أن تعطي هذه الأصواع لواحد، والعكس بالعكس، لا بأس أن تعطي الصاع الواحد واثنين، فمثلاً: إنسانٌ تجب عليه زكاة الفطر، وزكاة الفطر مقدارها صاع، فلا بأس أن يعطيها اثنين، أو أن يعطيها ثلاثة، أو أن يعطيها أربعة، يعطي كل واحدٍ مداً، نقول: بأن هذا لا بأس به إن شاء الله، والدليل على هذا أن الشارع قدر الفطرة، ولم يقدر المعطى، قدر الواجب، ولم يقدر من يعطى هذا الواجب، الواجب صاع سواء أعطيته واحداً، أو أعطيته أكثر من واحد، هذا جائز.
كذلك أيضاً: لو أن جماعة أعطوا فطرهم لشخص واحد، فإن هذا أيضاً لا بأس به، لكن قال العلماء رحمهم الله: إذا أعطى الفقير دون الصاع فليخبره بذلك؛ لأنه قد يخرج هذه الفطرة عن نفسه على أنها صاع، وليست صاعاً، فمثلاً: لو أعطى فقيراً ثلثي صاع، أو أعطاه ثلاثة أرباع الصاع، لم يعطه صاعاً كاملاً، فإنه يخبره بذلك؛ لأنه كما سلف قد يخرجها هذا الفقير عن نفسه على أنها صاع وليست صاعا.
لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها إذا أمكن ].
وقت الوجوب كما تقدم إذا حال الحول، فإذا حال الحول يجب على الإنسان أن يخرج الزكاة، والدليل على هذا قول الله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] هذا أمر، والأصل في أوامر الشارع أنها على الفور، هذا الأصل، يدل لهذا حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما أمر الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن يحلوا من إحرامهم، وأن يحلقوا، تباطئوا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً في حديث عائشة لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي من الصحابة أن يحل، وأن يقلب حجه إلى عمرة، فتباطأ الصحابة في ذلك، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الأصل في أوامر الشارع أنها على الفور.
قال: (لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها إذا أمكن إخراجها)، وذكرنا الدليل على ذلك، وأيضاً لأن حاجة الفقير حاضرة، فلا يجوز تأخير الإخراج، إلا أنه يستثنى من ذلك مسائل يجوز فيها تأخير الإخراج:
الأولى: الضرر، إذا خشي الإنسان على نفسه ضرراً فلا بأس أن يؤخر إخراجها، كما لو خشي أن يهجم عليه سراق لصوص، أو غير ذلك، فأخر إخراجها فإن هذا لا بأس به، لو أخرجها علم اللصوص أن لديه مالاً فهجموا عليه، فنقول: في هذه الحالة لا بأس أن يؤخر الإخراج.
الثانية: إذا لم يتمكن من الإخراج؛ لكون المال ليس عنده، كما لو كان المال ديناً، أو كان غائباً ونحو ذلك، فهذا لا يجب عليه الإخراج حتى يتمكن منه، حتى يعود المال الغائب، ويعود الدين.
الثالثة: إذا كان في التأخير مصلحة، فإذا كان في تأخير إخراج الزكاة مصلحة للفقير، فإن هذا لا بأس به، كما لو أخر إخراجها لزمن حاجة، أو لأشد حاجة، أو لقريب، أو لطالب علم ونحو ذلك، فإن هذا لا بأس به؛ لكن قال العلماء رحمهم الله: إذا أخرها لقريب، أو لشديد الحاجة، أو لجار ونحو ذلك، فإنه يفرزها عن ماله، يخرجها عن ماله، ويبين أنها صدقة.
يعني: إذا أخر إخراجها بلا عذر، كأن احترق مثلاً وجبت عليه الزكاة في رمضان مثلاً، وأخر إخراجها حتى تلفت، ثم احترق الدكان، أو سرقت الأموال، ونحو ذلك، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: (لم تسقط عنه الزكاة)؛ لأنه فرط بترك الواجب عليه، الواجب أن يبادر بالإخراج، فما دام أنه فرط في ترك المبادرة، فإنه يضمن، اللهم إلا إذا كان التأخير في إحدى المسائل التي بين أنها تستثنى، إذا كان هناك مصلحة، إذا كان هناك ضرر، إذا كان المال غائباً، فأخر الإخراج، فهنا نقول: لا شيء عليه إذا تلف المال، أما إذا أخرها لغير هذه المسائل، ثم تلف المال، فإن الزكاة لا تسقط عنه؛ لأنه فرط في ترك الواجب عليه.
قال المؤلف رحمه الله: [ وإن تلفت قبله سقطت ].
يعني: إذا تلفت الزكاة قبل أن يؤخرها، يعني: قبل التأخير، فيقول المؤلف رحمه الله: (سقطت)؛ لأنه لم يفرط بالتأخير.
يقول المؤلف رحمه الله: إذا اكتمل النصاب لا بأس أن تعجلها لعامين أو عام، فمثلاً: إنسان تجب عليه الزكاة في رمضان، الحول يحول عليه في شهر رمضان، فعجل الإخراج، هو الآن في شهر ربيع الأول، والزكاة لا تجب إلا في رمضان، فقال: أريد أن أعجل الزكاة؛ لأن هناك رجلاًمحتاجاً، أو إنساناً يريد أن يتزوج، أو مريضاً ونحو ذلك، فعجل زكاة ماله فنقول: لا بأس أن تعجل زكاة المال لعام أو عامين.
مثلاً: رمضان في عام 1424هـ لا بأس أن تعجل زكاته في ربيع في السنة، زكاة 1425هـ لا بأس أن تعجلها لعامين، فقال: أنا أخرج زكاة 1424هـ في ربيع، وأيضاً أنا أخرج زكاة 1425هـ في ربيع، كل هذه الزكوات أجمعها وأعطيها هذا الفقير الذي يريد الزواج مثلاً فنقول: لا بأس، تعجل زكاة عام 1425هـ وتعجل زكاة عام 1424هـ، وتدفعها في هذا الشهر، فتعجل زكاة 1425هـ لعامين، وعام 1424هـ مرة واحدة، هذا جائز، ولا بأس به.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ( ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك ).
والدليل على ذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من
عند الحنفية: يجوز تعجيل الزكاة لما شاء الإنسان من السنين، لا يقيدونه بعامين، فعام 1430هـ يجوز أن تعجل زكاته، مثلاً: لو كان الإنسان تجب عليه الزكاة في رمضان، عام 1430هـ يجوز تعجل زكاته عن ثلاثين، وتسعة وعشرين، وثمان، وسبع، وست، وخمس، وأربع، كل هذه سبع سنوات تعجلها في هذه السنة، هذا رأي الحنفية رحمهم الله، والمالكية: كرهوا التعجيل، والأقرب في ذلك ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يجوز قبل ذلك ].
يعني: لا يجوز أن تعجل الزكاة قبل اكتمال النصاب، تقدم أن نصاب الفضة يساوي بالغرامات خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً، إنسان لم يكتمل عنده هذا المبلغ، لم يملك هذا النصاب، فإنه لا يعجل، لو كان عنده خمسمائة غرام وأراد التعجيل نقول: لا تعجل، لا يجوز التعجيل حتى يكمل النصاب.
اعتباراً بحال الإخراج، هذا رجل عجل الزكاة إلى غني، وهذا الغني عجل الزكاة في ربيع، هذا الغني افتقر، أصبح عند وجوب الزكاة فقيراً، يقول المؤلف رحمه الله: لا يجزئه هذا التعجيل حتى وإن كان فقيراً عند وقت الوجوب، لماذا؟ لأن المعتبر هو حال الإخراج، وفي حال الإخراج هذا الرجل لا يستحق الزكاة.
إذا دفعها إلى مستحقها، دفعها إلى فقير في ربيع عجلها، ثم مات هذا الفقير، نقول: تجزئ، ما نقول: يجب عليك أن تخرج مرة ثانية إذا حال الحول، دفعها إلى فقير في ربيع، ثم اغتنى هذا الفقير وأصبح غنياً ليس نقول: لا يجب عليك أن تخرج مرة ثانية، دفعها إلى مسلم فقير ثم ارتد، فأصبح وقت الوجوب في رمضان هو كافر، نقول: صحيح لا يجب عليه أن يخرج مرة أخرى؛ لأن المعتبر هو حال الإخراج، وحال الإخراج أدى ما عليه، والقاعدة (أن المأذون غير مضمون)، وهذا الرجل قد أذن له بالإخراج، فعل ما أمر به، فلو أن الآخذ لم يكن من أهلها تغيرت حاله بأن اغتنى أو ارتد، أو مات، أو غير ذلك، فإنه لا شيء عليه تجزئ.
رجل عجل زكاته في شهر ربيع، والزكاة لا يحول عليها الحول إلا في رمضان، عنده ألف ريال، فأخرج زكاته، أعطى خمسة وعشرين ريالاً في ربيع، ثم إن هذا الألف تلف، وقت الوجوب لا يجب عليه، تلف هذا الألف في شعبان، جاء رمضان وما عنده شيء ما يجب عليه الزكاة، لو أنه ما عجل ما وجب عليه شيء؛ لأنه لا نصاب عنده، فهل يرجع على من أخذها؟ الآن أعطى الفقير خمسة وعشرين ريالاً، هل يرجع عليه أو لا يرجع عليه؟
يقول المؤلف رحمه الله: لا يرجع على من أخذها لفقر، أو مسكنة، أو غرم، أو نحو ذلك، كما سيأتي في أهل الزكاة.
نقل الزكاة على المذهب ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن ينقل الزكاة إلى دون مسافة قصر، مسافة القصر كما تقدم لنا تساوي ثمانية وأربعين ميلاً، وذكرنا كم تساوي بالكيلوات في باب صلاة أهل الأعذار، المهم إنسان نقل الزكاة إلى دون مسافة قصر، مسافة القصر تساوي بالأميال ثمانية وأربعين ميلاً، نقلها إلى عشرين ميل، إلى ثلاثين ميل، إلى أربعين ميل، هذا لا شيء عليه، تجزئ ولا يأثم.
القسم الثاني: أن ينقلها إلى ما تقصر فيه الصلاة، يعني: أن ينقلها إلى مسافة قصر فأكثر، يعني: ثمانية وأربعين فأكثر، قالوا: تجزئ ويأثم، يقولون: بأنها الزكاة تجزئ ويأثم، وعند الشافعية: لا يرون الإجزاء؛ لكن المذهب يقولون كحكم وضعي: تجزئ؛ لكن كحكم تكليفي يقولون: يأثم، ويستدلون على هذا بحديث ابن عباس : ( لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم
والرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: أنه يجوز نقل الزكاة للمصلحة، سواء فيما دون مسافة قصر، أو أكثر من مسافة قصر، فإذا كان هناك مجاعة في بلد من بلاد المسلمين، أو شدة حاجة، أو جهاد، أو غير ذلك، فإنه يجوز نقل الزكاة.
ويدل لهذا حديث قبيصة في صحيح مسلم ، وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( أقم عندنا يا
وثانياً: أن التفريق عبادة، يؤجر عليها الإنسان.
وثالثاً: لكي يطمئن الإنسان أن هذه الزكاة وقعت في موقعها وأخذها مستحقها.
فالأولى بالإنسان أن يفرقها بنفسه، إلا إذا كان الإنسان لا يعرف المستحقين، ولا يميز، فإنه يعطيها من يثق به.
الحالة الأولى: أن يمنع الإخراج جحداً لوجوبها، فهذا إذا منعها جحداً لوجوبها فإنه يكفر؛ لأنه مكذب لله، ولرسوله، ولإجماع المسلمين، الله عز وجل أوجبها في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم أوجبها في سنته، والمسلمون مجمعون على فرضيته.
الحالة الثانية: أن يمنع الإخراج ليس جحداً لوجوبها، وإنما بخلاً وتهاوناً، فنقول: بأنه لا يكفر، عند جماهير أهل العلم، جمهور أهل العلم رحمهم الله يرون أنه لا يكفر، ويدل لذلك حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة كلما بردت ردت عليه حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار )، ولو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة.
نقول: أولاً: لا يكفر.
ثانياً: يعزره الإمام بما يراه، بما يردعه ويزجره.
ثالثاً: تؤخذ منه.
رابعاً: هل يؤخذ منه شطر ماله أو لا؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم، فقال بعض العلماء: تؤخذ الزكاة، ويؤخذ أيضاً شطر المال الذي منع زكاته. مثلاً: لو أن إنساناً عنده مليون ريال، وأربعون شاة، المليون الريال أدى زكاتها، والأربعون الشاة منع الزكاة، فنأخذ منه شاة؛ لأن في الأربعين شاة، وهل نأخذ شطر المال الذي منع زكاته أو لا؟
قال بعض العلماء: يؤخذ منه الشاة، ونأخذ نصف المال، نصف الأربعين التي منع زكاتها؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: ( فإنا آخذوها، وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ).
وقال بعض العلماء: لا يؤخذ إلا الزكاة فقط، وهو المشهور من المذهب، ودليل ذلك قالوا: إن الأصل في مال المسلم الحرمة: ( كل المسلم على المسلم حرام ماله، ودمه، وعرضه )، وهذا الحديث في إسناده نظر.
وعلى كل الكلام على ثبوت الحديث، فإن ثبت الحديث، فإنه يؤخذ شطر ماله، وإن لم يثبت فالأصل حرمة مال المسلم.
يعني: أهل الزكاة، هكذا عبر المؤلف رحمه الله، وبعض العلماء عبر بقوله: باب أهل الزكاة.
قال المؤلف رحمه الله: [وهم ثمانية].
وهذا على سبيل الحصر؛ لأن الله عز وجل حصرهم في هؤلاء الثمانية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60].
وقول المؤلف رحمه الله: (وهم ثمانية) يدل على أن الزكاة لا تصرف إلا في هؤلاء الثمانية فقط، وأنها لا تصرف في ما عدا هؤلاء الثمانية، كبناء المساجد، والمدارس، وتعبيد الطرق، وحفر الآبار، وغير ذلك، وهذا سيأتينا إن شاء الله عند قوله: [وفي سبيل الله]، ما المراد بسبيل الله، هل هو خاص بالجهاد أو أنه شامل؟ سيأتي بيانه إن شاء الله.
الأول: الفقراء، والفقر في اللغة: الخلو، وأما في الاصطلاح: فهو الذي لا يجد شيئاً، أو يجد دون نصف الكفاية له ولمن يمونه.
مثال ذلك: إنسان كفايته في الشهر ألف ريال له ولعائلته، يحتاج في كل شهر ألف ريال، كفايته في السنة تساوي اثني عشر ألف ريال، مرتبه أربعمائة ريال، وأربعمائة ريال في السنة تكون أربعة آلاف وثمانمائة، هذا الآن ما يجد نصف الكفاية، ما دام أنه ما يجد نصف الكفاية يسمى فقيرا.
إنسان كفايته هو وعائلته في كل شهر ألف ريال، في السنة يساوي اثني عشر ألف ريال، ما عنده عمل أبداً، هذا يسمى فقيراً، فالذي لا يجد شيئاً أو يجد أقل من النصف نسميه فقيراً.
كيف نعطي الفقير؟
نقول: الفقير هذا نعطيه كفايته، وكفاية من يمونه الذي ينفق عليه مدة عام كامل من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية، نعطيه ما يشتري الطعام، طعام الصباح، وطعام نصف النهار الغداء، والعشاء، يعطى ما يشتري الملابس له ولمن يمونه، نعطيه أيضاً أجرة البيت، نعطيه أجرة المركوب، نعطيه أيضاً ما يتعلق بالحوائج الأصلية، إذا كان يحتاج آلات، يحتاج ثلاجة، نعطيه ما يشتري ثلاجة، يحتاج غسالة، يحتاج آلة طبخ، مواعين، أواني، فرش، هذه كلها نعطيه، كل ما يتعلق بالحوائج الأصلية، والنفقات الشرعية، هذه كلها نعطيها هذا الفقير، لو كان الفقير طالب علم يحتاج إلى كتب يقرأ ويراجع فيها، نعطيه الكتب، فقير ما عنده شيء يتزوج به، يحتاج مهراً، نعطيه لكي يتزوج، هذا هو الفقير.
فأصبح عندنا الفقير الذي لا يجد شيئاً، أو يجد أقل من النصف، فهذا نعطيه كفايته، وكفاية من يمونه من النفقات الشرعية، والحوائج الأصلية، لمدة عام؛ لأن الزكاة تدور في كل عام، فإذا جاء العام الآخر يأخذ أيضاً كفايته، أو كفاية من يمونه، وفي هذا يظهر التكافل الاجتماعي في الإسلام، يعني: لو أن الزكاة تخرج إخراجاً صحيحاً، وتؤدى أداءً صحيحاً لا يبقى فقير في الإسلام.
المسكين: هو الذي يجد النصف أو أكثر من كفايته؛ لكن لا يجد تمام الكفاية.
مثال ذلك: رجل كفايته وكفاية من يمونه في السنة يساوي: اثني عشر ألف ريال، مرتبه خمسمائة ريال، المرتب في السنة ستة آلاف، يبقى عليه ستة آلاف، نعطيه ستة آلاف، هذا يسمى مسكيناً؛ لأنه لا يجد الكفاية الكاملة، يجد نصف الكفاية، فهذا مسكين نعطيه.
لو كان مرتبه في السنة يساوي ثمانية آلاف، وكفايته تساوي اثني عشر ألف هذا يسمى مسكيناً، فيبقى عليه أربعة آلاف ريال، نعطيه من الزكاة أربعة آلاف ريال، والمسكين كالفقير يأخذ تمام الكفاية من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية كما تقدم.
هذا الثالث: من أهل الزكاة، العاملون على الزكاة، وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذ الزكاة، وقال المؤلف رحمه الله: (ومن يحتاج إليه فيها) مثل: الكتاب الذين يقومون بكتابة الزكاة، والقسام: الذين يقومون بقسمها، ومن يكيلها، ومن يعدها، ومن يزنها، وكذلك أيضاً: كل من يحتاج إليه، فهؤلاء يعطون من الزكاة، وما هو قدر ما يأخذون؟
نقول: يأخذون قدر الأجرة، لا ننظر إلى كفايتهم، هم إذا كانوا فقراء يأخذون من باب الفقر؛ لكن في باب العمالة، يأخذون بقدر الأجرة؛ لأنهم يعطون لا لحاجتهم، وإنما للحاجة إليهم، ولهذا يصح أن يكون العامل عليها غنياً، حتى لو كان عنده ما عنده من أموال، يصح أن يكون غنياً، ويشترط في العامل عليها شروط:
الشرط الأول: أن يكون مسلماً؛ لأنها ولاية، والله عز وجل قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقال: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141].
والثاني: التكليف، أن يكون بالغاً عاقلاً؛ لأن غير المكلف يحتاج من ينظر له فلا ينظر على غيره.
الثالث: أن لا يكون من أقارب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم بنو هاشم؛ لحديث الفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة لما أرادا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلهما عاملين في الزكاة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد، إنها أوساخ الناس ).
الرابع: أن يكون كافياً، يعني: عنده قوة وأمانة، أمانة وعنده أيضاً قوة على جبايتها وأخذها.
سهم المؤلفة هل هو باق أو ليس باقياً؟ هذا فيه رأيان لأهل العلم رحمهم الله:
الرأي الأول: مذهب الشافعي وأحمد رحمهم الله أن سهم المؤلفة باق، وأنه لا يزال الآن يخرج للمؤلفة، بدليل قول الله عز وجل: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60]، وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة، فأعطى أبا سفيان وصفوان بن أمية ، وعيينة بن حصن وكذلك أيضاً الأقرع بن حابس وغيرهم، أعطى النبي عليه الصلاة والسلام هؤلاء الصناديد.
والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ومالك أن سهم المؤلفة ليس باقياً؛ لأن أبا بكر وعمر لم يعطيا المؤلفة.
وأجيب عن هذا بأن أبا بكر وعمر لم يعطيا المؤلفة لعدم الحاجة إلى ذلك؛ لأن الإسلام قد انتشر، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
قال المؤلف: (وهم السادة المطاعون في عشائرهم)، اشترط المؤلف رحمه الله في المؤلف قلبه أن يكون سيداً مطاعاً في عشيرته، وعلى هذا إذا لم يكن سيداً ما يصح أن تعطيه على سبيل التأليف، والصواب أن هذا ليس شرطاً مطلقاً، قد نشترط السيادة، وقد لا نشترطها هذا الصواب، ولهذا المؤلفة قلوبهم يشمل عدة صور:
الصورة الأولى: يرجى بعطيتهم دفع شرهم عن المسلمين، هذا نشترط أن يكون سيداً؛ لأن غير السيد من أفراد الناس ما يكون له شر، لو أصابك منه شر قمعته؛ لكن السيد الذي وراءه أناس، هذا إذا خفت شره على المسلمين ما تستطيع أن تقمعه؛ لأنه ينتصر عليك بمن معه، فهذا لا بأس أن تعطيه من الزكاة لدفع شره، هنا نشترط أن يكون سيداً.
قال المؤلف رحمه الله: [ أو قوة إيمانهم ].
هذه الصورة الثانية: يعني: رجل دخل في الإسلام، وهو حتى الآن ضعيف الإسلام، هل نعطيه من الزكاة حتى يتقوى إيمانه أو نقول: بأننا لا نعطيه؟
يقول المؤلف رحمه الله: يعطى من الزكاة حتى يتقوى إيمانه؛ لكن اشترط المؤلف أن يكون سيداً، وعلى هذا لو كان عندنا شخص الآن أسلم وإيمانه ضعيف، فلا نعطيه من الزكاة حتى يتقوى إيمانه، إلا أن يكون سيداً، والصواب أنه لا يشترط في هذه الصورة أن يكون سيداً مطاعاً في عشيرته.
قال المؤلف رحمه الله: [أو دفعهم عن المسلمين].
هذه الصورة الثالثة: دفع عن المسلمين، إذا أعطيناه يحصل بعطيته دفع عن المسلمين، فنقول: نعطيه، وهنا نشترط أيضاً أن يكون سيداً؛ لأن أفراد الناس ما يدفع، الذي يدفع هو السيد الذي خلفه من خلفه.
قال المؤلف رحمه الله: [أو إعانتهم على أخذ الزكاة ممن يمتنعوا من دفعها ].
هذه الصورة الرابعة: يعني: يعين على أخذ الزكاة ممن منعها، وهنا أيضاً نشترط أن يكون سيداً.
الصورة الخامسة: إسلامه، يعني: هذا رجل كافر، وعرفنا من حاله أنه إذا أعطي من الزكاة أو من المال يسلم، القرائن تدل على أنه له رغبة في الإسلام، فهذا لا بأس أن نعطيه من الزكاة حتى يدخل في الإسلام، وهنا لا نشترط أن يكون سيداً.
الصورة السادسة والأخيرة: إسلام نظيره، فإذا أعطينا هذا الرجل أسلم نظيره، أيضاً: هذا لا يشترط أن يكون سيداً.
فأصبح عندنا من الصور ستاً، ثلاث يشترط فيها أن يكون سيداً، وهي التي تحتاج إلى قوة، ومنعة، وشوكة، وثلاث صور لا يحتاج أن يكون سيداً.
الرقاب دليله قول الله عز وجل: وَفِي الرِّقَابِ [البقرة:177]، والرقاب يشتمل على صور:
الصورة الأولى: المكاتب، والمكاتب هو الرقيق الذي اشترى نفسه من سيده على مال منجم، فهذا يعطى من الزكاة.
الصورة الثانية: أن نشتري من الزكاة أرقاء ونعتقهم.
الصورة الثالثة: فك الأسير المسلم، يعني: نفك المسلم من الزكاة.
الصورة الرابعة: موضع خلاف، وهو أن يعتق رقيقه عن الزكاة، يعني: عنده رقيق ويعتقه عن الزكاة، فهل يجزي أو لا يجزي؟ المذهب أنه لا يجزئ.
والرأي الثاني: اختيار القاضي من الحنابلة أنه يجزئ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر