الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم سوء الحفظ إذا كان لازماً فهو الشاذ على رأي، أو طارئاً فالمختلط، ومتى توبع سيئ الحفظ بمعتبر، وكذا المستور، والمرسل، والمدلس، صار حديثهم حسناً لا لذاته بل بالمجموع، ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره ].
ذكر الحافظ رحمه الله تعالى أن من أسباب رد الحديث: سوء الحفظ من قبل الراوي، وسوء الحفظ قسمه الحافظ رحمه الله تعالى إلى قسمين، وتقدم لنا أن من شروط الحديث الصحيح الضبط، وذكرنا أن الضبط ينقسم إلى قسمين: ضبط الصدر وضبط الكتاب، وسوء الحفظ هذا يخالف الضبط، وسوء الحفظ هذا ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (إن كان لازماً فهو الشاذ على رأي)، هذا القسم الأول: أن يكون ملازماً للراوي من أول حياته، أي: أن الراوي من أول حياته سيء الحفظ لا يضبط مروياته. فيقول المؤلف رحمه الله: رواية سيء الحفظ الملازم له من أول حياته على رأي بعض العلماء هو الشاذ. وعلى هذا فالشاذ على هذا الرأي: ما تفرد به سيء الحفظ.
وقد تقدم لنا تعريف الشاذ بأنه ما خالف الثقة من هو أوثق منه، أو ما تفرد به الثقة مع ترجح الخطأ. وهذا هو الصواب. لكن قال المؤلف هنا (على رأي)، فيكون أيضاً من تعريف الشاذ: (ما تفرد به سيء الحفظ) هذا على رأي، وتقدم لنا أن الشاذ هو ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه، أو ما تفرد به الثقة مع ترجح الخطأ.
القسم الثاني: ما عناه المؤلف بقوله (أو طارئاً) أن يكون طارئاً، فالمختلط بمعنى: أنه ضابط، لكن طرأ عليه سوء الحفظ فأصبح مختلطاً، إما لكبر، وأصبح يخلط في روايته، أو لذهاب بصره، أو لاحتراق كتبه، أو لغير ذلك، أو لمرض أصابه.. إلى آخره.
نقول بأن هذا ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: إن امتنع من الرواية بعد الاختلاط فإن روايته مقبولة. أي: لما اختلط ترك التحديث، فنقول بأن روايته مقبولة.
القسم الثاني: إذا تميز ما حدث به قبل الاختلاط مما حدث به بعد الاختلاط، فنقول بأن روايته مقبولة إذا كانت قبل الاختلاط، وما كان بعد الاختلاط فغير مقبولة، والحقيقة أن العلماء رحمهم الله تعالى وضعوا لذلك قواعد، فقالوا بالنسبة للمختلطين: فلان سمع منه قبل الاختلاط يؤخذ منه وبعد التاريخ الفلاني روايته غير صحيحة، وقبل التاريخ الفلاني روايته صحيحة، سماع البلد الفلاني صحيحة منه؛ لأنهم سمعوا منه قبل الاختلاط الكبار والأئمة.. إلى آخره، وسماعهم يكون قبل الاختلاط.
المهم أن العلماء رحمهم الله جعلوا لذلك قواعد وضوابط، ومن أحسن ما ألف في ذلك: (الكواكب النيرات) لـابن الكيال رحمه الله تعالى فيما يتعلق بالمختلطين.
وكذلك مما يعرف به حديث المختلط، فيعرف ما كان صحيحاً من حديثه وما لم يكن صحيحاً يعرف بالقرائن، كأن يعرض حديثه ويقارن بأحاديث غيره، فإذا لم يغير بالإسناد ولا المتن فنعرف أن هذا الحديث حدث به قبل الاختلاط.
القسم الثالث: إذا اشتبه الأمر فلا ندري هل هذا حدث به قبل الاختلاط أو لم يحدث به قبل الاختلاط؟ فنقول: يتوقف في ذلك، والأصل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحتياط.
إذا حصلت متابعات لهذا السيء الحفظ كأن تابعه راوٍ آخر، وكذلك المستور كما تقدم لنا تعريفه والمرسل والمدلس، يقول المؤلف رحمه الله إذا حصل لهم متابعات من طرق أخرى صار حديثهم حسناً لغيره، فقال: (لا لذاته بل بالمجموع).
المرسل والمستور وسيء الحفظ.. إلى آخره، إذا حصل لهم متابع فإنه يتقوى إلى أن يكون حسناً لغيره، كما تقدم لنا أن الحسن لغيره يكون حجة، لكن هذه المتابعات لكي يتقوى بها هذا الطريق يشترط لذلك شروط:
الشرط الأول: أن لا يكون الضعف شديداً، فإن كان الضعف شديداً فإنه لا يتقوى، فمثلاً الحديث الشاذ، أو مثلاً الحديث الذي فيه راوٍ كذاب، أو فيه متهم بالكذب، أو فيه فاسق، أو فيه فاحش الغلط، أو فيه كثير الغفلة، هؤلاء أحاديثهم لا تصح للاعتضاد، فنقول: يشترط أن لا يكون الضعف شديداً، فإن كان الضعف شديداً كما ذكرنا فيه كذاب أو متهم بالكذب، أو شاذ، أو فاحش الغلط، أو كثير الغفلة أو فاسق، فهؤلاء لا يصلح حديثهم للاعتضاد.
الشرط الثاني: أن يكون المتابع مثل من تابعه أو فوقه -أقوى فيه- لا دونه. يعني: إذا كان لين الحديث يتابعه مثله، أو من هو أعلى منه، لا دونه، فمثلاً إذا كان عندنا مجهول الحال ومجهول العين، أيهما أسوأ مجهول الحال أو مجهول العين؟ مجهول العين. فإذا كان عندنا مجهول الحال لا يصح أن يتابعه من هو مجهول العين؛ لأن مجهول العين أقل مرتبة منه، فلا يتقوى حديثه.
الشرط الثالث: يشترط أن لا تكثر الطعون في الإسناد، فإن كثرت الطعون في الإسناد بأن كان شديد الضعف فإنه لا ينجبر، فمثلاً عندنا الإسناد فيه سيء الحفظ وفيه مدلس وفيه مستور.. إلى آخره، هذا لا يترقى.. فنقول: يشترط أن لا تكثر الطعون في الإسناد، فإن كثرت الطعون في الإسناد فإنه لا يترقى.
الشرط الرابع: أن لا تكون طرق الحديث المحشودة للتقوية من الغرائب، ومثل هذه الأسانيد تكثر عند: البزار وكذا في معجم الطبراني الكبير، ومعجم الطبراني الصغير، ومعجم الطبراني الأوسط، وأفراد الدارقطني إلى آخره، تكثر فيها مثل هذه الغرائب.
وقال (صار حديثهم حسناً)، أي: صار حديثهم حسناً لغيره، وشيخ الإسلام يقول: لا لذاته بأن الأئمة يسمونه ضعيفاً ويحتجون به. وبعض العلماء أيضاً قال: يحتج به في باب الفضائل دون الأحكام، وبعض العلماء قال: يستأنس به، فالثبوت إنما يكون بأدلة أخرى.
المهم إذا ترقى إلى كونه حسناً لغيره، هل هو حجة أو ليس حجة؟ شيخ الإسلام ذكر أن الأئمة يسمونه ضعيفاً، وابن القطان رحمه الله قال: إنما هو حجة في باب الفضائل. وقيل بأنه يستأنس به فقط، والثبوت يكون بأدلة أخرى.
قال: (صار حديثهم حسن لا لذاته، بل بالمجموع)، يعني: لما اعتضدهم طريق أو طريقان إلى آخره انتقل إلى كونه حسناً لغيره.
المرفوع في اللغة: مأخوذ من (رفع) ضد (وضع). وسمي مرفوعاً لرفعة مرتبته، لكونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما في الاصطلاح: فهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية.
القسم الأول المرفوع صريحاً.
والقسم الثاني: المرفوع حكماً، أو له حكم المرفوع.
والمرفوع صراحة، يعني: ما صرح الصحابي أنه سمعه أو رآه مباشرة أو فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمثلته كثيرة.
أما مثال ما سمعه الصحابي -يعني: مرفوع صريحاً- من قول النبي عليه الصلاة والسلام حديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ).
ومثال المرفوع صريحاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: نقل الصحابة رضي الله تعالى عنهم لكيفيات العبادة.. نقلهم لكيفية الصلاة، وكيفية الحج، وغير ذلك.
والمرفوع صراحة من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم فعل خالد بن الوليد أنه أكل الضب على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم.
أما المرفوع حكماً فتحته أقسام، نتعرض لها غداً إن شاء الله.
والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر