الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أو بزيادة راوٍ فالمزيد في متصل الأسانيد، أو بإبداله فلا مرجح فالمضطرب ].
قال المؤلف رحمه الله: (أو بزيادة راوٍ فالمزيد في متصل الأسانيد).
أي: المزيد في متصل الأسانيد.
المزيد: مأخوذ من الزيادة، والمتصل ضد المنقطع.
وأما في الاصطلاح: فهو زيادة راوٍ في أثناء سند ظاهره الاتصال. وذلك أن يروي جماعة إسناداً متصلاً فيأتي أحد الرواة بزيادة راوٍ بين راويين، والصواب عدم ذكره.
مثال ذلك: ما رواه ابن المبارك يقول: حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال: حدثنا بسر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس قال: سمعت واثلة يقول: سمعت أبا مرثد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها ) هذا في مسلم .
هذا الحديث حصل فيه زيادة راوٍ بين راويين، ابن المبارك رحمه الله تعالى وهم فزاد أبا إدريس .
كذلك هذا الإسناد فيه زيادتان، زيادة راويين سفيان هذا زاده من دون ابن المبارك ، وأبو إدريس هذا زاده ابن المبارك رحمه الله.
الشرط الأول: أن تدل القرينة على الزيادة، وذلك بأن يكون من لم يزدها أتقن ممن زادها، إما لكونه أتقن في الضبط، أو لكونه أكثر عدداً.
الشرط الثاني: التصريح، أن يوجد تصريح بالسماع في موضع الزيادة، وحينئذٍ نعرف الزيادة، فمثلاً في هذا الحديث ابن المبارك زاد أبا إدريس ، بسر بن عبيد الله يقول: سمعت أبا إدريس قال: سمعت واثلة .
كيف نعرف أن أبا إدريس زيد في هذا الإسناد؟ كان بسر يقول: سمعت واثلة مباشرة، وبسر بن عبيد الله يقول: سمعت أبا إدريس ، فإذا جاء في طريق آخر بسر بن عبد الله يقول: سمعت واثلة مباشرة نعرف أن أبا إدريس وجوده في هذا الإسناد زيادة، فإذا وقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة عرفنا أن هذا الراوي قد زيد، وكما ذكرنا في هذا المثال إذا صرح بسر بن عبيد الله بسماعه من واثلة ؛ لأن بسر في هذا الإسناد يقول: أبا إدريس ، إذا قال بسر : سمعت واثلة مباشرة عرفنا أن وجود أبي إدريس إنما هو زيادة، زاده الراوي غلطاً.
الحالة الأولى: أن يترجح أن زيادة هذا الراوي هي الصواب فنحكم على الإسناد الذي خلا من هذه الزيادة بالانقطاع. ولهذا إذا رواه الراوي بدون هذه الزيادة نعرف أنه دلس؛ لأنه الأصل وجود راو.
الحالة الثانية: أن يترجح كلا الطرفين، يعني: أن الراوي سمعه من شيخه بلا واسطة، وأنه أيضاً سمعه بواسطة، أن يترجح عندنا في مثل هذا الإسناد أن بسر بن عبيد الله سمعه من واثلة مباشرة، وسمعه أيضاً بواسطة أبي إدريس، فهذا حكمه أنه متصل.
الحالة الثالثة: أن يترجح أن زيادة الراوي غلط، كما في هذا الإسناد، هنا وجد التصريح من بسر بأنه سمعه من واثلة ، فترجح لنا أن زيادة أبي إدريس غلط. وهذا هو المزيد في متصل الأسانيد، يعني: إذا ترجح لدينا أن زيادة الراوي بين هذين الراويين غلط من الراوي نقول بأنه المزيد في متصل الأسانيد.
الاضطراب في اللغة: اختلال الأمر وفساده.
وأما في الاصطلاح: فهو أن يروى الحديث على أوجه مختلفة في الإسناد والمتن.
ويشترط لكي نحكم على الحديث بأنه مضطرب شرطان:
الشرط الأول: أن يكون الاضطراب متساوياً في القوة، ويتعذر الترجيح، أما إن أمكن الترجيح بين الروايات إما لزيادة ضبط أو لكثرة عدد فلا اضطراب، ويكون في رواية الثقات، أما الضعيف إذا اضطرب فهذا لا عبرة باضطرابه، فالاضطراب إنما يكون في أحاديث الثقات.
الشرط الثاني: أن يوجد اختلاف قادح، فإن كان الاختلاف غير قادح فلا اضطراب. مثال الاضطراب: أن يضطرب الرواة الثقات في وصل الحديث أو إرساله، أو رفعه أو وقفه، أو زيادة راوٍ أو نقصه، أو بإبدال راوٍ بآخر، أو زيادة مشكلة في المتن.. إلى آخره.
والحافظ ابن حجر رحمه الله جعل المضطرب هو إبدال راوٍ بآخر، قال: (أو بإبداله ولا مرجح)، وهذا نوع من أنواع المقلوب الذي سبق لنا، لكن الاضطراب أعم من ذلك، يعني: يضطرب الرواة بين الوصل والإرسال، والوقف والرفع، وزيادة راوٍ أو نقصه، أو إبدال راوٍ بآخر، أو زيادة مشكلة في الحديث.
ومن أمثلة المضطرب: حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( شيبتني هود وأخواتها ) هذا الحديث ورد على وجوه مختلفة، ورد مرسلاً، ورد أيضاً متصلاً، وورد أيضاً من مسند عائشة ، وورد أيضاً من مسند سعد رضي الله تعالى عنه.
من أمثلة الاضطراب أيضاً في المتن: حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في المال لحقاً سوى الزكاة) وجاء أيضاً من وجه آخر: ( ليس في المال حق سوى الزكاة ).
فإذا وقع الاختلاف في حديث وظهر الصواب فإنه لا يعد مضطرباً، فإذا ظهر الاختلاف ووجد المرجح فإنه لا يعد مضطرباً، ولهذا ذكرنا أنه لا يكون هناك اضطراب في حديث الثقات إلا إذا حصل التساوي وتعذر الترجيح، أما إذا وجد الترجيح بين هذه الروايات لوجه من الوجوه فإنه حينئذ لا اضطراب، لكن إذا تعذر الترجيح، فإنه يحكم على الحديث بأنه مضطرب، وسيأتينا إن شاء الله، ويحكم عليه بالضعف إذا كان مضطرباً.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر