الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين! اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين!
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك! سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك!
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليم كثيراً.
أما بعد: إخوتي الكرام! كنا نتدارس موانع الإرث, وغالب ظني أننا انتهينا من دراسة مانعين اثنين: الرق والقتل. والموانع المجمع عليها ثلاثة كما تقدم معنا:
ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث
رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين
تقدم الكلام على الرق وعلى القتل.
وندخل إن شاء الله في هذه الموعظة في المانع الثالث المجمع عليه، ثم نتدارس الموانع المختلف فيها.
وقبل أن نشرع في مدارسة ذلك أحب أن أبين لكم أمراً كنت وعدتكم به في سبب نزول قول الله جل وعلا: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]. تقدم معنا إخوتي الكرام! أنه ثبت في تفسير الطبري ومصنف الإمام عبد الرزاق والأثر رواه عبد بن حميد والإمام البيهقي في السنن بإسناد صحيح، عن أنس رضي الله عنه أن سيرين مولاه سأله الكتابة فامتنع, فقال له عمر رضي الله عنه: لتكاتبنه أو لأوجعن ظهرك, وأراد أن يعلوه بالدرة. كما تقدم معنا.
وقلت: إن هذا الأثر ليس بسبب لنزول الآية؛ لأن هذا وقع في عهد عمر رضي الله عنهم أجمعين، إنما الآية نزلت في صبيح مولى حويطب , ذكر ذلك أئمتنا, انظروا الإصابة في تمييز أسماء الصحابة في الجزء الثاني صفحة ست وسبعين ومائة؛ وصبيح مولى حويطب بن عبد العزى قال ابن السكن وابن حبان : يقال: له صحبة, وقال البخاري في تاريخه: عبد الله بن صبيح عن أبيه كنت مملوكاً لـحويطب وهو خال محمد بن إسحاق . انتهى. وروى ابن السكن والجارودي من طريق ابن إسحاق عن خالد عن عبد الله بن صبيح عن أبيه, وكان جد ابن إسحاق أبا أمه, يعني: صبيح جد محمد بن إسحاق من جهة الأم, قال: كنت مملوكاً لـحويطب فسألته الكتابة, ففي أنزلت: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ [النور:33], الآية. قال ابن السكن : لم أر له ذكراً إلا في هذا الحديث.
وهكذا ذكر أيضاً الإمام ابن الأثير في أسد الغابة في معرفة أسماء الصحابة الجزء الثالث صفحة ثمانية، صبيح مولى حويطب بن عبد العزى هو جد محمد بن إسحاق من قبل أمه فيما ذكر سلمة عن محمد بن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح عن أبيه, وكان جد ابن إسحاق أبا أمه, قال: كنت مملوكاً لـحويطب فسألته الكتابة, فنزلت: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم .
خلاصة الكلام: أن سبب نزول الآية التي في سورة النور هو طلب صبيح من سيده حويطب بن عبد العزى أن يكاتبه, فلما امتنع نزلت الآية تأمره بمكاتبته، وتأمر المسلمين بمكاتبة أرقائهم إذا طلبوا ذلك منهم. وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]. وقد تكرر مثل هذا في عهد عمر رضي الله عنه من قبل سيرين مع أنس رضي الله عنهم أجمعين. فكونوا على علم بذلك إخوتي الكرام! لأنه تقدم معنا أن ذلك ليس سبباً لنزول الآية، وإنما سبب نزولها قصة صبيح مع مولاه حويطب , والعلم عند الله جل وعلا.
الأول: بين المسلمين والكافرين، إذا اختلف الدين هل يوجد توارث؟ مسلم له قريب نصراني أو يهودي، أسرة نصرانية أسلم مثلاً منها فرد، إنسان تزوج يهودية ثم مات هل ترثه؟ أو ماتت هل يرثها؟ لاختلاف الدين. الآن كما قلنا في الشق الأول اختلاف الدين بين المسلمين وغيرهم, هل يوجد توارث أم لا؟ لأئمتنا في ذلك أربعة أقوال, أفصل الكلام عليها ودليل كل منها إن شاء الله.
الأول: لا ولاية ولا معاضدة ولا مناصرة بين المؤمنين والكافرين، الولاية بينهم منقطعة، فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وهكذا الكفار بعضهم أولياء بعض، وسبب الإرث: نسب وولاية، فلا ولاية بيننا وبين الكفار، وإذا كانت الولاية منعدمة فلا إرث إذاً بيننا.
الأمر الثاني: النصوص الصحيحة الصريحة عن نبينا عليه الصلاة والسلام بأنه لا توارث إذا اختلف الدين بين المورث والوارثين، إذا اختلف الدين فلا توارث، مورث ميت، وارثون أحياء، دين مختلف لا توارث بينهم، هذا وردت به الأحاديث الصحيحة الصريحة, منها: ما في مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك والكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربع إلا سنن النسائي فهو ليس فيها، هذا الحديث لم يخرجه الإمام النسائي , إنما أخرجه أهل السنن الثلاثة وصاحبا الصحيحين, والحديث رواه الدارمي أيضاً ورواه جم غفير من أئمتنا المحدثين في كتبهم كالإمام الدارقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك وأبو داود الطيالسي في مسنده والإمام ابن الجارود في المنتقى, وهو من أصح وأصح الأحاديث بإخراج الشيخين له, كما تقدم معنا هو في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حبه رضي الله عن أسامة وعن أبيه وعن سائر الصحابة الكرام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتوارث أهل ملتين, ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). ( لا يتوارث أهل ملتين ), يعني: أهل دينين مختلفين لا توارث بينهما، ( ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). فالإرث بين من اختلفت أديانهم منتف. ( لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). والحديث كما قلت في أعلى درجات الصحة.
وثبت في الصحيحين أيضاً وسنن أبي داود ومن طريقه أخرج الإمام البيهقي الحديث في السنن الكبرى عن أسامة بن زيد أيضاً رضي الله عنهما قال: ( قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ) في العام الثامن للهجرة: ( أين تنزل غداً )؟ أين يكون مقامك في مكة؟ ( أتنزل في دارك ) التي كنت تسكنها قبل الهجرة المشرفة؟ وهي التي استولي عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: ( وهل ترك لنا
وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وهل ترك لنا
ثبت في موطأ الإمام مالك عن علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله ورضي الله عنه قال: إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ، ولم يرثه علي , نزيد عليه وجعفر ، ولم يرثه علي أي: وجعفر أيضاً، وإنما خص علي بن الحسين علياً لأنه جدٌّ له ليبين أنه ما حصل لنا شيء من تركة أبي طالب . ولم يرثه علي أي: وجعفر , فلذلك تركا نصيبهما من الشعب، من شعب أبي طالب الذي كان يتملكه أبو طالب .
إذاً: ( وهل ترك لنا
حديث ثالث: رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن وهكذا الإمام ابن ماجه والحديث رواه الدارقطني في سننه أيضاً وابن الجارود في المنتقى وهو صحيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). شتى بمعنى: مختلفين متفرقين, لا يتوارث أهل ملتين متفرقين متباعدين متباينين مختلفين, هذا مسلم وذاك نصراني، لا يرث المسلم النصراني، ولا النصراني المسلم. ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). والحديث رواه الحاكم في المستدرك, وانظروه في الجزء الرابع صفحة خمس وأربعين وثلاثمائة, والبيهقي في السنن الكبرى في الجزء السادس صفحة ثمان عشرة ومائتين أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: ( لا يرث المسلم الكافر, ولا الكافر المسلم ), زاد البيهقي في السنن: ( ولا يتوارثون أهل ملتين )، أي: لا يقع الإرث بين أهل ملتين مختلفتين.
والحديث أيضاً روي عن صحابي آخر, وهي عن رواية رابعة, رواها الإمام الترمذي في السنن بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا توارث بين أهل ملتين ).
هذه أربعة أحاديث صحاح كما رأيتم, كلها تدل على أنه لا توارث بين المورث والورثة إذا اختلف الدين بينهما، فلا يرث المؤمن الكافر، ولا يرث الكافر المؤمن. وبذلك أفتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين, ثبت في موطأ الإمام مالك والسنن الكبرى للإمام البيهقي وإسناد الأثر صحيح عن محمد بن الأشعث : أن عمة له يهودية توفيت أو نصرانية يهودية أو نصرانية، فذكر ذلك لـعمر رضي الله عن الصحابة أجمعين، فذكر ذلك لـعمر وسأله من يرثها؟ فقال عمر رضي الله عنه: يرثها أهل ملتها. ثم أتى محمد بن الأشعث عثمان بن عفان رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام، فسأله عن ذلك مرة ثانية لعله يطمع أن يكون الإرث للمسلمين وإن كانت يهودية أو نصرانية, فسأله عن ذلك, فقال له عثمان : أتراني نسيت ما قال لك عمر ؟ يعني: أنت لا تعلم أنني كنت حاضراً عندما أفتاك عمر ؟ وأن إرثها لأهل ملتها, أتراني نسيت ما قال لك عمر ؟ يرثها أهل دينها. هذا كلام عثمان , والأول كلام عمر , يرثها أهل ملتها, يرثها أهل دينها. فبذلك أفتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
إخوتي الكرام! كما قلت هذا مذهب الجمهور: أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو رواية عن الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمهم الله جميعاً ورضي عنهم, وقد نسب هذا القول إلى الجمهور الإمام ابن المنذر كما حكاه عنه الحافظ في الفتح في الجزء الثاني عشر صفحة خمسين من فتح الباري, حكى أن هذا القول هو قول الجمهور عن ابن المنذر , ولا داعي لحكايته لا عن ابن المنذر ولا عن غيره رضي الله عنهم أجمعين، فقد تقدم معنا أنه قال به ثلاثة من الأئمة الأربعة, وهو رواية أيضاً عن الإمام أحمد . وهذا القول فيما يظهر هو أرجح الأقوال كما قلت؛ لأمرين: الأمر الأول: لا ولاية بين المؤمنين والكافرين ولا مناصرة ولا رباط.
الأمر الثاني: نصوص صريحة صحيحة في هذه المسألة, فالوقوف عندها أسلم، والعلم عند الله عز وجل.
القول الثاني في هذه المسألة ذهب إليه الإمام أحمد في الرواية الأخرى عنه، في رواية ثانية وسيأتينا له رواية ثالثة أيضاً.
أسباب ميراث الورى ثلاثه كل يفيد ربه الوراثه
وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب
وتقدم معنا أن الولاء سبب للإرث من جانب أو من جانبين؟ من جانب واحد, فالمعتق وارث؛ لأنه من بالعتق, والعتيق لا يرث من أعتقه؛ لأنه لا علاقة له به, أما المعتق فوارث, فإذا مات عتيقه ولم يكن له وارث من النسب جاء هذا وورث عن طريق التعصيب؛ لأنه تقدم معنا أن الولاء عصوبة؛ سببها نعمة المعتق على عتيقه على رقيقه بالعتق ولو بعوض.
فالإمام أحمد يقول: المعتق يرث عتيقه بالولاء وإن اختلف الدين سواء كان المعتق كافراً أو مسلماً.
والإمام أحمد أيد هذا بما رواه الإمام الدارقطني في السنن والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام, قال الإمام الدارقطني : والمحفوظ أنه موقوف، يعني: هذا من كلام عن جابر رضي الله عنه موقوفاً عليه, ولا يثبت رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام. والأثر صحيح, لكن كما قلت صحح أئمتنا وقفه لا رفعه. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته. قال الإمام أحمد : ويقاس عليه العكس, فلا يرث النصراني المسلم إلا أن يكون عبده أو أمته؛ لعلة الولاء في المعتق سواء كان كافراً أو مسلماً. وهذا في الحقيقة لا دلالة فيه أبداً على التسليم بثبوته؛ لأنه ليس المراد من الإرث هنا الإرث عن طريق أسباب الإرث, إنما المراد انتقال المال من الرقيق إلى سيده لا في حال عتقه, إنما هذا قبل عتقه, ولذلك سماه عبداً أو أمة. لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته. ليس هنا إرث, أي: أن هذا النصراني صار حراً أنت أعتقته, وإنما أطلق عليه لفظ الإرث؛ لأن ماله انتقل إليه؛ لأن ما يكسبه العبد ما يحصله يكون للسيد فقط, فأطلق عليه لفظ الإرث ولم يرد به الإرث الاصطلاحي, إنما يريد ملك ما يملكه العبد ملك لسيده وإن كان العبد نصرانياً أو يهودياً. فقوله: إلا إن كان عبده أو أمته لا يراد منه الإرث الاصطلاحي, إنما يراد منه أن ما في يد العبد أو الأمة يكون للسيد؛ لأن العبد كما تقدم معنا ذكراً أو أنثى لا يرثه أحد من أقاربه. وقد تقدم معنا, أن الرق مانع للإرث من جانبين, فهو لا يرث أحداً؛ لأنه لو ورث آل المال إلى سيده, والسيد أجنبي عن مورثي الرقيق, والرقيق لا يرثه أحد من أقاربه؛ لأنه لا يملك شيئاً, فماله ملك لسيده.
فقوله: لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته. المراد من الإرث هنا: انتقال مال العبد في حال رقه وانتقال مال الأمة في حال رقها إلى السيد بعد موتهما، لا عن طريق الإرث, لأسباب الإرث التي تقدمت معنا, لا توارث, إنما هذا مال انتقل؛ لأن ذاك يملكه من يملك العبد.
هذا إظهار ما أجاز به الجمهور عن هذا القول, أنه إذا قيل لنا: إنه على التسليم قول جابر رضي الله عنه، قول جابر لا يمكن أن يكون عن طريق الرأي، فإذاً: لا بد من أن نخص منه عموم ( لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). نخص ذلك العموم بهذه الصورة الواردة، نقول: لا تخصيص؛ لأن هذا معناه: ليس الإرث المصطلح عليه, انتقال ما بيد العبد إلى مالكه بعد موته. وهذا جواب الجمهور. وتلك النصوص باقية على إطلاقها وعمومها, لا تخص ولا تقيد. والعلم عند الله جل وعلا.
هذا دليل جواب الجمهور, وهو جواب كما قلت محكم سديد رشيد.
وهذا كما علله بهذا التعليل يريد به أن يرغبه في الإسلام، وقواه أيضاً بدليل منقول, وهو ما رواه أبو داود في السنن وهكذا الإمام ابن ماجه في سننه أيضاً والبيهقي في السنن الكبرى وانظروا في الجزء التاسع صفحة اثنتين وعشرين ومائة, والأثر رواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما, وإسناد الحديث صحيح في هذه الروايات والأثر رواه الطبراني من طريق آخر, لكن فيه محمد بن الفضل , هذا في رواية الطبراني , ليس في الرواية الأولى, وفيه محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف جداً كما قال الهيثمي في المجمع في الجزء الرابع صفحة تسع وعشرين ومائتين، والروية الأولى كما تقدم معنا صحيحة تغني عن هذه في سنن أبي داود وابن ماجه والبيهقي وأحاديث الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام ). فإذاً: هنا الحكم مناط بالقسم لا بالحالة التي تكون عند موت المورث، هذا المال الذي تركه المورث قسم, إذا لم يقسم كيف سيوزع على مستحقيه عند القسم، من يرث عند القسم نعطيه سواء كان وارثاً عند موت المورث أو لم يكن وارثاً، فما قسم في الجاهلية على ما قسم، وإذا جاءت القسمة في ظل الإسلام وفي عهد الإسلام على حسب قسم الإسلام, فعند قسم التركة أمن الوارث, قسم من أدركه الإسلام, فينبغي أن يرث الوارث من مورثه الذي مات وهو على خلاف دينه, لكنه الآن صار موافقاً له في الدين. هذا دليل, والحديث صحيح كما قلت.
والحديث رواه أيضاً الإمام الطبراني في معجمه الكبير بإسناد صحيح، قال الحافظ الهيثمي في المجمع: خلا حسان بن بلال , وهو ثقة, يعني: إسناد الأثر صحيح, رجاله رجال الصحيح إلا حسان بن بلال لكنه ثقة, والبقية كلهم من رجال الصحيح من رجال البخاري ومسلم , انظروا مجمع الزوائد في المكان المتقدم في الجزء الرابع صفحة تسع وعشرين ومائتين, عن حسان بن بلال أن يزيد بن قتادة حدث أن رجلاً من أهله مات وهو على غير دين الإسلام, قال: فورثته أختي دوني. وأخته لم تكن مسلمة فورثت ذاك الرجل الذي مات, ويزيد بن قتادة ما ورث من قريبه الكافر شيئاً قال: فورثته أختي دوني، وكانت على دينه, ثم إن أبي أسلم, فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً, وهو قتادة , فأحرزت ميراثه, فالذي يرثه الآن يزيد , وأخته كافرة لا ترث, وكان ترك غلاماً ونخلاً، فأسلمت أختي وخاصمتني إلى عثمان في الميراث, فحدثني عبد الله بن الأرقم أن عمر قضى أن من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه. قال: فقضى به عثمان , أي: ورث الأخت أخت يزيد بن قتادة من أبيها مع يزيد ؛ لأن القسم لم يقسم. فقضى به عثمان قال يزيد بن قتادة : فذهبت بذلك الأول كله. ميراث قريبنا الكافر قبل أن تسلم أخذته كله, وشاركتني في هذا. والأثر كما قلت إسناده صحيح. فذهبت بذلك الأول كله, وشاركتني في هذا.
لكن هب أنه يوجد لـقتادة وارث آخر, افرض له زوجة، المال ما قسم, هو الآن يذكر أن نقودها شاركته فيه الأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن من الذي يرثه؟ هذا مسكوت عنه، يعني: من الذي نص على أنه لا يوجد وارثا آخر مع يزيد ؟ هذا كله أيضاً لا بد من تقديره، يعني: التركة لم تقسم، افرض أن قتادة عندما مات ترك زوجة, فما قسمت بين هذا الابن وبين تلك الزوجة.
المقصود أنه ما حصل القسم وإفراز حصة يزيد من أبيه قتادة , ما تميز, لا زال كما مات إما شركة ما استولى عليها هو وحازها، وإما هناك زوجة لم تكن أماً لـيزيد , زوجة أخرى ما أخذت نصيبها, الله عليم ما الذي حصل، المقصود أن هذه التي هي أخت لـيزيد أسلمت، فشاركت يزيد في نصيبه، أما هل في كل المال هناك وارث آخر؟ العلم عند الله, يعني: الآن إذا صارت أختاً له سترث نصف ما يرث, و لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. لكن ما هي القصة بتفاصيلها، لا يعني فائدة منها أن يقال: كان الورثة فلاناً وفلاناً وفلاناً, لا داعي, المقصود قسم لم يقسم، فلما عرضت هذه على عثمان رضي الله عنه في عهده قضى بما قال به عمر رضي الله عنه، وأن القسم الآن يكون على حسب حال الورثة عند القسم، فورث الأخت مع الأخ، أما من الذي كان أيضاً من الورثة؟ هذا لا تعلق لنا به ولا فائدة منه؛ لأنه ليس المراد الآن كيف قسم الميراث على فلان وفلان؟ المراد أن هذه شاركت أخاها في الإرث، والقصة كما قلت لكم: إسنادها صحيح, لكن منهم الورثة بعد ذلك؟ هذا كما هو الحال في قصص القرآن، جزء جزئيات كثيرة عندما يقصها؛ لأنه لا تتعلق بها عبرة ولا فائدة, موضع الفائدة ذكره القرآن في تلك القصة، أما كيف صار وأين نشأ وأين ذهب بعد ذلك؟ فهذه الجزئيات التي هي عرض وقائع، القرآن لا يعنى بها, وهنا كذلك، يعني: من كان معه من الورثة هذا ليس لنا علاقة به، وليدلل لنا على أن أخته الكافرة ورثت بعد موت أبيها عندما آمنت قبل القسم، أما من كان؟ العلم عند الله، افرض أن عنده أربع زوجات، وما قسم الميراث, ولا أخذت كل واحدة منهن ربع الثمن، وباقي الأمور كما هي, مالنا ولنصيب الزوجات؟ هو الآن يريد أن يقول: نصيبي الذي سآخذه أنا كاملاً شاركتني فيه أختي من هذا الغلام ومن النخل, يعني: يمكن أن يقع، لكن من الذي كان؟ العلم عند الله.
بهذا أجاب الجمهور فقط، غاية ما قالوا: نصوصنا أقوى وأصرح, لكن أنا أقول: إذا ثبت هذا عن الخليفتين الراشدين مع احترامنا لقول الجمهور وقوة قولهم أقول لكم: يبقى في النفس ميل لهذا القول, ويقال: هذا لا ينازع ولا يعارض الأدلة المتقدمة؛ لأن ذلك العموم يحمل على عمومه في غير هذه الصورة ما دام هنا قضاء خليفتين راشدين، يعني: هذا لو كان اجتهاد المتأخرين ممكن أن يقال: ما بلغهم دليل, بينما هنا قضاء لخليفتين راشدين، وقد تقدم معنا أن عمر رضي الله عنه هو الذي كان يقول: لا يرث المؤمن الكافر, في حديث أسامة من كلامه, وهو ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً. فليس الموضوع أنه ما بلغه نص أو كذا, الموضوع عنده علم به، لكن رأى أن هذه الصورة تستثنى من ذلك النص لاعتبار معين, أولها: ترغيب في الإسلام, ثانيها: أن هذا القسم ينبغي أن نقسمه على حسب حال الورثة عند القسم ما لنا وللموت، عند القسم هم على دين مورثهم فنورثهم, يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيهتدي مقابل عرض دنيوي هذه نعمة كبرى, يرغب في الإسلام, ثم ينشرح صدره للدين الحق. فقول الإمام أحمد قوي من ناحية الرأي والاستنباط, وقيد برواية ثابتة عن خليفتين راشدين، فمع قول الجمهور وترجيحه بما تقدم ممكن أن تستثنى منه هذه الصورة, فلا يرث الكافر المسلم إلا إذا أسلم قبل قسمة التركة, فيبقى الإطلاق والعموم فيما تقدم معنا على إطلاقه وعمومه في غير هذه الصورة، فيرثه, لكن إذا أسلم, قبل موته فإنه يرثه والعلم عند الله.
وثبت في سنن أبي داود عن عبد الله بن بريدة أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر يعمر بفتح الميم وضمها, وهو من أئمة المسلمين الربانيين وكان في البصرة، وهو من التابعين. أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر أحدهما مسلم والأخر يهودي, فورث المسلم من اليهودي, وقال: حدثني أبو الأسود أن رجلاً حدثه أن معاذاً رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الإسلام يزيد ولا ينقص ). فهذا القضاء الذي قضى به معاذ قضى به أيضاً يحيى بن يعمر في البصرة.
قال الحافظ ابن حجر : قال الحاكم : إسناد الحديث صحيح, وتعقب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ . أين الانقطاع في قوله: أن رجلاً، وما سمى هذا الرجل. انتبه! لكن سماع أبي الأسود من معاذ ممكن؛ لأنه تابعي، ويحيى بن يعمر تابعي شيخه أبو الأسود الدؤلي من باب أولى من كبار التابعين فلقاؤه لـمعاذ ممكن أن يكون سمع معاذاً بدون واسطة.
قال الحافظ ابن حجر: وزعم الجوزقاني أن هذا الحديث باطل, قال الحافظ ابن حجر : وهذه مجازفة، ثم قال ابن حجر أيضاً: قال أبو العباس القرطبي صاحب كتاب المفهم في شرح صحيح مسلم : هذا كلام محكي, يعني: يحكيه للناس ويتداولونه, ( الإسلام يزيد ولا ينقص ). يقول: هذا كلام يحكيه الناس, وليس بحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام, كلام محكي. قال ابن حجر : كذا قال، وقد رواه من قدمت ذكره، فكأنه ما وقف عليه, يعني: على تلك الرواية التي هي ثابتة في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم .
ثم أورد الحافظ ابن حجر شواهد لهذا الأثر, منها: ما رواه أحمد بن منيع بسند قوي كما هو لفظ الحافظ في الفتح في الجزء الثاني عشر صفحة خمسين, ما رواه أحمد بن منيع بسند قوي عن معاذ أنه كان يورث المسلم من الكافر من غير عكس، فلا يورث الكافر من المسلم.
وأخرج مسدد في مسنده أن أخوين اختصما إلى معاذ : مسلم ويهودي مات أبوهما يهودياً، مسلم ويهودي, وهي القصة التي أيضاً تقدمت معنا في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم , يهودي ومسلم اختصما في إرث من يهودي هو الأب الميت, مات أبوهما يهودياً, فحاز ابنه اليهودي ماله, فنازعه المسلم, فورث معاذ المسلم من أبيه اليهودي. هذه الآثار كلها في الفتح.
ثم قال الحافظ: وقد روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن معقل قال: ما رأيت قضاء أحسن من قضاء قضى به معاوية , نرث أهل الكتاب ولا يرثونا كما يحل لنا النكاح فيهم ولا يحل لهم، يقول: كما أننا نتزوج منهم ولا يتزوجون منا؛ لأن الإسلام يزيد ولا ينقص ولكرامة الإسلام ورفعة قدر المسلمين نرثهم ولا يرثوننا. وهذا يقول عنه عبد الله بن معقل: ما رأيت قضاء أحسن من هذا القضاء، فكما أننا ننكح ولا ينكحون نرث ولا يرثون.
قال الحافظ في الفتح: وقد قال بذلك: مسروق والنخعي وسعيد بن المسيب وإسحاق .
وهذا القول كما ترون إخوتي الكرام!لم تأت به رواية عن إمام من الأئمة الأربعة, وما قضى به أحد من الخلفاء الراشدين, نعم قال به معاذ ومعاوية من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم, وقال به بعض أئمة التابعين كما تقدم معنا.
الأمر الثاني: قالوا: يزيد الإسلام بمن يدخل فيه ويسلم ولا ينقص بمن يرتد، يعني: لو أنه كفر أهل الأرض قاطبة هل ينقص الإسلام؟ وهل في ذلك منقصة على الإسلام؟ وهل معنى ذلك: ظهرت أخطاء في الإسلام عندما كفر من كفر؟ أبداً ما كفر إلا لشؤمه ولفساد عقله. فإذاً: يزداد الإسلام قوة، وكفر من كفر لا ينقص الإسلام, ودين الله محفوظ من التبديل والتغيير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. بل لابد من وجود طائفة ظاهرة على الحق لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتي أمر الله.
والقول الثاني الذي قال به الإمام أحمد مع إكبارنا له, وهو أن الإرث يحصل عن طريق الولاء وإن اختلف دين الوارثين أيضاً فيما يظهر لم يقل به أحد من الخلفاء الراشدين فيما وقفنا عليه, والعلم عند الله. فيبقى قولاً معتبراً, لكن قول الجمهور أقوى.
ويمكن أن نخلص بقولين في هذه المسألة وهما: أنه لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم إلا في حالة واحدة، إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة, فإذا أسلم فتجعل إسلامه قبل قسمة تركته كإسلامه قبل موته، والعلم عند الله. قال بهذا إمام من الأئمة الأربعة: الإمام أحمد , وقضى به خليفتان راشدان عليهم رحمة ربنا ذي الجلال والإكرام. هذا فيما يتعلق بالمسألة الأولى, وهي الشق الأول, وقلنا: لها شقان, اختلاف الدين إما أن يكون بين المسلمين والكافرين, والشق الثاني: أن يكون بين الكافرين الملعونين، يهودي من نصراني، يهودي من وثني.. من شيوعي مثلاً, هل يوجد توارث بينهم أم لا؟ يهودي من مجوسي لو تصاهروا، يهودي تزوج مجوسية, وكلهم نجاسة مغلظة, لكن بعضهم نجاسة مائعة، وبعضهم نجاسة جامدة, لكن الكل مغلظة, فهل يوجد توارث بينهما؟ هل يرث المجوسي زوجته اليهودية هل ترث زوجها المجوسي؟ هذا الشق الثاني من المسألة.
فانتهينا من ذكر التوارث وعدمه بين المسلمين الأبرار والكافرين. هذا الشق الأول.
والدليل على هذا: ما تقدم معنا من الأحاديث في القول الأول, ( لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). مفهوم هذا: أن الكافر يرث الكافر، والمسلم يرث المسلم.
وتقدم معنا ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). فإذا كانوا أهل ملة واحدة يتوارثون. هذا كما قلت لا خلاف فيه, هذا محل اتفاق.
نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب
إذا وجدت أسباب الإرث يهودي تزوج نصرانية ترثه ويرثها؛ لأنهم ملة واحدة، ملة الضلال والكفر, فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32]. وملة النجاسة, إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28]. هذا قول أبي حنيفة والشافعي , وهو رواية عن الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله. وقد أشار الله إلى هذا في كتابه فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73]. نعتهم بوصف الكفر دون أن يخص ملة عن ملة، أي: ما قال: اليهود أولياء اليهود والنصارى أولياء النصارى, وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73]. كما أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] فالكفار كذلك.
قال أصحاب هذا القول أيضاً: مع دلالة تلك الآية على ذلك فأدلة التوريث مذكورة ذكراً عاماً, فلا يجوز أن تترك إلا فيما استثناه الدليل الشرعي. ما معنى هذا؟ عندما قال الله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11], الابن يرث, والبنت ترث. وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12]. الزوج يرث, وهكذا الزوجة. هذه الأدلة أدلة التوريث مذكورة ذكراً عاماً, فلا يجوز أن يخرج منها أحد إلا ما دل الدليل عليه, يعني: كون الأب يهودياً والابن نصرانياً لا يوجد ما يمنع الإرث بينهما، يوجد ما يمنع لو هناك مسلم وكافر كما تقدم معنا، أما هؤلاء نص الله على أنهم ملة واحدة, فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32], وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73]. وآيات التوريث مذكورة ذكراً عاماً، فكل من وجد فيه سبب الإرث سيرث, إلا إن قام دليل المنع، فهذا الابن سيرث من الأب مهما اختلفت الديانات بين الكفار. هذا قول أبي حنيفة والشافعي وقول للإمام أحمد من قولين عند الإمام أحمد .
نعم إخوتي الكرام! اشترط الحنفية والشافعية للتوارث بين الكفار مع اختلاف مللهم اشترطوا اتحاد الدار، وسيأتينا هذا إن شاء الله بين الموانع المختلف فيها, أذكر فيها ثلاثة وأختمها برابع، أولها: اختلاف الدار بين الكفار لا بين المؤمنين الأبرار.
والثاني كما سيأتينا: الردة.
والثالث: الدور الحكمي.
وأختمها بمبحث النبوة، هل النبوة تعتبر مانعاً من موانع الإرث أم لا إن شاء الله؟
فإذا اختلفت دار الكفار؛ الابن يسكن في الصين، والأب في روسيا، الابن لو قدرنا يسكن في فرنسا والأب في إسرائيل وكلهم على ملة اليهود, لكن الدار مختلفة, وكل دار تعادي الدار الأخرى, ولها جيش ومستقلة عن تلك, وليس بينهما ولاية ولا مناصرة، فعند الحنفية والشافعية لا توارث بين الكفار عند اختلاف الدار؛ لانقطاع سبب الولاية بينهم, ما بقي بينهم ولاية، ومن أسباب الإرث كما تقدم معنا وجود الأصل: سبب الإرث, وجود الولاية بين الوارث والمورث، وأنك تنتفع به وينتفع بك, فيئول ماله إليك، وأما ذاك في جيش يقاتلك وأنت في جيش تقاتله، فإذا إذا اختلفت الدار وانقطعت النصرة بين تلك الدور والولاية فلا توارث بين الكفار عند أبي حنيفة والشافعي , وسيأتينا اختلاف الدار وضبط اختلاف الدار في الموانع المختلف فيها، في اختلاف الدار والردة والدور الحكمي, إن شاء الله.
فهذا اعتبره مانعاً من موانع الإرث، والإمام مالك لم يعتبر اختلاف الدار وهكذا الإمام أحمد كما سيأتينا, إنما عند الإمام الشافعي وأبي حنيفة يتوارث الكفار فيما بينهم على اختلاف مللهم ونحلهم إلا إذا اختلفت الدور وانقطعت الولاية بينهم فلا توارث.
وأيد أهل القول الثالث هذه الرواية عن الإمام مالك والإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله قولهم بإحدى روايات الأحاديث المتقدمة: ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). قالوا: ليس هذا خاصاً بين المؤمنين والكافرين, أي ملة تخالف ملة أخرى فلا توارث بين أتباع تلك الملتين. ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ). وتقدم معنا لفظ الحديث, أي: أهل ملتين مختلفتين مفترقتين لا يتوارثون, والكفار مللهم لا تحصى على حسب ما يجد من ملل الكفر, فكل من كانوا على فكر كافر فهم ملة، فإذا خالفوا غيرهم فأولئك ملة, وهؤلاء ملة، وهؤلاء ملة, ولا توارت بينهم, يشترط اتفاق الدين، واتفاق المبدأ، واتفاق النحلة بين الورثة والمورثين، وإلا لا يوجد توارث.
هذه أقوال ثلاثة، وكل منها في الشق الثاني من المسألة الثانية.
فمن جعل الكفار ملة واحدة فقولهم معتبر, بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72]. بنص القرآن, وكل منهم ينصر الآخر على المسلم وإن اختلفت نحلهم ومللهم, يعني: يختلفون فيما بينهم, لكن يتعاونون علينا, وهذا هو الواقع. فإذاً: في نهاية الأمر بينهم موالاة, فيتفق مع أي كافر كان من أجل القضاء على المسلم وإلا كم يوجد بين الشيوعية والرأسمالية من خلاف؟ هناك أكثر من خلاف بين اليهود والنصارى, ومع ذلك يتفقون علينا؛ لأن هذا حق يقابلهم وأولئك كلهم باطل, فيجمعهم وصف الباطل والضلال.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر