وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة السبت من يوم الجمعة المبارك- ندرس كتاب الله من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي القدير.
وقد انتهى بنا الدرس عند هذه الآية المباركة الكريمة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]، هذه آية من أجل الآيات القرآنية وأعظمها.
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: حرمة كتمان الحق ]، علمنا الله عز وجل بما قص علينا من شأن أهل الكتاب أنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يكتم الحق إذا عرفه، ولا يلتفت إلى أي اعتبار يطلب منه لأن يكتم هذا الحق.
قال: [ حرمة كتمان الحق إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالاً أو رياسة ]، تشتد حرمة كتمان الحق إذا كان الكاتم للحق يرجو من وراء ذلك منفعة دنيوية مالاً أو جاهاً؛ لأن الذين كتموا الحق من أهل الكتاب كتموه من أجل مصالح دنيوية بحتة: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:174-176]، وهم اليهود والنصارى عليهم لعائن الله.
[ ثانياً: تحذير علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب ]، الآية الكريمة تهدينا إلى أن الله حذرنا نحن -علماء الإسلام- من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب [ بكتمانهم الحق وإفتاء الناس بالباطل للحصول على منافع مادية معينة ]، فعلماء اليهود والنصارى كتموا الحق، إذ صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته في الكتابين في التوراة والإنجيل واضحة وضوح الشمس، ولكن للبقاء على السلطة والسيطرة الروحية على أتباعهم حرفوا تلك الصفات، وجحدوا أكثرها، وهذا هو الكتمان؛ لأجل البقاء على الرئاسة والسيطرة الروحية على أتباعهم.
ومع الأسف حصل هذا للمسلمين ووقع، فكثير من مشايخ الطرق وأصحاب الزوايا كانت هذه حالهم، فاستولوا على العوام من الناس وحرموهم هداية الله عز وجل، وما علموهم إلا أشياء قليلة من دين الله، كل ذلك للحفاظ على أتباعهم؛ حتى لا يتصدروا ويهربوا منهم، فإذا سمعوا بدعوة الحق بغضوها إلى أتباعهم، وحرموهم من قبولها وطلبها، وما زال إلى الآن الروافض يسيطرون على العوام، ويحرمونهم من هداية الله ليبقوا تحت سلطتهم وسلطانهم، هذا واقع البشرية.
إذاً: هذه الآية تحذر علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب، وذلك بكتمانهم الحق، وبإفتائهم الناس بالباطل، يحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله من أجل الحصول على المادة، سواء كانت السلطة أو الرئاسة، أو كان المال: الدينار والدرهم.
[ ثالثاً: التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم ]؛ لأن اليهود والنصارى اختلفوا في كتب الله، وسبَّب ذلك الاختلاف انقسامهم وسقوطهم وهبوطهم، فالآية تحذرنا من الاختلاف في القرآن الكريم؛ [ لما يفضي إليه الاختلاف من العداء والشقاق البعيد بين المسلمين ].
وها نحن مع الروافض مختلفون، والسبب أنهم حرفوا كلام الله وفسروه بأهوائهم، فمنعوا من أن يتصلوا بالعالم الإسلامي ويعيشوا معهم.
وسبحان الله! فقد تبين بالتتبع والاستقراء أنه ما من عبادة إلا ووضعوا فيها ما يخرجون به عن جماعة المسلمين! لا حج ولا عمرة ولا غسل، ولا وضوء، ولا تيمم، ولا صلاة، كل عبادة حتى النكاح، أباحوا المتعة لا لشيء إلا للخروج من جماعة المسلمين؛ ليبقى ذلك الشعب وتلك الأمة خاضعة لسلطان الأئمة!
فها هو ذا تعالى يحذرنا من الاختلاف في القرآن الكريم، إذ اختلف اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل فحصلت الفرقة وتم الخلاف على أشده، فحذرنا تعالى من أجل ما يفضي إليه الخلاف من العداوة بين المؤمنين والشقاق البعيد، فكيف -إذاً- يحملون راية التوحيد؟
وقد ذكر منها أيضاً في آخر البقرة في قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة:285] عدة أركان، مجموعها ستة عليها ينبني الإيمان، فإن سقط ركن سقط البناء، وأصبح صاحبه كافراً.
وفي حديث جبريل في صحيح مسلم عدها الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل، وجبريل يقول: صدقت، صدقت، إذ سأله عن الإيمان فقال: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ).
إذاً: هذا رد على من ظنوا أن القضية كلها تدور حول استقبال القبلة أو بيت المقدس، وهذا جزء من آلاف الأجزاء، نحن الآن إذا أردنا أن نصلي وما عرفنا القبلة صلينا حيث صلينا: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:115]، ولكن كوننا نرغب في أن نتميز ونستقل هذا أمر ضروري، ما دمتم لا ترضون بديننا ولا تدخلون في إسلامنا إذاً: فالمفاصلة بيننا أولى حتى لا تكون شبهة على المؤمنين، فكانت رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في أن تتحول القبلة، وعرف الله ذلك منه، واستجاب له، وحول القبلة، وبقي من يتكلم ويكرر الكلام في موضوع القبلة كما تعرفون الطابور الخامس الذين ينشرون الفتنة؛ فأسكتهم الله عز وجل بقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] صاحب البر الحق مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177].
ثم الإيمان باليوم الآخر، وهو آخر يوم تنتهي فيه هذه الحياة، فندخل في ذلك اليوم الذي هو آخر الأيام، هذه الأيام التي تمر بنا يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام سوف تنتهي في آخر يوم وهو يوم الجمعة، فيه تقوم الساعة.
وفجأة نستقبل اليوم الآخر، إذ لم يبق بعده يوم، وفي الحساب وفي فصل القضاء يدوم ذلك اليوم خمسين ألف سنة، ثم يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، أهل الملكوت الأعلى في الملكوت الأعلى، وأهل الملكوت الأسفل في الأسفل، وطويت صفحة هذه الحياة.
إذاً: الملائكة عالم من نور، ولا يوصفون بأنوثة ولا بذكورة، لا يقال فيهم: إناث ولا ذكور، ما هم بإناث ولا بذكور، ولولا أن الله عرفنا بالإناث والذكور فهل سنعرف شيئاً؟ لما خلق هذا أخبرنا، خلق الملائكة من نور، ولم يجعل بينهم ذكراً ولا أنثى؛ ولهذا زين الشيطان لبعض القبائل في العرب خطيئة وزلة كبيرة، وهي قوله لهم: إن الله تعالى أصهر إلى الجن فأنجب الملائكة، وفي الآية من سورة اليقطين: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا [الصافات:158]، قالوا: الملائكة بنات الله! وكيف تولد الملائكة؟ قالوا: إن الله أصهر إلى الجن، خطب منهم جنية وتزوجها، فولد الملائكة؛ فلهذا نعبدهم بوصفهم بنات الله! ولا تعجب، فالعرب جهال، فكيف بالنصارى الذين يقولون: عيسى ابن الله؟! لا تعجب لأن الحامل لراية الإفساد والإغواء والإضلال هو الشيطان، إلى الآن النصارى أطباء ودكاترة وفلاسفة يقولون: عيسى بن مريم هو ابن الله! أو الناسوت واللاهوت، مركب من إله وعبد مخلوق.
إذاً: فالملائكة عبدهم قبيلة من العرب بهذه الفرية التي افتراها إبليس ليضللهم! فرد الله تعالى بقوله: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات:153-158] ممنوعون من الوصول إلى السماء ومخالطة الملائكة فيها، وآيات كثيرة تشنع على هذا النوع من العبادة، وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19]، وجعلوا له البنات سبحانه وتعالى عما يشركون.
المهم أن هذه الخدعة الشيطانية وجدت مناخ الجهل في الجزيرة، فوجدت قبيلة تعبد الملائكة بوصفهم بنات الله.
فالملائكة خلقهم الله من نور لعبادته فقط، وليسوا بذكور ولا بإناث، وتعالى الله أن يصهر إلى الجن وهو خالق كل شيء.
ومنهم المخلوقون فقط لتسبيح الله وذكره، لا يفترون أبداً: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، يلهمون التسبيح كأنفاسنا نحن نرددها، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].
ومنهم من كلفهم بالجنة ونعيمها، مهمتهم فقط إسعاد أهل الجنة، والملائكة يطوفون عليهم: يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، ومنهم الذين يقدمون أطباق الطعام وألوان الشراب، هذه مهمتهم.
ومنهم أيضاً ملائكة موكلون بالنار فقط وعذابها، لا مهمة لهم إلا هذه، وقد أعلمنا الله عن عددهم فعلمناه، ألا وإنهم تسعة عشر من الزبانية! جاء هذا من سورة المدثر: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [المدثر:30-31]؛ لأن أبا جهل لما نزلت الآية قال: يا معشر قريش! أنا أكفيكم شر سبعة عشر، فهل تعجزون أنتم عن اثنين ونطفئ النار ونخرج الناس من بعدنا؟!
فهذا مجنون؛ لأنه يكثر التبجح، يقول: تسعة عشر؟! أنا أكفيكم سبعة عشر! وما درى هذا الجاهل الأحمق أن ملكاً أخبر الرسول عنه كما في سنن أبي داود بحديث سنده صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: ( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام )، فيا أبا جهل ! أين أنت؟ وجبريل عليه السلام لما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء، بعد أن دخل عليه في صورة رجل كريم، وعلمه وأدبه، بعد ذلك تركه، وحين كان الرسول عائداً رآه وقد تجلى في الصورة التي خلقه الله عليها، وكان له ستمائة جناح، فسد الأفق كله، وناداه: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل.
ومدائن قوم لوط -عمورة وسدوم وغيرها-كيف قلب ظاهرها على باطنها بجناح جبريل؟! إذا:ً لا تسأل عن عظم الملائكة وما آتاهم الله من قدرة.
ومن الملائكة الموكلون بالعباد والحمد لله، وما حمدنا الله على هذه النعمة؛ لأننا جهال، فمن أنت حتى يوكل الملك بك؟ عشرة ملائكة يحرسونك، فكيف تشكر الله؟
الآن إذا كان أمير أو كذا يخاف عليه يعطونه عسكرياً واحداً يحرسه، وما ينفع، وأنت با ابن آدم يحرسك عشرة، اثنان من الكرام الكاتبين، وثمانية يحمونك من الجن والشياطين.
فكم عددهم إذاً؟ الجواب: لا يحصي عددهم إلا الله، يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير.
إذاً: فلهذا قال: ( لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد ) أيضاً، وجاء من طرف الحلقة وهو يشق الصفوف، فتعجب الأصحاب من هذا البدوي، حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ليعلمهم كيف التلقي، فالذي يتلقى العلم ما يلتفت، ما ينظر إلا إلى ما يخرج من كلام، فوضع يديه على فخذيه، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، أسندهما ووضع يديه على فخذيه يتلقى، وأخذ يسأله، فسأله أولاً عن الإسلام، فقال: كذا، قال: صدقت، قالت الصحابة: عجبنا له يسأله ويصدقه، هذا أعلم منه إذاً! فلما فرغ من ذلك التعليم الذي حوى الشريعة بكاملها، وأعظم ما جاء فيه الإحسان المفقود عندنا من قرون؛ فلما فرغ قال: أخبرني عن الساعة، قال: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل )، أنت أعلم مني، وأمر الساعة خفي على الإنس والجن والملائكة والبشر، علمها عند الله: لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187] حتى ينتظم الكون وتمشي الحياة إلى نهايتها.
قال: ( فأخبرني عن أماراتها )، والأمارة: العلامة، والجمع علامات، قال: أخبرني عن أماراتها، أي: العلامة الدالة عليها.
قال: ( أن تلد الأمة ربتها ) وهل الأمة تلد سيدتها؟! السيدة هي التي تلد، كيف يتم هذا؟ تم على عهد الصحابة والتابعين، إذ كان الرجل يشتري الأمة وقد كان تسراها أحد الناس، وأنجبت لمن تسراها بنتاً، فيبيعها، وتتنقل بحسب الظروف والأيام والأعوام، فيشتريها الأول، فتصبح البنت ربة الأمة.
المهم أنه لما كثر الناس ما التزموا، كحالنا، وإلا فمن تسرى جارية وولدت له بنتاً فهي حرة بسبب بنتها، وهي تابعة له مع ابنته، لا يبيعها، والشاهد عندنا: هذه العلامة، وهي خفية، لكن العلامة الواضحة هي: أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، تحققت بعد ألف سنة أو أكثر، أن ترى الحفاة العراة من سكان البادية والجبال والأرياف في العالم بكامله حتى في أوروبا يتطاولون في البنيان: أيهم عمارته أعلى؟! هذا خبر عجب، من يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلهذا أخبار الغيب تشهد أن محمداً رسول الله.
ثانياً: احذر أن تلوث ساحتهم برائحة كريهة، وويل للمدخنين الذين ينفخون الرائحة الكريهة في وجوه الملائكة وهم لا يشعرون.
يا معشر المستمعين والمستمعات! لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يشعل سيجارة فينفخ في وجه الكرام الكاتبين ذاك اللهب وتلك الرائحة الكريهة، ومن شك في هذا القول فليذكر ما جاء في صحيح الأحاديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، من أكل ثوماً أو بصلاً نيئاً رائحته في فيه فلا يدخل المسجد، لم يا رسول الله؟! لأنه يؤذي الملائكة وهم سكان بيوت الله.
فإن شاء الله لا يسمع هذا الخبر مؤمن ولا مؤمنة ويدخن ليلته هذه!
ثالثاً: معاشر الأبناء والإخوان! معاشر المؤمنات! لا تطردوا الملائكة من بيوتكم، لا تسلطوا عليهم صور الخلاعة والدعارة في بيوتكم، فأزيلوا آلات الفيديو وأزيلوا التلفاز إذا لم تكن قادراً على صيانته والتحكم به؛ حيث لا تفتحه إلا لأمر ينفعك في دينك ودنياك.
أما أن تفتحوه لبناتكم ونسائكم وأبنائكم؛ فتدخلون على قلوبهم الخبث فيفسدون أمامكم وأنتم السبب، وأعظم من هذا وذاك أن تطردوا الملائكة من بيوتكم!
وقد تقول: وكيف؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ) صورة في كتان، أو في ورق، أو في خشبة.
وشيء آخر: لو يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك في بيتك، ويجدك جالساً مع بناتك وأولادك، وممكن أن أمك معكم أيضاً، وعاهرة تغني وترقص وهي كافرة وخبيثة، أو فاسقة من العرب والمسلمين، فكيف يكون موقفك؟ تذوب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟ يغمى عليك، فما حملك على هذا؟
فأنا أقول بأعلى صوتي: إن كانت هذه المناظر -يا أهل القرآن، يا أهل لا إله إلا الله- تكسبكم مالاً وأنتم في حاجة إليه لسد جوعتكم وستر عريكم فلا مانع، فأنتم مضطرون، ولكن هل يكسبكم مالاً؟ إذا كان هذا يدفع عنكم البلاء، والأمراض والعاهات من الحمى إلى غيرها، فقولوا: نحمي أنفسنا حتى نعبد الله، ولكن هل يكسب هذا صحة وعافية بدنية؟ والله! إنه ليبددها.
إذاً: ما هو السبب إلا أن نغضب الله ونخرج الملائكة؟! أعوذ بالله! ما عندنا سبب إلا أن نغضب الله ونطرد الملائكة من بيوتنا حتى يرضى اليهود والنصارى عنا!
أرأيتم هذا الكفر كيف عمل؟ شيء عظيم هذا، لو أن أهل البيت يجتمعون على آية من كتاب الله يتغنون بها ساعة ويحفظونها لكان خيراً من أوروبا وما فيها، لأن يجتمعوا على حديث من أحاديث نبيهم يصلون عليه ويسلمون، ويتعلمون الهدى والمعرفة من قال رسول الله؛ لكان خيراً من الدنيا وما فيها.
لكن غشونا وخدعونا وضللونا؛ فوقعنا في هذه المحنة إلا من نجاه الله، ولكن إلام؟ بل في بعض بلاد العرب من أدخل التلفاز يدفع ضريبة أيضاً، الحكومة فقيرة، تضرب ضريبة على من يدخل تلفازاً في بيته، ويعطون الضرائب ويدخلون التلفاز! فسلوا الله تعالى العافية، من عوفي فليحمد الله!
إذاً: إيماننا بالكتب هو أن نصدق بكل ما أنزل الله من كتاب في الجملة، لا بما داخله من الزيادة والنقص والتبديل والتحريف؛ لأننا علمنا أن الله نسخ تلك الشرائع وتلك الأحكام من تلك الكتب، وجعل القرآن الكتاب الحاوي لكل ما فيها!
لو كان اليهود أو النصارى يعقلون لأفهمناهم بكلمة واحدة، وهي: أن رئيس الجمهورية يصدر أحكاماً لعشر سنوات والشعب يطبقها، أليس كذلك؟ ثم يصدر حكماً بإلغائها، هل يبقى مواطن يحتج يقول: هذا كان الحاكم قد أمر به؟ مضى عشرون سنة والدولة تقوم بكذا، والشعب يقوم به، ثم بدا لها نقض هذا القانون لفساده، أو لوقوع ظروف لا يتناسب معه، فأبطلوه، فهل يبقى المواطنون يحتجون بالأول ويعملون به؟
والله! ما كان، إذاً: اليهود والنصارى يعرفون أن القرآن نسخ الكتب السابقة، فلم لا يعملون به ويتركون المنسوخ؟! الجواب: ما علمتم الآن: رؤساؤهم، أحبارهم، علماؤهم الذين يعيشون على حسابهم يحملونهم على هذا الباطل، وإلا فأدنى عاقل يفهم، أنت تؤمن بالكتب الإلهية أم لا؟ هذا آخر كتاب نسخ الله به ما سبق من القضايا والأحكام؛ لأن الزمان تغير.
إذاً: يجب أن نعمل بهذا الكتاب ونلغي تلك الكتب.
ورأيت لبعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذف الهمزة في مثل الآخرة والأولى؛ لأنه أسهل في المدينة، وقراءة ورش هي قراءة أهل المدينة بالتخفيف.
إذاً: النبيون أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهم صنفان: أنبياء رسل، وأنبياء ليسوا برسل، ما كل رسول إلا وهو نبي، لا يكون رسولاً حتى يكون نبياً، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً.
وعدد الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر على عدة قوم طالوت الذين هزم الله بهم جالوت ، وعلى عدة أهل بدر الذين هزم الله بهم أبا جهل ، فسبحان الله! عدة قوم طالوت ثلاثمائة وأربعة عشر هزموا جيشاً عرمرماً، وكان داود البطل فيه، ثلاثمائة وأربعة عشر فقط من المدينة من المهاجرين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم هزموا ألف مشرك في بدر.
إذاً: عدد الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر، وعدد الأنبياء مائة وعشرون ألفاً، ولا تنكر العدد، إن أنكرته أنت أنكره غيرك، ولكن الذي عليه جمهور الأئمة أن هذا العدد ثابت بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يضرنا إن زاد العدد أو نقص، وفي الجملة أن الأنبياء هكذا كان عددهم.
وفي حديث صحيح: أن اليهود كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم الواحد! ويقيمون أسواقهم في المساء للبيع والشراء وكأن شيئاً ما وقع! وذلك لموت قلوبهم، وقساوة قلوبهم، قتلوا زكريا نبياً ورسولاً، وقتلوا ولده يحيى نبي الله ورسوله، وتآمروا على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، وكادوا يقتلونه مرتين أو ثلاثاً.
والرسول: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، أو أرسل ونبئ بشريعة سبقته، كأنبياء بني إسرائيل.
وعندما نذكر الأنبياء ماذا نقول؟ نقول: عليهم السلام: يوسف عليه السلام، يعقوب عليه السلام، إلا إبراهيم فإننا نقول: صلى الله عليه وسلم، وإننا في كل صلاة نصليها نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وأول الأنبياء آدم، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأولو العزم منهم خمسة، وحفظ هؤلاء الخمسة ومعرفتهم واجب وركن من أركان العقيدة، وهم: نوح عليه السلام، إبراهيم عليه السلام، موسى عليه السلام، عيسى عليه السلام، محمد صلى الله عليه وسلم، وهم في آية واحدة من سورة الأحزاب: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7] بدأ بقوله تعالى: (منك)، فهو أولهم وأفضلهم في الآية، وحديث الشفاعة العظمى جاء بمثل هذا.
قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35] وصبر إبراهيم معلوم.
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر