أحمده وأشكره، وأسأله أن يوفقنا لصالح الأعمال والأخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله عزَّ وجلَّ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً [لقمان:33].. يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
عباد الله: هل تعلمون ما هو ذلك اليوم؟ هو والله يوم القيامة، يوم الطامة الكبرى، يوم الصاخة، يوم تشقق السماء بالغمام، يوم تفتح السماء فتكون أبواباً، فينـزل من كل سماء ملائكتها، ينـزلون ليحيطوا بأهل الموقف، في ذلك اليوم الذي يتجلى فيه الرب لفصل القضاء بين الخلائق.
عباد الله: إذا تحققنا من ذلك وآمنا به، علمنا حق اليقين أن هذه الحياة الدنيا لا بد لها من الزوال، وأنها دار ممر وعبور إلى الآخرة، وأن أهلها سوف ينتقلون منها إلى ما قدموه من الأعمال.
فتذكروا عباد الله! تذكروا حالتكم عند حلول الآجال، ومفارقة الأوطان والأهل والعيال والجيران.
تذكروا حينما تشاهدون الآخرة وهي أمامكم، وأنتم مقبلون إليها، وأنتم منتقلون إليها، وأنتم مدبرون عن الدنيا.
فتُعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه في القبر حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءُك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: يا رب! لا تقم الساعة
}.فقسم من الناس، توفاهم الملائكة طيبين، يقولون: سلام عليكم أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].
وقسم من الناس توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الأنفال:50].
أمة الإسلام: تذكروا إذا حُملتم إلى القبور، فانفردتم بها عن الأهل والأولاد والأموال والقصور، فارقتم الفلل، فارقتم الفرش، فارقتم الكنبات، جليسكم فيها الأعمال، موسَّدون التراب، مفترشون التراب، قد صُفت عليكم اللبنات، فإما خيرٌ تسرون به إلى يوم القيامة، وإما شرٌ تجدون به الحسرة والندامة.
ثم تذكروا إذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى [الزمر:68] فإذا نحن قيام من القبور، ننفض التراب من رءوسنا، حفاة، عراة، غُرْلاً، في يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36] في يوم يُجمع فيه الأولون والآخِرون في صعيد واحد، في ذلك اليوم، يوم التغابن، ووالله يوم التغابن، ليس التغابن -يا عباد الله- في نيل عرض من الدنيا، أو توسيع الفلل وارتفاع القصور، فإنما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الحديد:20] تزدهر قليلاً، ثم تزول سريعاً.
فتنافسوا -أيها المسلمون- في أعمال الآخرة، لتدركوا الأجر العظيم في يوم القيامة، فإن الدنيا مزرعة الآخرة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].
اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، واجعل القبر لنا بعد منازل الدنيا أفسح المنازل، وآمِن خوفَنا يوم الفزع الأكبر، واجعلنا ممن يأخذ كتابه بيمينه يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أٌقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه ثم توبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلِّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ حق تقاته, واستعدوا لما أمامكم يوم العرض الأكبر على الله، حينما ينقسم الناس إلى قسمين: سعداء، وأشقياء.
فأما السعداء: ففي روضات الجنات، لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، ولهم فيها ما يدَّعون، لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وأما الأشقياء: فمآلهم إلى النار، لهم فيها زفير وشهيق، يُطعمون الزقوم، ويُسقون فيها ماءً حميماً، يقطع الأمعاء والأوصال، ولا يُسمع لهم دعاء، ولا يُرحم لهم بكاء، ولا يزدادون من طول مكثهم فيها إلا عذاباً.
فالحذر.. الحذر.. يا عباد الله، الحذر.. الحذر.. يا عباد الله من جميع المعاصي, ومن مُضلات الفتن، ومن اتباع الشهوات، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن عليكم، وتأهبوا للعرض الأكبر على رب العالمين.
واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصلوا على رسول الله كما أمركم الله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام.
اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، من اليهود والنصارى والشيوعيين، إنك على كل شيء قدير. اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم عافيتك ويدك، اللهم مزقهم كل ممزق.
اللهم انصر المجاهدين من المسلمين في برك وبحرك. اللهم أيدهم بنصرك، اللهم أيدهم بنصرك. اللهم ثبت أقدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، يا رب العالمين.
اللهم أصلح إمام المسلمين، وارزقه الجلساء الصالحين الناصحين، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، وحكم بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، وجنبنا وإياهم مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير.
اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر