وأصلي وأسلم على قائدي وقدوتي ومعلمي وقرة عيني محمد بن عبد الله.
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، وأوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، وأسألك اللهم أن تحفظ حجاج بيتك المسلمين، وأن تعيدهم إلينا سالمين غانمين، لا تحرمنا بركة دعائهم، اجعل سعيهم مشكوراً وحجهم مبروراً، وذنبهم وذنبناً مغفوراً.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
اللهم إني أسألك أن تنصر المجاهدين في سبيلك، وأن تكرم الشهداء، وتثبت الغرباء، وتفك أسر المأسورين وسجن المسجونين من إخواننا المسلمين، وأسألك لأمة محمد خليفة ربانياً يسمع كلامه الله ويسمعها، وينقاد إلى الله ويقودها، ويحكم بكتاب الله وتحرسه، وأرنا في أعدائك وأعدائنا يوماً أسوداً، عليك باليهود وأعوانهم، والنصارى وأنصارهم، والشيوعيين وأشياعهم، أحصهم عدداً، واقتلهم بددا،ً ولا تبق منهم أحداً، وأسألك أن ترد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، وحقق بالصالحات آمالهم، واختم بالطاعات أعمالنا وأعمالهم، برحمتك يا أرحم الراحمين!
عباد الله: للإنسان قيامتان: قيامة صغرى وهي الموت، وقيامة كبرى وهي البعث.
فماذا يقول الله عن القيامة الصغرى؟
إذا ما جاء الإنسان الموت وفشل الطبيب ولجنة الأطباء، وسافروا به للعلاج وعادوا من السفر إلى القبر، يقول الله عن هذه القيامة: كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30] وهنا لا ينفع طب الأطباء ولا ينفع الدواء، قال الشاعر:
ولو علم الطبيب دواء داء يرد الموت ما قاسى النزاعا |
ويقول آخر:
وقبلك داوى الطبيب المريض فمات المريض ومات الطبيب |
ويقول آخر:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع |
وهنا يكون الاستسلام التام لقيوم السماوات والأرض: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الواقعة:83-87] وهنا تنقطع الأماني وتنقطع الآمال ولا تبقى إلا أمنية واحدة ينادي المحتضر نداءً خفياً يسمعه قيوم الأرض والسماوات: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].
ومن خلال هذا النداء الخفي تأتي الملائكة إلى الكافر، وتنتزع روحه وهي تضربه على وجهه وعلى أدباره: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [الأنفال:50-51].
أما المؤمن فإنه يأتيه الطيب والسلام من الملائكة الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32].
وهنا يكون الاستيئاس من الميت فإذا استيئس القوم منه قالوا: اتركوه .. حركوه .. وجهوه .. مددوه .. غمضوه .. عجلوه للرحيل .. لا تحبسوه .. ارفعوه .. غسلوه .. كفنوه .. حنطوه .. أخرجوه فوق أعواد المنايا .. شيعوه؛ فإذا صلوا عليه؛ قيل: هاتوه واقبروه، ودعوه .. فارقوه .. أسلموه .. خلفوه، وانثنوا عنه، وخلوه كأن لم يعرفوه.
وهناك في القبر ماذا بقي؟ بقيت أصداء صيحته، صيحته الأولى رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100] وأصداء صيحته الثانية عند انطباق القبر عليه، وعندما يقرعه ملك أعمى أصم بيده مرزبة من حديد، يصعقه بها فيصيح صيحة تسمعها كل الخلائق إلا الإنس والجان؛ ولو سمع لصعق أصداء صيحته ترددها أرجاء السماوات والأرض.
أما ورب البيت والأستار والمسـ ـعى وزمزم والهدايا المشعرات |
فلينظر الرجل اللبيب لنفسه فجميع ما هو كائن لابد آت |
أين الملوك ذوي العساكر والدساتر والمنابر والقصور المشرفات |
والغانيات فمن لها والغاديات الرائحات من الجياد الصافنات |
هم بين أطباق الثرى فتراهم أهل الديار الخاويات الخاليات |
هل فيكم من مخبر حيث استقر قرار أرواح العظام الباليات |
والدهر لا يبقي على نكباته صم الجبال الراسيات الشامخات |
من كان يخشى الله أصبح رحمة للمؤمنين ورحمة للمؤمنات |
وإذا أردت ذخيرة تبقى فنافس في ادخار الباقيات الصالحات |
وخف القيامة ما استطعت فإنما يوم القيامة يوم كشف المخبئات |
يوم تبلى السرائر، ماذا عملنا لهذا اليوم ولتلك اللحظة؟ ماذا أعددنا لها؟ والعمر ينطوي والأجل يقترب: ابن آدم! لا تزال في هدم عمرك منذ ولدتك أمك، إنما أنت أيام كلما ذهب يومك؛ ذهب بعضك. وأنت لا تعلم، وفجر كل يوم جديد ينادي: [أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني إلى يوم القيامة لا أعود] .. (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك) اغتنم قبل فوات الأوان.
يا نفس توبي قبل ألا تستطيعي أن تتوبي |
واستغفري لذنوبك الرحمن غفار الذنوب |
إن المنايا كالرياح عليك دائمة الهبوب |
اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقائك، برحمتك يا أرحم الراحمين! ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
وأخبرنا عن القيامة الكبرى كتاب الله فقال عنها: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:1-14].
إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [الانفطار:1-5].
إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:1-5].
إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:1-5].
يا له من يوم عظيم يشيب من هوله الولدان الصغار؟
ما حال الناس في هذا اليوم ومقداره خمسون ألف سنة؟ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة:4-5] .. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48] .. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2] .. يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [الطور:9-11].
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ [النازعات:6-9].. يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً [المزمل:14]يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً [المزمل:17-18].. وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] .
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:13-18].
يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:105] .. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] .. يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً [النبأ:38] .. يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:52] .. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران:30] .. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] .. يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:109] .. يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:19] .. يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا [النحل:111] .. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24].
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37] .. يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] .. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35].
وهكذا عندما يأتي الفقير إلى الغني البخيل فيمد يده: أعطني من مال الله. يشيح بجبينه ووجهه عنه، ثم يعطيه جانبه معرضاً ثم يستدير فيعطيه ظهره ويتولى بعيداً، ويأتي العذاب مرتباً: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التوبة:35]
يا له من يوم عظيم! يوم عصيب، استمعوا ماذا يقول الله عنه: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم:85-86] .. يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الحديد:12] .. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8] .. يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [غافر:16].
أيها الملوك! أيها الأمراء والزعماء والسلاطين والجبابرة والطواغيت! لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16] يقبض الله السبع السماوات بيمينه فيطويها، والأرض بيمينه فيطويها، ويقول: أين الجبارون؟
أين الملوك؟
أين المتكبرون؟
نداء مجلجل يوم القيامة في أرض المحشر.
أين العملاء الذين يتآمرون على الأقصى وفلسطين ؟
أين الناهبون للأموال الذابحون للشعوب؟
أين السجن والسجان؟
أين السوط والجلاد؟
أين الذين يذبحون اليتامى والأرامل والشباب؟
أين الذين يعقدون المؤتمرات والمؤامرات مع يهود؟
أين الذين لا يحكمون بما أنزل الله؟
أين المرابون؟
في هذا اليوم يقال للمرابين: خذوا أسلحتكم! فيقولون: لماذا؟ فيقال لهم: لكي تحاربوا الله.
أين الكاسيات العاريات المائلات المميلات؟
أين الغاويات الغانيات المغنيات؟
أين هم هذا اليوم؟
أين الظالمون الذين يظلمون أزواجهم وأولادهم؟
أين القاطعون للأرحام؟
أين العلماء العملاء الصامتون، الشياطين الخرس، الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً؟ أين هم؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16].
يا عبد الله، يا مسلم!
ولئن نجوت فإنما هي رحمة الملك الرحيم وإن هلكت فبالجزا |
يا ساكن الدنيا أمنت زوالها ولقد ترى الأيام دائرة الرحى |
أين الألى شادوا الحصون وجندوا فيها الجنود تعززاً أين الألى |
أين الألى وذوو المواكب والكتائب والنجائب والمراتب والمناصب في العلى |
أفناهم ملك الملوك فأصبحوا ما منهم أحد يحس ولا يرى |
وهو الإله الظاهر الملك الذي هو لم يزل ملكاً على العرش استوى |
وهو المقدر والمدبر خلقه وهو الذي في الملك ليس له سوى |
وهو الذي يقضي بما هو أهله فينا ولا يقضى عليه إذا قضى |
وهو الذي أنجى وأنقذ عبده بعد الضلال من الضلال إلى الهدى |
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لا ملجأ ولامنجى منك إلا إليك، نسألك بعزك وذلنا بين يديك إلا رحمتنا، وبقوتك وضعفنا إلا قويتنا، وبغنائك عنا وفقرنا إليك إلا أغنيتنا، هذا نواصينا بين يديك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، عبيدك سوانا كثير كثير وليس لنا رب سواك، نسألك مسألة المسكين، ونبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وندعوك دعاء الخائف الضرير، دعاء من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه، يا أرحم الراحمين! يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء اكشف ما بأمتنا من سوء.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا مؤمناً إلا ثبته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا سوءً إلا صرفته، ولا عيباً إلا سترته، ولا مسافراً إلا حفظته، ولا غائباً إلا رددته، ولا كرباً إلا فرجته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا عدواً إلا قصمته.
اللهم ثبتنا يوم الفتنة، وأطعمنا يوم الجوع، واسقنا يوم الظمأ، واسترنا يوم العورة، وأمنا يوم الفزع، وصبرنا يوم الجزع.
اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر