لك الحمد ربنا أنت الذي خلقتنا من عدم، وأسبغت علينا وافر النعم، كبرتنا من صغر، وأطعمتنا من جوع، وسقيتنا من ظمأ، وسترتنا من عورة، وشفيتنا من مرض، وكثرتنا من قلة، ورفعتنا من ذلة، وأمنتنا من خوف، وصبرتنا من جزع، وعلمتنا من جهالة، وهديتنا من ضلالة، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
عباد الله! إني أحبكم في الله، واسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ومستقر رحمته، وأبرأ إلى الله من ذنوبنا ومعاصينا التي بسببها تأخرنا وهزمنا، وأخذنا ومزقنا، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
والذي لا يتقي الله لا يجعل له مخرجاً ولا يرزقه من حيث لا يحتسب.
أيها الأحبة الكرام! قرأتم في الأسابيع الماضية مقولة في إحدى الصحف، كتبت على إثر خطبة خطبها أحد الخطباء المتطوعين، حيث قال: إن تخلف الأمة الإسلامية وهزائمها بسبب ذنوبها وغضب الله، فثارت ثائرة الصحيفة وردوا عليه، وقالوا له: إن الله لم يغضب على هذه الأمة، وإن هذا التخلف وتلك الهزائم لأننا ما أخذنا بركب العلم المادي والتقني والتكنولوجيا، ولا تضر الذنوب ولا تضر المعاصي، ثم أثاروها قضية وطلبوا لها الباحثين والدكاترة والمفتين، وأخذ كل يدلو بدلوه فيها.
فليفتح باب الزنا على مصراعيه، والربا، ثم لننشئ مصانع تقنية، ونجري فيها التجارب الذرية، عند ذلك ننتصر على أعدائنا اعتماداً على هذه المصانع والتقنية، لا على الله ولا على رضوان الله.
وأما ظاهر هذه المقالات ونحن نحسن الظن دائماً بالمسلمين؛ أنهم يريدون بعث هذه الأمة من جديد لكي تأخذ بالعلم المادي جنباً إلى جنب مع العلم الروحي الشرعي حتى لا تتخلف، ولكن أخشى أن يفهم من هذه المقالات أننا بخير، وأن ذنوبنا قليلة، وأن رضوان الله علينا على ما نحن فيه، والويل كل الويل للمجتمعات والأفراد إذا أصروا على الذنوب والمعاصي ولم يتطهروا منها، فإن سخط الله وغضبه يطاردهم كائناً ما كانوا، ولو كان معهم أنبياء ورسل وصديقون ومحدثون وصحابة، فإن الله سبحانه وتعالى ينزل العقوبة فينجي من يشاء ويأخذ من يشاء.
استمعوا! والله سبحانه وتعالى يبين لنا الحضارات التي سادت ثم بادت، كيف أخذها بذنوبها ونوَّع أساليب الأخذ، حتى لا يقول إنسان بأن دليل غضب الله هو هذا النوع من العذاب، فإذا ما جاء هذا النوع من العذاب وجاء نوع آخر، فهذا ليس من الله، هذا من الطبيعة!! هذه كوارث.
قال الله تعالى: فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت:40] بيَّن المقدمة قبل أن يعطيك النتيجة، السبب في الأخذ: الذنب، ثم نوَّع الأساليب والوسائل في الأخذ، حتى لا نقول: هذا الزلزال من الطبيعة لكن هذا الخسف من الله، كل من الله بسبب الذنوب.
ثم يبين الله سبحانه وتعالى صورة أخرى للتخلف والهزائم والتدمير، ويستخدم كلمة التدمير الشامل في قضيتين، تأمير الفاسقين، أو عدم تنفيذهم لأمر الله، قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا [الإسراء:16] أصبح الأمراء والمسئولون والوزراء في تلك الأمة من غير الصالحين، عند ذلك من خلال الممارسات الظالمة الموجهة المنظمة الحزبية، يبدأ الأخذ والتدمير.
والقراءة الثانية: (أَمَرْنَا) أي بالأمر الشرعي، بأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان، ويحجوا البيت، يحلون ما أحل الله ويحرمون ما حرم الله، هذا هو أمر الله، أمرنا مترفيها (الملأ).
قال: ففسقوا، تركوا الأمر الشرعي واتخذوا الأمر الشيطاني، فاستجابوا للشيطان بالفسق: (فَفَسقُوا فِيْهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16] تكررت كلمة (تدمير) مرة وراء الثانية، حتى نراقب قوة الله: فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16].
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ [الإسراء:17] يقول الله تعالى: ليس هذه القرية فقط إنما كل المدن والحضارات من عهد نوح، ونوح في عهده حدث تدمير شامل للبشرية إلا من كان معه، بطوفان اجتاح الكرة الأرضية كلها ولم يبق أحياءً وكائنات إلا من كان في السفينة من البشر والطير والحيوان والحشرات، وسبب معصيتهم أنهم جعلوا أصناماً لصالحين عبدوها من دون الله بعد ثلاثة أجيال.
(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً [الإسراء:17] فأصبح بذنوب عباده خبيراً بصيراً يمهل ويصبر ثم يأخذ بعد ذلك.
ثم استمعوا أيها الأحباب: يقول الله سبحانه وتعالى عن قوم صالح: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:14-15].
كل الأمم والحضارات تخاف عقبى تدمير الحروب، الله سبحانه وتعالى غضب غضبة عظيمة على اليهود والنصارى، فسلَّط عليهم الحرب العالمية الأولى، ثم سلط عليهم الحرب العالمية الثانية، لكنهم لم يعتبروا ولم يتعظوا، وهو الآن يعد لهم حرباً عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر، فإن كانت الحرب الثانية وهم أهل دين واحد وملة واحدة، طحنت منهم عشرات الملايين، فإن الحرب الثالثة كما تعلمون من التقارير أنها لا تبقي ولا تذر، وكلهم يتسابقون بها في الأرض والبحر والفضاء، أي من فوقهم ومن تحت أرجلهم، العذاب الذي وعد الله به.
وهل هذا التسابق والإمهال: فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق:17] هل هذا دليل على أنه من رضوان الله؟
هذا هو المقياس الذي تطرحه تلك الجريدة، يقولون: لو كان الأخذ بسبب الذنوب لكان أول من يدمر أمريكا وإسرائيل؛ لأن ذنوبهم أكبر وأكثر، وأنا أقول: إذا أعد العدو لعدوه سماً في العسل، هل شراء العسل وتحضير العسل دليل على حبه لهذا العدو، لا.
فالله يستدرجهم، ويملي لهم، ويمهلهم، ثم بعد ذلك يكون الأخذ الشديد بعد المكر والاستدراج.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ [آل عمران:11] آل فرعون ماذا أعطاهم الله؟ الأموال والسلطان وجعلهم ملوكاً ودولاً، وعما قليل ستسمعون طاغوتهم يفتخر بالحضارة والمادة والذهب والصناعة والأهرام إلى آخره.
طردنا من موطننا الأصلي وهو الجنة، لا نصب ولا صخب، ولا جوع ولا ظمأ، ولا برد ولا زمهرير ولا حر، فيها رؤية الله والحور العين، والخلود والنعيم، كل ذلك ذهب منا بذنب واحد: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121] ولولا توبته لما بقي لنا أمل واحد في الجنة، لكن أبانا آدم تاب فتاب الله عليه، وعلى كل من يتوب من ذريته، وتكبر الشيطان، ولم يلتزم أمر الله فسخط الله عليه وطرده من رحمته، فالله لا يحابي أحداً، الكل خلقه وهو الخالق، من استجاب استجاب الله له، ومن عصى أخذه الله.
زعم اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18] كأي بشر يأخذكم بالذنوب، والله قد وعد: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً [الإسراء:7].
وهل بعد هذا الوعد يقول إنسان: إن الله يحب اليهود فنصرهم على العرب في حزيران: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5] ما كفى هذه الأمة تشكيك وتضليل في عقيدتها ودينها وقرآنها وصلاتها وعبادتها، حتى أخذوا يخترقون السماوات العلى، ويصعدون على العرش، والله استوى على العرش، ويريدون أن يعرفوا مراد الله، أن الله لم يغضب على هذه الأمة، وإن كثرت ذنوبها ومعاصيها.
99% من دول العالم الإسلامي لا تحكم بما أنزل الله، هل هذا الذنب يصيب الشعوب؟ أم لا يصيبها؟
هذا سؤال!!
من يجيب؟
القرآن يجيب، قال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ إَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:49-50].
الشاهد في هذه القضية قوله تعالى: إَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة:49] ما هو هذا البعض؟
هو هذا، الحكم بغير ما أنزل الله، وإلا فهناك ذنوب كثيرة.
يقول سبحانه وتعالى: فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِم [الأنعام:5-6] سماء ممطرة، وأنهار تجري، ماء من الأعلى، وماء من الأسفل، وخيرات وتمكين في الأرض، وهو قرن كامل.
أنهار المياه أطول أنهار العالم وأكثرها وأوسعها في عالمنا.
وآبار النفط تجري من تحتنا كما تجري الأنهار، بل هي محيطات تحت الثرى.
ومع هذا كفرنا النعمة، وأبسط صورة من صور كفران هذه النعمة، سلب هذه الأموال واستخدامها في الربا، وصرف الملايين على الشهوات المحرمة، وهناك قارات مسلمة من حولنا تموت، ولا يلتفت إليها على مستوى الدول بأي التفات صادق.
يقول الله سبحانه وتعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ [النحل:112] براً وبحراً وجواً، الناس يزرعون وهم يأكلون، الناس ينسجون وهم يلبسون، الناس يصنعون وهم يستهلكون، و"رغداً" لا يأتي بصنف واحد، وإنما من نفس المادة مئات وعشرات الأصناف والبدائل، وأصبحوا يأكلون الثمار في وقتها وفي غير وقتها، بل تساق إليهم جميع ثمار وفواكه المواسم في العالم.
وقد تعجب الكفار لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أسرى بي في ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) قامت الدنيا عليه وأصبح العالم العربي والإسلامي يسرى به إلى أبعد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بساعات وليس بليال، وتحضر إليه جميع الأطعمة والمنتجات بساعات وليس بأيام وشهور، وأصبح يطمئن على أهله وهو في أقصى الديار لمريضه الذي يعالج في الخارج، لابنه الذي يدرس في البعيد وفي ديار الغربة، وهو في سيارته يرفع جهاز التلفون ويسأل عن أهل الشرق وأهل الغرب، هذه النعم ألا تحتاج إلى شكر، لهذا يقول الله سبحانه وتعالى: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112].
ما دخلك أنت بالملائكة؟ أنت شيطان بشري! لكن دائماً هم يستخدمون هذه الأساليب، يضربون مرة على مادة الصولجان والغناء ومرة على وتر العفة والطهارة، لكي يخدعوا الشعوب ويضللوها.
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ يا قوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51].
كلها تحت يدي وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ [الزخرف:51-53].
انظر إلى الأسلوب أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ [الزخرف:53] عندي استعداد أن أؤمن!! مقترنين فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف:54] فماذا قال الله بعد ذلك؟ انظر إلى الغضبة فَلَمَّا آسَفُونَا [الزخرف:55] أي أغضبونا: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ [الزخرف:55-56].
عبرة لكل جبار وكل شعب متخاذل متواطئ عميل مع الحزب الحاكم الذي لا يطيع الله ولا يطيع رسوله.
أيها الأخوة: تفكروا وتدبروا في كتاب الله وكل واحد منا له دور في طاعة الله: (فرب أشعث أغبر ذي طمرين، لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره) ولعل الأمة لا تزال محفوظة من الأخذ والتدمير الشامل بهؤلاء، فإن انقطع هؤلاء فهناك عجائز ركع، وبهائم رتع، وأطفال رضع، تتنزل عليهم رحمة الله.
اللهم إنا نبرأ لك من ذنوبنا ومعاصينا، ونبرأ إليك من هذه المقولة التي تقول: إن تخلفنا وهزائمنا ليست من ذنوبنا ولا بغضب الله، اللهم أعزنا بالطاعات، واحفظنا من المعاصي والموبقات، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تعاملنا بما نحن أهله وعاملنا بما أنت أهله، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد أيها الأحباب الكرام: فاستمعوا إلى قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) لمن النداء هنا؟ النداء ليس للكافرين، مع أن أصل الربا خرج من ديار الكفر، أصل الربا أكبر وأكثر أنواع الربا الآن، في أمريكا وفي أوروبا وعند اليهود؛ لأن علماء الاقتصاد الربوي كلهم يهود، الممولون يهود، الذين يسيطرون على أمريكا وأوروبا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا هم اليهود، ومع هذا لم يوجه الله الخطاب لهم في قضية الربا، هل عدم توجيه الخطاب لهم -للكافرين- في قضية الربا دليل رضوان الله على رباهم، لا.. وكفى بالكفر ذنباً وما بعد الكفر ذنب، لكن الخطاب يوجه إلى أحبابه وأوليائه، أمة محمد وبالأخص المؤمنين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278].
بحرب من الله ورسوله، والحرب هنا استخدمت في هذا الموقع، وفي موقع اللصوص والطرق والبلطجية الذين يسومون الشعوب سوء العذاب، عصابات معينة وأحزاب تسلب وتنهب وتدمر، قال تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة:33].
والحرب هنا في قضية الربا: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] ثم يأتي من يقول: والعالم الإسلامي لا تجد دولة واحدة فيه لا تتعامل بالربا، لا تجد دولة واحدة فيه لا تتعامل بالربا!! إذاً .. كلها أعلن الله عليها الحرب، وأصبحت الأموال التي تجمع، تعود إلى أصول الربا هناك في أوروبا، الفروع أخذت تتصل بالأصول.
البطالة في أوروبا الآن انتهت تقريباً، حركوا مصانع السلاح لكي نذبح بها بأيدينا وأموالنا، فصب الربا في الربا، ولكن مع انصبابه هناك، انصبت الدماء وزعزع الأمن واضطربت الحياة، إعلان الحرب من الله، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] تذهب إلى أمريكا وإلى روسيا لكي تحمي الناقلات. اللهم إنا نسألك أن تحمي الناقلات بالباقيات الصالحات والطاعات، إنك على ذلك قدير.
تستطيع أن تقول: إن ثمانين بالمائة من دول العالم الإسلامي، الزنا فيها يحميه القانون، لا يعاقب عليه! يحميه!! له أماكنه وأطباؤه وعملاؤه وزبائنه وحراسه، والله يقول: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
أمة على هذا السبيل السيئ كيف تنتظر نصر الله ورضوان الله؟! والفاحشة وما أدراك ما الفاحشة، أحس بالغثيان وأنا اقرأ إحدى الصحف، تنشر في الصفحة الأخيرة أن أكثر من مائة ألف شاذ جنسياً من قوم لوط في البلد الفلاني وفي البلد الفلاني، وفي أكبر ميادينها وأكبر ساحتها يقيمون مهرجاناً واحتفالاً ينادون ويشكرون دولهم على تلك الحقوق التي قدمت إليهم في البرلمانات وفي الدساتير وفي القوانين، ويقوم الشاذون والشاذات .. وهكذا تقوم الصحف في سباق على الدرجات النارية وهو يلبسون لباسهم الجلدي البراق، عندما يقرأ ابني وابنك مثل هذه الأخبار في تلك الصحف، ماذا ترجو منه؟
عندما يعلم أن أكثر من مائة ألف في ميدان واحد يقيمون مهرجاناً تحميه الدولة، ويلتفت هو يميناً وشمالاً فلا يرى أحد، فينساق مع الأغلبية والأكثرية، ولولا أنهم على حق ما نشرت أخبارهم تلك الصحف، ولا حمتهم تلك الدول، ولا أقاموا المهرجان، الطفل الصغير لا يميز، لهذا نحن نرى أبناءنا مسخ شعرهم كشعر مايكل جاكسون ، حركاتهم .. أقوالهم .. مشيهم، يرقصون ويغنون كما يفعل ذلك الخنزير، على أنفاس من تحولوا هذه التحويلة، على أنفاس مثل هذه الكتابات، عندما يقرأ الجيل المسلم أن الله لا يغضب على هذه الأمة وإن كثرت ذنوبها، وأن هناك في أمريكا وأوروبا ميادين كل ميدان فيه مائة ألف لوطي تحميهم الدولة، ماذا ننتظر من الجيل المسلم بعد ذلك؟
أين الرقابة على الصحف؟ ألا تستحق هذه أن تقطع بمقص من نار.
قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] قال صلى الله عليه وسلم: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129].
محمد صلى الله عليه وسلم يأخذ الفداء من أسرى بدر، فيغضب الله غضبة عظيمة، فيجلس هو وأبو بكر المجتهدان في أخذ الفداء يبكيان ويمر عمر الذي قال: [إني أرى يا رسول الله أن يسلم كل قريب إلى قريبه، فنضرب أعناق الكافرين، إنها أول معركة يا رسول الله، ننتصر فيها على الكفر، فكيف نرضى بالفدية].
( مر
أيها الأحباب الكرام! أخذ الله قوم شعيب بإنقاصهم للمكيال، وأخذ الله قوم لوط بفعل الفاحشة، وأخذ وأخذ. فاقرءوا القرآن وتدبروا.
اللهم إنا نعوذ بك من أن تهلكنا بما يفعل المبطلون، اللهم إنا نسألك السلامة والإسلام، والأمن والإيمان، وأن ترد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، وأن تحفظ مقدسات الإسلام من التآمر فهو من أعظم المصائب، اللهم من أراد بنا والإسلام والمسلمين سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده واجعل تدبيره تدميره، واحرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا، يا أرحم الراحمين، إن الذنب كبير، والعمل قليل، ولا نثق إلا برحمتك يا أرحم الراحمين، رحماك رحماك بالأطفال اليتامى، والشباب الحيارى، والنساء الثكالى.
اللهم إنا نسألك لأمتنا خليفة ربانياً يسمع كلام الله ويسمعها، وينقاد إلى الله ويقودها، اللهم اجعل شتات أمة محمد دولة، وضعفهم قوة، وفقرهم غنى، وتمزقهم وحدة وجماعة، ويأسهم رجاء، وقنوطهم رحمة، وخوفهم أمناً، وهزيمتهم نصراً، إنك على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر