إسلام ويب

الولاء والبراء[2]للشيخ : أبو إسحاق الحويني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن عقيدة الولاء والبراء هي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها علاقة المسلم مع غيره، فالمسلم يوالي المسلمين ويحبهم على غير أنساب تربطه بهم، ويعادي الكافرين وأتباعهم، ولو كانوا أقرب الأقربين. ولقد أدرك أعداؤنا أهمية هذه العقيدة فحرصوا على تمييعها بشتى الوسائل، ودأبوا على استبدالها بمصطلحات دخيلة: كأخوة الوطن، والروابط الإنسانية... وغيرها، وأعانهم على ذلك العلمانيون الذين هم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بلساننا.

    1.   

    ترسيخ عقيدة الولاء والبراء

    إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    قلنا فيما مضى: إن أول ما ينبغي أن ينشأ عليه الولد: هو صدق الانتماء إلى الله ورسوله، وذكرنا معنى الانتماء، وأن أساس الانتماء الحب، وكما يقول شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: (كل حركة في الكون أساسها الحب والبغض). كل حركة يتحركها الكائن أساسها الحب أو البغض، فأساس الموالاة: الحب، وأساس المعاداة: البغض.

    فبعدما ذكرنا علامات الحب قلنا: أثر هذا الحب هو موالاة الله ورسوله والمؤمنين ومعاداة الكافرين، فالرجل صادق الانتماء لا ينتظر أمراً من أحد ليدعو إلى من يحب، إنه يدعو إلى من يحب طبعاً، فلا يقال له: ادع إلى من تحب، أو الهج بذكر من تحب، إنه لا يحتاج إلى ذلك.

    أفلا أعطيك مثلاً ودليلاً؛ لعلك بعدما تستمعه تقول مثلما قال ابن آدم الآول: يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ [المائدة:31]؟

    الهدهد أحد جنود سليمان عليه السلام، وهو عبد لله عز وجل، فلا يوجد الكفر إلا في الثقلين الإنس والجن فقط.. فانتبهوا!

    فهذا العبد الموحد -الهدهد- انطلق بغير أمر، وراعه ما رأى، ورجع ليحيط سليمان عليه السلام بذلك التقرير الخطير! وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [النمل:20-21] ، رجع الهدهد ولكن ينطوي صدره على سر عظيم، لو اقترب من سليمان لعله قاتله قبل أن يبوح بالسر الذي بين يديه، لذلك فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [النمل:22] ولم يترك مهلة لسليمان ليسأله أين كنت، حتى عاجله وبادره بهول ما رأى فَقَالَ [النمل:22] جاءت الفاء تفيد التعقيب مباشرة، حتى لا يترك أي فرصة للسؤال فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22]، ما أخبرني أحد، بل رأيت بعيني.

    إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وهذا عجب! المرأة مملوكة لا مالكة، ولذلك حرمت من القضاء، وحرمت من الولايات العظيمة، وجعل عليها القوامة؛ لأنها مملوكة، فالعجيب أن يملُك هذا المملوك! كأنه قال له: اعجب وتنكر أن امرأة تملكهم، ولم يقل: تحكمهم؛ لأن الملك يدخل فيه معنى الحكم، والملك أعظم، ولذلك العلماء لما تكلموا في قوله تبارك وتعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، أو مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ وكلاهما قراءتان متواترتان، وتكلم العلماء أيهما أبلغ، ملك يَوْمِ الدِّينِ أو مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، فقال جمهورهم: بل ملك يوم الدين أبلغ، لأن كل ملك مالك، وليس كل مالك ملك، فيقول: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ لم يقل: تحكمهم بل قال: (تَمْلِكُهُم) وهذا أشد لهوانهم.

    تصور لما تكون العصمة في يد امرأة، ماذا تفعل بالرجل؟! العصمة في يدها، لذلك نهيت المرأة عن تولي الولايات العامة والقضاء؛ لأنها مملوكة، ولا تكون مالكة، إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23] .

    هذه توطئة: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فلماذا ذكر التوطئة هكذا؟ وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ إنما قدم بأنها تملك كل شيء حتى يظهر قبح الشرك، بعدما آتاها كل شيء، وملكها وأجلسها على عرش عظيم؛ تسجد لغير الله؟ وليظهر قبح ما ارتكبته المرأة وقومها، وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل:24-26].

    فهذا جندي خرج بلا أمر، فلما رأى هذا الشرك لم يحتمل، وذهب ليضع هذا التقرير الخطير بين يدي سليمان عليه السلام، وكل محب منتمٍ يفعل ذلك، والذين يزعمون الالتزام.. كم من الفواحش، لا أقول: مررت عليها، بل هي في بيتك، وكم من المخالفات لا أقول: غيرك هو الذي يفعلها، بل أنت الذي تفعلها، وأولادك يفعلونها، وامرأتك تفعلها، وجيرانك، ومن معك في البيت، ومن معك في الشارع، ومن معك في البلد، ومع ذلك يقول أنا: لا شأن لي! هذا يصرف معنى الانتماء؛ لأن من يتحقق عنده الانتماء لا ينتظر الأمر في الدعوة إلى من يحب، ولا في اللهج باسم من يحب، إنما يجد نفسه منساقاً إلى ما يعتقد.

    1.   

    حقيقة البراءة من الكافر

    إن حربنا مع أعدائنا -الذين يجب علينا أن نبغضهم غاية البغض لأنهم كفروا بالله عز وجل- ليست اقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية، إنما هي حرب عقائد، كذا قال الله عز وجل، كل حرب مع عدو لنا القصد منها أن نكفر بالله، أن نرتد عن ديننا، كذا قال الله عز وجل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109] ، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] ، وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران:149] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [آل عمران:118] ، وقال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] ، وقال تعالى: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2] .

    هذه الآيات ناطقة بأن رجاء كل الذين كفروا أن يرتد المسلمون على أدبارهم، إذاً: ليست حرباً سياسية ولا اقتصادية ولا اجتماعية، بل هي حرب عقيدة، ولذلك تجد أي مستعمر لأي بلد أول شيء يحرص عليه أن ينشر لغته؛ لأنه لا يتم نشر الاعتقاد ولا فهم المعتقدات إلا باللغة، وتجد هذا واضح الأثر حتى الآن، فاللغة الأولى في بلادنا ما هي؟ لا تقل لي اللغة العربية، فهذا حبر على ورق، مثلما يقال في الدستور: الدين الرسمي للدولة الإسلام.. هذا غلط، الدين الرسمي للدولة هو القانون، لا الإسلام، هذا هو الواقع، دعنا من الحبر المكتوب على الورق، فهذا كلام لا يساوي المداد الذي كتب به، الواقع أن اللغة الأولى في بلادنا هي اللغة الإنجليزية، وليست هي اللغة العربية، فاللغة العربية مظلومة، ومدرس اللغة الإنجليزية يحظى باحترام وتقدير لا يجده حتى مدرس اللغة العربية.

    وحافظ إبراهيم له قصيدة رثائية رائعة، اللغة العربية ترثي نفسها، يقول فيها على لسان اللغة العربية المهضومة:

    وسعت كتاب الله لفظـاً وآيــة وما ضقت عن آي به وعظات

    فكيف أضيق اليوم عن وصف آلـة وتنسيق أسماء لمخترعات

    أنا البحر في أحشائه الـدر كامـن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي

    حتى الآن وما زالت مشكلة تعريب الطب مشكلة المشاكل، كيف تقاعسوا عنها حتى الآن، ولا نعلم أن هناك بلد تحترم هذا التعريب إلا سوريا ومن جرى مجراها من البلاد العربية، ولا زالت بعض المصطلحات الكافرة موجودة حتى الآن ينطقها المسلمون ويعجزون عن تغييرها، مثل أن يقال: عيب خلقي.. مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [الملك:3] فهل يقال عيب خلقي؟!

    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في ظهره انحناء، فجعل الرجل يخفي هذا بثوبه، فلحظه النبي صلى الله عليه وسلم فناداه، وقال له: (يا فلان! كل خلق الله حسن).

    الأمم المنتصرة تفرض نفسها وتفرض مصطلحاتها على الأمم الضعيفة، فنتكلم بالكلام الكفري باسم المصطلحات العلمية، ونعجز عن تغييرها.. لماذا؟ لأنه ساد المصطلح، وصار معروفاً للأساتذة الكبار والتلاميذ الصغار، فلو قلت له: ماتقول في كذا -وسميته اسماً من عندك-؟ لا يعرف الطالب ماذا تريد، مع أن الدنيا كلها تشهد أننا اخترعنا الطب، وهم أخذوه منا، ونحن أولى به، وبضاعتنا يجب أن ترد إلينا، لكن هذا القهر اللغوي غلبنا في كل شيء.

    المغرب العربي اللغة الرسمية فيه هي الفرنسية، وقد قابلت كثيراً منهم في الحج والعمرة ولا يتكلمون العربية إلا بصعوبة، بل أقول لكم شيئاً رأيته بنفسي، لما سافرت إلى أسبانيا وأنا طالب، وجعلت أبحث عن مسجد لأصلي فيه الجمعة، ظللت أسبوعين أبحث وأسأل كل من ألقى: أين المسجد الموجود في مدريد؟ وبعد بلاء وصعوبة قالوا: المسجد في الشارع الفلاني، فذهبت وأنا أظن أنه مسجد له مئذنة أو مسجد كبير على وجه الأرض، فقابلت رجلاً على قارعة الطريق فسألته: أين المسجد الذي هنا؟ فبصق في الأرض ومضى، فذهبت إلى عنوان وصف لي، فلما وصلت ذهبت إلى استعلامات العمارة وأنا خائف أن يبصق الرجل أيضاً، فسألته وأنا وجل: هل يوجد هنا مسجد؟ قال: انزل هذا البدروم، نزلت تقريباً ستة عشر درجة، فوجدت شقة مؤلفة من غرفتين وصالة ووجدت بها مجموعة مكونة من حوالي مائة رجل يصلون الجمعة، كلهم يتكلم بالعربية وينتمون إلى جاليات عربية، وأغلبهم من الشام.

    فجعلت أتكلم بالعربية معهم، وأردت أن أتكلم مع ولد بجواري فرفض، وتكلم بالأسبانية، ففرحت وكدت أطير، حيث وجدت بغيتي أخيراً.. وجدت مسلماً أسبانياً في بلد ظل الإسلام فيه ثمانية قرون -ثمانمائة سنة- فلما تكلمت معه أُسقط في يدي إذ لم يكن أسبانياً، ولكنه شاب مغربي لا يعرف حرفاً من اللغة العربية!

    فاللغة الرسمية في بلاد المغرب العربي هي اللغة الفرنسية، وهكذا فإن الاستعمار أول ما يدخل يبدأ ينشر لغته؛ لأنه إنما ينشر اعتقاده باللغة، وكل الحروب الدائرة بيننا وبين الكفار حرب معتقدات، وليست حرب اقتصاد ولا سياسة ولا هيمنة أبداً، إنما هي حرب معتقدات كما قال الله عز وجل: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا [النساء:89]، كل المسألة أنهم يريدوننا أن نكفر كما كفروا.

    فهل نوالي مثل هؤلاء؟ هل نلقي إليهم بالمودة؟ إن الولاء والبراء هو الأثر الطبيعي لصدق الانتماء، وإن الكافر إذا ظهر لا يدعك أبداً، كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:8] ، لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:10]، وقال في الفتية الذين آمنوا وهربوا إلى الكهف: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف:20] ، هذه طبيعة ظهور الكافر على المسلم.

    ضياع الانتماء والولاء والبراء في واقعنا المعاصر

    نحن في زمان نمر بأحداث جسام، وأزمتنا أزمة رجال، نريد أن نستعلي بهذا الإيمان، فهو الذي يغلب، إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56] .

    هذا هو سلاحنا الوحيد، وعندما قال الدعاة إلى الله عز وجل: إن السلام الذي عقد مع اليهود ليس سلاماً، بل هو استسلام؛ رموهم بالرجعية والتخلف، وهجم عليهم العلمانيون، الذين يريدون ربط الناس بالتراب وليس بالله عز وجل، حيث يقول قائلهم:

    وطني لو صوروه لي وثنـاً هممت ألثم ذلك الوثنا

    ويقول الآخر:

    سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

    ويقول الآخر:

    ويا وطني لقيتك بعد يأس كأني قد لقيت بك الشبابا

    أدير إليك قبل البيت وجهي إذا فهت الشهادة والمتابا

    هكذا يريدون أن يربطوا الناس بالتراب، ومن رُبط بالتراب دِيس بالأقدام، وهذه هي طبيعة التراب، فهؤلاء ليس عندهم نخوة العربي الجاهلي، الذي رأى أن اعتداء المعتدي عليه عدة مرات إذعان وإهانة، ليس عندهم نخوة هذا العربي الذي قال -ونعم ما قال!-:

    صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْـوَانُ

    عَسَى الأَيَّامُ أنْ يَرْجعْنَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا

    فلَمَّا صَرَّحَ الشَّـر فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيـانُ

    َولَمْ يَبَقَ سِوَى العُدْوَانِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا

    مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ

    بضَرْبٍ فيه تَفْجِيعٌ وتأْيِيمٌ وإرْنانُ

    وطَعْنٍ كفَمِ الزِّقِّ غَذَا والزِّقُّ ملآنُ

    ثم قال -ونعم ما قال!-:

    وبعضُ الحلمْ عِنْدَ الجهْـلِ للذلّةِ إذْعانُ

    وفي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِينَ لا يُنْجِيك إحسانُ

    بعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان، يعتدي عليك فتسامحه، ثم يعتدي مرة ثانية وتسامحه، ثم ثالثة ورابعة وتسامحه.. لا، هذا ليس حلماً، هذا إذعان.

    فبعض الحلم -إذا جهل الجاهلون عليك، ولم يراعوا معك اتفاقاً- إذعان، فإذا أحسنت إلى أحدهم مرة وثانية وثالثة ولم تجد لإحسانك موضعاً -إذ الذي أحسنت إليه لئيم- حينئذ لا يبقى إلا الأخيرة.

    وفي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِينَ لا يُنْجِيك إحسانُ

    ما بقي إلا هذا، فنحن مقدمون على مرحلة خطيرة، والعلمانيون فعلوا في هذه الأمة ما لم يفعله اليهود ولا النصارى، ولهم وسائل كثيرة متعددة.

    فتسجيداً للانتماء وعملاً بعقيدة الولاء والبراء أول ما ينبغي أن نفعله، مقاطعة السلع اليهودية، وإن كنا نعرف أن اليهود يستطيعون كتابة (صنع في أي بلد)؛ مثل الأخطبوط، فيرسل لك البضاعة عبر أي دولة تريدها أنت.

    حذيفة بن اليمان لما خرج مهاجراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمسكه المشركون وأباه..

    قالوا: إلى أين؟

    فأجابا: إلى المدينة.

    فقالوا: تذهبون وتحاربوننا.. أبداً! أنتم أسرى عندنا.

    فقال حذيفة : لكم علينا أن لا نحاربكم..

    فتركوهما، فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقصا عليه ما حدث، فماذا قال لهم النبي الكريم النبيل؟ قال: (وفوا لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم) ، فلم يشهد حذيفة بن اليمان ولا والده غزوة بدر، ليس لأنه لم يكن حاضراً؛ بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفوا لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم).

    وفي الصحيح أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في الحرب امرأة مقتولة، فغضب، وقال: من قتل هذه؟ قالوا: يا رسول الله! إنها خرجت معهم. قال: سبحان الله ما كانت هذه تقاتل، ثم نهى عن قتل النساء والذرية) .

    في الحرب أعداؤك لا ينظرون بهذا المنظار، أعداؤك ليس هناك قانون يحكمهم، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، يريد أن يصل فليفعل ما شاء، وجاراهم المسلمون بالذات في باب الجاسوسية، فالجاسوس يزني، ويشرب الخمر، ويدفعون له المال، ويقولون له: ازن على حسابنا، واشرب خمر على حسابنا، واعمل كل الفجور على حسابنا، وهات عنهم المعلومات.. أهذا يرضي الله؟!

    جاريناهم، والغاية عندنا لا تبرر الوسيلة، فنحن قوم نبلاء، ونحن محكومون حتى مع أعدائنا فكل شيء حرمه الله عز وجل لا يحل لنا حتى مع أعدائنا: (وفوا لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم) ، إذاً هو عدتنا وهو ملجأنا وهو ناصرنا، ولذلك نقول دائماً: لا حول ولا قوة إلا بالله، إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] هذا هو القانون.

    ولذلك لا نسير سيرتهم على الإطلاق، محرم علينا ذلك، فالنبي ينهى عن قتل النساء والذرية ويقول: (سبحان الله! ما كانت هذه تقاتل) إذاً خطاب النبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى قتل النساء المجندات في الجيش؛ لأنه إنما ربط الإنكار لعلة أنها لا تقاتل، وإذا ثبت أن المرأة تقاتل جاز قتلها، مثلها مثل الرجل تماماً، (ما كانت هذه تقاتل) معنى ذلك أنها لو كانت تقاتل إذاً تستحق القتل، فكل امرأة ثبت أنها مجندة في جيش العدو تقتل مثل الرجل تماماً، بنص هذا الحديث.

    من صور البراءة من الكفار

    وباختصار: عدتنا القادمة هو الإيمان بالله، والاستعلاء بهذا الدين، والولاء والبراء، وأول من ينبغي أن تتبرأ منه هو الكافر بالله عز وجل.

    مثل إبراهيم عليه السلام وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28] ، انظر الكلام! وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ عقب من؟ عقب إبراهيم عليه السلام.

    إذاً: الولاء والبراء جزء من لا إله إلا الله، ، إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ، فهذا معنى كلمة: (لا إله) أليس البراء رفض، والولاء انتماء؟ فعندما تقول: (لا إله) فهذا شطر البراء الموجود في الكلمة المباركة، و(إلا الله): هذا هو الانتماء، إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ : هذا هو معنى (لا إله) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف:27] (إلا الله) فجعل الله عز وجل كلمة التوحيد باقية في عقب إبراهيم عليه السلام يتناقلها أبناؤه وذريته إلى يوم القيامة، فكل الأنبياء من نسله، وإن تعجب فعجب أن يقول الذي نزل بالتوحيد: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، يخشى -وهو الحنيف الذي أرسل بالتوحيد- أن يرتكس في عبادة الأصنام؛ فيستعيذ بالله من ذلك.

    لأنها كلمة باقية في عقب هذا النبي الكريم شرفه الله بها، وشرف ذريته بها، فإعلانك البراءة من الكافرين لا يتم قول لا إله إلا الله واعتقادها إلا بذلك.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    فقه البراءة من الكفار

    الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:4] ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    روى الإمام النسائي في سننه أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا رسول الله! ابسط يدك فلأبايعك، واشترط علي فأنت أعلم -من العهود والمواثيق-. قال: تبايعني على ألا تشرك بالله شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح للمسلمين، وتفارق المشركين) ، فتأمل هذا!

    مفارقة المشركين ضرورة، ومن غير المتصور على الإطلاق بأي مذهب على وجه الأرض أن توالي عدو حبيبك وتزعم أنك تحبه! أو تقول: أنا أكرهه، ثم تبسط يدك إليه بالود! فأنت عندما تحب الله عز وجل؛ تكره أعداءه بتلقائية، بدون مجهود، و(تفارق المشركين).

    لقد كانت جناية الطابور الخامس على أمتنا جناية عظيمة الأثر، بالغة الخطر، لا زلنا نتجرع مرراتها حتى الآن.

    والعجيب: أن كل خائن وصل إلى قمة الهرم.. كيف؟ لا أدري! وكأن من مسوغات ارتقاء الهرم أن تكون خائناً! وكلما بالغ المرء في الخيانة كلما واصل ارتقاءه.

    وقد قرأت منذ أيام في مذكرات أحمد لطفي السيد ، الذي لقبوه بأستاذ الجيل، ونزل هذا الكتاب بخمسة وعشرين قرشاً في وقت كان أسعار الورق فيه مرتفعة، وأسعار الكتب في الذروة، ولكن هذا الكتاب كان مدعوماً، وقد كتب عليه في أعلى الغلاف (المواجهة) ومن تحت (التنوير) وعلى غلاف الصفحة الأخيرة مذكور: لماذا تنشر هذه السلسلة بهذا الثمن الرخيص؟! قال لك: لأن الإرهاب سيحطم كل الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما إلى ذلك، فأحببنا أن نواجه الإرهاب بالتنوير.

    في هذا الكتاب تحت عنوان (الجامعة الإسلامية) في أيام اللورد كرومر ، وعندما كان الإنجليز يحتلون مصر، ظهرت فكرة إنشاء جامعة إسلامية في مواجهة الإنجليز لتحرير البلد، فلما نطق بهذه الفكرة بعض الصحفيين على صفحات الجرائد آنذاك؛ هاب الإنجليز والغرب ذلك، فبعثوا يسألون عن حقيقة هذه ما الجامعة الإسلامية، فانبرى أستاذ الجيل يفند وينفي بقوة قلب وجرأة جنان أن يكون هناك أي فكرة للجامعة الإسلامية، وقال: هذا تفكير ساذج لصحفي كاذب.

    كل هذه آثار ينبغي أن يكون المسلم عالماً بفقه البراءة منها؛ لأن من أسباب عدم ظهور هذه الشعيرة العظيمة: الجهل، ووضع الضعيف في مكان القوي، والقوي في مكان الضعيف.

    ونحن نعلم أن الخوارج لما وصفهم الرسول عليه الصلاة والسلام -في صحيح البخاري- قال: (يدعون أهل الأوثان، ويقتلون أهل الإسلام) مثلاً: أنت مختلف مع واحد في مسألة، القنوت في الفجر -مثلاً- أبدعة هي أم لا؟ أو مسألة رفع اليدين في دعاء الجمعة بدعة أم لا؟ هذه المسائل الفرعية، مسألة أن الجماعة الفلانية مبتدعة أم لا، مسائل كهذه يهجره بسببها، ويصير جاره النصراني يقول له: صباح الخير، وصباح الفل، ويضحك في وجهه، وأول ما يرى أخاه يتجهم.. وهذا من أسلوب الخوارج، (يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان).

    فتعاملك مع الناس يجب أن ينبني على أساس الدين، وبالتالي فإن هجرك لأصناف الناس يجب أن يكون وفق العقيدة التي يعتقدها كل صنف، فالمبتدع له نمط، والعاصي له نمط، والكافر له نمط، الرسول عليه الصلاة والسلام قال -كما في صحيح مسلم-: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) ضيق عليه، وهذا حديث في صحيح مسلم، أين ذهبت هذه الأحاديث؟!

    1.   

    من مكائد الأعداء

    ظهرت عندنا مصطلحات بديلة، وراجت على الجماهير المغفلة، وروجها العلمانيون، يقول لك: أخوك في الإنسانية، ما مصطلح (الإنسانية) هذا؟! هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119] هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ ما تقول بعد هذا تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ هل تصح هذه المعاملة؟! نحن آمنا بموسى وآمنا بعيسى، وآمنا بالتوراة والإنجيل جملة؛ لأنها نزلت من عند الله وإن كنا نقطع أن الموجود منها محرف، فهم يكرهوننا ويعادوننا، ومخططاهم يكشونها علانية، بينما كانوا قديماً كانوا يخافون من التصريح بها، أما الآن فينشرون المخططات على الورق، فهل سمعت بالدولة البترولية الجديدة التي ينوي أعداؤنا إنشاءها على أرضنا!!

    فحرب الحدود أصبحت مشكلة بين السعودية واليمن، فأرسلت الوفود، وأقيمت مأدبة عشاء هنا ومأدبة غداء هناك، وعقدت الاجتماعات الثنائية.

    وهم في النهاية يختلفون على أرض في مجملها صحراء لا تصلح لحياة الكائنات.

    حرب حدود ما بين مصر وليبيا، وبين مصر والسودان، وحرب حدود ما بين قطر والسعودية، حرب حدود ما بين العراق والكويت، وحرب حدود ما بين إيران والإمارات... من الذي فجر حروب الحدود هذه؟ فجرها المستعمر عندما خرج اصطنع حدوداً ثم قال لكل فريق: سأجعل لك خطاً على الأرض يحدد ملكك، وأنت ملكك إلى هنا. فالمسألة ليس لها قيمة على الإطلاق، بل افتعلها القوم المسألة هذه، ليكدروا صفو العلاقات الموجودة ما بين الدول الإسلامية بمثل هذه المنغصات.

    فكم تنفق من الأموال والجهود بعد شحن الصدور بالعداوات، وكل هذا قناع هم صانعوه، وبعدما انتهت حرب الخليج نُشرت مذكرات القادة العسكريين والساسة، واكتشفنا منها أنهم كانوا يخططون لحرب الخليج منذ عشرين سنة، وكتبوا الأوراق بسرعة وببساطة: إن حرب الخليج ليست صناعة اليوم.

    ومن ضمن النشرات التي نشروها ووضعوها في وسط الكلام: الدولة البترولية الجديدة، التي يريد النظام العالمي الجديد أن يقيمها وتشمل المنطقة الشرقية في السعودية، والعراق والكويت والإمارات، يعني: دائرة البترول، فيرسمون دائرة ويقولون لنا: هذه الدولة البترولية الجديدة، ولأن البترول في أرضكم فستظلون تتحكمون فيه، وأنا الآن العام سام، وأنا النظام العالمي الجديد، وسأعطيكم منه على قدر احتياجكم، والباقي يعطى لمن ينتفع به.

    وبهذا تصير أرضنا أرضاً جدباء، ليس عندنا صناعة بعد اتفاقية (الجات).

    وأنت تعلم أنه حتى شهادة التصنيع العالمية (الإيزو) أو (البايزو).. هذه الشهادة الخائبة، نتمنى أن الغرب يشهد لنا أننا محترمون ونسكت، فتقوم شهادة البايزو هذه -لا بأس، فهذا مصطلح خاص بي، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولكل قوم أن يصطلحوا على ما شاءوا، فلنصطلح على هذا المصطلح- وأصحاب المصانع في بلداننا يتسابقون في تقديمها للجهات الأجنبية، حتى يعطوا هذه الشهادة، فهل عرفت هذه الجهة ماذا تصنع؟ ما جودة صناعتك؟ وكم طاقة مصانعك؟ وهل غطت الإنتاج المحلي أم لا؟ وبضاعتك تسعرها بكم؟ وأنت تخسر أم تكسب...؟! ويظل يقول لك: أنت الأول، ولا أحد مثلك... وكل ما يعمل اختراع يعطوه هذه الشهادة، فصاروا يخترقوننا في كل شيء، حتى في الصناعات..!

    وعلى سبيل المثال: فإن الحريق الذي حصل في مصنع (البطاطس) في العاشر من رمضان، وكان ذلك المصنع قد توصل إلى تركيبة رائعة، وكان قد تقدم تقدماً هائلاً، فصارت منتجاته تنافس الصناعة الأجنبية، وكانت الأسعار لا بأس بها، فما الذي حصل؟ ألقيت التهمة على المظلوم البريء الماس الكهربائي، هذا الماس كيف نحاسبه؟ فحرقوا المصانع الجيدة، وأصبحنا نستخدم الصناعة الأجنبية، يقول لك: العالم كله أصبح الآن مثل القرية، فنحن اتفقنا على التبادل التجاري، فإما أن تدخل معنا أو تظل صناعاتك ولن نأخذ منك أي بضاعة، فنحن دُفعنا دفعاً إلى اتفاقيات (الجات) وما دخلناها بإرادتنا، فإما أن تشترك أو لن نأخذ منك بضاعة ولن نعطيك بضاعة، وتقبل رغماً عنك القرارات التي تضر باقتصادك.

    والسوق العربية المشتركة التي هم الآن ينظمونها في منطقة الشرق الأوسط، ما المقصود بها؟ هيمنة إسرائيلية محضة، فليس لدينا أي شيء.

    فهم بذلك يكشفون عن خططهم، ونحن نعلم أنهم سيضربون اقتصادنا، بينما نقف عاجزين عن الدفاع عن أنفسنا، فأي هوان وذل أشد من هذا؟!!

    1.   

    البراءة من الكافرين

    أيها المسلمون: نحن أزمتنا أزمة رجال.. الإسلام أعزنا، ولا توجد علاقات بيننا وبين النصارى، فلا يأتي إنسان يكفر بالله عز وجل وأقول: هذا أخي في الإنسانية.. أخوك من أين؟ كيف يظهرون كل مرة يقولون: إخواننا الأقباط.. إخوان من؟ نحن لا نعرف هذه الأخوة على الإطلاق، وهذه ليست دعوة، هذه فتنة طائفية؛ لأن العزة للإسلام والمسلمين، لكن تلك شكاة ظاهر عنك تعارها. (لا تبدءوا اليهود والنصارى بسلام) هذا حكم شرعي، فإذا كان لك جار نصراني، أو زميل نصراني في العمل، أو يهودي فلا تبدأه بسلام على الإطلاق، إنما ابدأه بأي صيغة، كأن تقول له: صباح الخير، صباح النور، أو أي كلمة أخرى.

    ولا يجوز لك أن تسلم عليه بلغته، فإن من علامة الذوبان في عدوك أن تتكلم بالمصطلحات الخاصة به، والكلام الدارج الذي على لسان الناس، حتى عناوين المحلات: (شوبينج إخوان) ما هذه التركيبة ؟! لماذا ركبتها هذه التركيبة ؟ لماذا جعلت نصفها عربياً ونصفها إنجليزياً؟ لماذا الأسماء الأجنبية صارت واجهات المحلات، وصارت جميلة؟!! وحتى بعض أصحابنا قديماً في الدراسة -الثانوية- الذين دخلوا الطب وصاروا دكاترة، هناك بعضهم -أنا أعرفه- يتعمد أن يتكلم بالمصطلحات الإنجليزية، كما كان قديماً، وإذا أراد أن يتكلم كلمة بالعربية فإنه يجد صعوبة في ترجمتها من الإنجليزية إلى العربية، أما الإنجليزية فصارت دارجة على لسانه وكأنها لغته الأم!

    شيخ الإسلام ابن تيمية عقد في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم باباً للكلام باللغة الأجنبية، وقال: إن هذا من علامات النفاق: أن الواحد يتكلم باللغة الأجنبية؛ لأن هذا فيه رفعة للغة عدوك، فتكلم بالعربية واعتز بعربيتك فهي لغة القرآن!

    فأنت قل له أي تحية، ولكن لا تبدأه بالسلام.. لماذا؟ لأن هذا من خصائص المسلمين، والنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه قال:: (لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).

    والسلام تحية أهل الجنة، وهذا مصطلح خاص بالمسلمين، فلا تعطه لهؤلاء الكافرين على الإطلاق.

    ضرب الجزية على هؤلاء علامة من علامات الكرامة والعزة التي أمرنا ربنا سبحانه وتعالى أمرنا بنص القرآن أن نفرضها على اليهود والنصارى، ولا تتخذ المشركين ولا الظالمين إخواناً لك وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ [هود:113] ، إذاً لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ فمجرد الركون أنت ممنوع منه.

    فمسألة الولاء والبراء غير منضبطة عندنا، الولاء والبراء من أساسه ومن أصوله ألا يغير في العلاقات الشخصية في محبة ولي الله، وإن كنت تبغضه في الدنيا، هو من أولياء الله أحبه؛ لما فيه من محبة الله عز وجل، ولا أكرهه لأجل مصلحتي، والله نحن نتمنى أن نتعلم هذا الخلق.

    1.   

    موالاة المؤمنين

    عائشة رضي الله عنها لما أسيد بن حضير حصل منه الذي حصل في الإفك، والنبي عليه الصلاة والسلام على المنبر بعدما أشاع عبد الله بن أبي ابن سلول أن عائشة رضي الله عنها فجرت مع صفوان بن المعطل السلمي ، والنبي صلى الله عليه وسلم سأل علي بن أبي طالب وسأل أسامة بن زيد ، وتأكد من براءة أهله وكان متأكداً، فعندما صعد النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر وجمع الناس، وقال (أيها الناس! من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما أعلم عن أهلي إلا خيراً؟ فقام سعد بن معاذ -ذاك السيد الذي اهتز له عرش الرحمن يوم مات- قال: (يا رسول الله! إن كان من الأوس أمرتني فضربت عنقه)، لماذا؟ لأنه زعيم الأوس، فهو له كلمة عليهم، فقالها بلا تحفظ، (إن كان من الأوس أمرتني فضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج) لم يقل: ضربت عنقه أيضاً، لأن الأوس والخزرج كان بينهم مشاكل في الجاهلية وستدخل في الإسلام مرة ثانية.

    فحتى لا تقع مشاكل تحفظ سعد رضي الله عنه في الكلام عن الخزرج وقال: (وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك) -انظر: الجمال في التحفظ! كان يمكن وهو منفعل أن يقول له: إن كان من الخزرج أضعه تحت رجلاي مثلاً- ومع هذا التحفظ قام سعد بن معاذ ، وهو زعيم الخزرج، وقال له: (والله لا تستطيع، ولا تقدر) أي: أنا الذي يقوم بذلك إن كان من الخزرج.

    كل هذا والنبي صلى الله عليه وسلم واقف على المنبر، وهم يتراشقون بسهام الملام، فقام أسيد بن حضير ، فقال لـسعد بن عبادة : والله إنك لمنافق تجادل عن المنافقين. حتى ثار الحيان الأوس والخزرج، وهمَّا أن يقتتلا في المسجد، والنبي عليه الصلاة والسلام يخفضهم بيديه -يعني: يشير إليهم بالسكوت- فلا زال يخفضهم حتى سكتوا.

    عائشة رضي الله عنها قالت: (فقام سعد بن عبادة -وكان قبل رجلاً صالحاً- فاحتملته الحمية)، لم يمنعها غضبها أن تشهد له بالصلاح؛ لأنه ولي لله عز وجل، وكان محبباً إلى النبي عليه الصلاة والسلام ومن سادة الرجال، ومن سادة المسلمين.

    إذاً الغضب الشخصي لا يزيل مناقب أخيك، تظل المنقبة موجودة فيه كما هي، هذه هي قاعدة الولاء: أن الحب في الله عز وجل لا يزيد بالود ولا ينقص بالجفاء.. لماذا؟ لأن الذي واليته من أجله لا زال موجوداً.

    وهذا كان خلق الصحابة الأوائل، فلم يكونوا يحبون الشخص لصورته، وإنما لما فيه من الإيمان بالله عز وجل، ويكرهونه لما فيه من البعد عن الله تبارك وتعالى.

    وهناك أشد من ذلك، وهو ما قالته زينب بنت جحش رضي الله عنها عن عائشة عندما سئلت في حديث الإفك، رغم أنه من عادة الضرائر أن كل واحدة تذم الأخرى، إلا المؤمنة بالله عز وجل، بل حتى المؤمنة قد تضعف؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، وقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله! إني أريد أن أتشبع أمام ضرتي بما لم يعطني زوجي) يعني: مثلاً تتكلم تقول: بالأمس جلس يضحك معي، ويقول لي: أنا لا أستطيع أن أستغني عنك.

    فهذه تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا أريد أن أتشبع أمام ضرتي بما لم يعطني زوجي. فقال لها: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) ، انظر إلى هذا الكلام الجميل! إنسان يلبس ثوبي زور، وأنت تعرف الثياب التي تباع في الأسواق الآن، والذين يلبسون ثياب الزور هذه لا يحصون عدداً، لا يحصيهم إلا الله عز وجل، (كلابس ثوبي زور) ونهاها، برغم أن إنساناً ربما يقول: ألا يدخل هذا في الكذب المباح؟ أليس النبي صلى الله عليه وسلم أباح أن الإنسان يكذب لأجل المحبة القلبية، ولأجل أن يزيد الود ويتنامى؟! وهذه المرأة لما تقول هذا الكلام تريد أن يكون لها حظوة عند زوجها.. أقول لك: لا، بل الرسول صلى الله عليه وسلم لما أباح للرجل أن يقول ذلك لامرأته خاصة أو المرأة للرجل، أراد تحقيق المصلحة، ولكن هذا فيه مفسدة، لأنها ستلفت نظر المرأة الأخرى، فعلاقة الضرائر تكون علاقة فيها شيء من التوتر، إلا إذا عصمهن الله بالإيمان.

    فـعائشة اتهمت في عرضها وسئلت زينب عنها: ما رأيك يا زينب في عائشة ؟ هل علمت عليها شراً؟ قالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري، فوالله ما أعلم عنها إلا خيراً. تقول عائشة رضي الله عنها: (فقالت حمنةحمنة أخت زينب ، هي التي تكلمت في حادثة الإفك على عائشة - أما أختها زينب فعصمها الله بالورع).

    ولما ماتت عائشة رضي الله عنها وسمعت أم سلمة العويل قالت: ما هذا العويل؟ قالوا: ماتت عائشة فقالت: ( رحمها الله، إن كانت لأحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه )، شهادتك أساسها ما بالرجل من إيمان، ولاؤك لما له من القرب من الله عز وجل، ينبغي أن يكون هكذا، كذلك الصحابة كلهم كانوا هكذا، فلما تقلص هذا الميزان، وأصبح الناس يحب بعضهم بعضاً للصور وليس لاعتبار الإيمان؛ فظهرت المشاحنات والمشاكسات والخصومات.

    أنا أعرف خصومات كثيرة وقعت بين كثير من الإخوة، خصومات من أتفه ما يكون، والله لو عرضت على ميزان الإنصاف لاتهم المنصف صاحبها بالحمق والتجني، كلها خصومات فارغة، وإنما هي حظوظ النفس، وهذا هو خلق المشركين.

    ربنا سبحانه وتعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ [الإسراء:73] ، وبعد ذلك وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء:73] ، أهل الدنيا هذا مذهبهم، تكذب على الله وتكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام، وتغير شهادتك، وتشهد الزور، وتخدمه في مصالحه يتخذك خليلاً، وهذا مذهب أهل الكفر: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ يعني: يكذب على الله عز وجل وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء:73] انتبه للمعلومة التي ستأتي! وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [الإسراء:73-75] هل لاحظت الفرق بين قوله) وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء:73]، وقوله: إِذًا لَأَذَقْنَاكَ [الإسراء:75] هذا يدل على ماذا؟

    واو الحال من طبيعتها تهيئة المقام وتهيئة الكلام، وإعطاء مساحة للمعنى، إذا شطب وغير واستفاد هذه الخلة الموجودة في الدنيا والمصالح... إلخ؛ فالعقوبة تأتي مباشرة، ليس هناك تهيئة، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا [الحجر:74] ، فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55] مباشرة.

    ضياع مبدأ الموالاة في عصرنا الحاضر

    فذهب أهل الدنيا إذا أعطيت أحدهم؛ فأنت حبيبه، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى كشف هذه المسألة في القرآن، قال: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] .

    كنت أعرف رجالاً، وعلاقتي بهم كانت قديمة، ولا أعرف إن كانوا ماتوا أو لا زالوا على قيد الحياة، ناس من الذين وصلوا إلى قمة الهرم، ومنهم رجل وصل إلى وكيل أول وزارة من الوزارات، وقدر لي أنني كنت أخطب في المسجد الذي كان هو رئيس مجلس إدارة فيه في القاهرة، فبعض أصحاب الحي عملوا فيَّ وشاية، وعملوا بلاغاً لوزارة الأوقاف، فنحوني عن الإمامة، وأحضروا واحداً معه إعلام وسياسة واقتصاد، وأصعدوه على المنبر يخطب، وهذا الرجل كان لا يحسن أن يقرأ في كتاب الله عز وجل، وأنا أحسن حاجة كانت تعجبني فيه أنه كان يتحمس في الكلام، ولا أعرف لماذا يتحمس؟ يذكرني بقول القائل:

    ليس أضنى لفوائدي من عجوز تتصابى

    وذميم يتحالى وعليم يتغابى

    وجهول يملأ الأرض سؤالاً وجواباً

    هذه هي طبيعة علاقات الدنيا، لذلك ربنا قال: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]، وربنا سبحانه وتعالى قال (الأخلاء) ولم يقل الأصدقاء ولا الزملاء؛ لأن الخلة أعظم الحب، وما سمي الخليل خليلاً إلا بعد أن تخللت محبته قلب المحبوب.

    ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125] ، ولم يقل هذا في النبي عليه الصلاة والسلام، وهم يعلمون أن الخلة أعظم الحب، فقال (أتعجبون أن الله اتخذ إبراهيم خليلاً؟!) قال: (لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن) ، فأثبت الخلة لنفسه صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه أعلى مقامات الحب.

    والله عز وجل يقول: (يا من أحب الآخر حباً حتى تخلل حبه مسام قلبه؛ أنت عدو له إن لم يجمعك التقى معه) .

    إذاً: اعتبار الإيمان هو الاعتبار الوحيد بين المؤمنين الذي من أجله تحب وتكره، وبسبب إهمال هذا الاعتبار صار بعض المسلمين يعطون الود للكافرين ويحرمونه المؤمنين؛ لأجل أنهم مختلفون معهم في المصالح، ولذلك نحن نقسم العداوات مع أعداء الله وأعداء الرسل، نقسمها دركات على حسب القوة: كافر، ثم موالي للكافر -منافق- ثم مبتدع، ثم عاص، وكل واحد من هؤلاء له درجة في المعاداة، بحيث أننا لا نخلط بين هذه الدرجات، وحتى نستفيد من مسألة الولاء والبراء .

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768238965