أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الباب الثاني: باب الإيمان بأن السعيد والشقي من سعد أو شقي في بطن أمه ]، أي: من كان مكتوباً له السعادة والشقاء وهو في بطن أمه [ ومن رد ذلك فهو من الفرق الهالكة ].
وفي رواية: [ (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة) -ففي الرواية الأولى: (أربعين يوماً)، وفي الرواية الثانية: (أربعين ليلة) - (ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً؛ فيؤمر بأربع كلمات فيقول: اكتب عمله، وأجله ورزقه وشقياً أو سعيداً، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع -يعني: في آخر أيام حياته-، فيغلب عليه الكتاب الذي سبق، فيختم له بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيغلب عليه الكتاب الذي سبق، فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة).
ومن طريق أبي داود صاحب السنن قال: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا حسين بن محمد عن فطر بن خليفة عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق.
قال أبو داود : قلت لـأحمد : حديث: (يجمع المرء في بطن أمه)؟ قال: نعم ].
كأن الإمام أحمد قال في طريقه: قال ابن مسعود : حدثنا الصادق المصدوق وسكت، فسأله أبو داود : أتقصد حديث: يجمع المرء في بطن أمه أربعين يوماً نطفة؟ قال: نعم.
قال: [ قال أحمد : قص حسين -أي: حسين بن محمد - نحو حديث الأعمش ].
وبعض الناس يتصور أن حديث ابن مسعود ليس له إلا طريق واحدة، وهي طريق سليمان بن مهران الأعمش الكوفي ، وفي الحقيقة أنه قد تابعه كثرة من الرواة.
[ وفي رواية: (إن خلق ابن آدم يجمع في بطن أمه لأربعين، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً فيكتب أربعاً: أجله وعمله ورزقه وشقياً أو سعيداً، قال
وعن أبي داود السجستاني قال: حدثنا محمد بن يزيد الأعور -وهو الإمام الزاهد- قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام جالساً مع
وهذه رؤيا منامية.
قال: [ (غفر الله
وهذه رؤيا منامية، ولا شك أننا لا نتكل عليها؛ لأن الرؤى مبشرات فقط، ولا يعتمد عليها في إثبات حكم أو رد حكم، فضلاً عن مسائل الاعتقاد.
وعن أبي الزبير أن عامر بن واثلة أبا الطفيل حدثه أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره -يعني: اعتبر بما نزل على غيره-.
قال: فأتى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: حذيفة بن أسيد الغفاري فحدثته بذلك من قول ابن مسعود ، فقلت: كيف شقي بغير عمل؟! -شقي وسعيد وهو لا يزال في بطن أمه! فكيف يكتب عليه الشقاء بغير عمل؟- قال: فقال: تعجب من ذلك؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله عز وجل إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها) ].
وكل ذلك بعد اثنين وأربعين، وهذا يؤيد من ذهب إلى أن نفخ الروح عند الأربعين، وبعضهم قال: نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وهذه المسألة فيها نزاع عظيم جداً، والطب الحديث -وإن كنا لا نعتمد عليه- لما كان هذا ميدانه معظم التقارير الطبية في هذا الزمان تثبت أن نفخ الروح يكون بعد الأربعين، ويصورون الأجنة عن طريق تلك المكينات الحديثة وهو يتحرك بعد الأربعين؛ مما يقوي هذا الرأي.
وقد سمعت الشيخ ابن عثيمين عليه رحمة الله وقد سألته امرأة حملت -وتعدى حملها أربعين يوماً- فقالت: أنا حامل وعندي عذر في إسقاط الجنين بالإجهاض، فهل يحل ذلك لي؟
قال: إذا كان حملك قبل الأربعين ودعتك الضرورة للإجهاض؛ فبها ونعمت، وإذا كان ذلك بعد الأربعين فلا يحل لك مع قيام العذر حتى وإن تسبب الحمل في موتك.
فهذه المسألة محل نزاع، ولا نستطيع أن نقضي بأرجحية أحد الرأيين على الآخر: هل نفخ الروح بعد المائة والعشرين يوماً، أو بعد الأربعين، ولا شك أن الاحتياط لدين المرء اعتباره أن نفخ الروح يكون بعد الأربعين، هذا هو الاحتياط؛ لأنه سيترتب عليه أحكام شرعية لا يمكن الاحتياط لها إلا باعتبار هذا الرأي، وعدم رد الرأي الثاني.
قال: [ إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله عز وجل إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها، فقال: يا رب! أذكر أم أنثى؟ فيقضي الرب ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب! أجله؟ فيقضي ربك ما شاء، ثم يقول: يا رب! رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على أمره ولا ينقص).
وعن سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع أبا الطفيل - عامر بن واثلة الأسقع - يخبر عن حذيفة بن أسيد الغفاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل الملك على النطفة بعد ما استقرت في الرحم أربعين أو خمساً وأربعين -أي: أربعين يوماً أو خمسة وأربعين يوماً- فيقول: يا رب! أذكر أو أنثى؟ فيقول الله عز وجل؛ فيكتب، ثم يقول: يا رب! أشقي أو سعيد؟ فيقول الله؛ فيكتب، ثم يكتب مصيبته -أي: المصائب والبلايا التي تنزل بالعبد- وأثره ورزقه وعمله، ثم تطوى الصحف؛ فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص).
قال حذيفة بن أسيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مضت على النطفة خمس وأربعون ليلة يقضي الله عز وجل ويكتب الملك) ].
جاء اثنان وأربعون، وثلاثة وأربعون، وخمسة وأربعون، ونيف وأربعون، فكل هذه اختلافات تحتمل، والأمر فيها سهل؛ ولذلك أتت رواية بضع وأربعين.
وذلك لأن هذا موجود في الظلمة لا يعلمه أحد، وإنما يعلمه الله عز وجل.
[ وعن عبد الله بن الديلمي قال: دخلت على عبد الله بن عمرو في حائط له بالطائف يقال له: الوهط، فقلت: خصال بلغتنا عنك أردت مساءلتك عنها، وفي رواية: فقلت: خصال بلغتنا عنك تحدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: أريد أن أستوثق منك فيها- أنه قال: (الشقي من شقي في بطن أمه؟! فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل خلق خلقه في الظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره؛ فمن أصابه من النور يومئذ شيء فقد اهتدى، ومن أخطأه ضل؛ فلذلك أقول: جف القلم على علم الله عز وجل).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله أن يخلق النسمة قال ملك الأرحام معرضاً -أي: متوجهاً للسؤال إلى الله، يقال: اعترض فلان فلاناً، أي: اعترضه بالسؤال، وقام إليه بالاستفسار، فاعتراض الملك إنما هو في السؤال- يا رب! أذكر أم أنثى؟! فيقضي الله إليه أمره، ثم يقول: يا رب! أشقي أم سعيد؟ فيقضي الله إليه أمره، ثم يكتب بين عينيه ما هو لاق حتى النكبة ينكبها) ]، يعني: حتى المصيبة والبلاء الصغير يكتبه الملك.
أي: السعيد من كتبت له السعادة ولا يزال في بطن أمه، والشقي من كتبت عليه الشقوة وهو لا يزال في بطن أمه بغير عمل؛ لأن الله تعالى علم قبل أن يخلق هذا العبد أنه سيختار طريق الشقاوة؛ فكتبه شقياً، وعلم الله تعالى قبل خلق هذا العبد أنه سيختار طريق السعادة ويهتدي فكتبه سعيداً، وهذا راجع إلى علم الله الأزلي، وأنتم تعلمون أنه لا يصح للعبد أن يقول: لم كتبني شقياً؟ لأنه على المقابل إذا جوزنا للشقي أن يسأل؛ فلابد أن نجوز للسعيد أن يسأل، فلما لم يكن هذا من السعيد فكذلك يمتنع أن يكون من الشقي.
وقد أفرغ الله تعالى حجة الشقي في اعتماده واتكاله على القدر، وأن شقاوته بقدر؛ بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، والتمييز المتعلق بالتكليف، فلما كان هذا كله بين يدي العبد فلا يحل له بعد ذلك أن يعترض على الله عز وجل.
يعني: كلاهما مكتوب عنه: هذا من أهل السعادة، وذاك من أهل الشقاوة، علم الله ذلك من فرعون، ومن يحيى بن زكريا، أي: علم الله تعالى أن من عباده يحيى بن زكريا، وأنه سيكون مؤمناً؛ فكتبه مؤمناً، وعلم الله تعالى أن من عباده فرعون، وأنه سيختار طريق الشقاء؛ فكتبه شقياً كافراً قبل أن يخلقه، فلما علم الله ذلك كتبه وقدره على يحيى وعلى فرعون.
يعني: إذا أكل كل ما كتبه الله تعالى له من رزق؛ قبضه الله إليه.
وهذا الأثر وغيره مما يدور في فلكه لا أدري ما صحتها.
وعنه قال: إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، فاتبعوا ولا تبتدعوا -أي: فاتبعوا الكتاب والسنة، ولا تبتدعوا في دينكم- فإن الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره.
وقال أيضاً: يا أيها الناس! إنكم لمجموعون في صعيد -أي: في ناحية واحدة- يسمعكم الداعي، وينفذكم البصر، ألا إن الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره.
وعن عبد الله بن ربيعة قال: كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود فذكر القوم رجلاً، فذكروا من خلقه، فقال عبد الله : أرأيتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تعيدوه؟! قالوا: لا، قال: فيده؟ قالوا: لا، قال: فرجله؟ قالوا: لا، قال: فإنكم لا تستطيعون أن تغيروا خُلُقَه حتى تغيروا خَلْقَه، إن النطفة لتستقر في الرحم أربعين ليلة، ثم تنحدر دماً، ثم تكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم يبعث الله إليه ملكاً؛ فيكتب رزقه وخَلْقه وخُلُقه وشقياً أو سعيداً.
وقال عبد الله : عجب للنساء اللاتي يعلقن التمائم تخوف السقط ].
فـعبد الله بن مسعود يتعجب من المرأة التي تضع التمائم الشركية على صدرها؛ حتى يتم لجنينها الخلق وينزل ولادة لا سقطاً حسب زعمها.
قال: [ والذي لا إله غيره لو بطحت -يعني: لو أن أحداً أخذها وبطحها في الأرض وهي حامل- ثم وطئت عرضاً وطولاً ما أسقطت؛ حتى يكون الله عز وجل هو الذي يقدر ذلك لها. ثم قال: إن النطفة إذا وقعت في الرحم التي يكون منها الولد طارت تحت كل شعرة وظفر، فتمكث أربعين ليلة، ثم تنحدر فتكون مثل ذلك دماً، ثم تكون مثل ذلك علقة، ثم تكون مثل ذلك مضغة ].
[ وقال عبد الله بن عمر : مكتوب بين عيني كل إنسان ما هو لاق حتى النكبة ينكبها ].
وهناك روايات عند الإمام مسلم مختلفة في السياق والتمام والنقصان عما في هذا الكتاب، وأعظم نكتة في الحديث يعتمد عليها من قال بأن الروح تنفخ بعد الأربعين قوله: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك)، فتوقفوا عند قوله: (ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك)، فيقولون: تنفخ الروح قبل هذه الأطوار، ويقولون: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ويعتمدون على هذا النص الزائد: (ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك)، يعتمدون على الاختلاف في هذه الرواية في إثبات أن الروح تنفخ بعد الأربعين، والإمام النووي عليه رحمة الله يرد ذلك.
قال: (ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة).. إلى آخر الحديث.
فلما اختلفت الروايات بين الثلاثة أشهر أو هذه الأطوار، ورواية الأربعين يوماً أو نيف وأربعين؛ قال العلماء: طريق الجمع بين هذه الروايات:
أن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة، وأنه يقول: يا رب! هذه علقة.. هذه مضغة في أوقاتها، ولا يعني ذلك: أن الروح تنفخ بعد مائة وعشرين يوماً، وهذا ظاهر النص، فالملك فقط يقول ذلك من باب الإخبار، والله تعالى أعلم بحال خلقه، فإذا كان نطفة قال الملك: يا رب! هذه نطفة، لا من باب أنه يخبر الله تعالى، وإنما هو يخبر عن حالها: هذه نطفة.. هذه علقة.. هذه مضغة، فهذا لمجرد الخبر، فكل وقت يقول فيه ما صارت إليه بأمر الله تعالى؛ وهو أعلم سبحانه.
أحدها: حين يخلقها الله تعالى نطفة، ثم ينقلها علقة، وهو أول علم الملك بأنه ولد؛ لأنه ليس كل نطفة تصير ولداً، فمنها ما يكون سقطاً، وذلك عقب الأربعين الأولى، وحينئذ يكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته أو سعادته، ثم للملك فيه تصرف آخر، وفي وقت آخر، وهو تصويره وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه، وكونه ذكراً أم أنثى، وذلك إنما يكون في الأربعين الثالثة، وهي مدة المضغة، وقبل انقضاء هذه الأربعين، وقبل نفخ الروح فيه؛ لأن نفخ الروح لا يكون إلا بعد تمام صورته، هذا ما ترجح لدى الإمام النووي ، وأن الروح لا تنفخ إلا بعد أربعة أشهر، أو يقل قليلاً أو يزيد قليلاً، ويعتمد في ذلك على قول الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً [المؤمنون:12-14]، ثم يكون للملك فيه تصوير آخر، وهو وقت نفخ الروح عقب الأربعين الثالثة، حين يكمل له أربعة أشهر.
ثم يزعم الإمام النووي اتفاق أهل العلم على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر، وفي الحقيقة نقل اتفاق أهل العلم على ذلك ليس سديداً، فهناك من العلماء من خالف ذلك.
ووقع في رواية البخاري : (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه)، فاعتمد على قوله: (ثم.. ثم.. ثم) التي تفيد الترتيب والتراخي.
قال: ولا اعتراض على المالك في ملكه؛ ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله. هكذا قال الإمام النووي ، فإذا كان يقصد من ذلك: أن أفعال الله تعالى لا تعتمد على الحكمة؛ فهذا بعيد جداً، وإذا كان يقصد أنه لا يجوز لأحد أن يسأل عن علة القدر، وأن القدر كله معلوم لله تعالى، وقد قدره قبل أن يخلق الخلق، ولكنه أخفى العلة عن الخلق؛ فهذا المعنى صحيح.
قال الإمام أبو المظفر السمعاني : سبيل معرفة هذا الباب -أي: باب القدر- التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس، ومجرد العقول. فاحفظ هذا؛ لأنه أقوى كلام في القدر، وهو مذهب سلف الأمة.
قال: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة. يعني: لا تتعدى قال الله وقال رسوله، وقد قال رسوله عليه الصلاة والسلام: (ثم يرسل الملك فيؤمر بكتب أربع: رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)، آمنَّا بأن الشقاوة والسعادة في بطن الأم؛ وذلك لأننا اعتمدنا على النص، والنص توقيف؛ فلا يجوز لنا بعد ذلك أن نقحم عقولنا في هذا الباب؛ لأن القدر سر من أسرار الله عز وجل.
قال: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس، ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه -أي: من انحرف عن الكتاب والسنة- فقد ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب؛ لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار -يعني: ستر الله تعالى عنَّا سره في القدر- واختص الله به، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم؛ لما علمه من الحكمة.
إذاً: كل أفعال العباد إنما صدرت لحكمة علمها الله عز وجل.
قال: وواجبنا أن نقف حيث حد لنا. أي: حيث جعل الله لنا حداً نقف عنده، ولا نخوض بعد ذلك لا بالقياس ولا بالعقل خاصة في باب القدر، فيجب الإيمان والتسليم بغير سؤال عن الحكمة.
قال: ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم -أي: عالم الإنس والجن- فلم يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب. أي: لا الأنبياء ولا الملائكة يعلمون سر الله في القدر؛ لأن هذا مما اختص الله تعالى به نفسه.
قال: وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة، ولا ينكشف قبل دخولها، والله أعلم.
قال: ففيها النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له -فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة- لا يقدر على غيره، ومن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة يسره الله لعملهم، كما قال تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:7]، وكما قال: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:10]، وكما صرحت بذلك الأحاديث.
وفي روايات: (جفت الأقلام، وطويت الصحف)، ومعنى (جفت الأقلام) أي: مضت المقادير، وذهبت وانتهى أمرها.
قال: وسبق علم الله تعالى به، وتمت كتابته في اللوح المحفوظ، وجف القلم -أي: قلم القدرة- الذي كتب به، وامتنعت فيه الزيادة والنقصان. يعني: هذا المكتوب يمتنع فيه الزيادة والنقصان.
قال: قال العلماء: وكتاب الله تعالى، ولوحه، وقلمه، والصحف المذكورة في الأحاديث؛ كل ذلك مما يجب الإيمان به.
وأما كيفية ذلك وصفته فعلمها إلى الله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ [البقرة:255].
الجواب: هذه المسألة محل نزاع بين أهل العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)، ولم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي بعد الوتر شيئاً إلا أنه كان يصلي ركعتين وهو جالس صلى الله عليه وسلم، فالسنة فيهما الجلوس حتى في القادر على القيام، ومن شاء المزيد فليرجع إلى فقه السنة، أو صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في باب قيام الليل.
وبعض أهل العلم أجاز الصلاة بعد الوتر، وأنه لا يوتر في آخر صلاته، وإنما يكتفي بالوتر الذي أوتر به في أول الليل؛ لأنه لابد أن يتم في الليلة وتر واحد، فمن صلى ركعة أو ثلاث ركعات في أول الليل ثم نام واستيقظ فأتى بركعتين؛ فيكون مجموع الصلاة ثلاث ركعات، أو أتى بأربع فيكون مجموع الصلاة خمساً، أو أتى بست فيكون مجموع الصلاة سبعاً، وهكذا حتى يكون في آخر الليل قد صلى وتراً، بمعنى: أنه صلى سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة، أو زاد على ذلك، المهم ألا يتجاوز العدد الفردي.
قالوا: وهذا هو المقصود من قوله عليه الصلاة والسلام: (لا وتران في ليلة)، وهذا قد أوتر، وصلاته كلها وتر، بمعنى: أنها عدد فردي، هكذا فهموا الحديث على أن الصلاة لا تتجاوز الوتر، بمعنى: ألا تكون شفعاً: عشراً أو اثنتي عشرة أو أربع عشرة .. بل تكون وتراً: ثلاثاً، خمساً، سبعاً، تسعاً، إحدى عشرة، ثلاث عشرة، خمس عشرة.. وهكذا، فهذه الصلاة يطلق عليها الوتر.
لكن جمهور أهل العلم على أن قوله: (واجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً). أي: ركعة واحدة، أو ثلاث ركعات مجموعات، ويفسره قوله الصريح عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الفجر فأوتر بواحدة)، وهذا هو الرأي الذي يترجح لدي.
الجواب: الحقيقة أن الأخ دخل في باب لا يحسنه، وقوله هذا يحتاج إلى النية، فهو يقول لامرأته: لو أخذت الحقنة فإن هذا سيكون فاصلاً بيني وبينك، فهل كلمة (فاصل) من ألفاظ الطلاق الصريحة؟ لا، ألفاظ الطلاق الصريحة مثل: أنت طالق.
فقوله: (هذا فاصل بيني وبينك) أرجح الأقوال فيه: أنه طلاق ضمني يحتاج إلى نية الحالف، كأن يقول الرجل لامرأته: اخرجي من بيتي، فقوله هذا إعلام وإخبار بأن هذا البيت بيته هو وليس بيتها، فربما يقصد هذا، وربما يقصد الطلاق، فلا يعرف المعنى إلا بالنية؛ ولذلك يسأل الذي قال هذا الكلام عن نيته فيه.
ورد في السنة أن ابنة الجون قالت لها عائشة وحفصة : (إذا دخل عليك النبي عليه الصلاة والسلام فقولي: أعوذ بالله منك؛ فإنه يحب ذلك، فلما دخل عليها النبي عليه الصلاة والسلام قالت: أعوذ بالله منك، قال: لقد عذت بمعاذ، الحقي بأهلك)، وكان هذا منه طلاقاً عليه الصلاة والسلام.
فكلمة: (الحقي بأهلك) على مقصود القائل، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد طلاقها فطلقت، لكنه إذا قصد شيئاً آخر فلا يعد طلاقاً، فالألفاظ الضمنية تحتمل وقوع الطلاق وتحتمل وقوع غير الطلاق، فإذا كان اللفظ يدور بين احتمالين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة فلا بد أن يحدد الغرض والقصد من هذا اللفظ، ولا يكون ذلك إلا عن طريق المتكلم، فيسأل هذا الرجل: إن كنت تقصد بهذه الكلمة الطلاق -حيث قال: إنه يقصد الطلاق- فإنه إذا أخذت زوجتك هذه الحقنة تكون طالقاً؛ لأنك قصدت الطلاق، فالطلاق المعلق على شرط يقع بوقوع الشرط، وهذا الطلاق لا كفارة له، وهو الشيء الوحيد الذي لا كفارة له، فلو فعل الرجل بامرأته أي شيء من ضرب أو شتم أو غير ذلك كل ذلك له علاج، إلا لفظة الطلاق، لو أراد المطلق أن يكفر عن ذنبه لا يمكن، ولو قدم مائة ألف شاة، فالطلاق قائم ومعلق على شرط، وأما إذا قال: إنه لم يقصد الطلاق فنقول له: لا يجوز التلاعب بألفاظ الشرع.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أذن لصلاة الظهر قبل السفر صلى الظهر وأخر العصر إلى أن يؤذن، فينزل في منزله ويصلي العصر، لكنه كان يصلي الظهر في وقته صلاة تامة في بلد الإقامة، وكان يؤخر العصر ويصليه قصراً في طريق السفر، أو في البلد الذي وصل إليه.
وإذا أردت أن تؤخر الظهر إلى العصر فإنما يكون ذلك في حال السفر قبل أذان الظهر، فإذا انطلقت في السفر قبل أذان الظهر وأذن المؤذن للظهر فلك أن تؤخره حتى تجمعه مع العصر.
وأما السنة في السفر عموماً لا تصلى إلا سنة الفجر والوتر وقيام الليل، ومن صلاها فلا إثم عليه ولا حرج.
وإذا كان لا يمكنه صلاة العصر في وقتها بسبب طول السفر فلا بأس أن يجمع في الحضر ويصلي أربعاً، يصلي الظهر أربعاً والعصر أربعاً، ونعتمد لذلك على حديث ابن عباس ، وشيخنا الشيخ محمد عبد المقصود يذهب إلى أن الجمع في حديث ابن عباس جمع صوري، ولكن مذهب كثير من أهل العلم أنه جمع حقيقي، أنه عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، وسئل ابن عباس عن ذلك فقال: حتى لا يحرج أمته، يعني: حتى يرفع عنها الحرج.
الجواب: حتى تقام عليه الحجة من صحيفته، فهو يأخذ صحيفته بيده يوم القيامة مكتوباً فيها أعماله جميعاً وأقواله، فيقرؤها ولا يستطيع أن ينكر شيئاً منها، فإن هم بالإنكار؛ ختم على فيه ونطقت جوارحه.
وقد قلنا سابقاً: إن الأصل ألا يسأل أحد في القدر.
الجواب: الواجب عليه أن يكفر عن كل يمين حلفها، فلو حلف على شيء واحد عشرة أيمان يكفر عن عشرة أيمان إذا حنث، وهذا الذي استظهره ابن قدامة في المغني.
الجواب: من اسمها أرى أنها مجلة جيدة، أو كذلك مجلة الوعي الإسلامي، وأما صحف الأهرام وأخبار الجمهورية وأمثالها فلا يجوز العمل فيها، وإذا كان الله سبحانه وتعالى وقد بسط لك في الفكر والفهم وبسط قلمك؛ فساعد أخاك أبا إسلام أحمد عبد الله في صوت بلدك، فهي مجلة رائعة، نسأل الله أن يوفق القائمين عليها.
الجواب: مسافة القصر فيها نزاع بين أهل العلم، والذي يترجح لدي مذهب المحققين من المحدثين أن مسافة القصر متعلقة بالعرف، فإذا قال أهل العرف: إن هذه المسافة سفر وإن قلت عن ثمانين كيلو؛ استخدمت الرخص، وإن قال العرف عن مسافة: ليس سفراً؛ وإن زادت عن ألف كيلو امتنعت الرخص، هذا الذي يترجح لدي.
وبعض أهل العلم يذهب إلى أن الرجل له عدة مواطن، لكن هذا ليس موطنك وإنما هو موطن أهلك، فأنت تبيت في الغربية يوماً ويومين وثلاثة وأربعة، فإذا نويت المكوث أكثر من أربعة أيام أتممت من أول يوم؛ لأن مذهب الجمهور أن مدة القصر أربعة أيام، وهو الراجح عندي.
فإذا كنت تريد أن تمكث أسبوعاً أو أكثر من أربعة أيام على العموم تتم من أول لحظة، ولا يحل لك القصر إلا في أثناء الطريق، لكن لو كنت ذاهباً لزيارة أهلك يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة بالكثير ثم ترجع بعد ذلك؛ ففي هذه الحالة لك أن تقصر في الغربية وفي أثناء الطريق، وأما أكثر من ذلك فلا.
والبعض اعتمد على حديث لـعثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لرجل أن يقصر صلاته في بلد له فيه أهل أو مال)، وهذا حديث ضعيف باتفاق المحدثين.
الجواب: بل المتواتر، وأما إدراك الصلاة إذا أدركت الإمام في التشهد الأخير؛ فهذا محل نزاع بين أهل العلم، والذي يترجح لدي أن من أدرك الإمام قبيل التسليم ولو بلحظة تحسب له جماعة.
وبعضهم يقول: لا تحسب للمرء جماعة إلا إذا أدرك ركعة كاملة من الصلاة.
الجواب: لا بأس بذلك.
الجواب: كل هذا بسبب تسلط الكفار على المسلمين، فضيق الصدر جداً لما حل بالأمة من فتن ونكبات وغير ذلك من تسلط الكافرين.
وخطبة الجمعة الماضية فيها الكفاية للإجابة عن هذا السؤال.
الجواب: يا أخي! النبي صلى الله عليه وسلم قرر لنا قاعدة، وهي أن الأمين غير ضامن، فأنت عندما تأتي وتضع عندي شيئاً فأنا غير ضامن لهذا الشيء إذا تلف أو فسد؛ لأنني متصدق عليك بالحفاظ على هذا الشيء، فلا يقابل هذا بالغرم إلا في حالة الإهمال، والإهمال أو عدمه مرده إلى العرف.
فإذا كنُت أعمل في هذا المحل لديك، وبغير تقصير مني مطلقاً فسدت البضاعة؛ كأن صرف الله عنك قلوب الناس وجيوبهم فأنا لا أضمن هذه البضاعة.
لكن عندما أترك المحل مفتوحاً مثلاً، وأذهب إلى المسجد ثم أرجع إلى المحل فأجده قد سرق؛ فأنا أضمن هذا؛ لأنني قصرت عرفاً في المحافظة على البضاعة.
فالأمين لا يضمن إلا في حالة الإهمال، والإهمال المتعمد من غيره يظهر لدى القانونيين.
الجواب: لا حرج عليه، وصلاته صحيحة؛ لأن هذا لا يقصد به الطعام لا عرفاً ولا شرعاً، شخص يحرك لسانه بين أسنانه فاستخرج حبة رز أو نحوها فلا شيء عليه.
الجواب: لا علاقة للحيض بإتيان المرأة في دبرها، فسواء كانت حائضاً أم غير حائض؛ فإتيان المرأة في دبرها إثم عظيم وكبيرة من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعل ذلك. قال: (لعن الله من أتى امرأة في دبرها)، وقال: (من أتى امرأة في دبرها فليتصدق بنصف دينار)، وفي رواية: (بدينار)، كأن اختلاف الكفارة متعلق بحال من أتى امرأته في دبرها، فهذه كبيرة من الكبائر، وإثم عظيم من الآثام، ويغفر الله عز وجل لعبده الذي وقع في هذا الإثم إذا تاب من ذلك؛ سواء كان ذلك في حيض أو في غير حيض، ومن المعروف أن المرأة تحيض في قبلها، فلا علاقة لسؤال السائل إذا كان الإتيان هذا في الحيض أم في غير الحيض، ونصف الدينار مائة جنيه تقريباً.
الجواب: يعني: أن الله تعالى معك: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194].
معية الله تعالى لعبده لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل، ولكن على أية حال معية الله تعالى معية علم وسمع وإحاطة ورعاية وغير ذلك، هذا كله من معاني المعية، ولا يبعد أن يكون الله تعالى مع عبده معية لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
الجواب: لا؛ لا يجوز إطلاق التكفير أو إطلاق هذا الحكم على عموم الشيعة، وإنما يكفر من الشيعة أئمة الضلال كـالخميني وغيره.
الجواب: نعم. يجوز، حتى لو كنت سائق (قطار) أو (تكسي) بين المحافظات، فتنزل وتصلي قصراً؛ لأنك في كل الأحوال مسافر، وإن شئت أن تفطر فلك ذلك؛ لأن الشرع جوز لك ذلك.
الجواب: الأصل هو صلاة الجماعة، لكن إذا منعك العذر حقاً أن تلحق بالجماعة؛ فنرخص لك بمذهب الجمهور وهو أن صلاة الجماعة سنة مؤكدة.
الجواب: الذي نعلمه من كلام أهل العلم أن المخطوبة أجنبية؛ فلا يجوز الجلوس معها، حتى إن الشيخ الألباني رحمه الله وكذلك الشيخ ابن عثيمين لما سئلا: هل يجوز للخاطب أن يتصل بخطيبته هاتفياً أو مراسلة؟
قالا: لا.
الجواب: في الحقيقة يا إخواني! عمل المرأة من أخطر ما يمكن أن يهدد المجتمع، وليس المرأة العاملة فحسب، والأصل في ذلك قول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، والمرأة في كل الأحوال عاملة، لكن عملها في بيتها، وفي تربية أبنائها، والأصل ألا تخرج المرأة قط من بيتها إلا لضرورة، فإذا خرجت لضرورة جاز لها ذلك مع التزامها بالهيئة والمنظر والآداب الشرعية.
وأما إذا خرجت المرأة للعمل تحت هذه الضرورة فالأصل في ذلك الجواز؛ بشرط أن تعمل في مكان تأمن فيه على دينها وعفتها وصيانتها، وألا تخالط الرجال، وتعمل عملاً يتناسب مع طبيعتها ومع هيئتها.
أما أن تخرج وتعمل في مدرسة مثلاً فيها مدرسون ونظَّار ومفتشون وهذا ذاهب وهذا آت، وهذا يغمز وهذا يشتم، وهذا يستهين بها وبعفتها وبنقابها وغير ذلك؛ فلا شك أن هذا لا يصلح أبداً، والعجيب أن المقابل لهذا العمل مائة جنيه أو مائتين، والأعجب من ذلك أن المرأة مصرة على العمل، والراتب لا يساوي شيئاً (200) جنيه! هل هذا مرتب مقبول؟
انظر إلى لبسها وحاجتها ومواصلاتها وغير ذلك، فهذا الراتب لا يساوي شيئاً مقابل ذلك.
وقد تكون هناك نساء مضطرات للعمل كفقيرة، أو من مات عنها زوجها، أو أي علة من العلل، وعندها ثوب واحد فقط تخرج به كلما حصلت لها مناسبة، أو احتاجت للخروج مثلاً في كل شهرين مرة، فإنه يستمر معها هذا الثوب عشر سنين أو عشرين سنة، وأما أنها تعمل فإنها ولا ترضى بثوب واحد ولا بثوبين ولا بعشرة؛ لأن لها زميلات وأصدقاء، فكلما استلمت راتبها فكرت في حذاء أو في خمار أو في ثوب تلبسه.
إذاً: الراتب يذهب في ملابس وعزومات ومواصلات.
وبالأمس قلت لأخت تعمل في مكتبة في المقطم ما دمت تلبسين النقاب، وأنت حريصة جداً عليه لماذا خرجت من بيتك؟
قالت: بسبب الظروف، فقلت لها: كم راتبك؟ قالت: ثمانون جنيهاً؛ فقلت لها: هذا الراتب هو الذي أخرجك من بيتك؟! ماذا تفعلين بها؟
إذاً: هذه المرأة واهمة في الخروج، وهمت أنها مضطرة، وهل الشرع فعلاً يقول: إن هذه الحالة التي فيها هذه المرأة حالة اضطرار؟
الجواب: لا، وأنتم تعلمون قول أهل العلم: الضرورات تقدر بقدرها، ويقدرها الشرع وليس الإنسان؛ لأن الإنسان لو أطلق له العنان لقال عن كل شيء: ضرورة؛ حتى يبيح لنفسه ولهواه كل ما تشتهي.
فالضرورة لا بد أن يقرها الشرع، وأما دون ذلك فلا.
الجواب: لا؛ لا تعطه من أموال الزكاة، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول لـقبيصة : (يا
وأما أخذ الكافر من أموال الزكاة فلا إلا على سبيل التأليف، ومنهم من منعه مطلقاً.
وأما حديث: خرج رجل بصدقته، فوضعها في يد زانية.. في يد غني.. في يد سارق؛ فهذا في عموم الصدقة وليس في أموال الزكاة.
وأنا منذ ذلك اليوم أتألم من منظره وبؤسه، وفي الصباح لم أجده بجوار سور الجامعة، مع العلم أنه كانت هناك حالة كحالته في العام الماضي وتوفي بعد أربعة أيام، فماذا أفعل عند مقابلة هؤلاء؟ وجزاكم الله خيراً!
الجواب: كأني أفهم من السؤال أن هذا الرجل مات كذلك، فإذا كان قد مات بسبب الجوع وقد عرض عليه الطعام فلم يأكل؛ فقد مات منتحراً.
وإذا كان امتناعه عن الطعام أنه ليس جائعاً أو لعلة أخرى؛ فأمره إلى الله عز وجل.
الجواب: لا يجوز لك ذلك؛ لأن أرجح الأقوال أن المعقود عليها نفقتها تلزم العاقد؛ لأنها زوجته، ولا يجوز للمرء أن يعطي كفارته لنفسه؛ لأنه إذا أعطاها للمعقود عليها فإنها تعود إليه، وهذا هو الذي صرح به.
الجواب: ثبت في البخاري : أن عمر بن الخطاب قال: (أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم في الفتنة؟ فقال
فهذا الأخ عليه بتقوى الله عز وجل، سواء كانت فتناً داخلية أو خارجية فعليه بتقوى الله عز وجل، والمحافظة على الفرائض وأركان الإسلام، وأركان الإيمان، وأن يتعاهد دائماً إيمانه، وأن يكثر من النوافل، وإذا كان ذا مال يكثر من الصدقات، فإن شاء الله تعالى ينفعه ذلك بعد فضل الله تعالى.
الجواب: يعطيه الشريط، ولا بأس أن يعطيه شيئاً أكثر من ذلك، فلو كانت عنده معان للقرآن مترجمة، أو كتب تدعو إلى الإيمان وذكر محاسن الإسلام مترجمة إلى لغته؛ فلا بأس أن يتكبد المشاق؛ لتوفير هذه المادة وإعطائها لهذا الكافر، لا بأس بذلك، ولا يطالبه بالطهارة، فهو خبيث العقيدة فقط، فلو نزل في بئر أو غير ذلك لا تزول عنه نجاسة الشرك.
الجواب: السلام على المسيحي لا ينقض الوضوء؛ لأن نجاسة الكافر نجاسة معنوية، فلو كانت النجاسة حسية حتى لو أسلم يبقى نجساً، إذاً: هي نجاسة معنوية متعلقة بعقيدته، فإذا أسلم طهرت عقيدته.
وأما النزول إلى السجود: هل هو على اليدين أم على الركبتين، فهذا محل نزاع بين أهل العلم:
فـابن القيم رحمه الله في زاد المعاد رجح النزول على الركبتين من عشرين وجهاً، والذي يترجح لدي النزول على اليدين؛ لحديث وائل بن حجر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك بروك البعير، ولينزل على يديه قبل ركبتيه)، أو (ليسجد على يديه قبل ركبتيه)، وفي رواية: (ولينزل على ركبتيه قبل يديه)، وتفصيل هذا في اللغة أن ركبتي البعير في يديه، وهذا الذي اختلط على شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى.
الجواب: هذه المسألة محل نزاع كبير جداً بين أهل العلم، فلجنة الفتوى في السعودية أنزلوا رسالة سموها: حكم التوبة من العمل الحرام، يقصدون آثار التوبة من المال وغير ذلك، ورجحوا أن من تاب يلزمه أن يتخلص من الحرام.
ورأي آخر عند بعض علماء اللجنة قالوا: لا يلزمه ذلك، وإنما التوبة تجب ما قبلها.
والرأي الذي ترجح لدي من أقوالهم وهو الثالث: أنه يلزمه أن يتخلص مما زاد عن حاجته، فالذي مثلاً لديه شقتان يبيع شقة، أو كان لديه سيارتان يبيع واحدة ويكتفي بواحدة، على حسب حاجته وضرورته.
وفي الحقيقة الإنسان الصادق المخلص في توبته يتخلص ولو من جلده، فالذي يخاف الله عز وجل وكان صادقاً في خوفه وفي توبته ورجوعه إلى الله؛ لا ينتظر أن يسأل أحداً من أهل العلم؛ لأنه يعرف أن هذا من حرام، فسيتركه مباشرة، حتى وإن أفتاه أهل العلم بجواز الإمساك يقول: لا، فهو طبيب نفسه، وهو أعلم بحاله.
الجواب: لا، إذا كان رجل متزوجاً من امرأة، وعاقداً على أخرى فليس. لها قسم؛ لأن القسم لا يكون إلا بعد البناء، وأما قبل البناء فلا، والقسم المقصود به هنا: العدل في المبيت.
الجواب: إنا لله وإنا إليه راجعون! هذا بلا شك جرم عظيم جداً، وهذا الزواج باطل، بل كيف يسمونه زواجاً؟!
الجواب: كلَه بالفتح، والتقدير: اللهم أصلح كل شأني.
الجواب: لا بأس بذلك، ونحن نحذر من إرباح هذه الشركات الأجنبية، وهذا على سبيل العقوبة وليس على سبيل الحرمة، فإذا كان وجودك في هذه الشركة مكسباً لك؛ فهنيئاً مريئاً، فنحن نفرق بين مسألتين، أنا لن أشتري هذا الإريال، بل سأشتري غيره، مع أنه لا يوجد بديل للإريال، فكل الشركات يهودية أو نصرانية، حتى الشركات التي كانت مسلمة بيعت للنصارى.
فعلى فرض أن شركة إريال هذه شركة أمريكية نصرانية أو يهودية أياً كانت، فالكفر كله ملة واحدة: إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا [البقرة:70]، فإذا كان الأمر كذلك فوجودك فيه نفع لك، ولا يوجد فيه ضرر على المسلمين، بل فيه نفع، وأنت أحد المنتفعين، فلا حرج عليك في بقائك في هذه الشركة.
الجواب: لماذا هذا يا أخي؟! النبي صلى الله عليه وسلم أمرك ابتداءً ألا تتزوج إلا امرأة صاحبة دين، قد تقول لنفسك: سأتزوج امرأة مقصرة ثم أدعوها، أقول لك: هذا باب فتنة عظيم جداً، فإذا كنت تجوز لنفسك أن تتزوج امرأة متبرجة لأجل جمالها، أو لأجل مالها، أو لأجل حسبها ونسبها؛ فجوز للمرأة المنتقبة أن تتزوج رجلاً لا يصلي ولا يصوم، ويفعل المنكرات، وذلك من باب أنها ستكون سبباً لهدايته، فأقول: في النهاية أنت تستطيع أن تهدي هذه المرأة بإذن الله؛ لأن هذا بيد الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر