وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
الله أكبر كلما وقف الحجيج بصعيد عرفات! الله أكبر كلما باتوا في المزدلفة في أحسن مبات! الله أكبر كلما رموا تلك الجمرات! الله أكبر كلما رجع مذنب وتاب! الله أكبر كلما استغفر عاص وأناب! الله أكبر كلما طيف ببيت الله الحرام، الله أكبر كلما ارتفعت راية الإسلام! الله أكبر كلما دكدكت دولة الأصنام! لا إله إلا الله يحكم ما يريد، وهو على كل شيء شهيد.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، صاحب الحوض المورود، والصراط الممدود، والشافع المشفع لأمته في يوم الخلود.
والحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة.
أيها الإخوة الكرام! هذا يوم الحج الأكبر، هذا يوم النحر، هذا يوم إراقة الدماء تقرباً إلى الله، هذا يوم الذكر الذي قال الله فيه: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3].
هذا هو يوم الحج الأكبر، أيها الأحباب!
أخرج الإمام البخاري في صحيحه أن حبراً من أحبار اليهود قال لـعمر رضي الله عنه: آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] قال عمر : أعرفها، وأعرف متى نزلت، وعلى من نزلت، وفي أي زمان نزلت، نزلت في يوم الجمعة، في جبل عرفة، على سيد البشر محمد صلى الله وعليه وسلم، وهما لنا بفضل الله عيدان.
أيها الأحباب! أكمل الله لنا الدين، وأتم الله علينا النعمة، وكفى بنعمة الإسلام نعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، فهو دين الأنبياء جميعاً، قالت اليهود: إبراهيم يهودي، وقالت النصارى: بل هو نصراني، فقال الله لهما: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]، دين الأنبياء جميعاً هو الإسلام، وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام ممثلاً للرسالة الخاتمة: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فشيده إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون بالبيت ويقولون: ما أجمله! ألا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)، صلى الله عليه وسلم.
أكمل الله به الدين، وأتم الله به النعمة.
أيها الأحباب الكرام! هذا اليوم الكريم يوم الأضحى عيدنا أهل الإسلام، ولكل قوم عيد، فمن الناس من ترتبط أعيادهم بمولد عظيم، أو بتنصيب ولي، أو بفترة زمنية، ولكن أعيادنا ربانية لأنها تأتي بعد طاعة، فبعد صيام رمضان يأتي عيد الفطر، ويأتي عيد الأضحى في الحج، وفيه رمي الجمرات، والذبح والطواف بالبيت، وفي عيد الفطر صدقة الفطر، وفيها التوسعة على الفقراء من المسلمين، وفي عيد الأضحى الأضحية والصدقة منها على فقراء المسلمين؛ لنبين للدنيا أن أعيادنا في طاعة الله عز وجل، ليس العيد في لبس الجديد، وإنما العيد لمن عاد إلى ربه، وعاد إلى كتابه، وعاد إلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ويا لها من وصية جامعة.. كان لقمان عبداً من عباد الله الصالحين، وكان أسود البشرة، لكن له منزلة عند الله.. ومن متى كان التمايز بالألوان والأجناس ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول عن ابن مسعود : (إن قدمه أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد)؟.
أيها الأحباب! قال العبد الصالح لولده: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
إن التوحيد أول حق لله على العبيد، وكلمة التوحيد هي: لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، وبعد قليل إن شاء الله سننطلق لنذبح لله، وهذا توحيد عملي بعد التوحيد القولي، فبعد أن رددنا لا إله إلا الله سنعود لنذبح، فمن الناس من يذبح لضريح، ومن الناس من يذبح لولي، ومن الناس من يذبح للجن، ومن الناس من يذبح تبركاً بدماء الذبيحة على باب داره، أو على متجره، أو على سيارته، يذبح لغير الله سبحانه، أما نحن المسلمون الموحدون فنحن نذبح لربنا عز وجل؛ لأن شعارنا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، ولا يمكن أن نسوي بين من قال لا إله إلا الله، وبين من قال: اتخذ الرحمن ولداً: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:5]، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات:153-154].
أفمن وحد الله سبحانه وجعله ليس له مثيل ولا نظير ولا شبيه، كمن ادعى أن له زوجة وولداً؟!
إن الزوجة والولد يشيران إلى النقص والاحتياج، ورب العالمين سبحانه هو الغني: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
أي أمة كنا قبل الإسلام يا عباد الله؟
لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم الشرك تحت قدمه وقد خاب أقوام أرادوا للناس أن يشركوا بالله سبحانه؛ لأن الله قال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].
فكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة. هناك من يدعو إلى التقارب بين أهل السنة وغيرهم، ولا تقارب بين موحد وغير موحد، لا يلتقيان أبداً، لا في أول الطريق، ولا في منتصفه، ولا في آخره: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2]، هذه براءة واضحة، هذا هو المنهج: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [آل عمران:64].
أما الآن فقد خرجت كاسية عارية، وزعموا أن ذلك هو التقدم، وأن ذلك هو الحضارة، وأن الحجاب رجعية، حتى في البلاد التي تدعي الحرية صادروا حرية المرأة في لبس حجابها، وهذا عداء سافر وواضح لدين رب العالمين، لأن الحجاب يذكرهم بشريعة محمد، فلا وجود له على أرضهم، لكنهم وجدوا عندنا من سار في ركبهم، ومن أيد قرارهم، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، إن الذي فرض الصلاة هو الله، والذي فرض الحجاب هو الله!
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85].
يعلمه المراقبة لله في خلواته، في سره، فلا ينتهك حرمة الله، فأعمالك مهما دقت ومهما صغرت، فإن الله مطلع عليها، قال سبحانه: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4].
ثم قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ [لقمان:17] علموا أولادكم تلك الشعيرة، فإنه لا حظ في الإسلام لتاركها، وتاركها ملعون، ومن تركها في جماعة فإن النبي عليه الصلاة والسلام توعده بأن يحرق عليه داره، إياك.. إياك أن تفرط فيها، فإنها شعار المؤمنين، والفصل بين المنافق والمؤمن، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة).
كن إلى بيوت الله سبحانه وتعالى مرتاداً، فإن خطواتك إحداهما ترفعك درجة، والأخرى تحط عنك خطيئة. ثم قال الله سبحانه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17].
ثم أمر لقمان ابنه أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر أينما كان، لا تسكت كما يسكت البعض؛ لأننا نركب سفينة واحدة، فإن أخذنا على أيدي العصاة نجوا ونجونا جميعاً، وإن تركناهم غرقوا وغرقنا جميعاً.
ثم قال له: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:18-19].
أيها الأحباب الكرام! الفقراء يتطلعون إلى الأغنياء في هذا اليوم حتى نوسع عليهم، فكم أكلنا من لحوم في طوال السنة! وقد جاء يوم العطاء، والله سبحانه يقول: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ [الإنسان:8] أي: على حب الطعام، كان الربيع إذا جاءه سائل وطرق بابه قال: أعطوه سكراً؛ لأن الربيع كان يحب السكر، والمعنى: أنهم كانوا يتصدقون مما يحبون، أما نحن الآن فجعلنا لله ما نكره، وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ [النحل:62].
سنعود بعد قليل نوسع على أولادنا، فمن لليتيم والمسكين الذي ما تذوق اللحم في حياته أبداً؟! وسعوا على فقراء المسلمين أيها الأحباب، ولا يقولن قائل: إن من السنة أن تقسم الأضحية ثلثاً وثلثاً وثلثاً، أبداً، فقد قال بعض العلماء: يجوز أن تتصدق بها كاملة شريطة أن تأكل جزءاً يسيراً منها والكبد.
أيها الأحباب! ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وعاد إلى بيته، فسأل عائشة عما صنعت بالكبشين فقالت: (ذهبت كلها ولم يبق في البيت إلا كتفها، قال: يا
فيا عبد الله، ادخر عند ربك سبحانه، ادخر عند ربك عز وجل ليوم تشيب فيه الرءوس، ليوم كل إنسان يقول فيه: نفسي نفسي.
يا عباد الله! انظروا إلى الأحباب والأولاد، كم فارقنا من حبيب وغالٍ، وتلك سنة الله عز وجل.
وعليكم أن تصلوا أرحامكم، فإن الرحم معلقة بالعرش في مقام العائذ من القطيعة.
البعض يقول: لا، فعل بي كذا، هجرني، لا يا عبد الله، صل من قطعك، واعف عمن ظلمك، هذا هو العيد، وليس له معنى إلا ذلك يا عباد الله.
أحبتي الكرام! في هذا اليوم المبارك، لابد أن نتصدق، وأن نشكر الله، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر عند شيخنا الألباني: (أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله عز وجل).
فكلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية، ولكن شريطة أن تشكروا نعمة الله عز وجل عليكم.
أيها الأحباب الكرام! ضحوا على بركة الله، ولا يجزئ شراء اللحم، وإنما لابد من إراقة الدماء للقادر في هذا اليوم المبارك، فهي أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، وادع الله لإخوانك فنحن الآن نجلس، والجو بارد، لكن لنا إخوان في العراق وفي فلسطين، وفي أفغانستان شردوا من بيوتهم، وانتهكت أعراضهم، وديست مقدساتهم بأيدي إخوان القردة والخنازير، والأمة تطأطئ الرأس، وقد قبلت الذلة والمهانة.
وصدق ابن الخطاب حين قال: كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
فلا عزة للأمة إلا بشرعها، وإلا بكتاب ربها، وإلا بسنة نبيها صلى الله وعليه وسلم، تذكروهم بالدعاء هذا هو أقل شيء، تذكروهم بالدعاء، فكم من كرامة ديست، وكم من بكر انتهك عرضها بأيدي أعدائنا!!.
أرض بغداد سقطت ومن قبلها فلسطين، ومن قبلهما الخلافة، والأمة تتوالى عليها الأدوار، ولا تملك إلا الاستنكار.
اللهم إنك تسمع كلامنا، وترى مكاننا، ولا يخفى عليك شيء من أمورنا، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم استر عوراتنا، وحجب نساءنا، واهد شبابنا، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا، ونور أبصارنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا رب من الراشدين.
اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، اللهم اشف مرضانا في هذا اليوم المبارك العظيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم ولِّ أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وعليك بأعدائنا، يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ومن الذل بعد العز، اللهم إن ليل المسلمين قد طال فاجعل له فجراً، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، اللهم حرر بلاد المسلمين من كيد الكائدين، وتآمر المتآمرين.
اللهم انصر الإسلام في ربوع الأرض يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير، اللهم أعط في هذا اليوم منفقاً خلفاً، اللهم من وسع على فقراء المسلمين، فوسع عليه يا رب العالمين.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اعف عنا، وعلى طاعتك أعنا، ومن شرور خلقك يا رب سلمنا.
تقبل الله منا ومنكم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر