الحمد لله الذي أنقذ أمة الإسلام من عداوات الجاهلية وحميتها، أنقذهم بأخوة الإيمان فقال سبحانه وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103] .
وأصلي وأسلم على قدوتي وقرة عيني القائل: (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
أما بعد:
أيها الأحباب الكرام: إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه، ومستقر رحمته، وأن يجعلنا لجميع المسلمين مبشرين وميسرين، ولا يجعلنا معسِّرين ومنفرين، وأن يجعلنا لجميع المسلمين كالأرض الذلول يطؤها الكبير والصغير، وكالسحاب يظل البعيد والقريب، وكالمطر يسقي من يحب ومن لا يحب.
ونسأله سبحانه وتعالى أن يجبر بدعوتنا ودعائنا القلوب المنكسرة، وأن يجعل قلوبنا سليمة مخمومة، لا غل فيها ولا حسـد ولا بغض ولا تباغض، وأن يكون كل واحد منا لأخيه أباً في الرعاية، وأماً في الحنان، وأخاً في الصحبة، وناصحاً أميناً، وأن يجعلنا لجميع المسلمين ناصحين صادقين مخلصين مستجيبين لنداء الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
أحبتي في الله! النبي صلى الله عليه وسلم يطرح علينا هذا السؤال ولا يريد منا جواباً، إنما يريد منا عملاً: (هل أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟) وكأن الأمة كلها تقول: نعم، دلنا يا رسول الله! فجاء الجواب حاضراً منه دون أن ينتظر الرد: (إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) وزيادة في التوضيح منه؛ حتى لا يَفهم السذج من الناس عندما يسمع كلمة الحالقة، فيظن أنها حلاقة شعر أو حلاقة لحية أو حلاقة أي أمر آخر؛ لأن الذين يصطادون في الماء العكر عندهم القدرة على تحويل المعاني والكلمات فقال: (إن فساد ذات البين هي الحالقة، ولا أقول تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين).
فتبين أن فساد القلوب وأن الفرقة والتمزق والتناحر والتعادي والتباغض والتدابر والتحاسد والتناجش في هذه الأمة يمحق ويحلق دينها، ويجتثه كما يجتث الموسى الشعر من أصوله، لهذا سماه النبي حلقاً يحلق الدين، تصوير عجيب! بماذا يكون الحلق؟ إما بسكين أو بموسى، هكذا كان على عهده صلى الله عليه وسلم، معنى هذا: الذي يفسد قلبه وقلب أخيه كأنه ممسك بسكين أو موسىً وكأن الدين رأس، وهذا الرأس سُلِّطت عليه أمواس تحلقه، وكل جرة تقطع مودة ومحبة وأخوة، تمزِّق أرحاماً، تقطِّع صلات، تهدم صلاة، وزكاة، وهذا تصوير نبوي عجيب لحالة المسلمين وتمزقهم! (لا أقول: تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين) الله أكبر! يا لها من كلمة عظيمة تُعبر وإن كان بيننا وبينها خمسة عشر قرناً، لكننا نعيشها في كل لحظة وفي كل نَفَس وفي كل التفاتة، نحيي معاني هذه الكلمة ونحس بالمرارة وبالألم ورأسُ ديننا يُحلق بها بين الحين والحين! فنراه ممزقاً مقطَّعاً مجرَّحاً!
فنسأل الله أن يجمع الأمة على كلمة: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وأن يجعلهم جسداً واحداً وقلباً واحداً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي الدعاة في مشارق الأرض ومغاربها! الجماعات الإسلامية اليوم مَثَلُها كَمَثَل قوافل الحج كلها تتجه إلى فريضة واحدة لكي تجتمع في عرفات ، لكي تطوف حول بيت واحد، لكي تؤدي مناسك واحدة، ولكن الوسائل التي اتخذوها للوصول إلى هذه الفريضة اختلفت؛ فمنهم من يأخذ وسيلة البر، ومنهم من يأخذ وسيلة البحر، ومنهم من يأخذ وسيلة الجو، ولكن في النهاية أين يجتمعون؟ يجتمعون في فريضة الحج، أمن العقل أن يهزأ مَن اتخذ وسيلة الجو بمن اتخذ وسيلة البر أو البحر؟!
يقول له: أنت لست أخي ولا على ديني ولا أتعاون معك.
لماذا يا هذا؟
لأنك لم تأت معنا في الجو، لأن الجو أسرع، ذهبت في البر أو البحر إذاً لا ألتقي معك، لا أتعاون معك، لا أحبك.
لا يقول ذلك عاقل أبداً.
ومثل الدعوة إلى الله ومثل الدين الإسلامي كالصرح، ألم يقل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما ضرب المثل بنفسه وبالأنبياء في قضية الدين والإسلام والتوحيد، قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء كقصر يطوف الناس عليه -من أجمل ما يكون وأكمل ما يكون- إلا موضع لبنة، فإذا طاف الناس قالوا: ما أجمل هذا القصر وهذا الصرح لولا هذه اللبنة! قال: أنا هذه اللبنة) فهو عليه الصلاة والسلام اعتبر نفسه لبنة مكملة لهذا الصرح، والأنبياء والدعاة من قبله هم أيضاً لبنات، هل يجوز للبنة من هذه اللبنات أن تقول: أنا موقعي هو الصحيح في جدار هذا القصر، وأنتن أيتها اللبنات موقعكن غلط لا بد أن تُهْدَمْن؟! ما يقول هذا عاقل.
محمد صلى الله عليه وسلم اعتبر نفسه لبنة واحدة في صرح قائم مرصوص من آدم إلى نوح إلى إدريس إلى إبراهيم إلى موسى إلى عيسى إلى عهده إلى يوم القيامة، كل يأتي ويرص هذا الصرح ويعضده ويدعمه ويضع في أساسه.
هذا التشبيه وهذا التصوير النبوي يحث الدعاة على ألا ينقبوا هذا الصرح أو يثلموا أو يهدموا شيئاً منه، بل يحافظون عليه ويرممونه وينظفونه ويعمِّرونه ويسدون الثغرات.
وهذا الصرح له أربعة أبواب، كل بيت مربع له سور مربع له عدة أبواب، وتخيل أن هذا البيت بيتك أنت يا أخي، وهو في منطقة يكثر فيها اللصوص وقطاع الطرق والقتلة والسراق؛ هل بإمكانك أن تحرس كل الأبواب؟ مستحيل! ستأخذ سلاحك وتقف عند باب ثم يأتيك أخ لك في دينك ويقول: أنا عند الباب الخلفي فلا تهتم له ولا تحسب حساب أي لص، ويأتيك آخر جار أو قريب ويقول: أنا عند الباب الشرقي، والرابع عند الباب الغربي، هل من العقل بل من المنطق البشري الذي تعارف عليه كل البشر لا المسلمون فقط أن يقوم صاحب البيت فيحقد على الحراس الثلاثة على بيته وبابه؟! فيحسد صاحب الباب الغربي ويقول: هذا ما الذي جاء به إليَّ؟! أنا ما أحتاجه ولا أريده ولا أحبه، يا ليته ما وقف عند الباب، يدخل اللص والحرامي والقاتل يخرق بيتي ويهتك عرضي ويسرق مالي ولا يقف هذا على الباب؟! ما يقول هذا عاقل؛ بل والله إن صاحب البيت سيجد أنهم محسنون، وأصحاب معروف، ويتمنى لو يبسط خده ويمشون عليه لشدة ما ضحوا بأنفسهم على هذه الثغور والأبواب، فهم متطوعون متبرعون، ما دفع لهم شيئاً، وهكذا الدعاة، وهكذا الجماعات الإسلامية، هل هناك جماعة موجودة في الوجود تستطيع أن تقول: أنا أسد كل ثغرات الإسلام؟! ما يقول هذا عاقل.
إذاً هذه الجماعات علمنا من خلال التجربة والواقع والمشاهَدَة والعمل في حقل الدعوة أن كلاً منهم على ثغرة، وما داموا على هذه الثغرة فصاحب هذا البيت يجب أن يحب هؤلاء ويحترمهم ويفرح بهم إذا جاءوا متعاونين يحرسون أبوابه من اللصوص وقطاع الطرق، وبيت الإسلام العظيم لم يمر في تاريخه أبداً بمكر وخبث وخيانة من اللصوص وقطاع الطرق كما مر عليه في قرننا هذا -القرن العشرين- وزمننا هذا، كل الفرق الهدامة والكافرة واليهود والصليبيين والشيوعيين والماسونيين وأنواع ما يعلمها إلا الله تخالفت مشاربهم، تباعدت أديانهم، تنافرت قلوبهم، واجتمعوا كلهم على سهم واحد يضربوننا به، فإذا جاء أولئك الحراس ليحموا بيت الإسلام هذا على باب وذاك على باب، فبدلاً من أن يقوموا على الحراسة، تراشقوا فيما بينهم!
وهذا التراشق الذي يحدث مَن الذي يستفيد منه؟ سيأتي اللص وقاطع الطريق ويستغل انشغال بعضهم ببعض فيدخل، وإذا دخل هتك العرض، وسلب المال، وأحرق الدار، وقتل الولد، وأهدر الدم، وضاع الدين! أليس هذا هو الحادث؟!
إذاً على كل داعية مسلم في مشارق الأرض ومغاربها أن يعتبر الإسلام بيته، ويعتبر الإيمان داره، وأبوابها لا يستطيع وحده أن يقوم بحراستها، بل إخوانه الدعاة في الجماعات الإسلامية هم الحراس الأمناء، فلا بد أن تتدفق المحبة والمودة والرحمة والألفة إلى أولئك الحراس، وكلما اشتد الخطر على عرضه وأهله وحرمة دينه وعلى كثرة اشتداد هذا الخطر، تتدفق تلك الرحمة والمودة والمحبة والألفة على أولئك الحراس.
ألا ترى من أنقذ ابنك من الموت كيف يكون شعورك تجاهه؟ عندما تكون على البحر ولا تعرف السباحة، وابنك يدخل فتبتلعه الأمواج، فيأتي إنسان ويلقي بنفسه ويجره إلى الساحل، ويسلمك هذا الولد مشافى معافى ماذا ستجد في قلبك تجاه هذا الإنسان؟ إنه لو طلب كل أموالك لأعطيته مقابل ما أنقذ ابنك وفلذة كبدك، أليس هذا هو الحاصل؟!
إذاً هذا الذي يدعو إلى الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر خيره يصب عليه لا شك في ذلك، فإن أصلح المجتمع أنا المستفيد من هذا المجتمع، وإن علم المجتمع أنا المنتفع بهذا التعليم، وهكذا.
إذاً عليَّ أن أدفع ما في قلبي من مودة وأبين له، فلا يكفي أن أخفيها في قلبي، لو كان يكفي أن أخفيها في قلبي لاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن مر أحد الصحابة فقال أحد الجالسين: (والله يا رسول الله! إني أحب هذا، فقال: أدركه -الحقه- وأخبره، فأدركه وقال: يا أخي! إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني فيه) .
أليس الحبيب صلى الله عليه وسلم -يا أحبائي- يقول: (من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ: بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً) ؟!
ألم يقل عليه الصلاة والسلام: (زار أخ أخاً له في قرية فأنزل الله على مدرجة الطريق ملكاً يقول: إلى أين أنت ذاهب؟ قال: إلى زيارة أخي، قال: هل لك عليه نعمة تربها؟ قال: لا، إلا أني أحبه في الله، قال: اعلم أن الله ابتعثني إليك لأخبرك أن الله قد غفر لك، وأن الله أحبك بحبك لأخيك).
الأحاديث في ذلك كثيرة والآيات كثيرة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] إلى آخره تل الآيات العظيمة والكثيرة التي تدعِّم هذه القضية.
ويكفينا حديث لو كانت قلوبنا واعية لهذه الحقيقة، وتكفينا آية لو كانت قلوبنا حية لهذه الحقيقة، ومتى تحيا القلوب، ومتى تعيها؟!
يوم أن يجتمع كل الدعاة في سجن واحد وفي زنزانة واحدة كما حدث لهم تحت بعض الأنظمة والطواغيت التي لا تميز بين الجماعة الفلانية والجماعة العلانية، جروهم كلهم بالسلاسل فاضطروا أن يصلوا في السجن خلف إمام واحد، وعلى مائدة واحدة، وفي ابتلاء واحد، وفي درس واحد، أين التفرقة الآن في السجن؟ البلاء جمعكم.
إذاً فلتجمعكم العافية قبل البلاء، هل ننتظر حتى يجمعنا سجن؟ هل ننتظر حتى تجمعنا مشنقة؟ هل ننتظر حتى يجمعنا عذاب؟
فلنجتمع على رحمة الله، فلنجتمع على دعوة الله، فلنتجمع على محبة الله، أليس هذا من العقل والحكمة؟
إذاً ننتبه فالكلام هذا يؤخذ بقدره.
الذين يوافقون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم يجتهدون بعد ذلك في خطة العمل، وخطة العمل اجتهاد بشري؛ هذا يذهب في البر، وهذا يذهب في البحر، وهذا يذهب في الجو، كل على حسب طاقته وإمكانيته ومصروفه وتحمله ووجهته، لكن كلهم في فريضة واحدة في فريضة الحج إلى الله رب العالمين.
وأن يعرض عليه خدماته، وخاصة إذا كان في مكان حساس ينفع به الناس فيقول: هذا كرتي، هذه بطاقتي، هذا عنواني، هذا تلفوني، يا فضيلة الشيخ، يا فضيلة العالم، بهذه الألفاظ المؤدبة المحترمة، أنا في المكان الفلاني إذا كنت تحتاج إلى مساعدة أو تحتاج إلى معونة. يعرض عليه خدمات.
ثم إذا كان معه ابنه يمسح على رأسه، ويدعو له والعالم يسمع أو الداعية يسمع وهكذا.
ثم يعرض عليه توصيله إلى المكان الذي يريده إذا لم تكن عنده سيارة توصله.
ثم يسأل عن العلماء الذين معه في جماعته هو: كيف حال فلان؟ وكيف حال فلان؟ وكيف حال فلان؟ متعنا الله ببقائهم ونفعنا الله بعلمهم.
وإذا كان مؤلفاً لكتاب: مشكور على هذا الكتاب، جزاك الله خيراً، أسأل الله أن ينفع به هذه الأمة.
وإذا كان يخطب أو عنده دروس أو محاضرات: جزاك الله خيراً على الدروس والخطب والمحاضرات، وإن كان ما يسمعها، يبين له كأنه يتابعها، ويبين له كأنه يسمعها، ويبين له كأنه جالس معه.
بمثل هذه الكلمات، فإن العالم من الجماعة الفلانية لما يسمع هذا يقول: سبحان الله! إنه يسمع لي، إنه يقرأ لي، إنه يتابع لي! فينفتح قلبه، وإذا انفتح قلبه ما ينفتح له هو وحده يقول: لا، هذا وإخوانُه وجماعتُه كلهم كهذا الشكل، لا شك في ذلك، هذا شعور الناس كلهم، يعني: أنت عندما يأتيك أب ومعه ثلاثة أولاد، وواحد منهم يحترمك ويقدرك تقول: ما شاء الله! والله عائلة مباركة، انظر قلت: عائلة، ما قلتَ: واحد، قلت: والله عائلة مباركة، وتفكر أن أولاده كلهم مثل هذا وأحسن؛ لأن الناس دائماً تحكم بالخير وعلى حسب المظهر.
ثم إذا رأيت داعية من الدعاة إلى الله من جماعة أخرى ومعه أخ لك من جماعتك احذر كل الحذر من أن تحتفي بالذي من جماعتك وتهمل أو تقصر في الاحتفاء بالذي من جماعة أخرى
لا تظن فقط أن الذي التحى وقصر ثوبه ووضع السواك في جيبه والتزم بخط ومنهج معين هو .. هو .. هو .. فقط الداعية لا غير، لا، الدعوة أشبه ما تكون من نقطة مركز، ثم هذا المركز حوله دوائر، دائرة أولى، ودائرة ثانية، ودائرة ثالثة، ودائرة رابعة، ودائرة عاشرة، ودائرة مائة، ودائرة ألف، ودائرة مليون، والذي يقف على دائرة المليون له دور، والذي يقف على الدائرة الأولى له دور، ولا يعتقد أن الذي عند المركز سيسد الذي هناك، وكذلك الذي هناك سيسد الذي عند المركز! ولكن كل هذه الدوائر حول مركز واحد تحميه أسوار تقيه وتحفظه.
فأنت أخوك في الدعوة الذي إذا نسيت ذكَّرك، الذي يحجِّب زوجته، وإن كان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، مجرد ما حجَّب زوجته ولبَّسها اللباس الشرعي أصبح معك في الدعوة، لأن لبسها دعوة، تدينه دعوة، بل إذا رأيته يصلي معك صلاة الجماعة وإن لم يكن معك في الخط والتنظيم، وإن لم يكن معك في الحركة، وإن لم يكن معك في المنهج، مجرد أنه يصلي في المسجد صلاة الجماعة تراه في العصر والصبح هذه دعوة، فلهذا تقول له: تعال يا أخي! نشكرك على صلاة العصر مع الجماعة، ربما الناس ما تعودت هذا، اتركها تتعود، أيهما أفضل؟!
أنه يصلي معك صلاة العصر مع الجماعة ويراه عيالك وعياله وجيرانك وجيرانه، ويتعرف على مَن هم بيمينه وعلى مَن هم بشماله أو أنه يذهب ويطيش مع شياطين الإنس والجن؟!
إذا طاش مع شياطين الإنس والجن والعياذ بالله كانت له ذنوب ومعاصي، والذين يشاهدونه ويقتدون به كلهم أجهزة تحطيم لك ولدعوتك، وإذا صلى العصر مع جماعة وهو لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ليس عنده أي وسائل وليس عنده أساليب، كافٌّ عافٌّ صالحٌ في نفسه، لا تقل: ما هو مِن جماعتي، مجرد حفاظه على صلاة الجماعة في المسجد هو من جماعتك، هو حبيبك وأخوك، هو يحبك ويعينك، مظهره المسلم، صلاته في الجماعة هي دعوة في حد ذاتها، هكذا الصحابة كانوا يفهمون القضية، وهكذا كانوا يتعايشون فيما بينهم.
ما أعتبره أخي ولا أعتبره معي إلا إذا نفَّذ منهجي تنفيذاً حرفياً! من قال هذا؟!
والله لو اجتمعت أنت وجماعتك وكل الجماعات على أن تقبض عليه وتمسكه فلن تستطيع بحولك ولا قوتك، لكن بأربع أو خمس كلمات يخنس ويضعف وينهزم ويولي الأدبار عندما تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
هذا الشيطان ما ترك الأنبياء، فكيف أنت؟! وكيف جماعتك؟! وكيف جماعة الناس؟!
ألم يأت إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وأراد أن يحرق وجهه بالنار لولا أن الله أنقذه؟!
ألم يجرِ في جسم محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرين فقالوا: (حتى أنت يا رسول الله؟! قال: حتى أنا، ولكن الله أعانني عليه فأسلم) .
إذاً لولا معونة الله لمحمد ما أسلم شيطانه، ولولا معونة الله لك ما سلمت أنت ولا سلمت جماعتك ولا سلم الدعاة من حولك.
الأنبياء: يوسف عليه السلام، الشيطان دخل بينه وبين إخوانه، وأوغر صدورهم حتى تآمروا على قتله، فوعى يوسف هذه الحقيقة الخطيرة التي تُغْفَل عند كثير من الدعاة مع الأسف الشديد، إذا حدث خطأ وجهوا اللوم على بعضهم البعض، وجلسوا يتلاومون ويتعاتبون ويتنافرون ويتشاكون، وينسون العدو الخفي، مثلما يرى إنسانٌ مجرماً جاء بسيف وقطع رأس ابنه فأمسك بابنه جاره الذي بجواره بعد ذبحه، كل ما فعله الجار أنه أمسك هذا الابن فانتفض بين يديه ومات، فقال: تعال، أنت الذي ذبحته! إذاً هذا الذي بيده السيف يقطر ما رآه! ورأى الجار الذي يحمل الجثة والدم يقطر بين يديه! هذا وضع الناس اليوم.
يوسف عليه السلام كان يرى ببصيرته أثر الشيطان، فلما اجتمع إخوته عنده وهم ضعفاء فقراء، محتاجون، وهو الملك المتصرف في شئون بلده مصر والشام والمناطق كلها التي أصيبت بالقحط، وبإشارة منه يعلِّقهم كلهم على المشانق، ومع هذا يقول: نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف:100] وجعل نفسه طرفاً من الأطراف، مع أنه لا ناقة له ولا جمل في الموضوع، جاءوا به وجروه ووضعوه في الجب، ثم ذهبوا، ومع هذا يقول: الشيطان ما نزغ بينهم فقط، بل بيني وبين إخوتي، جعل نفسه طرفاً، وجعل نفسه سبباً؛ من تأدبه وحسن خلقه وكرامته؛ لأنه يعرف أن هذا العدو خبيث يجري من الإنسان مجرى الدم.
فلو أننا جعلنا كل تصرف رأيناه وقلنا: هذا من الشيطان، هذا أخي ما هجرني إلا لأن الشيطان قصَّ عليه، وهذا أخي ما ظلمني إلا لأن الشيطان قصَّ عليه، وهذا أخي ما اغتابني إلا لأن الشيطان وسوس: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف:100] أليست هي كلمة يوسف عليه السلام؟!
وهكذا يا أحبابي في الله! أن ننتبه إلى هذه القضية الخطيرة، فإذا جاءك إنسان يريد أن يوغر صدرك على أخيك في الدعوة من جماعتك أو من غير جماعتك وقال فيك: كذا .. فاصمت أنت، ولا تفكر في كلامه فتثور، وإنما فكر أنه واقف وراءه الآن شيطان، وأن الشيطان هو الذي يتكلم حتى يفسد ما بينك وبينه، فإذا انتهى قل له: يا أخي! ليتك ما قلت لي هذا الكلام، لأن هذه الغيبة أنا ما كنت أدري عنها، والآن أنت نقلتها لي؛ تريد أن يفْسُد قلبي على أخي؟! لا والله، إن شاء الله ما يفسد، اللهم إني عفوت .. ثم عفوت .. ثم عفوت .. واذهب إلى هذا الذي اغتابك وقبِّل رأسه وسلِّم عليه، وقل له: يا أخي! سامحني لعلي أنا السبب الذي جعلتك تتكلم فيَّ، يا أخي! أنت تذنب وأنا أعتذر، أنت تخطئ وأنا أعتذر، لولا أن العيب فِيَّ ما أخطأتَ أنتَ بحقي. والله سبحانه وتعالى يقول: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً [الإسراء:53].
لعموم الإنسان عدو مبين، فكيف بأهل الإيمان؟! لعموم الإنسان سواء الذي يطيعه والذي لا يطيعه له عدو مبين كإنسان؛ لأنه أبى أن يسجد لآدم كإنسان، فكيف بأهل الإيمان الذي هو حريص عليهم ويتعب وراءهم؟ لا شك أنه يحرص كل الحرص لكي يمزق ويفسد بينهم.
فكانت الوصية الإلهية القرآنية: وَقُلْ لِعِبَادِي [الإسراء:53] وكلمة (عبادي) هذه لها شأن، أنت تعرف أنا بماذا أحس إذا قرأت هذه؟! أحس كأن الله يقول: أيها المسلمون! أيها المتخاصمون! أيها المتهاوشون! أما تستحون على وجوهكم، هؤلاء الذين تخاصمتم معهم وتهاوشتم معهم وعاديتموهم أين ربكم؟! ارتضيتهم لي عباداً وأنتم ما ترضونهم لكم إخوة؟ أليس عيباً؟!
يعني: أنت لو أن أباك ارتضاه بعض الناس لهم صاحباً، وجئت أنت ودفعتهم وهاوشتهم، أما يقول لك أبوك: يا ولد! استحِ على وجهك، أليس عيباً؟ هولاء أصحابي، أنا مرتضِ لهم أصحاباً، هم على ديني وعلى نفسي وقلبي، تسبهم وتشتمهم؟!
هذه الإهانة يا ولدي ليست لهم، هذه إهانة لي، أنت تعرف أن أباك يحبهم ويودهم وأنت تشتمهم، أهنتني يا ولدي ما أهنتهم هم، الله سبحانه وتعالى عندما قال: وَقُلْ لِعِبَادِي [الإسراء:53] انتبه! انتبه! ما قال: قل لهم، قل للناس، بل خصهم بعبوديتهم له فكأنه يقول: ارتضيتهم عباداً، أما ترتضيهم يا ظالم إخواناً لك؟! فكيف تغتابهم؟! كيف تقطعهم؟! ثم يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً [الإسراء:53].
وهكذا -يا أحبابي الكرام- يحرص الدعاة فيما بينهم، لا ينتظرون الوسائل والأساليب التقليدية التي تعودها الناس: والله نريد منكم لجنة ومن هؤلاء لجنة، ومن هذه الجماعة لجنة، حددوا موعداً، واقعدوا على طاولة وضعوا كرسياً، وائت بنقاطك، وأنت ائت بنقاطك، والله لن تنتهي إلا ويظهر أنهم شياطين لا ترونهم أنتم، هم قاعدون على كراسي وراءكم وتحتكم ويمينكم وشمالكم، وهذا يقول وجهة نظره فانطرح ذاك، وذاك هو من يقول كذا .. فأحرق ذاك، وما تنتهي؛ لكن العمل أن يقوم كل داعية كبير وصغير بعيد أو قريب بنشر المحبة الإيمانية والأخوة الإسلامية التي تظل الجميع.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] هكذا يبين الله في كتابه الكريم، فيبدأ كل أخ يزور إخوانه، ويزور العلماء، ويزور الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى من جماعته ومن غير جماعته، كل هؤلاء جماعتك؛ لكن نتحاور نحن باللفظ للتوضيح، فهؤلاء كلهم إخوانك وجماعتك وأحبابك، وكلهم يدافعون عنك وعن دينك وعرضك وأرضك.
فاحرص على أن تزورهم، فإذا لم تستطع أن توفِّ بهذه الزيارة لانشغالك، أقَلُّها أن تتصل بالتلفون أو ترسل رسالة أو كرتاً صغيراً، أو تهدي كتاباً فيه إهداء بسيط، أو تهدي شريطاً إلى من تريد مودته ومحبته وتأليف قلبه معك.
فلهذا انتبه يا أخي المسلم! فليس معنى ذلك أنه إذا لم يكن على منهجك وخطك، أنك تقول: لا أعرفه ولا يعرفني، ولا أحبه ولا يحبني، ولا أتعاون معه، أما تدرِ بأن امرأةً يهوديةً بَغِيَّاً زانيةً محترفةً دخلت على ربها من إروائها كلباً شَرِبَ من مائها! نفكر في هذا! أنت الآن لو تدق على بابك امرأة وتقول: من؟ تقول لك: يهودية زانية. هل ستدخلها أو تسمع لها؟ بل ستطردها؛ لكن الله سبحانه وتعالى ما قال لها اذهبي، بل سَقَتْ كلباً؛ فغفر لها، وشكر لها، وأدخلها الجنة.
ليس معنى هذا أننا نقر أهل الكبائر على كبائرهم؛ ولكن حتى أبين أن أبواب الله كثيرة وعظيمة، وأن هذا الشخص الذي ربما أنت تحتقره أو تزدريه أو لا تعتبره أخاً لك أو ليس في جماعتك لو أقسم على الله لأبره، وأنت لا تدري، الناس في صف واحد خلف إمام واحد في فرض واحد، وما بين صلاة فلان وصلاة فلان كما بين السماء والأرض، ولكن هذا لا يتبدى لك، وإنما يتبدى ويظهر لله، ويعلمه الله، فالله يعلم من العباد ما لا يعلم العباد من بعضهم البعض.
فاحذر يا أخي! رُبَّ مسلم يأتيك تصده أو ترده أو تقهره أو تظلمه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لـأبي بكر وهو صدِّيق، ما بعد درجة الصديق درجة إلا النبوة والرسالة، لما مر على عمار وبلال وصهيب وإذا هم يتكلمون في أبي سفيان يقولون: [ما أخذت السيوف من عدو الله مأخذها] يعني: نحن جاهدنا مع الرسول وتعبنا وكذا .. وكذا، وهذا أخذها باردة مُبَرَّدة رضي الله عنه وأرضاه! فذهب أبو بكر يشكو هذا الخبر، فماذا قال له النبي؟ قال: (لعلك أغضبتهم يا
إذاً القضية خطيرة يا إخوان، فهذا الذي يأتيك ترده أو تصده أو تقهره، أو تغتابه أو تؤذيه قد يغضب الجبار عليك وأنت لا تدري، فانتبه! فكل المسلمين أذلة، كما يقول تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] .. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29].
والآن ما نلمسه من كثير من المسلمين من تعابير المودة للكفار، وتعابير الشدة لإخوانهم مع الأسف، انظر، حتى لو كان صاحب ورشة ميكانيكية، صليبـي، ما دام أنه صارت له حاجة ويصلح له سيارته: كيف حالك؟ عساك بخير! كيف أنت؟ وكيف العيال؟ ويضحك في وجهه، وربما يقبله من هنا، ويقبله من هنا، كل هذا لأجل أن يصلح له السيارة برخص فقط، وهذا أخوه: لا ينظر إلى وجهه، ولا ينظر أخوه إلى وجهه، لماذا؟!
إذاً هذا نصراني وهذا مسلم؟ لكن المصلحة جعلتك تلين وتذل، فالله سبحان وتعالى قال: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] .
ومن معاني الرحمة أن أبا ذر يضع خده لـبلال ويقول له: [دُسْ، قال: كفى ارفع أنا سامحتك. ارفع وجهك، قال: لا] وأبو ذر تعرفونه، ليس أنا ولا أنتم، أبو ذر من غفار، يقول: [يا بلال! دُسْ على خدي، لا أرفع خدي حتى تدوسه] وما رفع خده حتى داسه، حتى يربي نفسه، ويعلم نفسه.
الميزان الأخروي على التقوى، لكن ما دمنا نحن في الدنيا فتعارف وتعاون، ورحم الله من قال: تعالوا نتعاون على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه. كلمة هادئة جميلة رزينة لو أننا نحن الدعاة فعلناها ونفذناها في واقع حياتنا لفوتنا على شيطان الإنس والجن كل فرصة.
أحبتي في الله: فليبذل كل داعية نفسه، خذوا على سبيل المثال: نحن يرزقنا الله أولاداً وبناتٍ, فإذاً هناك عقائق تقام، حق العقيقة هذه -مثلاً- لا بأس من أن تدعو لها أحبابك وإخوانك، وجيرانك وأرحامك والمصلين في المسجد ومن جماعتك وغير جماعتك من الدعاة إلى الله رب العالمين.
ثم إذا اجتمعوا احذر أن تترك أي إنسان يجتهد فيقول أي كلام، رب كلمة أو حرف أو حتى آية أو حتى حديث لا تُسْتَخدم في الظرف المناسب والمكان المناسب قد تفتن بها الناس، وقد يتفرق هذا الجمع -الذي هو أصلاً جاء للتهنئة والمباركة وأكل العقيقة والدعاء لك ولذريتك- متنافرين ومتحاربين ومتعاتبين، وكل واحد منهم يقول، بعد هذا: والله لو يذبح بعيراً ما آتي!
لماذا؟ لأنه قد يكون واحدٌ وقف وخطف الميكرفون وأخذ ينذر، وأخذ ينهَر، وأخذ يشرِّح في الناس وأخذ يسفِّه فيهم وفي عقولهم.
ماذا تعمل أنت؟!
قال: أنا أنصح.
أهذه نصيحة؟! هذه ما هي بنصيحة؛ فأصبح الموجودون كلهم يخرجون وهم عازمون على أنهم لا يرجعون.
فانتبه إذا جمعت الناس في مجمع؛ على طعام، أو على درسٍ أو على محاضرة، انتقِ من يتحدث، واحرص أن الذي يتحدث له دور سليم، وروح طيبة، ويحب الدعاة والإسلام، وهيِّن وليِّن، وتعرف من معرفتك فيه أنه يحفظ آيات الأخوة وأحاديث المحبة، وتوصيه، قل: يا أخي! احرص على أن هؤلاء الذين اجتمعوا في هذا المكان لا يخرجون إلا متراضين، متسامحين ومتاحبين، وكل واحد منهم يقول: لعل الله يجمعني وإياكم في كل مناسبة طيبة.
هذا هدف من أهداف الدعاة في زماننا هذا.
والمناسبات -ما شاء الله- كثيرة:
مناسبات زواج.
مناسبات عزاء.
عقائق.
احتفالات كثيرة يقوم بها المسلمون.
وأعياد المسلمين: عيد الفطر، وعيد الأضحى.
والناس يجتمعون في رمضان.
وإفطار الإثنين.
وإفطار الخميس.
والصلوات الخمس.
وفي المساء.
وصلاة الجمعة.
اجتماعات المسلمين لا تعد ولا تحصى، لو حرص المسلمون على تأليف الأرواح، وجمع القلوب في هذه الاجتماعات، لَمَا رأينا هذا التمزق، ولَمَا رأينا هذا التشتت؛ لكن سوء التصرف بكلمة أو حركة أو إشارة أو عبارة هو الذي يصدِّع هذه الصفوف ويمزقها.
والتصديع والتمزيق هو أمضى سلاح نضعه في يد عدونا، لا تظن أن المدفع والطيارة هو أمضى سلاح! لا والله، وإنما أمضى سلاح بيد عدونا تمزقنا، والدليل على ذلك: أن هذا التمزق ذَبَّحَ من عيالنا ودعاتنا أضعاف أضعاف ما ذَبَّحَه عدوُّنا الواضح البيِّن بطائراته ودباباته ومدافعه! أليس هذا هو الحادث؟! أليس هذا هو تاريخ أمة الإسلام؟!
فلننتبه أيها الأحباب الكرام إلى هذا.
كل واحد منا -أيها الدعاة- يذهب إلى هذا الأمر وهو يحدث نفسه قبل أن يذهب: ماذا سأقول؟! وماذا سأفعل؟! وكم سأكتب؟! وكم سأصافح؟! وكم سأبتسم؟! وكم سأهدي؟! ... إلخ، يسأل نفسه هذه الأسئلة، لا يجعل نفسه متشنجاً مشدوداً؛ هذه الابتسامة معناها الاستهزاء بي! هذه الإشارة معناها أنه يحتقرني! هذه الغمزة أنا المعني بها! هذه العبارة التي قالها الشيخ وهو قاعد في الدرس أكيد أنه يقصدني! والله لن تنتهي! لو أنك تفكر هذا التفكير لا تنتهي؛ لأن كل الدنيا إشارات، وحركات، وعبارات، وكلمات، وغمزات وسوف تضيع؛ لكن القلب النظيف هو الذي يحسن الظن، دائماً وأبداً تحسن الظن، وإذا حدث خطأ فنحن لسنا في مجمع ملائكة في السماء الدنيا أو في السماء السابعة أو من حملة العرش، نحن بشر، الله سبحانه وتعالى خلقنا من جميع أنواع طينة الأرض، لما أراد خلق آدم أمر جبريل بأن يأتي بالطين، فجاء، فخلط خلطة، من هذه صخراً، ومن هذه جبلاً، ومن هذه ملحاً، ومن هذه قحفاً، ومن هذه تراباً أحمر، ومن هذه تراباً أبيض، جمع الله هذا كله وخلق منه آدم ونفخ فيه الروح.
فإذاً يجب أن نعلم أننا لا نحيا في مجتمع ملائكي نوراني وإنما مجتمع طيني، وبما أنه طيني متنوع فلنعرف جِبِلاَّت الناس، وهذه الجِبِلاَّت إذا عرفناها عرفنا كيف نتعامل معها، فهذا إنسان بارد وهذا إنسان حار، وهذا إنسان غضوب وهذا إنسان حليم، وهذا إنسان هادئ وهذا إنسان ثائر، هذا إنسان فيه نظرة الأنانية وهذا عنده الإيثار، يقول رسول الله لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم، والأناة قال: يا رسول الله! هُمَا فِيَّ بعد أن هداني الله أم قبل أن يهديني إلى الإسلام؟ قال: قبل أن يهديك الله إلى الإسلام) فتبين أن الناس جِبِلاَّت، وجِبِلاَّت الناس كثيرة؛ فهذا يستطيع أن يعبر بالكلام الذي يرضيك، لكن هذا الذي بجانبه ليس شرطاً أن يكون مثله، قد يكلمك الكلام في ظاهره إيذاء وهو ما يقصد هذا الإيذاء، لو أحسنتَ الظن أنتَ وعرفتَ أن هذا الإنسان جِبِلَّتَه كذا .. وقدراته الفردية كذا .. والله خلقه كذا .. لَمَا لُمْتَه على ما بَدَرَ منه، وكم من إنسان يظن أنه يهاوش، وهو والله ما يهاوش، هذه جِبِلَّتُه وهذا طبعُه.
فإذاً عندما نعرف جِبِلاَّت وطبائع الناس نتعامل معهم عبر هذه الجِبِلاَّت والطبائع، ولننتبه إلى هذه القضية الخطيرة حتى لا نفسر ونؤول كل حركة وغمزة، وكل كلمة وإشارة أنها ضدنا وأنها تعنينا وأنها تحتقرنا، وإلا فلن ننتهي لأن الناس أنواع، وكما يقول الحكماء: (إرضاء الناس غاية لا تُدْرَك) لاختلاف مشاربهم وأذواقهم ومشاعرهم وعواطفهم، الله سبحانه وتعالى خلقهم هكذا حتى تعمر منهم الدنيا، هذا منهم يصير الذكي العبقري المخترع، وهذا العامل، وهذا الفلاح، فإذا أردتهم كلهم أذكياء وعباقرة، أو كلهم يفهمون، فلا يمكن ذلك، فلننتبه لهذا.
أحبتي في الله: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعيش مع يهود، ومع منافقين، مع الأوس والخزرج الذين هم الأنصار، مع مهاجرين، مع كفار في جزيرة العرب ، ثم مع أطفال ونساء، ثم مع رعاة ومتعلمين، ومثقفين قرءوا الكتاب من التوراة والإنجيل، ومع بوادي وحواضر، وهذه الأنواع استطاع أن يتعايش معهم جميعاً من الكتاب والسنة، واستطاع أن يكوِّن دولة من أجمل وأكمل هذه الدول، صلى الله عليه وسلم، يكون المنافق معه في الصف، ويصلي خلفه، ويعرف أن هذا المنافق يمكره حتى وصل مكره أن اتهم عرضه، هل هناك أعظم من اتهام العرض؟! ويأتي ابن هذا المنافق فيقول: (إن كنت آمراً أحداً أن يأتيك برأس أبي فأمرني آتيك برأسه، وقد علم الناس أنني أبر ولد بوالده، أخشى أن أرى قاتل أبي فتضعف نفسي -أرأيتم الجِبِلاَّت يعرف نفسه أنها تضعف- أخشى أن أرى قاتل أبي فتضعف نفسي، فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر -فماذا قال عليه الصلاة والسلام؟- قال: بل نحسن صحبته، ماذا يقول الناس: يقتل محمدٌ أصحابَه؟!) أرأيتم كيف يعرف عليه الصلاة والسلام الأولويات في الأمور، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن الناس أنواع وأجناس، الله سبحانه وتعالى يقول: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:22].
فلنكن من هذا الصنف فنعلم تركيبات الناس وهؤلاء البشر؛ فنعرف كيف نتعامل معهم.
صحيح أن هذا داعية وملتحٍِ ومتدين، وحافظ للمصحف كله، وحافظ للسنة كلها، ومع هذا بَدَرَ منه عمل ما توقعت أن يظهر منه هذا العمل! تعرفون سعد بن عبادة رضي الله عنه نقيب من النقباء، ومن أوائل من بايع الرسول من الأنصار، ومن قبيلة الخزرج ومع هذا تعنت رضي الله عنه وأرضاه في بيعة أبي بكر من أشد ما يكون:
وخرج من المدينة وهجرها وذهب إلى الشام وتوفي هناك رحمة الله عليه ورضي الله عنه ولم يبايع أبا بكر الصديق ، والصحابة كلهم بايعوه، والمبشرون بالجنة كلهم بايعوه، لماذا؟ أنت ما تدرِ لماذا! هذه جِبِلاَّت، هكذا البشر.
فإذا تعنت أخوك معك أو عاندك فلا تكسره، بل دارِه من بعيد حتى تحافظ عليه بأقل التكاليف والخسائر، فأنت عندما يكون عندك أشياء ثمينة وقد تبعثرت، فانظر كيف أنك تجمعها قليلاً قليلاً وبأقل التكاليف وأقل الخسائر! هكذا مشاعر أخيك المسلم، حتى إن علماء السلوك والتربية يقولون: التمس له سبعين عذراً، فإن لم تجد بعد السبعين فاتهم نفسك وقل: يا نفس! إنما التقصير فيك.
قضية التحزب خاصة في القضايا العامة، والأطروحات العامة، والدروس العامة، والخطب العامة، نظرة التحزب هذه مقيتة عند الناس رضيت أم أبيت، طبائع البشر كهذا الشكل، الناس مركبون من عشائر وقبائل، أصبح الشعور عند الناس أنه مسلم مؤمن، لكن لو تعرضتَ على واحد من بلده ومن داره ما يرضى، هكذا شعور الناس، وإن كان عنده من الموازين ما عنده؛ لكن بعدما يركد ويهدأ وتأتيه بهدوء وتتفاهم معه، يقول: والله يا أخي! كلامك صحيح وعدل، وأنا تسرعت وغضبت، لكن الصدمة الأولى هذه لا بد أن تمتصها، لا تصب عليها ناراً وبنزيناً، فانتبه إلى قضية التحدث بمنطق الحزبية في القضايا العامة: خطبة، درس، محاضرة، يحرص الإنسان على العبارة التي لا تحدد الناس بين قوسين، وإنما يكفيه الكلام العام الذي ينتفع به الناس، فيصبح كل واحد موجود من جماعته أو من غير جماعته في الدعوة أو الحركة يقول: والله إن هذا الكلام هو الكلام الذي كنت أنتظره، يا ليته ما سكت! يا ليته واصل! وهكذا.
ثم هذه الحلقات والدروس من معاني الانطلاق أو التحرر من النظرة الحزبية التي قد لا يحبها كثير من الناس، فالعالم الفلاني يوصي طلبة العلم عنده، ويوصي الحاضرين من الدعاة: هل ذهبتم إلى العالم الفلاني من الجماعة الثانية؟
فيقولون: والله ما ذهبنا!
وماذا تنتظرون؟! لاحظوا أن عنده خيراً وفضلاً وعلماً، اذهبوا واقعدوا عنده، واسمعوا منه وشجعوه، وأيدوه، وناقشوه، واسألوه، فالإنسان ما يتربى من واحد، ولا من اثنين، ولا من ثلاثة، ولا من كتاب، ولا من شريط، خذوا من كل عالم أحسنه، وخذوا علمه، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وأهل الذكر كثير، لم يقل: واحد، وإنما هم كثيرون، فأمرنا أن نسألهم، ونجلس معهم، ونستفيد منهم.
فإذاً الجماعة الفلانية تبعث طلبة العلم والدعاة إلى العالم الفلاني من الجماعة الثانية، والجماعة الثالثة ترسل إلى الجماعة الأولى، والجماعة الرابعة ترسل إلى الجماعة الثالثة، والجماعة الخامسة ترسل إلى الجماعة الرابعة، فتبادُل طلبة العلم والعالِم ثابت، وتغيُّر الوجوه عليه وإحساسه أن الجماعة الفلانية جاءه طلبتُها ودعاتُها ثقةً بعلمه ودينه.
لا شك يا إخوان أنه ستمتد جسور من الثقة والمحبة بين هذا العالم وطلبة العلم هؤلاء، خاصة إذا أحسنوا التأدب في التلقي والاستماع، والتأدب في طرح السؤال والنقاش، لا نقول: إن هذا عالم ويتحمل أكثر منه، ويفهم أكثر منه، لا، بل مراعاته قد يكون أكثر من غيره، ورحم الله أحد الأئمة من العلماء عندما كان أحد طلبة العلم جالساً عنده، فمرت حمامة فرفع رأسه والعالم يتحدث، فالتفت إليه وقال: أي بني! صيد العلم خير من صيد الحمام.
قال: فما التفت بعدها على متحرك قط إذا كنت في درسي.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يستمع للكفار فضلاً عن المؤمنين، يأتيه عتبة بن ربيعة وهو كافر يقول: (يا محمد! أرسلني قومك إليك، أعرض عليك أموراً، إن شئتَ أخذتَ بعضَها وتركتَ الذي جئتَ به، إن كنتَ جئتَ بالذي جئتَ به تريد ملكاً سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنتَ تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كان الذي يأتيك رئياً ترى جمعنا لك الطب حتى نشفيك أو نُعْذَر فيك. فقال: أفرغت يا
فقام أبو الوليد متأثراً بهذا الأدب الجم وهذا الاحترام النبوي الكبير، وذهب إلى نادي قريش ورأوا التغير في وجهه قبل أن يتحدث، فقالوا: جاءكم أبو الوليد بوجه غير الذي ذهب به ....
نعم يا إخوان.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ لطالما استعبدَ الإنسان إحسان |
الإحسان: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60].
قال: ... يا معشر قريش! ذهبتُ إليه وقلتُ له ما أردتم، فقرأ علي كلاماً فهمتُ بعضه ولم أفهم بعضه؛ ولكن اعلموا أن عزه عزكم، دعوها لي واتركوه، إن قتله العرب كُفِيْتُموه، وإن أظهره الله عليهم؛ فعزه عزكم، ومجده مجدكم.
قالوا: سحرك يا أبا الوليد بكلامه.
أرأيتم كيف كسب الإنسان؟! وضمه إلى صفه وهو ليس من منهجه ولا مؤمن به ولا على دينه؟! لكن أصبح ينافح عنه عند الكافرين!
فهل يملك الدعاة القدرة في التفاهم مع الناس حتى يصبح عدوُّهم يقف فينافح عنهم في غيابهم؟!
نحن لا نريدهم أن يصلوا إلى هذا المستوى؛ لكن نريدهم أن يجعلوا أخاهم المسلم يقف بجوارهم ويدافع عنهم وعن أعراضهم ويحامي عنهم، نريد أخاهم المسلم الذي على دينهم.
فإذاً يدفع كل عالم وتدفع كل جماعة وتدفع كل مجموعة طلبة علمها بتوصية؛ بل بأمر إلزامي قد يكون الكلام العام ما له أثر، بل ليقل: اذهبوا، يا فلان .. يا فلان .. يا فلان .. اذهبوا إلى الشيخ الفلاني، اذهبوا مجلس العالم الفلاني، زوروه في البيت، عودوه إذا مرض، هنئوه في الولادة، هنئوه في الزواج، هنئوه في كذا ... مرة، مرتين، ثلاثاً، أربعاً، كل زيارة تغرف من القلب قليلاً من الدخن والغل والبغض والحسد، ما تأتي الزيارة الثالثة بإذن الله إلا والقلب يزهر كالمرآة أو كالمصباح.
فالناس -أيها الأحباب- يتأثرون ويؤثرون، فالذي يأتيه الطيب يطيب، والذي يأتيه الشر يبعد شره، ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا [فصلت:34-35] ؟! نصبر، زيارة أولى، زيارة ثانية، زيارات، وليس من أول زيارة تريده أن يهش ويبش وينبسط! ربما الزيارة الأولى فقط يحملق؛ ماذا يريد هؤلاء؟! ما الذي أتى بهم؟! نعم يا أخي، هذه طبائع البشر. أرحامك؛ عمتك، خالتك إذا قطعتها شهراً ثم ذهبت لها: ما الذي أتى به؟! لا بد أنه يريد شيئاً! هذا أول شعور يتبادر إلى الناس؛ لكن الزيارة الثانية، والزيارة الثالثة، والزيارة الرابعة يبدأ القلب يلين ويرق ويهش ويبش، حتى بل يفقدك ويتفقدك إذا أنت انقطعت عنه، الذي كان من الأول ما ينتظرك الآن يبدأ يسأل عنك ويفتقدك: أينك ما جئتنا؟ ما رأيناك!
فلنعرف كيفية التعامل.
وعندما أقول هذا الكلام فلينتبه الدعاة، وليس هذا تزكية لنفسي، معنى هذا أني قد بلغت القمة (100%) في السلوكيات، لا، وقد أكون أنا أكثركم أخطاءً؛ لكن هي النصيحة، نتعاون عليها، وننتفع بها، ولا يأتيني إنسان يحاكمني بشريط سمعه، أو بفقرة سمعها، أو بعبارة قيلت، فيقول: لو أن هذا الكلام ينفع ما قال هذا الكلام. فأنا كلامي لو أردت أن تحصيه ستجده كلام بشر، ربما أكثر من غلط، وأنا ماذا عندي من العلم؟ ما درستُ في الأزهر، ولا درستُ في الجامعة، وإنما الله سبحانه وتعالى أمرني أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأغرف من هذه الكتب وأقرأ وأنصح الناس.
فلهذا احذر -يا أخي المسلم- أن يدخل عليك الشيطان: تعال انظر القطان ماذا قال في هذا الشريط؟! تعال .. اسمع .. ماذا يقول. لا، خذ نصيحتي وامضِ بها ولا تلتفت ولا تتردد.
فلو كان عندي ألفا شريط موجودة الآن تدور في الدنيا، ثم تحاسبني على كل جملة في ألفي شريط، والله ما أخرج بشيء.
فلهذا احذر من مداخل الشيطان.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا، ويجعله خالصاً لوجهه، وأن يؤلف به بين الجماعات الإسلامية، ويفوت على عدونا كل فرصة، واليهود ما عرفوا حقيقة ما أقول إلا بعد أن وقف كل الفلسطينيين بأنواعهم وجماعاتهم وألوانهم ومشاربهم صفاً واحداً يرجمون اليهودي بالحجارة، فعرف اليهود أن أمضى سلاح كان بيده هو تمزق المسلمين، وأن أقوى سلاح الآن بأيديهم أنهم على خط وصف واحد، فلنأخذ هذه العبرة، ولنأخذ هذا الدرس.
ونسأل الله أن ينفعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: لا. أنا أعتبر عندما يقول: أنا من الجماعة الفلانية بالضبط كالذي خرج من بريدة ، والذي خرج من المنطقة الشرقية ، والذي خرج من الكويت ، والذي خرج من البحرين ، وكلهم ذاهبون إلى الحج:
قال: يا أخي أنتَ من أين آتٍ؟
آتٍ أنا من الدمام .
من الدمام ؟! الله يحييك.
وأنت من أين آتٍ؟
قال: أنا آتٍ من القصيم.
من القصيم، عسى أن لا نراك!
هل يقول هذا عاقل؟! لا يا إخوة، ما يقول هذا عاقل.
إذاً عندما يقول واحد: أنا من السلفيين، أو أنا من الإخوان، أو أنا من التبليغ، أو أنا من الجهاديين، أو.. أو.. إلى آخره من هذه الجماعات فليس معنى هذا أنني أتحزب، وأنني أتعصب، وأنني أنا الوحيد على الحق والباقي كلهم على باطل، وأنني أنا على الصواب وكلهم على الخطأ. لا، إنما خطتي فيها صواب وتحتمل الخطأ، وكذلك خططهم هم فيها صواب وتحتمل الخطأ، وأيضاً صاحب الخطأ يحتمل الصواب؛ ألم يقل العلماء في قاعدة الاجتهاد: إن أصاب المجتهد فله أجران؛ الأجر الأول: على حسن نيته.
الأجر الثاني: على إصابته للحكم.
وإذا أخطأ فله أجر.من أين جاءه هذا الأجر؟!جاءه الأجر على حسن نيته، وفاته أجر لأنه أخطأ الصواب. فالحق واحد.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر