وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. أما بعد:
أيها الإخوة في الله! اقتضت حكمة الله عز وجل أن يخلق الجنة والنار، وأن يخلق لكل واحدة منهما أهلاً، يخلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يعمر هذه الحياة بالمخلوقات، ويعطيهم من العقول والأدلة ما على مثله يؤمن البشر، كما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يقوم صراع عنيف منذ بدء الخليقة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، ابتداءً من الساعة التي أهبط الله عز وجل فيها آدم من الجنة، وقال: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36]، وما زالت هذه العداوة بين إبليس وذريته وبين آدم وذريته باقية وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبناءً على هذه العداوة، وبناءً على تلك الحكمة الربانية كان الناس أصنافاً من البشر، وكان الناس معادن، وكانوا كالأرض التي يعيشون عليها: تربة تمسك الماء وتنبت الكلأ، وينفع الله بها الناس، وتربة تمسك الماء فتنفع الناس في شربهم، وتربة هي قيعان لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء.
ثم أقام الله عز وجل الحجة على كل البشر؛ بحيث لا تبقى حجة لأحد على الله عز وجل، ومن هنا قسم القرآن الناس إلى أحد عشر قسماً، وإن كانوا في الأصل قسمين: فريق في الجنة وفريق في السعير، لكن لما كان هناك تفاوت في درجات الخير وفي درجات الجنة، وهناك تفاوت أيضاً في مراتب الشر ودركات العذاب؛ قسم الله عز وجل هؤلاء البشر -كما تدل آيات القرآن- إلى أحد عشر قسماً، وكل واحد من هذه الأقسام الأحد عشر يقول الله عز وجل فيها: (وَمِنَ النَّاسِ)، (وَمِنْهُمْ)، (فَمِنْهُمْ)، وإذا جاءت: (وَمِنَ النَّاسِ)، (فَمِنَ النَّاسِ)، (وَمِنْهُمْ)، (فَمِنْهُمْ)؛ فإنما تعني أنواع البشر، بخلاف ما ورد في سورة التوبة؛ فإن كل آية وردت في سورة التوبة فيها وَمِنْهُمْ [التوبة:49] -وهي في أربعة مواضع- فالمقصود بها المنافقون فقط، أما ما سواها في القرآن فإنها تعني أقسام الناس جميعاً.
وحينما نمر مروراً عابراً على هذه الأقسام الأحد عشر -ولعل بعضها يدخل في بعض- نجد العجائب في خلق الله، ونجد التفاوت في هؤلاء البشر، فمنهم من يعيش في القمة، ومنهم من يعيش في أسفل دركة من دركات هذه الحياة، ولذلك فإن المؤمن وهو يسمع أخبار القوم عليه أن يختار أفضل المراتب وأعلى المنازل، من أجل أن يكون في أعلاها يوم القيامة، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
النفاق لغة: هو إخفاء الأمر، وفي الاصطلاح الشرعي: إظهار الإيمان وإبطان الكفر.
والنفاق ينقسم إلى قسمين: نفاق عملي، ونفاق اعتقادي، والنفاق الاعتقادي هو الأعظم والأفظع -نعوذ بالله من شره- وهو الذي يقول الله عز وجل عن أهله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النساء:145-146]، وهؤلاء يبطنون في قلوبهم الكفر، ويظهرون الإيمان أمام الناس.
أما النفاق العملي: فهو الذي يتصف بالصفات الأربع أو بواحدة منها: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر)، إلى غير ذلك.
ومن المعلوم أن النفاق لا يوجد إلا في فترات متقطعة من فترات التاريخ، وهي فترات عِزَّ الإسلام، فإذا كان الإسلام عزيزاً في زمن ما أو في بلد من البلاد وجد النفاق؛ لأن أصحابه يهدفون من ورائه إلى حماية أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من المسلمين، ولذلك فما وجد النفاق في مكة وإنما وجد في المدينة يوم أعز الله الإسلام وكانت له دولة.
ولقائل أن يقول: إذا كان هذا حقاً؛ فهل يوجد النفاق في أيامنا الحاضرة ونحن نرى أن الخير أصبح مغموراً في عالمنا اليوم، وفي حياة الناس ودنياهم؟ وهل للنفاق مكان في أيامنا الحاضرة؟
نقول: نعم، يوجد النفاق في أماكن يظهر فيها الخير، وكلما برزت بلد من بلاد الله بنوع من أنواع الخير وجد النفاق، إلا أن النفاق يأخذ مع مرور الأيام طابعاً جديداً، ويختلف ويتأقلم بحسب البيئات من حوله، وبحسب العصور والأيام.
قال تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10]، وهذه أيضاً صفة من صفاتهم، أي: أن عندهم شكاً، وزادهم الله شكاً بسبب الشك الأول؛ لأن كل معصية يفعلها الإنسان إنما هي جزاء معصية سابقة.
وعلى هذا فإنهم دائماً يسخرون من المؤمنين ويسمونهم سفهاء، ولكن الله تعالى يقول: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ [البقرة:13].
هؤلاء نجدهم اليوم أيضاً يكثرون بين الناس، ونجد أن أحدهم وإن كان له شيء من الهدف في الآخرة؛ لكنه يضرب بهذا الهدف عرض الحائط إذا تعارضت مصالحه المادية مع الدينية، فنجد أن هناك أقواماً ليسوا أعداءً للإسلام، ولا يحملون الحقد للإسلام كما يحمله غيرهم، ولكنهم يعتبرون هذا الدين شيئاً كمالياً، فإذا تعارضت مصالحهم المادية مع دينهم ضربوا بمصالحهم الدينية عرض الحائط، واتجهوا إلى الدنيا يصلحونها ويعمرونها، ولو أدى ذلك إلى خراب حياتهم الآخرة!
هؤلاء الناس لا يريدون إلا الدنيا، والله تعالى أخبرنا بأن هؤلاء ليس لهم نصيب ولا خلاق في الآخرة، ولذلك فإن الله تعالى قد أخبرنا أنهم يأخذون نصيبهم كاملاً في الدنيا، فيعطون الصحة والعافية والمال والولد والجاه والمركز، جزاء ما يقدمونه في دنياهم من الأعمال التي لم تكن على قاعدة الإيمان والنية الخالصة الصادقة، فالله تعالى يقول عنهم: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود:15-16]، وإذا كان منهم من يبني المساجد أو المدارس أو المستشفيات أو المراكز أو القناطر أو الترع وينفع عباد الله، لكنه على غير هدف، وعلى غير الإيمان؛ فإن الله عز وجل يعجل لهم حسناتهم في الدنيا ويعطيهم الصحة والعافية والمال والولد؛ لأن الله تعالى كما يقول عن نفسه: لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40].
هذا النوع الثالث هو الذي يجب أن يكون عليه الناس أجمعون؛ لأن الإسلام كما يكره الروحانية المنحرفة الموغلة؛ يكره أيضاً المادية المفرطة التي لا تؤمن بالأديان، ولذلك نحن نعيش الآن بين طرفي نقيض في أيامنا الحاضرة: الشيوعية الإلحادية المادية التي تنكر كل القيم والروحانيات، ولا تعترف بواحدة منها، فهذه نحن نرفضها؛ لأننا أمة خلقنا لهدف؛ ولأن الخالق هو الله سبحانه وتعالى، ونؤمن بالحياة الآخرة، وبالأديان، وبالرسول، وباليوم الآخر، أما الشيوعية فلا تؤمن بشيء من ذلك، فنحن نرفض الشيوعية ونعتبرها كفراً وإلحاداً، ونشكر الله سبحانه وتعالى أن هدانا بفضله.
وعلى الطرف الثاني من النقيض: الصوفية الموغلة في الروحانية، والتي لا تعطي الجسم شيئاً من حقه، وإنما تعطى الروح وحدها، وهذه أيضاً نحن نرفضها، يقول الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]، أي: بين طرفي نقيض، وهذه الوسطية سواء كانت في جغرافية الأمة الإسلامية، أو أخلاقها، أو عاداتها، أو عباداتها، أو سلوكها، تبرز دائماً.
وإذا نظرنا إلى الإسلام في أي مجال من المجالات وجدناه دائماً يتوسط بين طرفي نقيض، فمثلاً: يعيش الآن نظامان اقتصاديان في العالم: نظام يسمى: الرأسمالي، ومعنى الرأسمالي بمعناه الاصطلاحي لا اللغوي: أن نكسب المال من الحلال أو الحرام، وأن ننمي الربا، وألا يكون في أموالنا حق للسائل والمحروم، وليس هناك أي واجب في هذا المال، بل على الإنسان أن يسعى لكسب هذا المال من طرق الحرام أو الحلال، وعليه أيضاً أن يبخل بهذا المال بحيث لا ينفقه في أي وجه من وجوه الخير، هذه الرأسمالية بمفهومها الاصطلاحي، يقابلها في الطرف الآخر نظام كافر آخر يسمى: الاشتراكية، النظام الذي يريد أن يبتز أموال الأغنياء لا من أجل أن يرفع من مستوى الفقراء، ولكن من أجل مصالح وفوائد أخرى .. من أجل تثبيت عروش تهتز بأهلها من تحتهم، ولذلك فإن الله عز وجل جعلنا أمة وسطاً؛ فلا نحن ندين بالاشتراكية التي تظلم الناس وتأخذ أموالهم، ولا بالرأسمالية التي تكسب الأموال من الحلال أو الحرام، ولا تعترف بحقوق الغير أو الفقراء .. هذا هو المنهج القويم.
وقوله: (وسطاً) يحتمل معنيين أيضاً: بمعنى: العدول، وبمعنى: تتوسطون بين الأمم في كل حالة من الحالات، فنحن نشكر الله على ذلك.
أما الذين يريدون أن يحولوا الإسلام إلى روحانية ورهبانية ما أنزل الله عز وجل بها من سلطان؛ فإن هؤلاء رأيهم مرفوض؛ لأن هذا الدين لا يكون إلا بالروح وبالجسد، ونحن أيضاً نتوسط بين أعدائنا، فالشيوعية تذيب الفرد في سبيل الدولة، والرأسمالية تذيب الدولة في سبيل الفرد، أما نحن فالإسلام دين يعترف بالدولة ويعترف بالفرد، ويعطي كل واحد منهما حقه، ولذلك فإنه يحارب الرهبانية، ويقول الله عز وجل عن النصارى الذين انتحلوا الرهبانية وما فرضها الله تعالى عليهم: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27]، ثم يقول بعد ذلك الله تعالى: إلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ [الحديد:27]، يعني: هم فعلوها ابتغاء رضوان الله، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27]، ولذلك حرم الإسلام الرهبانية، فالإسلام ليس دين الكهنوت ولا الرهبانية، ولكنه دين يتوسط بين الروح والجسد؛ فيعطي الإنسان حريته؛ بل يفرض عليه أن يسعى للبحث عن الرزق الحلال، ثم أيضاً يأمره بأن يستقيم على دين الله عز وجل في آنٍ واحد، ولذلك يقول الله عز وجل على لسان أهل الخير من قوم قارون الذين وعظوه فقالوا له: لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:76-77]، فهم ما قالوا له: اتجه للآخرة فقط، ولكن قالوا: وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77].
ولما جاء ثلاثة نفر إلى بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا عن عمله في السر فأخبروا بعمله، فقال واحد منهم: أما أنا فأصلي الليل ولا أرقد، يعني: كل الليل أجعله في عبادة، وقال الثاني: وأنا أصوم النهار ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء، يريدون الرهبانية والانقطاع للعبادة، فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لما علم بخبرهم؟ لم يغضب غضباً كغضبه في ذلك اليوم، فقام وخطب وقال: (أيها الناس! أما بعد: فوالله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له، وإني أصلي وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، هذه هي الحياة التي يجب أن نسعى لها، وليس معنى ذلك أن نقسم الحياة إلى قسمين: للدنيا وللآخرة، لا؛ بل نعمر الدنيا بقدر حياتنا فيها، ونعمر الآخرة بقدر مقامنا الطويل فيها، ومن هنا فلا نقدم مصلحة من مصالح الدنيا على هدف من أهداف الآخرة، وإذا كان أمام الإنسان أمراً من الأمور المحرمة التي يكسب فيها المال؛ فإنه يتصور أنه ما خلق لهذه الدنيا، وحينئذٍ يترك هذا الحرام ويكتفي بالحلال، وهذا كله تخلقه الحياة التي يتوسط فيها بين عمارة الدنيا وعمارة الآخرة، ولذلك يقول الله تعالى عن هذا الصنف: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:201-202]، هؤلاء هم الذين يدركون نصيباً؛ بخلاف من ذكر قبلهم فإن نصيبهم يضيع؛ لأنه أراد الدنيا وأخذ نصيبه من الدنيا، فانتهى أمره وأعطاه الله كل حقوقه في الدنيا، أعطاه صحة وعافية ومالاً وولداً ومركزاً وملكاً وسلطة، أما الثاني فإنه أراد الآخرة؛ فادخر له جزاؤه إلى الحياة الآخرة.
هذا النوع من البشر له كلام معسول يعجب الناس، وإذا تحدث يأخذ بألباب الناس، وإذا تكلم عن الإسلام بدأ يمدحه، ويصفه بأنه دين الحياة والرقي والتقدم، وإذا كان له مطلب من مطالب الدنيا اتخذ الدين مطية، وبدأ يظهر أمام الناس بمظهر الرجل الصالح المصلح، فإذا ظفر ببغيته، وحصل على مراده، وأدرك أمنيته؛ ضرب بدين الله تعالى عرض الحائط، لماذا؟ لأن الهدف قد انتهى، والمهمة قد تحققت، ولذلك فإنه: يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204]، على اختلاف بين المفسرين في معنى: (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فقيل: أي: حديثه عن الدين، وقيل: حديثه عن الدنيا فقط، وعلى كل فإن الرأي الأول أولى؛ لأنه قال بعد ذلك:( تَوَلَّى) أي: أعرض وانتهت مهمتة، كما اختلف علماء التفسير في معنى: (تَوَلَّى)، فقال بعضهم: إذا ولي منصباً من مناصب المسلمين، فما دام يهدف إلى هذا المنصب؛ فإنه يعد الناس ويمنيهم وسيفعل وسيفعل، وسيعيد عصر الخلفاء الراشدين، لكنه إذا ظفر بمراده ضرب بدين الله عز وجل عرض الحائط، وأصبح أكبر عدو للإسلام، أو انتهى من مهمته، وحصل على بغيته، بعدها سعى في الأرض فساداً: لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْل [البقرة:205].
هذا أخطر أنواع البشر، وهو في أخبث المنازل؛ لأنه يخدع الناس حتى يوصلوه إلى مركزه ومطلبه، ويبذلون له كل غال ونفيس في سبيل إيصاله إلى أن يتولى أمراً من أمورهم، فإذا به يضرب بهم عرض الحائط، وإذا به يتحداهم ويتحدى دينهم وأخلاقهم وفضائلهم.
وهذا النوع كثير في حياة الناس، ولو نظرنا إلى كثير من زعماء العالم الإسلامي الذين كانوا يعدون ويمنون، ويقولون: سنفعل وسنصلح، حتى إذا صعد أحدهم واعتلى على الكرسي إذا به العدو اللدود لدين الله عز وجل ولأوليائه، ومن هنا امتلأت السجون بالأبرياء، وتحولت السجون إلى معتقلات في أكثر العالم الإسلامي، فالأبرياء الذين يعيشون في معتقلات الطغاة والظلمة في أيامنا الحاضرة يساوون آلاف الأضعاف بالنسبة للمجرمين الذين يعيشون في السجون العادية، لماذا؟
لأن هؤلاء إذا تولى أحدهم قلب ظهر المجن على أولياء الله، وأصبح عدواً لدين الله عز وجل، ولذلك أخبر الله عز وجل أن هؤلاء يهلكون الحرث والنسل -نعوذ بالله- وذلك بأن يفرضوا من الفساد والطغيان والانحراف في الأرض ما يكون سبباً في دمار هذا العالم، ولذلك تنقطع الأمطار، وتتوقف الخيرات بأسباب هؤلاء، فيهلك الحرث -أي: الزرع- ويهلك النسل والمواشي وحتى البشر بأسباب هؤلاء.
ولو نظرنا إلى واقع العالم الإسلامي اليوم لوجدناه يعيش هذه الحياة الدامية التي لا يستطيع قلم أن يصفها أو لسان أن يتحدث عنها، فلا نسمع عبر الأثير من الأخبار إلا المجازر والقتل والدماء بمئات الآلاف، لم هذا؟
لأن كثيراً من هؤلاء السفهاء الذين تولوا مناصب العالم الإسلامي كانوا سبباً في دمار هذا العالم، ولذلك بمقدار ما يتولى السفهاء الأمور بمقدار ما تنحط الدنيا، وتنحرف وتسوء أحوال العالم الإسلامي.
أيها الإخوة! إننا حينما نسمع مثلاً عن أخبار لبنان أو العراق أو إيران أو العالم، لا نسمع إلا ما يدمي القلب، وعلى هذا نقول: إن هذه عقوبة الله عز وجل أنزلها بهؤلاء القوم: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، والله تعالى يقول عن هؤلاء: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205]، كيف نعرف هذا النوع من البشر؟
نعرفهم بصفة ذكرها الله عز وجل بعد ذلك، قف أمام واحد منهم وقل له: اتق الله، فسيقول لك: أنا أتقي الله؟! هذا ينتظره السجن والقتل والعقوبات والويلات والمصائب أولى به، لا يريد أن يقال له: اتق الله، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:206]، إذاً: لا يلين قلب هذا وجسمه القاسي ورأسه الصلب إلا نار جهنم، فهي التي ستذيبه وتقضي عليه؛ فحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206].
اذهب إلى هؤلاء الطغاة في أكثر العالم الإسلامي وقل لأحدهم: اتق الله، وانظر ما سيفعله بك، وحينئذ تعرف الحكمة والمعجزة لهذا القرآن العظيم لما ذكر أن من صفات هؤلاء إذا قيل لأحدهم: اتق الله، غضب، وما امتلأت السجون والمعتقلات في أيامنا الحاضرة في هذا العالم الإسلامي إلا لأن المسلمين الأتقياء يأتون إلى هؤلاء ويقولون لهم: اتقوا الله، ولأن المسلمين يريدون الإصلاح في الأرض، وأولئك يريدون الإفساد فيها، فيأخذونهم أخذاً شديداً، ولكن هؤلاء ينتظرهم موعد بينهم وبين هؤلاء المؤمنين المظلومين يوم يقف الجميع بين يدي أحكم الحاكمين، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
اسمعوا أخبار شمال أفريقيا والشام، وابحثوا عن السجون، لقد أصبح المسلم في تلك البلاد لا يستطيع أن يؤدي أبسط شعائر الدين، فضلاً عن أن يقول لذلك الطاغية: اتق الله، فكيف به لو قال له: اتق الله، وهو يظن أنه أتقى الناس، وهو في قلبه وقرارة نفسه يؤمن بأنه هو الخليفة المصلح، فيسمى بأمير المؤمنين، ويسمون أنفسهم بالمصلحين، وهم شر أعداء الله تعالى.
إذاً: نعرف كيف أن الله عز وجل أعلمنا عن هذا النوع من البشر، ونشكر الله سبحانه وتعالى على ذلك، فنحن هنا نعيش في خير، ويتخطف الناس من حولنا، ونسأل الله أن يثبتنا على القول الثابت، ونسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ لنا قادتنا بالإسلام، وأن يهديهم للاستقامة، وأن يجعلهم يأخذون بأسبابها.
هؤلاء القوم هم الذين يشرون أنفسهم -أي: يبيعونها لله عز وجل- بينما أولئك يبيعون أنفسهم على الشيطان، ولا يرحمون أنفسهم، ولا يرحمون الأمة التي يعيشون معها، هؤلاء يقابلهم قوم يشرون أنفسهم لله عز وجل، ولذلك يقول الله تعالى عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ [البقرة:207]، أي: يبيع نفسه، كلما جاءت (يشري) بدون التاء فمعناها البيع، وليس الشراء، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:207].
نزلت هذه الآية في رجل من المؤمنين قصته عجيبة، هذا الرجل هو صهيب الرومي رضي الله عنه، فقد كان من المؤمنين الأتقياء الفقراء المظلومين في مكة، ولما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة كان صهيب الرومي رضي الله عنه من أثرى أهل مكة، ما الذي فعله صهيب ؟ أخذ أمواله ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف له المشركون في الطريق، وقالوا: يا صهيب ! أنت الرجل الدخيل فينا، أتيت من بلاد الروم رجلاً فقيراً، وإذا بك اليوم تحمل هذه الأموال الطائلة، والله لا نتركك أبداً، فقال: وماذا تريدون مني؟ قالوا: نريد كل أموالك، فقال: هذه كل أموالي خذوها، ودعوني ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: الآن فاذهب، فلما وصل إلى المدينة وجدهم يتلون هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207]، فإذا بالمسلمين يقابلونه في الطريق ويهنئونه بهذه البيعة على الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم من ضمن هؤلاء، ويقول له: (ربح البيع
إن الذين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله موجودون في كل عصر، وهم يبيعون أنفسهم وأموالهم وحتى راحتهم، ويعيشون ولو في قلق في هذه الحياة من أجل أن يظهر دين الله عز وجل، وهؤلاء هم الذين يدخلون ضمن هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [البقرة:207]، ولذلك أخبر الله تعالى أن هؤلاء باعوا أنفسهم وأموالهم على الله بالجنة، كما قال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111]، ولما نزلت هذه الآية قام عبد الله بن رواحة وقال: (يا رسول الله! ما لنا؟ قال: الجنة، فقال: يا رسول الله! ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل)، يعني: لا نريد ثمناً غير هذا.
ولذلك فإن من المؤمنين اليوم عدداً كثيراً -والحمد لله- باعوا أنفسهم على الله عز وجل، وقدموا أنفسهم ولو غضب أعداء الله ولو غضب الطغاة، وقدموا دماءهم في سبيل الله عز وجل من أجل أن يظهر دين الله ولو حصل ما حصل.
ولذلك فما وقف الطغاة في الأرض مشدوهين أمام قوم أكثر من هؤلاء؛ لأن هؤلاء هم الذين لا يبالون بالموت، ولا بكل ما يخسرون من متاع الحياة الدنيا في ذات الله عز وجل، وفي سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ)، أي: يخاصم في وجود الله، ونجد اليوم أقواماً يناقشون الناس: هل الله تعالى موجود أو غير موجود؟! وما كان ذلك موجوداً في تاريخ العالم إلا في فترات متقطعة؛ كعصر فرعون الذي أنكر الخالق سبحانه وتعالى لهدف استعباد الأمة؛ لأن الله تعالى يقول عنه وهو يكشف مؤامرته: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، أي: جحدوا بها ظلماً وعلواً. أو في فترات كفترة الشيوعية المعاصرة -عليها لعنة الله وعلى مؤسسيها إلى يوم القيامة- الذين ينكرون الخالق سبحانه وتعالى، والأديان والكتب السماوية والبعث؛ من أجل أن يستولوا على هذا العالم، ولذلك فإنا نجد أقواماً ممن يحسبون على الإسلام في أيامنا الحاضرة يجادلون في وجود الله عز وجل، ولربما يجادلون في وحدانيته، كأصحاب القبور والوثنيات الذين سلمت بلادنا -والحمد لله- منهم؛ لأن بلادنا ما زالت تعيش وتتمتع بدعوة سلفية، وستبقى بإذن الله إلى يوم القيامة، وكذلك يجادلون في أسماء الله وصفاته، ولم يكفهم أن يجادلوا في دين الله، بل تطاولوا ليجادلوا في الله عز وجل بغير علم، وإن كانوا يحملون شهادات الدكتوراه وما فوق ذلك وما دون ذلك، لكنهم أجهل الناس بدين الله عز وجل.
وهل من المعقول أن نجد من يحمل هذه الشهادات العملاقة وهو لا يجيد قراءة سورة الفاتحة، أو لا يعرف أقصر السور، أو لا يعرف من دين الله عز وجل شيئاً؟! ولربما يحفظ من الأغاني أكثر مما يحفظه من دين الله عز وجل، ويعرف عنها أكثر مما يعرفه من دين الله، ومع ذلك نجد أن هذا يجادل في دين الله، فإذا كتب في الصحف فكأنه أكبر العلماء، فيتكلم مرة على الحجاب، ويبدي رأيه فيه، وكأن له رأياً، أو كأن الحجاب ما زال موضع الدراسة بين الناس، ثم يتكلم مرة أخرى على الحدود، ويقول: وحشية وقسوة، حتى كتب أحدهم وقال: أيتها الفتاة! طالبي رب العالمين، وخاصمي رب العالمين! كيف يضفي الليل على وجه القمر؟! والله لقد قرأناه في صحيفة في بلد إسلامي، وعوقبت هذه الصحيفة وأوقفت، ولكن صاحب هذا المقال ما رأينا له أي عقوبة، يجادلون في الله ويعتبرون الحجاب والسمت الإسلامي الذي مَنَّ الله به علينا وعلى نسائنا تخلفاً وتقوقعاً ورجعية.
يجادلون في الله بغير علم، ولو كان عندهم علم لاستطعنا أن نناقشهم، ولكن علمهم أكبر ظني أن كثيراً منهم أخذوه من بلاد الغرب مشوهاً، مخلوطاً بين الإسلام والوثنية والجاهلية، ولذلك فليس عندهم علم في دين الله، وإذا بدأ يناقش ويجادل فإنه يجادل في الله بغير علم، ومثل هذا يحار العاقل في أمره.
(وَيَتَّبِعُ كُلَّ شيطان مريد)، العجيب أنه لا يتبع شيطاناً واحداً؛ بل إذا جاء شيطان وتكلم عن الحجاب تبعه في أمر الحجاب، وإذا جاء آخر بنقد أحكام دين الله نجده يتبعه في هذا الأمر، وإذا جاء ثالث ليحبذ قوانين البشر وآراء الرجال اتبعه، فمن العجيب أنه لا يتبع شيطاناً واحداً وإنما يتبع كل شيطان مريد، نعوذ بالله منه!
إذاً: فهو يميل لكل شيطان، ويعيش في قافلة الشياطين، سواء كان في ذلك شياطين الإنس وشياطين الجن؛ لأننا نعلم يقيناً أن الشياطين ينقسمون إلى قسمين: شياطين الإنس، وشياطين الجن، وكلاهما قال الله عز وجل عنهم: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]، وشياطين الإنس أخطر على الناس من شياطين الجن؛ لأن شيطان الجن تتخلص منه بالاستعاذة بالله منه، أما هذا الشيطان فإنك لا تتخلص منه بالاستعاذة، وإنما تتخلص منه بأن تقضي على مبدأ هؤلاء، وأن تحاربهم بكل ما أوتيت من قوة.
ومع الأسف فإن هؤلاء الشياطين بدءوا الآن ينشئون من أبناء جلدتنا، كان الشياطين وأعداء الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أسماؤهم: أبو لهب وأبو جهل وأبي بن خلف ، فإذا بالشياطين في أيامنا الحاضرة أسماؤهم: عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وأحمد، فكانت المصيبة أكبر، وكان البلاء أخطر وأشد، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن اليمان: (يكون دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقال
فهؤلاء أخطر على الإسلام من أعداء الإسلام الذين يأتون من الخارج، ولذلك يقول أعداء الإسلام: إنكم لن تستطيعوا أن تقطعوا شجرة الإسلام إلا في غصن من أغصانها، ولعل هذا هو مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (هم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، وهؤلاء الشياطين من البشر الذين يتبعون الشياطين من أوليائهم يوحون إليهم، فهم أعداء للإسلام، وكلما سمعوا مقالة أو حديثاً عن الإسلام اكفهرت وجوههم: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45]، ولذلك نجدهم يحملون الحقد على الإسلام، ويأخذون من شياطين الإنس ما يغوونهم به ويقذفونه في المجتمعات الإسلامية، فانتشر السفور في بلاد المسلمين، وانتشرت الخلاعة، وانتشر الربا والزنا والفواحش والخمور على أيدي هؤلاء الشياطين الذين يتبعون كل شيطان مريد كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [الحج:4].
(ثَانِيَ عِطْفِهِ)، متكبر متغطرس، هذه صفة هؤلاء: أنهم متكبرون متغطرسون .. متكبرون على الله، حتى إن أحداً منهم لا يريد أن يركع لله عز وجل ركعة، أو يحني ظهره، أو يضع وجهه على الأرض، وهو أيضاً متكبر على خلق الله عز وجل؛ يحتقر المؤمنين، ويضحك منهم ويسخر بهم .. انظر إلى لحية فلان، وانظر إلى ثوب فلان القصير، وانظر.. حتى رأينا السخرية في دين الله عز وجل قد بلغت ذروتها في أيامنا الحاضرة، ورأينا الآباء يسخرون بأبنائهم -نعوذ بالله- في بعض الأحيان، ويقول: إن ابنه هذا موسوس، وهذا فيه بلاء! يا أخي! أما تريد أن يكون لك هذا الولد لتقر عينك به في الدنيا والآخرة؟! وإذا وضعت في قبرك وانقطعت أعمالك تكون لك أعمال صالحة ترجو ثوابها عند الله عز وجل يوم القيامة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ثمرة تدر عليك مدى الحياة، ولذلك وجدنا الكثير من الآباء يضغطون على أبنائهم في أيامنا الحاضرة بدعوى الخشية أن يكونوا مثل فلان أو فلان من الموسوسين، وأخشى على هؤلاء من الردة، والله تعالى قد أخبرنا بأن هؤلاء الذين يطعنون في دين الله ليسوا كفرة فحسب بل هم أئمة الكفر، فالله تعالى يقول: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ [التوبة:12]، وفي قراءة: (إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون)، ولذلك رأينا هذه السخرية تحكي لنا قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ [المطففين:29-33].
هذا الجدال الذي أدى إلى الكبرياء والغطرسة؛ فأصبح يرى نفسه كالجبل، ويرى الناس تحت قدمه كالذر، وهذا من أخطر الأمور التي ابتلي بها البشر.
يقول الله عز وجل عن هؤلاء: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج:11]، أصل الحرف في اللغة: الطرف، عندما تصعد إلى طرف الجبل فهذا يسمى حرف الجبل، ولما تصعد إلى الرمال العالية ما بين المرتفع والمنحدر يسمى هذا حرفاً، أي: كأنه على طرف، يوشك أن يسقط في أي لحظة -نعوذ بالله- فهو يعيش على طرف سكين، على أمر حاد، وسرعان ما يسقط هذا الذي يعبد الله على حرف، لماذا؟
لأنه ما فهم هذا الدين فهماً حقيقياً، إبراهيم عليه السلام وهو أقوى الناس إيماناً قال الله عنه: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي [الأنعام:76]، هو يبحث عن الله، وليس في الله تعالى شك، وليس إبراهيم ممن يخفى عليه ربه سبحانه وتعالى، ولكنه يريد أن يعلم الناس كيف يعرفون الله عز وجل حق المعرفة؛ فلما جن عليه الليل رأى كوكباً فقال: هذا ربي، فلما أفل وغاب الكوكب، قال: لا أحب الآفلين، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:77-79]، هذا الإيمان الذي وجد نتيجة التفكير في قدرة الله عز وجل، وفي عظمة الله عز وجل، وفي ملكوت الله عز وجل هو الإيمان الثابت، هو الذي لما حاجه قومه قال: أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ [الأنعام:80]، حتى إنه لما قذف في النار التي ما كان لها نظير في الدنيا، وقال الله لها: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، ويأتيه جبريل في هذه اللحظة، ويقول: ألك حاجة؟ فيقول: أما إليك فلا.
هذا هو الإيمان الحق الذي نريد أن نبحث عنه، لا نريد أن نأخذ الإيمان بالتقليد ولا بالوراثة فقط، وإن كنا مطالبين بأن نتبع آباءنا على خير، لكن نحن مطالبون بأن ننظر في قدرة وعظمة ومخلوقات الله عز وجل، وحينئذٍ يثبت الإيمان، ويقر في مكان رصين فلا يتعثر ولا يزول، لاسيما ونحن نعيش اليوم فترة ما مر تاريخ الإنسانية بأعظم منها، وإن كنا لا نتناسى فيه الصحوة الإسلامية ونشكر الله عز وجل عليها، لكننا نعيش فترة فيها من البلاء والفتنة والاضطراب والتقلب ما لم يوجد في تاريخ البشرية جمعاء.
فترة أخبرنا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها: (فتن كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناًويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)، ثم يقول عنها: (ألا إنها ستكون فتن، ثم ألا إنها ستكون فتن، ثم ألا إنها ستكون فتن، قالوا: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله وسنتي).
إذاً: هذه الفترة تمتاز بالتقلب في حياة الناس، والطريق الثابت الذي نضمن فيه -بإذن الله عز وجل- الثبات بحيث نموت على الإسلام وندرك حسن الخاتمة، ونستجيب لقول الله عز وجل: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، الطريق الثابت هو أن نأخذ هذا الدين عن اقتناع، ومحبة ورغبة، وأن نتمسك بهذا الكتاب؛ لأن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ [الأعراف:170]، ويقول: خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12]، أي: لا بضعف، حينئذٍ نسلم بإذن الله عز وجل من التقلب والأهواء والفتن.
ولذلك أخبرنا الله تعالى عن هذا النوع من البشر بقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ [الحج:11]، وكان لهذا نظائر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كثير من الأعراب يدخلون في الإسلام، فإذا أصابتهم سنة كسب وخير وأمطار، وولدت أغنامهم، وكثرت ألبانهم؛ ثبتوا على دين الله عز وجل، وإن أصابتهم ضراء بحيث أصابهم الجدب، وقَلت الأمطار، وقل النبات؛ قالوا: هذا دين لا يصلح، اخترنا هذا الدين فأصبنا بهذه النكبات؛ فتركوه، لكن نحن الآن نلاقي من الفتن ما هو أعظم من ذلك، فالسجون الآن مليئة بكثير من المؤمنين في كثير من أنحاء العالم الإسلامي، إذ قالوا: ربنا الله، لكن أترى أن هؤلاء المؤمنين سيصمدون وسيقفون معتزين بدينهم أمام هذه الفتن أم سيرجعون من منتصف الطريق؟
أنا أرى أن الكثير من الناس يضعف أمام هذه الفتن، نرى كثيراً من إخواننا الوافدين من البلاد المجاورة اليوم ملتحياً، وغداً نراه غير ملتحٍ، لماذا؟ أين ذهبت؟ قال: بلدي فيها فتنة، وإذا ما ذهبت إليها فقد أعاقب على هذه اللحية، فأصبحنا لا نملك من دين الله عز وجل ولا حتى مظاهر شعائر هذا الدين، وأصبحنا نخاف من أعداء الله عز وجل أكثر من خوفنا من الله عز وجل! هل يستطيع أولئك الأعداء أن يقدموا الأجل أو يؤخروه؟ لا والذي نفسي بيده لا يستطيعون ذلك، هل يستطيعون أن يزيدوا في الرزق أو ينقصوه؟ لا والله، ولكنه الخوف من خلق الله عز وجل، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب).
وعلى هذا فإني أقول: إذا كنا نعيش عصر الفتنة، ونحن لا ننكر مواقف الطغاة من المؤمنين في أيامنا الحاضرة، لكننا نقول: إذا أخذنا هذا الإيمان عن اقتناع، وأخذنا هذا الكتاب الذي بأيدينا بقوة، وعاهدنا الله عز وجل على العمل به؛ فلن يضيرنا ما فعلوا، ويقول قائلنا بلسان حاله أو بلسان مقاله لله عز وجل:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
يجب أن نقول هذا الكلام ونخاطب به الله عز وجل، لا أن نخاطب به مخلوقاً من المخلوقين، فيكون إيماننا صلباً، ونستطيع أن نقف به أمام هذه الفتن، وأمام هذه الشدائد، أما ذلك الإيمان الذي يعبد الإنسان فيه ربه على حرف فنعوذ بالله منه، هذا الإيمان لا يمكن أن يقف على قدميه فضلاً عن أن يعيش في أيامنا الحاضرة بالذات؛ لأن أيامنا أيام فتن وتقلب وأهواء ومصالح، وأصبح كثير من الناس لا يستطيع أن يجهر حتى بأمور دينه، حتى لقد سمعنا أن أقواماً لا يستطيعون الذهاب إلى المسجد في صلاة الفجر أو في أكثر الصلوات في بعض البلاد المجاورة؛ لأن أعداء الله سيأخذونهم إذا وجدوهم يذهبون إلى المسجد، ولا أظن أن هناك فتنة مرت بالمسلمين أعظم من هذه، ولا حتى في عهد التتار والصليبيين والمغول وغيرهم من العالم المتوحش، يأخذون الناس لأنهم يؤمنون بالله عز وجل!
وليس هناك حل لنا أمام هذه الفتن إلا أن نعبد الله على قاعدة صلبة، لا على حرف، وإذا عبدنا الله عز وجل على قاعدة صلبة فإن الله تعالى يثبت أقدام المؤمنين على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أما إذا عبد الناس ربهم على حرف فأصبحوا يأخذون من هذا الدين ما سهل، وإذا صعب عليهم الأمر تركوه؛ فلن ينالوا ذلك الثبات من الله عز وجل.
هذه الآيات من أول سورة العنكبوت لها قصة عجيبة جداً: هي أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنق الإسلام، ولكن أمه كانت تقول له: يا بني! أتترك دين آبائك وأجدادك؟! والله لا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بدين محمد! -نعوذ بالله- وهذه أكبر فتنة تأتيه من أقرب الناس إليه، فينظر إلى أمه ونفسها تتقعقع من الجوع والعطش، ويرى الموت ينتزعها، أيأخذ بعاطفته أم بعقله؟ إن أخذ بالعاطفة ترك دينه، وإن أخذ بالعقل نازعته عاطفته، فماذا يعمل؟
بقي فترة من الزمن يراودها علها أن تأكل وتشرب، ولكن تغلب العقل على العاطفة؛ لأن هؤلاء رباهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: اسمعي يا أماه! والله لو كانت لك مائة نفس خرجت كل واحدة بعد الأخرى ما تركت ديني، فإن شئت كلي وإن شئت فلا تأكلي! فماذا فعلت؟ أكلت وبقيت، وأنزل الله عز وجل فيه صدر سورة العنكبوت: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت:1-3]، يعني أن الفتنة ليست خاصة بهذه الأمة فقط، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:3-6]، ثم قال الله تعالى بعد ذلك: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ [العنكبوت:8]، ثم قال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ [العنكبوت:10]، كما أوذي هذا الرجل الصحابي الجليل في أمه جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10].
وهذه الفتنة في أيامنا الحاضرة أصلب وأقسى وأعنت، فيفتن الرجل اليوم في دينه، ويؤذى في نفسه وأهله.
الحقيقة أن هذا النوع من البشر أيضاً عجيب أمره، فهو يشتري لهو الحديث بماله، ويبذل فيه ثمناً غالياً نفسياً، واختلف أهل التفسير في المراد بلهو الحديث، إلا أن أكثر ما أميل إليه هو قول عبد الله بن مسعود : (والله إنه الغناء، والله إنه الغناء، والله إنه الغناء: هو لهو الحديث)، ولعل هذا الرأي يكون وجيهاً حينما نرى كيف يشترى في أيامنا الحاضرة لهو الحديث، فنرى أن لهو الحديث يباع بأثمان باهضة، لو نظرنا مثلاً كم تبذل دول العالم الإسلامي على التلفزيون وأفلامه، وقلنا: هل ما يبذل على الأفلام وعلى الأجهزة التي تشترى في البيوت، والأشرطة التي تباع بأثمان باهضة، وأفلام الفيديو التي تفسد الأخلاق والمروءة والرجولة، وتقضي على البيوت، وما أشبه ذلك من الأغاني، هل ما ينفق على هذه أكثر، أم ما ينفق على الجهاد في سبيل الله؟!
والله إن الجهاد في سبيل الله في أفغانستان لا يأخذ معشار ما ينفق في دولة واحدة على لهو الحديث، ولو نظرنا بكم تشترى الأفلام في دولة من دول العالم الإسلامي لوجدنا ما ينفق على الجهاد في أفغانستان التي تختطف فيها يومياً أرواح آلاف الشهداء، والتي هي فاصل بين دخول الشيوعية في بلاد المسلمين أو عدم دخولها، والتي يقف فيها الأفغان أمام أعتى قوة؛ لوجدنا أن ما يصرف لا يساوي معشار ما تنفقه دولة واحدة على لهو الحديث، ولذلك نفهم معنى قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6].
هل تصدقون أن هناك حفلات ساهرة فاسدة منحرفة لا يدخلها الناس إلا ببطاقة بعشرات الدولارات؟! ولقد حز في نفسي حينما رأيت سهرة ما في بلاد إسلامية على رأس عيد السنة، ولا أكتمكم أن هذا كان هنا في القصيم، وكانت قيمة التذكرة بخمسين ريالاً! وأن هناك عرضاً بموسيقى، وهذه الموسيقى من سيعرضها؟ سيعرضها نصارى يظنون أنهم يحيون عيد الميلاد، ولا أدري ماذا يوجد مع هذه الأشياء! ولولا أن الله تعالى قيض لإنكارها بعض الصالحين والمصلحين والمسئولين فوقفوا أمامها لحدثت، وأظنها نشرت سراً، وكان سيدخلها آلاف من الرجال والنساء ليستمعوا إلى هذه الحفلات الماجنة المنحرفة الضالة، ويشترون لهو الحديث بهذا المال، قلت حينها: سبحان الله! صدق الله العظيم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6].
قصة أخرى: زرت إحدى القرى في منطقة جازان التي يقولون: إنها أفقر المناطق، فزرت أمير القرية، فقلت: أهذه أكبر قرية؟ قال: نعم، قلت: أريد أن تدلني على أفقر بيت في هذه القرية، فدلني على بيت فيه عجوز، وقال: هذه أفقر امرأة في جازان، وجازان معروفة بأن الحياة فيها من أبسط المناطق في المملكة التي امتن الله عليها بهذه الخيرات، فأول ما قابلني في هذا المدخل تلفزيون ملون عند الباب، فقلت: سبحان الله! صدق الله العظيم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6]، قلت: ماذا تملك هذه؟ قال: لا شيء، وكل الناس يتصدقون عليها بأكلها، ولا تملك شيئاً أبداً.
أصبح الناس الآن يشترون لهو الحديث، ولهو الحديث هذا لا نخسر عليه المال فقط، بل نخسر عليه ما هو أكبر من ذلك: (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، فقد ضل كثير من الناس على أيدي هذه الوسائل الحديثة المنحرفة التي جاءت بالرقص والغناء واللهو والموسيقى والمسرحيات الماجنة والمصائب، سواء كان ذلك عن طريق التلفاز أو الفيديو أو الإذاعة أو الصحف والمجلات والصور الفاتنة، ولذلك ندرك معنى قول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6].
أيها الإخوان! هذه منازل ومراتب، وهؤلاء هم أنواع البشركما وزعهم الله عز وجل، فأي مرتبة تريد أن تختارها أيها الأخ المسلم وأنت تنتظر الوقوف بين يدي الله عز وجل، وأمامك القبر والحساب والجنة والنار والصراط والميزان .. أمامك مواقف تدع الحليم حيران، ويشيب منها الولدان، فما عليك يا أخي إلا أن تتقي الله عز وجل في نفسك وبيتك وأمانتك وأهلك وذريتك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
أقول قولي هذا وأستغفر الله ولي ولكم، ولا أظن أن واحداً منكم أكثر مني ذنباً وأعظم تقصيراً، ولكني أستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الشيوعية والاشتراكية منبعهما واحد، ولكن الأولى أوسع من الثانية كما يقولون، فالأولى تنكر الخالق، والأديان، وتلغي الملكية الفردية، والاشتراكية جزء منها كما تزعم، والشيوعية تلغي نظام الأسرة، وتريد أن تحول الإنسان إلى حظيرة من الحيوانات، لا يعرف فيها الرجل أولاده ولا الولد أباه .. إلى غير ذلك، ولا تؤمن باليوم الآخر، ولا بالرسل ولا بالكتب السماوية .. إلى غير ذلك، ومبدؤها الأول: لا إله، والحياة مادة. سبحان الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!
أما الاشتراكية فإنها تعتبر فرعاً من هذه ووسيلة لها، فإذا أرادوا أن يلطفوا الموضوع قالوا: اشتراكية، وإلا فإن هذه من جنس تلك، والاشتراكية لا تكون إلا في الأموال، ولكنها في البلاد الشيوعية تكون في الأموال والأسر وكل شيء كما يخططون لها، إلا أن كل هذا يتنافى مع الفطرة.
وعلى كل فإن الله تعالى جمع لنا بين الشيوعية والاشتراكية التي يزعمونها فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34]، فإن أكل أموال الناس بالباطل داخل في الصد عن سبيل الله تعالى، وهذا داخل في ذاك.
أما بالنسبة للاشتراكية الإسلامية؛ فالإسلام ليس فيه اشتراكية، إنما الإسلام: حكم قائم عظيم سبق كل هذه المذاهب وهذه الأفكار، وهو بريء من الاشتراكية؛ لأن الاشتراكية تأخذ أموال الناس بدون إرادتهم، أما الإسلام فإنه يدعوهم إلى الإنفاق في سبيل الله تعالى، والبذل، ويأخذ جزءاً بسيطاً من أموال الناس ليردها إلى الفقراء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، وعلى هذا فإنه لا اشتراكية في الإسلام، ولكن في الإسلام نظام وحكم قائم يضمن لنا سعادة الفرد والجماعة، ويغنينا عن الاشتراكية وعن كل هذه المذاهب، وهو ضمان الفقراء عن طريق الزكاة والنفقة الواجبة أو المستحبة، أو عن طريق الكفارات، وما أشبه ذلك مما وضعه الله تعالى للإحسان للفقراء.
الجواب: هذا كلام طيب، يعني: الاعتذار من الله سبحانه وتعالى، ومعناه: نخشى أن نكون عصيناه، أما الاعتذار منكم، فأظن أن هذا ليس فيه شيء أبداً إن شاء الله.
الجواب: هذا الوضع له ثلاث حالات:
الأول: جره خيلاء، وهذا -نعوذ بالله- فيه وعيد شديد، قال عليه الصلاة والسلام: (من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، وقال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)، وهذه أخبث المراحل أن يجره خيلاء، وأن يصل إلى الأرض ويخط في الأرض ويقصد به الخيلاء، هذا لا ينظر الله إليه، وأخاف أن عباداته مردودة عليه، حتى إذا صلى وهو يجره فأخشى على صلاته هذه ما دام أن الله تعالى لا ينظر إليه.
الثاني: لا يجره ولكنه لا يصل إلى الأرض ولا يقصد به الخيلاء، وإنما ينزل عن الكعبين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار).
الثالث: لا يريد جره، ولا جره، وإنما نزل منه بدون إرادة، مثلاً: لبس ثوباً مفاجأة فوجده طويلاً، ولا يتمكن في هذه اللحظة أن يرفعه، أو لبس مشلحاً أو ما أشبه ذلك فوجده طويلاً، أو لبس إزاراً مسترخياً، فهذا هو الذي يقصده الرسول صلى الله عليه وسلم مع حال أبي بكر حينما قال: (إن إزاري يسترخي يا رسول الله! قال: إنك لست ممن يفعله خيلاء)، وهذا لا شيء فيه؛ لأنه ما قصد الخيلاء ولا الإسبال.
الجواب: هذا الوضع خطير، وأخشى أن يدخل تحت قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] الآية، وكونه يختار قرناء سوء وقرناء صالحين هذا تناقض وازدواجية في حياة هذا الإنسان، فنقول له: اتق الله، واحذر قرناء السوء، وعليك بالرجال الصالحين الذين تستفيد من حياتهم، وأخشى أن يفسد أولئك المنحرفون عليك أكثر مما يصلحه هؤلاء المصلحون، وعليك أن تحذرهم كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقارنة أصحاب السوء؛ فإنهم كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة.
الجواب: هذا في الحقيقة ليس نفاقاً عملياً ولا اعتقادياً؛ لأن النفاق الاعتقادي: هو إبطان الكفر وإظهار الإيمان، والنفاق العملي: هو الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (آية المنافق ثلاث)، ولكن نقول: يخشى أن يدخل في المخادعة؛ لأن استماع الأغاني محرم، خصوصاً أصوات النساء، أو التغزل بالنساء والتشبيب بهن، فنقول: أنت عاصٍ، فعليك أن تتقي الله، وأن يكون مظهرك كمخبرك كلاهما صالحاً.
الجواب: الاعتكاف ليس من الرهبنة، لكن لو أن واحداً من الناس اعتكف مدى الحياة؛ خشينا أن يكون ذلك من باب الرهبنة، أما أن يعتكف مدة من الزمن منقطعاً للعبادة فهذه سنة، والرهبنة تكون في أمور ما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، أما الاعتكاف فإنه سنة، أشار الله عز وجل إليها بقوله تعالى: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، والاعتكاف فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أصحابه، فهو من العبادة، لكن لو أن واحداً من الناس أراد أن ينقطع للعبادة مدى الحياة في المسجد ولا يخرج منه، ويقول: إن هذا هو الزهد، عندها نقول: هذا هو الإحداث في الدين.
الجواب: الرأسمالية لها معنيان: معنى اصطلاحي ومعنى لغوي، المعنى اللغوي معنى محمود: وهو أن يكون للإنسان رأس مال، والله تعالى أباح لنا أن نتخذ من الأموال ما يكون حلالاً، ونؤدي حقوق هذا المال، لكن الرأسمالية لها معنى اصطلاحي مخيف، وهو: أن تأخذ المال من الحلال والحرام، وليس هناك شيء اسمه ربا محرم، ولا أضعاف مضاعفة محرمة، أو حقوق واجبة، أو زكاة. هذه هي الرأسمالية في معناها الحاضر، ومعروف أنها عدوة للإسلام، وهي التي نشرت الربا في بلاد المسلمين، وفتحت له البنوك في بلادهم، ولا تؤدي حقوق هذا المال.
هذه هي الناحية الخطيرة في الرأسمالية في معناها الاصطلاحي لا في معناها اللغوي، أما معناها اللغوي: فإن الله تعالى أباح للإنسان أن يتخذ من المال كل ما يكسبه من الحلال، لكن عليه أن يؤدي حقوقه، ولذلك قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة:34] الآية، ويقول العلماء: كل مال أديت زكاته فليس بكنز، ولو كان أكثر ما يكون، وكل مال منعت زكاته فهو كنز، ولو كان مالاً قليلاً.
الجواب: العمل أصله مباح، لكن البعد عن مواطن الريبة والفتنة أمر مطلوب وواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولذلك نقول: اعمل في أي مجال، لكن عليك وأنت تعمل في أي مجال من المجالات أن تنكر المنكر بقدر ما تستطيع؛ لأنك مسئول عن إنكار هذا المنكر، وكون الصالحين يخالطون الناس الذين فيهم شيء من البلاء أحسن إذا أمنوا على أنفسهم من الفتنة، وعليهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويدلوا الناس إلى طريق الخير.
الجواب: العصبية القبلية بهذا الشكل نظام اجتماعي، وليست من الدين في شيء، والدين لا يفرق بين القبيلي وغيره، والله تعالى يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، وفي الحديث: (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وغير القبيلي ليس له ذنب، فهو يجتمع مع القبيلي في آدم عليه السلام وفي حواء ، وهما من ذرية من حمل الله تعالى مع نوح، ولكن لما صار هذا نظاماً اجتماعياً بين الناس فنقول للناس: من الأفضل أن تأخذوا بذلك؛ لأن رفض هذا النظام يؤدي إلى بلاء وفتنة ومشاكل، فلو أن واحداً من هؤلاء تزوج من غيره فأخشى أن تقوم هناك فتنة بينه وبين أهله وذويه، ولذلك نقول: تلافياً للمشاكل وحتى تنحل هذه المشكلة بإذن الله على ضوء الإسلام فالأولى ألا نخرج عليها خروجاً كاملاً، لكن الأصل ليس هناك هذه التسميات؛ لأن هؤلاء بشر وكلهم يرجعون إلى أب واحد وأم واحدة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1].
الجواب: هذه فضيلة كبيرة؛ لأن: (من دعا إلى هدى فله مثل أجر من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء)، فمن أسلم على يديه أحد من غير المسلمين فليشكر الله على هذه النعمة؛ لأنه قد غرس غرساً يبقى له بإذن الله تعالى إلى يوم القيامة، ولذلك فإنه يلزمه في مثل هذه الحالة أن يتعاهد هذا الغرس، ويتفقده، ويقدم له النصح، ويقدم له الأمور التي تمكنه من دينه؛ لأننا نرى اليوم كثيراً ممن يدخلون في الإسلام يخرجون بطريقة غير مباشرة، وعلى هذا فإننا نقول: نحاول أن نثبت الإيمان في قلوب هؤلاء، وألا نقبل منهم أن يدخلوا في الإسلام إلا عن اقتناع؛ لأنهم لو دخلوه عن غير اقتناع ثم خرجوا منه أصبحوا مرتدين، والمرتد له حكم خاص.
الجواب: يقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولكننا نستطيع أن ننكر المنكر ونتحمل في سبيل إنكار المنكر أشياء كثيرة، والناس يختلفون، هناك من يستطيع أن يتحمل، وهناك من لا يستطيع أن يتحمل، فنقول: الناس مطالبون بأن ينكروا المنكر، ويبذلوا الثمن في سبيل إنكار هذا المنكر، ويتحملوا المسئولية تجاه إنكار المنكر؛ لأن هذا هو منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، لكن لو كان هذا المنكر يترتب على إنكاره على الإنسان في نفسه أشياء خطيرة لا يستطيع أن يتحملها، فنقول: لا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن عليه أن يتقي الله تعالى ما استطاع، فإذا كان عنده الإيمان القوي الذي يؤهله لأن يتحمل في سبيل هذا الأمر كل ما يلاقيه، فنحن نطالبه بذلك، أما إذا كان ضعيف الإيمان فنسأل الله تعالى أن يتجاوز عنه في إنكاره بقدر ما يستطيع، أما إذا كان يقيم حواجز بينه وبين أقاربه فنقول: عليه أن يستعمل الحكمة، وإذا استعمل الحكمة فلن تقوم هذه الحواجز بينه وبين أهله وأقاربه وذويه، ولكن إذا كان أولئك يكرهون إنكار المنكر بأي وسيلة، فنقول: يجب أن تقوم الحواجز بينه وبين أهله وأقاربه، خصوصاً إذا كان منكراً كبيراً؛ لأن هؤلاء ليسوا منه وليس منهم.
الجواب: إذا كانت الراقصة امرأة، وفي معزل عن الرجال، وليس هناك أشياء مثيرة أو محركة للشهوة، فأرجو أن يكون هذا الأمر أسهل؛ لأن الدف ما دام قد أبيح للنساء في أيام الزواج، فأتوقع أن هذا تابع لذلك، ولكن الاحتياط هو البعد عن هذه الأمور كلها، أما إذا كانت عن مقربه من الرجال، أو يظهر الصوت للرجال، أو كانت هناك صور أو ما أشبه ذلك؛ فإن هذا كله من الأمور المحرمة.
الجواب: نعم عليها إثم؛ لأن الله تعالى يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، والحج والعمرة يختلفان عن كل العبادات: أن الإنسان إذا بدأ بالنفل أصبح النفل واجباً، ولذلك نقول: هذه ما زالت محرمة، ما دامت قد عقدت النية، وتعدت الميقات وهي محرمة، وعليها أن تحج في العام القادم، والأولى قبل أن ترجع أن تذبح ذبيحة؛ لأن الله تعالى يقول: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وما دامت قد منعت، مع أنها في الحقيقة ظنت أنها منعت، ولذلك نقول: هي خافت فهي آثمة، وعليها أن تعتبر نفسها الآن محرمة، وعليها أن تحج في العام القادم.
الجواب: أكثر العلماء يرون أن العمرة ليس لها طواف وداع، وعلى كل لو فرضنا أن طواف الوداع واجب فإنه يسقط بالحيض كما في الحج مثلاً، فإن طواف الوداع فيه واجب، فإذا حاضت المرأة سقط عنها طواف الوداع.
الجواب: هذا فيه إثم بينه وبينه الله تعالى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم والجلوس في الطرقات، فقال رجل: يا رسول الله! ما لنا في المجالس من بد، فقال: إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه يا رسول الله! قال: كف الأذى، وغض البصر، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وعلى هذا نقول: الجلوس في الطرقات لهدف التفرج على النساء والنظر إليهن هذا من الأمور المنهي عنها التي لا تجوز، وإذا جلس الإنسان في الطرقات لضرورة أو لحاجة فإن عليه أن يغض بصره، كما ندعو أيضاً النساء ألا يتبرجن، وألا يخرجن إلا لحاجة؛ لأن الله تعالى يقول لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، فإن من الإثم ما نشاهده من خروج كثير من الفتيات في أيامنا الحاضرة، والذهاب للدكاكين والخياطين والبقالين وغير ذلك، بحيث نرى هذه المرأة قد تخلو مع واحد منهم تكلمه، وربما تكلمه بسر، وربما تدخل رأسها داخل الدكان أو جسمها، وهذا كله من الأمور الخطيرة، وندعو الشباب أيضاً إلى أن يبتعدوا عن مواطن الفتنة؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
الجواب: الحقيقة أن كثيراً من الذين يجهلون تعاليم الإسلام وأخذوا الدين بالوراثة، إذا سمعوا فتوى عالم من علماء المسلمين موثوق يستنكرونها أو ينكرونها، والمسلم يجب عليه أن يبحث عن الحق ولو كان مع من كان، وإذا كان من علمائنا المجتهدين -والحمد لله- في أيامنا الحاضرة من بدءوا يعطون الناس الآراء الصحيحة الممحصة التي تعتمد على الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الذين يطعنون في فتاوى هؤلاء العلماء خاطئون، وواقعون في خطر، ولذلك أقول: إذا كان هذا العالم موثوقاً في دينه وأمانته وعلمه؛ فعليك -إذا لم تكن من أهل الاجتهاد- أن تقبل هذا العلم من هذا الرجل الذي هيأه الله عز وجل من أجل أن يدلك على طريق الحق.
الجواب: أما كثرة الطلاق فلا أظنه -والحمد لله- كثر الآن؛ بل أصبح كثير من الناس يدخل مع زوجته على بصيرة، ولكن ربما يكثر الطلاق في بعض المناطق أو عند بعض الفئات الذين لا يطلعون الزوج على شيء من أخبار الزوجة أو من شكل الزوجة، ولذلك من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة، هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أحرى أن يؤدم بينهما، فإذا دخل على غير بصيرة أخشى أن تكون الكراهية، لكن إذا دخل على بصيرة فإنه يتوقع أن يؤدم بينهما.
وعلى كل فإذا نزلنا مع سؤال الأخ بأنه قد كثر الطلاق فلا بد أن له أسبابه، وعلينا أن نتقيها، وأخشى أن تكون من أهم أسبابه: عدم معرفة المرأة للرجل، أو عدم معرفة الرجل للمرأة، أو أن هناك مطامع أخرى قد تغري المرأة بحيث تتمرد على الرجل، وعلى كل فإنه إذا كان أيضاً هناك ظلم من الزوج للزوجة فإن هذا الظلم لا مكان له في دين الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، وعالجنا المشاكل الزوجية بطريق الحكمين، وإذا لم تفلح كل الحلول فإن الله تعالى يقول: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء:130].
وما الحكم إذا كانت المرأة حاملاً وخرج منها سائل، فهل يجب عليها الغسل للصلاة أم لا؟
الجواب: أما بالنسبة لمن هجر زوجته فلا يجوز الهجر إلا كما أمر الله عز وجل: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34] أي: بالنسبة للناشز، أما الهجران بدون سبب فإن هذا ظلم للمرأة، كما أن الميل إلى إحدى الزوجات دون الأخرى يعتبر أيضاً ظلماً آخر، ولذلك فإن الله تعالى يقول: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، ولا يجوز الهجر إلا على سبيل التأديب، وإذا كانت المرأة ناشزاً؛ فإن الله تعالى قال: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34]، ولكن هذا الهجر أيضاً له حدود.
أما بالنسبة للعدل بين الأولاد فإنه أمر واجب، ولا يجوز لأحد أن يفضل بين أولاده؛ لأن ذلك يؤدي إلى الشقاق، وإخوة يوسف عليه السلام وهم أنبياء نعرف ماذا حدث بينهم لما فضل يعقوب عليه السلام يوسف على إخوته، كادوا له كيداً، فكانت الفتنة الكبيرة التي نقرؤها في سورة يوسف.
أما بالنسبة للسائل فإنه إذا كان في أيام الحمل فليس هذا بدم عادة، إذا كانت ممن لا تأتيها العادة في أيام الحمل فإنه لا أثر له، لكن إذا كان من الاستحاضة -ولا أظن الاستحاضة تأتي في أيام الحمل- فإن عليها أن تغتسل لكل صلاة إذا كان هذا السائل دماً، أما إذا كان غير ذلك فإنها تتوضأ.
وبالنسبة للتفرقة بين الأولاد فهو يكثر في أيامنا الحاضرة تفضيل بعض الأولاد على بعض، وهذا يؤدي إلى بلاء وفتنة ومصيبة، ولذلك النعمان بن بشير رضي الله عنه لما جاء أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أنه أعطى النعمان عطية ما أعطاها أحد إخوانه؛ غضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور)، فنقول: يجب العدل والتسوية بين الأولاد، اللهم إلا في أمور يتطلبها بعضهم دون البعض، كالزواج مثلاً فمن بلغ الزواج يزوجه، ومن كبر سنه ويحتاج إلى سيارة يعطيه سيارة، أما إذا كانوا متساوين في السن وفي المرحلة وكل شيء فتجب التسوية بينهم.
الجواب: إذا كانت ما رمت الجمرة أبداً فإنها تركت واجباً من واجبات الحج؛ لأن الرمي واجب، فنقول: عليها دم مقابل هذا الرمي الذي تركته، يذبح في الحرم ويوزع على فقراء الحرم (فدية)، أما إذا كانت وكلت أحداً ورمى عنها فإن هذا يكفي إن شاء الله.
الجواب: ما دام الوقت فيه سعة فأرجو -إن شاء الله- أن هذا الإنسان ليس عليه لوم، إنما الذي يلام من يخرج عليه الوقت، فإذا خرج الوقت فيلام الإنسان الذي أخر الصلاة عن الوقت، أما ما دام الوقت باقياً فلا شيء على هذا الذي مات -إن شاء الله- ما دام الوقت لم ينته بعد، ولكن الأولى الصلاة في أول وقتها، فإن أحب الأعمال إلى الله تعالى الصلاة في أول وقتها.
الجواب: لا تجوز صلاة المنفرد خلف الصف كما جاء في الحديث، لكن إذا كانت هناك ضرورة وخشي فوات الركعة، ولم يدخل أحد؛ فإنه يصلي منفرداً؛ لقصة أبي بكرة رضي الله عنه، فإنه كبر ومشى وهو راكع، وعلى كلٍ فإنه إذا كانت هناك فرجة في الصف تتسع له وتركها فصلاته غير صحيحة وعليه أن يعيد الصلاة، فإن من صلى فرداً خلف الصف وفي الصف مكان له فصلاته غير صحيحة، وعليه أن يعيدها، أما إذا لم يكن هناك مكان في الصف فصلاته إن شاء الله صحيحة، ولا يحتاج إلى أن يجر أحداً معه.
الجواب: انتقال الرضاع بالمصاهرة موضع اختلاف، أنا لا أستطيع أن أفتي فيه؛ لأن الرضاع يحرم كما يحرم النسب، إلا في موضوع المصاهرة فهذا مختلف فيه، أي: هل ينتقل الرضاع بالمصاهرة كما ينتقل بالنسب؟ اختلف فيه العلماء، وأنا لا أفتي فيه.
الجواب: رفع اليدين في الدعاء مستحب، إلا في حالة واحدة في خطبة الجمعة، إذا بدأ الخطيب يدعو فالمؤمَّن لا يرفع يديه في مثل هذه الحالة، إلا في الاستغاثة والاستسقاء كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، أما في غير هذه الحالة كالوتر مثلاً، أو بعد الصلوات الفرائض بشرط ألا يداوم على ذلك، أو بعد النوافل بلا مداومة؛ فلا بأس، فالرفع في الدعاء سنة.
وأما قراءة الفاتحة للأموات فلم يفعلها السلف الصالح ومن بعدهم، فقراءتها على الأموات بدعة في الدين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر